الفوائد العلمية
1. في الحديث بيان أن الله تعالى كتب على الدنيا الفناءَ والهوانَ، فلا يحياها المؤمنُ إلا ليتزوَّد منها لدار البقاء في الآخرة، فمَن ركن إلى الدنيا، واطمأنَّ إليها، خَسِر آخرتَه.
2. في الحديث الحضُّ على قلَّة المخالطة، وقلَّة الاقتناء، والزُّهد في الدنيا[1].
3. في الحديث بيان حال المؤمن أنه على أحد حالين: إما أن يكون كأنه غريبٌ مقيمٌ في بلد غُربة، همُّه التزوُّدُ للرجوع إلى وطنه (الجنة)، أو يكون كأنه مسافرٌ غيرُ مُقيم البتَّةَ؛ بل هو ليلَه ونهارَه يَسير إلى بلد الإقامة، وفي كلا الحالين قلبُه متعلِّقٌ بوطنه الذي يرجِعُ إليه[2].
4. في الحديث حضُّ المسلم على أن يجعل الموتَ نُصبَ عينيه، فيستعدَّ له بالعمل الصالح، وحضٌّ له على تقصير الأمل، وترك الْمَيل إلى غرور الدنيا[3].
5. في الحديث حضُّ المسلم على أن يغتنِم أيامَ صحته فيمهِّد فيها لنفْسه؛ خوفًا من حلول مرض به يمنعه من العمل[4].
6. في الحديث حضُّ المسلم على اغتنام أيام حياته؛ حتى لا يمرَّ عُمُرُه باطلًا في سهوٍ وغفلةٍ؛ لأن مَن مات فقد انقطعَ عملُه، وفاتَه أملُه، وعظُمت حسرتُه على تفريطه[5].
7. في الحديث حضُّ المسلم على التشبُّه بالغريب؛ لأن الغريب إذا دخل بلدةً لم يُنافس أهلها في مجالسهم، ولا يَجزَع أن يراه أحدٌ على خلاف عادته في الملبوس، ولا يكون متدابرًا معهم، وكذلك عابر السبيل لا يتَّخِذ دارًا، ولا يَلِج في الخصومات مع الناس يُشاحِنهم، ناظرًا إلى أن لَبْثَه معهم أيَّامٌ يسيرة[6].
8. في الحديث إشارة إلى أن كلَّ أحوال الغريب وعابر السبيل مستحبَّةٌ أن تكون للمؤمن في الدنيا؛ لأن الدنيا ليست وطنًا له؛ لأنها تَحبِسه عن داره، وهي الحائلة بينه وبين قراره[7].
9. قيل لأحمد بن حنبل: أَيُّ شيء الزُّهْدُ في الدنيا؟ قال: قِصَرُ الأمل، من إذا أصبح قال: لا أُمسي[8].
10. ليس معنى الحديث تَرْكَ السعي للرزق، وتحريم ملذَّات الدنيا؛ لأن أفعالَ النبيِّ ﷺ وصحابته الكرام تَنفي هذا.
11. الصحة والفراغ نعمتان يغتنمُهما ذَوُو الألباب، وهم أهلُ الفِطْنة، والصبر، والبصيرة؛ كما قال ﷺ: «نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحةُ والفراغُ»[9].
المراجع
- انظر: "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطِّال (10/ 148).
- انظر: "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/378).
- انظر: "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (10/149).
- انظر: "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (10/149).
- انظر: "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (10/149).
- "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص: 133).
- "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص: 133).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 386).
- رواه البخاريُّ (6412).
الفوائد الحديثية
12. لابن عُمر ألفان وسِتُّمائةٍ وثلاثون حديثًا بالمكرَّر، واتَّفَقا البخاريُّ ومسلم له على مِائةٍ وثمانية وستين حديثًا، وانفرد له البخاريُّ بأحد وثمانين حديثًا، ومسلمٌ بِأَحَدٍ وثلاثين[1]
المراجع
- "سير أعلام النبلاء" للذهبيِّ (4/ 303).
الفوائد التربوية
13. مراعاةُ الْمُرَبِّي لأساليب استحضار الفَهم؛ كأن يربِّت على كَتف الطالب، أو يُمسك بيده، ونحو ذلك من الأساليب النبوية.
14. التشبيهُ وضربُ الأمثال إحدى الوسائل التربوية التي استخدمها النبيُّ ﷺ في التعليم.
15. تربيةُ النشء على إيثار الآخرة، والعمل لها، وعدم إيثار الدنيا ومتاعها الزائل.
الفوائد اللغوية
16. قوله: «أو عابر سبيل»: (أو) فيه يجوز أن يكون للتخيير والإباحة، والأحسنُ أن يكون بمعنى (بل)؛ يريد بل عابر سبيل. شبَّه الناسِكَ السالك أولًا بالغريب الذي ليس له مَسكَن يُؤويه، ولا سَكَن يُسْلِيه، ثم ترقَّى وأَضرَب عنه بقوله: «أو عابر سبيل»؛ لأن الغريب قد يَسكُن في بلاد الغُربة، ويُقيم فيها، بخلاف عابر السبيل القاصدِ للبلد الشاسع، وبينه وبينها أَوْدِيَةٌ مُرْدِيَة، ومفاوزُ مُهلِكة، وهو بمرصد من قطَّاع طريقه، فهل له أن يُقيم لحظةً، أو يَسكُن لَمْحةً؟![1].
17. لَمَّا كان الغريبُ قليلَ الانبساط إلى الناس؛ بل هو مستوحِشٌ منهم؛ لأنه لا يكاد يعرفه أحدٌ، فهو ذليلٌ في نفْسه خائفٌ، وكذلك عابرُ السبيل لا يَنفُذ في سَفَره إلا بقوَّته، معه زادُه وراحلته يُبلِّغانِه إلى بُغيته من قصدِه - شبَّهه بهما، وفي ذلك إشارةٌ إلى إيثار الزُّهد في الدنيا، فكما لا يحتاج المسافرُ إلى أكثرَ مما يُبلِّغه إلى غاية سفره، فكذلك لا يحتاج المؤمنُ في الدنيا إلى أكثرَ مما يُبلِّغه المحلَّ[2].
المراجع
- "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (4/ 1364).
- انظر: "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطِّال (10/149).