1- في هذا الحديث بيانُ أصول شرائع الإسلام التي يجب على كلِّ مسلم العملُ بها، والمحافظةُ عليها، ولا يصحُّ إيمان المرء إلا بها.

2- ليس في الحديث أن جميع من يَقْدَمُ عليهم معاذٌ رضي الله عنه من أهل الكتاب؛ بل يجوز أن يكون فيهم من غيرهم؛ وإنما خصَّهم بالذكر تفضيلاً لهم على غيرهم  [1]

3-في الحديث الأمر بتجنُّب الظُّلم عامَّةً، وفي أخذ الصدقات خاصَّةً، والحرص على العدل دائمًا، والتحذير من دعوة المظلوم؛ فإنها مسموعةٌ مستجابة لا تُرَدُّ، "تُفتح لها أبواب السموات السبع، ولا يَحُول بينها وبين القَبول حائلٌ، وليس بينها وبين إجابتها حجابٌ"  [2]

 4- في الحديث دليلٌ على أنه لا يُطالَب أحد بفروع الشريعة إلا بعد ثبات الإيمان، وحُجَّةٌ لمن يقول: إن الكفَّار غيرُ مخاطَبين بفروع الشريعة؛ بل هم مخاطَبون بالأصول فقط  [3]

5- في الحديث إشارة إلى أنه ينبغي للإمام أن يَعِظَ وُلاتِه، ويأمرهم بتقوى الله تعالى، ويأمرهم بالعدل بينهم، ويخوِّفهم عاقبة الظلم، ويحذِّرهم قُبح عاقبته. [4]


المراجع

  1. "فتح الباري" لابن حجر (3/ 358).
  2.  "فتح الباري" لابن حجر (3/ 358). 
  3. "فتح المنعم شرح صحيح مسلم" لموسى شاهين لاشين (1/ 70). 
  4. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (1/ 239).



  1. في الحديث جَوَازُ رُكُوبِ اثنينِ على حِمارٍ.
  2. فِي الحديث تَوَاضُعُ النَّبِيِّ ﷺ .
  3. فِي الحديث فَضْلُ مُعَاذٍ، وَحُسْنُ أَدَبِه في القول وفي العِلم، بِرَدِّهِ لِمَا لم يُحِطْ بحقيقته إلى عِلم اللَّه ورسوله، وعِظَم مكانته، وقُرْبُ مَنْزِلته من النَّبِيِّ ﷺ .
  4. قول معاذ: (قلتُ: اللهُ ورسولُه أعلم): كان الصحابة إذا سألهم النبيُّ ﷺ  ولا يعلمون، يقولون: الله ورسوله أعلم، فيُعطيهم الجواب، وأما بعدَ ذلك، فليس لأيِّ إنسان إذا سُئل عن أيِّ شيء لا يعلمه أن يقول: الله ورسوله أعلم؛ لأن الذي يُضاف إليه العلم على الإطلاق هو الله سبحانه وتعالى، القائل:

    قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ

    [النمل:65]

    وأما الرسول ﷺ  فإنه لا يَعلَم كلَّ غَيب، وقد أمر الله نبيَّه ﷺ  أن يقول:

    لَّآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ

    [الأنعام:50]

    فلا يعلم من الغَيب إلا ما أَطلَعه الله عليه[1]
  5. يؤخَذ من منع معاذ من تبشير الناس لئلا يتَّكِلوا أن أحاديث الرُّخَص لا تُشاع في عُموم الناس؛ لئلَّا يَقصُـر فَهْمُهم عن المراد بها، وقد سَمِعها معاذٌ فلم يَزدَد إلا اجتهادًا في العمل وخشية لله عزَّ وجلَّ، فأما من لم يبلغ منزلته، فلا يؤمَن أن يُقصِّـر اتِّكالاً على ظاهر هذا الخبر[2] .

المراجع

  1. "شرح الأربعين النووية للعباد (8/ 9).
  2.  "فتح الباري" لابن حجر (11/340).

1. شرع الله تعالى لعباده عند خَتْمَ صيام رمضانَ زكاةَ الفِطر، وصلاة العيد، والتكبير، والذكر؛ تعظيمًا لله - عزَّ وجلَّ - وشكرًا له على نعمته بإكمال الصيام والقيام.

2. زكاة الفِطر هي زكاة يسيرة وخفيفة على الْمُخرِجين، وهي شكرٌ لله تعالى على إتمام صيام الشهر، وتنفع الفقراء والمساكين، وتوسِّع عليهم في العيد، وفيها إشاعة المحبَّة، وبثُّ السرور بين المسلمين؛ فالعيدُ يومُ فرح وسرور، فاقتضت حكمة الشارع أن يَفرِض للمسكين في يوم العيد ما يُعِفُّه عن السؤال، ويُغنيه عن الحاجة.

3. أُضيفت هذه الزكاةُ إلى الفِطر؛ لأنها تَجِب بالفِطر من رمضانَ [1].

4. يقال لزكاة الفطر: فِطرةٌ؛ لأن الفِطرة الخِلْقة؛ قال الله تعالى:

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}

[الروم: 30]

 أي: جبِلَّتَه التي جبَل الناسَ عليها، وزكاة الفطر يُراد بها الصدَقةُ عن البدن والنفس كما كانت الزكاة صدقةً عن المال [2].

5. حِكْمةُ زكاة الفِطر ظاهرةٌ جدًّا؛ ففيها إحسانٌ إلى الفقراء، وكَفٌّ لهم عن السؤال في أيام العيد؛ ليشاركوا الأغنياء في فرحهم وسرورهم به، ويكون عيدًا للجميع، وفيها الاتِّصاف بخُلق الكرم وحبِّ الْمُواساة، وفيها تطهيرُ الصائم مما يحصل في صيامه من نقص ولَغْوٍ وإثم، وفيها إظهارُ شُكر نعمة الله بإتمام صيام شهرِ رمضانَ وقيامه، وفِعل ما تيسَّر من الأعمال الصالحة فيه [3].

المراجع

1. "المغني" لابن قدامة (3/ 79).

2. "المغني" لابن قدامة (3/ 79).

3. مجالس شهر رمضان" لابن عثيمين (ص142).


1. أخبرَنا الله تعالى بجزاء العبادات، وأن الحسنة بعَشْر أمثالها، إلى سَبعمائة ضِعف، إلى أضعاف كثيرة، إلا الصومَ؛ فإنه مُستَثنًى من ذلك، فلم يُخبر الله بجزائه مَلَكًا مقرَّبًا، أو نبيًّا مُرسلًا.

2. الأعمال كلُّها يُجازى عليها ابنُ آدمَ، وكلُّها له، وإنما جَعَل الله الصيامَ وحدَه له تعالى لأمور [1]، منها: أن أعمال بني آدم يمكِن الرياء فيها، فيكون لهم، إلا الصيام فإنه لا يمكِن فيه إلا الإخلاص؛ لأن حال الْمُمسِك شِبعًا كحال الممسك تقرُّبًا.

3. ربما أضاف الله تعالى الصيام له تشريفًا وتخصيصًا؛ كقوله تعالى:

﴿وَطَهِّرْ بَيْتِىَ﴾ 

[الحج: ٢٦]،

وقوله تعالى:

﴿نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَٰهَا﴾

[الشمس: 13].

4. ربما أضاف الله تعالى الصيام له لأن الصوم لا يعلمه أحدٌ غير الله؛ لأن كلَّ طاعة لا يقدِر المرء أن يُخفيَها، وإن أخفاها عن الناس لم يُخْفِها عن الملائكة، والصومُ يمكِنه أن يَنْوِيَه ولا يعلم به مَلَك ولا بشَر؛ فلهذا لا يمكِن أن يَدخُله الرياء.

5. ربما أضاف الله تعالى الصيام له لأن الاستغناء عن الطعام صفةٌ لله تبارك وتعالى؛ فإنه يُطْعِمُ ولا يُطْعَم، كأنه قال: إن الصائم إنما يتقرَّب إليَّ بأمر هو متعلِّق بصفة من صفاتي، وهذا على معنى تشبيه الشيء في بعض معانيه، وإن كان لا يجوز أن يكون لله شريكٌ في كُنْهِ صفاته، كما لا شريكَ له في ذاته.

6. ربما أضاف الله تعالى الصيام له لأن أعمال بني آدم كلَّها لهم فيها حظٌّ إلا الصيام؛ فإنهم لا حظَّ لهم فيه.

7. ربما أضاف الله تعالى الصيام له لأن أعمالهم يقتصُّ منها يوم القيامة فيما عليهم إلا الصيام؛ فإنه لله تعالى، ليس لأحد من أصحاب الحقوق أن يأخذ منه شيئًا [2].

8. قوله: «وأنا أجزي به» فيه زيادةُ تفضيل للصوم، وإن كانت كلُّ العبادات إنما يَجزي بها الله تعالى، والمراد: مضاعفةُ الحسنات من غير عدد ولا حساب [3].

9. في الحديث بيان أن الصيام وقايةٌ وجُنَّةٌ؛ لأن المسلم يتستَّر به من شَوكة الشيطان وإغوائه، والجُنَّة إنما يَكْمُل الانتفاع بها إذا كانت مُحْكَمةً ومسرودةً في غير اختلال، وكذلك الصيام إنما يحقِّق التستُّر به على حَسَبِ العناية به من التحفُّظ، والإتقان، والتنَزُّه عن الخطأ فيهما، فإذا وُجد فيه بعض الخلل، نقَص بحصَّته ثوابُ العمل؛ ولهذا ترتَّب عليه ما بعده من النهي عن الصَّخَب، والرفَث، والفسوق [4].

10. في الحديث النهيُ عن الصَّخب والفسوق والجهل، ونحو ذلك من الأمور التي تَحرُم على الصائم وغيره، وإنما ذكَرَها هنا توكيدًا وتنبيهًا على أن الصوم أبعدُ ما يكون عن الرفَث والجهل، وهو كقوله تعالى في الأشهر الحُرُم: 

﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ﴾

[التوبة: 36]،

فأكَّد حرمةَ الأشهر الحُرُم، وجعل الظلمَ فيها آكَدَ من غيرها [5].

11. قوله «لخُلوف فم الصائم»: قيل: إنه مجاز؛ لأنّه جَرَت العادة بتقريب الرّوائح الطّيِّبة منَّا، فاستُعير ذلك للصّوم لتقريبه من اللّه، فالمعنى: أنّه أطيب عند اللّه من ريح المسك عندكم؛ أي: يُقرَّب إليه أكثر من تقريب المسك إليكم. وقيل: المراد أنّ ذلك في حقِّ الملائكة، وأنّهم يستطيبون ريح الخُلوف أكثرَ ممّا تستطيبون ريح المسك، وقيل: المعنى أنّ حكم الخلوف والمسك عند اللّه على ضدِّ ما هو عندكم، وقيل: المراد أنّ اللّه تعالى يَجْزيه في الآخرة، فتكون نكهته أطيبَ من ريح المسك، كما يأتي المكلوم وريح جُرْحه تفوح مسكًا، وقيل: المراد أنّ صاحبه ينال من الثّواب ما هو أفضلُ من ريح المسك، لا سيَّما بالإضافة إلى الخلوف. وقيل: إنّ الخلوف أكثر ثوابًا من المسك المندوب إليه في الجُمَع ومجالس الذِّكر [6].

12. الفرحتان في الحديث: أما الفرح بلقاء ربِّه، فلِما أعدَّه له من الجزاء الذي أخفاه عن جميع خَلْقه، فلم يَعلَمه غيره، وأما الفرح بفِطره، فيُحتمَل أن يكون فرحًا بالطعام بعد الجوع والعطش، ويُحتمَل أن يكون فرحًا بأن أتمَّ الله عليه صومه في خير وعافية، وسلامته من الفساد [7].

13. فَرَحُ كلِّ أحدٍ بحسَبِه؛ لاختلاف مَقامات الناس في ذلك؛ فمنهم مَن يكون فرحُه مُباحًا - أي: بالطعام والشراب، وهو الطبيعيُّ - ومنهم مَن يكون مُستَحبًّا [8].

14. الْجُنَّةُ: الوقاية وَالسَّتْر أو السُّترة من النار، أو من الآثام، أو مما يُؤْذيه من الشهوات، أو من جميع ذلك [9].

