1. إن لله تعالى نَفَحاتٍ، فقد اختار سبحانه من الأوقات والأماكن، وجعل اغتنامَها من الفَوز العظيم والفلاح الْمُبين، وهذا مما يُحفِّز الإنسانَ على العمل، فينبغي للمؤمن أن يغتنم هذه النَّفَحاتِ.

2. إن الله تعالى أخفى ليلة القَدْر حتى يجتهد المؤمن في جميع الليالي، وكذلك أخفى ساعة الإجابة يوم الجُمُعة، والوقت الذي ينزل الله عز وجل فيه إلى السماء الدنيا، وهذا النبيُّ ﷺ كان يجتهد في العَشْر ما لا يجتهد في غيرها؛ فهَلُمَّ إلى اغتنام نفحات الله تعالى.

3. أمامك طريقان لتنال غفران الله؛ أحدهما فيه مشقَّة لا تخلو عن لذَّة الطاعة والقُرب من الله تعالى، بقيام ليالي رمضانَ كلِّها. والآخَر: يسير، وهو الاقتصار على قيام ليلة القدر وتحرِّيها، فالأول يقين، والآخر مَبْناه على الظنِّ والتَّخْمِين، فأيَّهما تختار: الظنَّ أم اليقين؟

4. إن كلَّ عمل لابدَّ له من مبدأ وغاية، فلا يكون العمل طاعةً وقُربة حتى يكون مصدرُه عن الإيمان، فيكون الباعثُ عليه هو الإيمانَ الْمَحْضَ، لا العادةَ، ولا الهوى، ولا طلب الْمَحْمَدة والجاه، وغير ذلك؛ بل لا بدَّ أن يكون مبدؤه محضَ الإيمان، وغايتُه ثوابَ الله، وابتغاء مرضاته، وهو الاحتساب [1].

5. غاية الصيام التقوى؛ ﱡلَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﱠ، أن تصوم وتقوم «إيمانا واحتسابًا»؛ فالإسلام ليس شكليَّاتٍ ظاهريةً؛ بل إنه يُحيي النفوس والقلوب بهذه النفحات الإيمانية، فيصوم المرء ويقوم إيمانًا واحتسابًا وتجرُّدًا وإخلاصًا لله تعالى، فتتشرَّب نفسه المعاني الإيمانية، فتَقَرَّ في نفسه وقلبه؛ ليُكمل الطريق إلى الله والدار الآخرة.

6. إن ممارسة العبادة هي التي تُعين المرء على إحياء نفسه وقلبه؛ فمهما قرأتَ من كتب نظرية، أو استمعتَ لدروس عن التقوى والإيمان والاحتساب والإخلاص لله تعالى، فلا يمكِن أن تَلمِس هذه المعانيَ وتحياها إلا بمباشرة العبادة إيمانا واحتسابًا، فتلمس معنى التقوى والإخلاص لله تعالى.

7. إن الهدف الأسمى والغاية الكبرى من الصوم هي التقوى؛ فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب وهي تؤدِّي هذه الفريضة؛ طاعةً لله، وإيثارًا لرضاه، والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية.

8. التقوى هي غاية تتطلَّع إليها أرواح المؤمنين، والصوم أداة من أدواتها، وطريق مضيء موصِّل إليها.

9. إنها ليلة القدر خيرُ الليالي على الإطلاق.. ليلةٌ خير من ألف شهر.. إنها ليلةُ التقدير والتدبير، ليلة القَدْر والقيمة والمقام، ليلة الحَدَث الكونيِّ العظيم، ليلة نزول القرآن والوحي والرسالة؛ فيا لسعادة من اغتنمها!

10. كم من الشهور والسنين قد انقضت دون أن تترك في حياة المرء بعض ما تركته هذه الليلة المباركة السعيدة من آثار وتحوُّلات وإيمان وهدى!

11. المحبُّون تطول عليهم الليالي فيَعُدُّونها عدًّا لانتظار ليالي العشر في كل عام، فإذا ظَفِروا بها نالوا مطلوبهم، وخدموا محبوبهم [2].

12. رَمَضَانُ يَا عُرْسَ الهِدَايَةِ مَرْحَبًا = يَا نَبْعَ خَيْرٍ فِي الوُجُودِ تَدَفَّقَا

مَا أَنْتَ إِلاَّ رَحْمَةٌ عُلْوِيَّةٌ = خَصَّ الإِلَهُ بِهَا الوَرَى وَتَرَفَّقَا

13. رَمَضَانُ بِالحَسَنَاتِ كَفُّكَ تَزْخَرُ = وَالكَوْنُ فِي لَأْلاءِ حُسْنِكَ مُبْحِرُ

يَا مَوْكِبًا أَعْلامُهُ قُدْسِيَّةٌ = تَتَزَيَّنُ الدُّنْيَا لَهُ تَتَعَطَّرُ

أَقْبَلْتَ رُحْمًا فَالسَّمَاءُ مَشَاعِلٌ = وَالأَرْضُ فَجْرٌ مِنْ جَبِينِكَ مُسْفِرُ

هَتَفَتْ لِمَقْدِمِكَ النُّفُوسُ وَأَسْرَعَتْ = مِنْ حُوبِهَا بِدُمُوعِهَا تَسْتَنْفِرُ

المراجع


1. "الرسالة التبوكية = زاد المهاجر إلى ربه" لابن القيم (1/ 10).

2. "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 204).


1. غاية الصيام التقوى؛ ﱡلَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﱠ، أن تصوم وتقوم «إيمانا واحتسابًا»؛ فالإسلام ليس شكليَّاتٍ ظاهريةً؛ بل إنه يُحيي النفوس والقلوب بهذه النفحات الإيمانية، فيصوم المرء ويقوم إيمانًا واحتسابًا وتجرُّدًا وإخلاصًا لله تعالى، فتتشرَّب نفسه المعانيَ الإيمانية، فتَقَرَّ في نفسه وقلبه؛ ليُكمل الطريق إلى الله والدار الآخرة.

2. إذا كان الصيام لله، يَجزي به من واسع فضله دون سائر العبادات؛ فما ظنُّكَ بسيِّئةٍ غطَّت على هذا الفضل الجَسِيمِ والثَّوَاب العظيم؟! «مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعَمَلَ به والجهلَ، فليس لله حاجةٌ في أن يَدَع طعامَه وشَرَابَه».

3. إن ممارسة العبادة هي التي تُعين المرء على إحياء نفسه وقلبه؛ فمهما قرأتَ من كتب نظرية، أو استمعتَ لدروس عن التقوى والإيمان والاحتساب والإخلاص لله تعالى، فلا يمكِن أن تَلمِس هذه المعانيَ وتحياها إلا بمباشرة العبادة إيمانا واحتسابًا، فتلمس معنى التقوى والإخلاص لله تعالى.

4. إن الهدف الأسمى والغاية الكبرى من الصوم هي التقوى؛ فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب وهي تؤدِّي هذه الفريضة؛ طاعةً لله، وإيثارًا لرضاه، والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية.

5. التقوى هي غاية تتطلَّع إليها أرواح المؤمنين، والصوم أداة من أدواتها، وطريق مضيء موصِّل إليها.

6. إذا صمتَ فلْيَصُمْ سمعُكَ، وبصركَ، ولسانكَ عن الكذب والمآثم، ودَعْ أذى الخادم، وليكن عليكَ وقارٌ وسَكينةٌ يومَ صيامك، ولا تجعلْ يومَ فِطركَ وصومكَ سواءً [1].

