1. في الحديث دليل على حرص دين الإسلام على نشر المعاملات الطيِّبة بين الناس، وتحريم المعاملات الخبيثة، ومن ذلك أنه أحلَّ البيع وحرَّم الربا.
2. نهى اللهُ تعالى في كتابه الكريم عن أكل أموال الناس بالباطل؛
قال تعالى:
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوٓا أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِٱلْبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٍۢ مِّنكُمْ ۚ﴾
[النساء: 29]،
3. أكل الربا مِن أكبر الكبائر، وهو مِن السَّبْع الموبقات التي أمر النبيُّ ﷺ باجتنابها، وقد توعَّد الله تعالى آكله بالمحاربة؛
قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾
[البقرة (278- 279)].
4. اللَّعْنُ هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، والملعون مشارك لإبليسَ في العقوبة؛ لأن الله قال لإبليس:
﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ﴾
[الحجر: ٣٥] [1].
المراجع
1. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (6/ 333، 334).
في الحديث إشارة إلى أهمية الإعداد لتكوين أسرة صالحة؛ فالأسرة هي عماد المجتمع والأمة الإسلامية.
في الحديث بيان أهمية اختيار الزوجة الصالحة ذات الدين؛ فهي التي تُحسِن حضانة الزوج وإعفافه وإعانته على الطاعة والرزق الحلال، وتُحسِن تربية الأبناء، وتُحسن إقامة العلاقات السَّوِية مع أهل الزوج، وتساعد على صلة الرحم.
في الحديث بيان المبدأ الذي يختار على أساسه الرجلُ زوجته، وأنّ هذه الخصالَ الأربعَ هي الّتي يُرغَب في نكاح المرأة لأجلها، فهو خَبَر عمّا في الوجود من ذلك، لا أنّه أمرٌ بذلك؛ بل ظاهرُه إباحة النّكاح لقصد كلٍّ من ذلك؛ لكنَّ قصد الدِّين أَوْلى [1].
في الحديث الأمر باختيار ذات الدِّين، ذات الطاعات، والأعمال الصالحات، والعفَّة عن المحرَّمات.
في الحديث إشارة إلى أن المال والحسب والجمال دون دين يمكِن أن تتحوَّل في أيِّ وقت إلى نِقمة، تُفسِد الحياة الزوجية وتَهدِم الأسرة.
رُوِي عن النبيِّ ﷺ أنه قال:
«لَا تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ؛ فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ، وَلَا تَزَوَّجُوهُنَّ لِأَمْوَالِهِنَّ؛ فَعَسَى أَمْوَالُهُنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ؛ وَلَكِنْ تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ، وَلَأَمَةٌ حَرْماءُ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ أَفْضَلُ»
[2].
جاء رجلٌ إلى الحسن وقال له: إن لي بنتًا أحبُّها، وقد خَطَبها غير واحد، فمن تُشير عليَّ أن أزوِّجها؟ قال: زوِّجْها رجلًا يتَّقي الله؛ فإنه إن أحبَّها أَكرَمها، وإن أَبغَضها لم يَظلِهْما [3].
قال رسول الله ﷺ:
«الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ»
[4].
عَنْ ثَوْبَانَ قَال:
لَمَّا نَزَلَ فِي الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ مَا نَزَلَ، قَالُوا: فَأَيَّ الْمَالِ نَتَّخِذ؟ قَالَ عُمَرُ: فَأَنَا أَعْلَمُ لَكُمْ ذَلِكَ، فَأَوْضَعَ عَلَى بَعِيرِهِ، فَأَدْرَكَ النَّبِيَّ ﷺ وَأَنَا فِي أَثَرِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَّ الْمَالِ نَتَّخِذُ؟ فَقَالَ: «لِيَتَّخِذْ أَحَدُكُمْ قَلْبًا شَاكِرًا، وَلِسَانًا ذَاكِرًا، وَزَوْجَةً مُؤْمِنَةً تُعِينُ أَحَدَكُمْ عَلَى أَمْرِ الْآخِرَةِ»
[5].
المرأة الصالحة يكون منها من المودَّة والرحمة ما امتنَّ الله تعالى بها في كتابه، فيكون ألم الفراق أشدَّ عليها من الموت أحيانًا، وأشدَّ من ذَهاب المال، وأشدَّ من فراق الأوطان، خصوصًا إن كان بأحدهما علاقةٌ من صاحبه، أو كان بينهما أطفالٌ يَضِيعون بالفِراق، ويَفسَد حالهم [6].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ:
أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَر، وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَه»
[7].
عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
«أَرْبَعٌ مِنَ اَلسعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الوَاسِعُ، وَالجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الهَنِيءُ، وَأَرْبَع مِنَ الشَّقَاوَةِ: الْجَارُ السُّوءُ، والمرأة السُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ الضيقُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ»
[8].
قال ﷺ:
«إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ»[9].
المراجع
1. "فتح الباري" لابن حجر (9/ 135، 136).
2. رواه ابن ماجه، (1864)، وضعَّفه الألبانيُّ في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1209).
3. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (7/ 2259).
4. رواه مسلم (1467).
5. رواه الترمذيُّ (3094) وحسَّنه، وفي آخره: (وَتُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ)، وابن ماجه (1856) واللفظ له، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترمذيِّ".
6. "مجموع الفتاوى" (35 / 299).
7. رواه النسائيُّ (3131)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح النسائيِّ".
8. رواه ابنُ حبَّانَ في "صحيحه" (1232)، وصحَّحه الألبانيُّ في "السلسلة الصحيحة" (282)، و"صحيح الترغيب والترهيب" (1914).
9. رواه أحمد (1664) وغيره، وحسَّنه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب".
1. الإسلام هو دين الفِطرة السَّوِيَّة، الذي يهذِّب الغرائز الإنسانية، ويحدِّد الأُطُر بين النساء والرجال في العلاقات الاجتماعية، يترفَّع بها عن الحيوانية، ويصل بها إلى الراحة المنشودة لكلٍّ من الرجل والمرأة، فلا يَنكِح الرجل أمَّه، ولا أختَه، ولا ابنتَه، ولا عمَّته، ولا خالتَه... إلى آخر المحرَّمات.
2. في الحديث بيان أنه يَحرُم من الرَّضاع مثلُ الذي يَحرُم من النَّسَب؛ حيث إن المرأة التي تُرضِع طفلاً تكون بمثابة الأمِّ له؛ فقد غذَّته بلَبَنها، وضمَّته إلى صدرها؛ حتى نبت لحمُه، واشتدَّ عظمُه.
3.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّه عنهمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي بِنْتِ حَمْزَةَ:
«لاَ تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هِيَ بِنْتُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ»
[1].
4.
عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ:
اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي القُعَيْسِ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الحِجَابُ، فَقُلْتُ: لاَ آذَنُ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ فِيهِ النَّبِيَّ ﷺ، فَإِنَّ أَخَاهُ أَبَا القُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي؛ وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي القُعَيْسِ، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي القُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «وَمَا مَنَعَكِ أَنْ تَأْذَنِي؟! عَمُّكِ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي؛ وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي القُعَيْسِ، فَقَالَ: «ائْذَنِي لَهُ؛ فَإِنَّهُ عَمُّكِ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ»
[2].
5. لا يُعرَف اسم عمِّ عائشةَ الذي سألتْ عنه، ووَهِمَ من فسَّره بأفلحَ أخي أبي القُعيس؛ لأن أبا القُعيس أبو عائشة من الرضاعة، وأما أفلحُ فهو أخوه، وهو عمُّها من الرضاعة، وفي الحديث أنه عاش حتى جاء يستأذن على عائشةَ، فأمرها النبيُّ ﷺ أن تأذن له بعد أن امتنعت، وقولها: "لو كان حيًّا" يدلُّ على أنه كان مات، فيَحْتَمِل أن يكون أخًا لهما آخَرَ، ويَحْتَمِل أن تكون ظنَّت أنه مات لبُعْدِ عهدها به، ثم قَدِم بعد ذلك، فاستأذن [3].
المراجع
1. رواه البخاريُّ (2645)، ومسلم (1447).
2. رواه البخاريُّ (4796)، ومسلم (1445).
3. "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر (9/ 140).
25. في الحديث تعاهُدُ النبيِّ ﷺ لزوجاته، وتعليمهن ما يخفى عليهن من تعاليم الإسلام وأحكامه.
تتنوَّع الأعمالُ الموصِّلةُ إلى رِضا اللهِ وتتفاوتُ دَرَجاتُها كذلك.
كان الصحابةُ رِضْوانُ الله عليهم يحرصون على أفْضَلِ الأعمال وأحبِّها إلى اللهِ، وكانُوا يَسألونَ عن بيانِ منازلِها ومراتبِها؛ حُبًّا في العلمِ، ورغبةً فيه؛ حتَّى يلزموها فينالوا رِضا اللهِ رضي الله عنه وثوابه.
تكرَّر مثلُ هذا السؤال عن أفضل الأعمال من الصحابة الكرام ﭫ، وأجاب رسولُ الله ﷺ بأجوبة مختلفة، وقد ذكر العلماءُ أن ذلك راجعٌ لاختلاف أحوال السائلين؛ بأن أعلم النبيُّ ﷺ كلَّ سائل كلامًا هو إليه أحوجُ، أو هو به ألْيقُ، أو راجعٌ لاختلاف الأوقات، ونحو ذلك [1].
في الحديث أن أوَّل الأعمال وأحبَّها إلى اللهِ: «الصَّلَاة عَلى وقْتِهَا»، والصلاةُ هي رُكنُ الإسلام الثاني بعد الشَّهادتينِ، وهي أساسُ العَلاقة بين العبد وربِّه.
5. معنى قوله ﷺ: «عَلى وقْتِهَا»؛ أي: أداء الصلاة في الوقت المحدَّد لها؛ فليس في لفظ: «عَلى وقْتِهَا» ما يقتضي أولَ الوقت وآخرَه. وكأن المقصود به الاحترازُ عما إذا وقعت خارجَ الوقت قضاءً، وقد ورد في حديث آخر «الصلاة لوقتها» [2]، وهو أقرب لأن يُستدَلَّ به على تقديم الصلاة في أول الوقت من هذا اللفظ [3].
6. للصلاة مكانةٌ عُظمى في دين الله ، وقد أمر اللهُ في كتابه العزيز بالمحافظة عليها؛
فقال تعالى:
﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾
[البقرة: 238].
7. بيَّن سبحانه أن من صفات المؤمنين المحافظةَ على الصلاة، فقال سبحانه:
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾
[المؤمنون: 9].
8. توعَّد الله تعالى مَن يُضيع الصلاة بأشدِّ العقوبات؛
فقال تعالى:
﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾
[مريم: 59].
9. في الحديث أتى بِرُّ الوالدينِ في المنزلة الثانية بعد الصلاة؛ تأكيدًا لأهمية ذلك، وعِظَم منزلةِ وحقِّ الوالدينِ، وبِرُّ الوالدينِ يكون بالإحسان إليهما، والقيام بخِدمتهما، وتَرْك عُقوقهما.
10. جاء الأمرُ ببِرِّ الوالدَين في القرآن الكريم في أكثرَ من موضعٍ؛
قال تعالى:
﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ۞ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾
[الإسراء: 23، 24]،
وقال تعالى:
﴿وَوَصَّيْنَا ٱلْإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُۥ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍۢ وَفِصَٰلُهُۥ فِى عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوَٰلِدَيْكَ إِلَىَّ ٱلْمَصِيرُ﴾
[لقمان: 14].
11. في الحديث بيان أن العملَ الثالث في المنزلةِ هو الجِهادُ في سبيلِ اللهِ ، وهو: "محاربة الكفَّار لإعلاء كلمة الله، وإظهار شعائر الإسلام بالنفْس والمال"[4].