المراجع


1. انظر: "أعلام الحديث" للخطَّابيِّ (2/ 946)، "المسالك في شرح موطَّأ مالك" لابن العربيِّ (4/ 240)، "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبيِّ (3/ 212)، "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" للبيضاويِّ (1/ 490)، "الشرح الممتع على زاد المستقنع" لابن عثيمين (6/ 458).

2. "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" لأبي العباس القرطبيِّ (10/ 1).

3. انظر: "أعلام الحديث" للخطَّابيِّ (2/ 940).

4. انظر: "الميسر في شرح مصابيح السنة" للتوربشتيِّ (2/ 459).

5. انظر: "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (4/ 24)، "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبيِّ (3/ 214).

6. "فتح الباري" لابن حجر (4/ 105، 106).

7. انظر: "أعلام الحديث" للخطَّابيِّ (2/ 947)، "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (4/ 112).

8. "فتح الباري" لابن حجر (4/ 118).

9. "فتح الباري" لابن حجر (4/ 104).







1- في هذا الحديث بيان أصل عظيم من أصول الدين، ألا وهو وجوب اتِّباع النبيِّ ﷺ ، ويكون ذلك بامتثال أمره، واجتناب ما نهى عنه، وقد أمر الله عزَّ وجلَّ عباده باتِّباع نبيِّه ﷺ  والاقتداء بسنَّته؛

فقال

وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحۡذَرُواْۚ فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ

[المائدة: 92].

2- في هذا الحديث أعظم بشارة للطائعين من هذه الأمة، أنهم جميعًا من أهل الجنة إلا من عصى الله ورسوله واتَّبع شهواتِه وهواه، وقد توعَّد الله تعالى مَن خالَفَ أمرَه ﷺ، ورَغِب عن سنَّته

فقال:

فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ

[النور: 63].

3- المراد بالأمَّة في الحديث: أمَّةُ الدعوة، وهي من بُعِث إليهم ﷺ، وقد أُرسل للعالَمين، وقيل: هي أمَّة الإجابة، وهي من صدَّقه وآمن به ﷺ، وهم المسلمون.

4- وردت كلمة (أمة) في القرآن بمعانٍ كثيرة؛ منها: الجماعة

كقوله تعالى:

وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا

[النحل: 36]،

والدِّين

كقوله تعالى:

بَلۡ قَالُوٓاْ إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّهۡتَدُونَ

[الزخرف: 22]،

ومنها: المؤمن المطيع لله

كقوله تعالى:

إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةٗ قَانِتٗا لِّلَّهِ حَنِيفٗا وَلَمۡ يَكُ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ

[النحل: 120]

ومنها: الحين من الدهر

كقوله تعالى:

وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ

[يوسف: 45]

أي: بعد حين.

5- في الحديث بيان أن طاعة النبيِّ ﷺ  واتِّباعه سبب في جلب محبَّة الله تعالى، وغفران الذنوب، ويشهد لذلك

قوله تعالى:

قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ

[آل عمران: 31]

"أي: يَحصُل لكم فوقَ ما طلبتم من محبَّتكم إيَّاه، وهو محبَّته إيَّاكم، وهو أعظمُ من الأول"   [1]

6-

قال تعالى:

قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ

قال الحسن البصريُّ وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبُّون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية،

ثم قال:

وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

أي: باتِّباعكم للرسول ﷺ  يَحصُل لكم هذا كلُّه ببركة سفارته  [2] 

7-

قال تعالى:

وَإِن تُطِيعُوهُ تَهۡتَدُواْۚ

[النور: ٥٤]

إلى الصراط المستقيم، قولاً وعملاً، فلا سبيل لكم إلى الهداية إلا بطاعته، وبدون ذلك، لا يمكِن؛ بل هو محال.

وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ

أي: تبليغكم البيِّن الذي لا يُبقي لأحدٍ شكًّا ولا شُبهة، وقد فعل ﷺ، بلَّغ البلاغ المبين، وإنما الذي يحاسبكم ويجازيكم هو الله تعالى، فالرسولُ ليس له من الأمر شيء، وقد قام بوظيفته [3] 

8-

قال تعالى:

وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ

[الحشر: 7]


وقال:

يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ

[النساء: 59]،

فطاعة الرسول فرضٌ، ومن عصاه فقد عصى الله، وأن ما حرَّم رسول الله  في غير القرآن، كتحريم الله في القرآن [4]

9- أجمع المسلمون على أنّ من استَبانَت له سُنَّة رسول اللّه ﷺ  لم يكن له أن يَدَعها لقول أحد من النّاس  [5]

10- قال رسولُ الله ﷺ : «فعليكم بسُنَّتي، وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين، عَضُّوا عليها بالنَّوَاجِذ، وإيَّاكم والأمورَ المُحدَثاتِ؛ فإن كلَّ بِدعة ضلالة»   [6]  «عليكم بسُنَّتي»؛ أي: الزَموا سُنَّتِي، والسُّنَّة: الطريقة، وهي: كلُّ ما نُقل عن النبيِّ ﷺ  من قولٍ، أو فعلٍ، أو إقرار  [7]

11- حذَّر الله تعالى من مخالفة طريقة رسوله ﷺ  وسيرته ومنهجه

فقال:

فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ

[النــور: 63].

المراجع

  1.  "تفسير ابن كثير" (2/ 32).
  2.  "تفسير ابن كثير" (2/ 32).
  3.  "تفسير السعديِّ" (ص: 572).
  4.  انظر: "المفاتيح في شرح المصابيح" للمظهري (1/ 266).
  5.  "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم (1/ 6).
  6. رواه أبو داود (4607)، والترمذيُّ (2676)، وابن ماجه (42)، وصحَّحه ابن الملقِّن في "البدر المنير" (9/ 582)، وصحَّحه الألبانيُّ في المشكاة (165)، والإرواء (2455).
  7.  انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (2/ 409)

1. في الحديث توجيه وإرشاد للمسلم إلى خطورة حبِّ الإمارة والرياسة، وسؤالها، والغفلة عن حقيقة أمرها؛ فإنها في الدنيا أمانة كبرى ومسؤولية عظمى، ويوم القيامة ستكون على من لم يقم بحقِّها خِزْيًا وندامة. 

2. في الحديث إشارة إلى أن الإمارة وغيرها من الولايات التي تتعلَّق بها مصالح الناس، ينبغي أن يُسعى بها إلى أهلها ومستحقِّيها، ولا ينبغي للناس أن يَتَصارعوا عليها؛ بل على العبد أن يسأل الله العافية والسلامة؛ فإنه لا يدري هل تكون الولاية خيرًا له أو شرًّا؟ وهل يستطيع القيام بحقِّها أو لا؟

3. في الحديث بيان أن الإمارة أمر شاقٌّ لا يَخرُج عن عُهدتها إلَّا الأفرادُ من الرجال، فلا يسألها أحدٌ عن تشوُّف نفس.

4. في الحديث دليلٌ على أنه من تعاطى أمرًا وسوَّلت له نفسه أنه قائم بذلك الأمر، أنه يُخذَل فيه في أغلب الأحوال؛ لأنه من سأل الإمارة لم يسألها إلا وهو يرى نفسه أهلًا لها؛ فقد قال : «وُكِل إليها»؛ بمعنى: لم يُعَنْ على ما أُعْطيَه، والتعاطي أبدًا مقرونٌ بالخِذلان[1].

5. من دُعيَ إلى عمل أو إمامة في الدين فقَصَّر نفسه عن تلك المنزلة وهاب أمرَ الله، رزقه الله المعونة، وهذا إنما هو مبنيٌّ على أنه مَن تَواضَع لله رَفَعه[2].

6. إن طلب الشَّرفِ بالوِلايةِ والسُّلطانِ والمال خطرٌ جدًّا، يَمنَعُ خيرَ الآخرةِ وشَرَفَها وكرامَتها وعزَّها؛ قال الله تعالى:

﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾

[القصص: ٨٣]

وقَلَّ مَن يحرص على رياسة الدنيا بطلب الولاياتِ فوُفِّق؛ بل يُوكَلُ إلى نفسه[3].

7. قال بعضُ السَّلفِ: ما حرصَ أحدٌ عَلَى ولايةٍ فعَدَل فيها[4].

8. كان يَزيدُ بنُ عبد الله بن وهبٍ من قضاةِ العدلِ والصَّالحين، وكان يقولُ: من أَحَبَّ المالَ والشَّرف، وخافَ الدوائِرَ، لم يَعدِلْ فيها[5].

9. عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ ﷺ قال:

«إِنكم سَتحرصونَ عَلَى الإمارة، وستكونُ ندامةً يوم القيامةِ»[6].

10. عن أبي موسى الأشعريِّ

أنَّ رجلين قالا للنبيِّ ﷺ: يا رسولَ الله، أَمِّرْنا. قال: «إِنَّا لاَ نُوَلِّي أَمرَنَا هذا مَن سأَلَه، ولا من حَرَصَ عليه»[7].

11. مَن لَم يحرص على الإمارة، ولم يتشوَّف لها، بل أتتْه مِن غير مسألة، فخاف أن يُقصِّرَ في القيامِ بأعبائها، فإن الله يُعينه عليها، ويوفِّقه فيها؛ لأنَّه في هذه الحالة يَقْوَى توكُّلُه على الله تعالى، ومتى أخذ العبدُ بالأسباب متوَكِّلًا على الله أفلح ونجح.

المراجع


  1. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (8/ 217).
  2. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (8/ 217).
  3. "مجموع رسائل ابن رجب" (1/ 71).
  4. "مجموع رسائل ابن رجب" (1/ 71).
  5. "مجموع رسائل ابن رجب" (1/ 71).
  6. رواه البخاريُّ (7148). 
  7. رواه البخاريُّ (7149)، ومسلم (1733).


1. في هذا الحديث بيانُ نَفحة عظيمة من نفحات الله، وهي غُفران الذنوب التي تقدَّمت جميعًا بصيام شهر رمضان، وقيام لَيْلِه.

2. هذا الحديثُ دليلٌ بين أن الأعمال الصالحة لا تزكو ولا تُقبَل إلا مع الاحتساب وصدق النيَّات، ويشهد له حديث عمرَ بنِ الخطَّاب رضي الله عنه،

أن النبيَّ ﷺ قال: «إنما الأعمالُ بالنِّيَّات»

[1].

3. في هذا الحديث بيان أنه لا بد أن يكون الصيام والقيام «إيمانًا»؛ أي: يصوم وهو مؤمنٌ بأن الله تعالى قد فرضَه عليه، مُصَدِّقٌ بموعود الله للصائمين، وما أَعَدَّ لهم، ويصومه لله تعالى، لا عن خوفٍ من الناس، ولا استحياء منهم، دون اعتقاد بفرضيته عليهم، ولا اعتقادٍ بتعظيم ذلك الشهر.

4. في هذا الحديث بيان أنه لا بد أن يكون الصيام والقيام «احتسابًا»؛ أي: يريد بصيامه وقيامه وجه الله تعالى، ويحتسب الثواب على الله، ويصوم راغبًا في الثواب، طيِّبةً نفسُه بذلك، غيرَ مستثقِل لصيامه، ولا مستطيل لأيَّامه، بريئًا من الرياء والسُّمعة، فقد يفعل ما يعتقد صِدْقَه لا مُخْلِصًا؛ بل رياءً أو خوفًا من قاهر، أو من فَوَات منزلة، ونحو ذلك.

5. حقيقة التقوى العمل بطاعة الله إيمانًا واحتسابًا، أمرًا ونهيًا، فيَفعَل ما أَمَر الله به؛ إيمانًا بالأمر، وتصديقًا بوعده، ويترك ما نهى الله عنه؛ إيمانًا بالنهي، وخوفًا من وعيده [2].

6. التقوى أن تَعمَل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تتركَ معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله، فالتقوى تجمع بين الإيمان، وبين طلب الثواب والخوف من العقاب، وهو الاحتساب [3]. 

7. لا بدَّ لكل عملٍ أن يكون مبدؤُه الإيمانَ، وغايتُه ثوابَ الله، وابتغاءَ مرضاته، وهو الاحتسابُ [4].

