عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ» وفي رواية: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ»



فوائد الحديث

الفوائد العلمية
  1. في الحديث دليلٌ من دلائل نبوَّته ﷺ، وهو إخباره بالمغيبات؛ إذ أخبر ببقاء هذا الدين، وثبات الصادقين عليه إلى آخر الزمان، وقد وَقع مَا أخبر بِهِ، وللَّه الْحَمد، وهذا ما نراه في كلِّ زمان ومكان.

  2. في الحديث إشارةٌ إلى أن وجْهَ الأرض لا يخلو من الصالحين الثابتين على أوامر الله، المتباعِدين عن نواهيه، الحافظين لأمور الشريعة، يستوي عندهم موافقةُ الناس ومخالفتُهم لهم[1].

  3. في الحديث بشارة بأن هذا الدِّين باقٍ إلى قيام الساعة، وعزَّته إلى آخر الزمان، ببقاء فئة ثابتةٍ على الحقِّ لا يضرُّهم من خالفهم.

  4. المراد بقوله ﷺ: «حتى يأتي أمرُ الله»: الرِّيحُ الطيِّبة التي تكون قبلَ قيام الساعة، تأتي فتأخذ رُوحَ كل مؤمنٍ ومؤمِنة، وأن المراد برواية مَن روى: «حتى تقوم الساعة»[2]؛ أي: تقرُب الساعة، وهو خروج الرِّيح[3]؛ 

لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله ﷺ قال:

«إن اللهَ يبعثُ ريحًا من اليمن ألْيَن من الحرير، فلا تدعُ أحدًا في قلبه مثقالُ حبَّة إيمان

[4]

5. معنى قوله: (ولن تزال)؛ أي: لا يخلو زمان إلا وتوجد فيه تلك الطائفة القائمة على الحقِّ، لا أنهم يَكثُرون في كلِّ زمان، ولا أنهم يَغلِبون على من سواهم كما سبق إلى بعض الأفهام[5].

6.  اختلف العلماءُ في بيان المقصود بهذه الطائفة الثابتة على الحقِّ، القائمة بأمر الله حفظًا وبلاغًا، ومِن أجمعِ الأقوال في ذلك أنه "يُحتمَل أن تكونَ هذه الطائفةُ متفرِّقةً من أنواع المؤمنين؛ فمنهم شجعانٌ مقاتلون، ومنهم فقهاءُ، ومنهم محدِّثون، ومنهم زُهَّادٌ، ومنهم آمِرون بالمعروف وناهون عن المنكَر، ومنهم أهل أنواع من الخير، ولا يَلزَم اجتماعهم؛ بل يكونون متفرِّقين"[6].

7. في الحديث بيان أن أمَّته ﷺ هي آخِرُ الأمم، وأن عليها تقوم الساعة، وإن ظهرت أشراطها، وضَعُف الدين، فلابدَّ أن يبقى من أمَّته من يقوم به[7]

8. في قوله ﷺ: «لا يضرُّهم من خالفهم»، أن الإسلام لا يُذلُّ، وإن كثُر مطالبوه.

9. لا معارضة بين الحديث وأن الساعة تقوم على شرار الناس؛ بل يحقِّق بعضها بعضًا، وذلك أن هذه الأحاديث خَرَج لفظها على العموم، والمراد منها الخصوص، ومعناه: لا تقوم الساعة على أحدٍ يُوحِّد الله إلا بموضع كذا، فإن به طائفة على الحقِّ، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس بموضع كذا؛ لأن الحديث ثابت، ولا يجوز أن تكون الطائفة القائمة بالحقِّ التي توحِّد الله هي شرار الناس. فثَبَت أن الموصوفين بأنهم شرار الناس غير الموصوفين بأنهم على الحقِّ مقيمون[8]

10. مِن صفات الطائفة الظاهرة على الحق أنهم قائمون بأمر الله؛ أي: "بأمر دينه وأحكام شريعته، من حِفظ الكتاب، وعِلم السُّنة، والاستنباط منهما، والجهاد في سبيله، والنصيحة لخَلْقه، وسائر فروض الكفاية؛ كما يُشير إليه قوله تعالى

وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

 [آل عمران: 104][9].

11. مِن صفات الطائفة: أنهم لا يضرُّهم في دينهم أو في غلبتهم وظهورهم «مَنْ خَذَلَهُمْ»؛ أي: مَن ترك عَوْنهم ونَصْرهم؛ بل في الحقيقة إنما ضرَّ نفْسه وظلَمها، وكذا لا يضرُّهم مَن «خَالَفَهُمْ»؛ أي: لم يوافِقْهم على أمرهم[10]

المراجع

  1. "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للمُلَّا علي القاري (9/ 4047).
  2. رواه البخاريُّ (7312)، وفيه: «ولن يَزال أمر هذه الأمة مستقيمًا حتى تقوم الساعة، أو: حتى يأتي أمر الله»، ورواه مسلم (1822) ولفظه: «لا يَزال الدين قائمًا حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفةً، كلهم من قريشٍ». وفي رواية ابن ماجه (6)، قال: «لا تَزال طائفةٌ من أمتي منْصورين، لا يضرُّهم مَن خذَلهم حتى تقوم الساعة».
  3. "شرح النوويِّ على مسلم" (13/ 66).
  4. رواه مسلم (117).
  5.  "فيض الباري على صحيح البخاري" للديوبنديِّ (1/ 254).
  6.  "شرح النوويِّ على مسلم" (13/ 67).
  7.  "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (1/ 155
  8.  "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (1/ 155، 156
  9.  "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للمُلَّا علي القاري (9/ 4047)
  10. انظر: "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للمُلَّا علي القاري (9/ 4047).
الفوائد الفقهية

12. فِيهِ دلَالَة على حجِّية الْإِجْمَاع؛ لِأَن مفهومه أَن الْحقَّ لَا يعدو الْأمَّة، وَحَدِيث: «لَا تَجْتَمِع أمتِي على الضَّلَالَة» ضَعِيف[1]

13. استَدلَّ به البعض على امتناع خلوِّ الْعَصْر عن الْمُجتهِد[2]

المراجع

  1. "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" للعينيِّ (2/ 52).
  2. "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" للعينيِّ (2/ 52).
الفوائد التربوية

14. مِن فقه الداعية الجمعُ بين البِشارة والنِّذارة؛ فكما يُحذِّرهم ويُنذِرهم من مخالفة أمر الله ومعصيته، يُبشِّرهم بما أعطاهم اللهُ، وبما أَعَدَّ لهم من الفوز في الدنيا والآخرة.

الفوائد اللغوية

15. الطائفةُ: الجماعةُ من الناس، والتنكيرُ للتقليل، أو التعظيم؛ لعِظَم قَدْرهم، ووُفور فَضْلهم، ويَحتمِل التكثير أيضًا؛ فإنهم وإن قلُّوا فهمُ الكثيرون؛ فإن الواحد لا يُساويه الألف؛ بل هم الناسُ كلُّهم[1]

16. قوله ﷺ: «ظَاهِرِينَ»، المراد بالظُّهور هنا الغَلَبة؛ أَي: غَالِبين على سَائِر النَّاس بالبرهان، أو به أو بِالسِّنَانِ[2] أو أنهم غيرُ مُستَتِرين؛ بل مشهورون مَعْروفون[3].

المراجع

  1. "حاشية السنديِّ على سنن ابن ماجه" (1/ 7).
  2. "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" للعينيِّ (25/ 141)
  3. انظر: "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر العسقلانيِّ (13/ 294).

مشاريع الأحاديث الكلية