12. الحكمة من تخصيص هذه الأمور الثلاثة بالذِّكر دونَ سواها: أنها أفضلُ الأعمال بعد الإيمان.
13. مَن ضيَّع الصلاةَ التي هي عمادُ الدين مع العلم بفضيلتها، أو من ترَك بِرَّ والدَيْه، أو مَن ترَك الجهاد مع قُدرته عليه عند تعيُّنه، كان لغيرها من أمر الدين أشدَّ تضييعًا وتركًا، وأشدَّ تهاونًا واستخفافًا، وكذلك المحافِظُ على هذه الأعمال الثلاثة محافظٌ على ما سواها[5].
14.سُكوتُ ابن مسعود رضي الله عنه عن الاستزادة من رسول الله ﷺ إنما هو من باب الأدب مع رسول الله ﷺ، وشفقةً عليه؛ لئلا يسْأَم ﷺ، ويؤيِّدُه ما رواه عبدُ الله بن مسعود رضي الله عنه:
[فَمَا تَرَكْتُ أَسْتَزِيدُهُ إِلَّا إِرْعَاءً عَلَيْهِ]
[6]؛
أي: شفقةً عليه؛ لئلا يسْأم [7].
15. الأعمال في الحديث لعلَّها محمولة على الأعمال البدنية، كما قال الفقهاء: أفضلُ عبادات البَدَن الصلاةُ. واحترزوا بذلك عن عبادة المال [8].
16. هل يتناول العملُ عملَ القلب أو لا؟ جعلناه مخصوصًا بأعمال البَدَن، حيث يتبيَّن من هذا الحديث: أنّه لم يُرِد أعمال القلوب؛ فإنّ من عملها ما هو أفضل؛ كالإيمان؛ وقد ورد في بعض الحديث ذكر الإيمان مصرَّحًا به، فتبيَّن بذلك أنّه أُريد بالأعمال ما يدخل فيه أعمال القلوب، وأريد بها في هذا الحديث: ما يختصُّ بعمل الجوارح [9].
17. الجهاد في سبيل اللّه تعالى، مرتبتُه في الدّين عظيمة، والقياس يقتضي أنّه أفضل من سائر الأعمال الّتي هي وسائلُ؛ فإنّ العباداتِ على قسمينِ، منها ما هو مقصود لنفسه، ومنها ما هو وسيلة إلى غيره. وفضيلة الوسيلة بحسَب فضيلة المتوسَّل إليه، فحيث تُعظَّم فضيلة المتوسَّل إليه تُعظَّم فضيلة الوسيلة، ولَمّا كان الجهاد في سبيل اللّه وسيلةً إلى إعلان الإيمان ونشره، وإخمال الكفر ودحضه، كانت فضيلة الجهاد بحسَب فضيلة ذلك [10].
18. قولُه ﷺ: «ثم الجهادُ في سبيل الله»؛ لأن الجهاد فرض كفاية، والدخول فيه بعد قيام مَن سَقَط به حقُّ فرض الكفاية تطوُّعٌ إذا لم يتعيَّن بحضور العدوِّ؛ ولهذا تقدَّم بِرُّ الوالدين على الجهاد إذا لم يتعيَّن؛ كما قال النبيُّ ﷺ لمن أراد أن يجاهد معه: «ألكَ والدان؟» قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد» [11]، فَذَكر النبيُّ ﷺ لابن مسعود أن أفضل الأعمال القيامُ بحقوق الله التي فرضها على عباده فرضًا، وأفضلها: الصلاة لوقتها، ثم القيامُ بحقوق عباده، وآكَدُه بِرُّ الوالدينِ، ثم التطوُّع بأعمال البِرِّ، وأفضلُها الجهادُ في سبيل الله [12].
19. رُوي خلاف ما يُفهَم منه ما دلَّ عليه حديث ابن مسعود هذا؛ ففي الصحيحين، عن أبي هريرة، أن النبيَّ ﷺ سئل: أيُّ الأعمال أفضلُ؟ قال: «إيمانٌ بالله ورسوله»، قيل: ثم أيُّ؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»، قيل: ثم أيُّ؟ قال: «حجٌّ مبرور». ورُوِيَ نصوص أُخَرُ بأن الجهاد أفضل الأعمال مطلَقًا، ورُوي ما يدلُّ على أن أفضل الأعمال ذكرُ الله عزَّ وجلَّ.
20. لو جمعنا بين الأحاديث كلِّها في هذا الباب لوجدنا أن أفضل الأعمال الشهادتان مع توابعهما، وهي بقية مباني الإسلام، أو الصلاة مع توابعها أيضًا من فرائض الأعيان التي هي من حقوق الله عز وجل، ثم يلي ذلك في الفضل حقوقُ العباد التي هي من فروض الأعيان؛ كبِرِّ الوالدين، ثم بعد ذلك أعمال التطوُّع المقرِّبة إلى الله، وأفضلُها الجهاد [13].
21. الجهاد أفضل ما تُطُوِّع به من الأعمال، على ما دلَّت عليه النصوص الصحيحة الكثيرة، فأما النصوص التي جاءت بتفضيل الذكر على الجهاد وغيره من الأعمال، وأن الذاكرين لله أفضلُ الناس عند الله مطلقًا، فالمراد بذلك أهل الذكر الكثير المستدام في أغلب الأوقات، وليس الذكرَ مما يُقطَع عن غيره من الأعمال كبقية الأعمال؛ بل يمكِن اجتماع الذكر مع سائر الأعمال، فمن عَمِل عملًا صالحًا، وكان أكثرَ لله ذِكرًا فيه من غيره، فهو أفضل ممن عَمِل مثل ذلك العمل من غير أن يذكر الله معه، وقد وَرَد في نصوص متعدِّدة أن أفضل المصلِّين والمتصدِّقين والمجاهدين والحاجِّ وغيرهم من أهل العبادات أكثرُهم لله ذِكرًا [14].
22. مما أجاب به العلماء عن اختلاف أجوبته ﷺ عن أفضل الأعمال: أنّ "أفضل" ليست على بابها للتفضيل؛ بل المراد بها الفَضْل المطلَق، أو المراد: من أفضل الأعمال، فحُذفت "من"، وهي مُرادة [15].
23. قيل: الأعمال في هذا الحديث محمولةٌ على البَدَنيّة، وأراد بذلك الاحتراز عن الإيمان؛ لأنّه من أعمال القلوب، فلا تعارض حينئذ بينه وبين حديث أبي هريرة:
«أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ إِيمَانٌ بِاللَّهِ»
الْحَدِيثَ [16].
24. قيل: المراد بالجهاد هنا ما ليس بفَرْضِ عَيْنٍ؛ لأنه يَتوقَّف على إِذْن الوالدَيْنِ، فيكون بِرُّهما مُقَدَّمًا عليه [17].
25. في الحديث تعظيمُ الوالدينِ وبيان فضْلهما، ووجوب الإحسان إليهما، ولو كانا كافِرَين [18].
المراجع
- انظر: "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر (2/ 9)
- رواه البخاريُّ (75349)، ومسلم (85).
- "إحكام الأحكام شرع عمدة الأحكام" لابن دقيق العيد (1/ 163).
- "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لبدر الدين العَيْنيِّ (5/ 14).
- "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لبدر الدين العَيني (5/ 14).
- رواه مسلم (85).
- انظر: "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لبدر الدين العَيني (5/ 14).
- "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق العيد (1/ 162، 163).
- "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق العيد (1/ 162، 163).
- "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق العيد (1/ 163، 164).
- رواه البخاريُّ (3004)، ومسلم (2549).
- "فتح الباري" لابن رجب (4/ 210).
- "فتح الباري" لابن رجب (4/ 217).
- "فتح الباري" لابن رجب (4/ 218).
- "فتح الباري" لابن حجر (2/ 9).
- "فتح الباري" لابن حجر (2/ 9).
- "فتح الباري" لابن حجر (2/ 9).
- انظر: "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر العسْقلاني (2/ 10).
1. أَجمَع العلماء على عِظَم وَقْع هذا الحديث وكثرة فوائده، وأنّه أحد الأحاديث الّتي عليها مَدَار الإسلام[1].
2. قال جماعة: هذا الحديث ثُلُثُ الإسلام، وإن الإسلام يَدُور عليه وعلى حديث «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ»، وحديثِ «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المرء تركه ما لا يَعْنِيه»[2].
3. قال أبو داود السَّخْتيانيُّ: يدور الإسلام على أربعة أحاديثَ: هذه الثلاثة: حديث: «الحلال بيّن والحرام بيِّن»، وحديث: «الأعمال بالنيَّة»، وحديث: «مِن حُسن إسلام المرءِ ترْكُه ما لا يَعنيه»، وحديث: «لا يؤمن أحدكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه»، وقيل: حديث «ازهد في الدنيا يحبَّك الله، وازهد ما في أيدي الناس يحبَّك الناس»[3].
4. سبب عِظَم موقع هذا الحديث أنّه ﷺ نبَّه فيه على إصلاح الْمَطعَم والْمَشرَب والْمَلبَس وغيرها، وأنّه ينبغي ترك المشتبِهات؛ فإنّه سبب لحماية دينه وعِرْضه، وحذَّر من مُوَاقعة الشُّبهات، وأوضح ذلك بضرب المثل بالحِمَى، ثمّ بيَّن أهمَّ الأمور، وهو مُراعاة القلب، فقال ﷺ: «ألا وإن في الجسد مضغةً...» إلى آخره، فبيَّن ﷺ أن بصلاح القلب يَصلُح باقي الجسد، وبفساده يفسد باقيه[4].
5. شَرَع اللهُ تعالى لعباده ما يَنفُعهم في دينهم ودنياهم، فأحلَّ لهم الطيِّباتِ، وحرَّم عليهم الخبائثَ، وفي هذا الحديث يُبيِّن النبيُّ ﷺ الحلالَ والحرامَ والأمورَ المشتبِهةَ بينَهما.
6. في هذا الحديث التأكيدُ على السَّعْيِ في صلاح القلب وحمايته من الفساد[5].
7. في الحديث بيان أن الحلالَ الخالص الذي أحلَّه الله وأباحه واضحٌ لا اشتباهَ فيه، وكذلك الحرامُ الخالص الذي قام الدليل على تحريمه واضحٌ لا اشتباهَ فيه.
8. في الحديث بيان أن بين الحلال والحرام أمورًا تَشتَبِهُ على كثير من الناس، هل هي من الحلال أو من الحرام؟ وليس المراد أنها في نفْسها مشتبِهةٌ؛ لأن الله تعالى بعث رسوله ﷺ مُبيِّنًا للأُمَّة جميعَ ما يحتاجونه في دينهم[6].
9. هناك أمورٌ متردِّدةٌ بين التحليل والتحريم، وهي كلُّ ما تتنازَعُه الأدلَّةُ من الكتاب والسُّنة، وتتجاذَبُه المعاني، فهي المتشابهات، وهذا القِسْمُ يجهله كثيرٌ من الناس؛ وإنما يَعلَمها العلماءُ بنصٍّ، أو قياس، أو استصحاب، أو غيرِ ذلك من الأدلَّة[7].
10. في الحديث بيان أن من اتَّقى الشُّبهات، فقد حَصَل له البَراءةُ لدينه من الذمِّ الشرعيِّ، وصَانَ عِرضَه عن كلام الناس فيه.
11. في الحديث بيان أن مَن وقع في الشُّبُهات وقع في الحرام، ووقوعه في الحرام يَحتمِل وجهين؛ أولهما: أنه من كثرة تَعاطيه الشُّبُهاتِ يُصادف الحرام، وإن لم يتعمَّدْه. والآخَر: أنه يَعتَاد التساهُلَ، ويتمرَّن عليه، ويَجسُر على شُبهة، ثم أخرى أَغلَظَ منها، حتى يقعَ في الحرام عمدًا[8].