8. اختلفوا في سرِّ تسمية ليلة القَدْر بهذا الاسم؛ فقيل: لأن لها قَدْرًا عظيمًا؛

قال تعالى: ﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ ﴿١﴾ وَمَآ أَدْرَٰكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ ﴿٢﴾ لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍۢ ﴿٣﴾  ﴾

[القدر: 1 - 3]،

وقيل: لأن فيها تقديرَ الأشياء من أمور السَّنة، وقيل: فيها سَوْقُ المقادير إلى المواقيت، وقيل: قُدِّر في وقتها إنزالُ القرآن [5].

المراجع


1. رواه البخاريُّ (1)، ومسلم (1907).

2.  "الرسالة التبوكية = زاد المهاجر إلى ربه" لابن القيم (1/ 10).

3.  انظر: "الرسالة التبوكية = زاد المهاجر إلى ربه" لابن القيم (1/ 10)، "مدارج السالكين" لابن القيم (1/ 459).

4. انظر: "الرسالة التبوكية = زاد المهاجر إلى ربه" لابن القيم (1/ 10)، "مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" لابن القيم (1/ 459).

5. انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبي (2/ 390).


1. في الحديث تحذير عن مُبطِلَينِ يُبطلانِ أجرَ الصيام، وهما: قولُ الزور والعملُ به، والجهلُ.

2. ليس المقصود من إيجاب الصوم وشَرْعِه، نفْسَ الجوع والعطش؛ بل ما يَتبَعُه من كَسْر الشهوة، وإطفاء ثائرة الغضب، وتطويع النفْس الأمَّارة للنفْس المطمئنَّة، فإذا لم يحصُل له شيءٌ من ذلك، ولم تتأثَّر به نفْسه، لم يكن له من صيامه إلا الجوعُ والعطشُ، لا يُبالي الله تعالى بصومه، ولا ينظر إليه نظرَ قَبولٍ؛ إذ لم يقصد به مجرَّد جوعه وعطشه، فيحتفل به، ويقبل منه [1].

3. كان مَن قبلَنا من الأمم صومُهم الإمساكُ عن الكلام مع الطعام والشراب، فكانوا في حَرَجٍ، ثم أرخص الله لهذه الأمَّة بحَذْف نصف زمانها - وهو الليل - وحَذْف نصف صومها عن الفَم - وهو الإمساك عن الكلام - ورخَّص لها فيها؛ ليرفعها بالكرامة في أعلى الدَّرَج، فوقعت في ارتكاب الزُّور، واقتراف المحظور في هَرَج [2].

4. أثنى الله تبارك وتعالى على عباده الذين لا يشهدون الزور بقوله تعالى:

﴿ وَٱلَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ ٱلزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِٱللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا  ﴾

[الفرقان: 72].

5. جعل النبيُّ ﷺ قول الزور من أكبر الكبائر؛

فعن أبي بكْرةَ رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ:

«ألا أُنبِّئُكم بأكبر الكبائر؟» ثلاثًا، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلسَ وكان متَّكِئًا فقال: ألا وقول الزُّور»، قال: فما زال يُكرِّرها حتى قلنا: ليْتَه سكتَ

[3].

6. العمل بالزور يشمل: شهادةَ الزور، والغِيبة، والنميمة، وغير ذلك.

7. الجهل في الحديث هو: السفاهة وعدم الحِلم، بما يؤدِّي إليه من الشجار، والعِراك والصَّخَب، وغير ذلك مما نُهِي عنه الصائم كالرفث والسِّباب والتقاتُل بالباطل [4]، والعملُ بما فيه خلافُ ما يَقتَضيه العلم، من الابتداع والتحريف [5].

8. في الحديث وعيدٌ شديدٌ، وتغليظٌ كبيرٌ في حقِّ قول الزور؛ فإذا كان الزور يُحبط أجرَ الصَّوم الذي له من الثواب العظيم بحيث يخبِّئ الله ثوابَه؛ في الحديث القدسيِّ: «قال الله: كلُّ عمَلِ ابن آدمَ له، إلا الصيامَ؛ فإنه لي» [6]، فما الظنُّ بتلك السيئة التي غطَّت على هذا الثواب والأجر؟! [7].

9. للعبادات أثرٌ ظاهرٌ مطلوبٌ، وآخَرُ باطنٌ، وهو السببُ الرئيسُ في فرض العبادة، فالإخلال به إخلالٌ بالعبادة.

المراجع

1."تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" للبيضاويِّ (1/ 497).

2.  "عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي" لابن العربيِّ (3/ 229).

3. رواه البخاريُّ (2654)، ومسلم (87).

4. انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبيِّ (3/ 214)، "الشرح الممتع على زاد المستقنع" لابن عثيمين (6/ 431).

5.  انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبيِّ (3/ 214)، "الشرح الممتع على زاد المستقنع" لابن عثيمين (6/ 431).

6. رواه البخاريُّ (1904)، ومسلم (1151).

7. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (9/ 250).


1. في هذا الحديث بيان أحد أعظم مُكَفِّرات الذنوب، وهو الحجُّ الْمَبْرور.

2. في الحديث التأكيد على مكارم الأخلاق، وأنها سببٌ في قَبول العمل ورَدِّه.

3. الحجُّ في اللغة القَصْدُ، وفي الشرع: قَصْدُ البيت على الوجه المخصوص، في الزمان المخصوص، وهو شوَّال، وذو القَعْدَة، وعَشْرُ ليالٍ من ذي الحِجَّة [1].

4. تدور مقاصد الحج حول التعبُّد والطاعة، وتصحيح الاعتقاد، واجتماع المسلمين، ووَحْدة كلمتهم، وتَخْلِيَة وتَحْلِية وتزكية النُّفوس والقلوب والأرواح والأبدان.

5. الحجُّ وما فيه من مناسكَ هو تكليف فرديٌّ في ذاته؛ ولكنه فرديٌّ في صورة جماعية، ففيه تظهر قوَّة الأمة الإسلامية، ودين الإسلام، ونظامه، ووَحدته، وجماله، والمساواة بين أفراده، واجتماعه.

هذا الحديث مُقتَبَس من قوله تعالى:

﴿ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَٰتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ﴾  

[البقرة: 197]

ولم يذكر في الحديث الجدال اعتمادًا على ما في الآية، أو لأن المجادلة ارتفعت بين العرب وقُريش في موضع الوقوف بعرفةَ والمزدلفة، فأسلمت قريش، وارتفعت المجادلة، ووقف الكل بعرفة" [2].


المراجع

1. "شرح المشكاة = الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (6/ 1936).

2. إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري” للقسطلانيِّ (3/ 290)


1. لقد ضبط الله تعالى المعاملاتِ بين البشر بما فيه صلاح معايشهم؛ مثلُ أن يكونوا في جماعات، لكلٍّ منهم حقوق، وعليه واجبات، فأمرهم الله تعالى بأن يكونوا مع الجماعة، وأن يحذروا الفُرْقةَ والاختلافَ؛ لأنَّ ذلك يُسبِّب الشرَّ والفساد والنزاع واختلال الأمن. 

2. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ:

«مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَكَرِهَهُ فَلْيَصْبِرْ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتُ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»[1].

3. عَنْ عَلِيٍّ رضي اللَّه عنه، قَالَ:

بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ سَرِيَّةً، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: قَدْ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا، وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا، ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا فَجَمَعُوا حَطَبًا، فَأَوْقَدُوا نَارًا، فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ، فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِيَّ ﷺ فِرَارًا مِنَ النَّارِ أَفَنَدْخُلُهَا؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ خَمَدَتِ النَّارُ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: «لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا؛ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»

[2].

4. عن أبي هُرَيرة - رضي الله عنه - قال:

قال رسول ﷺ:

«كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ» قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ»

[3].

5. إن رفع راية الحقِّ، وكلمة الله تعالى، يتوقَّف تحقُّقه على قوَّة الجماعة، وقوَّةُ الأمَّة في وَحْدتها، لذا حضَّ الإسلامُ على لزوم الجماعة.

6. يجب على الناس جميعًا أن يقدِّموا طاعة الله تعالى على طاعة كلِّ أحد؛ فإن الأصل أن طاعة الولاة من طاعة الله تعالى، فلا يُتصوَّر أن يكون مأمورًا بطاعتهم فيما يناقض أمر الله تعالى وشريعته.

المراجع

  1. رواه البخاريُّ (7143).
  2. رواه البخاريُّ (7145)، مسلم (1840).
  3. رواه البخاريُّ (3455)، مسلم (1842). 


1. في الحديث يروي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ - رضي اللَّه عنه - عمَّا حصل في ليلة العقبة من مبايعة النُّقباء للنبيِّ ﷺ في تلك الليلة.

2. النُّقَباء: جمع (نقيب)، وهو عرِّيف القَوم وناظرُهم، والْمُراد الذين اختارهم الأَوْسُ والخَزْرَج نُقَباءَ عليهم بطلب من النبيِّ ﷺ وأقرَّهم على ذلك ليلةَ العقبة، وهي الليلة التي بايع فيها ﷺ الذين آمنوا من الأَوْسِ والخزرج على النُّصرة، وهي بيعة العقبة الثانية، وكان ذلك عند جمرة العقبة بمِنى.

3. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ:

«اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ»[1]. 

4. شرع الله تعالى حدودًا على بعض المعاصي الكبيرة؛ حمايةً للمجتمع، وقطعًا للفساد، كما أن فيها تكفيرًا لذنوب صاحبها، فحدود الشرع موانعُ، وزواجِرُ عن ارتكاب أسبابها، وقد اقتضت حِكمة الشرع تشريع هذه الحدود؛ حسمًا لهذه الكبائر أن تستشريَ، وزجرًا عن ارتكابها؛ حتى يظلَّ العالم على طريق الاستقامة والأمان؛ فإن عدم وجود الزواجر والعقوبات يؤدِّي إلى استشراء الفساد والانحراف، وفيه من الفساد ما لا يخفى، فمتى عَلِم الحاكم بمُجرِم استحقَّ عقوبةَ الحدِّ، فإنه يجب عليه التنفيذ، ولا يَملِك العفوَ عنه.

5. الحدود في الإسلام ثابتة بآيات القرآن الكريم؛ مثل: آية الزنا، وآية السَّرِقة، وآية قذف المحصنات، وآية المحاربة، وثابتة بالسنَّة الصحيحة والمتواترة، وفعل رَسُول اللَّهِ ﷺ؛ مثل حديث ماعز، وحديث الغامدية، وغيرها من الأحاديث الثابتة، وثابتة بفعل الصحابة - رضي اللَّه عنهم - وعليها إجماع الأمَّة. 

6. الجرائمُ الكبرى التي رتَّب عليها الشارع عقوباتٍ محدَّدةً، فتستوجب الحدَّ هي في الجُملة: الزنا، ومثلُه اللواط، والسرقة، والقذف، وشُرب الخمر، والحِرابة، والرِّدَّة. وللفقهاء تفصيلاتٌ كثيرة في كيفية إثبات هذه الجرائم وعقوباتها.

المراجع

  1. رواه البخاريُّ (6857)، ومسلم (89).


1. في الحديث النهيُ عن السؤال فيما لا يَعني السائل، أو ما لا طائلَ من ورائه.

2. في الحديث بيان أن الشريعة لا تأتي إلا باليسير المستطاع، ولا تُكلِّف إلا بما في وُسع الإنسان.

3. تدور مقاصد الحجِّ حول التعبُّد والطاعة، وتصحيح الاعتقاد، واجتماع المسلمين، ووَحْدة كلمتهم، وتخْلية وتحلية وتزكية النُّفوس والقلوب والأرواح والأبدان.

4. الحجُّ وما فيه من مناسكَ هو تكليف فرديٌّ في ذاته؛ ولكنه فرديٌّ في صورة جماعية، ففيه تظهر قوَّة الأمة الإسلامية، ودين الإسلام، ونظامه، ووَحدته، وجماله، والمساواة بين أفراده، واجتماعه. 

5. الحجُّ في اللغة القَصْدُ، وفي الشرع: قَصْدُ البيت على الوجه المخصوص، في الزمان المخصوص، وهو شوَّال، وذو القَعْدَة، وعَشْرُ ليالٍ من ذي الحِجَّة [1].

