عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعَمَلَ به والجهلَ، فليس لله حاجةٌ في أن يَدَع طعامَه وشَرَابَه».

هدايات الحديث

1. غاية الصيام التقوى؛ ﱡلَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﱠ، أن تصوم وتقوم «إيمانا واحتسابًا»؛ فالإسلام ليس شكليَّاتٍ ظاهريةً؛ بل إنه يُحيي النفوس والقلوب بهذه النفحات الإيمانية، فيصوم المرء ويقوم إيمانًا واحتسابًا وتجرُّدًا وإخلاصًا لله تعالى، فتتشرَّب نفسه المعانيَ الإيمانية، فتَقَرَّ في نفسه وقلبه؛ ليُكمل الطريق إلى الله والدار الآخرة.

2. إذا كان الصيام لله، يَجزي به من واسع فضله دون سائر العبادات؛ فما ظنُّكَ بسيِّئةٍ غطَّت على هذا الفضل الجَسِيمِ والثَّوَاب العظيم؟! «مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعَمَلَ به والجهلَ، فليس لله حاجةٌ في أن يَدَع طعامَه وشَرَابَه».

3. إن ممارسة العبادة هي التي تُعين المرء على إحياء نفسه وقلبه؛ فمهما قرأتَ من كتب نظرية، أو استمعتَ لدروس عن التقوى والإيمان والاحتساب والإخلاص لله تعالى، فلا يمكِن أن تَلمِس هذه المعانيَ وتحياها إلا بمباشرة العبادة إيمانا واحتسابًا، فتلمس معنى التقوى والإخلاص لله تعالى.

4. إن الهدف الأسمى والغاية الكبرى من الصوم هي التقوى؛ فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب وهي تؤدِّي هذه الفريضة؛ طاعةً لله، وإيثارًا لرضاه، والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية.

5. التقوى هي غاية تتطلَّع إليها أرواح المؤمنين، والصوم أداة من أدواتها، وطريق مضيء موصِّل إليها.

6. إذا صمتَ فلْيَصُمْ سمعُكَ، وبصركَ، ولسانكَ عن الكذب والمآثم، ودَعْ أذى الخادم، وليكن عليكَ وقارٌ وسَكينةٌ يومَ صيامك، ولا تجعلْ يومَ فِطركَ وصومكَ سواءً [1].

7. إن الله لم يُرِدْ أن يعذِّب العباد بترك ما يشتهون ويألَفون؛ ولكنه أراد أن يَدَعُوا قول الزور، والعمل به، والجهل.

8. إن الله تعالى أراد من عباده أن يتَّقُوه ويطيعوه ويجتنبوا محارمه، ولم يُرد أن يضيِّق عليهم بترك الأكل والشُّرب والجِماع؛ بل أراد أن يمتثلوا أوامره، ويجتنبوا نواهيَه؛ حتى يكون الصيام مدرسةً يتعوَّدون فيها على ترك المحرَّمات، وعلى القيام بالواجبات.

9. إذا كان شهر كامل يمرُّ بالإنسان وهو محافِظ على دينه، تارك للمحرَّم، قائم بالواجب، فإن ذلك سوف يغيِّر مَجرى حياته لو أراد وامتلك العزيمة. لذا؛ بيَّن الله الحكمة من صيام رمضان؛ بأنها التقوى.

10. الغرضُ من الصيام كسْرُ النَّفْس بترك الطعام والشراب، والغَرَضُ من كَسْر النَّفْس تركُ المناهي، والغَرَضُ الْمُعَظَّم من الصيام ترْكُ المناهي التي هي مُحَرَّمةٌ، لا ترك الطعام والشراب اللَّذينِ هما مباحانِ [2].

11. اعلم أنه لا يتمُّ التقرُّبُ إلى الله تعالى بترك هذه الشهوات المباحة في غير حالة الصيام إلا بعد التقرُّب إليه بتَرْك ما حرَّم الله في كلِّ حال من الكذب، والظُّلم، والعُدوان على الناس في دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم [3].

12. حَذَارِ أيها الصائمُ من الزور، والغِيبة، والجهل، وسائر المحرَّمات؛ فإن ذلك يَنقُص من أجْر الصائم؛ بل قد يُبطله.

13. يَا ذَا الَّذِي صَامَ عَنِ الطُّعْمِ = لَيْتَكَ قَدْ صُمْتَ عَنِ الظُّلْمِ

هَلْ يَنْفَعُ الصَّوْمُ امْرَأً ظَالِمًا = أَحْشَاؤُهُ مَلْأَى مِنَ الإِثْمِ

14. وَصَلِّ صَلاةَ مَنْ يَرْجُو وَيَخْشَى = وَقَبْلَ الصَّوْمِ صُمْ عَنْ كُلِّ فَحْشَا

15. حَصِّنْ صِيَامَكَ بِالسُّكُوتِ عَنِ الخَنَا = أَطْبِقْ عَلَى عَيْنَيْكَ بِالأَجْفَانِ

لا تَمْشِ ذَا وَجْهَيْنِ مِنْ بَيْنِ الوَرَى = شَرُّ البَرِيَّةِ مَنْ لَهُ وَجْهَانِ

16. رَمَضَانُ مَا أَدْرِي وَنُورُكَ غَامِرٌ = قَلْبِي فَصُبْحِي مُشْرِقٌ وَمَسَائِي

أَأَنَالُ بَعْدَ مَثَالِبِي وَمَسَاوِئِي = بِكَ مِنْهُمَا بَعْدَ القُنُوطِ شِفَائِي؟

وَبِأَنَّنِي سَأْنَالُ مِنْكَ حِمَايَتِي = وَوِقَايَتِي مِنْ مُعْضِلِ الأَرْزَاءِ

مَا أَنْتَ إِلاَّ رَحْمَةٌ ومَحَبَّةٌ = لِلنَّاسِ مِنْ ظُلْمٍ قَسَا وَعَدَاءِ


المراجع

1. رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (8880)، والبيهقيُّ في "شعب الإيمان" (3374).

2. "المفاتيح في شرح المصابيح" للمظهريِّ (3/ 24).

3. "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 155).


مشاريع الأحاديث الكلية