12. في الحديث تقسيم الأحكام إلى ثلاثة أشياءَ؛ لأنّ الشّيء إمّا أن يُنصَّ على طلبه مع الوعيد على تركه، أو يُنصَّ على تركه مع الوعيد على فِعله، أو لا يُنصَّ على واحد منهما؛ فالأوّل: الحلال البيِّن، والثّاني: الحرام البيّن، والثّالث: مشتبِه لخفائه، فلا يُدرى هل هو حلال أو حرام؟[9].
13. في الحديث إشارة إلى أن من وقع في الشُّبهات كان جديرًا بأن يقع في الحرام بالتدريج؛ فإنه يسامح نفسه في الوقوع في الأمور المشتبِهة، فتدعوه نفسه إلى مواقعة الحرام بعده[10].
14. القلب الصالحُ: هو القلب السليم الذي لا يَنفَع يومَ القيامة عند الله غيرُه، وهو أن يكون سليمًا عن جميع ما يكرهه اللهُ ويَسخَطه، ولا يكون فيه سوى محبَّة الله وإرادته ومحبَّة ما يحبُّه الله، وإرادة ذلك، وكراهة ما يكرهه الله، والنُّفور عنه[11].
15. القلب الفاسد: هو القلب الذي فيه الْمَيل على الأهواء المضِلَّة، والشهوات المحرَّمة، وليس فيه من خشية الله ما يكفُّ الجوارح عن اتِّباع هوى النفس؛ فالقلب ملك الجوارح وسلطانُها، والجوارح جنوده ورعيَّته المطيعة له المنقادة لأمره، فإذا صلح الملك، صلحت رعاياه وجنوده المطيعة له المنقادة لأوامره، وإذا فسد الملك، فسدت جنوده ورعاياه المطيعة له المنقادة لأوامره ونواهيه[12].
16. في الحديث بيانُ فَضْل العلم؛ إذ به يُفرَّق بين الحقِّ والباطل، والحلال والحرام، والضلال والهدى.
17. في الحديث أن الفِطرةَ السليمةَ للإنسان مؤهَّلةٌ لمعرفة الحلال والحرام، كما أنها تُميِّز بين الحقِّ والباطل، ومع ذلك فقد بيَّن اللهُ سبحانه على لسان أنبيائه ورسله؛ ليؤكِّد ما قام بالفِطرة[13].
18. في الحديث إشارة إلى أنَّ صلاحَ الباطن يستلزم صلاحَ الظاهر؛ لكن الظاهر قد يكون صالحًا مع فساد الباطن؛ كحال المنافق والمرائي[14].
المراجع
- "شرح النَّوويِّ على مسلم" (11/ 27).
- "شرح النَّوويِّ على مسلم" (11/ 27).
- "شرح النَّوويِّ على مسلم" (11/ 27).
- "شرح النَّوويِّ على مسلم" (11/ 27).
- "شرح النَّوويِّ على مسلم" (11/ 29).
- انظر: "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/194)، و"إرشاد الساري" للقسطلانيِّ (4/7).
- انظر: "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق (44)، و"شرح النوويِّ على مسلم" (4/190).
- "شرح النوويِّ على مسلم" (4/190).
- "فتح الباري" لابن حجر (4/ 291).
- "فتح الباري" لابن رجب (1/ 227).
- "فتح الباري" لابن رجب (1/ 229).
- "فتح الباري" لابن رجب (1/ 229).
- انظر: "الأحاديث النبوية الكلية التي عليها مدار أحكام الإسلام" لصالح أحمد الشامي (ص: 18).
- "الفوائد المستنبطة من الأربعين النووية وتتمتها الرجبية" لعبد الرحمن بن ناصر البراق (ص: 18).
1. هذا الحديثُ يُعدُّ أصلًا من أصول الإسلام، وجامعًا من جوامع الخير للمسلم في الدنيا والآخرة، وجامعًا لأنواع من العلوم والقواعد والآداب؛ ففيه فضلُ قضاء حوائج المسلمين ونَفْعِهم، بما يتيسَّر من علم، أو مال، أو معاونة، أو إشارة بمصلحة، أو نصيحة، أو غير ذلك.
2. في الحديث: فضلُ التيسير على المعسِر، وفضلُ السعيِ في طلب العلم، ويَلزَم من ذلك فضلُ الاشتغال بالعلم، ويُشترَط أن يُقصَد به وجه الله تعالى.
3. الجزاء من جِنس العمل؛ فجزاءُ التّنفيسِ التّنفيسُ، وجزاءُ التّفريج التّفريجُ، وقد تكاثرت النّصوص بهذا المعنى، من أن الجزاءَ من جِنس العمل
كقوله ﷺ:
«إنَّما يَرْحَمُ اللَّهُ من عبادِه الرُّحَماءَ»
[1].
4. التَّيسير على المعسِر في الدُّنيا يكون إمَّا بإنظاره إلى الْمَيْسَرة، أو بالوضع عنه إن كان غريمًا لا يستطيع سَدَاد دَيْنِه، أو بإعطائه ما يَزُول به إعسارُه، وهذا كلُّه فضلٌ عظيم، يجزي الله به بالتيسير على ذلك الميسِّر في الدنيا، وكذلك في الآخرة يومَ القيامة.
5. السَّتْرُ على المسلم: أن يَستُر زلَّاتِه، والمرادُ به السَّتر على ذَوي الهَيئات ونحوِهم ممَّن ليس معروفًا بالفساد، وهذا في سَتر معصية وَقَعت وانقَضَت، أما إذا عَلِم معصيته وهو متلبِّس بها، فيجب المبادَرة بالإنكار عليه، ومنعه منها، فإن عجز، لَزِمه رفعها إلى وليِّ الأمر إن لم يترتَّب على ذلك مَفسَدة [2].
6. المعروفُ بالفساد والمعاصي وانتهاك المحرَّمات لا يُستَر عليه؛ لأن السَّتر عليه يُطمِّعه في الفساد والإيذاء وانتهاك المحرَّمات، وجسارة غيره على مثل ذلك؛ بل يُستحبُّ أن يرفعه إلى الإمام إن لم يَخَفْ من ذلك مَفسَدة [3].
7. الرُّواة والشهود والأُمَناء على الصدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم، يجب تجريحهم عند الحاجة، ولا يحلُّ السَّتر عليهم إذا رأى منهم ما يَقدَح في أهليَّتهم، وليس هذا من الغِيبة المحرَّمة؛ بل من النصيحة الواجبة [4].
8. من كان مستورًا، لا يُعرَف بشيء من المعاصي، إذا وقعت منه هفوة، أو زلَّة، فإنَّه لا يجوز كشفُها، ولا هَتْكُها، ولا التّحدُّث بها؛ لأنَّ ذلك غِيبةٌ محرَّمة، وهذا هو الذي وردت فيه النُّصوص [5].
9. إن الأَوْلى سَتْرُ عُيوب المستورين؛ فمِثْلُه لو جاء تائبًا نادمًا وأقرَّ بحدٍّ، ولم يفسِّرْه، لم يُسْتَفْسَرْ؛ بل يُؤمَر بأن يرجع ويَستُر نفسه؛ كما أمر النّبيُّ ﷺ ماعزًا والغامديَّة، وكما لم يُستفسَر الَّذي قال: "أصبتُ حدًّا، فأقمْه عليَّ". ومِثْلُ هذا لو أُخِذ بجريمته، ولم يَبلُغِ الإمامَ، فإنّه يُشفَع له حتَّى لا يَبلُغَ الإمام [6].
10. من كان مُشتهِرًا بالمعاصي، مُعْلِنًا بها، لا يُبالي بما ارتكب منها، ولا بما قيل له، فهذا هو الفاجر المعلِن، وليس له غِيبةٌ، ومثل هذا لا بأس بالبحث عن أمره لتُقام عليه الحدود، ولا يُشفَع له إذا أُخِذ، ولو لم يَبلُغ السُّلطان؛ بل يُترَك حتّى يقام عليه الحدُّ؛ لينكفَّ شَرُّه، ويرتدع به أمثاله [7].
11. بعث الحسن البصريُّ قومًا من أصحابه في قضاء حاجة لرجل وقال لهم: مُرُّوا بثابت البنانيِّ، فخذوه معكم، فأَتَوا ثابتًا، فقال: أنا معتكِفٌ، فرجعوا إلى الحسن فأخبروه، فقال: قولوا له: يا أعمشُ، أما تَعلَم أنَّ مَشْيَكَ في حاجة أخيك المسلم خيرٌ لك من حَجَّة بعد حجَّة؟! فرجعوا إلى ثابت، فترك اعتكافه، وذهب معهم.
12. في الحديث الحثُّ على طلب العلم، وبيان فضل الرحلة إليه، والجِدِّ في طلبه.
13. من سعى إلى طريق يَطلُب فيه العلم النافع، كان جزاؤه أن يُوفِّقه الله تعالى للأعمال الصالحة الموصِّلة إلى الجنة.
14. سلوكُ الطريق لالتماس العلم يَشمَل الطريقَ الحسيَّ، والطريقَ المعنويَّ؛ فأما الحسيُّ فهو الطريق الذي يسير فيه طالبُ العلم، سواءٌ كان ماشيًا أو راكبًا، ومن ذلك أيضًا الرحلة في طلب العلم؛ كأن يرتحل الإنسان من بلده إلى بلد آخَرَ يلتمس العلمَ، ونحو ذلك.
15. الطريق المعنويُّ في طلب العلم، هو الطريق الذي يُتوصَّل به إلى العلم؛ كالحفظ والفَهْم، والْمُدارسة، والمذاكرة، والمطالَعة، سواءٌ أكان مِن أفواه العلماء، أو مِن بُطون الكتب مراجعةً وبحثًا، فمِثلُ هذا يكون سالكًا لطريق العلم وإن كان جالسًا [8].
16. كما أَطلَق ﷺ لفظ الطريق، وأتى به عامًّا ليشمل جميع الطُّرق الحِسِّية والمعنوية الموصِّلة للعلم، كذا أَطلَق لفظ العلم، وأتى به منكَّرًا؛ ليَشمَل جميع فروع عِلم الدين ومسائله، وليندرجَ فيه القليل والكثير منه [9].
17. قوله: «سهَّلَ اللهُ له طريقًا إلى الجنة»: جزاؤه أن يُوفِّقه الله تعالى للأعمال الصالحة الموصِّلة إلى الجنة، أو يُسهِّل الله له العلم الذي طلبه، وسَلَك طريقه، ويُيسِّره عليه؛ فإن العلم طريقٌ موصِّلٌ إلى الجنة؛ بل هو من أقربها؛ إذ بالعلم الشرعيِّ يُعرَف الحلال والحرام، ومُرادُ الله من العباد، والوسائل الْمُعينة على رضاه سبحانه وتعالى.
18. من أبطأ به عملُه أن يَبلُغ به المنازل العالية عند اللّه تعالى، لم يُسرِع به نَسَبُه، فيبلِّغه تلك الدَّرجات؛ فإنّ اللّه تعالى رتَّب الجزاء على الأعمال، لا على الأنساب؛
كما قال تعالى:
{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ}
[المؤمنون: 101].