7. إن الله لم يُرِدْ أن يعذِّب العباد بترك ما يشتهون ويألَفون؛ ولكنه أراد أن يَدَعُوا قول الزور، والعمل به، والجهل.

8. إن الله تعالى أراد من عباده أن يتَّقُوه ويطيعوه ويجتنبوا محارمه، ولم يُرد أن يضيِّق عليهم بترك الأكل والشُّرب والجِماع؛ بل أراد أن يمتثلوا أوامره، ويجتنبوا نواهيَه؛ حتى يكون الصيام مدرسةً يتعوَّدون فيها على ترك المحرَّمات، وعلى القيام بالواجبات.

9. إذا كان شهر كامل يمرُّ بالإنسان وهو محافِظ على دينه، تارك للمحرَّم، قائم بالواجب، فإن ذلك سوف يغيِّر مَجرى حياته لو أراد وامتلك العزيمة. لذا؛ بيَّن الله الحكمة من صيام رمضان؛ بأنها التقوى.

10. الغرضُ من الصيام كسْرُ النَّفْس بترك الطعام والشراب، والغَرَضُ من كَسْر النَّفْس تركُ المناهي، والغَرَضُ الْمُعَظَّم من الصيام ترْكُ المناهي التي هي مُحَرَّمةٌ، لا ترك الطعام والشراب اللَّذينِ هما مباحانِ [2].

11. اعلم أنه لا يتمُّ التقرُّبُ إلى الله تعالى بترك هذه الشهوات المباحة في غير حالة الصيام إلا بعد التقرُّب إليه بتَرْك ما حرَّم الله في كلِّ حال من الكذب، والظُّلم، والعُدوان على الناس في دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم [3].

12. حَذَارِ أيها الصائمُ من الزور، والغِيبة، والجهل، وسائر المحرَّمات؛ فإن ذلك يَنقُص من أجْر الصائم؛ بل قد يُبطله.

13. يَا ذَا الَّذِي صَامَ عَنِ الطُّعْمِ = لَيْتَكَ قَدْ صُمْتَ عَنِ الظُّلْمِ

هَلْ يَنْفَعُ الصَّوْمُ امْرَأً ظَالِمًا = أَحْشَاؤُهُ مَلْأَى مِنَ الإِثْمِ

14. وَصَلِّ صَلاةَ مَنْ يَرْجُو وَيَخْشَى = وَقَبْلَ الصَّوْمِ صُمْ عَنْ كُلِّ فَحْشَا

15. حَصِّنْ صِيَامَكَ بِالسُّكُوتِ عَنِ الخَنَا = أَطْبِقْ عَلَى عَيْنَيْكَ بِالأَجْفَانِ

لا تَمْشِ ذَا وَجْهَيْنِ مِنْ بَيْنِ الوَرَى = شَرُّ البَرِيَّةِ مَنْ لَهُ وَجْهَانِ

16. رَمَضَانُ مَا أَدْرِي وَنُورُكَ غَامِرٌ = قَلْبِي فَصُبْحِي مُشْرِقٌ وَمَسَائِي

أَأَنَالُ بَعْدَ مَثَالِبِي وَمَسَاوِئِي = بِكَ مِنْهُمَا بَعْدَ القُنُوطِ شِفَائِي؟

وَبِأَنَّنِي سَأْنَالُ مِنْكَ حِمَايَتِي = وَوِقَايَتِي مِنْ مُعْضِلِ الأَرْزَاءِ

مَا أَنْتَ إِلاَّ رَحْمَةٌ ومَحَبَّةٌ = لِلنَّاسِ مِنْ ظُلْمٍ قَسَا وَعَدَاءِ


المراجع

1. رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (8880)، والبيهقيُّ في "شعب الإيمان" (3374).

2. "المفاتيح في شرح المصابيح" للمظهريِّ (3/ 24).

3. "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 155).


1. من صحَّت له حَجَّته وسَلِمت له، صحَّ له سائر عمره [1].

2. الحجُّ ميزان العمر [2].

3. إن الحجَّ صورة مصغَّرة عن يوم الحشر، كلُّ واحد من الحجيج مشغول بنفسه، يدعو ويذكر ويلبِّي، والقلوبُ متعلِّقة بربِّها، وعنت الوجوه والجوارح للحيِّ القيُّوم، والنُّفوس تسمو في سماء الطاعة، وشخصت الأبصار في اتجاه السماء، وتلهج الألسنة والقلوب والأرواح: لبَّيكَ اللهمَّ لبَّيك؛ فما أعظمَه من موقف، وما أروعَه من مشهد!

4. إياك وحقوقَ العباد؛ فإن كل الذنوب في حقِّ الله مهما كانت في مشيئته تعالى، يغفرها إن شاء، أما حقوق العباد فلا تسقط أبدًا، إما الأداء أو الترضية.

5. احرص على مكارم الأخلاق؛ فإنها سببٌ في قَبول العمل وردِّه.

6. اعلم أنه كما أن للأبدان حَجًّا فللقلوب حجًّا؛ فإنها تنهض بأقدام العزائم، وتمتطي غواربَ الشوق، وتفارق كل محبوب للنفْس، وتُصابر في الطريق شدَّة الجهد، وتَرِدُ مناهل الوفاء لا غُدْرَان الغدر، فإذا وصلت إلى ميقات الوصل، نزعت مَخِيط الآمال الدنيوية، واغتسلت من عَيْنِ العَيْنِ، ونزلت بعرفات العِرْفان، ولَبَّتْ إذ لَبَّتْ من لُبَاب اللُّبِّ، ثم طافت حول الإجلال، وسعَتْ بين صفا الصفا ومروة المروءة، فرمت جِمارَ الهوى بأحجار، فوصلت إلى قُرب الحبيب [3].

7. إذا كان الحجُّ المبرورُ جزاؤه الجنةُ، فآيةُ ذلك أن يرجِع الحاجُّ زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة [4].

8. إذا كان جزاءُ الحج المغفرةَ، فآيةُ ذلك أن يَدَع الحاجُّ سيِّئَ ما كان عليه من العمل [5].

9. المقصود من النهي عن الرفث والفسوق والجدال ترك كلِّ ما ينافي التجرُّد لله في هذه الفترة، والارتفاع على دواعي الأرض، والرياضة الروحية على التعلُّق بالله دون سواه، والتأدُّب الواجب في بيته الحرام لمن قصد إليه متجرِّدًا حتى من مَخيط الثياب!

10. إن للحجِّ حِكمًا عالية، ومقاصدَ نافعة، ففيه يتعارف المسلمون، ويَجتمعون فيه على اختلاف شعوبهم وطبقاتهم وأوطانهم وألسنتهم وألوانهم، يلتقي المسلم بإخوانه المسلمين، فتلتقي القلوب، وتزداد المحبة والمودَّة والائتلاف.

11. إن في الحج تذكيرًا بالدَّار الآخرة، وتشبيهًا بها في أمور كثيرة؛ حيث يصوِّر الحج ذلك تصويرًا عجيبًا، فالميت ينتقل من دار الدُّنيا إلى دار الآخرة، والحاج ينتقل من بلادٍ إلى أخرى، والميت يُجرَّد من ثيابه ليُكفَّن في ثياب بيضاء، والحاج يتجرَّد من المخيط ليلبس إزارًا ورداء أبيضين نظيفين، والميت يُغسَّل بعد تجريده من ثيابه، والحاجُّ يغتسل عند ميقاته ويُحرِم، والأموات يُحشرون سواء، وكذا الحجَّاج يقفون سواء دون تمييز، وهلم جرًّا.

