عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعَمَلَ به والجهلَ، فليس لله حاجةٌ في أن يَدَع طعامَه وشَرَابَه».

فوائد الحديث

الفوائد العلمية

1. في الحديث تحذير عن مُبطِلَينِ يُبطلانِ أجرَ الصيام، وهما: قولُ الزور والعملُ به، والجهلُ.

2. ليس المقصود من إيجاب الصوم وشَرْعِه، نفْسَ الجوع والعطش؛ بل ما يَتبَعُه من كَسْر الشهوة، وإطفاء ثائرة الغضب، وتطويع النفْس الأمَّارة للنفْس المطمئنَّة، فإذا لم يحصُل له شيءٌ من ذلك، ولم تتأثَّر به نفْسه، لم يكن له من صيامه إلا الجوعُ والعطشُ، لا يُبالي الله تعالى بصومه، ولا ينظر إليه نظرَ قَبولٍ؛ إذ لم يقصد به مجرَّد جوعه وعطشه، فيحتفل به، ويقبل منه [1].

3. كان مَن قبلَنا من الأمم صومُهم الإمساكُ عن الكلام مع الطعام والشراب، فكانوا في حَرَجٍ، ثم أرخص الله لهذه الأمَّة بحَذْف نصف زمانها - وهو الليل - وحَذْف نصف صومها عن الفَم - وهو الإمساك عن الكلام - ورخَّص لها فيها؛ ليرفعها بالكرامة في أعلى الدَّرَج، فوقعت في ارتكاب الزُّور، واقتراف المحظور في هَرَج [2].

4. أثنى الله تبارك وتعالى على عباده الذين لا يشهدون الزور بقوله تعالى:

﴿ وَٱلَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ ٱلزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِٱللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا  ﴾

[الفرقان: 72].

5. جعل النبيُّ ﷺ قول الزور من أكبر الكبائر؛

فعن أبي بكْرةَ رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ:

«ألا أُنبِّئُكم بأكبر الكبائر؟» ثلاثًا، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلسَ وكان متَّكِئًا فقال: ألا وقول الزُّور»، قال: فما زال يُكرِّرها حتى قلنا: ليْتَه سكتَ

[3].

6. العمل بالزور يشمل: شهادةَ الزور، والغِيبة، والنميمة، وغير ذلك.

7. الجهل في الحديث هو: السفاهة وعدم الحِلم، بما يؤدِّي إليه من الشجار، والعِراك والصَّخَب، وغير ذلك مما نُهِي عنه الصائم كالرفث والسِّباب والتقاتُل بالباطل [4]، والعملُ بما فيه خلافُ ما يَقتَضيه العلم، من الابتداع والتحريف [5].

8. في الحديث وعيدٌ شديدٌ، وتغليظٌ كبيرٌ في حقِّ قول الزور؛ فإذا كان الزور يُحبط أجرَ الصَّوم الذي له من الثواب العظيم بحيث يخبِّئ الله ثوابَه؛ في الحديث القدسيِّ: «قال الله: كلُّ عمَلِ ابن آدمَ له، إلا الصيامَ؛ فإنه لي» [6]، فما الظنُّ بتلك السيئة التي غطَّت على هذا الثواب والأجر؟! [7].

9. للعبادات أثرٌ ظاهرٌ مطلوبٌ، وآخَرُ باطنٌ، وهو السببُ الرئيسُ في فرض العبادة، فالإخلال به إخلالٌ بالعبادة.

المراجع

1."تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" للبيضاويِّ (1/ 497).

2.  "عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي" لابن العربيِّ (3/ 229).

3. رواه البخاريُّ (2654)، ومسلم (87).

4. انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبيِّ (3/ 214)، "الشرح الممتع على زاد المستقنع" لابن عثيمين (6/ 431).

5.  انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبيِّ (3/ 214)، "الشرح الممتع على زاد المستقنع" لابن عثيمين (6/ 431).

6. رواه البخاريُّ (1904)، ومسلم (1151).

7. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (9/ 250).


الفوائد العقدية

10. قوله: «فليس لله حاجة» تعالى ربُّنا عن أن يحتاج، فهو الغنيُّ عن العالَمين، وهذا تَعبير عن عدم الالتفات، والمبالاة، والقَبول، والْمَيل، تقول: لا حاجةَ لي في فلان؛ أي: لا تهتمُّ به ولا يُهِمُّك أمرُه [1].

المراجع

    1. انظر: "الميسر في شرح مصابيح السنة" للتوربشتيِّ (2/ 467)، "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" للبيضاويِّ (1/ 497).

    الفوائد الفقهية

    11. أفاد هذا الحديثُ أن حُكمَ الامتناع عن الفُسوق وقول الزُّور كالامتناع عن الطعام والشراب والشهوة، وأن مَن لم يمتنع عن ذلك، فقد نقص أجرُ صيامه، وتعرَّض لسَخط ربِّه - جلَّ وعلا - وفي الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه،

    قال: قال رسول الله ﷺ:

    «رُبَّ صائمٍ ليس له مِن صيامه إلا الجوع، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامه إلا السهر»

    [1].

