1. ليس المراد من نُطق الشهادتين مجرَّد القول باللسان؛ فإن من الناس من يتلفَّظ بالشهادتين ولا يفعل شيئًا يدلُّ على إيمانه؛ ولكن المراد بذلك قول القلب واللسان؛ أي: أن يقول الإنسان بلسانه، بعد أن يُقِرَّ ذلك في قلبه، ويعتقده اعتقادًا جازمًا لا شكَّ فيه.

2. «شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله» تشمل الإيمان بوجود الله عز وجل، وبربوبيته، وبألوهيته، وبأسمائه وبصفاته، وبأحكامه، وبأخباره، وكل ما يأتي من قِبَله تعالى تؤمن به، وبمحمد ﷺ نبيًّا ورسولاً، فإذا آمنتَ بذلك، فاستقم على دين الله، ولا تَحِدْ عنه يمينًا ولا شمالاً.

3. اعلم أن أداءَ الصلاةِ على وقتها أحبُّ الأعم‍ال إلى الله، حيث تتَّجِه بالعبادة لله وحدَه، ترتفع وتتسامى عن عبادة العباد، وعبادة الأشياء، حيث تُحنى الجباه لله لا للعبيد، والقلب يَسجُد لله حقًّا، ليلَ نهارَ يتَّصِل بربِّه خالق الخلق، يجد لحياته غايةً أعلى من أن تُستغرق في الأرض وحاجاتها، فيصير مؤمنًا ربَّانيَّ التصوُّر، ربَّانيَّ الشعور، ربَّانيَّ السلوك.

4. إن المنهج الإسلاميَّ في التربية يَربِط بين العبادة وحقائقِ العقيدة في الضمير، ويَجعَل العبادةَ وسيلةً لإحياء هذه الحقائق وإيضاحها وتثبيتها في صورة حيَّة تتخلَّل المشاعر، ولا تَقِف عند حدود التفكير.

5. الصّلاةُ أفضل الأعمال، وهي مؤلَّفة من كَلِم طيِّب وعمل صالح؛ أفضلُ كَلِمها الطّيِّب وأوجبُه القرآن، وأفضلُ عملها الصّالح وأوجبه السّجود[1].

6. لا يؤدِّي زكاةَ مالِه طيّبةً بها نفسُه إلّا مؤمن، وسببُ هذا أنّ المال تحبُّه النّفوس وتَبخَل به، فإذا سَمَحت بإخراجه للّه - عزّ وجلّ - دلَّ ذلك على صحَّة إيمانها باللّه، ووعده، ووعيده؛ ولهذا منعت العرب الزّكاةَ بعد النّبيِّ ﷺ، وقاتلهم الصّدِّيق رضي اللّه عنه على منعها[2].

7. الظُّلمُ ظُلماتٌ يومَ الـقيامة، فعلى العبد أن يجتنبه، وألَّا يتلبَّس به أبدًا.

8. تتَجلَّى محاسنُ الشريعة الإسلاميَّة في أبهى صورها في أمر الله تعالى بالـعدْل حتى مع الطَّائفة التي نختلِف معها اختلافًا يؤدِّي إلى أشدِّ الـبُغض والـكراهية، يفرِض علينا الـقرآنُ الـكريمُ ألَّا يَحمِلنا بُغضُنا لبعض الناس على عدم الـعدل معهم وإعطائهم حقوقَهم؛ قال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾

 [المائدة: 8].

9. استقم على الدين، واستقم على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وذلك بالإخلاص لله عزَّ وجلَّ، والمتابعة لرسول الله ﷺ، واستقم على الصلاة، وعلى الزكاة، والصيام والحجِّ، وعلى جميع شريعة الله.

10. اتَّفق العلماء على أن من شروط صحة العبادة وقبولها: أن يكون الإنسان مؤمنًا بالله؛ أي: معترِفًا به، وبجميع ما جاء من قِبَله تبارك وتعالى[3].

11. أعدَّ الله تعالى منزلاً في الجنة لمن غدا إلى المسجد أو راح؛

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه

عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاح"

[4].

12. قال تعالى في الحديث القدسيِّ:

«يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا؛ فَلا تَظَالَمُوا»

[5]؛

أي: لا تتظالموا، فلا يظلِم بعضُكم بعضًا، فحرامٌ على كلِّ عبد أن يظلمَ غيرَه، والظلمُ في نفْسه محرَّم مطلقًا.

13. وَيَا فَوْزَ مَن أدَّى مناسِكَ دينِه = وعاشَ سليمَ القلبِ وهْو طَهُورُ
وتَابَعَ دِينَ الحقِّ فِقْهًا وحِكْمَةً = ولَبَّى نِداءَ اللهِ وهْوَ شَكُورُ
فَهَذا الذي في الخُلْدِ يَنْعَمُ بَالُه = وتَحْظى به بين الأرائكِ حُورُ


14. ارْتِفَاعُ الأَذَان فَوْقَ الْمَآذِنْ = فِي انْبِلَاجِ الصَّبَاحِ وَاللَّيْلُ سَاكِنْ
دَعْوَةٌ تَحْمِلُ الْحَيَاةَ إِلَى الْكَوْ = نِ وَسُكَّانِهِ قُرًى وَمَدَائِنْ
وَنِدَاءٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْ = ضِ إِلَى ظَاهِرٍ عَلَيْهَا وَبَاطِنْ
وَلِقَاءٌ بَيْنَ الْمَلائِكِ وَالإِيـ = ـمَانِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ غَيْرِ آذِنْ
وَانْطِلاقٌ إِلَى الْفَلاحِ إِلَى الْخَيْـ = ـرِ إِلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى وَالْمَحَاسِنْ


15. تَوَقَّ دُعَا الْمَظلومِ إنَّ دعاءَه = ليُرفعُ فوقَ السُّحْبِ ثُمَّ يُجابُ
تَوَقَّ دُعَا مَن لَيْسَ بَيْنَ دُعائِه = وبَيْنَ إلهِ العالمين حِجَابُ


16. فكَذَا دُعا الْمُضْطَرِّ أَيْضًا صَاعِدٌ = أَبَدًا إليهِ عندَ كلِّ أَوَانِ
وكذا دُعا المظلومِ أيضًا صاعدٌ = حَقًّا إليه قاطِعُ الأكوانِ


17. إيَّاكَ مِن عَسْفِ الأنامِ وظُلمِهم = واحْذَرْ مِنَ الدَّعَوَاتِ في الأَسْحَارِ


18. أَدِّ الأمانةَ والخيانةَ فاجتنبْ = واعْدِلْ ولا تَظْلِمْ يَطِيبُ الْمَكْسَبُ
واحذَرْ مِن المظلومِ سَهْمًا صائبًا = واعْلَمْ بأنَّ دعاءَه لا يُحجَبُ


19. لا تَظْلِمَنَّ إذا ما كُنْتَ مُقْتَدِرًا = فالظُّلْمُ آخِرُه يَأْتِيكَ بالنَّدَمِ
نامَتْ عُيُونُكَ والمظلومُ مُنْتَبِهٌ = يَدْعو عَلَيْكَ وَعَيْنُ اللهِ لم تَنَمِ

المراجع

  1. "مجموع الفتاوى" (14/5).
  2. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 24).
  3. "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (1/ 572).
  4. رواه البخاريُّ (662)، ومسلم (669).
  5. رواه مسلم (2577).



  1. النفسُ إن لم تَشغَلها بالطاعة، شغلتك بالمعصية.
  2. إن أعظم وأكرم وصف يمكِن أن يوصَف به الإنسان في هذه الحياة الدنيا هو وصف العبودية لله تعالى، فاخلع أيها الإنسان على نفسك ما شئتَ من الأوصاف الدنيوية الزائلة، وليخلع عليك الناس ما شاؤوا من الألقاب المصطَنعة البائدة، فلا قَدْرَ لذلك كلِّه، ولا شَرَفَ لك بذلك كلِّه، ما لم تكن قرينةً لوصف العبودية لله.
  3. طاعة الـعباد لا تَزيد في مُلْك الله شيئًا، ومعصيتهم لا تَنقُص مُلْكَه سبحانه شيئًا؛ فالله غنيٌّ عن العالمين.
  4. كل إنسان مأخوذٌ بما يعمَل، فلْيحرِص على ما يُنْجيه في الدنيا والآخرة.
  5. إذا أُشرب القلبُ العبوديةَ والإخلاص، صار عند الله من المقرَّبين، وشَمِله استثناء:

     إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ

    [الحجر: 40 ]

  6. لا تُقبَل الأعمال إلا بالإخلاص، وموافقتِها للكتاب والسنَّة.
  7. إن الإيمان يَشتمِل على كلِّ الأعمال الصالحة؛ فمهما عَمِلْتَ من عمل صالح، فهو زيادةٌ في إيمانك.
  8. مَا لِلْعِبَادِ عَلَيْهِ حَقٌّ وَاجِبٌ = كَلَّا وَلا سَعْيٌ لَدَيْهِ ضَائِعُ
  9. استثمِرِ الخَيْرَ في دُنياكَ واجتهِدِ = ولا تُبَالِ بداعي الشرِّ والحسَدِ

إِنْ عُذِّبُوا فَبعَدْلِهِ أَوْ نُعِّمُوا = فَبِفَضْلِهِ وَهُوَ الْكَرِيْمُ الوَاسِعُ 

واعْمَلْ ليومٍ جميعُ الناس تَرقُبُه = فيه القضاءُ قضاءُ الواحدِ الأحدِ 

أفعالُكَ اليومَ تحكي أيَّ منزلةٍ = رَوْضُ الجنانِ أمِ النيرانُ في اللَّحَدِ

المراجع

  1. "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" لابن القيم (1/ 6).

 

  1. عليك بسُنَّة النبيِّ ﷺ ؛ فإن سنَّة النبيِّ ﷺ  هي سبيل النجاة من الخلافات والبِدَع. قال عبد اللّه بنُ مسعود: "إنّا نقتدي ولا نَبتَدي، ونتَّبِع ولا نَبتَدع، ولن نَضِلَّ ما تمسَّكْنا بالأثر"[1]
  2. نجاة المرء في الدنيا والآخرة باتِّباع هَدي الرسول ﷺ .
  3. أعظم بشارة للطائعين من هذه الأمة: أنهم جميعًا سيدخلون الجنة إلا من عصى الله ورسوله واتَّبع شهواتِه وهواه.
  4. الالتزام بالسنَّة والمشروع من العبادات هو سبيل السَّداد والبُشرى.
  5. قال تعالى:

    وَإِن تُطِيعُوهُ تَهۡتَدُواْۚ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ

    [النور: ٥٤].

  6. وكُنْ لسُنَّةِ خَيْرِ الخَلْقِ مُتَبِعًا = فإنَّها لنَجَاةِ الْعَبْدِ عُنْوَانُ 

فَهْوَ الَّذِي شَمِلَتْ لِلْخَلْقِ أُنْعُمُهُ = وَعَمَّهُمْ مِنْهُ فِي الدَّارَيْنِ إِحْسَانُ

7.وَمُذْ أَتَى أَبْصَرَتْ عُمْيُ الْقُلُوبِ بِهِ = سُبْلَ الهُدَى وَوَعَتْ لِلْحَقِّ 

آذَانُ يَا رَبِّ صَلِّ عَلَيْهِ مَا هَمَى مَطَرٌ = فَأَيْنَعَتْ مِنْهُ أَوْرَاقٌ وَأَغْصَانُ 

وَابْعَثْ إِلَيْهِ سَلَامًا زَاكِيًا عَطِرًا = وَالْآلِ وَالصَّحْبِ لَا تُفْنِيهِ أَزْمَان

8. إِذَا شِئْتَ أَنْ تُدْعَى كَرِيمًا مُهَذَّبًا = تَقِيًّا سَرِيًّا مَاجِدًا فَطِنًا حُرَّا

فَكُنْ مُخْلِصًا للهِ جَلَّ جَلالُهُ = وَكَنْ تَابِعًا لِلْمُصْطَفَى تُحْرِزِ الأَجْرَا

9. اعْمَلْ لِدَارِ الْبَقَا رِضْوَانُ خَازِنُهَا = الجَارُ أحمدُ والرحمنُ بانِيها  

أرضٌ لَهَا ذَهَبٌ والْمِسْكُ طِينَتُها = والزَّعْفَرَانُ حَشِيشٌ نَابِتٌ فيها

أنهارُها لَبَنٌ مَحْضٌ ومِنْ عَسَلٍ = وَالخَمْرُ يَجْري رَحِيقًا في مَجاريها

مَنْ يَشْتَرِي الدَّارَ بِالْفِرْدَوْسِ يَعْمُرُهَا = بِرَكْعَةٍ في ظَلامِ اللَّيْلِ يُخْفِيها 

أَوْ سَدِّ جَوْعَةِ مِسْكِينٍ بِشَبْعَتِهِ = فِي يَوْمِ مَسْغَبَةٍ عَمَّ الغَلا فِيها

10. وإِنْ ضَاقَتِ الدُّنيا عَلَيْكَ بِأَسْرِهَا = وَلم يَكُ فِيها مَنْزِلٌ لَكَ يُعْلَمُ 

فَحَيَّ على جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإنَّها = مَنَازِلُكَ الأُولَى وفِيهَا الْمُخَيَّمُ

المراجع

  1. "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم (4/ 115)

  1. قيل لوهب بن منبِّه: أليس "لا إله إلّا اللُّه" مِفتاحُ الجنّة؟ قال: "بلى؛ ولكن ليس مفتاح إلّا له أسنان، فإن جئتَ بمفتاح له أسنان فُتح لك، وإلّا لم يُفتَح لك"[1]؛ يعني: وأسنان هذا المفتاح فعلُ ما أمر الله تعالى به، وترك ما نهى الله عنه.