12. فَفِي رَبْعِهِمْ لِلَّهِ بَيْتٌ مُبَارَكٌ = إِلَيْهِ قُلُوبُ الْخَلْقِ تَهْوِي وَتَهْوَاهُ

يَطُوفُ بِهِ الْجَانِي فَيُغْفَرُ ذَنْبُهُ = وَيَسْقُطُ عَنْهُ جُرْمُهُ وَخَطَايَاهُ

فَكَمْ لَذَّةٍ كَمْ فَرْحَةٍ لِطَوَافِهِ = فَلِلَّهِ مَا أَحْلَى الطَّوَافَ وَأَهْنَاهُ

نَطُوفُ كَأَنَّا فِي الْجِنَانِ نَطُوفُهَا = وَلا هَمَّ لا غَمَّ فَذَاكَ نَفَيْنَاهُ

13. فلِلَّهِ كمْ مِن عَبْرةٍ مُهَرَاقةٍ = وأخرى على آثارِها لا تَقَدَّمُ

وَقدْ شَرِقتْ عينُ الْمُحِبِّ بدَمْعِها = فينظرُ مِن بينِ الدُّموعِ ويَسْجُمُ

إذا عَايَنَتْهُ العَيْنُ زالَ ظلامُها = وزالَ عن القلبِ الكئيبِ التألُّمُ

ولا يَعْرِفُ الطرْفُ الْمُعايِنُ حُسْنَهُ = إلى أن يعودَ الطَّرْفُ والشَّوْقُ أعْظمُ

14. إِلَيْكَ إِلَهِي قَدْ أَتَيْتُ مُلَبِّيَا = فَبَارِكْ إِلَهِي حَجَّتِي وَدُعَائِيَا

قَصَدْتُكَ مُضْطَرًّا وَجِئْتُكَ بَاكِيًا = وَحَاشَاكَ رَبِّي أَنْ تَرُدَّ بُكَائِيَا

كَفَانِيَ فَخْرًا أَنَّنِي لَكَ عَابِدٌ = فَيَا فَرْحَتِي إِنْ صِرْتُ عَبْدًا مُوَالِيَا

إِلَهِي فَأَنْتَ اللَّهُ لا شَيْءَ مِثْلُهُ = فَأَفْعِمْ فُؤَادِي حِكْمَةً وَمَعَانِيَا

أَتَيْتُ بِلا زَادٍ وَجُودُكَ مَطْعَمِي = وَمَا خَابَ مَنْ يَهْفُو لِجُودِكَ سَاعِيَا

إِلَيْكَ إِلَهِي قَدْ حَضَرْتُ مُؤَمِّلاً = خَلاصَ فُؤَادِي مِنْ ذُنُوبِي مُلَبِّيَا

المراجع

1. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (1/ 386).

2. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (1/ 386).

3. "التبصرة" لابن الجوزيِّ (2/ 262).

4. "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 62).

5. "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 62).

1. إن الحج صورة مصغَّرة عن يوم الحشر، كلُّ واحد من الحجيج مشغول بنفسه، يدعو ويذكر ويلبِّي، والقلوبُ متعلِّقة بربها، وعنت الوجوه والجوارح للحيِّ القيُّوم، والنُّفوس تسمو في سماء الطاعة، وشخصت الأبصار في اتجاه السماء، وتلهج الألسنة والقلوب والأرواح: لبَّيكَ اللهمَّ لبَّيك؛ فما أعظمَه من موقف، وما أروعَه من مشهد!

2. من صحَّت له حَجَّته وسلمت له، صحَّ له سائر عمره [1].

3. الحج ميزان العمر[2].

4. إياك وحقوقَ العباد؛ فإن كلَّ الذنوب في حقِّ الله تعالى، مهما كانت، فهي في مشيئته تعالى، يغفرها إن شاء، أما حقوق العباد فلا تسقط أبدًا، إما الأداء أو الترضية.

5. احرص على مكارم الأخلاق؛ فإنها سببٌ في قَبول العمل وردِّه.

6. اعلم أنه كما أن للأبدان حَجًّا فللقلوب حجًّا؛ فإنها تنهض بأقدام العزائم، وتمتطي غواربَ الشوق، وتفارق كل محبوب للنفْس، وتُصابر في الطريق شدَّة الجهد، وتَرِدُ مناهل الوفاء لا غُدْرَان الغدر، فإذا وصلت إلى ميقات الوصل، نزعت مَخِيط الآمال الدنيوية، واغتسلت من عَيْنِ العَيْنِ، ونزلت بعرفات العِرْفان، ولَبَّتْ إذ لَبَّتْ من لُبَاب اللُّبِّ، ثم طافت حول الإجلال، وسعَتْ بين صفا الصفا ومروة المروءة، فرمت جِمارَ الهوى بأحجار، فوصلت إلى قُرب الحبيب [3].

7. إذا كان الحجُّ المبرورُ جزاؤه الجنةُ، فآيةُ ذلك أن يرجِع الحاجُّ زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة [4].

8. إذا كان جزاءُ الحج المغفرةَ، فآيةُ ذلك أن يَدَع الحاجُّ سيِّئَ ما كان عليه من العمل [5].

9. إن للحجِّ حِكمًا عالية، ومقاصدَ نافعة، ففيه يتعارف المسلمون، ويَجتمعون فيه على اختلاف شعوبهم وطبقاتهم وأوطانهم وألسنتهم وألوانهم، يلتقي المسلم بإخوانه المسلمين، فتلتقي القلوب، وتزداد المحبة والمودَّة والائتلاف.

10. إن في الحج تذكيرًا بالدَّار الآخرة، وتشبيهًا بها في أمور كثيرة؛ حيث يصوِّر الحج ذلك تصويرًا عجيبًا، فالميت ينتقل من دار الدُّنيا إلى دار الآخرة، والحاج ينتقل من بلادٍ إلى أخرى، والميت يُجرَّد من ثيابه ليُكفَّن في ثياب بيضاء، والحاج يتجرَّد من المخيط ليلبس إزارًا ورداء أبيضين نظيفين، والميت يُغسَّل بعد تجريده من ثيابه، والحاجُّ يغتسل عند ميقاته ويُحرِم، والأموات يُحشرون سواء، وكذا الحجَّاج يقفون سواء دون تمييز، وهلم جرًّا.

11. يجب أن تقف عند نواهي الرسول ، وتجتنب كلَّ ما حُظر عليك فعله، فلا يسوغ لك الإتيان بشيء منه.

12. ينبغي على العاقل ألَّا يستقبل الكُلَفَ الخارجة عن وُسْعِه، وألَّا يسأل عن شيءٍ إن يُبْدَ له ساءه [6].

13. لا ينبغي للعبد أن يتعرَّض للسّؤال عمّا إن بدا له ساءه؛ بل يستعفي ما أَمكَنه، ويأخذ بعفو اللّه.

14. لا ينبغي للعبد أن يسأل ربَّه أن يُبديَ له من أحواله وعاقبته ما طواه عنه وسَتَره؛ فلعلّه يسوءه إن أُبدِيَ له، فالسّؤال عن جميع ذلك تعرُّضٌ لِما يَكرَهه اللّه؛ فإنّه سبحانه يكره إبداءها؛ ولذلك سَكَت عنها.