19. قال ابن مسعود: يَأمُر اللّه بالصِّراط، فيُضرَب على جهنَّمَ، فيَمُرُّ النَّاس على قَدْرِ أعمالهم زُمَرًا زُمرًا، أوائلُهم كلمح البَرْقِ، ثمّ كمَرِّ الرِّيح، ثمّ كمَرِّ الطَّير، ثمّ كمَرِّ البهائم، حتى يمرَّ الرَّجل سعيًا، وحتى يمرَّ الرّجل مَشْيًا، حتى يمرَّ آخرُهم يَتَلَبَّطُ على بَطْنِه، فيقول: يا ربِّ، لِمَ أبطأتَ بي؟ فيقول: إنّي لم أُبطِئْ بك؛ إنّما أَبطَأَ بك عَمَلُكَ.
20.
عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه ﷺ: حين أُنزِل عليه:
{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا»
[10].
المراجع
- رواه البخاريُّ (7448) ومسلم (923).
- "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص 119، 120).
- "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص 119، 120).
- "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص 119، 120).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 291 - 293).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 291 - 293).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 291 - 293).
- انظر: "شرح رياض الصالحين" ابن عثيمين (5/ 433- 434).
- انظر: "فتح الباري" ابن حجر (1/ 160)
- رواه البخاريُّ (2753)، ومسلم (206).
1. في الحديث بيان أن الله تعالى كتب على الدنيا الفناءَ والهوانَ، فلا يحياها المؤمنُ إلا ليتزوَّد منها لدار البقاء في الآخرة، فمَن ركن إلى الدنيا، واطمأنَّ إليها، خَسِر آخرتَه.
2. في الحديث الحضُّ على قلَّة المخالطة، وقلَّة الاقتناء، والزُّهد في الدنيا[1].
3. في الحديث بيان حال المؤمن أنه على أحد حالين: إما أن يكون كأنه غريبٌ مقيمٌ في بلد غُربة، همُّه التزوُّدُ للرجوع إلى وطنه (الجنة)، أو يكون كأنه مسافرٌ غيرُ مُقيم البتَّةَ؛ بل هو ليلَه ونهارَه يَسير إلى بلد الإقامة، وفي كلا الحالين قلبُه متعلِّقٌ بوطنه الذي يرجِعُ إليه[2].
4. في الحديث حضُّ المسلم على أن يجعل الموتَ نُصبَ عينيه، فيستعدَّ له بالعمل الصالح، وحضٌّ له على تقصير الأمل، وترك الْمَيل إلى غرور الدنيا[3].
5. في الحديث حضُّ المسلم على أن يغتنِم أيامَ صحته فيمهِّد فيها لنفْسه؛ خوفًا من حلول مرض به يمنعه من العمل[4].
6. في الحديث حضُّ المسلم على اغتنام أيام حياته؛ حتى لا يمرَّ عُمُرُه باطلًا في سهوٍ وغفلةٍ؛ لأن مَن مات فقد انقطعَ عملُه، وفاتَه أملُه، وعظُمت حسرتُه على تفريطه[5].
7. في الحديث حضُّ المسلم على التشبُّه بالغريب؛ لأن الغريب إذا دخل بلدةً لم يُنافس أهلها في مجالسهم، ولا يَجزَع أن يراه أحدٌ على خلاف عادته في الملبوس، ولا يكون متدابرًا معهم، وكذلك عابر السبيل لا يتَّخِذ دارًا، ولا يَلِج في الخصومات مع الناس يُشاحِنهم، ناظرًا إلى أن لَبْثَه معهم أيَّامٌ يسيرة[6].
8. في الحديث إشارة إلى أن كلَّ أحوال الغريب وعابر السبيل مستحبَّةٌ أن تكون للمؤمن في الدنيا؛ لأن الدنيا ليست وطنًا له؛ لأنها تَحبِسه عن داره، وهي الحائلة بينه وبين قراره[7].
9. قيل لأحمد بن حنبل: أَيُّ شيء الزُّهْدُ في الدنيا؟ قال: قِصَرُ الأمل، من إذا أصبح قال: لا أُمسي[8].
10. ليس معنى الحديث تَرْكَ السعي للرزق، وتحريم ملذَّات الدنيا؛ لأن أفعالَ النبيِّ ﷺ وصحابته الكرام تَنفي هذا.
11. الصحة والفراغ نعمتان يغتنمُهما ذَوُو الألباب، وهم أهلُ الفِطْنة، والصبر، والبصيرة؛ كما قال ﷺ: «نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحةُ والفراغُ»[9].
المراجع
- انظر: "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطِّال (10/ 148).
- انظر: "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/378).
- انظر: "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (10/149).
- انظر: "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (10/149).
- انظر: "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (10/149).
- "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص: 133).
- "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص: 133).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 386).
- رواه البخاريُّ (6412).
في الحديث ذمُّ التفريق بين الزوجين، وتعظيم أمر الفراق والطلاق، وضرره وفتنته، وعظيم الإثم في السعي فيه.
الشيطان عدوٌّ لَدُود للإنسان، يقف له بالمرصاد في حياته وأفعاله، ويَعرِض له في حركاته وسَكَناته، يَسعَى لإهلاك الإنسان، وإفساد آخرته بدنياه، وفتنته وإضلاله، وإبعاده عن طريق الهدى والإيمان؛
عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:
«إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ»
[1].
أَمَرَنا الله تعالى أن نتَّخِذ الشيطان عدوًّا؛
قال تعالى:
﴿إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُۥ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ﴾
[فاطر: 6].
عداوةُ الشيطان للإنسان منذ أن خَلَق الله آدمَ - عليه السلامُ - بيده، ونَفَخ فيه من روحه، ثم أمر الملائكة بالسجود له، فسجد الملائكة، ورَفَض الشيطان أن يَسجُد حسَدًا وحِقدًا وكُرهًا لآدمَ؛
قال تعالى:
﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰٓئِكَةِ ٱسْجُدُوا لِأَدَمَ فَسَجَدُوٓا إِلَّآ إِبْلِيسَ قَالَ ءَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا﴾
[الإسراء: 61].
إن مداخل الشيطان للإنسان كثيرةٌ جدًّا، منها: الوسوسة، والتَّحريشُ، وإيقاعُ العَدَاوة بين المسلمين، والصَّدُّ عن ذكْر الله، والغَضَبُ، والشَّهوة، والعَجَلة، وترْك التثبُّت، والتكاسُل في الطاعات، وارتكابُ المحرَّمات، والحَسَدُ، والتعصُّبُ للهوى والمذاهب، ومُشارَكة الإنسان في أهله وطعامه ومَبيِته... إلخ.
في الحديث بيان صفة الكِبْر الملازمة لإبليس؛ حتى إنه يجلس على عرشه ويتكبَّر على جنوده وأعوانه.
يَحتمِل قوله ﷺ: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ» أن يكون سَريرًا حقيقةً، يَضعُه على الماء، ويَجلِس عليه، وهذا هو الصحيح، ويَحتمِل كونَه تمثيلًا لتَفَرْعُنه، وشدَّة عُتُوِّه، ونفوذ أمره بين سراياه، وجيوشه [2].
قول إبليس اللعين: «نعم أنت»؛ أي: أنتَ الذي جئتَ بالأمر العظيم، وأنتَ الذي أغنَيْتَ عنِّي، وأنت صاحب المكانة والمنزلة عندي؛ فنِعْمَ العَوْنُ أنت؛ وذلك أن النكاح عقدٌ شرعيٌّ يستحلُّ به التزوُّج، وهو يريد حَلَّ ما عقده الشرع؛ ليستبيح ما حرَّمه فيَكثُر الزنا، وأولاد الزنا، فيُفسدوا في الأرض، ويهتكوا حدود الشرع، ويتعدَّوا حدود الله [3]..
الإخبار بفرح إبليس في الحديث لِما في التفريق بين الزوجين من مَضَارَّ كثيرةٍ، منها: وقوعُ العَدَاوة والبغضاء والشحناء بين الزوجين وأهليهم، وفسادُ الأطفال، وانتشارُ سيِّئ الأخلاق، واحتمالُ كثرة وقوع الفاحشة، وغلبة أولاد الزنا، ولِمَا فيه من انقطاع النسل، وانصرام بني آدم، وتوقُّع وقوع الزنا الذي هو أعظمُ الكبائر فسادًا، وأكثرُها مَعَرَّةً [4].
المراجع
1. رواه البخاريُّ (2039)، ومسلم (2175).
2. "فيض القدير" للمناويِّ (2/ 408).
3. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (2/ 523).
4. "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" للولويِّ (43/ 500).
كان الطلاق قبل الإسلام بلا حدود، وكان فيه من الإساءة والأذى للمرأة؛ مثل أن يتركها المطلِّق تعتدُّ، حتى آخر يوم من عِدَّتها فيرجعها، ثم يطلِّقها فتعتدُّ، حتى آخر يوم من عدتها، فيرجعها، وهكذا دون تحديد، فتعيش المرأة معلَّقة، لا هي زوجة فتُحصَن، ولا هي أيِّم فتتزوج.
أبطل الإسلام أحكام الجاهلية في الطلاق التي كان فيها إيذاء وإساءة للمرأة، وعظَّم أمر الطلاق، وحفظ حقوق المرأة، وأحاط حق الرجل في الطلاق والرجعة بسياج يمنع تعسُّفه في استخدام هذا الحق.
في حديث الباب أن من طلَّق امرأته حائضًا أنه يُراجعها، ثم يُمسِكها حتى تَطهُر، ثم تَحيض، ثم تَطهُر، ثم إن شاء طلَّق قبل أن يمسَّ، وإن شاء أمسك.
عن أبي هريرة - رضِي الله عنه – قال: قال رسول الله ﷺ:
«ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ»
[1].
للطلاق أحكام وآداب وحِكَم لا بُدَّ من معرفتها، ومُراعاتها عند الطلاق.
ضيَّق الإسلام سبُل الطلاق، ووسَّع سُبل الرجوع عن الطلاق.
ينقسم الطّلاق إلى سُنِّيٍّ وبِدْعيٍّ، وإلى قسم ثالث لا وصفَ له، وهو تطليق الصّغيرة والآيسة والحامل الّتي قَرُبت ولادتها [2]
الطلاق السُّنِّيُّ هو أن يطلِّق الرّجل امرأته طلقةً واحدةً وهي طاهر، دون أن يُجامعها في ذلك الطُّهر، أو يطلِّقها وهي حامل.
الطّلاق البِدعيُّ هو أن يطلِّق الرّجل امرأته أكثرَ من طلقة في لفظ واحد، أو يطلِّقها وهي حائض، أو يطلِّقها في طُهر قد جامَعَها فيه.
الحكمة من تحديد وقت للطلاق، وهو أنْ تكون المرأة في حال طهرٍ لم تُجامعْ فيه: هو التريُّث والتأنِّي في إيقاع الطلاق، فلا يتسرَّع الرجل ويُقدِم عليه لأدنى سببٍ؛ بل يجب عليه أن يتَّخِذ قرار الطلاق بعد تفكير وتَرَوٍّ، وعزم أكيد على الفراق؛ بدليل عدم مسِّ زوجته في حال طهرٍ كامل.
يجبُ إعلامُ الزوجة بطَلاقها لتعتدَّ العدَّة الشرعيَّة التي ينبني عليها أحكامٌ كثيرة.
الحكمة في المنع من طلاق الحائض: خشية طول العِدَّة.
الحكمة في المنع من الطلاق في الطهر المجامَع فيه: خشية أن تكون حاملًا، فيندم الزوجان أو أحدهما؛ فربما لو علما بالحمل، لأحسنا العِشرة، وحصل الاجتماع بعد الفُرقة والنفرة.
