الفوائد العلمية
1. في الحديث الحثُّ على طلب العلم، وبيان فضل الرحلة إليه، والجِدِّ في طلبه.
2. في الحديث إشارة إلى أن سلوك طريق العلم يشمل الطّريق الحقيقيَّ، وهو المشيُ بالأقدام إلى مجالس العلماء، والطُّرق المعنويّة المؤدِّية إلى حصول العلم؛ مثل حفظه، ودراسته، ومذاكرته، ومطالعته، وكتابته، وتفهُّمه[1].
3. في استغفار جميع مَن في السموات والأرض لطالب العلم - حتى الحيتان في الماء - دلالةٌ على عِظَم مكانة طالب العلم ومنزلته؛ وإنما عظُمت هذه المنزلة لأن نفعه تعدَّى لجميع المخلوقات، ومن ثمَّ استغفرَتْ له، وطلبت له الخيرَ من الله عزَّ وجلَّ.
4. في الحديث إشارة إلى أن الله قد قيَّض للحيتان وغيرها من أنواع الحيوان بالعلم على ألسنة العلماء أنواعًا من المنافع، والمصالح، والرفق بها؛ فالعلماء هم الذين بيَّنوا الحكمَ فيها فيما يحلُّ ويحرُمُ منها، وأرشدوا إلى المصلحة في بابها، وأوصَوْا بالإحسان إليها، ونفي الضرر عنها، فألهمها الله الاستغفار للعلماء؛ مجازاةً على حُسن صنيعهم بها، وشفقتهم عليها[2].
5. شبَّه ﷺ العالِمَ بالقمر دون الشمس وغيرها من أجرام السماء؛ لأن نور القمر لَمَّا كان مستفادًا من غيره (الشمس)، كان تشبيهُ العالِم الذي نورُه مستفادٌ من شمس الرِّسالة بالقمر أَوْلى من تشبيهه بالشمس، التي نورُها من قوَّة ذاتية أودعها الله فيها[3].
6. شبَّه ﷺ العالِم بالقمر؛ لأن الشمس لا يختلف حالُها في نورها، ولا يتفاوت، وأما القمر فإنه يَقِلُّ نوره، ويكثُر، ويمتلئ ويَنقص، كما أن العلماء في العلم على مراتبهم من كثرته وقلَّته، فيَفضُل كلٌّ منهم في علمه بحسب كثرته، وقلَّته، وظهوره، وخفائه، كما يكون القمر كذلك، فعالِمٌ كالبدر ليلةَ تمامه، وآخَرُ دونه بليلةٍ، وثانية، وثالثة، وما بعدها، إلى آخر مراتبه، وهم درجات عند الله[4].
7. هذا الحديث من أعظم المناقب لأهل العلم؛ فإن الأنبياء خيرُ خَلْق الله، فورثتُهم خيرُ الخَلْق بعدَهم، ولَمَّا كان كلُّ موروث ينتقل ميراثه إلى ورثته؛ إذ هم الذين يقومون مقامَه من بعده، ولم يكن بعد الرسل مَن يقوم مقامَهم في تبليغ ما أُرسِلوا به إلا العلماء، كانوا بذلك أحقَّ الناس بميراثهم[5].
8. في الحديث تنبيهٌ على أن العلماء هم أقرب الناس إلى الأنبياء؛ فإن الميراث إنما يكون لأقرب الناس إلى الموروث، وهذا كما أنه ثابتٌ في ميراث الدينار والدرهم، فكذلك هو في ميراث النبوَّة، والله يختصُّ برحمته مَن يشاء[6].
9. في قوله ﷺ: «إن الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا» إشارة إلى زُهد أنبياء الله صلواتُ الله عليهم أجمعين في أعراض الدنيا ومُتَعها الزائلة[7]، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه ورثتُهم من العلماء العاملين.
10. في الحديث أن الله تعالى يُسهِّل العلم لطالبه، ويُيسِّره عليه؛ فإن العلم طريقٌ موصِّلٌ إلى الجنة؛ إذ بالعلم الشرعيِّ يُعرَف الحلال والحرام، ومُرادُ الله من العباد، والوسائل الْمُعينة على رضاه سبحانه وتعالى.
11. في الحديث بيان فضل العالِم على العابد، ورفعة درجته، والعالِمُ هو الذي يغلب عليه الاشتغالُ بالعلم ونشره وتبليغه، الْمُلِمُّ بقواعده وأصوله، والعابد: هو الذي يَغلِب عليه العبادة بأن يَصرِف جُلَّ أوقاته في النوافل بعد تحصيله العلمَ الضروريَّ[8].
12. في الحديث تشبيه العالِم بالقمر والعابد بالكوكب؛ وذلك لأن القمر يُضيء الآفاق، ويمتَدُّ نورُه في أقطار العالَم، وهذه حال العالِم، بخلاف الكوكب، حيث لا يجاوز نورُه نفْسَه، أو ما قرُب منه، وهذه حالُ العابد.
13. في الحديث إشارة إلى أنه ما دام العلم باقيًا في الأرض، فالنّاس في هدًى، وبقاءُ العلم بقاء حَمَلته، فإذا ذهب حَمَلته ومن يقوم به، وقع النّاس في الضّلال، ويشهد لذلك قوله ﷺ:
«إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ صُدُورِ النَّاسِ؛ وَلَكِنْ يَقْبِضُهُ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»[9].
المراجع
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 297).
- "معالم السنن شرح سنن أبي داود" للخطابيِّ (4/ 183).
- "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/65).
- "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/65).
- "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/66).
- "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/66).
- انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" لأبي العباس القرطبي (1/ 687).
- انظر: "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي" للمباركفوري (7/ 376).
- رواه البخاريُّ (100)، ومسلم (2673).
الفوائد العقدية
14. من أركان الإيمان: الإيمان بالملائكة، وهم خَلقٌ من خَلْق الله - عزَّ وجلَّ - خَلَقهم من نور، لا يَعصُون الله أبدًا، وهم في عبادة دائمة له تعالى؛ قال تعالى:
﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾
وقال سبحانه في وصفهم:
﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۚ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [1].
المراجع
- "معالم السنن" للخطابي (4/ 183).
الفوائد اللغوية
15. أطلق ﷺ لفظ الطريق، وأتى به عامًّا ليشمل جميع الطُّرق الحسية والمعنوية الموصِّلة للعلم، وكذلك أطلق لفظ العلم، وأتى به منكَّرًا؛ ليشمل جميع فروع عِلم الدين ومسائله، وليندرجَ فيه القليل والكثير منه[1].
المراجع
- انظر: "فتح الباري" ابن حجر (1/ 160)