  2. ليس المراد من نطق الشهادتين مجرَّد القول باللسان؛ فإن من الناس من يتلفَّظ بالشهادتين ولا يفعل شيئًا يدلُّ على إيمانه؛ ولكن المراد بذلك قول القلب واللسان؛ أي: أن يقول الإنسان بلسانه، بعد أن يُقِرَّ ذلك في قلبه، ويعتقده اعتقادًا جازمًا لا شكَّ فيه.

  3. «شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله» تشمل الإيمان بوجود الله عز وجل، وبربوبيته، وبألوهيته، وبأسمائه وبصفاته، وبأحكامه، وبأخباره، وكل ما يأتي من قِبَله تعالى تؤمن به، وبمحمد ﷺ نبيًّا ورسولاً، فإذا آمنتَ بذلك، فاستقم على دين الله، ولا تَحِدْ عنه يمينًا ولا شمالاً.

  4. اعلم أن أداءَ الصلاةِ على وقتها أحبُّ الأعمال إلى الله، حيث تتَّجِه بالعبادة لله وحدَه، ترتفع وتتسامى عن عبادة العباد، وعبادة الأشياء، حيث تُحنى الجباه لله لا للعبيد، والقلب يَسجُد لله حقًّا، ليلَ نهارَ يتَّصِل بربِّه خالق الخلق، يجد لحياته غايةً أعلى من أن تُستغرق في الأرض وحاجاتها، فيصير مؤمنًا ربَّانيَّ التصوُّر، ربَّانيَّ الشعور، ربَّانيَّ السلوك.

  5. الصّلاةُ أفضل الأعمال، وهي مؤلَّفة من كَلِم طيِّب وعمل صالح؛ أفضلُ كَلِمها الطّيِّب وأوجبُه القرآنُ، وأفضلُ عملها الصّالح وأوجبه السّجود[2].

  6. لا يؤدِّي زكاةَ مالِه طيّبةً بها نفسُه إلّا مؤمن، وسببُ هذا أنّ المال تحبُّه النّفوس وتَبخَل به، فإذا سَمَحت بإخراجه للّه - عزّ وجلّ - دلَّ ذلك على صحَّة إيمانها باللّه، ووعده، ووعيده؛ ولهذا منعت العرب الزّكاةَ بعد النّبيِّ ﷺ، وقاتلهم الصّدِّيق رضي اللّه عنه على منعها[3].

  7. قال تعالى:

    لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ

    [يونس: 26]

    "وقد ثبت في صحيح مسلم عن النّبيِّ ﷺ تفسير الزّيادة بالنّظر إلى وجه اللّه عزَّ وجلَّ في الجنَّة، وهذا مناسب لجعله جزاءً لأهل الإحسان؛ لأنّ الإحسان هو أن يَعبُد المؤمن ربَّه في الدّنيا على وجه الحضور والمراقبة، كأنّه يراه بقلبه، وينظر إليه في حال عبادته، فكان جزاءُ ذلك النَّظرَ إلى اللّه عِيانًا في الآخرة[4].

  8. "مِن منازل إيَّاك نعبد وإيَّاك نستعين: منزلةُ الإحْسَان، وهي لبُّ الإيمان ورُوحُه وكماله، وهذه المنزلة تجمع جميع المنازل، فجميعُها منطوية فيها"[5].

  9. "إنَّ الإحْسَان إذا باشر القلب، مَنَعه عن المعاصي، فإنَّ مَن عبد الله كأنَّه يراه، لم يكن كذلك إلَّا لاستيلاء ذكره ومحبَّته وخوفه ورجائه على قلبه، بحيث يصير كأنَّه يشاهده، وذلك سيحول بينه وبين إرادة المعصية، فضلًا عن مُواقَعَتها، فإذا خرج مِن دائرة الإحْسَان، فاته صُحبة رفقته الخاصَّة، وعَيْشهم الهَنيء، ونعيمهم التَّامُّ، فإن أراد الله به خيرًا، أقرَّه في دائرة عموم المؤمنين"[6].

  10. قال بعض العارفين: "اتّق اللّه أن يكون أهونَ النّاظرين إليك"[7].

  11. قال بعضهم: "خَفِ اللّه على قدر قُدرته عليك، واستحْيِ منه على قدر قُربه منك"[8].

  12. قالت بعض العارفات من السَّلف: "من عَمِل للّه على المشاهَدة، فهو عارف، ومن عَمِل على مشاهدة اللّه إيَّاه، فهو مخلص"[9].

  13. إخبارُ النبيِّ ﷺ بما سيكون في آخر الزمان من أحداث وفِتَن وعلامات تدُلُّ على قُرب قيام الساعة؛ ليكون المسلمُ على بيِّنةٍ من أمره، فيُعِدَّ للأمر عُدَّته من الإيمان والتصديق والتسليم، ويأخذَ حِذْره، فيتَّخِذَ من الوسائل ما يُعينه على النجاة من هذه الفتن إنْ هو أدركَها.

  14. عن أَنَسِ بْن مَالِكٍ رضى الله عنه ،

    قَالَ:

    بَيْنَمَا أَنَا وَالنَّبِيُّ ﷺ خَارِجَانِ مِنَ المَسْجِدِ، فَلَقِيَنَا رَجُلٌ عِنْدَ سُدَّةِ المَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟»، فَكَأَنَّ الرَّجُلَ اسْتَكَانَ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صِيَامٍ، وَلا صَلاةٍ، وَلا صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ»

    [10].

  15. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

    قَالَ:

    بَيْنَمَا النَّبِيُّ ﷺ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ القَوْمَ، جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: «أَيْنَ - أُرَاهُ - السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟» قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: «إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»

    [11].

  16. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه،

    عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:

    «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: الدَّجَّالَ، وَالدُّخَانَ، وَدَابَّةَ الْأَرْضِ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ، وَخُوَيْصَةَ أَحَدِكُمْ»

    [12].

  17. راقبِ الله في ليلك ونهارك؛ فهو مطَّلِع عليك في جميع أحوالك.

  18. الإيمان بالملائكة يجعل المؤمن يدرك قدرة الله تعالى وعَظَمة خلقه، ويستشعر معنى المراقبة حيث يراقبونه ويسجِّلون كل ما يفعله؛ ما يحفِّزه على فعل الطاعات، واجتناب المنكَرات؛ لأنه يَستشعِر قُربهم منه، ووجودهم معه في كلِّ وقت

    قال تعالى:

    مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ

    [ق: 18].

  19. سُبْحَانَ مَن ملأَ الوجودَ أدلَّةً = ليلُوحَ ما أخفَى بما أَبْدَاهُ

سُبحانَ مَنْ أحْيَا قلوبَ عبادِهِ = بلوائحٍ من فَيْضِ نورِ هُداهُ

هَلْ بعدَ معرفةِ الإِلَهِ زيادةٌ = إلَّا استدامةُ ما يُديمُ رِضَاهُ

واللهِ لا آوي لغَيْرِك إنَّه = حُرِمَ الُهدَى مَنْ لم تكنْ مأْوَاه

20.

ويَا فَوْزَ مَن أدَّى مناسِكَ دينِه = وعاشَ سليمَ القلبِ وهْو طَهُورُ

وتَابَعَ دِينَ الحقِّ فِقْهًا وحِكْمَةً = ولَبَّى نِداءَ اللهِ وهْوَ شَكُورُ

فَهَذا الذي في الخُلْدِ يَنْعَمُ بَالُه = وتَحْظى به بين الأرائكِ حُورُ

21.

إذَا شِئْتَ أَنْ تُدْعَى كَرِيمًا مُهَذَّبًا = تَقِيًّا سَرِيًّا مَاجِدًا فَطِنًا حُرَّا

فَكُنْ مُخْلِصًا للهِ جَلَّ جَلالُهُ = وَكَنْ تَابِعًا لِلْمُصْطَفَى تُحْرِزِ الأَجْرَا

22.

ارْتِفَاعُ الأَذَان فَوْقَ الْمَآذِنْ = فِي انْبِلَاجِ الصَّبَاحِ وَاللَّيْلُ سَاكِنْ

دَعْوَةٌ تَحْمِلُ الْحَيَاةَ إِلَى الْكَوْ = نِ وَسُكَّانِهِ قُرًى وَمَدَائِنْ

وَنِدَاءٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْ = ضِ إِلَى ظَاهِرٍ عَلَيْهَا وَبَاطِنْ

وَلِقَاءٌ بَيْنَ الْمَلائِكِ وَالإِيـ = ـمَانِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ غَيْرِ آذِنْ

وَانْطِلاقٌ إِلَى الْفَلاحِ إِلَى الْخَيْـ = ـرِ إِلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى وَالْمَحَاسِنْ

23.

وإِنَّ عَلَيْنَا حَافِظِينَ مَلائِكًا = كِرَامًا بِسُكَّانِ البَسِيطةِ وُكِّلُوا

فَيُحْصُونَ أَقْوالَ ابْنِ آدَمَ كُلَّهَا = وَأَفْعَالَهُ طُرًّا فَلا شَيءَ يُهْمَلُ

24.

ومَنْ يَبْتَغِ الْإِسْلَامَ دِينًا يَكُنْ لَهُ = نَصِيبٌ مِنَ الدَّارَيْنِ يَبْقَى وَلَا يَفْنَى

وَمَنْ يَبْتَغِ الدُّنْيَا مَصِيرَ مَآلِهِ = فَقَدْ خَسِرَتْ يُمْنَاهُ إِنْ طَفَّفَ الْوَزْنَا

لَنَا قِبْلَةٌ نُحْيِي ذُرَاهَا وَنَتَّقِي = حِمَاهَا وَنَهْوَى دُونَهَا الضَّرْبَ وَالطَّعْنَا

المراجع

  1. "صحيح البخاريِّ" (2/ 71).
  2. "مجموع الفتاوى" (14/5).
  3. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 24).
  4. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 126).
  5. "مدارج السَّالكين" لابن القيِّم (3/319).
  6. "الجواب الكافي" لابن القيم (55-56).
  7. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 129).
  8. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 129).
  9. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 129).
  10. رواه البخاريُّ (7153)، ومسلم (2639).
  11. رواه البخاريُّ (59).
  12. رواه مسلم (2947).

  1. الناصح مأجورٌ على نصيحته مهما كانت النتائج، إذا خَلَصت نيَّته، واستفرغ وُسْعَه، وعَمِل بتوجيهات ربِّه تعالى.

  2. النصيحة هي لُبُّ الدِّين، وجَوهر الإيمان، ودليل حبِّ الخير للآخرين، وبُغض الشرِّ لهم.

  3. في النصيحة صلاح المجتمع؛ فبها تُشاع الفضيلة، وتُستر الرذيلة، وتحلُّ الرحمة والمودَّة محلَّ القسوة والشقاق.

  4. اعْلَم أَن النَّصِيحَة لله - عزَّ وَجلَّ -: هي المناضلة عَن دينه، والمدافعة عَن الْإِشْرَاك به، وإن كان غَنِيًّا عن ذلك؛ لكن نَفعه عَائِد على العَبْد. والنصيحة لكتاب الله: الذبُّ عنه، والمحافظة على تِلَاوَته، والنصيحة لرَسُوله: إِقَامَة سنَّته، وَالدُّعَاء إِلَى دَعوته[1].

  5. من تمام النصح: الاشتغال بالنفس لاستكمال الفضائل.

  6. لا تَخْشَ النصيحةَ؛ فالنصيحةُ دائمًا خير، ولك أجرها، سواءٌ أقَبِلها المنصوح فعاد نفعها عليكما في الدنيا والآخرة، أم رفَضَها فنلتَ الأجر، ونال هو عاقبة ذلك.

  7. إذا نصحتَ فانصح سرًّا لا جهرًا، أو بتعريض لا بتصريح إلا لمن لا يفهم، فلا بد من التصريح له، ولا تنصح على شرط القَبول منك، فإن تعدَّيْتَ هذه الوجوه، فأنت ظالم لا ناصح، وطالبُ طاعة لا مؤدِّي حقِّ ديانة وأُخوَّة، وليس هذا حُكْمَ العقل، ولا حكم الصداقة؛ ولكن حكم الأمير مع رَعِيَّته، والسيِّد مع عبيده[2].

  8. قال الْفُضَيْلُ بنُ عِياضٍ: ما أَدرَك عندَنا من أَدرَك بكثرة الصلاة والصيام؛ وإنَّما أَدرَك عندنا بسَخاء الْأَنْفُس، وسلامةِ الصدور، والنُّصح للأُمَّة[3].

  9.  قال الْفُضَيْلُ بنُ عِياضٍ: المؤمنُ يَسْتُرُ ويَنصَح، والفاجرُ يَهْتِكُ وَيُعَيِّرُ[4].

  10. سُئل ابنُ الْمُبارَك: أَيُّ الأعمال أفضلُ؟ قال: النُّصح لِلَّه[5].

  11. قال مَعْمَرٌ: كان يُقال: أنصحُ الناس لك من خاف اللَّهَ فيك[6].