حرص الإسلام أن لا تطول عِدَّة المرأة يومًا واحدًا عما قدَّره الشرع لها؛ فأَمَر أن يكون الطلاق بحيث تستقبل عِدَّتها، وذلك لا يكون إلا إذا طلَّقها في طُهر لم يجامعها فيه؛ لأنه لو طلَّقها في طُهر جامعها فيه، لم يحسب هذا الطهر من القروء الثلاثة، وبدأت عِدَّتها بالطهر الذي يلي حيضتها عند من يقول بأن العِدَّة بالأطهار، ولو طلَّقها في الحيض لم تُحسَب هذه الحيضة من القروء الثلاثة، وبدأت عدتها بحيضة أخرى عند من يقول بأن العدَّة بالحيضات، فكان لزامًا أن يطلِّق من أراد الطلاق في طُهر لم يجامع فيه.
قال تعالى:
﴿لَا تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا﴾
[الطلاق: 1]
أي: إنما أبقَيْنا المطلَّقة في منزل الزوج في مدَّة العدَّة؛ لعلَّ الزوج يندمُ على طَلاقها، ويَخلُق الله في قلبه رجعتَها، فيكون ذلك أيسر وأسهل [3].
قال تعالى:
﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾
أي: قاربت العدَّة على الانقضاء،
﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾
أي: بحُسن صحبة،
﴿أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍۢﱠ﴾
[الطلاق: ٢]
أي: من غير مقابحة ولا مشاتمة ولا تعنيف؛ بل يُطلِّقها على وجهٍ جميلٍ وسبيل حسن [4].
في الحديث أن السُّنَّة تفسِّر القرآن؛ لقوله ﷺ: «فتلك العدَّة التي أمر الله أن تطلَّق لها النساء».
المراجع
1. أخرجه أبو داود (2194) وابن ماجه (2039) والترمذيُّ (1184) وحسَّنه، وحسَّنه الألبانيُّ في "صحيح أبي داود – الأم" (6/ 397).
2. "فتح الباري" لابن حجر (9/ 346).
3. "تفسير ابن كثير" (8/ 144).
4. "تفسير ابن كثير" (8/ 144).
1. في الحديث التَّرَفُّع عن ذِكر أسماء الفُسَّاق والكُفَّار؛ فإن النبيَّ ﷺ كنَّى عن اليهود والنصارى بقوله: «مَن كان قبلَكم».
2. أنذر ﷺ في كثير من حديثه أن الآخِر شرٌّ، وأن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق، وأن الدين إنما يبقى قائمًا عند خاصَّةِ من المسلمين لا يخافون العَدَاواتِ، ويحتسبون أنفسهم على الله في القول بالحقِّ، والقيام بالمنهج القويم في دين الله[1]
3. فَحْوى الكلام من الحديث هو التحذير من متابعة من قبلَنا في معصية الله، ومن اتِّباعِهم في الأهواء والبدع.
4. في الحديث إشارة إلى أنه ينبغي معرفة ما كان عليه مَن كان قبلَنا مما يجب الحَذَرُ منه؛ لنَحذَره، وغالبُ ذلك - ولله الحمد - موجود في القرآن والسنَّة.
5. وجهُ التخصيص بجُحر الضَّبِّ، لشدَّة ضِيقه ورداءته، ومع ذلك فإنهم لاقتفائهم آثَارَهم واتِّباعِهم طرائقَهم لَو دخلُوا في مثل هذا الضِّيق الرَّدِيء لوافقوهم[2]
6. قوله: «لتتبعن سنن من كان قبلكم» ليس على ظاهره أن جميع هذه الأمَّة تتَّبِع سنن من كان قبلها؛ بل هو عامٌّ مخصوص؛ لأن في هذه الأمة من لا يتَّبِع تلك السنن؛ كما أخبر النبيُّ ﷺ لأنه لا تزال طائفة من هذه الأمة على الحقِّ[3]، وقيل: إن الحديث على عمومه، وأنه لا يلزم أن تتَّبِع هذه الأمة الأمم السابقة في جميع سُننها؛ بل بعض الأمة يتَّبِعها في شيء، وبعض الأمة يتَّبِعها في شيء آخَرَ، وحينئذ لا يقتضي خروجَ هذه الأمة من الإسلام، وهذا أَوْلى لبقاء الحديث على عمومه، ومن المعلوم أن من طُرق مَن كان قبلنا ما لا يُخرج من اْلِمَّلة؛ مثل: أكل الربا، والحسد، والبغيِ، والكذب، ومنه ما يُخرِج من الْمِلَّة؛ كعبادة الأوثان[4]
7. قول الصحابة: "اليهود والنصارى"، يدلُّ على استعظامهم هذا الأمر؛ أي: استعظام الأمر أن نتَّبِع سنن من كان قبلنا بعد أن جاءنا الهدى مع النبيِّ ﷺ [5]
8. كلَّما طال العهد بين الإنسان وبين الرسالة، فإنه يكون أبعدَ من الحقِّ؛ لأنه أخبر عن مستقبل، ولم يخبر عن الحاضر، ولأن من سنن من قبلنا أنه لما طال عليهم الأمد قست قلوبهم؛ قال تعالى:
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
[الحديد: ١٦] [6]
9. إذا كان طول الأمد سببًا لقسوة القلب فيمن قبلنا، فسيكون فينا، ويشهد لذلك ما جاء في "البخاريِّ من حديث أنس - رضي الله عنه - أنه قال: سمعت النبيَّ ﷺ يقول:
«لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلاَّ وَالَّذِي بَعْدَهُ أَشَرُّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُم
[7]
10. من تتبَّع أحوال هذه الأمَّة، وجد أن كل زمان ما بعده أشرُّ منه؛ لكن يجب أن نعرف الفرق بين الجملة والأفراد؛ فالمراد به من حيث الجُملةُ؛ ولذلك يوجد في أتباع التابعين من هو خير من كثير من التابعين[8]
11. هذا لفظُ خبرٍ معناه النهيُ عن اتِّباعهم، ومنعهم من الالتفات لغير دين الإسلام؛ لأن نوره قد بهر الأنوار، وشِرْعتَه نسخت الشرائع، وهذا من معجزاته ﷺ؛ فقد اتَّبَع كثير من أمَّته سنن فارس في شِيَمهم ومراكبهم وملابسهم، وإقامة شعارهم في الحروب، وغيرها، وأهل الكتابين في زخرفة المساجد، وتعظيم القبور، حتى كاد يعبدها العوامُّ، وقبول الرِّشا، وإقامة الحدود على الضعفاء دون الأقوياء، وترك العمل يوم الجمعة، والتسليم بالأصابع، وعدم عيادة المريض يوم السبت، والسرور بخميس البيض، وأن الحائض لا تمسُّ عجينًا، إلى غير ذلك مما هو أشنعُ وأبشع[9]
12. من أكبر أسباب التقليد: أن النفس أبدًا تعتقد الكمال فيمن غَلَبها وانقادت إليه؛ إما لنظره بالكمال بما وَقَر عندها من تعظيمه، أو لما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعيٍّ؛ إنما هو لكمال الغالب، فإذا غالطت بذلك، واتَّصل لها، حصل اعتقادًا، فانتحلت جميع مذاهب الغالب، وتشبَّهت به، وذلك هو الاقتداء[10]
13. ترى المغلوبَ يتشبَّه أبدًا بالغالب، في مَلْبَسِهِ، ومركبه وسلاحه، في اتِّخاذها وأشكالها؛ بل في سائر أحواله، وانظر ذلك في الأبناء مع آبائهم، كيف تجدهم مُتشبِّهين بهم دائمًا، وما ذلك إلا لاعتقادهم الكمال فيهم"[11]
المراجع
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطال (10/ 366).
- "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لبدر الدين العينيِّ (16/ 43، 44).
- رواه مسلم (4988): عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ».
- "القول المفيد على كتاب التوحيد" لابن عثيمين (1/ 464).
- "القول المفيد على كتاب التوحيد" لابن عثيمين (1/ 469).
- "القول المفيد على كتاب التوحيد" لابن عثيمين (1/ 469).
- رواه البخاريُّ (7068).
- "القول المفيد على كتاب التوحيد" لابن عثيمين (1/ 469).
- "فيض القدير" للمناوي (5/ 261).
- "مقدمة ابن خلدون" (ص137).
- "مقدمة ابن خلدون" (ص137).
1- هذا الحديثُ من جوامع كَلِم النبيِّ ﷺ، ويُعدُّ أصلًا من أصول الإسلام، وجامعًا من جوامع الخير للمسلم في الدنيا والآخرة.
2- في الحديث دليل على عِظَم فضل هذه الثلاث الخصال؛ فمع أن خصال الخير والإيمان كثيرة، فإن النبيَّ ﷺ نصَّ على هذه الثلاث.
3- في الحديث فضيلةُ حُبِّ الله عزَّ وجلَّ ورسوله ﷺ، وأنها الأصل، وكل خصال الإيمان تابعة لها.
4- في الحديث أن محبة الله ورسوله ﷺ قِوامُها ودليل صدقها العملُ، ومَن زعم المحبة بلسانه دون أن يُصدِّق ذلك بالعمل كان مدَّعِيًا للحب زُورًا.
5- حلاوة الإيمان هي ما يجدُه المؤمنُ المطمئنُّ قلْبُه بالإيمان، مِن انشراح صدره، وتنويره بمعرفة الله تعالى، ومعرفة رسوله ﷺ، ومن ثَمَّ فهي استلذاذ الطاعات، وتحمُّل المشقَّات في رضا الله تعالى ورسوله ﷺ، وإيثار ذلك على عَرَض الدنيا.
6- عن الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّهُ سَمِعَ النبيَّ ﷺ، يَقُولُ:
«ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا»
[1]
7- عن أبي أُمَامَةَ عن رسول الله ﷺ أنه قال:
«مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ»
[2]
8- الحبُّ في الله وسيلة لاجتماع الأحباب في الآخرة؛
فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ:
مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟». قَالَ: لا شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﷺ، فَقَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ.
[3]
المراجع
- رواه مسلم (34).
- رواه أبو داود (4681)، وصحَّحه الألبانيُّ في "الصحيحة" (380).
- رواه البخاري (3688)، ورواه مسلم (2639).
1. هذا حديث عَظِيمٌ أَصْلٌ من أصول الإسلام، وهو من جوامع كَلِمه ﷺ، جَمَع فيه مُهِمَّات من قواعد الإسلام مما يُهِمُّ المسلمَ من أمر دنياه وآخرته.
2. اختُلف في معنى أن الطُّهُور شَطْرُ الْإِيمَانِ، فقيل: معناه: أن الأجر فيه ينتهي تضعيفُه إلى نصف أجر الإيمان؛ ولعلَّ ذلك راجعٌ لكَون الإيمانِ نظافةَ الباطن، والطهارةِ نظافةَ الظاهر، وقيل: معناه: أن الإيمان تصديقٌ بالقلب، وانقيادٌ بالظاهر، وهما شطرانِ للإيمان، والطهارة متضمِّنةٌ الصلاةَ، فهي انقيادٌ في الظاهر، وقيل: معناه: أن الإيمان يجُبُّ ما قبلَه من الخطايا، وكذلك الوضوء؛ لأن الوضوء لا يصحُّ إلا مع الإيمان، فصار لتوقُّفه على الإيمان في معنى الشطر، وقيل: المراد بالإيمان هنا الصلاة
كما قال الله تعالى:
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾
[البقرة: 143]
والطهارةُ شرطٌ في صحَّة الصلاة، فصارت كالشَّطْرِ، وليس يَلزَم في الشطر أن يكون نصفًا حقيقيًّا، وهذا القولُ أقربُ الأقوال [1].
3. الطهارة من أجَلِّ العبادات، وأعظم القُرُبات التي يتقرَّب بها العبدُ إلى خالقه سبحانه، وعليها تتوقَّف صحةُ كثيرٍ من العبادات، وهي سبب لمحبَّة اللهِ - عزَّ وجلَّ -
قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾
[البقرة: 222].
