الفوائد العلمية
1. شرع الله تعالى لعباده عند خَتْمَ صيام رمضانَ زكاةَ الفِطر، وصلاة العيد، والتكبير، والذكر؛ تعظيمًا لله - عزَّ وجلَّ - وشكرًا له على نعمته بإكمال الصيام والقيام.
2. زكاة الفِطر هي زكاة يسيرة وخفيفة على الْمُخرِجين، وهي شكرٌ لله تعالى على إتمام صيام الشهر، وتنفع الفقراء والمساكين، وتوسِّع عليهم في العيد، وفيها إشاعة المحبَّة، وبثُّ السرور بين المسلمين؛ فالعيدُ يومُ فرح وسرور، فاقتضت حكمة الشارع أن يَفرِض للمسكين في يوم العيد ما يُعِفُّه عن السؤال، ويُغنيه عن الحاجة.
3. أُضيفت هذه الزكاةُ إلى الفِطر؛ لأنها تَجِب بالفِطر من رمضانَ [1].
4. يقال لزكاة الفطر: فِطرةٌ؛ لأن الفِطرة الخِلْقة؛ قال الله تعالى:
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}
أي: جبِلَّتَه التي جبَل الناسَ عليها، وزكاة الفطر يُراد بها الصدَقةُ عن البدن والنفس كما كانت الزكاة صدقةً عن المال [2].
5. حِكْمةُ زكاة الفِطر ظاهرةٌ جدًّا؛ ففيها إحسانٌ إلى الفقراء، وكَفٌّ لهم عن السؤال في أيام العيد؛ ليشاركوا الأغنياء في فرحهم وسرورهم به، ويكون عيدًا للجميع، وفيها الاتِّصاف بخُلق الكرم وحبِّ الْمُواساة، وفيها تطهيرُ الصائم مما يحصل في صيامه من نقص ولَغْوٍ وإثم، وفيها إظهارُ شُكر نعمة الله بإتمام صيام شهرِ رمضانَ وقيامه، وفِعل ما تيسَّر من الأعمال الصالحة فيه [3].
1. "المغني" لابن قدامة (3/ 79).
2. "المغني" لابن قدامة (3/ 79).
3. مجالس شهر رمضان" لابن عثيمين (ص142).
الفوائد الفقهية
6. الواجب في زكاة الفطر صاعٌ من غالب قُوت أهل البلد، سواءٌ كان من القمح، أو الشَّعير، أو التمر، أو الزَّبيب، أو الأرز، أو الذرة، أو نحو ذلك مما يُقتات ويُدَّخَر، عن كلِّ رأسٍ، على الذكر والأنثى، والحرِّ والمملوك، والصَّغير والكبير من المسلمين، والصَّاعُ يساوي أربعة أمداد بكفَّيْ رجل معتدِلِ الكفَّين.
7. عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي اللَّه عنه، قال: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ» [1]. والأَقِطُ: اللبن المجفَّف الذي لم تُنزَع زُبدته.
8. جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة يَرَون وجوب إخراج الأعيان في زكاة الفِطر؛ كالتمر والشعير والزبيب، أو من غالب قوت الناس، ولا يُجيزون إخراج قيمتها نقودًا، ومذهب الحنفية جواز إخراج القيمة.
9. في الحديث دليل على أن مِلك النِّصاب ليس بشرطٍ لوجوب زكاة الفطر؛ بل هي واجبة على الفقير والغنيِّ [2].
10. تُصرَف زكاة الفطر في الفقراء والمساكين دون غيرهم من مَصَارِف الزكاة، والمشروع أن تُصرف زكاة كلِّ بلد في فقرائها؛ حتى يَستغنيَ جميعُ الفقراء عن الزكاة، ولا يجوز نقلُ الزكاة إلا لمصلحة شرعية راجحة؛ كأن يكون فقراء البلد التي تُنقل إليهم الزكاة أشدَّ حاجةً من فقراء البلد التي يعيش فيها المسلم، أو أن يكون له أقاربُ فقراءُ مستحقُّون للزكاة ولا يُعطيهم ما يَكفيهم، فيكون هذا رعايةً وصِلةً لذَوي القُربى [3].
11. وقت وجوب زكاة الفطر هو وقتُ غُروب الشمس من آخِر يوم من رمضانَ؛ فإنها تَجِب بغروب الشمس من آخِرِ شهر رمضانَ [4].
12. عن ابن عَبَّاسٍ، قال: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» [5].
13. قوله: «وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ»: "هذا أمرُ استحباب؛ لجواز التأخير عند الجمهور، واختلفوا في جواز التأخير عن اليوم" [6].