  12. كان السَّلَفُ إذا أرادوا نصيحة أحد، وَعَظوه سِرًّا، حتى قال بعضهم: مَن وعَظَ أخاه فيما بَيْنَه وبينه، فهي نصيحةٌ، ومَن وعَظَه على رؤوس الناس فإنما وَبَّخَه[7].

  13. من النصيحة لله: أن تكون ذاكرًا لربك دومًا، بقلبك ولسانك وجوارحك، أما القلب فإنه لا حدودَ لذِكْره، فاذكر ربَّك بقلبك على كل حال، وتفكَّر في خلق السموات والأرض، واختلاف الليل والنهار، وفي آيات الله؛ ففي كل شيء له آية تدُلُّ على أنه الواحد!

  14. مَتَى يُولِكَ الْمَرْءُ الْغَرِيبُ نَصِيحَةً = فَلَا تُقْصِهِ وَاحْبُ الرَّفِيقَ وَإِنْ ذَمَّا 

  15. وَلَا تَكُ مِمَّنْ قَرَّبَ الْعَبْدَ شَارِخًا = وَضَيَّعَه إِذْ صَارَ مِنْ كِبَرٍ هَمَّا

  16. النُّصْحُ أرخصُ ما باع الرجالُ فلا = تَرْدُدْ عَلَى ناصِحٍ نُصْحًا ولا تَلُمِ إِنَّ النصائحَ لا تخفَى مَناهِجُها = عَلَى الرِّجالِ ذَوِي الألبابِ والفَهَمِ

  17. فما كُلُّ ذي نُصْحٍ بِمُؤْتِيكَ نُصْحَهُ = ولا كلُّ مُؤْتٍ نُصْحَهُ بلَبِيبِ وَلَكِنْ إِذَا مَا اسْتَجْمَعَا عِنْدَ وَاحِدٍ = فَحُقَّ لَهُ مِنْ طاعةٍ بنَصيبِ

المراجع

  1. "كشف المشكل من حديث الصحيحين" لابن الجوزيِّ (4/ 219).
  2. "رسائل ابن حزم" (1/ 364).
  3. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب الحنبليِّ (1/ 225).
  4. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب الحنبليِّ (1/ 225).
  5. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب الحنبليِّ (1/ 225).
  6. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب الحنبليِّ (1/ 225).
  7. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب الحنبليِّ (1/ 225).



  1. حلاوة الإيمان حلاوة روحية نفسية قلبية، حيث انشراحُ الصدر، وطمأنينة القلب، والأُنس بالله تعالى، ومعرفته حقَّ المعرفة، بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، حتى يصير الهوى في مرضاته تعالى، والْمُنى فيما يقدِّره سبحانه، حتى لو كان ظاهره شرًّا.

  2. إنها حلاوة الإيمان الذي يشعُّ نوره في نفس المؤمن ومشاعرِه ومَداركه وحواسِّه وتصوُّراته، فيستقيم على الهدى، فيكون كمالُ حبِّه لله ورسوله ودينه.

  3. إن حلاوة الإيمان ليس مثلَها حلاوةٌ، فمع لذَّتها، فإنها تستمرُّ، ليس مثلَ لذَّات الدنيا؛ كالطعام والشراب وتحصيل الأموال والمساكن الشاهقة والمركبات الفارهة، التي لا تستمرُّ لذَّتها إن وُجِدت.

  4. من أحبَّ أحدًا يتحرَّى مراضيَه، ويُؤثِر رضاه على رضا نفسه، ومقام الرضا عند أهل العرفان مقام جليل رفيع.

  5. الرضا بالله ربًّا يتضمَّن توحيدَه وعبادته، والإنابةَ إليه، والتوكُّل عليه، وخوفه ورجاءه ومحبَّته، والصبر له وبه، واتِّخاذه معبودًا دون ما سواه، واتخاذه وليًّا ومعبودًا، وإبطال عبادة كلِّ ما سواه. والشُّكرُ على نعمه يتضمَّن رؤية كلِّ ما منه نعمة وإحسانًا، وإن ساء عبده [1].

  6. قال الجُنَيْد: الرضا رفعُ الاختيار [2].

  7. قال الْمُحَاسِبِيُّ: الرضا هو سكونُ القلب تحتَ مجاري الأحكام [3].

  8. قال الرُّوذْبَارِيُّ: ليس الرضا ألَّا يُحِسَّ بالبلاء؛ إنما الرضا ألَّا يَعْتَرِضَ على الحُكم [4].

  9. قال النُّورِيُّ: الرضا هو سرورُ القلبِ بِمُرِّ القضاء [5].

  10. سُئِلَتْ رابعةُ عن الرضا، فقالتْ: إذا سرَّتْهُ المصيبةُ كما سرَّتْهُ النعمةُ[6].

  11. كان أميرُ المؤمنين عمرُ بنُ عبدِالعزيز رحمه الله يدعو بهذا الدعاء: اللهم رضِّني بقضائك، وبارك لي في قَدَرك؛ حتى لا أحبَّ تعجيل ما أخَّرتَ، ولا تأخير ما عجَّلتَ.

  12. قِيل لِيَحْيَى بْنِ مُعَاذٍ رحمه الله: متى يَبلُغ العبدُ إلى مَقام الرضا؟ فقال: إذا أقام نَفْسَه على أربعة أصول في ما يُعامِل به رَبَّه، فيقول: إن أعطَيْتَني قَبِلْتُ، وإن مَنعْتَني رَضِيتُ، وإن تركتني عبدتُ، وإن دعوتَني أجبتُ[7].

  13. الرضا باللَّه أعلى من الرضا بما مَنَّ اللَّهُ، وليس من شرط الرضا أَنْ لا يُحِسَّ بالْأَلَم والْمَكاره؛ بل أن لا يعترض على الْحُكْم ولا يتسخَّطُه[8].

  14. لا حرج أن يستمتع العبد المؤمن بكل طيِّبات الحياة المباحة، على أن يكون راضيًا أن تُسلب منه، مستعدًّا أن يَنبِذها كلَّها إذا تعارضت مع عقيدته وما يتطلَّبه الرضا بالله ربًّا.

  15. ذاق طعم الإيمان من لم يطلب غير الله تعالى، ولم يشرع في غير طريق الإسلام، ولم يَسلُك إلا ما يوافق شريعة محمدٍ ﷺ ، ولا شكَّ في أن من كانت هذه صفتَه، فقد خلصت حلاوة الإيمان إلى قلبه، وذاق طعمه[9].

  16. من رَضِيَ أمرًا، سَهُل عليه، فكذا المؤمن إذا دخل قلبَه الإيمانُ، سَهُل عليه طاعات الله تعالى، ولذَّت له.

  17. "الرِّضَا جنَّةُ الدنيا ومُستراح العارفين"، يلتذُّ المؤمن بحلاوة الإيمان والرضا، طيِّبَ النفس، مطمئنَّ القلب لكل ما يقدِّره الله تعالى.

  18. وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا = عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ في اللهِ مَصْرَعِي 

  19. وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ = يُبَارِكْ عَلَى أوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

19.   رِضَاكَ خيرٌ من الدنيا وما فيها = يا مالكَ النَّفْسِ قاصِيها ودانِيها

فليس للروح آمالٌ تُحقِّقها = سوى رضاك فذا أقصى أمانيها

فنظرةٌ منك يا سُؤلي ويا أَمَلي = خيرٌ إليَّ من الدنيا وما فيها

المراجع

  1. انظر: "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 182).
  2. "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبيِّ (1/128).
  3. "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبيِّ (1/128).
  4. "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبيِّ (1/128).
  5. "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبيِّ (1/128).
  6. "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبيِّ (1/128).
  7. "لوامع الأنوار البهية" للسفارينيِّ (1/ 359).
  8. "لوامع الأنوار البهية" للسفارينيِّ (1/ 359).
  9. انظر: "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (2/ 446).


  1. مرَّ قوم براهب في دير فقالوا له: متى عيدُ أهل هذا الدير؟ قال: يوم يُغفَر لأهله[1].

  2. قال الحسن البصريُّ: كلُّ يوم لا يُعصى الله فيه فهو عيد، كلُّ يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه، وذِكره، وشكره، فهو له عيدٌ[2].

  3. على المسلم أن يعتزَّ بدينه، ويتعلَّم العلم الشرعيَّ، ويَربَأ بنفسه أن يُظهره أحد من الكفَّار في مظهر من لا يعرف دينه، أو أنه جاهل بدينه.

  4. إن دين الإسلام كامل باشتماله على المبادئ العادلة، والأخلاق الفاضلة، والقيم الكاملة، وعقيدته الصحيحة.

  5. إن دين الإسلام كامل بشمولية أحكامه؛ فهو يهتمُّ بالفرد والجماعة، والرجل والمرأة، والصغير والكبير، والحاكم والمحكوم، والمسلم والكافر.

  6. إن دين الإسلام كامل بشمولية تشريعاته التي تنظِّم علاقة الفرد بكل ما حوله في الكون؛ من حيوان وطير، وبحار وأنهار، وأرض وسماء.

  7. إن دين الإسلام كامل باستيعابه جميع الشعوب والأعراق، وقد ظلَّ الإسلام طوال تاريخه ثابتًا لم يُعانِ من أزمةٍ داخليةٍ بسبب نظرة عنصرية لجنس بشريِّ دون جنس؛ فميزان التفضيل والتكريم ليس بالعرق أو اللون أو الجنس؛ بل بالتقوى فقط

    قال تعالى: 

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ 

    [الحجرات: 13].


  8. إن دين الإسلام كامل بنظرته المتوازِنة بين الدنيا والآخرة؛ فلا رَهْبَنةَ في الإسلام، كما أنه لا انصراف عن الآخرة إلى الدنيا؛ فلكلٍّ منهما شأن.

  9. وَتَنَزَّلَ الْقُرْآنُ يَبْنِي أُمَّةً = حَتَّى أُتِمَّ الدِّينُ وَالْإِنْعَامُيَا سَيِّدَ الْأَحْرَارِ يَا رَأْسَ الْإِبَا = يَا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ تُدَامُأَدَّيْتَ أَمْرَ اللهِ وَحْدَكَ حَامِلًا = أَمْرًا تَنُوءُ بِحِمْلِهِ الْأَعْلَامُ

10.  جـاءَ النَّبِيُّـون بالآيـاتِ فـانصرمت = وجئتَنــا بحــكيمٍ غــيرِ مُنصَـرمِ

آيَاتُــه كلَّمَــا طَـالَ المـدَى جُـدُدٌ = يَــزِينُهنَّ جَــلالُ العِتــق والقِـدمِ

يَكَــادُ فــي لفظــةٍ منـه مشـرَّفةٍ = يـوصِيك بـالحقِّ والتقـوى وبالرَّحِمِ

11.   إسلاَمُنَا كَالضِّيَاءِ الحُرِّ حِينَ رنَا = بِمُقْلَةِ الحَقِّ فَرَّتْ مِنْهُ أَوْهَامُ

مَا عَاشَ في ظِلِّهِ عَبْدٌ لِنزوَتِهِ = وَمَا لِبَاغٍ طَغَى عِزٌ وَأَحْكَامُ

دينُ العَدَالَةِ، والفَارُوقُ أَطْلَقَهَا: = مَا عَادَ في الحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَقْسَامُ

سَاوَى الإلَهُ رُؤُوسَ الخَلْقِ غَيرَ تُقًى = بهِ تَفَاضَلَ مَخْدُومٌ وخُدَّامُ

المراجع

  1. "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 277).
  2. "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 278).


  1. إن الإيمان يَشتمِل على كلِّ الأعمال الصالحة؛ فمهما عَمِلْتَ من عمل صالح، فهو زيادةٌ في إيمانك؛ فبرُّ الوالِدَين من الإيمان، وأداءُ الأمانة من الإيمان، وحُسنُ العهد من الإيمان، وحُسنُ الجِوار من الإيمان، وتوقيرُ الكبير من الإيمان، ورحمةُ الصغير، حتى إطعامُ الطعام وإفشاءُ السلام هو من الإيمان.

  2. على المرء إذا أراد أن يكتمل إيمانه أن يستوفيَ شُعب الإيمان، فيجتهد في الطاعات، ويكون له نصيب من كل طاعة، ويتَّقي المعاصيَ.

  3. إن لم تُحِطْ بحصر أعداد شُعب الإيمان؛ فكلُّها مفصَّلة مُبيَّنة في جُملة الشريعة، فما أُمِرتَ بالعمل به فاعمله، وما نُهيتَ عنه، فانتهِ عنه. 

  4. أوَّل الحياء وأوْلاه: الحياءُ من الله تعالى، وهو ألَّا يراك حيث نَهَاكَ، وذلك لا يكون إلا عن معرفة بالله تعالى كاملةٍ، ومُراقبةٍ له حاصلةٍ، وهي المعبَّر عنها بقوله: «أن تعبُدَ اللهَ كأنَّكَ تراه؛ فإن لم تكُنْ تراه، فإنه يراكَ»[1].

  5. شُعَبُ الإيمان كثيرةٌ، وأعْلى هذه الشُّعبِ وأفضلُ‍ها التوحيد وإخلاصُ العبوديَّةِ لله الحقِّ.