    12. الحديثُ دليل على تحريم الكذب والعمل به، وتحريم السَّفه، على الصّائم، وهما محرَّمان على غير الصّائم أيضًا؛ إلّا أنّ التّحريم في حقِّه آكَدُ؛ كتأكُّد تحريم الزّنا من الشّيخ، والخُيَلاء من الفقير [2]. 

    13. ليس المعنى من قوله: «فليس لله حاجةٌ في أن يدَعَ طعامه وشرابه» أن يؤمَر المغتاب، أو قائل الزُّور وفاعله، بترك الصيام؛ وإنما هو تحذيرٌ له، وتخويفٌ؛ لكي يترك ذلك الفعل، ويجتنبه ليَتِمَّ له أجرُ صومه [3].

    14. تبرأ الذمَّةُ بالصيام الذي دخل فيه الزورُ، والكذبُ، ولا يجب عليه القضاءُ، وإن كان لا يؤجَر الإنسان عليه، أو ينقص أجره [4].

    15. دلَّ قوله ﷺ: «فليس لله حاجةٌ في أن يَدَع طعامَه وشَرَابَه» على أن الزور يُحبِط أجر الصائم، وأن من نطق به في صيامه كالآكل الشارب عند الله تعالى في الإثم، فينبغي تجنُّبه، والحَذَر منه؛ لإحباطه للصيام [5].

    16. ذهب بعضُ الفقهاء إلى أن الوقوع في قول الزور، والفسوق، والكذب ونحو ذلك، يُفطِّر الإنسانَ؛ كما لو أَكَلَ، أو شَرِبَ، أو جامَع عامدًا، إلا أن كافَّةَ العلماء على خلافهم، وقد سُئل الإمامُ أحمدُ عن الغِيبة هل تفطِّر؟ فقال: لو كانت تُفطِّر ما بَقِيَ لنا صيام [6].

    17. القاعدةُ أن المنهيَّ عنه إن كان في ذات العبادة، فإنه يؤثِّر فيها صحةً وبُطلانًا؛ فإن تصدَّق رجلٌ بمال مغصوب أو مسروق، لم يُقبَل منه؛ لأن الكسبَ الحلالَ شرطٌ في الصَّدقة، بخلاف ما إن كان المنهيُّ عنه عامًّا ليس داخلًا في العبادة نفْسها؛ كالصلاة في الثَّوب المغصوب مثلًا، فإنها تصحُّ، وإن كان الغاصب آثمًا بغَصْبِه؛ لانفكاك الجهة حينئذٍ [7].

    18. في الحديث دليلٌ أن حُكْمَ الصيام الإمساكُ عن الرَّفَث وقول الزور، كما يُمسِك عن الطعام والشراب، وإن لم يُمسِك عن ذلك، فقد تنقَّص صيامه، وتعرَّض لسَخط ربِّه، وتَرْكِ قَبوله منه [8].


    المراجع

    1. رواه النسائيُّ في "السنن الكبرى" (3236)، وابن ماجه (1690)، وصحَّحه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 625).

    وانظر: "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (4/ 24).

    2. "سبل السلام" للصنعانيِّ (1/ 567).

    3. انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (3/ 374)، "فتح الباري" لابن حجر (4/ 117).

    4.  انظر: "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (2/ 226).

    5. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (9/ 250).

    6. انظر: "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقِّن (28/ 393)، "الشرح الممتع على زاد المستقنع" لابن عثيمين (6/ 431).

    7. انظر: "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقِّن (28/ 393)، "الشرح الممتع على زاد المستقنع" لابن عثيمين (6/ 431).

    8. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (4/ 23).


    الفوائد التربوية

    19. إن المنهج الإسلاميَّ في التربية يَربِط بين العبادة وحقائقِ العقيدة في الضمير، ويَجعَل العبادةَ وسيلةً لإحياء هذه الحقائق وإيضاحها وتثبيتها في صورة حيَّة تتخلَّل المشاعر، ولا تَقِف عند حدود التفكير.

    الفوائد اللغوية

    20. قول الزور يَشمَل كلَّ باطل وكذب؛ فإنَّ أصله: ازْوَرَّ عن الطريق؛ أي: مال عنه، وازْوَرَّ عن الحقِّ؛ ولذلك سُمِّيَ الكذبُ زُورًا [1].

    21. قوله: «فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ»: هو كنايةٌ عن عدم القَبول [2]


    المراجع

    1. انظر: "الغريبين في القرآن والحديث" للهروي (3/ 836)، "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (2/ 318)، "المفاتيح في شرح المصابيح" للمظهريِّ (3/ 24).

    2. "سبل السلام" للصنعانيِّ (1/ 567).


    مشاريع الأحاديث الكلية