6. قوله: «فإذا أمرتكم بأمر، فَأْتوا منه ما استطعتم»، من قول الله تعالى:

﴿فَٱتَّقُوا ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ﴾

[التغابن: 16]

وقد قيل: إنها ناسخة لقوله تعالى:

﴿ٱتَّقُوا ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ

[آل عمران: 102]

وقيل: لا نسخ فيها، وهى مفسِّرة ومُبيِّنة؛ لأن حقَّ تُقاته تعالى: هو امتثال العبد ما أُمِر به، وما أَمَره إلا بما استطاع، وما جعل عليه في الدين من حرج [2].

7. المراد بقوله: «ذروني» ترك السّؤال عن شيء لم يقع؛ خشيةَ أن ينزل به وجوبه أو تحريمه، وعن كثرة السّؤال؛ لِما فيه غالبًا من التّعنُّت، وخشية أن تقع الإجابة بأمر يُستثقَل؛ فقد يؤدِّي لترك الامتثال، فتقع المخالفة [3].

8. معنى قوله: «ذروني ما تركتكم»: لا تُكثروا من الاستفصال عن المواضع الّتي تكون مفيدةً لوجه ما ظهر، ولو كانت صالحةً لغيره، كما أنّ قوله: «حُجُّوا» وإن كان صالحًا للتَّكرار، فينبغي أن يُكتفى بما يَصدُق عليه اللّفظ، وهو المرَّة؛ فإنّ الأصل عدم الزّيادة، ولا تُكثروا التّنقيب عن ذلك؛ لأنّه قد يُفضي إلى مثل ما وقع لبني إسرائيل إذ أُمروا أن يذبحوا البقرة، فلو ذبحوا أيَّ بقرة كانت، لامتثلوا؛ ولكنّهم شدَّدوا، فشدِّد عليهم [4].

9. .

10. الله سبحانه جعل لأهل كل مِلَّة يومًا يتفرَّغون فيه للعبادة، ويتخلَّون فيه عن أشغال الدنيا، فيومُ الجمعة يومُ عبادة، وهو في الأيام كشهر رمضانَ في الشهور، وساعةُ الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان؛ ولهذا من صحَّ له يوم جمعته وسَلِم، سَلِمت له سائر جُمعته، ومن صحَّ له رمضان وسلم، سلمت له سائر سَنَته، ومن صحَّت له حَجَّته وسلمت له، صحَّ له سائر عمره، فيومُ الجمعة ميزان الأسبوع، ورمضانُ ميزان العام، والحج ميزان العمر [5].


المراجع

1. "شرح المشكاة = الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (6/ 1936). 

2.  "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (4/ 444).

3. فتح الباري لابن حجر (13/ 260). 

4. فتح الباري لابن حجر (13/ 260). 

5. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (1/ 386).


1. في الحديث فضلُ الشُّكر على السرَّاء، والصبر على الضرَّاء، فمن فعل ذلك، حصل له خير الدارين، ومن لم يشكر على النعمة، ولم يصبر على المصيبة، فاته الأجر، وحصل له الوزر.

2. في الحديث الحثُّ على الإيمان بصبره وشكره، وأن المؤمن دائمًا في خير ونعمة.

3. حياة المؤمن بما فيها من مسرَّة ومضرَّة كلها خير وأجر عند الله.

4. في الحديث إشارة إلى أن الأجر في كلِّ حال لا يكون لغير أهل الإيمان.

5. في الحديث الحثُّ على الشكر عند السرَّاء؛ لأنه إذا شكر الإنسان ربَّه على نعمة، فهذا من توفيق الله له، وهو من أسباب زيادة النِّعَم.

6. في الحديث إشارة إلى إنعام الله على عباده المؤمنين بأن جعل كل أحوالهم خيرًا منه، فهم دائمًا في نعمة من ربهم، أصابَهم ما يُحِبَّون أو ما يكرهون، وجعل أقضيته وأقداره التي يقضيها لهم ويُقدِّرها عليهم متاجرَ يَربحون بها عليه، وطُرُقًا يصلون منها إليه[1].

7. الشكر: الاعتراف بالنعمة، والثناء على الله تعالى بها، والخضوع له، ومحبَّته، والعمل بما يرضيه فيها [2].

8. عن النبيِّ ﷺ أنه قام حتى تورَّمت قدماه، فقيل له: تَفْعَلُ هذا وقد غَفَر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ فقال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا؟!»[3]. 

9. قال ﷺ لمعاذ: «والله، يا معاذ إني لأحبك فلا تنس أن تقول في دبر كل صلاة: اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك»[4].

10. الشكر معه المزيد أبدًا؛ لقوله تعالى:

{ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ }

[إبراهيم: 7]

فمتى لم تَرَ حالك في مزيد، فاستقبل الشُّكر[5]. 

11. بين الحمد والشكر فرقان؛ الأول: أن الحمد يتضمَّن المدحَ، والثناء على المحمود بذكر محاسنه، سواء كان الإحسان إلى الحامد أو لم يكن، والشكر لا يكون إلا على إحسان المشكور إلى الشاكر. والثاني: أن الشكر يكون بالقلب واليد واللسان، والحمد إنما يكون بالقلب واللسان فقط[6].

12. في الحديث: الحثُّ على الصبر على الضرَّاء، وأن ذلك من خصال المؤمنين، فإذا رأيتَ نفسك عند إصابة الضرَّاء صابرًا محتسبًا، تنتظر الفرج من الله - سبحانه وتعالى - وتحتسب الأجر على الله، فذلك عُنوان الإيمان، وإن رأيتَ العكس، فلُمْ نفسَكَ، وعدِّلْ مَسِيرك، وتُبْ إلى الله[7].

13. في الحديث: الحثُّ على الشُّكر عند السرَّاء؛ لأنه إذا شكر الإنسان ربَّه على نعمة، فهذا من توفيق الله له، وهو من أسباب زيادة النعم؛ كما قال الله تعالى:

{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } 

[إبراهيم: 7] [8]

14. إذا وفَّق الله الإنسان للشُّكر، فهذه نعمة تحتاج إلى شُكرها مرَّة أخرى، وهكذا؛ لأن الشكر قلَّ من يقوم به، فإذا منَّ الله عليك وأعانك عليه، فهذه نعمة[9].

15. الصبر على ثلاثة أنواع: صبر بالله، وصبر لله، وصبر مع الله[10].

16. الصبر الجميل هو الذي لا شكوى فيه ولا معه[11].

17. مراتب الصابرين خمس، هي: صابر، ومصطبرِ، ومتصبِّر، وصَبور، وصبَّار[12].

18. الشكوى إلى الله - عزَّ وجلَّ - لا تنافي الصبر؛ وإنما ينافي الصبرَ شكوى الله، لا الشكوى إلى الله[13].

19. معاني الشكر ثلاثة أشياء: معرفة النعمة، ثم قبول النعمة، ثم الثناء بها[14].

20. الشكر على نِعَم الله تعالى يتضمَّن رؤية كلِّ الذي منه، نعمةً وإحسانًا، وإن ساء عبدَه[15].

21. من فوائد الشكر أنه: من كمال الإيمان وحسن الإسلام، اعتراف بالمنعِم والنعمة، سبب من أسباب حفظ النعمة بل المزيد، يكون باللّسان ويكون بعمل الجوارح والأركان، كثرة النّعم من المنعم لا يمكن أن يؤدِّيَ الإنسان حقَّها إلّا بالشّكر عليها، يَكسِب رضا الرّبِّ ومحبَّتَه، الإنسان الشَّكور قريب من النّاس حبيب إليهم، فيه دليل على سُموِّ النّفس ووفور العقل، الشَّكور قرير العين يحبُّ الخير للآخرين ولا يَحسُد من كان في نعمة[16]. 

22. الصبر على ضروب ثلاثة: فالصبر عن المعاصي، والصبر على الطاعات، والصبر عند الشدائد المصيبات، فأفضلها الصبر عن المعاصي، فالعاقلُ يدبِّر أحواله بالتثبُّت في كل أحواله بلزوم الصبر؛ حتى يرتقيَ بها إلى درجة الرضا عن الله - جل وعلا - في حال العُسر واليُسر معًا[17]. 

23. قال الجُنَيد: الْمَسِير من الدنيا إلى الآخرة سهل هيِّن على المؤمن، وهجران الخلق في جَنْب الله شديد، والْمَسير من النفس إلى الله صعب شديد، والصبر مع الله أشدُّ. وسُئل عن الصبر، فقال: تجرُّع المرارة من غير تعبُّس[18].

24. قال ذو النون المصريُّ: الصبر: التباعد من المخالفات، والسكون عند تجرُّع غُصَص البَليَّة، وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحات المعيشة. وقيل: الصبر: الوقوف مع البلاء بحُسن الأدب. وقيل: الصبر: هو الفناء في البلوى بلا ظهور ولا شكوى. وقيل: الصبر: تعويد النفس الهجومَ على المكاره. وقيل: الصبر: الْمُقام مع البلاء بحُسن الصُّحبة كالْمُقام مع العافية. وقال عمرو بن عثمان: الصبر هو الثبات مع الله، وتلقِّي بلائه بالرَّحب والدَّعَة. وقال الخوَّاص: الصبر هو الثبات على أحكام الكتاب والسنَّة. وقال يحيى بن معاذ: صبر المحبِّين أشدُّ من صبر الزاهدين، واعَجبا! كيف يصبرون؟! وقيل: الصبر هو الاستعانة بالله. وقيل: الصبر هو ترك الشكوى[19].

25. من فوائد الصبر أنه: دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام، يورث الهداية في القلب، يُثمِر محبَّة الله ومحبَّة الناس، سبب للتمكين في الأرض، الفوز بالجنة والنجاة من النار، معية الله للصابرين، الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة، مظهر من مظاهر الرجولة الحقَّة، صلاة الله ورحمته وبركاته على الصابرين[20].

26. من شروط الصبر أن تعرف: كيف تصبر؟ ولمن تصبر؟ وما تريد بصبرك؟ وتحتسب في ذلك وتُحسن النيَّة فيه؛ لعلَّك أن يخلص لك صبرك، وإلا فإنما أنت بمنزلة البهيمة، نزل بها البلاء فاضطربت لذلك، ثم هدأ فهدأت، فلا هي عَقَلت ما نزل بها فاحتسبت وصبرت، ولا هي صبرت، ولا هي عرفت النعمة حين هدأ ما بها، فحمدت الله على ذلك وشكرت"[21]. 

27. قال عمرُ بنُ ذرٍّ: "من أجمع على الصبر في الأمور، فقد حوى الخير، والتمس معاقل البرِّ، وكمال الأجور"[22].

28. أخبر الله تعالى أن الشاكرين من عباده قليل، وهذا دليل على أنهم هم خواصُّه؛ قال تعالى:

{ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ }

[سبأ: 13][23]

المراجع

  1. "جامع المسائل" لابن تيمية (1/ 165).
  2. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 247).
  3. رواه البخاريُّ (4836)، ومسلم (2819).
  4. رواه أحمد (22470)، وأبو داود (1522)، وصححه الألبانيُّ في "صحيح الجامع" (7969).
  5. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 246).
  6. "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (2/ 378، 379).
  7. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (1/ 199).
  8. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (1/ 199).
  9. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (1/ 199).
  10. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 157، 158).
  11. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 160).
  12. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 158).
  13. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 161).
  14. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 247).
  15. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 185).
  16. "نضرة النعيم" لصالح بن حميد (6/ 2419).
  17. "روضة العقلاء" لابن حبَّانَ البُستيِّ (ص 162).
  18. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 157).
  19. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 157، 158).
  20. "نضرة النعيم" لصالح بن حميد (6/2471-2472).
  21. "الصبر والثواب عليه" لابن أبي الدنيا (ص 53).
  22. "الصبر والثواب عليه" لابن أبي الدنيا (ص 113).
  23. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 243).


1. في الحديث بيان أمر الإسلام بالصِّدق، والحثِّ عليه في جميع المعاملات التي يقوم بها المسلم، وقد أمر الله سبحانه أهل الإيمان أن يكونوا مع الصادقين؛ يقول الله تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}

[التوبة: 119]

"أي: اصدُقوا، والزموا الصدق، تكونوا مع أهله، وتنجوا من المهالك، ويجعل لكم فرجًا من أموركم ومخرجًا"[1]. 