  6. إذا كنتَ أيها المؤمن ستُزيل الأذى من طريق الناس، فعليك أيضًا أن تُزيل الأذى من قلوبهم ونفوسهم وعقولهم، بإبلاغ رسالة ربِّك، ونشر الخير والحقِّ، وإماطة الباطل والأذى.

  7. الحياء هو رأس الفضائل والشِّيم والأخلاق، ودليل الإيمان، وخُلُق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في الحقوق، وهو خُلُق جميل يدعو إلى التحلِّي بالفضائل، والبُعد عن الرذائل.

  8. الحياء خصَّ الله بِهِ الإنسان دون جَمِيع الْحَيَوَان، وهُوَ من أفضل الأخلاق وأجلِّها وأعظمها قدرًا، وأكثرها نفعًا؛ بل هُوَ خَاصَّة الإنسانية، فَمن لَا حَيَاءَ فِيهِ، لَيْسَ مَعَه من الإنسانية إلا اللَّحْم وَالدَّم، وصورتهم الظَّاهِرَة، كَمَا أنه لَيْسَ مَعَه من الْخَيْر شَيْء[2].

  9. وَرُبَّ قبيحةٍ ما حال بَينِي = وبين ركوبها إلَّا الحياءُ

فكان هو الدواءَ لها ولكن = إذا ذهب الحياءُ فلا دواءُ

10.  إِذَا لَمْ تَخْشَ عَاقِبَةَ اللَّيَالِي = وَلَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا تَشَاءُ

      فَلَا وَاللَّهِ مَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ = وَلا الدُّنْيَا إِذَا ذَهَبَ الْحَيَاءُ

المراجع

  1. رواه البخاريُّ (50)، ومسلم (8).
  2. "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/ 277).



  1. عَنْ سُهَيْلٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو صَالِحٍ يَأْمُرُنَا، إِذَا أَرَادَ أَحَدُنَا أَنْ يَنَامَ، أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ»، وَكَانَ يَرْوِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ[1].

  2. قال النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ يَمِينَ اللَّهِ مَلْأَى لا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَمِينِهِ، وَعَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَبِيَدِهِ الأُخْرَى الفَيْضُ - أَوِ القَبْضُ - يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ»[2].

  3. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَـمَّا قَضَى اللهُ الخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي»[3].

  4. الجَنَّة هي البُشرى، وهي دار كرامة الله تعالى ونعيمه لعباده الطائعين، وقد كثُر ذِكرها بأوصافها، وكذا ذِكرُ ما يوصِّل إليها في الكتاب والسُّنة، ومن أهمها طريق العلم. 

  5. لا طريقَ إلى مَعْرِفَةِ اللَّه، وإلى الوصول إلى رضوانِه، والفوز بقربه ومجاورته في الآخرة، إِلَّا بالعِلم النافع الذي بعث اللَّه به رُسُلَه، وأنزل به كُتُبَهُ[4].

  6. بالعلم يُعرَف الله حقَّ المعرفة، وبالعلم يُهْتَدَى فِي ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ وَالشُّبَهِ وَالشُّكُوكِ؛ وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ كِتَابَهُ نُورًا؛ لِأَنَّهُ يُهْتَدَى بِهِ فِي الظُّلُمَاتِ؛

    قَالَ تَعَالَى:

    ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾

    [المائدة: 15 - 16][5].

  7. قال بعض السلف: يا ربِّ، عجبتُ لمَن يَعرِفك كيف يرجو غيرَكَ؟! وعجبتُ لمَن يَعرِفك كيف يَستعين بغيركَ؟![6]

  8. إِذا ما لَم يُفِدكَ العِلمُ خَيرًا = فَخَيرٌ مِنهُ أَن لَو قَد جَهِلتَا

وَإِن أَلقاكَ فَهمُكَ في مَهاوٍ = فَلَيتَكَ ثُمَّ لَيتَكَ ما فَهِمتا

سَتَجني مِن ثِمارِ العَجزِ جَهلاً = وَتَصغُرُ في العُيونِ إِذا كَبُرتا

المراجع

  1. رواه مسلم (2713).
  2. رواه البخاريُّ (7419)، ومسلم (993).
  3. رواه البخاريُّ (3194)، ومسلم (2751).
  4. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 298).
  5. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 298).
  6. انظر: "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 482).


  1. وَمَالله تعالى واسع العطاء، عظيم الجُود، عمَّت نِعَمه سبحانه جميعَ الخلائق، فليس للعباد سواه، ولا نجاةَ لهم إلا بالتعلُّق ببابه، والتزام شَرْعه، وسؤاله العفْوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرة.

  2. لقد خلَق الله تعالى الخلقَ كلَّهم ذوي فَقرٍ إلى الطعام؛ فكلُّ طاعم كان جائعًا حتى يُطعِمه اللهُ بسَوق الرِّزق إليه وتصحيح الآلات التي هيَّأها له، فلا يظُنَّ ذو الثروة أن الرزقَ الذي في يدِه وقد رفَعه إلى فِيه، أطعَمه إيَّاه أحدٌ غير الله تعالى، وفيه أيضًا أدبٌ للفقراء؛ كأنه قال: لا تَطلُبوا الطعام من غيري؛ فإن هؤلاء الذين تَطلبون منهم أنا الذي أُطعمهم، «فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ»، وكذلك الكِساء[1].

  3. الظُّلمُ ظُلماتٌ يومَ الـقيامة، فعلى العبد أن يجتنبه، وألَّا يتلبَّس به أبدًا.

  4. تتَجلَّى محاسنُ الشريعة الإسلاميَّة في أبهى صورها في أمر الله  بالـعدْل حتى مع الطَّائفة التي نختلِف معها اختلافًا يؤدِّي إلى أشدِّ الـبُغض والـكراهية، يفرِض علينا الـقرآنُ الـكريمُ ألَّا يَحمِلنا بُغضُنا لبعض الناس على عدم الـعدل معهم وإعطائهم حقوقَهم؛

    قال تعالى:

    ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾  

    [المائدة: 8].

  5. اللهُ وحْدَه هو الـهادي إلى الطريق الــمستقيم، وهو الذي يُطعِمنا ويَسقينا بحَوْله وقوَّته وحْدَه سبحانه. 

  6. الدعاءُ وسيلةٌ تُحقِّق الآمالَ، فعلى العبد أن يجتهد في الدعاء، وتحرِّي أوقات الإجابة.

  7. مَن أقبلَ على الله في طريق الـهداية أقبَل اللهُ عليه، فهداه ووَقاه من الضَّلال والــمعاصي، ومَن قعَد عن طريق الهداية، وركَن إلى الضلال، لم يَزِدْه اللهُ إلا ضلالًا. 

  8. اللهُ سبحانه خلَق الـخَلْق، وتكفَّل بما يُقيم مصالحهم كافَّةً في الدُّنيا، ومن ذلك الطَّعام والشَّراب والــملْبَس، فعلى العبد أن يعرفَ ذلك لخالقه سبحانه، وأن يديم شُكرَ نِعَمه سبحانه، ويُقبِل عليه بالتزام أمره واجتناب نهيِه. 

  9. حتى الــمَلْبَسُ الذي يواري عَورةَ الإنسان قد تكفَّل اللهُ به؛ فنحن نعيشُ في رِعاية الله، ونفتقرُ دائمًا إلى عنايته؛ في الـهداية إلى طريق الـحقِّ، وفي الــمأكل والــمشرب، وفي الــملبس الذي يستُرُ أجسادنا.

  10. رحمة الله واسعةٌ، وباب التوبة مفتوحٌ لكل مَن تلبَّس بذَنْب مهما عَظُم، فعلى العبد أن يُبادر بالتوبة النصوح إلى الله .

  11. النافع والضارُّ هو اللهُ وحْدَه، فلا يسَعُ المسلمَ إلا أن يطلبَ النَّفْعَ من الله، ويستعين على دفع الضرِّ بمعونته ومدده سبحانه.

  12. طاعة الـعباد لا تَزيد في مُلْك الله شيئًا، ومعصيتهم لا تَنقُص مُلْكَه سبحانه شيئًا كذلك؛ فالله غنيٌّ عن العالمين.

  13. خزائن الله مَلْأى لا تَنفَد أبدًا مهما عظُم عطاء الله لعباده، فعلى المسلم أن يُوسِّع من مسألته لربه، ولا يسأل الله القليلَ، ولا يستعظم على الله خيرًا؛ فإن الله يرزق من يشاء بغير حساب. 

  14. ما من امرئٍ مسلم يسأل الله شيئًا عنده إلا أعطاه إيَّاه، ما لم يدْعُ بإثمٍ، أو قطيعة رَحِم[2]. 

  15. الـفائز مَن وفَّقه الله لطاعته، والـعاجز مَن أتبع نفْسَه هواها، وتمنَّى على الله الأمانيَّ. 

  16. حمْدُ الله على التَّوفيق للطَّاعة واجبٌ، ولَومُ النَّفْس على الـمعصية مِن سمات مَن بَقِيَ في قلبه شيءٌ من الإيمان.

  17. إن الإنسان ضالٌّ إلا من هدى الله، فعليك أن تسأل الله الهداية دائمًا حتى لا تضلَّ.

  18. الدعاءُ سبب لهداية الله للعبد.

  19. اللهُ سبحانه لا تنفعُه طاعةُ المطيعين، ولا تضرُّه معصيةُ العاصين، مع كمال غناه عن خَلقه، فلم يخلقهم ليتقوَّى بهم من ضعف، ولا يتكثَّر بهم من قلَّة؛ بل خَلَقَهم ليعبدوه؛

    قال تعالى:

     ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾  

    [الذاريات:56-58].

20. وَمَأمَا واللَّهِ إنَّ الظُّلمَ لُؤْمٌ = ولكنَّ المسيءَ هو الظَّلُومُ

إلى ديَّانِ يومِ الدِّينِ نمضي = وعندَ اللهِ تَجتَمِعُ الخُصومُ

21.  تَوَقَّ دُعَا المظلومِ إنَّ دعاءَه = لَيُرفَعُ فوقَ السُّحْبِ ثم يُجَابُ

تَوَقَّ دُعا مَن ليس بينَ دعائِه =


المراجع

  1. "شرح الأربعين النووية" لابنِ دقيقِ العيد (ص: 89).
  2. روى مسلم في صحيحه (2735): عن أبي هريرة، عن النبيِّ ﷺ أنه قال: «لا يَزال يُستجاب للعبد، ما لم يدْعُ بإثم أو قطيعة رحِم، ما لم يستعجل». قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: «قد دعوتُ وقد دعوتُ، فلم أرَ يَستجيب لي، فيَستحسر عند ذلك ويدَعُ الدعاء».


  1. إن الله يدعو عبادَه للاجتهاد في الطاعة، والتقرُّب إليه ودعائه، والتوسُّل إليه بأسمائه الحسنى في كل ما يحتاجون إليه. لذا؛ أبهمَ اللهُ تعالى الأسماءَ التسعةَ والتسعين؛ ليجتهِدَ المرء في معرفتها، كما أخْفى ليلةَ القَدْر، وساعةَ الإجابة يومَ الجُمعة.

  2. على المؤمن أن يلجأ إلى الله تعالى في كلِّ ما يصيبه وما يحتاجه، ويختارَ من أسماء الله الحسنى ما يُناسب دعاءَه؛ فيطلُب الرحمةَ باسم الرحمن والرحيم، والمغفرةَ باسم الغفور والغفّار، والرزقَ باسم الرزّاق... وهكذا.

  3. لله سبحانه الأسماءُ الحُسنى والصفات العُلى، من أتى عليها حصرًا وتَعدادًا وعلمًا وفَهمًا وإيمانًا، وعَمِل بمقتضياتها وأحكامها، ودعا اللهَ بها دعاءَ ثَنَاء وعبادة، ودعاءَ طَلَب ومسألة، وذكره وسبَّحه وأثنى بها عليه - استحقَّ بذلك أن يدخل الجنة. 

  4. يُلِمُّ بالمؤمن أيُّ أمر، فيَفِرُّ إلى الله يدعوه بأسمائه الحسنى، إن كان ضِيقًا في الرزق، يَدْعُ ويتضرَّع يُحصي أسماء الله تعالى: يا رزَّاقُ ارزقني، يا واسعُ وسِّع عليَّ، يا باسطُ ابسُطْ رزقي... فلا يجد إلا كريمًا رؤوفًا رحيمًا.

  5. يُذنب المرء فيَفزَع إلى ربِّه، يُهرَع إليه، يرجو رحمته ويخشى عذابه، يدعوه ويتضرَّع إليه ويستغفره، ويُحصي أسماءه الحسنى: يا غفورُ اغفر لي، يا توَّاب تُبْ عليَّ، يا رحيمُ ارحمني... فلا يجد إلا غفورًا رحيمًا رؤوفًا.

  6. يَشعُر المؤمن بالوحشة وقسوة القلب، فيَفِرُّ إلى ربِّه مشتاقًا للخَلْوة بربِّه، والسجود له يدعوه ويتضرَّع إليه: يا قريبُ قرِّبني إليك، يا عفوُّ اعفُ عني، يا رحيمُ ارحمني... فلا يجد إلا ربًّا كريمًا رحيمًا.