4. اختلف في معنى: «وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ»، فقيل: المراد بالميزان هو حقيقتُه، وهو: ما يوزَن به أعمالُ العباد يومَ القيامة [2]، وقيل: إنه ضربُ مَثَل، وإن المعنى: لو كان الحمدُ جِسمًا لَمَلَأ الميزان، وقيل: بل اللهُ تعالى يمثِّل أعمال بني آدمَ وأقوالَهم صورًا تُرى يوم القيامة وتوزَن [3].
5. حمد الله: هو الثناءُ عليه بكلِّ جميل، والإذعان له [4]. والتسبيحُ: هو تنزيهُ الله عن النقائص والعيوب والآفات.
6. قوله: «تَمْلَآنِ - أَوْ تَمْلَأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»: معناه: لو قُدِّر ثوابُهما جِسمًا لملأ ما بين السموات والأرض، وسببُ عِظَم فضلهما ما اشتملتا عليه من التنزيه لله تعالى بقوله: سبحان الله، والتفويضِ والافتقار إلى الله تعالى بقوله: الحمدُ لله [5].
7. قوله ﷺ: «وَالصَّلَاةُ نُورٌ»؛ أي: إن الصلاة إذا أدَّاها العبدُ بشُروطها، أنارت قلبَه بأنوار الحكمة والمعرفة، فيزداد بها تعلُّقًا حتى تَصير قُرَّةُ عينه في الصلاة؛ كما قال ﷺ: «وجُعل قُرَّةُ عيني في الصلاة» [6].
8. «والصّلاة نور»؛ فإنّها تمنع من المعاصي، وتنهى عن الفحشاء والمنكَر، وتَهدي إلى الصّواب، كما أنّ النّور يُستضاء به، ويكون أجرها نورًا لصاحبها يوم القيامة، وهي سبب لإشراق أنوار المعارف وانشراح القلب، ومكاشفات الحقائق لفراغ القلب فيها، وإقباله إلى اللّه تعالى بظاهره وباطنه، وإنها تكون نورًا ظاهرًا على وجهه يوم القيامة، ويكون في الدّنيا أيضًا على وجهه البهاء، بخلاف من لم يصلّ [7].
9. قيل: إن الصلاة نفْسها تُضيء لصاحبها في ظُلُمات الموقف بين يديه، ولم يجئْ في فعلٍ متعبَّد به أنه نور في نفْسه سوى الصلاة، فالظاهرُ أن هذا النورَ خاصٌّ بها. وقيل: النور أجرُها لا هي. وقيل: نورٌ ظاهرٌ على وجه المؤمن يوم القيامة؛ أي: بسببها يعلو النورُ وجهَ المؤمن. وقيل: النور معنويٌّ لأنها تَنهى عن الفحشاء والمنكَر، وتَهدي إلى الصواب، فتصدُّ عن الْمَهالك، وتوصِّل إلى طريق السلامة كما يُستضاء بالنور. وقيل: نورُ القلب بسببها لاشتمالها على ما لم يجتمع في غيرها من أعمال القلوب والألسُن والجوارح فرضًا ونَفْلًا، فالصلاة الكاملة يَحصُل بها من النور الإلهيِّ في القلب ما لا يُعبَّر عنه [8].
10. في الحديث أن الصَّدَقة بُرْهَانٌ؛ أي: إن الصدقةَ دليلٌ على صحَّة إيمان المتصدِّق، أو دليلٌ على أنه ليس من المنافقين الذين يَلمِزون المطوِّعين من المؤمنين في الصدقات، أو على صحَّة محبَّة المتصدِّق لله تعالى، ولما لدَيْهِ من الثواب؛ إذ قد آثَرَ محبَّةَ الله تعالى وابتغاء ثوابه، على ما جُبِل عليه من حبِّ الذهب والفضة حتى أخرجه لله تعالى [9]. وقيل: الصدقة برهان له يومَ القيامة إذا سُئل عن ماله فيمَ أنفقَه؟ [10]
11. قوله ﷺ: «والصّبر ضياء» هو الصّبر المحبوب في الشَّرع بأنواعه الثلاثة: الصّبر على طاعة اللّه تعالى، والصّبر عن معصيته، والصّبر على النّائبات وأنواع المكاره في الدّنيا. والمراد أنّ الصّبر محمود، ولا يزال صاحبه مستضيئًا مهتديًا مستمرًّا على الصّواب [11].
12. حقيقة الصبر ألَّا يعترضَ على المقدور، فأما إظهارُ البلاء لا على وجه الشكوى فلا يُنافي الصبر
قال الله تعالى في أيوب عليه السلام:
﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾
[ص: 44]
مع أنه قال: أني مَسَّنيَ الضُّرُّ[12].
13. في الحديث أن القرآن الذي هو كلام الله - عزَّ وجلَّ - حجَّةٌ للعبد إن قرأه وعمِل به، أو حجةٌ عليه إن أعرضَ العبدُ عنه، وتركَ العملَ بمعانيه [13].
14. «كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا»؛ فكل إنسان يُصبح ساعيًا في أموره، مُتصرِّفًا في أغراضه، ثم إما أن تكون تصرُّفاته بحسَب دواعي الشرع والحقِّ، فهو الذي يَبيع نفْسه من الله، وهو بيعٌ آيِلٌ إلى عتقٍ وحرِّية
كما قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ﴾
[التوبة: 111].
وإما أن تكون تصرُّفاته بحسَب دواعي الهوى والشيطان، فهو الذي باع نفْسه من الشيطان فأهلَكَها [14].
15. يُضيء الصبرُ للإنسان، عندما تَحتلِك الظلماتُ، وتشتدُّ الكُرُبات، فإذا صبر، فإن هذا الصبر يكون له ضياءً يهديه إلى الحقِّ؛ ولهذا ذَكَر الله - عزَّ وجلَّ - أنه من جملة الأشياء التي يُستعان بها؛ فهو ضياء للإنسان في قلبه، وضياءٌ له في طريقه ومنهاجه وعلمه؛ لأنه كلَّما سار إلى الله - عزَّ وجلَّ - على طريق الصبر، فإن الله تعالي يَزيده هدًى وضياءً في قلبه ويبصِّره [15].
16. «والصلاة نور، والصبر ضياء» الضياء فيه نور؛ لكن مع حرارة؛
كما قال الله تعالي:
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا﴾
[يونس: 5]
فالضوء لابدَّ فيه من حرارة، وهكذا الصبرُ، لابدَّ فيه من حرارة وتَعَب؛ لأن فيه مشقَّةً كبيرة؛ ولهذا كان أجره بغير حساب؛ فالفرق بين النور في الصلاة، والضياء في الصبر:أن الضياء في الصبر مصحوب بحرارة؛ لِمَا في ذلك من التَّعَب القلبيِّ والبدنيِّ في بعض الأحيان [16].
17. إن المال محبوب إلى النفوس، والنفوس شحيحةٌ به، فإذا بذله الإنسان لله، فإن الإنسان لا يبذل ما يحبُّ إلَّا لِما هو أحبُّ إليه منه، فيكون في بذل المال لله- عزَّ وجلَّ - دليلٌ على صدق الإيمان وصحَّته [17].
18. «والقرآن حجَّة لك أو عليك»؛ لأن القرآن هو حبل الله المتين، وهو حجَّة الله على خلقه، فإما أن يكون لك، وذلك فيما إذا توصَّلت به إلى الله، وقُمت بواجب هذا القرآن العظيم من التصديق بالأخبار، وامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، وتعظيم هذا القرآن الكريم واحترامه؛ ففي هذه الحال يكون حجَّةً لك. أما إن كان الأمر بالعكس، أَهنْتَ القرآن، وهجرتَه لفظًا ومعنًى وعملًا، ولم تقم بواجبه، فإنه يكون شاهدًا عليك يوم القيامة [18].
19. قوله: «كلُّ الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها»؛ أي: كلُّ الناس يبدأ يومه من الغُدوة – وهو الصباح - بالعمل، فمنهم من يتَّجِه إلى الخير، وهم المسلمون، ومنهم من يتَّجِه إلى الشرِّ، وهم الكفَّار [19].
المراجع
- انظر: "شرح النوويِّ على مسلم" (3/ 100- 101).
- انظر: "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" لابن علان (1/ 148).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب الحنبليِّ (2/ 16).
- "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" لابن علان (1/ 148).
- "شرح النوويِّ على مسلم" (3/ 101).
- رواه النسائيُّ (3939). وقال الألبانيُّ في "صحيح سنن النسائيِّ" (3939): صحيح.
- "شرح النوويّ على مسلم" (3/ 101).
- "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" ابن علان (1/ 149- 150)، باختصار.
- انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبيِّ (1/ 476).
- "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" لابن علان (1/ 150)، باختصار.
- "شرح النوويِّ على مسلم" (3/ 101، 102).
- "شرح النوويِّ على مسلم" (3/ 101، 102).
- انظر: "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (1/ 343).
- "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبيِّ (1/ 477- 478).
- "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (1/ 187).
- "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (1/ 191).
- "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (1/ 191).
- "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (1/ 192).
- "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (1/ 193).
1. في الحديث إشارة إلى أن خَيرَ ما اشتغل به العبدُ بعد أداءِ ما افترَض اللهُ عليه: تعلُّمُ العلم النافع، وتعليمُه للناس.
2. في الحديث إشارة إلى أن العلم النافع درجاتٌ، وأعلى درجات العلم عِلمُ الشريعة والفِقه في دِين الله عزَّ وجلَّ.
3. في الحديث بيان أن من علامات إرادة الله الخير بالعبد أن يَرزُقه الله تعالى الفقهَ في الدِّين.
4. في الحديث بيان فضل العلماء على سائر الناس، وفضل الفِقه في الدِّين على سائر العلوم؛ لأنه يؤدِّي إلى خشية الله، والتزام طاعته، وتجنُّب معاصيه؛ قال الله تعالى:
{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}
[فاطر: 28]
5. ليس المقصود بالفقه في الحديث كثرةَ حفظ المسائل والأحكام وجمعها؛ فكمْ من حافظٍ للمسائل وجامعٍ للأحكام وهو غيرُ فقيهٍ، يُخطئ التقديرَ، ويُنزل الحكمَ في غير موضعه، ولا يُوفَّقُ للصواب![1]
6. في الحديث إشارة إلى أن مَن لم يتفقَّهْ في الدين – أي: يتعلَّم - فقد حُرِم الخيرَ[2].
7. في الحديث البِشارةُ ببقاء الإسلام وعزَّته إلى قيام الساعة، ببقاء فئة ثابتةٍ على الحقِّ إلى أن يأتيَ أمر الله.
8. في الحديث إشارة إلى أن أمَّة النبيِّ ﷺ هي آخِرُ الأمم، وأن عليها تقوم الساعة، وإن ظهرت أشراطها، وضَعُف الدين، فلابدَّ أن يبقى من أمَّته من يقوم به[3].
9. لا معارضة بين الحديث وأن الساعة تقوم على شرار الناس؛ بل يحقِّق بعضها بعضًا، وذلك أن هذه الأحاديث خَرَج لفظها على العموم، والمراد منها الخصوص، ومعناه: لا تقوم الساعة على أحدٍ يُوحِّد الله إلا بموضع كذا، فإن به طائفة على الحقِّ، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس بموضع كذا؛ لأن حديث معاوية ثابت، ولا يجوز أن تكون الطائفة القائمة بالحقِّ التي توحِّد الله التي هي شرار الناس؛ فثَبَت أن الموصوفين بأنهم شرار الناس غير الموصوفين بأنهم على الحقِّ مقيمون[4].