2. عن أبي سفيان في حديثه الطويل في قصة هِرَقْلَ عظيمِ الروم: قال هرقلُ: فماذا يأمركم؟ - يعني النبيَّ ﷺ - قال أبو سفيانَ: قلتُ: "يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والصدق، والصدقة، والعفاف، والصلة"[2].

3. الصدق هو سيف الله في أرضه، الذي ما وُضع على شيء إلا قطعه، ولا واجَه باطلًا إلا أَرْداه وصَرَعه، مَن صال به لم تُردَّ صَوْلته، ومن نَطَق به، عَلَت على الخصوم كلمته، فهو رُوح الأعمال، ومَحَكُّ الأحوال، والحامل على اقتحام الأهوال، والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال[3].

4. الصدق هو أساس بناء الدين، وعمود فسطاط اليقين، ودرجته تالية لدرجة النبوَّة، التي هي أرفع درجات العالمين، ومن مساكنهم في الجنَّات، تُجرى العيون والأنهار إلى مساكن الصدِّيقين، كما كان من قلوبهم إلى قلوبهم في هذه الدار مدد متَّصِل ومَعِين[4].

5. فضَّل الله تعالى اللسان على سائر الجوارح، ورفع درجته، وأبان فضيلتَه، بأن أنطقه من بين سائر الجوارح بتوحيده، فلا ينبغي للعاقل أن يعوِّد آلةً خَلَقها الله للنُّطق بتوحيده بالكذب؛ بل يجب عليه المداوَمة برعايته بلزوم الصدق، وما يَعُود عليه نفعه في دارَيْهِ؛ لأنَّ اللسان يقتضي ما عُوِّد؛ إن صدقًا فصدقًا، وإن كذبًا فكذبًا[5].

6. في الحديث الحثُّ على تحرِّي الصِّدق، وهو قصدُه، والاعتناء به، وعلى التّحذير من الكذب والتّساهل فيه؛ فإنّه إذا تساهَل فيه كَثُر منه، فعُرِف به، وكتبه اللّه لمبالغته صدِّيقًا إن اعتاده، أو كذَّابًا إن اعتاده.

7. ربَّما يعبَّر عن صدق اللسان باستقامة المقال كلِّه؛ كما في قوله تعالى:

{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}

[الشعراء: ٨٤]

وقوله تعالى:

{ وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّ}

[مريم: ٥٠]

يريد الثَّناء عليهم بحقٍّ[6].

8. وصف الله تعالى نفسه بالصدق؛ فقال:

{ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}

[النساء: 87]

{ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا}

[النساء: 122]

9. قال ابن مسعود: "إِنَّ الكذب لا يَصلُح في جِدٍّ ولا هَزْل. ثم تلا قوله تعالى:

 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}

 [التوبة: 119]"[7]

10. قال رسول الله ﷺ: «كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكلِّ ما سمع»[8]. و"فيه تأويلان؛ أحدُهما: أن يَرويَ ما يَعلَمه كذبًا، ولا يبيِّنه؛ فهو أحدُ الكاذبين، والثاني: أن يكون المعنى: بحسب المرء أن يكذَّب؛ لأنَّه ليس كلُّ مسموع يصدَّق به، فينبغي تحديث الناس بما تحتمله عقولهم"[9].

11. من أشدِّ أنواع الكذب افتراءُ الكذب على الله تعالى بالتحليل والتحريم بالهوى؛ قال الله تعالى:

{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 

[النحل: ١١٦ – ١١٧]

12. إن من أوضح علامات النفاق الكذب؛ قال النبيُّ ﷺ:

«أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ»[10].

13. قال ﷺ:

«آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذَبَ، وإذا وعَدَ أخلَفَ، وإذا اؤتمنَ خانَ»[11].

المراجع

  1. "تفسير ابن كثير" (4/230).
  2. رواه البخاريُّ (7)، ومسلم (1773).
  3. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 257).
  4. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 257).
  5. "روضة العقلاء" لأبي حاتم (ص 51).
  6. "مجموع رسائل ابن رجب" (1/ 357).
  7. "مجموع رسائل ابن رجب" (1/ 356).
  8. رواه مسلم (4).
  9. "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (1/340).
  10. رواه البخاريُّ (34)، ومسلم (58).
  11. رواه البخاريُّ (33)، ومسلم (59).


  1. في هذا الحديث بيانُ قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهي تقريرُ حُجِّيَّة أفعال النبيِّ ﷺ، وأنها كقوله في الاتِّباع ووجوب الامتثال.

  2. هذا الحديث أصلٌ عظيمٌ في مناسك الْحَجِّ، وهو نَحْوُ قوله ﷺ في الصلاة: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي».

  3. تدور مقاصد الحجِّ حول التعبُّد والطاعة، وتصحيح الاعتقاد، واجتماع المسلمين، ووَحْدة كلمتهم، وتخلية وتحلية وتزكية النُّفوس والقلوب والأرواح والأبدان.

  4. الحجُّ وما فيه من مناسكَ هو تكليف فرديٌّ في ذاته؛ ولكنه فرديٌّ في صورة جماعية، ففيه تظهر قوَّة الأمة الإسلامية، ودين الإسلام، ونظامه، ووَحدته، وجماله، والمساواة بين أفراده، واجتماعه.

  5. اختُلف في وقت ابتداء افتراض الحجِّ، فقيل: قبل الهجرة، وهو شاذٌّ، وقيل: سنةَ خمس، وقيل: سنة تسعٍ، وقيل: سنة عشْر، والجمهور على أنّها سنة ستٍّ؛ لأنّه نزل فيها قوله تعالى:

 ﴿وَأَتِمُّوا ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْىُ مَحِلَّهُۥ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِۦٓ أَذًى مِّن رَّأْسِهِۦ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍۢ ۚ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ ۚ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٍۢ فِى ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُۥ حَاضِرِى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ۚ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓا أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ﴾

[البقرة: 196] [1].

6. قوله ﷺ: «لتأخذوا مناسككم»؛ أي: هذه الأمور الّتي أتيت بها في حجَّتي من الأقوال والأفعال والهيئات هي أمور الحجِّ وصفته، وهي مناسككم، فخذوها عني، واقبلوها، واحفظوها، واعمَلوا بها، وعلّموها النّاس [2].

7. الحجُّ في اللغة القَصْدُ، وفي الشرع: قَصْدُ البيت على الوجه المخصوص في الزمان المخصوص، وهو شوَّال، وذو القَعْدَة، وعَشْرُ ليالٍ من ذي الحِجَّة [3].

8. إن للحجِّ حِكمًا عالية، ومقاصدَ نافعة، ففيه يتعارف المسلمون، ويَجتمعون فيه على اختلاف شعوبهم وطبقاتهم وأوطانهم وألسنتهم وألوانهم، يلتقي المسلم بإخوانه المسلمين، فتلتقي القلوب، وتزداد المحبة والمودَّة والائتلاف.

9. إن في الحج تذكيرًا بالدَّار الآخرة، وتشبيهًا بها في أمور كثيرة؛ حيث يصوِّر الحج ذلك تصويرًا عجيبًا، فالميت ينتقل من دار الدُّنيا إلى دار الآخرة، والحاج ينتقل من بلادٍ إلى أخرى، والميت يُجرَّد من ثيابه ليُكفَّن في ثياب بيضاء، والحاج يتجرَّد من المخيط ليلبس إزارًا ورداء أبيضين نظيفين، والميت يُغسَّل بعد تجريده من ثيابه، والحاجُّ يغتسل عند ميقاته ويُحرِم، والأموات يُحشرون سواء، وكذا الحجَّاج يقفون سواء دون تمييز، وهلم جرًّا.

10. قوله ﷺ: «لعلّي لا أحجُّ بعد حجَّتي هذه» فيه إشارةٌ إلى توديعهم وإعلامهم بقُرب وفاته ﷺ، وحثِّهم على الاعتناء بالأخذ عنه، وانتهاز الفرصة من ملازمته، وتعلُّم أمور الدّين، وبهذا سُمِّيت حجَّة الوداع [4].

11. الله سبحانه جعل لأهل كل مِلَّة يومًا يتفرَّغون فيه للعبادة، ويتخلَّون فيه عن أشغال الدنيا، فيومُ الجمعة يومُ عبادة، وهو في الأيام كشهر رمضانَ في الشهور، وساعةُ الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان؛ ولهذا من صحَّ له يوم جمعته وسَلِم، سَلِمت له سائر جُمعته، ومن صحَّ له رمضان وسلم، سلمت له سائر سنته، ومن صحت له حجته وسلمت له، صحَّ له سائر عمره، فيوم الجمعة ميزان الأسبوع، ورمضان ميزان العام، والحج ميزان العمر [5].

المراجع

1. "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (4/ 331، 332).

2. "شرح النوويِّ على مسلم" (9/ 45).

3. "شرح المشكاة = الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (6/ 1936).

4. "شرح النوويِّ على مسلم" (9/ 45).

5. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (1/ 386).




1. في الحديث إشارة إلى نعم الله تعالى على الإنسان التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى، فضلًا عن أن يستطيع شُكرَها؛ حتى إن أكثر النِّعَم لا يدريها الإنسان؛ لأنه يَألَفُها؛ فمن توفَّر له قليل من النِّعَم - كالثلاث المذكورة - فكأنه ملك الدنيا بأسرها.

2. في الحديث إشارة إلى أن الإنسان لا يُدرك نِعَم الله تعالى في جسده وما به من أعضاء وأجهزة ووظائفَ مُحكَمةٍ تعمل بغاية الدقَّة، ولا يَشعُر بما في جسده من إنعام إلا حين يُدرِكه الْمَرَض، فيُحِسُّ بالاختلال، وقيمة نعمة صحَّة جَسَده.

3. مَن جَمَع الله له بين عافية بَدَنه وأَمْنِ قَلْبِه حيث توجَّه، وكَفَاف عَيْشِه بقُوت يومه، وسلامة أهله، فقد جمع اللهُ له جميع النِّعَم التي مَن مَلَك الدنيا لم يَحصُل على غيرها، فينبغي أن لا يَستقبِل يومَه ذلك إلا بشُكرها بأن يَصرِفها في طاعة المنعِم، لا في معصية، ولا يَفتُر عن ذكره [1].

4. في هذا الحديث بيانُ ضَرورةِ حاجةِ الإنسانِ إلى الأمانِ والعافيةِ والقُوتِ.

5. في قوله ﷺ: «مَنْ أَصْبَحَ» إشارة للمؤمن ألَّا يخشى المستقبَل ولا يَحمِل همَّه؛ فإن أمره بيد ربِّه، مدبِّر الأمور، ومقدِّر الأقدار، ومصرِّف الأحوال، وما عليه إلا أن يُحسِن الظنَّ بالله تعالى، ويستبشر ويتفاءل بالخير.

6. في الحديث إشارة إلى عظم نعمة أمن الإنسان في نفسِه وأهله وعياله وبَيته، أو في طريقه، غيرَ خائف من عدوٍّ، آمنًا أن يقتله أحدٌ أو يَسرِقه أو نحو ذلك، وأنه كسائر النِّعم، لا يُدرِك قيمتَها حقًّا إلَّا مَن فَقَدها.

7. وَعَد الله المؤمنين بالأمن في الدنيا إن حقَّقوا التوحيد، وأخلصوا الإيمان، وعملوا الصالحاتِ؛ 

قال تعالى:

 ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْـًٔا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ﴾ 

[النور: 55]

8. وعد الله تعالى المؤمنين المخلِصين الذين لم يَلبِسوا إيمانهم بظُلم بأن لهم الأمنَ من المخاوفِ والعذاب والشقاء؛

قال تعالى:

 ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوٓا إِيمَٰنَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ 

[الأنعام: 82]

9. بشَّر الله تعالى أولياءه بالأمن وعدم الخوف؛

قال تعالى:

﴿أَلَآ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ  ﴿٦٢﴾ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ  ﴿٦٣﴾ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلْأَخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ﴾ 

[يونس: 62 - 64].

10. كان النبيُّ ﷺ يسأل ربَّه العافيةَ صباحَ مساءَ يقول:

«اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْت»

[2].

11. أخبر النبيُّ ﷺ أن الكثير من الناس مغبون في نعمتَيِ الصحة والفراغ؛

فعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال:

قال النبيُّ ﷺ: «نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحةُ والفراغُ»

[3].