  7. أَدْعُوكَ بِالْحُسْنَى مِنَ الأَسْمَا اسْتَجِبْ = أَحْصَيْتُهَا أَأَنَالُ مِنْ نَعْمَاهُ

تِسْعُونَ زَادَتْ تِسْعَةً نُقِشَتْ عَلَى = قَلْبِي وَلَفْظُ اللهِ رُوحِي فِدَاهُ

وَبِهَا أُدَنْدِنُ شَادِيًا مُتَلَهِّفًا = كَالطَّيْرِ يَرْجُو الْقَطْرَ بُلَّ صَدَاهُ

أَيَردُّ جُودُكَ رَاجِيًا مُتَوَسِّلًا = أَحْيَا الدُّجَى يَرْجُوكَ يَا أللهُ

8.  لَكَ الحَمدُ والنَّعْمَاءُ والْمُلكُ رَبَّنا = ولا شَيءَ أعلَى مِنكَ مَجدًا وأمجَدُ

مَلِيكٌ على عَرشِ السَّماءِ مُهيمِنٌ = لِعِزَّتِهِ تَعنُو الوُجُوهُ وَتَسجُدُ

فَسُبحانَ مَنْ لا يَقدُرُ الخلْقُ قَدرَهُ = وَمَنْ هُوَ فَوقِ العَرشِ فَردٌ مُوحَّدُ

ومَنْ لَم تُنَازِعْهُ الخَلائِقُ مُلكَهُ = وَإِن لَم تُفَرِّدهُ العِبَادُ فَمُفرَدُ

مَليكُ السَّمَاوَاتِ الشِّدَادِ وأرضِها = وَلَيسَ بِشَيءٍ عَنْ قَضَاهُ تَأوُّدُ

هُوَ اللهُ بَاري الخلقِ، وَالخَلقُ كُلُّهُم = إِماءٌ لهُ طَوعًا جَمِيعًا وأَعبُدُ

وأنَّى يَكُونُ الخَلقُ كَالخَالِقِ الذِي = يُميتُ ويُحيي دَائبًا لَيسَ يَهمَدُ

9.  يا من له وَجَبَ الكمالُ بذاتِه = فالكُلُّ غايةُ فوزِهم لُقياهُ

أنت الذي لَمَّا تَعَالى جَدُّهُ = قصُرَتْ خُطا الألبابِ دونَ حِماهُ

أنت الذي امتلأَ الوجودُ بحمدِهِ = لَمَّا غدا مَلْآنَ من نُعماهُ

أنت الذي خلقَ الوجودَ بأسرِهِ = من بينِ أَعْلَاهُ إلى أَدْنَاهُ

أنت الذي خَصَّصْتَنا بوجودِنا = أنَتَ الذِي عَرَّفْتَنَا معنَاهُ

سُبْحَانَ مَن ملأَ الوجودَ أدلَّةً = ليلُوحَ ما أخفَى بما أَبْدَاهُ

سُبحانَ مَنْ أحْيَا قلوبَ عبادِهِ = بلوائحٍ من فَيْضِ نورِ هُداهُ

هَلْ بعدَ معرفةِ الإِلَهِ زيادةٌ = إلَّا استدامةُ ما يُديمُ رِضَاهُ

  1. لا تقلق؛ فالله يدبِّر أمرك، واستبشر ولا تحزن؛ فالله عدل في حُكمه.

  2. راقب الله في ليلك ونهارك؛ فهو مطَّلِع عليك في جميع أحوالك.

  3. بالعدل قامت السموات والأرض.

  4. الملائكة يكتبون أعمالك، فاحرص على أن لا يَكتُبوا إلا ما يسرُّك يوم القيامة.

  5. كل إنسان مأخوذٌ بما يعمَل، فلْيحرِص على ما يُنْجيه في الدنيا والآخرة.

  6. قَالَ دَاوُدُ الطَّائِيُّ: إنّما اللّيل والنّهار مراحلُ ينزلها النّاس مرحلةً مرحلةً حتّى ينتهيَ ذلك بهم إلى آخِر سَفَرهم، فإن استطعتَ أن تقدِّم في كلِّ مرحلة زادًا لما بين يديها، فافعل؛ فإنّ انقطاع السَّفَر عن قريب ما هو، والأمر أعجل من ذلك، فتزوَّدْ لسفرك، واقض ما أنت قاضٍ من أمرك، فكأنّك بالأمر قد بَغتُّكَ[1].

  7. سُبْحَانَ مَن ملأَ الوجودَ أدلَّةً = ليلُوحَ ما أخفَى بما أَبْدَاهُ

سُبحانَ مَنْ أحْيَا قلوبَ عبادِهِ = بلوائحٍ من فَيْضِ نورِ هُداهُ

هَلْ بعدَ معرفةِ الإِلَهِ زيادةٌ = إلَّا استدامةُ ما يُديمُ رِضَاهُ

واللهِ لا آوي لغَيْرِك إنَّه = حُرِمَ الُهدَى مَنْ لم تكنْ مأْوَاه

8. يا من يُجيبُ دُعا المضْطرِّ في الظُّلَمِ = يا كاشف الضُّرِّ والبلْوَى مع السَّقَمِ

قد نامَ وَفْدُكَ حولَ البيتِ وانتبَهُوا = وأنت عينُكَ يا قيُّومُ لم تَنَمِ

9. هب لي بجودِكَ فضلَ العفوِ عن جُرُمي = يا من إليه أشارَ الخلقُ في الحرَمِ

إن كانَ عَفْوُكَ لا يُدركْهُ ذو سَرَفٍ = فمن يجودُ على العاصِينَ بالكَرَمِ

10. سبحانَ من يُعطي الْمُنَى بخواطرٍ = في النفسِ لمْ ينطقْ بِهنَّ لسانُ

سبحانَ من لا شيءَ يحجُبُ علمَهُ = فالسرُّ أجمعُ عندهُ إعلانُ

سبحانَ من هُوَ لا يزالُ مُسبَّحًا = أبدًا وليسَ لغيرهِ السُّبحانُ

سبحانَ من تجرِي قضاياهُ علَى = ما شاءَ منهَا غائبٌ وعِيَانُ

سبحانَ من هو لا يزالُ ورزقُهُ = للعالمينَ بهِ عليهِ ضَمانُ

11. ما لِلْعِبَادِ عَلَيْهِ حَقٌّ واجبٌ = كَلَّا ولا سَعْيٌ لَدَيْهِ ضَائِعُ

12. إن عُذِّبُوا فَبِعَدْلِهِ، أو نُعِّمُوا = فَبِفَضْلِهِ، وهو الكريمُ الواسِعُ

13. أَدْعُوكَ بِالْحُسْنَى مِنَ الأَسْمَا اسْتَجِبْ = أَحْصَيْتُهَا أَأَنَالُ مِنْ نَعْمَاهُ

تِسْعُونَ زَادَتْ تِسْعَةً نُقِشَتْ عَلَى = قَلْبِي وَلَفْظُ اللهِ رُوحِي فِدَاهُ

وَبِهَا أُدَنْدِنُ شَادِيًا مُتَلَهِّفًا = كَالطَّيْرِ يَرْجُو الْقَطْرَ بُلَّ صَدَاهُ

أَيَردُّ جُودُكَ رَاجِيًا مُتَوَسِّلًا = أَحْيَا الدُّجَى يَرْجُوكَ يَا أللهُ

المراجع

  1. جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 382).


  1. لقد أَرسَل الله تعالى رسولَه ﷺ إلى الناس كافَّةً، على حين فَتْرةٍ من الرُّسل، فهَدى به إلى أقوم الطُّرق، وأَوضَح السُّبل، وافترض على العباد محبَّتَه وطاعتَه، وتوقيرَه، والقيام بحقوقه، وسَدَّ إلى الجنَّة جميع الطرق، فلم يُفتَح لأحد إلَّا من طريقه، فلا مَطْمَعَ في الفَوز بجزيل الثواب، والنَّجاةِ من وَبِيل العقاب، إلَّا لَمن كان خَلْفَه من السالكين.

  2. قال ﷺ: «لا يؤمنُ أحدُكم حتى يكون هواه تَبَعًا لِما جئتُ به»[1].

  3. قَالَ النَّبِيُّ : «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»[2]. 

  4. قال ﷺ: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا»[3].

  5. لقد آمن المسلمون الأوائل بدليل أخلاقه ﷺ فقط؛ فلم يكن قد نزل القرآن، ولم يروا معجزاتٍ للنبيِّ ﷺ؛ إنما كانت مكارم النبيِّ ﷺ وأخلاقه العظيمة وكماله البشريُّ هو دليلَهم الوحيد لصدق النبيِّ، واستحالة أن يفتريَ الكذب.

  6. لقد امتنَّ الله تعالى على عباده بأن بعث فيهم هذا النبيَّ ﷺ من أنفسهم

قال تعالى:

 لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ

[التوبة : 128].


7. وَنودِيَ (اقْرَأْ) تَعالى اللهُ قائِلُها = لَم تَتَّصِل قَبلَ مَن قيلَت لَهُ بِفَمِ

هُناكَ أَذَّنَ لِلرَحمَنِ فَاِمتَلأَتْ = أَسماعُ مَكَّةَ مِن قُدسِيَّةِ النَّغَمِ

فَلا تَسَلْ عَن قُرَيشٍ كَيفَ حَيْرَتُها = وَكَيفَ نُفرَتُها في السَّهْلِ وَالعَلَمِ

تَساءَلوا عَن عَظيمٍ قَد أَلَمَّ بِهِمْ = رَمى الْمَشايِخَ وَالوِلْدانِ بِاللَّمَمِ

8. أَغَرٌّ عَلَيْهِ لِلنُّبَوَّةِ خَاتَمٌ = مِنَ اللهِ مَيْمُونٌ يَلُوحُ وَيَشْهَدُ

وَضَمَّ الإلهُ اسمَ النَّبيِّ إلى اسْمِهِ = إذا قال فِي الخَمْسِ الْمُؤَذِّنُ: أَشْهَدُ

وَشَقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ = فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ

9. سائِل حِراءَ وَرُوحَ القُدْسِ هَلْ عَلِمَا = مَصُونَ سِرٍّ عَنِ الإِدراكِ مُنكَتِمِ

كَم جَيْئَةٍ وَذَهَابٍ شُرِّفَتْ بِهِما = بَطْحَاءُ مَكَّةَ في الإِصباحِ وَالْغَسَمِ

وَوَحشَةٍ لاِبنِ عَبدِ اللهِ بينَهُما = أَشْهى مِنَ الأُنْسِ بِالأَحسابِ وَالحَشَمِ

يُسَامِرُ الوَحْيَ فيها قَبْلَ مَهْبِطِهِ = وَمَن يُبَشِّرْ بِسيما الخَيْرِ يَتَّسِمِ

إِنَّ الشمائِلَ إِن رَقَّت يَكادُ بِها = يُغرى الجَمادُ وَيُغرى كُلُّ ذي نَسَمِ

10. وَأَحْسَنُ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِي = وَأَجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ

خُلِقْتَ مُبِرَّءًا مِنْ كُلِّ عَيْبٍ = كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَشَاءُ

11. يا جاهِلينَ عَلى الهادي وَدَعوَتِهِ = هَل تَجهَلونَ مَكانَ الصادِقِ العَلَمِ؟!

لَقَّبتُموهُ أَمينَ القَومِ في صِغَرٍ = وَما الأَمينُ عَلى قَولٍ بِمُتَّهَمِ

فاقَ البُدورَ وَفاقَ الأَنبِياءَ فَكَمْ = بِالخُلْقِ وَالخَلْقِ مِن حُسْنٍ وَمِن عِظَمِ

12. لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ الْقُلُوبُ قِفَارٌ؛ = وَبِذِكْرِ الرَّسُولِ تَغْدُو رَبِيعَا؟!

فَصَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ شَذَاهَا = يَكْسِبُ النَّفْسَ رِفْعَةً وَخُشُوعَا

وَسَلَامٌ عَلَى النَّبِيِّ صَدَاهُ = يَجْعَلُ الرُّوحَ كَالشُّمُوسِ طُلُوعَا

13. جاءَ النبِيّونَ بِالآياتِ فَاِنصَرَمَتْ = وَجِئتَنا بِحَكيمٍ غَيرِ مُنصَرِمِ

آياتُهُ كُلَّما طالَ المَدى جُدُدٌ = يَزِينُهُنَّ جَلالُ العِتقِ وَالقِدَمِ

يَكادُ في لَفظَةٍ مِنهُ مُشَرَّفَةٍ = يوصيكَ بِالحَقِّ وَالتقوى وَبِالرحِمِ

14. فَإِذَا بِرَبِّ الْكَوْنِ يُرْسِلُ رَحْمَةً = نُورًا يُبِيدُ الظُّلْمَ ثُمَّ يُدَامُ

كَالْفَجْرِ يَخْرُجُ مِنْ ظَلَامٍ دَامِسٍ = كَالرُّوحِ تُحْيِي الْمَيْتَ وَهْوَ رِمَامُ

وُلِدَ السَّنَا فَالْأَرْضُ ضَاءَتْ وَالسَّمَا = وَالْكُفْرُ بَاكٍ قَدْ أَتَاهُ حِمَامُ

وُلِدَ الْهُدَى فَالْكَوْنُ بُشِّرَ بِالنَّدَى = وَالْحَقُّ بُشْرَاهُ أَتَاهُ غَمَامُ

وُلِدَ النَّصِيرُ لِكُلِّ أَحْرَارِ الْوَرَى = فَبِهِ عَلَا رَأْسَ الطُّغَاةِ رَغَامُ

وُلِدَ الْيَتِيمُ فَعَزَّ وَصْفًا فِي الْوَرَى = فَلْيَفْخَرِ الْمِسْكِينُ وَالْأَيْتَامُ

مَا أَسْعَدَ الدُّنْيَا تَعَاظَمَ فَرْحُهَا! = سَيَظَلُّ يَغْشَى وَجْهَهَا الْإِسْلَامُ

المراجع

  1. أخرجه الخطيب البغدادي في "التاريخ" (4/369)، والبغويُّ في "شرح السنة" (104)، وابن أبي عاصم في "السنة" (15)، وابن بطة في "الإبانة" (1/387)، وقال النوويُّ في "الأربعين": "حديث صحيح، وفيه نعيم بن حماد مختلف فيه".
  2. رواه البخاريُّ (15)، ومسلم (44).
  3. رواه مسلم (34).