15. وَمَا زَالَ وَفْدُ اللَّهِ يَقْصِدُ مَكَّةً = إِلَى أَنْ بَدَا الْبَيْتُ الْعَتِيقُ وَرُكْنَاهُ

فَضَجَّتْ ضُيُوفُ اللَّهِ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَا = وَكَبَّرَتِ الْحُجَّاجُ حِينَ رَأَيْنَاهُ

وَقَدْ كَادَتِ الأَرْوَاحُ تَزْهَقُ فَرْحَةً = لِمَا نَحْنُ مِنْ عُظْمِ السُّرُورِ وَجَدْنَاهُ

تُصَافِحُنَا الأَمْلاكُ مَنْ كَانَ رَاكِبًا = وَتَعْتَنِقُ الْمَاشِي إِذَا تَتَلَقَّاهُ

16. وَيَلُوحُ لِي مَا بَيْنَ زَمْزَمَ وَالصَّفَا = عِنْدَ الْمَقَامِ سَمِعْتُ صَوْتَ مُنَادِ

وَيَقُولُ لِي: يَا نَائِمًا جِدَّ السُّرَى = عَرَفَاتُ تَجْلُو كُلَّ قَلْبٍ صَادِ

مَنْ نَالَ مِنْ عَرَفَاتِ نَظْرَةَ سَاعَةٍ = نَالَ السُّرُورَ وَنَالَ كُلَّ مُرَادِ

17. أمَا وَالذِي حَجَّ الْمُحِبُّونَ بَيْتَهُ = وَلبُّوا لهُ عندَ الْمَهَلِّ وَأحْرَمُوا

وقدْ كَشفُوا تِلكَ الرُّؤوسَ توَاضُعًا = لِعِزَّةِ مَن تعْنو الوُجوهُ وتُسلِمُ

يُهلُّونَ بالبيداءِ لبَّيْكَ ربَّنا = لكَ الْمُلْكُ والحَمْدُ الذي أنتَ تَعْلَمُ

دعاهُمْ فلبَّوْهُ رِضًا ومَحَبَّةً = فلمَّا دَعَوهُ كان أقربَ منهمُ

المراجع

1. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (1/ 386).
2. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (1/ 386).
3. "التبصرة" لابن الجوزي (2/ 262).
4. "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 62). 
5. "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 62). 
6. "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" للبيضاوي (2/ 120).



1. إن الحج صورة مصغَّرة عن يوم الحشر، كلُّ واحد من الحجيج مشغول بنفسه، يدعو ويذكر ويلبِّي، والقلوبُ متعلِّقة بربها، وعنت الوجوه والجوارح للحيِّ القيُّوم، والنُّفوس تسمو في سماء الطاعة، وتشخص الأبصار في اتجاه السماء، وتلهج الألسنة والقلوب والأرواح: لبَّيكَ اللهمَّ لبَّيك؛ فما أعظمَه من موقف، وما أروعَه من مشهد!

2. من صحَّت له حَجَّته وسلمت له، صحَّ له سائر عمره [1].

3. الحج ميزان العمر [2].

4. إياك وحقوقَ العباد؛ فإن كل الذنوب في حق الله مهما كانت في مشيئته تعالى يغفرها إن شاء، أما حقوق العباد فلا تسقط أبدًا، إما أن تؤدِّيَها أو تسترضي.

5. احرص على مكارم الأخلاق؛ فإنها سببٌ في قَبول العمل وردِّه.

6. اعلم أنه كما أن للأبدان حَجًّا فللقلوب حجًّا؛ فإنها تنهض بأقدام العزائم، وتمتطي غواربَ الشوق، وتفارق كل محبوب للنفْس، وتُصابر في الطريق شدَّة الجهد، وتَرِدُ مناهل الوفاء لا غُدْرَان الغدر، فإذا وصلت إلى ميقات الوصل، نزعت مَخِيط الآمال الدنيوية، واغتسلت من عَيْنِ العَيْنِ، ونزلت بعرفات العِرْفان، ولَبَّتْ إذ لَبَّتْ من لُبَاب اللُّبِّ، ثم طافت حول الإجلال، وسعَتْ بين صفا الصفا ومروة المروءة، فرمت جِمارَ الهوى بأحجار، فوصلت إلى قُرب الحبيب [3].

7. إذا كان الحجُّ المبرورُ جزاؤه الجنةُ، فآيةُ ذلك أن يرجِع الحاجُّ زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة [4].

8. إذا كان جزاءُ الحج المغفرة، فآيةُ ذلك أن يَدَع الحاجُّ سيِّئَ ما كان عليه من العمل [5].

9. المقصود من النهي عن الرفث والفسوق والجدال ترك كلِّ ما ينافي التجرُّد لله في هذه الفترة، والارتفاع على دواعي الأرض، والرياضة الروحية على التعلُّق بالله دون سواه، والتأدُّب الواجب في بيته الحرام لمن قصد إليه متجرِّدًا حتى من مخيط الثياب!

10. يَا رَاحِلِينَ إِلَى مِنًى بِقِيَادِي = هَيَّجْتُمُ يَوْمَ الرَّحِيلِ فُؤَادِي

سِرْتُمْ وَسَارَ دَلِيلُكُمْ يَا وَحْشَتِي = الشَّوْقُ أَقْلَقَنِي وَصَوْتُ الْحَادِي

وَحَرَمْتُمُ جَفْنِي الْمَنَامَ بِبُعْدِكُمْ = يَا سَاكِنِينَ الْمُنْحَنَى وَالْوَادِي

11. ترَاهُمْ على الأنضاءِ شُعْثًا رؤوسُهُمْ = وغُبْرًا وهُمْ فيها أسَرُّ وأنْعَمُ

وَقدْ فارَقوا الأوطانَ والأهلَ رغبةً = ولم يَثْنِهِمْ لذَّاتُهُمْ والتَّنَعُّمُ

يَسِيرونَ مِن أقطارِها وفِجاجِها = رِجالاً ورُكْبانًا ولله أسْلمُوا

ولَمَّا رأتْ أبصارُهُم بيتَهُ الذي = قلوبُ الوَرَى شوقًا إليهِ تَضَرَّمُ

كأنهمُ لمْ يَنْصَبُوا قطُّ قبْلَهُ = لأنَّ شَقاهُمْ قد ترحَّلَ عنْهُمُ

12. تَاللَّهِ مَا أَحْلَى الْمَبِيتَ عَلَى مِنًى = فِي لَيْلِ عِيدٍ أَبْرَكِ الأَعْيَادِ

ضَحَّوْا ضَحَايَا ثُمَّ سَالَ دِمَاؤُهَا = وَأَنَا الْمُتَيَّمُ قَدْ نَحَرْتُ فُؤَادِي

لَبِسُوا ثِيَابَ الْبِيضِ شَارَاتِ اللِّقَا = وَأَنَا الْمُلَوَّعُ قَدْ لَبِسْتُ سَوَادِي

يَا رَبِّ أَنْتَ وَصَلْتَهُمْ صِلْنِي بِهِمْ = فَبِحَقِّهِمْ يَا رَبِّ فُكَّ قِيَادِي

المراجع

1. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (1/ 386).

2. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (1/ 386).

3. "التبصرة" لابن الجوزي (2/ 262).

4. "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 62).

5. "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 62).


1. يجب على المرء أن يُدرِك قيمة نعم الله عليه، وأنه محاسَبٌ عليها، فيسعى ويحرص على شكرها بطاعة الله تعالى وما يُرضيه؛ فإن الله سائلُه يوم القيامة عنها، فإن اغتنمها في خير وما يُرضي الله تعالى، نجا وسَلِم، وإلا فهو الخسران الْمُبين.

2. لا يُدرك المرء قيمة نعمة الماء إلا حين يَفقِده، فيشتدُّ عليه العطش، وهكذا كلُّ النِّعم، لا يُدركها الإنسان إلا حين يفقدها؛ فكن من الشاكرين!