10. الاجتهادُ ليس هو أمرًا واحدًا لا يَقبَل التَّجْزيء والانقسام؛ بل قد يكون الرّجلُ مجتهدًا في فنٍّ أو باب أو مسألة دون فنٍّ وباب ومسألة، وكلُّ أحد فاجتهاده بحسب وُسْعه[5].
11. قوله ﷺ: «ولن تزال»؛ أي: لا يخلو زمان إلا وتوجد فيه تلك الطائفة القائمة على الحقِّ، لا أنهم يَكثُرون في كلِّ زمان، ولا أنهم يَغلِبون على من سِواهم كما سبق إلى بعض الأفهام[6].
المراجع
- انظر: "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر العسقلانيِّ (1/ 163- 164).
- انظر: "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر العسقلانيِّ (1/ 163- 164).
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (1/ 155).
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (1/ 155، 156).
- "مجموع الفتاوى" (20/ 212).
- "فيض الباري على صحيح البخاري" للديوبنديِّ (1/ 254).
1- في الحديث إلهاب عزائم المؤمنين للمسارعة إلى العمل الصالح، وتحذيرهم من التراخي مع التمكُّن منه، وتخويفهم من تأخير طاعات اليوم إلى الغَدِ، فلا يدري المسلمُ ما يأتي به غَدُه.
2- في الحديث إخبار النبيِّ ﷺ عما سيكون من الاختلاف، وما سيحدث من فتن سوداءَ مظلِمة للمسلمين، يَضعُف فيها الإيمان والثبات عليه، ويسود فيها عدم التمييز بين الحقِّ والباطل، والصواب والخطأ، وعدم الثبات على الدين، والغرق في بحار الفتن الهوجاء، واتِّباع الهوى، حتى يبيع الرجل دينه بعَرَض حقير من الدنيا، وفي هذا دليلٌ على صدق نبوَّته ﷺ .
3- في الحديث الحثُّ على اغتنام الأعمال الصالحة قبل ظهور ما يمنعها.
4- الحديث عَلَمٌ من أعلام النبوَّة؛ حيث أخبر ﷺ بما سيقع في أمَّته من الفتن.
5- في الحديث بيان قوَّة هذه الفتنِ، لدرجة أن المرءَ يُمسي مُؤمنًا، ثُم يُصبحُ كافرًا، ويصبح كافرًا ويمسي مؤمنًا، ويبيعُ دينه وآخرَتَهُ بثمنٍ بَخْسٍ من متاعِ الدنيا القليل؛ من مالٍ أو منصبٍ أو غير ذلك؛ وهذا لِعِظَمِ الْفِتَنِ[1]
6- مقصودُ هذا الحديثِ: الأمرُ بالتمسُّك بالدِّين، والتشدُّدُ فيه عند الفتن، والتحذيرُ من الفتن، ومن الإقبال على الدنيا وعلى مَطامعها[2]
7- في الحديث وجوهٌ: أحدها: أن يكون بين الطائفتين من المسلمين قتالٌ لمجرَّد العَصَبية والغضب، فيستحِلُّون الدَّمَ والمال. وثانيها: أن تكون ولاةُ المسلمين ظَلَمةً، فيُريقون دماء المسلمين، ويأخذون أموالهم بغير حقٍّ، ويشربون الخمر، فيعتقد بعض الناس أنهم على الحقِّ، ويُفتيهم بعضُ علماء السوء على جواز ما يفعلون من المحرَّمات. وثالثها: ما يَجري بين الناس مما يُخالف الشرع من المعاملات والمبايعات وغيرها، فيستحِلُّونها[3]
8- في الحديث: الحَضُّ على اغتنام الفُرصة، والاجتهادُ في أعمال الخير والبِرِّ عند التمكُّن منها قبل هجوم الموانع[4]
9- قال ﷺ:
«وسترَوْنَ من بعدي اختلافًا شديدًا، فعليكم بسُنَّتي، وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين، عَضُّوا عليها بالنَّوَاجِذ، وإيَّاكم والأمورَ المُحدَثاتِ؛ فإن كلَّ بِدعة ضلالة»
[5].
فالاعتصام بسُنَّة النبيِّ ﷺعند الاختلاف، ثم بسُنة الخلفاء الراشدين من بعده.
المراجع
- "شرح النوويِّ على مسلم" (2/133).
- "المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم" للقرطبيِّ (2/89).
- "الكاشف عن حقائق السنن" للطيبيِّ (11/ 3406).
- "المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم" للقرطبيِّ (2/89).
- رواه أبو داود (4607)، والترمذيُّ (2676)، وابن ماجه (42)، وصحَّحه ابن الملقِّن في "البدر المنير" (9/ 582)، وصحَّحه الألبانيُّ في المشكاة (165)، والإرواء (2455).
1. في الحديث الحثُّ على طلب العلم، وبيان فضل الرحلة إليه، والجِدِّ في طلبه.
2. في الحديث إشارة إلى أن سلوك طريق العلم يشمل الطّريق الحقيقيَّ، وهو المشيُ بالأقدام إلى مجالس العلماء، والطُّرق المعنويّة المؤدِّية إلى حصول العلم؛ مثل حفظه، ودراسته، ومذاكرته، ومطالعته، وكتابته، وتفهُّمه[1].
3. في استغفار جميع مَن في السموات والأرض لطالب العلم - حتى الحيتان في الماء - دلالةٌ على عِظَم مكانة طالب العلم ومنزلته؛ وإنما عظُمت هذه المنزلة لأن نفعه تعدَّى لجميع المخلوقات، ومن ثمَّ استغفرَتْ له، وطلبت له الخيرَ من الله عزَّ وجلَّ.
4. في الحديث إشارة إلى أن الله قد قيَّض للحيتان وغيرها من أنواع الحيوان بالعلم على ألسنة العلماء أنواعًا من المنافع، والمصالح، والرفق بها؛ فالعلماء هم الذين بيَّنوا الحكمَ فيها فيما يحلُّ ويحرُمُ منها، وأرشدوا إلى المصلحة في بابها، وأوصَوْا بالإحسان إليها، ونفي الضرر عنها، فألهمها الله الاستغفار للعلماء؛ مجازاةً على حُسن صنيعهم بها، وشفقتهم عليها[2].
5. شبَّه ﷺ العالِمَ بالقمر دون الشمس وغيرها من أجرام السماء؛ لأن نور القمر لَمَّا كان مستفادًا من غيره (الشمس)، كان تشبيهُ العالِم الذي نورُه مستفادٌ من شمس الرِّسالة بالقمر أَوْلى من تشبيهه بالشمس، التي نورُها من قوَّة ذاتية أودعها الله فيها[3].
6. شبَّه ﷺ العالِم بالقمر؛ لأن الشمس لا يختلف حالُها في نورها، ولا يتفاوت، وأما القمر فإنه يَقِلُّ نوره، ويكثُر، ويمتلئ ويَنقص، كما أن العلماء في العلم على مراتبهم من كثرته وقلَّته، فيَفضُل كلٌّ منهم في علمه بحسب كثرته، وقلَّته، وظهوره، وخفائه، كما يكون القمر كذلك، فعالِمٌ كالبدر ليلةَ تمامه، وآخَرُ دونه بليلةٍ، وثانية، وثالثة، وما بعدها، إلى آخر مراتبه، وهم درجات عند الله[4].
7. هذا الحديث من أعظم المناقب لأهل العلم؛ فإن الأنبياء خيرُ خَلْق الله، فورثتُهم خيرُ الخَلْق بعدَهم، ولَمَّا كان كلُّ موروث ينتقل ميراثه إلى ورثته؛ إذ هم الذين يقومون مقامَه من بعده، ولم يكن بعد الرسل مَن يقوم مقامَهم في تبليغ ما أُرسِلوا به إلا العلماء، كانوا بذلك أحقَّ الناس بميراثهم[5].
8. في الحديث تنبيهٌ على أن العلماء هم أقرب الناس إلى الأنبياء؛ فإن الميراث إنما يكون لأقرب الناس إلى الموروث، وهذا كما أنه ثابتٌ في ميراث الدينار والدرهم، فكذلك هو في ميراث النبوَّة، والله يختصُّ برحمته مَن يشاء[6].
9. في قوله ﷺ: «إن الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا» إشارة إلى زُهد أنبياء الله صلواتُ الله عليهم أجمعين في أعراض الدنيا ومُتَعها الزائلة[7]، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه ورثتُهم من العلماء العاملين.
10. في الحديث أن الله تعالى يُسهِّل العلم لطالبه، ويُيسِّره عليه؛ فإن العلم طريقٌ موصِّلٌ إلى الجنة؛ إذ بالعلم الشرعيِّ يُعرَف الحلال والحرام، ومُرادُ الله من العباد، والوسائل الْمُعينة على رضاه سبحانه وتعالى.
11. في الحديث بيان فضل العالِم على العابد، ورفعة درجته، والعالِمُ هو الذي يغلب عليه الاشتغالُ بالعلم ونشره وتبليغه، الْمُلِمُّ بقواعده وأصوله، والعابد: هو الذي يَغلِب عليه العبادة بأن يَصرِف جُلَّ أوقاته في النوافل بعد تحصيله العلمَ الضروريَّ[8].
12. في الحديث تشبيه العالِم بالقمر والعابد بالكوكب؛ وذلك لأن القمر يُضيء الآفاق، ويمتَدُّ نورُه في أقطار العالَم، وهذه حال العالِم، بخلاف الكوكب، حيث لا يجاوز نورُه نفْسَه، أو ما قرُب منه، وهذه حالُ العابد.
13. في الحديث إشارة إلى أنه ما دام العلم باقيًا في الأرض، فالنّاس في هدًى، وبقاءُ العلم بقاء حَمَلته، فإذا ذهب حَمَلته ومن يقوم به، وقع النّاس في الضّلال، ويشهد لذلك قوله ﷺ:
«إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ صُدُورِ النَّاسِ؛ وَلَكِنْ يَقْبِضُهُ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»[9].
المراجع
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 297).
- "معالم السنن شرح سنن أبي داود" للخطابيِّ (4/ 183).
- "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/65).
- "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/65).
- "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/66).
- "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/66).
- انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" لأبي العباس القرطبي (1/ 687).
- انظر: "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي" للمباركفوري (7/ 376).
- رواه البخاريُّ (100)، ومسلم (2673).
1. الحكمةُ في وجوب الإحداد على الزوج أربعةَ أشهر وعشْرًا، في عدَّة الوفاة دون الطلاق؛ لأن الزينة والطِّيب يَدْعُوَانِ إلى النكاح، ويُوقِعان فيه، فنُهِيَت عنه ليكون الامتناع من ذلك زاجرًا عن النكاح؛ لكون الزوجِ ميِّتًا لا يَمنَع مُعْتَدَّتَه من النكاح، ولا يُراعيه ناكحُها، ولا يخاف منه، بخلاف المطلِّق الحيِّ؛ فإنه يَستغني بوجوده عن زاجرٍ آخَرَ، فوجبت العِدَّة على كلِّ متوفًّى عنها زوجها، وإن لم تكن مدخولاً بها، بخلاف الطلاق [1].
2. جُعِلت العدَّةُ أربعةَ أشهر وعشْرًا؛ لأن أربعة الأشهرِ فيها يُنفَخ الروح في الولد إن كان، والعشْرَ احتياطًا، وفي هذه المدَّة يتحرَّك الولد في البطن [2].
المراجع
1. "شرح النوويِّ على مسلم" (10/ 113).
2. "شرح النوويِّ على مسلم" (10/ 113).
هذا الحديث الجليلُ أصلٌ عظيم في باب الفرائض، وقِسْمة المواريث، ومن جوامع كَلِم النبيِّ .
علم الفرائض من أهمِّ العلوم الشرعية التي تمسُّ حياة الناس، وهم في أشدِّ الحاجة إليه.
