عن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ رضي الله عنه، عن النبيِّ ﷺ قال: «مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ طَعَامُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»

فوائد الحديث

الفوائد العلمية

1. في الحديث إشارة إلى نعم الله تعالى على الإنسان التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى، فضلًا عن أن يستطيع شُكرَها؛ حتى إن أكثر النِّعَم لا يدريها الإنسان؛ لأنه يَألَفُها؛ فمن توفَّر له قليل من النِّعَم - كالثلاث المذكورة - فكأنه ملك الدنيا بأسرها.

2. في الحديث إشارة إلى أن الإنسان لا يُدرك نِعَم الله تعالى في جسده وما به من أعضاء وأجهزة ووظائفَ مُحكَمةٍ تعمل بغاية الدقَّة، ولا يَشعُر بما في جسده من إنعام إلا حين يُدرِكه الْمَرَض، فيُحِسُّ بالاختلال، وقيمة نعمة صحَّة جَسَده.

3. مَن جَمَع الله له بين عافية بَدَنه وأَمْنِ قَلْبِه حيث توجَّه، وكَفَاف عَيْشِه بقُوت يومه، وسلامة أهله، فقد جمع اللهُ له جميع النِّعَم التي مَن مَلَك الدنيا لم يَحصُل على غيرها، فينبغي أن لا يَستقبِل يومَه ذلك إلا بشُكرها بأن يَصرِفها في طاعة المنعِم، لا في معصية، ولا يَفتُر عن ذكره [1].

4. في هذا الحديث بيانُ ضَرورةِ حاجةِ الإنسانِ إلى الأمانِ والعافيةِ والقُوتِ.

5. في قوله ﷺ: «مَنْ أَصْبَحَ» إشارة للمؤمن ألَّا يخشى المستقبَل ولا يَحمِل همَّه؛ فإن أمره بيد ربِّه، مدبِّر الأمور، ومقدِّر الأقدار، ومصرِّف الأحوال، وما عليه إلا أن يُحسِن الظنَّ بالله تعالى، ويستبشر ويتفاءل بالخير.

6. في الحديث إشارة إلى عظم نعمة أمن الإنسان في نفسِه وأهله وعياله وبَيته، أو في طريقه، غيرَ خائف من عدوٍّ، آمنًا أن يقتله أحدٌ أو يَسرِقه أو نحو ذلك، وأنه كسائر النِّعم، لا يُدرِك قيمتَها حقًّا إلَّا مَن فَقَدها.

7. وَعَد الله المؤمنين بالأمن في الدنيا إن حقَّقوا التوحيد، وأخلصوا الإيمان، وعملوا الصالحاتِ؛ 

قال تعالى:

 ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْـًٔا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ﴾ 

[النور: 55]

8. وعد الله تعالى المؤمنين المخلِصين الذين لم يَلبِسوا إيمانهم بظُلم بأن لهم الأمنَ من المخاوفِ والعذاب والشقاء؛

قال تعالى:

 ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوٓا إِيمَٰنَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ 

[الأنعام: 82]

9. بشَّر الله تعالى أولياءه بالأمن وعدم الخوف؛

قال تعالى:

﴿أَلَآ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ  ﴿٦٢﴾ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ  ﴿٦٣﴾ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلْأَخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ﴾ 

[يونس: 62 - 64].

10. كان النبيُّ ﷺ يسأل ربَّه العافيةَ صباحَ مساءَ يقول:

«اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْت»

[2].

11. أخبر النبيُّ ﷺ أن الكثير من الناس مغبون في نعمتَيِ الصحة والفراغ؛

فعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال:

قال النبيُّ ﷺ: «نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحةُ والفراغُ»

[3].

12. أرشد النبيُّ ﷺ أمَّته إلى اغتنام الصحَّة قبل المرض؛

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ»

[4]

13. كانَ ابنُ عُمَرَ، يقولُ:

«إذا أمْسَيْتَ فلا تَنْتَظِرِ الصَّباحَ، وإذا أصْبَحْتَ فلا تَنْتَظِرِ المَساءَ، وخُذْ مِن صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، ومِنْ حَياتِكَ لِمَوْتِكَ»

[5].


المراجع


1. "فيض القدير" للمناويِّ (6/ 68).

2. رواه البخاريُّ في "الأدب المفرد" (701)، وأحمد (20701)، وأبو داود (5090)، وحسَّنه الألبانيُّ في "صحيح الأدب المفرد".

3. رواه البخاريُّ (6412).

4. رواه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (7846)، وقال: هذا حديث صحيحٌ على شرط الشَّيخَين ولم يُخَرِّجاه، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (3355).

5. رواه البخاريُّ (6416).



الفوائد اللغوية

14. «في سِرْبه»: المشهور كسر السّين؛ أي: في نفسِه، وقيل: السِّرْب الجماعة، فالمعنى: في أهله وعياله، وقيل: (سَرْبه) بفتح السِّين؛ أي: في مَسلَكه وطريقه، وقيل: (سَرَبِه) بفتحتين؛ أي: في بيته.

15. «فكأنّما حِيزت»: بصيغة المجهول من الحِيازة، وهي الجمعُ والضَّمُّ.

16. «له»: الضَّمير عائد لـ(مَن) رابط للجملة؛ أي: جُمِعت له الدّنيا بأسرها.

مشاريع الأحاديث الكلية