12. أرشد النبيُّ ﷺ أمَّته إلى اغتنام الصحَّة قبل المرض؛

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ»

[4]

13. كانَ ابنُ عُمَرَ، يقولُ:

«إذا أمْسَيْتَ فلا تَنْتَظِرِ الصَّباحَ، وإذا أصْبَحْتَ فلا تَنْتَظِرِ المَساءَ، وخُذْ مِن صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، ومِنْ حَياتِكَ لِمَوْتِكَ»

[5].


المراجع


1. "فيض القدير" للمناويِّ (6/ 68).

2. رواه البخاريُّ في "الأدب المفرد" (701)، وأحمد (20701)، وأبو داود (5090)، وحسَّنه الألبانيُّ في "صحيح الأدب المفرد".

3. رواه البخاريُّ (6412).

4. رواه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (7846)، وقال: هذا حديث صحيحٌ على شرط الشَّيخَين ولم يُخَرِّجاه، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (3355).

5. رواه البخاريُّ (6416).



1. إن الحياء يَعصِم المرءَ من المعاصي والمنكَرات، ويَحمِله على الاستقامة والطاعة، وبدون الحياء يَغرَق الناسُ في أوحال المعاصي والمنكَرات.

2. إن الحياءَ هو رأسُ الفضائلِ والشِّيم والأخلاق، وهو عِمادُ شُعَب الإيمان، وبه يتمُّ الدين، وهو دليلُ الإيمان، ورائدُ الإنسان إلى الخير والهدى.

3. إن الحياء خُلُقٌ يَبعَث صاحبَه على اجتناب القَبِيح، ويَمنَع من التقصير في حقِّ ذي الحقِّ، وهو خُلُق جميل يدعو إلى التحلِّي بالفضائل، والبُعد عن الرذائل.

4. الحياءُ من الحياة، ومنه الحيا للمطر، وقِلَّةُ الحياءِ من موت القلب والرُّوح، وكلَّما كان القلبُ أحْيا، كان الحياءُ أَتَمَّ.

5. الحياء: هو انقباض النَّفس مِن شيءٍ، وتَرْكُه حَذَرًا عن اللَّوْمِ فيه[1].

6. الحياء هو تغيُّر وانكسار يعتري الإنسانَ مِن خوف ما يُعَاب به ويُذَمُّ، ومَحَلُّه الوَجْهُ[2]. 

7. الحياءُ زينةُ الأخلاق؛ قال النبيُّ ﷺ:

«مَا كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ إِلَّا شَانَه»[3].

8. في الحديث بيان أنَّ الحَيَاء لم يَزَل أمرُه ثابتًا، واستعمالُه واجبًا منذ زمان النُّبوَّة الأولى، وأنه ما مِن نبيٍّ إلَّا وقد نَدَب إلى الحَيَاء وبُعِث عليه، وأنَّه لم يُنسَخ فيما نُسِخ مِن شرائعهم، ولم يُبَدَّل فيما بُدِّل منها؛ وذلك أنه أمر قد عُلم صوابُه، وبان فضله، واتَّفَقت العقول على حُسنه، وما كان هذا صفتَه، لم يَجُزْ عليه النَّسخ والتبديل[4].

9. في الحديث بيان أن الْمَرء إذا لم يكن لَدَيْه حياءٌ يَمنَعُه من فِعل القبيح، فليفعلْ ما بَدَا له؛ فإنَّ اللَّه تعالى سيُجَازِيه عليه؛ كقوله تعالى:

{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}

[فصلت: 40]

10. «فَافعلْ مَا شِئْتَ» قيل: إنّه أمرٌ، ومعناه الخبر، والمعنى: أنّ من لم يستحيِ، صَنَع ما شاء؛ فإنّ المانع من فعل القبائح هو الحياء، فمن لم يكن له حياء، انهمك في كلِّ فحشاءَ ومنكَر، وما يمتنع من مثله مَن له حياء؛ على حدّ قوله ﷺ:

«من كذب عليّ فليتبوّأ مقعده من النّار»[5]

فإنّ لفظه لفظ الأمر، ومعناه الخبر، وأنّ من كذب عليه تبوّأ مقعده من النّار[6].

11. قال النبيُّ ﷺ:

«الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ»[7].

12. قال ﷺ:

«الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» أَوْ قَالَ: «الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ»[8].

13. إن حياء المؤمن يدلُّ على كمال إيمانه، وحُسْن أَدَبه، ونقاء سَرِيرته؛

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ: بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ»

[9].

14.

مَرَّ النبيُّ ﷺ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاء، فَقَالَ له: «دَعْهُ؛ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ»[10].

15. إن خُلق الحياء خُصَّ به الإنسانُ دون جَمِيع الْحَيَوَان، فهو من أفضل الأخلاق وأجلِّها وأعظمها قدرًا، وأكثرها نفعًا؛ بل هو خَاصَّةُ الإنسانية، فمن لا حَيَاءَ فيه، لَيْسَ مَعَه من الإنسانية إلا اللَّحْم وَالدَّم، وصورتهم الظاهرة، كما أنه ليس معه من الخير شيء[11].

16. لولا خُلقُ الحياء، لم يُقْرَ الضَّيْف، وَلم يُوفَ بالوعد، وَلم يؤدَّ أمانة، وَلم يُقْضَ لأحَدٍ حاجة، ولا تحرَّى الرجلُ الْجَمِيل، فآثَرَه، والقبيحَ، فتجنَّبه، ولا ستر له عورة، ولا امتنع من فاحشة، وَكثيرٌ من الناس لولا الحياءُ الذي فيه، لم يؤدِّ شَيْئًا من الأمور المفترَضة عليه، ولم يَرْعَ لمخلوق حَقًّا، ولم يصل له رَحِمًا، ولا برَّ له والدًا؛ فإن الباعث على هذه الأفعال، إِمَّا دينيٌّ، وهو رَجَاء عاقبتها الحميدة، وإِمَّا دُنْيَوِيٌّ عُلويٌّ، وهو حياء فاعلها من الْخَلق، وقد تبيَّن أنه لولا الحياءُ، إِمَّا من الخالق أو من الخلائق، لم يفعلها صاحبها[12].

17. الحياءُ الغريزيُّ: هو خُلُقٌ يمنحُه الله العبدَ ويجبُلُه عليه، فيكُفُّه عن ارتكاب القبائح والرذائل، ويحثُّه على فعل الجميل، وهو من أعلى مواهب الله للعبد، فهذا من الإيمان باعتبار أنه يؤثِّر ما يؤثِّره الإيمان من فعل الجميل، والكَفِّ عن القبيح، وربما ارتقى صاحبُه بعده إلى درجة الإيمان[13].

18. الحياء المكتسَب: إما أن يكون مُكتَسَبًا، من مقام الإيمان؛ كحياء العبد من مقامه بين يدَيِ الله يومَ القيامة، فيوجِب له ذلك الاستعدادَ للقائه، أو مكتسَبًا من مقام الإحسان؛ كحياء العبد من اطِّلاع الله عليه وقُربه منه؛ فهذا من أعلى خصال الإيمان[14].

19. وَصَف أبو سعيدٍ الخُدريُّ - رضي الله عنه - النبيَّ ﷺ بقوله:

«كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ»[15]. 

20. الحياءُ من خُلُقِ الملائكة والأنبياء؛

قال النبيُّ ﷺ في عثمانَ - رضي الله عنه -: «أَلا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلاَئِكَةُ؟!»[16].

21. قال النبيُّ ﷺ:

«إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلاً حَيِيًّا سِتِّيرًا، لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ؛ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ»[17].

22. "أول الحياء وأوْلاه: الحياءُ من الله تعالى، وهو ألَّا يراك حيث نهاك، وذلك لا يكون إلا عن معرفة بالله تعالى كاملة، ومُراقبة له حاصلة، وهي المعبَّر عنها بقوله: «أن تعبُدَ اللهَ كأنك تراه؛ فإن لم تكُنْ تراه فإنه يراكَ»[18]"[19].

23. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ». قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ؛ وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ المَوْتَ وَالبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ»[20].

24. من أعظم فضائل الحياء أنه يُفضي إلى جنةٍ عَرْضُها السماوات والأرض؛ قال النبيُّ ﷺ:

«الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ، وَالإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ، وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ»[21].

المراجع

  1. "التعريفات" للجُرْجانيِّ (ص 94).
  2. "التبيان في تفسير غريب القرآن" لابن الهائم (ص 61).
  3.  رواه الترمذيُّ (1974)، والبخاريُّ في الأدب المفرد (601)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الأدب المفرد".
  4. "معالم السنن" للخطابيِّ (4/ 109، 110).
  5. رواه البخاريّ (1291)، ومسلم (3). 
  6. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 497، 498).
  7. رواه البخاريُّ (6117)، ومسلم (37).
  8. رواه مسلم (61).
  9. رواه البخاريُّ (9)، ومسلم (35).
  10. رواه البخاريُّ (6118).
  11. "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/ 277).
  12. "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/ 277).
  13. انظر: "فتح الباري" لابن رجب (1/ 102).
  14. انظر: "فتح الباري" لابن رجب (1/ 102).
  15. رواه البخاريُّ (3562)، ومسلم (67).
  16. رواه مسلم (36).
  17. رواه البخاريُّ (3404).
  18. رواه البخاريُّ (50)، ومسلم (8).
  19. "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبيِّ (1/135).
  20. رواه الترمذيُّ (2458)، وحسَّنه النوويُّ في "خلاصة الأحكام" (2/ 894)، والألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2/ 319).
  21. رواه أحمد (10512)، والترمذيُّ (2009)، وابن ماجه (4184)، وقال الترمذيُّ: هذا حديث حسن صحيح، وقال الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2628): حسن صحيح.


1. جِمَاع آداب الخير يتفرَّع من أربعة أحاديثَ، هي: قول النبيِّ ﷺ:

«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمُت»

 وقوله ﷺ:

«من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»

وقوله ﷺ للذي اختصر له الوصية: «لا تغضب»، وقوله ﷺ:

«لا يؤمن أحدكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه»[1].

2. في الحديث يُرشد النبيُّ ﷺ إلى بعض خصال الخير، التي تَزيد من إيمان العبد، وتَرفع درجته، ويَكمُل بها إيمانه، ويَستقيم بها حاله، وهي من جملة الآداب والأخلاق الإسلامية.

3. أقسم النبيُّ ﷺ ثلاثًا على عدم كمال إيمان من يُؤذي جاره؛ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:

«وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ» قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ»[2].

4. يَحصُل امتثال الوصيَّة بالجار بإيصال ضُروب الإحسان إليه بحسَب الطاقة؛ كالهدية والسلام وطلاقة الوجه عند لقائه، وتفقُّد حاله، ومعاونته فيما يحتاج إليه، إلى غير ذلك، وكفِّ أسباب الأذى عنه على اختلاف أنواعه، حسِّيةً كانت أو معنويةً[3].

5. في الحديث أن من كمال إيمان المؤمن إكرامَ الضيف يومًا وليلة، وهي جائزة الضَّيف، وهديَّة الْمُضيف وعطيَّته له.

6. في الحديث أن كمال الضيافة ثلاثة أيام، وما زاد على ذلك فهو صَدَقة من الْمُضيف على ضَيفه.

7. في الحديث بيان أن القيام بحقِّ الضيافة من أخلاق المؤمنين، ومما لا ينبغي لهم أن يتخلَّفوا عنها؛ لِمَا يَحصُل عليها من الثواب في الآخرة، ولِمَا يترتَّب عليها في الدنيا من إظهار العمل بمكارم الأخلاق، وحُسن الأحدوثة الطيِّبة، وطِيب الثناء، وحصول الرَّاحة للضَّيف المتعوب بمشقَّات السَّفر، المحتاج إلى ما يخفِّف عليه ما هو فيه من المشقَّة والحاجة[4].

8. لم تزل الضيافة معمولًا بها في العرب من لَدُنْ إبراهيمَ ﷺ؛ لأنَّه أول من ضَيَّف الضَّيف، وعادة مستمِرَّة فيهم، حتى إنَّ من تركها يُذَمُّ عُرْفًا، ويُبَخَّلُ ويُقَبَّحُ عليه عادة، فنحن وإن لَمْ نقل: إنَّها واجبة شرعًا، فهي متعيِّنة؛ لِمَا يحصل منها من المصالح، ويندفع بها من الْمَضَارِّ عادَةً وعُرفًا[5].