  1. النبيُّ ﷺ أَوْلى النّاس بعيسى – عليه السلام - فهو أَخَصُّ النّاس به، وأقربُهم إليه؛ لأنه بشَّر بالنبيِّ ﷺ، وسيتَّبِع شريعة محمد ﷺ  في آخر الزمان، وينصر دينه.

  2. لقد أرسل الله تعالى جميعَ أنبيائه ورسله للدعوة إلى دين واحد، وهو الإسلام، وهم كلُّهم مسلمون، فأصل الدين واحد، وهو التوحيد، وإن اختلفت الشرائع.

  3. الولاية للدين أقوى الولايات، وأولى وأقرب من ولاية النسَب، ولو تعارضت ولاية النسب مع ولاية الدين، فلا اعتبار لولاية النسب؛ قال تعالى لنوح عن ابنه:

    قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ 

    [هود: ٤٦].

  4. حاصل أمر النبوَّة، والغاية القصوى من البَعثة التي بُعث الأنبياء جميعًا لأجلها: دعوة الخلق إلى معرفة الحقِّ، وإرشادهم إلى ما به ينتظم معاشهم، ويَحسُن مَعادُهم، فهم متَّفِقون في هذا الأصل، وإن اختلفوا في تفاريع الشرع التي هي كالوصلة المؤدِّية، والأوعية الحافظة له.

  5.  إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ

    [آل عمران: ١٩]

    لا يقبل الله دينًا غيره من أحد من العالمين، لا من الأوَّلين ولا من الآخرين؛ فإن جميع الأنبياء على دين الإسلام. 

  6. الإسلام يتضمَّن الاستسلامَ لله وحدَه؛ فمَن استسلم له ولغيره كان مشركًا، ومَن لم يستسلم له، كان مستكبِرًا عن عبادته، والمشرك به والمستكبِر عن عبادته كافرٌ، والاستسلامُ له وحْدَه يتضمَّن عبادته وحدَه وطاعته وحدَه، فهذا دين الإسلام الذي لا يَقبل اللهُ غيرَه[1].

  7. لا ينبغي للمؤمنين بعد أن آمنوا بالأنبياء جميعًا أن يشتغلوا بالتفضيل بينهم؛ خَشيةَ الزلل والانتقاص، وقد يجرُّ التفضيل إلى الثَّلْبِ والطعن، وهما من صريح الكفر؛ ولهذا نهى النبيُّ ﷺ أمتَه أن تفضِّله على يونس بن متى[2] – عليه السلام – وهو القائل ﷺ: «سيد ولد آدم ولا فخر»[3].

  8. أَخُوكَ عِيسَى دَعَا ميْتًا فَقَامَ لهُ = وأَنتَ أَحْيَيْتَ أَجْيَالاً مِنَ الـرِّمَمِ

والجـهْلُ مَوْتٌ، فَإِنْ أُوتِيتَ مُعْجِزةً = فـابْعَثْ مِنَ الجَهْلِ، أَوْ فَابْعَثْ مِنَ الرَّجَمِ

9. قدْ جاءَ عيسى إلى التَّوحيدِ يُرْشِدُكمْ = فالنُّورُ هذا هُداهُ لا الدَّياجيرُ

مبشِّرًا بالرسول المصطفى، فإذا = أتى البشيرُ ففي جوِّ الهُدى طِيروا

المراجع

  1. انظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (3/ 91).
  2. رواه البخاريُّ (3215)، ومسلم (6235).
  3. رواه أحمد (10987)، والترمذيُّ (3148)، وابن ماجه (4308)، وصححه الألبانيُّ الصحيحة (1571).



  1. صلَّى الله عليك يا رسول الله، وخاتم الأنبياء، وحبيبَ الحقِّ، ورحمة الله للعالمين؛ بعثك الله لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، وتهديهم إلى الصراط المستقيم، نشهد أنك أدَّيتَ الأمانة، وبلّغت الرسالة.

  2. كانت بَعثةُ رسول الله ﷺ نِعمةً عُظمى من الله - عزَّ وجلَّ - على عباده، فهدى اللهُ به مِن الضلالة، وأرشد به مِن الغَواية، وتمَّ به نورُ الله في العالَمين.

  3. لقد آمن المسلمون الأوائل بدليل أخلاقه ﷺ فقط؛ فلم يكن قد نزل القرآن، ولم يروا معجزات للنبيِّ ﷺ؛ إنما كانت مكارم النبيِّ ﷺ وأخلاقه العظيمة وكماله البشريِّ هو دليلَهم الوحيد لصدق النبيِّ، واستحالة أن يفتريَ الكذب.

  4. كانت السيدة خديجة – رضي الله عنها – زوجه ﷺ أولَ المؤمنين به من البشر على الإطلاق، آمنت به نبيًّا بدليل ما رأته من عظم أخلاقه، وكريم خلاله ومكارمه؛ فعندما رجع إليها من غار حراءَ خائفًا، قالت له: " كَلَّا، واللهِ ما يُخْزِيك الله أبدًا؛ إِنَّك لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ".

  5. أدَّى ﷺ مَهمَّته وواجبه على الوجه الأكمل، فأخرج للبشرية جيلاً فريدًا لم تشهد البشرية - منذ خلق آدم - له مثيلاً، فيما اجتمع فيه من سمات الخير، والنبوغ، والسموِّ، ومظاهر العظمة، حيث علَّمهم النبيُّ ﷺ وأدَّبهم مخاطبًا وِجدانَهم وقلوبهم وعقولهم وضمائرهم، فأخرج منهم شخصياتٍ تمثِّل الإسلام واقعًا يراه الناس، فقد كان همُّه الأول وهدفه الأساس أن يصنع رجالاً، ويبنيَ أمة، ويقيم دولة ترفع راية الإسلام، وكلمة الله.

  6. كان ﷺ أفصحَ خلقِ الله، وأعذبَهم كلامًا، وأسرعَهم أداءً، وأحلاهم مَنْطِقًا، حتى إنَّ كلامه لَيَأْخُذُ بمجامع القلوب، ويَسبي الأرواح، ويشهد له بذلك أعداؤه، وكان إذا تكلَّم، تكلَّم بكلامٍ مُفَصَّلٍ مُبين، يَعُدُّه العادُّ، ليس بهذٍّ مُسْرِعٍ لا يُحفظ، ولا مُنقطِع تخلَّلُه السَّكَتات بين أفراد الكلام؛ بل هديُه فيه أكمل الهدي[1].

  7. لقد امتنَّ الله تعالى على عباده بأن بعث فيهم هذا النبيَّ ﷺ من أنفسهم

    قال تعالى:

    ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾

    [التوبة : 128].

  8. الهجرة وإن انقطعتْ فإن «المهاجر مَن هجَرَ ما نهى اللهُ عنه»؛ كما قال النبيُّ ﷺ.[2].

9. لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ الْقُلُوبُ قِفَارٌ؛ = وَبِذِكْرِ الرَّسُولِ تَغْدُو رَبِيعَا؟!

فَصَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ شَذَاهَا = يَكْسِبُ النَّفْسَ رِفْعَةً وَخُشُوعَا

وَسَلَامٌ عَلَى النَّبِيِّ صَدَاهُ = يَجْعَلُ الرُّوحَ كَالشُّمُوسِ طُلُوعَا

10. فَإِذَا بِرَبِّ الْكَوْنِ يُرْسِلُ رَحْمَةً = نُورًا يُبِيدُ الظُّلْمَ ثُمَّ يُدَامُ

كَالْفَجْرِ يَخْرُجُ مِنْ ظَلَامٍ دَامِسٍ = كَالرُّوحِ تُحْيِي الْمَيْتَ وَهْوَ رِمَامُ

وُلِدَ السَّنَا فَالْأَرْضُ ضَاءَتْ وَالسَّمَا = وَالْكُفْرُ بَاكٍ قَدْ أَتَاهُ حِمَامُ

وُلِدَ الْهُدَى فَالْكَوْنُ بُشِّرَ بِالنَّدَى = وَالْحَقُّ بُشْرَاهُ أَتَاهُ غَمَامُ

وُلِدَ النَّصِيرُ لِكُلِّ أَحْرَارِ الْوَرَى = فَبِهِ عَلَا رَأْسَ الطُّغَاةِ رَغَامُ

وُلِدَ الْيَتِيمُ فَعَزَّ وَصْفًا فِي الْوَرَى = فَلْيَفْخَرِ الْمِسْكِينُ وَالْأَيْتَامُ

مَا أَسْعَدَ الدُّنْيَا تَعَاظَمَ فَرْحُهَا! = سَيَظَلُّ يَغْشَى وَجْهَهَا الْإِسْلَامُ

المراجع

  1. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (1/ 175).
  2. رواه البخاريُّ (10)، ومسلم (40).


  1. لا تقدِّم قول أحدٍ من البشر على قول النبيِّ .

  2. إن اتِّباع سنَّة محمد هو سبيل الهداية التي يرضاها الله.

  3. اصْبِر نفسك على السُّنّة، وقِفْ حيث وقف القوم، واسلُك سبيل سَلَفك الصّالح، فإنّه يَسَعُكَ ما وَسِعهم[1].

  4. السنَّة إما أنْ تؤكِّد ما جاء في القرآن، أو تُبيِّنه، أو تستقلُّ بتأسيس أحكام لم تُذكَر في القرآن.

  5. لقد حذَّر الله تعالى من مخالفة طريقة رسوله وسيرته ومنهجه؛ فقال:

    فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 

    [النــور: 63].

  6. إن أشرَ النعمة، وبطرَ الحشمة، يحمل الإنسانَ على الخَوض فيما لا يَعلَمه، والدفاع لما لا يُريده، مُتسَتِّرًا في ذلك بتعظيم القرآن، وهذه ادِّعاءات عُرفت في الإسلام قديمًا وحديثًا عن علماء السوء وولاة الجَوْر[2].

  7. وكُنْ لسُنَّةِ خَيْرِ الخَلْقِ مُتَبِعًا = فإنَّها لنَجَاةِ الْعَبْدِ عُنْوَانُ

فَهْوَ الَّذِي شَمِلَتْ لِلْخَلْقِ أُنْعُمُهُ = وَعَمَّهُمْ مِنْهُ فِي الدَّارَيْنِ إِحْسَانُ

وَمُذْ أَتَى أَبْصَرَتْ عُمْيُ الْقُلُوبِ بِهِ = سُبْلَ الهُدَى وَوَعَتْ لِلْحَقِّ آذَانُ

يَا رَبِّ صَلِّ عَلَيْهِ مَا هَمَى مَطَرٌ = فَأَيْنَعَتْ مِنْهُ أَوْرَاقٌ وَأَغْصَانُ

وَابْعَثْ إِلَيْهِ سَلَامًا زَاكِيًا عَطِرًا = وَالْآلِ وَالصَّحْبِ لَا تُفْنِيهِ أَزْمَانُ

8. ونُصوصُهُ ليست تُعارِضُ بعضُها = بعضًا فَسَلْ عنها عليمَ زمانِ

وإذا ظننتَ تعارُضًا فيها فذا = مِنْ آفةِ الأفهامِ والأذهانِ

أو أنْ يكونَ البعضُ ليس بثابتٍ = ما قالَهُ المبعوثُ بالقرآنِ

المراجع

  1. "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم (4/ 116).
  2. "الميسر في شرح مصابيح السنة" للتوربشتي (1/ 87).


  1. قال ﷺ: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا»[1].

  2. قال رسول الله ﷺ: «أنا أَوْلى الناس بعِيسى بنِ مَريمَ في الدنيا والآخرةِ» [2]. فإنهﷺ أَخَصُّ النّاس به، وأقربُهم إليه؛ لأنه بشَّر بالنبيِّ ﷺ، وسيتَّبِع شريعة محمد ﷺ  في آخر الزمان، وينصر دينه.

  3.  إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ

    [آل عمران: ١٩]

    لا يَقبَل الله دينًا غيره من أحد من العالمين، لا من الأوَّلين ولا من الآخرين. 

  4. الإسلام يتضمَّن الاستسلامَ لله وحدَه؛ فمَن استسلم له ولغيره كان مشركًا، ومَن لم يستسلم له، كان مستكبِرًا عن عبادته، والمشرك به والمستكبِر عن عبادته كافرٌ، والاستسلامُ له وحْدَه يتضمَّن عبادته وحدَه وطاعته وحدَه، فهذا دين الإسلام الذي لا يَقبل اللهُ غيرَه[3].

