عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبيُّ ﷺ: «مَن حَجَّ هذا البيتَ فلم يَرفُثْ، ولم يفسُقْ، رجَعَ كيومِ ولَدَتْهُ أمُّهُ
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبيُّ ﷺ: «مَن حَجَّ هذا البيتَ فلم يَرفُثْ، ولم يفسُقْ، رجَعَ كيومِ ولَدَتْهُ أمُّهُ
1. في هذا الحديث بيان أحد أعظم مُكَفِّرات الذنوب، وهو الحجُّ الْمَبْرور.
2. في الحديث التأكيد على مكارم الأخلاق، وأنها سببٌ في قَبول العمل ورَدِّه.
3. الحجُّ في اللغة القَصْدُ، وفي الشرع: قَصْدُ البيت على الوجه المخصوص، في الزمان المخصوص، وهو شوَّال، وذو القَعْدَة، وعَشْرُ ليالٍ من ذي الحِجَّة [1].
4. تدور مقاصد الحج حول التعبُّد والطاعة، وتصحيح الاعتقاد، واجتماع المسلمين، ووَحْدة كلمتهم، وتَخْلِيَة وتَحْلِية وتزكية النُّفوس والقلوب والأرواح والأبدان.
5. الحجُّ وما فيه من مناسكَ هو تكليف فرديٌّ في ذاته؛ ولكنه فرديٌّ في صورة جماعية، ففيه تظهر قوَّة الأمة الإسلامية، ودين الإسلام، ونظامه، ووَحدته، وجماله، والمساواة بين أفراده، واجتماعه.
هذا الحديث مُقتَبَس من قوله تعالى:
﴿ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَٰتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ﴾
[البقرة: 197]
ولم يذكر في الحديث الجدال اعتمادًا على ما في الآية، أو لأن المجادلة ارتفعت بين العرب وقُريش في موضع الوقوف بعرفةَ والمزدلفة، فأسلمت قريش، وارتفعت المجادلة، ووقف الكل بعرفة" [2].
1. "شرح المشكاة = الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (6/ 1936).
2. إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري” للقسطلانيِّ (3/ 290)
7. المغفرة للحجِّ المبرور عامَّةٌ في حقوق الله تعالى؛ فإن الله عزَّ وجلَّ يغفرها، أما حقوق الآدميين فلا تسقُط إلا باسترضاء الخصوم، أو أداء الحقوق لأصحابها [1].
8. لا تسقُط حقوقُ العباد، ولا تنهدم بالحجِّ إجماعًا [2].
9. أمر الله تعالى باجتناب الرفث والفسوق والجدال في الحجِّ خاصَّةً، مع أنه مأمور باجتناب ذلك في كل وقت؛ لأنه مع الحجِّ أشدُّ، فهو كلُبْس الحرير للرجال في الصلاة مثلًا [3].
10. ظاهر الحديث يُفيد غفران الصّغائر والكبائر السّابقة؛ لكنّ الإجماع أنّ المكفِّرات مختصَّة بالصّغائر عن السّيّئات الّتي لا تكون متعلِّقةً بحقوق العباد من التَّبِعات؛ فإنّه يتوقَّف على إرضائهم، مع أنّ ما عدا الشّركَ تحت المشيئة [4].
1. انظر: "الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري" للكرمانيِّ (9/ 31)
2. انظر: "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (1/ 102).
3. انظر: "الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري" للكرمانيِّ (9/ 31).
4. "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (5/ 1741).
11. من مظاهر الربوبية لله تعالى تعظيمُ ما يشاء من الخَلق والأيام والأوقات والأماكن التي يختارها سبحانه، فاختيار الحج زمانًا ومكانًا، وتخصيصه بالمزايا والفضائل، هو اختيار ربَّانيٌّ، وتخصيص إلهيٌّ؛ حيث ينفرد سبحانه بتعظيم ما يشاء من خَلقه، وما يختار من الزمان والمكان، فهو الذي يفعل ما يشاء لحِكمة يَعلَمها سبحانه
الفوائد الحديثية12. قوله: «من حَجَّ»، في رواية مسلم: «مَن أتى»، وذلك يشمل الحَجَّ والعمرة معًا [1]
1. انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 382)، “إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري” للقسطلانيِّ (3/ 97).
الفوائد اللغوية13. الفاء في «فلم يَرفُث» عاطفة على الشَّرط، وجوابه «رجع».
14. في «رجع» وجهان؛ الأول: على معناها، والجار والمجرور (كيوم) حال. والثاني: أن تُضمَّن معنى (صار) فتعمل عملها، والجار والمجرور خبرٌ؛ أي: رَجَع مشابِهًا لنفسه في البراءة عن الذنوب في يوم ولدته أمُّه.
15. قوله: «رجَع كيوم ولدته أمه» كنايةٌ عن المغفرة ومحو الذنوب، فكأنه رجَع عاريًا عن الذنوب، وهذا يشمل جميعَ الذنوب: الصغائر، والكبائر، والتَّبِعات [1].
16. فَاءُ (الرَّفَثِ) مُثَلَّثَةٌ فِي الْمَاضِي؛ أي: (رَفَثَ، رَفِثَ، رَفُثَ)، وَالْمُضَارِعِ؛ أي: (يَرْفَث، يَرْفِث، يَرْفُث)، وَالْأَفْصَحُ الْفَتْحُ فِي الْمَاضِي؛ أي: رفَث، وَالضَّمُّ فِي الْمضارع؛ يرفُث [2].
17. الرفَث: الجِماع، كما أن جمهور المفسِّرين على أنه كناية عن الجِماع في قوله تعالى:
﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ ۚ﴾
[البقرة: 187]،
وقيل: التصريح بذِكر الجماع، وقيل: كلمة جامعةٌ لكل ما يُريد الرجُل من المرأة، وقيل: الفُحْشُ في القول [3].
18. أغرب ابن الأعرابيّ فقال: إنّ لفظ (الفِسْق) لم يُسمَع في الجاهليّة ولا في أشعارهم؛ وإنّما هو إسلاميٌّ، وتُعُقِّب بأنّه كَثُر استعماله في القرآن، وحكايته عمَّن قبل الإسلام [4].
19. الفسوق: السِّباب، والمعاصي، والسيئات، وقيل: قول الزور، وقيل: الذبح للأنصاب. وأصله: انفسَقَت الرُّطبةُ، إذا خرَجَت من قِشرها، فسُمِّي الخارجُ عن الطاعة فاسقًا؛ لخُروجه من الخير وانسلاخه منه [5].
20. يجوز في إعراب كلمة (يَوْم) من قوله: «كيوم ولدته أمه» وجهان؛ الأول: البناء على الفتح في محل جرِّ (كيومَ)، والثاني: الإعراب مجرورة بالكسرة (كيومِ)، والبناء على الفتح أولى؛ لأن صدر الجملة المضاف إليها مبنيٌّ (وَلَدَتْهُ)، وفي الحالتين لا تنوين بسبب البناء، أو بسبب الإضافة في الإعراب، و(يوم) مضاف، وجملة «ولدته أمه» في محل جرِّ بالإضافة.
1. انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (3/ 464).
2. فتح الباري" لابن حجر (3/ 382)
3. انظر: "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (4/ 462)، "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقِّن (11/ 41).
4. "فتح الباري" لابن حجر (3/ 382).
5. انظر: "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (4/ 462)، "فتح الباري" لابن حجر (3/ 382).