3. تَأَسَّ بالنبيِّ ﷺ وسَلِ الله نعمة العافية، فكان ﷺ يسأل ربَّه العافيةَ صباحَ مساءَ يقول:

«اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْت»

[1].

4. عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال:

قال النبيُّ ﷺ:

«نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحةُ والفراغُ»

[2].

5. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ:

«اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ»

[3].

6. كانَ ابنُ عُمَرَ، يقولُ:

«إذا أمْسَيْتَ فلا تَنْتَظِرِ الصَّباحَ، وإذا أصْبَحْتَ فلا تَنْتَظِرِ المَساءَ، وخُذْ مِن صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، ومِنْ حَياتِكَ لِمَوْتِكَ»

[4].

7. قال علىّ بنُ أبى طالب رضى الله عنه "إن الدنيا قد ترحَّلت مدبِرةً، وإن الآخرة قد ترحَّلت مقبِلةً، ولكلٍّ منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عملٌ ولا حساب، وغدًا حسابٌ ولا عمل" [5].

8. إذَا ما كَسَاكَ الدَّهْرُ ثَوْبَ مَصَحَّةٍ = وَلَمْ يَخْلُ مِن قُوتٍ يُحَلَّى ويَعْذُبُ

فَلا تَغْبِطَنَّ الْمُتْرَفِينَ فَإِنَّهُ = عَلَى حَسْبِ مَا يُعْطِيهِمُ الدَّهْرُ يَسْلُبُ

9. إَذَا ما القُوتُ يَأْتِي لَـ = ـكَ وَالصِّحَّةُ وَالأَمْنُ

وَأَصْبَحْتَ أَخَا حُزْنٍ = فَلا فَارَقَكَ الْحُزْنُ



المراجع

1. رواه البخاريُّ في "الأدب المفرد" (701)، وأحمد (20701)، وأبو داود (5090)، وحسَّنه الألبانيُّ في "صحيح الأدب المفرد".

2. رواه البخاريُّ (6412).

3. رواه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (7846)، وقال: هذا حديث صحيحٌ على شرط الشَّيخَين ولم يُخَرِّجاه، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (3355).

4. رواه البخاريُّ (6416).

5.  "إغاثة اللهفان" لابن القيم (1/ 71).


إن الإنسان مهما بلغ من القوَّة والغنى والعلم والمعرفة والكمال، فهو مفتقِر إلى الله، مفتقِر إلى رزقه وتوفيقه وتدبير أمره؛ 

  1. قال تعالى

    ﴿۞ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ ۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ﴾

    [فاطر:15]

  2. قال بعض السّلف: بحَسْبِك من التّوسُّل إليه أن يَعلَم من قلبك حُسْنَ توكُّلك عليه؛ فكم من عبد من عباده قد فوَّض إليه أمره، فكفاه منه ما أَهمَّه [1].

  3. حقيقةُ التّوكُّل: هو صِدق اعتماد القلب على اللّه عزّ وجلّ في استجلاب المصالح، ودفع المضارِّ من أمور الدّنيا والآخرة كلِّها، وكِلَةُ الأمور كلِّها إليه، وتحقيق الإيمان بأنّه لا يُعطي ولا يمنع ولا يَضُرُّ ولا ينفع سواه [2].

  4. التَّوَكُّلُ جِمَاعُ الإيمان، وهو الغاية القُصوى، وإنَّ تَوَكُّل العبد على رَبِّه أن يَعْلَمَ أن اللَّهَ هو ثِقَتُه [3].

  5. تحقيق التّوكُّل لا ينافي السّعيَ في الأسباب الّتي قدَّر اللّه سبحانه المقدوراتِ بها، وجرت سُنَّته في خلقه بذلك؛ فإنّ اللّه تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتّوكُّل، فالسَّعْيُ في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتّوكُّل بالقلب عليه إيمان به؛ كما قال اللّه تعالى:

    ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾

    [النساء: 71] [4].

  6. من لطائف أسرار اقتران الفَرَج بالكَرْبِ واليُسر بالعُسر: أنّ الكرب إذا اشتدَّ وعَظُم وتناهى، وحصل للعبد الإياسُ من كَشْفه من جهة المخلوقين، وتَعلَّق قلبه باللّه وحده - وهذا هو حقيقة التّوكّل على اللّه، وهو من أعظم الأسباب الّتي تُطلَب بها الحوائج - فإنّ اللّه يكفي من توكَّل عليه؛

    كما قال تعالى:

    ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُۥٓ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمْرِهِۦ ۚ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍۢ قَدْرًا﴾

    [الطلاق: 3] [5].

  7. التّوكُّل مَحَلُّه القلب، وأمّا الحركة بالظّاهر، فلا تُنافي التّوكُّل بالقلب بعد ما تحقَّق العبد أنّ الثّقة من قِبَل اللّه تعالى، فإن تعسَّر شيء فبتقديره، وإن تيسَّر فبتيسيره [6].

  8. ﭐجعل الله تعالى الدنيا دار بلاء للإنسان وكَبَدٍ، والجنةَ دارَ نعيم وجزاء؛ فلم يشأ أن يجعل الله تعالى ما سخَّره للإنسان أن يكون له ذلك هنيئًا مريئًا؛ بل ذلَّل له ذلك ويسَّره، وجعله بعيدًا منه بحيث يراه، ثم أمره بالسعي إليه، والمشي والإقبال عليه؛

    قال تعالى:

    ﴿هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلْأَرْضَ ذَلُولًا فَٱمْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِۦ ۖ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ﴾

    [الملك: 15].

  9. سُئل الحسنُ عن التّوكُّل، فقال: "الرّضا عن اللّهِ".

  10. قال سعيدُ بنُ جُبيرٍ: "التَّوكُّل على اللَّه جِمَاع الإيمان".

  11. ليس للشيطان سبيلٌ على المتوكِّلين على الله تعالى؛

    قال تعالى:

    ﴿إِنَّهُۥ لَيْسَ لَهُۥ سُلْطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾

    [النحل: 99].

  12. اعلم أنه مع التوكُّل على الله تعالى، لابدَّ من العمل والجِدِّ والاجتهاد، والسعي والكَدِّ، وإلَّا لفسدت حياة الناس وهلكوا.

  13. من العقيدة أن تؤمن بأن الله هو الرزَّاق ذو القوَّة الْمَتين، وأن تؤمن بأن رزقك حقٌّ كما أنك تنطق؛ لأن هذا من شأنه أن تكون حرًّا من عبودية البشر وعبودية المادَّة، وتكون خالصًا لعبودية الله وحده.

  14. على المؤمن أن يتفكَّر في عظمة الكَون، ويتدبَّر في مخلوقات الله تعالى، وحكمته في هدايتها وحفظها ورزقها.

  15. اعلم أن صدق التوكُّل على الله سبب لتيسير الرزق.

  16. التوكُّل هو قطع علائق القلب بغير الله.

  17. عندما أراد الله سبحانه أن يُطعم السيدة مريم، أمرها سبحانه بهزِّ جذع النخلة، فأخذت بالأسباب رغم ضعفها، مع التوكُّل على الله تعالى؛

    قال تعالى:

    ﴿وَهُزِّىٓ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَٰقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾

    [مريم: ٢٥].

  18. إن الاعتماد بشكل أساسيٍّ وقاطع على الأسباب فقط، ينافي التوكُّل على الله تعالى.

  19. إن التوكُّل على الله تعالى يُشعر العبد بضعفهِ، وفقرهِ، وحاجته لله - سبحانه وتعالى - فمهما بلغ من أسباب القوَّة يبقى ضعيفًا، لا يقوى إلا بالتوكُّل على الله تعالى؛

    قال تعالى:

    ﴿۞ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ ۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ﴾

    [فاطر: 15] .