  5. سُبحَانَ من بدليلِ الوحْي زادَ هُدًى = مَنِ اهتدَى بدليلِ العقل والفَهَمِ

سُبحَانَ من شاء إمدادَ العقولِ بما = أوحَى إلى رُسْلِه في الأعصُرِ القِدَمِ

سُبحَانَ من تَـمَّم الحُسْنَ بخاتَمِهم = محمَّدٍ خيرِ مبعوثٍ ومُخْتَتَمِ

6. أَخُوكَ عِيسَى دَعَا ميْتًا فَقَامَ لهُ = وأَنتَ أَحْيَيْتَ أَجْيَالًا مِنَ الـرِّمَمِ

والجـهْلُ مَوْتٌ، فَإِنْ أُوتِيتَ مُعْجِزةً = فـابْعَثْ مِنَ الجَهْلِ، أَوْ فَابْعَثْ مِنَ الرَّجَمِ

7. قدْ جاءَ عيسى إلى التَّوحيدِ يُرْشِدُكمْ = فالنُّورُ هذا هُداهُ لا الدَّياجيرُ

مبشِّرًا بالرسول المصطفى، فإذا = أتى البشيرُ ففي جوِّ الهُدى طِيروا

8. وكُنْ لسُنَّةِ خَيْرِ الخَلْقِ مُتَبِعًا = فإنَّها لنَجَاةِ الْعَبْدِ عُنْوَانُ

فَهْوَ الَّذِي شَمِلَتْ لِلْخَلْقِ أَنْعُمُهُ = وَعَمَّهُمْ مِنْهُ فِي الدَّارَيْنِ إِحْسَانُ

وَمُذْ أَتَى أَبْصَرَتْ عُمْيُ الْقُلُوبِ بِهِ = سُبْلَ الهُدَى وَوَعَتْ لِلْحَقِّ آذَانُ

يَا رَبِّ صَلِّ عَلَيْهِ مَا هَمَى مَطَرٌ = فَأَيْنَعَتْ مِنْهُ أَوْرَاقٌ وَأَغْصَانُ

وَابْعَثْ إِلَيْهِ سَلَامًا زَاكِيًا عَطِرًا = وَالْآلِ وَالصَّحْبِ لَا تُفْنِيهِ أَزْمَانُ

المراجع

  1. رواه مسلم (34).
  2. رواه البخاريُّ (3443)، ومسلم (2365).
  3. انظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (3/ 91).



  1. من لم يجرِّد محبَّته خالصة لله ورسوله، فحقَّ عليه الوعيد الشديد

    ﴿ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾

    [التوبة: 24]

     فإما التجرُّد، وإما الانسلاخ من الإيمان، أو الانسلاخ من اكتمال الإيمان؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»[1].

  2. محبَّةُ الله ورسوله نِعمةٌ لا تُعادلها نعمةٌ، وشرفٌ لا يُدانيه شرفٌ، يَصِل بها العبد الصالح إلى أعالي الجنان، وصُحبة النبيِّين والأخيار.

  3. عن أبي أُمَامَةَ عن رسول الله ﷺ أنه قال: «مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ»[2].

  4. الإخلاص لله شرط قبول الأعمال، فمَن أحبَّ إنسانًا لعرَضٍ زائل لن يجد بذلك حلاوة الإيمان؛ بل صار هذا الحبُّ عليه، لا له.

  5. الولاء لله ورسوله وللمؤمنين، والبراءة من الكفر والكافرين، دليلُ صِدق الإيمان وسبيل تذوُّق حلاوته.

  6. المحبة الخالصة الصادقة توجب الطاعة والاتِّباع؛ فمن ادَّعى حبَّ الله ورسوله وهو عاصٍ، فهو كاذب في دعواه.

  7. علامة محبَّته ﷺ امتثال أوامره واجتناب نواهيه، واتِّباع سنَّته، والاقتداء به، والتأدُّب بآدابه. 

  8. يكون حبُّ المؤمن لأيِّ إنسان على قدر طاعته، فلا يحبُّه إلا لله.

  9. حقيقة الحب في الله: ألَّا يَزيدَ بالبِرِّ ولا يَنقُصَ بالجفاء[3].

  10. محبَّة المؤمن وظيفةٌ متعيِّنة على الدوام، وُجِدت الأغراض أو عُدِمت، ولما كانت المحبَّة للأغراض هي الغالبةَ، قلَّ وِجدان تلك الحلاوة؛ بل قد انعدم، لا سيَّما في هذه الأزمان التي قد انْمَحى فيها أكثرُ رسوم الإيمان[4].

  11. كَيْفَ يَنْسَى الْمُحِبُّ ذِكْرَ حَبِيبٍ = اسْمُهُ فِي فُؤَادِهِ مَكْتُوبُ

  12. تَعصي الإِلَهَ وَأَنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ = هَذا مُحَالٌ في القِياسِ بَديعُ

لَو كانَ حُبُّكَ صادِقًا لَأَطَعتَهُ = إِنَّ الْمُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ

في كُلِّ يَومٍ يَبْتَديكَ بِنِعمَةٍ = مِنهُ وَأَنتَ لِشُكرِ ذاكَ مُضيعُ

13. يُعَادِي الَّذِي عَادَى مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ = جَمِيعًا وَلَوْ كَانَ الْحَبِيبَ الْمُصَافِيَا

14. إِذَا شِئْتَ أَنْ تُدْعَى كَرِيمًا مُهَذَّبًا = تَقِيًّا سَرِيًّا مَاجِدًا فَطِنًا حُرَّا

فَكُنْ مُخْلِصًا للهِ جَلَّ جَلالُهُ = وَكَنْ تَابِعًا لِلْمُصْطَفَى تُحْرِزِ الأَجْرَا

15. حَوَاليَّ فضلُ اللهِ من كلِّ جانبٍ = ونورٌ من الرحمنِ يفترشُ السَّمَا

وفي القَلْبِ إشراقُ المحبِّ بوصْلهِ = إذا قاربَ البُشْرى وجازَ إلى الحِمَى

حواليَّ إيناسٌ من اللهِ وحدَهُ = يطالِعُنِي في ظُلمةِ القبرِ أنجُما

المراجع

  1. رواه البخاريُّ (15)، ومسلم (44).
  2. رواه أبو داود (4681)، وصحَّحه الألبانيُّ في "الصحيحة" (380).
  3. انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجرٍ العسْقلاني (1/ 62).
  4. "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" لأبي العباس القرطبي (1/ 215).



  1. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قال: "إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمَّدٍ خيرَ قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمَّد، فوجد قلوبَ أصحابه خيرَ قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيِّه، يقاتلون على دينه"[1].

  2. أحقُّ الناس بحبِّ المؤمن بعد الله ورسوله الصحابةُ رضي الله عنهم؛ فحبُّهم دين وإيمان، وهم صفوة الخلق بعد النبيِّين عليهم السلام.

  3. قال عبد الله بن عُمَرَ رضي الله عنهما: "من كان مُسْتنًّا فليستنَّ بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد ﷺ، كانوا خيرَ هذه الأمَّة، أَبَرَّها قلوبًا، وأعمقَها عِلمًا، وأقلَّها تكلُّفًا، قوم اختارهم الله لصُحبة نبيِّه ﷺ، ونقل دينه، فتشبَّهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمَّد ﷺ كانوا على الهُدى المستقيم"[2].

  4. قال بعض القوم للحسن البصريِّ - رحمه الله -: أَخبِرْنا صفةَ أصحاب رسول الله ﷺ، فبكى، وقال: "ظَهَرت منهم علاماتُ الخَير في السِّيما والسَّمْتِ والهُدى والصِّدق، وخشونةِ ملابسهم بالاقتصاد، ومَمشاهم بالتواضُع، ومَنطِقهم بالعمل، ومَطعَمِهم ومَشرَبِهم بالطِّيب من الرزق، وخُضوعهم بالطاعة لربِّهم تعالى، واستقادتهم للحقِّ فيما أحبُّوا وكَرِهوا، وإعطائهم الحقَّ من أنفسهم، ظَمِئت هَوَاجِرُهم، ونَحَلَت أجسامهم، واستخفُّوا بسُخْط المخلوقين في رضى الخالق، لم يفرِّطوا في غَضَب، ولم يَحِيفوا في جَور، ولم يجاوزوا حكم الله تعالى في القرآن، شَغَلوا الأَلْسُن بالذِّكر، بذلوا دماءهم حين استنصرهم، وبَذَلوا أموالهم حين استقرَضَهم، ولم يَمنَعْهم خوفُهم من المخلوقين، حَسُنت أخلاقُهم، وهانت مُؤْنتهم، وكفاهم اليسيرُ من دنياهم إلى آخرتهم"[3].

  5. قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما -: "قاموا بمعالم الدين، وناصحوا الاجتهاد للمسلمين، حتى تهذَّبت طُرُقُه، وقَوِيت أسبابه، وظَهَرت آلاء الله، واستقرَّ دينه، ووَضَحت أعلامه، وأذلَّ الله بهم الشِّرك، وأزال رؤوسه، ومحا دعائمه، وصارت كلمةُ الله هي العُليا، وكلمةُ الذين كفروا السُّفلى، فصلوات الله ورحمته وبركاته على تلك النفوس الزاكية، والأرواحِ الطاهرة العالية، فقد كانوا في الحياة لله أولياءَ، وكانوا بعد الموت أحياءً، وكانوا لعباد الله نُصَحَاءَ، رحلوا إلى الأخرى قبل أن يصلوا إليها، وخرجوا من الدنيا وهم بَعْدُ فيها"[4]. 

6.   إنّ الذوائبَ منْ فِهْرٍ وإخْوَتهمْ = قدْ بيَّنُوا سُنَّةً للنَّاسِ تُتَّبَعُ يَرْضَى بهَا كُلُّ مَن كانَتْ سرِيرَتُهُ = تَقْوى الإلهِ وبالأمرِ الذي شَرَعَواقومٌ إذا حاربوا ضَرُّوا عَدُوَّهُمُ = أوْ حاوَلُوا النَّفْعَ في أشياعِهِمْ نَفَعُوا سَجَيَّةٌ تلكَ منهمْ غيرُ محدَثةٍ = إنَّ الخلائِقَ، فاعلَمْ، شَرُّها البِدَعُ

لا يَرْقَعُ النّاسُ ما أوْهَتْ أكفُّهُمُ = عندَ الدِّفاعِ، ولا يوهونَ ما رَقَعواإنْ كان في الناس سَبَّاقُونَ بَعْدَهُمُ = فكُلُّ سَبْقٍ لأدنى سَبْقِهِمْ تَبَعُولا يَضَنُّونَ عَنْ مَوْلًى بِفَضْلِهِمِ = وَلا يُصِيبُهُمُ في مَطْمَعٍ طَبَعُلا يَجهَلونَ، وإن حاولتَ جَهْلَهمُ = في فضلِ أحلامهمْ عن ذاكَ مُتَّسَعُ أعِفّةٌ ذُكِرَتْ في الوَحْيِ عِفَّتُهُمْ = لا يَطْمَعُونَ، ولا يُرْديهمُ الطَّمَعُ كَمْ من صَدِيقٍ لهمْ نالوا كرامتَهُ = ومِنْ عَدُوٍّ عَليهمْ جاهِدٍ جَدَعوا أَعَطَوْا نبيَّ الهُدى والبِرِّ طاعتَهمْ = فمَا وَنَى نَصْرُهُمْ عنْهُ وَما نَزَعُوا إن قالَ: سيروا، أَجَدُّوا السَّيْرَ جُهْدَهُمُ = أوْ قال: عُوجُوا عَلَيْنَا ساعةً، رَبَعُوا

7.   وبعدُ فإنَّ للأصحاب جَزْمًا = فَضَائلَ جَمَّةً ثَبَتَتْ يَقِيَنا فَقَدْ كانوا بنَصِّ الوَحْيِ عَوْنًا = لِخَيْرِ الخَلْقِ أيضًا ناصِرينَا وهم وُزَرَاءُ أَحْمَدَ خَيْرُ صَحْبٍ = وما غَفَلوا عن الخَيْراتِ حِينَا وقَدْ عَبَدُوا الإلهَ الحقَّ صِدْقًا = فكانوا مخلِصينَ ومُخلَصينَا وقَدْ لَبِسُوا التُّقَى ثَوْبًا جَمِيلًا = فَصُاروا قُدْوَةً للصَّالحينَا

8.   فَعَلى الرَّسُولِ وآلِه وصِحَابِه = مِنِّي السلامُ بكُلِّ حُبٍّ مُسْعِدِ هم صَفْوَةُ الأقوام فاعْرِفْ قَدْرَهُمْ = وعلى هُداهم يا مُوَفَّقُ فاهْتَدِ واحْفَظْ وَصِيَّةَ أَحْمَدٍ في صَحْبِهِ = واقطَعْ لأجْلِهمُ لسانَ الْمُفْسِدِ عِرضي لعِرْضِهمُ الفداءُ وإنَّهمْ = أزكى وأطْهَرُ مِنْ غَمَامٍ أَبْرَدِ فاللهُ زكَّاهُمْ وشَرَّفَ قَدْرَهمْ = وأَحَلَّهُمْ بالدِّينِ أعلى مَقْعَدِ شَهِدوا نُزولَ الوَحْيِ بَلْ كانوا لَهُ = نِعْمَ الحُمَاةُ منَ البَغِيضِ الْمُلْحِدِ بَذَلُوا النُّفُوسَ وأرْخَصُوا أموالَهم = في نُصْرةِ الإسلامِ دُونَ تَرَدُّدِ ما سَبَّهُمْ إلَّا حَقِيرٌ تافِهٌ = نذْلٌ يُشَوِّهُهم بحِقْدٍ أَسْودِ لَغُبَارُ أقدامِ الصَّحَابةِ في الرَّدى = أَغْلى وأَعْلى مِن جَبِينِ الأبْعَدِ ما نَالَ أَصْحَابَ الرَّسُولِ سِوَى امْرئٍ = تَمَّتْ خَسَارتُه لسُوءِ الْمَقْصِدِ

9.   وَقَدْ رَضِيَ الإلهُ الحقُّ عنهمْ = فكانوا في القيامةِ فائزينَا وهُمْ حَقًّا وُعَاةُ العِلْمِ كانوا = وهم صِدْقًا نُجُومُ السَّالِكينَا وأَوْصَانَا النَّبِيُّ بهم جَمِيعًا = وحَرَّمَ سَبَّهُمْ وتَلا اليَمِينَا وأَعْقَبَهُ بأنَّ لهم مَقَامًا = وَلَنْ يَرقاه خَيْرُ الْمُنْفِقِينَا

المراجع

  1. رواه أحمدُ (3600)، وحسَّنه الألبانيُّ في "تخريج الطحاوية" (ص:530).
  2. رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/305-306).
  3. رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (2/ 150).
  4. "مروج الذهب" للمسعوديِّ (1/ 371).