9. في الحديث إشارة إلى أن الصمت نجاةٌ للعبد من المهالك، ويشهد له حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ ﷺ:

«مَنْ صَمَتَ نَجَا»[6].

10. في الحديث إشارة إلى أن الواجب على المسلم أن يعمِّر وقته وحياته في الطاعات، ولا ينشغِل بغير ذكر الله - عزَّ وجلَّ - حتى لا يتحسَّر على ما فاته يومَ القيامة.

11. قال بعض السَّلَف: يُعرَض على ابن آدم يومَ القيامة ساعاتُ عُمُره، فكلُّ ساعة لم يَذكُر الله فيها، تتقطَّع نفسُه عليها حسرات، فمن هنا يُعلَم أن ما ليس بخير من الكلام، فالسكوتُ عنه أفضلُ من التكلُّم به، اللهمَّ إلَّا ما تدعو إليه الحاجة مما لابدَّ منه[7].

12. كان إكرام الضيف مما استدلَّت به أمُّ المؤمنين خديجةُ - رضي الله عنها - من أخلاق النبيِّ ﷺ عندما قال النبيُّ ﷺ لها:

«لقد خَشِيتُ على نفْسي»، فقالت: كلا، واللهِ ما يُخزيكَ الله أبدًا؛ إنك لَتَصِل الرحمَ، وتَحمِل الكَلَّ، وتَكسِب المعدومَ، وتَقْري الضيفَ، وتُعِين على نوائب الحقِّ[8].

13. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي اللَّه عنهمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:

«مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ»[9].

14. الجيرانُ ثلاثة: كافرٌ، فله حقُّ الجِوَار، ومسلمٌ أجنبيٌّ، فله حقُّ الجِوار، وحقُّ الإسلام، ومسلمٌ قريبٌ، فله حقُّ الجِوار، وحقُّ الإسلام، وحقُّ القَرابة[10].

15. كلَّما كان الجارُ أقربَ بابًا، كان آكَدَ حقًّا، فينبغي للجار أن يتعاهَدَ جارَه بالهَدية والصَّدَقة والدعوة واللطافة بالأقوال والأفعال، وعدم أذيَّته بقول أو فعل[11].

16. أوصى الله عزَّ وجلَّ بالجار في كتابه الكريم؛ فقال سبحانه:

{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ}

 [النساء: 36]

أي: الجار القريب والجار الذي ليس له قَرَابةٌ.

17. قال الحسن البصريُّ: "ليس حُسْنُ الجِوار كفَّ الأذى، ولكنْ حُسْنُ الجوار احتمالُ الأذى[12].

18. اسم الجار يَشمَل المسلم والكافر، والعابد والفاسق، والصّديق والعدوَّ، والغريب والبلديَّ، والنّافع والضّارَّ، والقريب والأجنبيَّ، والأقربَ دارًا والأبعد، وله مراتبُ بعضها أعلى من بعض، فأعلاها من اجتمعت فيه الصّفات الأُوَل كلُّها، ثمّ أكثرها، وهلمَّ جرًّا، إلى الواحد، وعكسُه من اجتمعت فيه الصّفات الأخرى كذلك، فيُعطى كلٌّ حقَّه بحسَبِ حاله[13].

المراجع

  1. "شرح النوويِّ على مسلم" (2/ 19).
  2. رواه البخاريُّ (6016).
  3. "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر (10/ 442).
  4. "المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم" للقرطبيِّ (5/ 197).
  5. "المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم" للقرطبيِّ (5/ 197).
  6. رواه أحمد (6481) والترمذيُّ (2501)، وصححه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2874).
  7. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 338).
  8. رواه البخاريُّ (3).
  9. رواه البخاريُّ (6015)، ومسلم (2625).
  10. "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" لأبي العباس القرطبيِّ (1/ 228)، "التعيين في شرح الأربعين" لسليمان بن عبد القويِّ (1/ 136) بتصرُّف.
  11. "تفسير السعديِّ" (ص: 178).
  12. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب الحنبليِّ (1/ 353).
  13. "فتح الباري" لابن حجر (10/ 442).



  1. في الحديث بيان أن الله تعالى قد ضمِن الرزق لعباده، ولا يَمنَع هذا من السعي والأخذ بالأسباب، تمامًا كما تأخذ الطير بالأسباب.

  2. هذا الحديث أصل في التَّوَكُّل، وأنه من أعظم الأسباب التي يُسْتَجْلَب بها الرزقُ [1].

  3. حقيقةُ التّوكُّل: هو صِدق اعتماد القلب على اللّه عزّ وجلّ في استجلاب المصالح، ودفع المضارِّ من أمور الدّنيا والآخرة كلِّها، وكِلَةُ الأمور كلِّها إليه، وتحقيق الإيمان بأنّه لا يُعطي ولا يمنع ولا يَضُرُّ ولا ينفع سواه [2].

  4. التَّوَكُّلُ جِمَاعُ الإيمان، وهو الغاية القُصوى، وإنَّ تَوَكُّل العبد على رَبِّه أن يَعْلَمَ أن اللَّهَ هو ثِقَتُه [3].

  5. تحقيق التّوكُّل لا ينافي السّعيَ في الأسباب الّتي قدَّر اللّه سبحانه المقدوراتِ بها، وجرت سُنَّته في خلقه بذلك؛ فإنّ اللّه تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتّوكُّل، فالسَّعْيُ في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتّوكُّل بالقلب عليه إيمان به؛ 

    كما قال اللّه تعالى:

    ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَٱنفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُوا جَمِيعًا﴾

    [النساء: 71] [4].

  6. مَن طَعَن في الحركة – يعني: في السَّعْيِ والكسب - فقد طعن في السُّنَّة، ومن طعن في التّوكُّل، فقد طعن في الإيمان؛ فالتّوكُّل حالُ النّبيِّ ﷺ، والكسبُ سُنَّته، فمن عَمِل على حاله، فلا يتركنَّ سُنَّته [5].

  7. من لطائف أسرار اقتران الفَرَج بالكَرْبِ واليُسر بالعُسر: أنّ الكرب إذا اشتدَّ وعَظُم وتناهى، وحصل للعبد الإياسُ من كَشْفه من جهة المخلوقين، وتَعلَّق قلبه باللّه وحده - وهذا هو حقيقة التّوكّل على اللّه، وهو من أعظم الأسباب الّتي تُطلَب بها الحوائج - فإنّ اللّه يكفي من توكَّل عليه؛

    كما قال تعالى:

    ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُۥٓ ۚ﴾

    [الطلاق: 3] [6].

  8. التّوكُّل مَحَلُّه القلب، وأمّا الحركة بالظّاهر، فلا تُنافي التّوكُّل بالقلب بعد ما تحقَّق العبد أنّ الثّقة من قِبَل اللّه تعالى، فإن تعسَّر شيء فبتقديره، وإن تيسَّر فبتيسيره [7].

  9. التّوكُّل هو الاسترسال مع اللّه تعالى على ما يُريد، وهو الاكتفاء باللّه تعالى مع الاعتماد عليه [8].

  10. قيل: التَّوَكُّلُ أن يستويَ الإكثارُ والتَّقَلُّل [9].

  11. التوكُّل نصف الدين، والنِّصف الثاني الإنابة؛ فإنَّ الدين استعانة وعبادة؛ فالتوكُّل هو الاستعانة، والإنابةُ هي العبادة، ومَنزِلتُه أوسعُ المنازل وأَجمَعُها، ولا تزال معمورةً بالنازلين لسَعَةِ متعلَّق التوكُّل، وكثرة حوائج العالَمين، وعموم التوكُّل ووقوعه من المؤمنين والكفَّار، والأبرار والفجَّار، والطير والوحش والبهائم [10].

  12. إن أهل السموات والأرض المكلَّفين وغيرَهم في مقام التوكُّل، وإن تباين متعلَّق توكُّلهم، فأولياؤه وخاصَّته يتوكَّلون عليه في حصول ما عليه في الإيمان، ونُصرة دينه، وإعلاء كلمته، وجهاد أعدائه، وفي مَحابِّه، وتنفيذ أوامره. ودون هؤلاء من يتوكَّل عليه في استقامته في نفسه، وحفظ حاله مع الله، فارغًا عن الناس، ودون هؤلاء من يتوكَّل عليه في معلوم يناله منه من رزق أو عافية أو نصر على عدوٍّ أو زوجة أو ولد ونحو ذلك، ودون هؤلاء من يتوكَّل عليه في حصول الإثم والفواحش؛ فإن أصحاب هذه المطالب لا ينالونها غالبًا إلا باستعانتهم بالله وتوكُّلهم عليه؛ بل قد يكون توكُّلهم أقوى من توكُّل كثير من أصحاب الطاعات؛ ولهذا يُلقون أنفسهم في الْمَتالف والْمَهالك، معتمِدين على الله أن يُسلِّمهم ويُظفرهم بمطالبهم [11].

  13. أفضلُ التوكُّل: التوكُّلُ في الواجب؛ أعني: واجبَ الحقِّ، وواجبَ الخَلق، وواجب النفس [12].

  14. أوسعُ التوكُّل وأنفعُه: التوكُّل في التأثير في الخارج في مصلحة دينية، أو في دفع مفسدة دينية، وهو توكُّل الأنبياء في إقامة دين الله، ودفع فساد المفسدين في الأرض، وهذا توكُّل العلماء، ثم الناس بعدُ في التوكُّل على حَسَب هِمَمهم ومقاصدهم، فمن متوكِّل على الله في حصول الملك، ومن متوكِّل في حصول رغيف [13].

  15. مَن صَدَق توكُّله على الله في حصول شيء ناله، فإن كان محبوبًا له مَرْضيًّا، كانت له فيه العاقبة المحمودة، وإن كان مسخوطًا مبغوضًا، كان ما حصل له بتوكُّله مَضرَّةً عليه، وإن كان مباحًا، حَصَلت له مصلحة التوكُّل دون مصلحة ما توكَّل فيه إن لم يَستعِنْ به على طاعاته [14].

  16. التوكُّل عملُ القلب، ومعنى ذلك: أنه عمل قلبيٌّ، ليس بقول اللسان، ولا عمل الجوارح، ولا هو من باب العلوم والإدراكات [15].

  17. من الناس من يجعل التوكُّل من باب المعارف والعلوم، فيقول: هو علم القلب بكفاية الربِّ للعبد، ومنهم مَن يفسِّره بالسكون وخمود حركة القلب، فيقول: التوكُّل هو انطراح القلب بين يدَيِ الربِّ كانطراح الميت بين يدي الغاسل يقلِّبه كيف يشاء، وهو ترك الاختيار والاسترسال مع مجاري الأقدار. قال سهل: التوكُّل الاسترسال مع الله مع ما يريد [16].

  18. من الناس من يفسِّر التوكُّل بالرضى، فيقول: هو الرضى بالمقدور. قال بشرٌ الحافي: يقول أحدهم: توكَّلت على الله، يَكذِب على الله؛ لو توكَّل على الله رَضِيَ بما يفعل الله، وسُئل يَحيى بنُ معاذ: متى يكون الرجل متوِّكلًا؟ فقال: إذا رَضِي بالله وكيلًا [17].

  19. من الناس من يفسِّر التوكُّل بالثقة بالله، والطمأنينة إليه، والسكون إليه. قال ابن عطاء: التوكُّل أن لا يَظهَر فيك انزعاج إلى الأسباب مع شدَّة فاقتك إليها، ولا تزول عن حقيقة السكون إلى الحقِّ مع وقوفك عليها، وقال ذو النون: هو ترك تدبير النفس والانخلاع من الحَوْلِ والقوَّة؛ وإنما يَقوى العبد على التوكُّل إذا علم أن الحقَّ سبحانه يَعلَم ويرى ما هو فيه [18].

  20. قيل: التوكُّل التعلُّق بالله في كلِّ حال، وقيل: التوكُّل أن تَرِد عليك موارد الفاقات، فلا تسمو إلَّا إلى من إليه الكفايات، وقيل: نفيُ الشكوك والتفويض إلى مالك الملوك، وقال ذو النون: خلع الأرباب وقطع الأسباب؛ يريد قطعها من تعلُّق القلب بها، لا من ملابسة الجوارح لها [19].