  20. لا بأس أن يأخذ الإنسان العِبرة من المخلوقات مِن حولِه وإن قلَّ شأنها، وهذا هو منهج القرآن الذي دائمًا يحثُّ الإنسان على النظر، وأَخْذِ الحكمة والعظمة، والتشبُّع باليقين.

  21. عليك بالتوكُّل على الله تعالى في كلِّ أمر، والثقة في مَعيَّة الله وحمايته ورعايته، والرضا بما يقدّر لك، والإيمان بأن النتيجة مهما كانت فهي الخير الذي يسوقه الله إليك.

  22. عليك بالأخذ بالأسباب وعدم تركها بحُجَّة التوكُّل؛ فإن هذا تواكُلٌ وليس توكُّلًا، ولا تَنافيَ بين التوكُّل والأخذ بالأسباب.

  23. إن العبد المؤمن إذا توكَّل على الله، وأخذ بالأسباب في كلِّ شأنه، وفوّض أمره لله، كفاه الله ما أَهَمَّه، ورزقه من حيث لا يحتسب؛

    قال الله تعالى:

    ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُۥٓ ۚ﴾

    [الطلاق: 3].

  24. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

    كان رسول الله ﷺ إذا قام إلى الصلاة في جوف الليل قال: «اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ، لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ ﷺ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ»

    [7].

  25. تَوَكَّلْتُ في رِزقِي علَى اللهِ خالقِي = وَأَيْقَنْتُ أنَّ اللهَ لا شَكَّ رازِقي

وَمَا يَكُ مِنْ رزقِي فَلَيْسَ يَفُوتُني = وَلَوْ كَانَ فِي قَاعِ البِحارِ الغَوَامِقِ

سيأتي بهِ اللهُ العظيمُ بِفَضْلِهِ = ولو لم يكنْ مِنِّي اللِّسَانُ بنَاطِقِ

ففي أيِّ شيءٍ تَذْهَبُ النَّفْسُ حَسْرَةً = وَقَدْ قسَّمَ الرَّحمنُ رِزقَ الخلائِقِ

26. فعلى الرحمنِ توكَّلْنا = وإليهِ نَجِدُّ ونجتَهِدُ

وله أسلَمْنا عن طَوْعٍ = وبهِ نعتزُّ ونعتَضِدُ

وإليهِ أَنَبْنا في ذُلٍّ = من هَوْلِ جهنَّمَ نرتَعِدُ

27. تَوكَّلْ على مَولاكَ وارضَ بِحُكمهِ = وكُن مُخلِصًا لله في السِّرِّ والجَهْرِ

قنوعًا بما أَعطاكَ مُستغنيًا بهِ = له حَامدًا في حالَيِ العُسْرِ واليُسْرِ

وكُن باذلًا للفضْلِ سَمحًا ولا تَخَفْ = من الله إِقتارًا ولا تَخْشَ من فَقْرِ



المراجع

1. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 497). 

2. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 497).

3. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 497). 

4. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 498).

5.  "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 493).

6. "شرح النوويِ على مسلم" (3/ 91).

7.  رواه البخاريُّ (1120)، ومسلم (199).

 

1. من كمال الشريعة تحريم كل ما يضرُّ الإنسانَ في دينه، وعقله، ونفسه، وماله.

2. لعن النبيُّ ﷺ اليهود لتحايلهم على ما حرَّم الله، فليخشَ المسلمُ أن تَحِلَّ عليه لعنة الله إذا اتَّبع نهجهم، وتحايل على الشرع.

3. من الجهل والسفاهة وقلَّة الدين أن يظنَّ المرء أنه بحِيَله ومَكْرِه وخِداعه قادرٌ على أن يخدع ربَّه العليم الحكيم.

4. الشريعة الإسلامية ربَّانية المصدر، حريصة على جلب المنافع، ودفع الْمَضارِّ.

5. إذا أردتَ الدُّعَاءَ مؤمِّلاً من الله الإجابة، فعليك الِاعْتِنَاءَ بالرزق الحلال الطيِّب، والبُعد عن الحرام والشُّبهات، قبل أن ترفع يديَكَ متضرِّعًا إلى السماء.

6. قال وَهْب بن مُنبِّه رحمه الله: "مَن سرَّه أن يَستَجيب الله دعوتَه، فلْيُطِبْ مطعمَه [1].

7. قَالَ وَهْبُ بْنُ الْوَرْدِ رحمه الله: "لو قمتَ مَقامَ هذه السّارية، لم ينفعْكَ شيء حتّى تَنظُر ما يَدخُل بطنَك حلال أو حرام" [2].

8. سُئل أحمدُ بنُ حنبلٍ رحمه الله: بمَ تَلين القلوب؟ ثم أطرَقَ ساعة، ثم رفع رأسه، فقال: بأكل الحلال [3].

9. رَأَيْتُ حَلالَ الْمَالِ خَيْرَ مَغَبَّةٍ = وَأجْدَرَ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْحَدَثَانِ

وَإِيَّاكَ وَالْمَالَ الْحَرَامَ فَإِنَّهُ = وَبَالٌ إِذَا مَا قُدِّمَ الْكَفَنَانِ

10. وَفِي النَّاسِ مَن ظُلمُ الوَرَى عَادةٌ لهُ = وَيَنْشُرُ أَعْذارًا بها يَتَأوَّلُ

جَرِيءٌ على أَكْلِ الحرامِ ويدَّعِي = بأنَّ له في حِلِّ ذلك مَحْمَلُ

فَيَا آكِلَ الْمَالِ الحرامِ أَبِنْ لَنَا = بأيِّ كتابٍ حِلُّ مَا أَنْتَ تَأكُلُ

ألمْ تَدْرِ أَنَّ اللهَ يَدْرِي بما جَرَى = وبينَ البَرايَا في القِيامةِ يَفْصِلُ

11. لا ترغبنْ في كثير المال تَكنِزُه = من الحرام فلا يُنْمَى وإن كثُرا

واطلبْ حلالاً وإن قلَّت فواضلُه = إن الحلال زكيٌّ حيثما ذُكِرا

12. جَمَعُوا فَمَا أَكَلُوا الَّذِي جَمَعُوا = وَبَنَوْا مَسَاكِنَهُم فَمَا سَكَنُوا

فَكَأنَّهُمْ كَانُوا بِهَا ظُعُنًا = لَمَّا اسْتَراحُوا سَاعَةً ظَعَنُوا

13. أموالُنا لذَوِي الْمِيراثِ نَجمَعها = ودَارُنا لخَرَابِ البُومِ نَبنِيها

لا دارَ للمَرْءِ بعدَ الْمَوْتِ يَسْكُنُها = إلَّا الَّتِي كَانَ قَبْلَ الْمَوْتِ يَبْنِيها

فمَنْ بَنَاهَا بخَيْرٍ طَابَ مَسْكَنُهُ = ومَنْ بَنَاهَا بشَرٍّ خَابَ بَانِيها

14. ولَستُ أرَى السَّعادَةَ جَمعَ مَالٍ = ولكنَّ التَّقيَّ هوَ السَّعِيدُ

وتَقوى الله خيرُ الزَّادِ ذُخرًا = وعند الله للأتقى مَزيدُ

15. يَا مَن يُعِزُّ الْمَالَ ضَنًّا بِهِ = إنَّ الْمَعالِي ضِدُّ مَا تَزْعُمُ

مَا عَزَّ بَينَ النَّاسِ قَدرُ امرئٍ = إلَّا وقدْ ذَلَّ بِهِ الدِّرْهَمُ

16. إِن القليلَ الذي يأتيكَ في دَعَةٍ = هو الكثيرُ، فأعفِ النفسَ من تعبِ

لا قِسْمَ أَوْفَرُ من قِسْمٍ تنالُ به = وِقايةَ الدِّين والأعراضِ والحَسَبِ

المراجع

1. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 275).

2. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 263).

3. "مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزيِّ  (ص 269).




  1. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يزال الرَّجل يزداد في صحَّة رأيه ما نصح لمستشيره، فإذا غشَّه سلبه الله نُصحه ورأيَه [1]. 

  2. كان جريرُ بنُ عبد الله إذا قام إلى السِّلعة يَبيعُها، بصَّر عيوبَها ثم خيَّره، وقال: إنْ شئتَ فخُذْ، وإنْ شئتَ فاترك. فقيل له: إنك إذا فعلتَ مثلَ هذا لم يَنفُذ لك بيعٌ، فقال: إنا بايعْنا رسول الله ﷺ على النُّصح لكلِّ مسلم [2].

  3. قال وَهْب بن مُنبِّه رحمه الله: "مَن سرَّه أن يَستَجيب الله دعوتَه، فلْيُطِبْ مطعمَه [3].

  4. قال وَهْبُ بْنُ الوَرْد رحمه الله: "لو قُمْتَ مَقامَ هذه السارية، لم ينفعك شيء حتى تَنْظُر ما يدخل بَطْنَك حلال أو حرام" [4].

  5. إن الله تعالى لا يقبل العملَ، ولا يزكو العملُ إلا بأكل الحلال، وإن أكل الحرام يُفسِد العمل، ويَمنَع قَبوله [5].

  6. سُئل أحمدُ بنُ حنبلٍ رحمه الله: بمَ تَلين القلوب؟ ثم أطرَقَ ساعة، ثم رفع رأسه، فقال: بأكل الحلال [6].

  7. ليعلمْ كلُّ غاشٍّ آكلٍ للحرام أنه لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع، منها: «وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟» [7]؛ أي: من أيِّ طريق كان يكتسب رزقه وأمواله؟ من طريق مُباح حلال، أم من طريق الحرام والشُّبهات؟

  8. فَيَا بائعًا بالغِشِّ أَنْتَ مُعَرَّضٌ = لِدَعْوَةِ مَظْلُومٍ إلى سامِعِ الشَّكْوَى

فَكُلْ مِنْ حَلالٍ وَارْتَدِعْ عَنْ مُحَرَّمٍ = فَلَسْتَ عَلَى نارِ الجَحِيمِ غدًا تَقْوَى

9. فَكَمْ مِن عَدُوٍّ مُعْلِنٍ لَكَ نُصْحَهُ = عَلانَيَةً والْغِشُّ تَحْتَ الأَضَالِعِ

وَكَمْ مِن صَدِيقٍ مُرْشِدٍ قَدْ عَصَيْتَهُ = فكُنْتَ له في الرُّشْدِ غَيْرَ مُطَاوِعِ

وَمَا الأَمْرُ إِلَّا بِالْعَوَاقِبِ إِنَّهَا = سَيَبْدُو عَلَيْهَا كُلُّ سِرٍّ وَذَائعِ

10. وَذُو الْغِشِّ مَرْهُوبٌ وَذُو النُّصْحِ آمِنٌ = وذَوُ الطَّيْشِ مَدْحُوضٌ وذُو الحقِّ يُفْلِجُ

وذُو الصِّدْقِ لا يَرْتَابُ وَالْعَدْلُ قائمٌ = على طُرُقاتِ الحقِّ والغَبْنُ أَعْوَجُ

11. أَيَا رُبَّ مَنْ تَغْتَشُّهُ لَكَ ناصِحٌ = وَمُنْتَصِحٌ بِالْغَيْبِ غَيْرُ أَمِينِ

12. وصاحبٍ غيرِ مَأْمونٍ غَوَائِلُه = يُبْدِي ليَ النُّصْحَ مِنْهُ وَهْوُ مُشْتَمِلُ

عَلَى خِلَافِ الَّذِي يُبْدِي ويُظْهِرُه = وَقَدْ أَحَطْتُ بِعِلْمِي أَنَّه دَغِلُ

عَفَوْتُ عَنْهُ انتظارًا أن يَثُوبَ لَهُ = عَقْلٌ إِلَيْهِ مِنَ الزَّلَّاتِ يَنْتَقِلُ

دَهْرًا فَلَمَّا بَدَا لي أَنَّ شِيمَتَهُ = غِشٌّ وَلَيْسَ لَهُ عَنْ ذَاكَ مُنْتَقَلُ

تَرَكْتُهُ تَرْكَ قَالٍ لا رُجُوعَ له = إلى مَوَدَّتِه مَا حَنَّتِ الإِبِلُ

13. يَا آلَ عَمْرٍو أَمِيتُوا الضِّغْنَ بَيْنَكُمُ = إنَّ الضَّغَائِنَ كَسْرٌ لَيْسَ يَنْجَبِرُ

قَدْ كَانَ في آلِ مَرْوَانٍ لَكُمْ عِبَرٌ = إِذْ هُمْ مُلُوكٌ وَإِذْ مَا مِثْلُهُمْ بَشَرُ

تَحَاسَدُوا بَيْنَهُمْ بِالغِشِّ فَاخْتُرِمُوا = فَمَا تُحِسُّ لَهُمْ عَيْنٌ وَلَا أَثَرُ

14. كَذَاكَ مَنْ يَسْتَنْصِحُ الأَعَادِي = يُرْدُونَهُ بِالغِشِّ والفَسَادِ

15. قل للذي لَسْتُ أَدْرِي مِنْ تَلَوُّنِه = أناصِحٌ أم على غِشٍّ يُدَاجيني

إني لَأَكْثَرُ مِمَّا سُمْتَني عَجَبًا = يَدٌ تَشُجُّ وأخرى مِنْكَ تَأْسُوني

تَغْتَابُني عِنْدَ أقوامٍ وتَمْدَحُني = في آخَرِينَ وكلٌّ عنك يأتيني

هَذَانِ أَمْرَانِ شَتَّى بَوْنُ بَيْنِهِمَا = فَاكْفُفْ لِسَانَكَ عِنْ ذَمِّي وتَزْيِيني

16. غَشَّ مَن أخَّر النصيحةَ عمدًا = عَنْ إمامٍ عَلَيه جُلُّ اعْتِمَادِهْ

لَيْسَ يُوهِي أَخَاكَ شَدُّكَ إيَّا = هُـ بِهِ بَلْ يَزِيدُهُ فِي اشْتِدَادِهْ

المراجع

1.  "الذريعة إلى مكارم الشريعة" للراغب الأصفهانيِّ (ص 211).

2. رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى - متمم الصحابة" (ص 803)، والطبرانيُّ في "الكبير" (2510).

3. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 275).

4. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 263).

5. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 260).

6. "مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزيِّ  (ص 269).

7. رواه الترمذيُّ (2417)، وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (126).

  1. إياك والربا؛ فإن الله يَنزِع به البركة من مالك، وربما يوالي عليه النَّكَبات حتى يتلف.

  2. قال رسولُ الله ﷺ:

    «أيُّها الناسُ، إن اللهَ طيِّبٌ لا يَقبَل إلا طَيِّبًا، وإن اللهَ أمَر المؤمنين بما أمر به المرسَلين، فقال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُوا مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعْمَلُوا صَٰلِحًا ۖ إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٰكُمْ﴾ [البقرة: 172]، ثم ذكَر الرجُلَ يُطِيل السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السماء: يا ربِّ، يا ربِّ، ومطعمُه حرامٌ، ومشرَبُه حرامٌ، ومَلبسُه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرام؛ فأنَّى يُستجاب لذلك؟!»