  1. أحقُّ الناس بحبِّ المؤمن بعد الله ورسوله الصحابةُ رضى الله عنهم ؛ فحبُّهم دين وإيمان، وهم صفوة الخلق بعد النبيِّين عليهم السلام.

  2. عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه : قال: "إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمَّدٍ خيرَ قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمَّد، فوجد قلوبَ أصحابه خيرَ قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيِّه، يقاتلون على دينه"[1].

  3. قال عبد الله بن عُمَرَ رضي الله عنهما: "من كان مُسْتنًّا فليستنَّ بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد ﷺ، كانوا خيرَ هذه الأمَّة، أَبَرَّها قلوبًا، وأعمقَها عِلمًا، وأقلَّها تكلُّفًا، قوم اختارهم الله لصُحبة نبيِّه ﷺ، ونقل دينه، فتشبَّهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمَّد ﷺ كانوا على الهُدى المستقيم"[2].

  4. قال بعض القوم للحسن البصريِّ - رحمه الله -: أَخبِرْنا صفةَ أصحاب رسول الله ﷺ، فبكى، وقال: "ظَهَرت منهم علاماتُ الخَير في السِّيما والسَّمْتِ والهُدى والصِّدق، وخشونةِ ملابسهم بالاقتصاد، ومَمشاهم بالتواضُع، ومَنطِقهم بالعمل، ومَطعَمِهم ومَشرَبِهم بالطِّيب من الرزق، وخُضوعهم بالطاعة لربِّهم تعالى، واستقادتهم للحقِّ فيما أحبُّوا وكَرِهوا، وإعطائهم الحقَّ من أنفسهم، ظَمِئت هَوَاجِرُهم، ونَحَلَت أجسامهم، واستخفُّوا بسُخْط المخلوقين في رضى الخالق، لم يفرِّطوا في غَضَب، ولم يَحِيفوا في جَور، ولم يجاوزوا حكم الله تعالى في القرآن، شَغَلوا الأَلْسُن بالذِّكر، بذلوا دماءهم حين استنصرهم، وبَذَلوا أموالهم حين استقرَضَهم، ولم يَمنَعْهم خوفُهم من المخلوقين، حَسُنت أخلاقُهم، وهانت مُؤْنتهم، وكفاهم اليسيرُ من دنياهم إلى آخرتهم"[3].

  5. قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما – يصف الصحابة: "قاموا بمعالم الدين، وناصحوا الاجتهاد للمسلمين، حتى تهذَّبت طُرُقُه، وقَوِيت أسبابه، وظَهَرت آلاء الله، واستقرَّ دينه، ووَضَحت أعلامه، وأذلَّ الله بهم الشِّرك، وأزال رؤوسه، ومحا دعائمه، وصارت كلمةُ الله هي العُليا، وكلمةُ الذين كفروا السُّفلى، فصلوات الله ورحمته وبركاته على تلك النفوس الزاكية، والأرواحِ الطاهرة العالية، فقد كانوا في الحياة لله أولياءَ، وكانوا بعد الموت أحياءً، وكانوا لعباد الله نُصَحَاءَ، رحلوا إلى الأخرى قبل أن يصلوا إليها، وخرجوا من الدنيا وهم بَعْدُ فيها"[4]. 

  6. قال أبو بكر الصِّديق رضي الله عنه: "أصدقُ الصِّدق الأمَانَةُ، وأكذبُ الكَذِبِ الخيانة"[5].

  7. قال ابن أبي نجيح: "لَمَّا أُتِي عمرُ بتاج كسرى وسِواريْهِ، جعل يقلِّبه بعُود في يده ويقول: والله إنَّ الذي أدَّى إلينا هذا لأمينٌ. فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أنت أمينُ الله، يؤدُّون إليك ما أدَّيت إلى الله، فإذا رَتَعت رتعوا. قال: صدقت"[6].

  8. قال الشَّافعيُّ: "آلاتُ الرِّياسة خمس: صِدقُ اللَّهجة، وكتمان السِّرِّ، والوفاء بالعهد، وابتداء النَّصيحة، وأداء الأمَانَة"[7]. 

  9. قال ابن أبي الدُّنْيا: "الدَّاعي إلى الخيانة شيئان: المهانةُ وقلَّة الأمَانَة، فإذا حسَمَهما عن نفسه بما وصفت، ظهرت مروءته"[8].

  10. وبعدُ فإنَّ للأصحابِ جَزْمًا = فضائلَ جمةً ثَبَتت يقينا

فقد كانوا بنصِّ الوحيِ عَوْنًا = لخيْرِ الخَلْقِ أيضًا ناصرينَ

وهم وزراءُ أحمدَ خيرُ صَحْبٍ = وما غَفَلوا عن الخيرات حِينا

وقد عَبَدوا الإلهَ الحقَّ صِدقًا = فكانوا مخلِصين ومخلَصينَ

وقد لَبِسُوا التُّقى ثوبًا جميلًا = فصاروا قُدْوةً للصالحينَ

وقد حَمَلوا السُّيوف على الأعادي = فكانوا أُسوةً للفاتحينَ

أشدَّاءً على الكفَّار كانوا = وكان جهادُهم لله دينَا

وقد رَضِيَ الإلهُ الحقُّ عنهمْ = فكانوا في القيامة فائزين

وهم حقًّا وُعاةَ العلم كانوا = وهم صِدقًا نُجُومُ السالكينَ

11. أعِفَّة ٌ ذُكِرَتْ في الوَحيِ عِفَّتُهُمْ = لا يَطْمَعونَ، ولا يُرْديهمُ الطَّمَعُ

كم من صديقٍ لهمْ نالوا كرامتَهُ = ومِنْ عَدُوٍّ عَليهم جاهدٍ جَدَعوا

أعطَوْا نبيَّ الهدى والبرِّ طاعتَهمْ = فمَا وَنَى نَصْرُهُمْ عنْهُ وَما نَزَعُوا

أكرِمْ بقومٍ رسولُ اللهِ شِيعتُهمْ = إذا تفرَّقَتِ الأهْوَاءُ والشِّيَعُ

12. إنّ الذوائبَ منْ فِهْرٍ وإخْوَتهمْ = قدْ بيَّنُوا سُنَّةً للنَّاسِ تُتَّبَعُ

يَرْضَى بهَا كُلُّ مَن كانَتْ سرِيرَتُهُ = تَقْوى الإلهِ وبالأمرِ الذي شَرَعَوا

قومٌ إذا حاربوا ضَرُّوا عَدُوَّهُمُ = أوْ حاوَلُوا النَّفْعَ في أشياعِهِمْ نَفَعُوا

سَجَيَّةٌ تلكَ منهمْ غيرُ محدَثةٍ = إنَّ الخلائِقَ، فاعلَمْ، شَرُّها البِدَعُ

لا يَرْقَعُ النّاسُ ما أوْهَتْ أكفُّهُمُ = عندَ الدِّفاعِ، ولا يوهونَ ما رَقَعوا

إنْ كان في الناس سَبَّاقُونَ بَعْدَهُمُ = فكُلُّ سَبْقٍ لأدنى سَبْقِهِمْ تَبَعُ

ولا يَضَنُّونَ عَنْ مَوْلًى بِفَضْلِهِمِ = وَلا يُصِيبُهُمُ في مَطْمَعٍ طَبَعُ

لا يَجهَلونَ، وإن حاولتَ جَهْلَهمُ = في فضلِ أحلامهمْ عن ذاكَ مُتَّسَعُ

أعِفّةٌ ذُكِرَتْ في الوَحْيِ عِفَّتُهُمْ = لا يَطْمَعُونَ، ولا يُرْديهمُ الطَّمَعُ

كَمْ من صَدِيقٍ لهمْ نالوا كرامتَهُ = ومِنْ عَدُوٍّ عَليهمْ جاهِدٍ جَدَعوا

أَعَطَوْا نبيَّ الهُدى والبِرِّ طاعتَهمْ = فمَا وَنَى نَصْرُهُمْ عنْهُ وَما نَزَعُوا

أكرِمْ بقومٍ رسولُ اللهِ شِيعتُهمْ = إذا تفرَّقَتِ الأهْوَاءُ والشِّيَعُ

13. فَعَلى الرَّسُولِ وآلِه وصِحَابِه = مِنِّي السلامُ بكُلِّ حُبٍّ مُسْعِدِ

هم صفوة الأقوام فاعْرِفْ قدرَهم = وعلى هُداهم يا موفَّقُ فاهتدِ

واحفظْ وصيَّةَ أحمدٍ في صَحْبِه = واقطعْ لأجْلِهمُ لسانَ الْمُفْسِدِ

عِرضي لعِرضهمُ الفداءُ وإنَّهم = أزكى وأطْهرُ منْ غَمامٍ أبردِ

فاللهُ زكّاهمْ وشرَّفَ قدْرَهمْ = وأحلَّهمْ بالدِّينِ أعلى مقْعَدِ

شهِدوا نزولَ الوحيِ بلْ كانوا لهُ = نِعْمَ الحُماةُ منَ البَغيضِ الْمُلْحِدِ

بَذَلوا النفوسَ وأرْخصوا أموالَهم = في نُصرةِ الإسلامِ دونَ تردُّدِ

ما سَبَّهُمْ إلَّا حَقِيرٌ تافِهٌ = نذْلٌ يُشَوِّهُهم بحِقْدٍ أَسْودِ

لَغُبَارُ أقدامِ الصَّحَابةِ في الرَّدى = أَغْلى وأَعْلى مِن جَبِينِ الأبْعَدِ

ما نَالَ أَصْحَابَ الرَّسُولِ سِوَى امْرئٍ = تَمَّتْ خَسَارتُه لسُوءِ الْمَقْصِدِ

14. وَقَدْ رَضِيَ الإلهُ الحقُّ عنهمْ = فكانوا في القيامةِ فائزينَ

وهُمْ حَقًّا وُعَاةُ العِلْمِ كانوا = وهم صِدْقًا نُجُومُ السَّالِكينَ

وأَوْصَانَا النَّبِيُّ بهم جَمِيعًا = وحَرَّمَ سَبَّهُمْ وتَلا اليَمِينَ

وأَعْقَبَهُ بأنَّ لهم مَقَامًا = وَلَنْ يَرقاه خَيْرُ الْمُنْفِقِينَ

15. إنَّ الوفاءَ على الكريمِ فريضةٌ = واللُّؤْمُ مقرونٌ بذي الإخلافِ

وترى الكريمَ لِمَن يُعاشرُ مُنْصِفًا = وترى اللئيمَ مُجانِبَ الإنصافِ

16. لَشَتَّانَ مَن يدعو فيوفِي بعَهْدِه = ومَن هُوَ للعهدِ المؤكَّدِ خالِعُ

17. ذَهَب الوفاءُ ذَهَابَ أمسِ الذاهبِ = فالنَّاسُ بين مخاتِلٍ وموارِبِ

يَغْشَوْنَ بينهم المودَّةَ والصَّفَا = وقلوبُهم محشوَّةٌ بعقاربِ

18. مات الوفاءُ فلا رِفْدٌ ولا طَمَعُ = في النَّاسِ لم يبقَ إلا اليأسُ والجَزَعُ

فاصبرْ على ثقةٍ باللهِ وارضَ به = فاللهُ أكرمُ مَن يُرجى ويُتَّبَعُ

المراجع

  1. رواه أحمدُ (3600)، وحسَّنه الألبانيُّ في "تخريج الطحاوية" (ص:530).
  2. رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/305-306).
  3. رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (2/ 150).
  4. "مروج الذهب" للمسعوديِّ (1/ 371).
  5. رواه البيهقيُّ في "السنن الكبرى" (13009).
  6. "عيون الأخبار" لابن قتيبة (1/115).
  7. "سير أعلام النبلاء" للذهبيِّ (19/30).
  8. "أدب الدنيا والدين" للماوَرْديِّ (ص: 333).