14. الظاهر أن من أخرج الْفِطرة بعد صلاة العيد كان كمن لم يُخرجها، باعتبار اشتراكهما في ترك هذه الصدقة الواجبة. وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن إخراجها قبل صلاة العيد إنما هو مُسْتَحَبٌّ فَقَطْ، وجزموا بأنها تُجْزِئ إِلى آخِر يوم الْفِطر، والحديث يَرُدُّ عليهم، وأما تأخيرها عن يوم العيد، فقال ابن رسلان: إنه حرام بالاتِّفاق؛ لأنها زكاة، فوجب أن يكون في تأخيرها إثم؛ كما في إخراج الصلاة عن وقتها [7].
15. من تزوَّج، أو مَلَك عبدًا، أو وُلِد له وَلَد، أو أَسلَم، قبل غروب الشّمس، فعليه الفِطرة. وإن كان بعد الغروب، لم تَلزَمه. ولو كان حين الوجوب مُعْسِرًا، ثمّ أَيْسَر في ليلته تلك أو في يومه، لم يَجِبْ عليه شيء، ولو كان في وقت الوجوب موسِرًا، ثمّ أَعسَر، لم تَسقُط عنه؛ اعتبارًا بحالة الوجوب [8].
16. من مات بعد غروب الشمس ليلةَ الفطر، فعليه صدقة الفطر [9].
17. أجمع العلماء على وجوب صدقة الفطر، ونَقَل الإجماعَ فيها ابن المنذر والبيهقيُّ [10].
18. تجب زكاة الفطر على كلِّ مسلم حرٍّ، مالكٍ لِمَا يَزيد على قُوته وقُوت من تَلزَمه نَفَقتُه، يومَ العيد وليليتَه، ويجب إخراجها عن نفسه وعمَّن تَلزَمه نفقتُه؛ كزوجته، وأولادِه، وخَدَمه من المسلمين الذين يتولَّى أمورَهم ويقوم بالإنفاق عليهم.
19. قوله: «على العبد»: جعل وجوبَ زكاة الفطر علي السيِّد كالوجوب علي العبد مجازًا؛ إذ ليس هو أهلًا لأن يكلَّف بالواجبات المالية، ويؤيِّد ذلك عطف الصغير عليه [11].
20. زكاة الفطر غير واجبة على الجنين في بطن أمِّه، وهو قول أكثر أهل العلم؛ ولكن يُستحبُّ إخراجها عنه؛ فقد كان عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رضي اللَّه عنه - يُخْرِجُ عن الجنين [12].
21. في الحديث دليل على أنه لا تجب على المسلم فِطرة عبده الكافر؛ لقوله ﷺ في الحديث: «من المسلمين»، ولأنها طُهْرةُ المسلم كزكاة المال [13].
22. العمَّال والخَدَم الذين يتقاضَون أُجرة مقابل ما يؤدُّونه من عمل في المصنع والمزرعة هم الذين يُخرجون زكاة الفطر عن أنفسهم؛ لأن الأصل وجوبها عليهم [14].
23. قال وَكيعُ بنُ الجرَّاح: "زكاة الفِطر لشهر رمضانَ كسَجدة السَّهو للصلاة؛ تَجبُر نُقصانَ الصَّوم كما يَجبُر السجودُ نقصان الصلاة" [15].
24. يجوز للمسلم أن يوكِّل غيره في إخراج الزكاة؛ كأن يدفَعها إلى رجلٍ أمين موثوقٍ فيه يقوم بإخراجها نيابةً عنه، أو يُعطيها إلى جمعية خيرية موثوق فيها تقوم بتوزيع الزكاة في مصارفها الشرعية، وبذلك تَبرأ الذمَّة أمام الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة [16].
1. رواه البخاريُّ (1506)، ومسلم (985).
2. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1499).
3. "فتاوى دار الإفتاء المصرية" (1/123، 124، رقم 39).
4. "المغني" لابن قدامة (3/ 89).
5. رواه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827)، وقال الألبانيُّ في "صحيح أبي داود" (5/ 317): "قلت: إسناده حسن، وحسَّنه ابن قدامة والنوويُّ".
6. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1499).
7. "عون المعبود شرح سنن أبي داود" للعظيم آبادي (5/ 4).
8. "المغني" لابن قدامة (3/ 89).
9. "المغني" لابن قدامة (3/ 89).
10. "المجموع شرح المهذَّب" للنوويِّ (6/ 104).
11. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1499).
12. "المغني" لابن قدامة (3/ 99).
13. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1499).
14. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/372).
15. "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" للرمليِّ (3/ 110).
16. "فتاوى دار الإفتاء المصرية" (1/119، رقم 37).