  21. من الناس من جَعَل التوكُّل مركَّبًا من أمرين أو أمور، فقيل: التوكُّل اضطراب بلا سكون، وسكونٌ بلا اضطراب؛ يريد: حركة ذاته في الأسباب بالظاهر والباطن، وسكون إلى المسبِّب، وركون إليه، ولا يضطرب قلبه معه، ولا تسكن حركته عن الأسباب الموصِّلة إلى رضاه، وقيل: هو طرح البدن في العبودية، وتعلُّق القلب بالربوبية، والطمأنينة إلى الكفاية، فإن أُعطِيَ شكر، وإن مُنِع صَبَر، فجعله مركَّبًا من خمسة أمور: القيام بحركات العبودية، وتعلُّق القلب بتدبير الربِّ، وسكونه إلى قضائه وقَدَره، وطمأنينته وكفايته له، وشكره إذا أُعطي، وصبره إذا مُنع [20].

  22. قيل: التوكُّل على الله بكمال الحقيقة كما وقع لإبراهيمَ الخليلِ - عليه السلام - في الوقت الذي قال لجبريلَ عليه السلام: أما إليك فلا؛ لأنه غائب عن نفسه بالله، فلم يَرَ مع الله غير الله [21].

  23. أجمع القوم على أن التوكُّل لا ينافي القيامَ بالأسباب، فلا يصحُّ التوكُّل إلا مع القيام بها، وإلَّا فهو بطالة وتوكُّل فاسد [22].

  24.  قيل: التوكُّل قطع علائق القلب بغير الله، وقيل: التوكُّل هجر العلائق، ومواصلة الحقائق، وقيل: التوكُّل أن يستويَ عندك الإكثار والإقلال، وهذا من موجِباته وآثاره؛ لأنه حقيقته [23].


المراجع


1. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 496، 497).

2.  "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 497).

3.  "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 497).

4.  "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 498).

5. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 498).

6. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 493).

7. "شرح النوويِ على مسلم" (3/ 91).

8. "شرح النوويِ على مسلم" (3/ 92).

9. "شرح النوويِ على مسلم" (3/ 92).

10. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 113).

11. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 114).

12. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 114).

13. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 114).

14. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 114).

15. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 114).

16. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 114).

17. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 114).

18. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 114).

19. مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 115).

20. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 115).

21.  "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 116).

22.  "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 116).

23. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 116).



  1. اختصَّ الله تعالى بعض سور القرآن وآياته ببعض الفضائل العظيمة، ومنها المعوِّذتان.

  2. ورد في فضل المعوِّذتين الكثيرُ من الأحاديث، وأنهما كافيتان للمسلم من كلِّ شيء، وتَدفَعان السوء عن قارئهما.

  3. عن عبد الله بن خُبَيْبٍ رضي الله عنه  قال:

خرجنا في ليلة مَطيرة وظُلمة شديدة نَطلُب رسول الله ﷺ يصلِّي لنا، قال: فأدركتُه، فقال: «قل» فلم أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قل»، فلم أقل شيئًا، قال: «قل»، فقلتُ: ما أقول؟ قال: «قل: قل هو الله أحد، والمعوِّذتين حين تُمسي وتُصبح ثلاثَ مرَّات تَكفِيك من كلِّ شيء»

[1].

  1. عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال:

    «كان رسول الله ﷺ يتعوَّذ من الجانِّ، وعَين الإنسان، حتى نزلت المعوِّذتان، فلمَّا نزلتا، أخذ بهما، وترك ما سواهما

    [2]

  2. عن عائشةَ زوجِ النبيِّ :

    «أن رسول الله ﷺ كان إذا اشتكى، يقرأ في نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ ويَنفُث، فلما اشتدَّ وَجَعُه، كنتُ أقرأ عليه، وأمسح عليه بيده؛ رجاءَ بركتها»

    [3].

  3. في (الفلق) أربعة أقوال؛ أحدها: الصبح، والثاني: الخَلق كلُّه. والثالث: سجن في جهنَّمَ، أو حيَّة في جهنم، أو وادٍ في جهنَّم. والرابع: أنه كل ما انفلق عن شيءٍ؛ كالصُّبح والحَبِّ والنَّوىـ [4].

  4. في الحديث بيانُ عِظَم فضل هاتين السُّورتين، وفيه دليلٌ واضح على كونهما من القرآن، وردٌّ على من نَسَب إلى ابن مسعود خلاف هذا، وفيه أنّ لفظة (قُلْ) من القرآن ثابتة من أوّل السّورتين بعد البسملة، وقد أجمعت الأمَّة على هذا كلِّه [5].

  5. لَمَّا نزلت المعوِّذتان، أخذ بهما النبيُّ ، وتَرَك ما سواهما، ولَمَّا سُحِر، استشفى بهما؛ لأنهما من الجوامع في هذا الباب [6].

  6. في سورة الفلق قيَّد الحاسد بـ

    ﴿وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾؛

    لأن الحاسد إذا أَظهَر حَسَده، وعَمِل بمقتضاه من بغيِ الغوائل للمحسود، كان شرُّه أتمَّ، وضَرُّه أكملَ [7].

  7. في سورة الناس، وَصَف المستعاذَ به بالربِّ، ثم بالْمَلِك، ثم بالإله، وأضافها إلى الناس، وكرَّره، وخصَّ المستعاذَ منه بالوَسواس المعنيِّ به الْمُوَسْوِس من الجِنَّة والناس [8].

  8. الوسوسة إما أن تكون في صدور المستعيذ، وهي رأسُ كلِّ شرٍّ، ومَنشَأ كلِّ ضلالة وكُفر وبِدعة، أو في صدور من يناديه ويضادُّه، وهي مَعدِن كلِّ مضرَّة، ومَنبَع كلِّ نَكال وعقوبة، فيَدخُل فيه نَفْثَةُ كلِّ نافث، وحَسَدُ كلِّ حاسد [9].

  9. أَخبَر في هذا الحديث الصّحيح أنّه لم يُرَ مثلُ المعوِّذتين، كما أخبر أنّه لم يَنزِل في التّوراة ولا في الإنجيل ولا في الزَّبور ولا في القرآن مثل الفاتحة، وهذا ممّا يبيِّن فضل بعض القرآن على بعض [10].

  10. الحاسدُ: هو الذي يحبُّ زوال النعمة عن المحسود، فيسعى في زوالها بما يَقدِر عليه من الأسباب، فاحتيجَ إلى الاستعاذة بالله من شرِّه، وإبطال كَيده [11].

  11. يَدخُل في الحاسد العائنُ؛ لأنه لا تَصدُر العَيْنُ إلا من حاسد شِرِّير الطَّبع، خبيثِ النفس [12]

  12. سورة الفلق تضمَّنت الاستعاذة من جميع أنواع الشرور، عمومًا وخصوصًا، ودلَّت على أن السحر له حقيقةٌ يُخشى من ضَرَره، ويُستعاذ بالله منه ومن أهله [13].

  13. سورةُ الناس مشتمِلة على الاستعاذة بربِّ الناس ومالكِهم وإلهِهم، من الشيطان الذي هو أصلُ الشرور كلِّها ومادَّتها، الذي من فتنته وشرِّه، أنه يوسوِس في صدور الناس، فيُحسِّن لهم الشرَّ، ويُريهم إيَّاه في صورة حَسَنة، وينشِّط إرادتهم لفعلِه، ويقبِّح لهم الخير، ويثبِّطهم عنه، ويُريهم إيَّاه في صورة غير صورته [14]

  14. الشيطان دائمًا يوسوِس ويَخْنُسُ؛ أي: يتأخَّر إذا ذَكَر العبدُ ربَّه واستعان على دَفْعِه، فينبغي له أن يستعين ويستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلِّهم، وأن الخلق كلَّهم داخلون تحت الربوبية والْمُلك، فكلُّ دابَّة هو آخِذٌ بناصيتها [15].

  15. ينبغي للعبد أن يستعين ويستعيذ ويعتصم بألوهية الله للناس كلِّهم، التي خلقهم لأجلها، فلا تتمُّ لهم إلا بدفع شرِّ عدوِّهم، الذي يريد أن يقتطِعَهم عنها، ويَحُول بينهم وبينها، ويُريد أن يَجعَلهم من حزبه؛ ليكونوا من أصحاب السعير [16].

  16. الوَسْوَاس كما يكون من الجنِّ، يكون من الإنس؛ ولهذا قال: (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [17]

  17. قوله: (من شرِّ حاسد إذا حسد) يعمُّ الحاسدَ من الجنِّ والإنس؛ فإن الشيطان وحزبه يَحسُدون المؤمنين على ما آتاهم الله تعالى من فضله؛ كما حَسَد إبليسُ أبانا آدمَ، وهو عدوٌّ لذُرِّيته؛ ولكن الوَسواس أخصُّ بشياطين الجنِّ، والحسد أخصُّ بشياطين الإنس، والوسواسُ يعمُّهما، والحسدُ يعمُّهما أيضًا؛ فكلا الشيطانين حاسدٌ مُوَسوِس، فالاستعاذة من شر الحاسد تتناولهما جميعًا [18].

  18. اشتملت سورة الفلق على الاستعاذة من كلِّ شر في العالم، وتضمَّنت شرورًا أربعة يُستعاذ منها شرًّا عامًّا، وهو شرُّ ما خَلَق، وشرُّ الغاسق إذا وقب، فهذا نوعان، ثم ذكر شرَّ الساحر والحاسد، وهو نوعان أيضًا؛ لأنهما من شرِّ النفس الشرِّيرة، وأحدهما يَستعين بالشيطان ويَعبُده، وهو الساحر [19].

  19. قلَّما يتأتَّى السِّحر بدون نوع عبادة للشيطان، وتقرُّب إليه، إما بذَبْحٍ باسمه، أو بذَبح يُقصد به هو، فيكون ذبحًا لغير الله، وبغير ذلك من أنواع الشرك والفسوق [20].

  20. الساحر وإن لم يُسَمِّ أفعاله عبادةً للشيطان، فهو عبادةٌ له، وإن سمَّاه بما سمَّاه به؛ فإن الشِّرك والكفر هو شرك وكُفر لحقيقته ومعناه، لا لاسمه ولَفظِه؛ فمن سَجَد لمخلوق وقال: ليس هذا بسجود له، هذا خضوع وتقبيل الأرض بالجبهة كما أقبِّلها بالنِّعم، أو هذا إكرام، لم يَخرُج بهذه الألفاظ عن كونه سجودًا لغير الله، فليسمِّه بما شاء [21].


المراجع

  1. (1) رواه أبو داود (3902)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح وضعيف سنن أبي داود". 
  2.  (2) رواه أبو داود (5082)، والترمذيُّ (3575)، وقال الترمذيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وقال الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 158): حسن صحيح. 
  3.  (3) رواه النسائيُّ (7804)، والترمذيُّ (2058)، وقال الترمذيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (4902).
  4.  (4) رواه أبو داود (3902)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح وضعيف سنن أبي داود". 
  5.  (5) " كشف المشكل من حديث الصحيحين " لابن الجوزيِّ (4/ 141). 
  6.  (6) "شرح النوويِّ على مسلم" (6/ 96). 
  7.  (7) "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1650). 
  8.  (8) "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1650).
  9.  (9) "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1651).
  10.  (10) "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1651). 
  11.  (11) "مجموع الفتاوى" (17/ 9). 
  12.  (12) "تفسير السعديِّ" (ص: 937). 
  13.  (13) "تفسير السعديِّ" (ص: 937). 
  14.  (14) "تفسير السعديِّ" (ص: 937) 
  15.  (15) "تفسير السعديِّ" (ص: 937، 938).
  16.  (16) "تفسير السعديِّ" (ص: 938). 
  17.  (17) "تفسير السعديِّ" (ص: 938). 
  18.  (18) "تفسير السعديِّ" (ص: 938). 
  19.  (19) "بدائع الفوائد" لابن القيم (2/ 759).
  20.  (20) "بدائع الفوائد" لابن القيم (2/ 759). 
  21.  (21) "بدائع الفوائد" لابن القيم (2/ 760).