من رحمة الله تعالى بعباده أن أبان للناس مسائل علم الفرائض، ووضع قواعدَ واضحةً منصوص عليها في الكتاب والسنَّة.
قسمة الميراث قسمة إلهية لا دخل للعباد فيها، تولَّاها الله تعالى بعدله ورحمته وحكمته، وتدخُّل العباد في هذه القسمة الإلهية سيُدخل فيها الظُّلم والفوضى، وعدم تحقُّق العدالة والتوازن بين الورثة.
1. هذا الحديثُ من جوامع كَلِم النبيِّ ﷺ، ويجمع من جوامع الخير للمسلم في الدنيا والآخرة.
2. في الحديث دليل على عِظَم فضل هذه السبع الخصال؛ فمع أن خصال الخير والإيمان كثيرة، فإن النبيَّ ﷺ نصَّ على هذه السبع
3. في الحديث بيان فضل هؤلاء السبعة يوم القيامة، وهو ظلُّ الله تعالى لهم يوم لا ظل إلا ظله في حرِّ الشمس وكرب ذلك اليوم.
4. ليس الحديث لحصر الأصناف التي يُظلُّها الله في ظلِّه؛ بل هناك أصناف أخرى، منها: عن أبي اليسر مرفوعًا:
«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ، أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّه»
[1]،
ففيه خصلتان غير السبع، وهما: إنظار الْمُعسِر، أو التنازل له عن شيء من الدَّيِن؛ فدلَّ على أن العدد المذكور لا يُقصَد به الحصر [2].
5. قُدِّم الإمام العادل في الذِّكر؛ لعموم النفع به، فنفعُه مُتعدٍّ، فإن عَدَل، عَدَل مَنْ تحته، وصلحت أحوال الناس، والعادل يحكم بين الناس بالعدل، فلا يميل مع الهوى، ولا يرتشي بمال، ولا يُضيع ما أمره الله به.
6. قالت الحكماء: "مما يجب على السُّلطان العدل في ظاهر أفعاله؛ لإقامة أمر سُلطانه، وفي باطن ضميره؛ لإقامة أمر دينه، فإذا فسدت السياسة، ذَهَب السُّلطان. ومَدَارُ السياسة كلِّها على العدل والإنصاف، لا يقوم سلطان لأهل الكفر والإيمان إلا بهما، ولا يدور إلا عليهما، مع ترتيب الأمور مراتبها، وإنزالها منازلها" [3].
7.
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
«إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا»
[4].
8. من خصائص الشباب أن الشابَّ يمتلئ فتوَّة ونشاطًا، ويكتمل قوَّة ونُموًّا؛ فالشابُّ الذي لم تغلبه الشهوة، ولم تُخضعه لطاعتها دوافع الهوى والطَّيش، ولازَم عبادة الله، وراقب في سرِّه وجهره مولاه، استحقَّ أن يكرَّم بظلِّ الله تعالى يوم لا ظلَّ إلا ظله.
9.
عَن أَنَسٍ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ ﷺ قال:
«ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلاوةَ الإِيمانِ: أَنْ يكونَ اللهُ ورَسُولُه أحَبَّ إلَيهِ ممَّا سِواهُما، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّه إلا للهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ»
[5].
10. حقيقة الحب في الله: ألَّا يَزيدَ بالبِرِّ ولا يَنقُصَ بالجفاء [6].
11. مَحبَّة المؤمنين من العبادات التي لا بد فيها من الإخلاص في حسن النيَّات [7].
12. الحبُّ في الله وسيلة لاجتماع الأحباب في الآخرة؛
فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ:
مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟». قَالَ: لا شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﷺ، فَقَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ
[8].
13. إن الله سبحانه وتعالى تكفل بمقتضى وعده إعانة من يريد النكاح حتى يعفَّ؛
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ﷺ:
«ثلاثة حقٌّ على الله عزَّ وجل عونهم: المكاتَب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله»
[9].
14. يجمع السبعة معنى واحد، مع اختلاف أعمالهم فِي الصورة، وهو مجاهدة النفس، ومخالفة الهوى [10].
المراجع
- رواه مسلم (7704).
- "فتح الباري" لابن حجر (2/ 144).
- "العقد الفريد" لابن عبد ربه (1/23).
- رواه مسلم (1827).
- رواه البخاريُّ (16)، ومسلم (43).
- انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجرٍ العسْقلاني (1/ 62).
- "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" لأبي العباس القرطبيِّ (1/ 215)
- رواه البخاري (3688)، ورواه مسلم (2639).
- رواه الترمذيُّ (1655)، والنسائيُّ (3120)، وابن ماجه (2518). وحسَّنه الترمذيُّ، والبغويُّ في "شرح السنَّة" (5/6)، وصحَّحه ابن العربيِّ في "عارضة الأحوذي" (3/5)، وجوَّد إسناده ابن باز في "حاشية بلوغ المرام" (765).
- "فتح الباري" لابن رجب (6/ 46).
في الحديث دليلٌ من دلائل نبوَّته ﷺ، وهو إخباره بالمغيبات؛ إذ أخبر ببقاء هذا الدين، وثبات الصادقين عليه إلى آخر الزمان، وقد وَقع مَا أخبر بِهِ، وللَّه الْحَمد، وهذا ما نراه في كلِّ زمان ومكان.
في الحديث إشارةٌ إلى أن وجْهَ الأرض لا يخلو من الصالحين الثابتين على أوامر الله، المتباعِدين عن نواهيه، الحافظين لأمور الشريعة، يستوي عندهم موافقةُ الناس ومخالفتُهم لهم[1].
في الحديث بشارة بأن هذا الدِّين باقٍ إلى قيام الساعة، وعزَّته إلى آخر الزمان، ببقاء فئة ثابتةٍ على الحقِّ لا يضرُّهم من خالفهم.
المراد بقوله ﷺ: «حتى يأتي أمرُ الله»: الرِّيحُ الطيِّبة التي تكون قبلَ قيام الساعة، تأتي فتأخذ رُوحَ كل مؤمنٍ ومؤمِنة، وأن المراد برواية مَن روى: «حتى تقوم الساعة»[2]؛ أي: تقرُب الساعة، وهو خروج الرِّيح[3]؛
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله ﷺ قال:
«إن اللهَ يبعثُ ريحًا من اليمن ألْيَن من الحرير، فلا تدعُ أحدًا في قلبه مثقالُ حبَّة إيمان
[4]
5. معنى قوله: (ولن تزال)؛ أي: لا يخلو زمان إلا وتوجد فيه تلك الطائفة القائمة على الحقِّ، لا أنهم يَكثُرون في كلِّ زمان، ولا أنهم يَغلِبون على من سواهم كما سبق إلى بعض الأفهام[5].
6. اختلف العلماءُ في بيان المقصود بهذه الطائفة الثابتة على الحقِّ، القائمة بأمر الله حفظًا وبلاغًا، ومِن أجمعِ الأقوال في ذلك أنه "يُحتمَل أن تكونَ هذه الطائفةُ متفرِّقةً من أنواع المؤمنين؛ فمنهم شجعانٌ مقاتلون، ومنهم فقهاءُ، ومنهم محدِّثون، ومنهم زُهَّادٌ، ومنهم آمِرون بالمعروف وناهون عن المنكَر، ومنهم أهل أنواع من الخير، ولا يَلزَم اجتماعهم؛ بل يكونون متفرِّقين"[6].
7. في الحديث بيان أن أمَّته ﷺ هي آخِرُ الأمم، وأن عليها تقوم الساعة، وإن ظهرت أشراطها، وضَعُف الدين، فلابدَّ أن يبقى من أمَّته من يقوم به[7]
8. في قوله ﷺ: «لا يضرُّهم من خالفهم»، أن الإسلام لا يُذلُّ، وإن كثُر مطالبوه.
9. لا معارضة بين الحديث وأن الساعة تقوم على شرار الناس؛ بل يحقِّق بعضها بعضًا، وذلك أن هذه الأحاديث خَرَج لفظها على العموم، والمراد منها الخصوص، ومعناه: لا تقوم الساعة على أحدٍ يُوحِّد الله إلا بموضع كذا، فإن به طائفة على الحقِّ، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس بموضع كذا؛ لأن الحديث ثابت، ولا يجوز أن تكون الطائفة القائمة بالحقِّ التي توحِّد الله هي شرار الناس. فثَبَت أن الموصوفين بأنهم شرار الناس غير الموصوفين بأنهم على الحقِّ مقيمون[8]
10. مِن صفات الطائفة الظاهرة على الحق أنهم قائمون بأمر الله؛ أي: "بأمر دينه وأحكام شريعته، من حِفظ الكتاب، وعِلم السُّنة، والاستنباط منهما، والجهاد في سبيله، والنصيحة لخَلْقه، وسائر فروض الكفاية؛ كما يُشير إليه قوله تعالى
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
[آل عمران: 104][9].
11. مِن صفات الطائفة: أنهم لا يضرُّهم في دينهم أو في غلبتهم وظهورهم «مَنْ خَذَلَهُمْ»؛ أي: مَن ترك عَوْنهم ونَصْرهم؛ بل في الحقيقة إنما ضرَّ نفْسه وظلَمها، وكذا لا يضرُّهم مَن «خَالَفَهُمْ»؛ أي: لم يوافِقْهم على أمرهم[10]
المراجع
- "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للمُلَّا علي القاري (9/ 4047).
- رواه البخاريُّ (7312)، وفيه: «ولن يَزال أمر هذه الأمة مستقيمًا حتى تقوم الساعة، أو: حتى يأتي أمر الله»، ورواه مسلم (1822) ولفظه: «لا يَزال الدين قائمًا حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفةً، كلهم من قريشٍ». وفي رواية ابن ماجه (6)، قال: «لا تَزال طائفةٌ من أمتي منْصورين، لا يضرُّهم مَن خذَلهم حتى تقوم الساعة».
- "شرح النوويِّ على مسلم" (13/ 66).
- رواه مسلم (117).
- "فيض الباري على صحيح البخاري" للديوبنديِّ (1/ 254).
- "شرح النوويِّ على مسلم" (13/ 67).
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (1/ 155
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (1/ 155، 156
- "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للمُلَّا علي القاري (9/ 4047)
- انظر: "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للمُلَّا علي القاري (9/ 4047).
قال تعالى:
﴿وَسَارِعُوٓا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍۢ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾
[آل عمران: ١٣٣]،
وقال تعالى:
﴿خِتَٰمُهُۥ مِسْكٌ ۚ وَفِى ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَٰفِسُونَ﴾
ﱠ [المطففين: ٢٦].
كَما قالَ تَعالى:
﴿وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَآ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ﴾
[التوبة: 92].
«صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ»
[2]،
«مَا مِنَ امْرِئٍ تَكُونُ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ، فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ، إِلَّا كُتِبَ لَهُ أَجْرُ صَلَاتِهِ، وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ»
[3]،
قال رسول الله ﷺ:
«أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»
[5].
قال تعالى:
﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ ۗ ﴾
[آل عمران: 110].
قَوْلُهُ ﷺ:
«وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ» فيه إِشارةٌ إلى ثُبُوت حُكم الصدقة في كُلِّ أمر مِمَّا يُؤمَر فيه بالمعروف وَيُنهى فيه عن المنكر؛ ولهذا نَكَّرَهُ
[6].
المراجع
1. "شرح النوويِّ على مسلم" (7/ 91).
2. رواه مسلم (686).
3. رواه النسائيُّ (1784)، ابن ماجه (1344)، وصححه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (601).
4. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 66).
5. رواه أحمد (21702)، والترمذيُّ (3377)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1493).
6. "شرح النوويِّ على مسلم" (7/ 92).