    [1].

  3. قال رسول الله ﷺ:

    «كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ؛ دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ»

    [2]

  4. قَالَ وَهْبُ بْنُ الْوَرْدِ رحمه الله: "لو قمتَ مَقامَ هذه السّارية، لم ينفعْكَ شيء حتّى تَنظُر ما يَدخُل بطنَك حلال أو حرام" [3].

  5. سُئل أحمدُ بنُ حنبلٍ رحمه الله: بمَ تَلين القلوب؟ ثم أطرَقَ ساعة، ثم رفع رأسه، فقال: بأكل الحلال [4].

  6. قال وَهْب بن مُنبِّه رحمه الله: "مَن سرَّه أن يَستَجيب الله دعوتَه، فلْيُطِبْ مطعمَه" [5].

  7. عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ:

    «رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ وَعَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ، رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ، رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ، فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبا»

    [6].

  8. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه،   عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ:

    «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ»

    [7].

  9. رَأَيْتُ حَلالَ الْمَالِ خَيْرَ مَغَبَّةٍ = وَأجْدَرَ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْحَدَثَانِ

وَإِيَّاكَ وَالْمَالَ الْحَرَامَ فَإِنَّهُ = وَبَالٌ إِذَا مَا قُدِّمَ الْكَفَنَانِ 

10. لا ترغبنْ في كثير المال تَكنِزُه = من الحرام فلا يُنْمَى وإن كَثُرا

واطلبْ حلالًا وإن قلَّت فواضلُه = إن الحلال زكيٌّ حيثما ذُكِرا

11. وَفِي النَّاسِ مَن ظُلمُ الوَرَى عَادةٌ لهُ = وَيَنْشُرُ أَعَذارًا بها يَتَأوَّلُ

جَرِيءٌ على أَكْلِ الحرامِ ويدَّعِي = بأنَّ له في حِلِّ ذلك مَحْمَلُ

فَيَا آكِلَ الْمَالِ الحرامِ أَبِنْ لَنَا = بأيِّ كتابٍ حِلُّ مَا أَنْتَ تَأكُلُ؟

ألمْ تَدْرِ أَنَّ اللهَ يَدْرِي بما جَرَى = وبينَ البَرايَا في القِيامةِ يَفْصِلُ

المراجع

1. رواه مسلم (1015).

2. رواه مسلم (2564).

3. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 263).

4. "مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزيِّ  (ص 269).

5. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 275).

6. رواه البخاريُّ (2085).

7. رواه البخاريُّ (6857)، ومسلم (89).

1. للشريعة الإسلامية نظام محكَم، ومنهج متكامل، ينظِّم تعاملاتِ الناس فيما بينهم، وتسدُّ أبواب الخلاف والنزاع. والمعاملات في الشريعة الإسلامية ربَّانية المصدر، حريصة على جلب المنافع، ودفع الْمَضارِّ. وهي مَبنيَّة على العدل الكامل، وتُراعي مصلحة البائع والمشتري، فلا مَيْلَ فيها لأحد على حساب الآخر.

2. احرص أن يكون بيعك وشراؤك صحيحًا شرعًا؛ فيكون الشيء معلومًا، وثمنُه معلومًا، وأجلُه – إن لم يكن يدًا بيد – معلومًا.

3. ينهى الإسلام عن أكل أموال الناس بالباطل؛

قال تعالى:

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوٓا أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِٱلْبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٍۢ مِّنكُمْ ۚ﴾

[النساء: 29].

4. تجنَّبْ كلَّ معاملة فيها غررٌ، أو جهالة؛ حتى تتَّقِيَ البُطلان والحرمة.

5. إذا أردتَ الدُّعَاءَ مؤمِّلاً من الله الإجابة، فعليك الاعتناءَ بالرزق الحلال الطيِّب، والبُعد عن الحرام والشُّبهات، قبل أن ترفع يديَكَ متضرِّعًا إلى السماء.

6. قال وَهْب بن مُنبِّه رحمه الله: "مَن سرَّه أن يَستَجيب الله دعوتَه، فلْيُطِبْ مطعمَه [1].

7. قَالَ وَهْبُ بْنُ الْوَرْدِ رحمه الله: "لو قمتَ مَقامَ هذه السّارية، لم ينفعْكَ شيء حتّى تَنظُر ما يَدخُل بطنَك حلال أو حرام" [2].

8. سُئل أحمدُ بنُ حنبلٍ رحمه الله: بمَ تَلين القلوب؟ ثم أطرَقَ ساعة، ثم رفع رأسه، فقال: بأكل الحلال [3].

9. رَأَيْتُ حَلالَ الْمَالِ خَيْرَ مَغَبَّةٍ = وَأجْدَرَ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْحَدَثَانِ

وَإِيَّاكَ وَالْمَالَ الْحَرَامَ فَإِنَّهُ = وَبَالٌ إِذَا مَا قُدِّمَ الْكَفَنَانِ

10. وَفِي النَّاسِ مَن ظُلمُ الوَرَى عَادةٌ لهُ = وَيَنْشُرُ أَعْذارًا بها يَتَأوَّلُ

جَرِيءٌ على أَكْلِ الحرامِ ويدَّعِي = بأنَّ له في حِلِّ ذلك مَحْمَلُ

فَيَا آكِلَ الْمَالِ الحرامِ أَبِنْ لَنَا = بأيِّ كتابٍ حِلُّ مَا أَنْتَ تَأكُلُ؟

ألمْ تَدْرِ أَنَّ اللهَ يَدْرِي بما جَرَى = وبينَ البَرايَا في القِيامةِ يَفْصِلُ

11. لا ترغبنْ في كثير المال تَكنِزُه = من الحرام فلا يُنْمَى وإن كثُرا

واطلبْ حلالاً وإن قلَّت فواضلُه = إن الحلال زكيٌّ حيثما ذُكِرا

12. جَمَعُوا فَمَا أَكَلُوا الَّذِي جَمَعُوا = وَبَنَوْا مَسَاكِنَهُم فَمَا سَكَنُوا

فَكَأنَّهُمْ كَانُوا بِهَا ظُعُنًا = لَمَّا اسْتَراحُوا سَاعَةً ظَعَنُوا

13. أموالُنا لذَوِي الْمِيراثِ نَجمَعها = ودَارُنا لخَرَابِ البُومِ نَبنِيها

لا دارَ للمَرْءِ بعدَ الْمَوْتِ يَسْكُنُها = إلَّا الَّتِي كَانَ قَبْلَ الْمَوْتِ يَبْنِيها

فمَنْ بَنَاهَا بخَيْرٍ طَابَ مَسْكَنُهُ = ومَنْ بَنَاهَا بشَرٍّ خَابَ بَانِيها

14. ولَستُ أرَى السَّعادَةَ جَمْعَ مَالٍ = ولكنَّ التَّقيَّ هُوَ السَّعِيدُ

وتَقوى الله خيرُ الزَّادِ ذُخرًا = وعند الله للأتقى مَزيدُ

15. إن القليل الذي يأتيكَ في دَعَةٍ = هو الكثيرُ، فأعفِ النفسَ من تعبِ

لا قِسْمَ أَوْفَرُ من قِسْمٍ تنالُ به = وِقايةَ الدِّين والأعراضِ والحَسَبِ

المراجع

1. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 275).

2. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 263).

3. "مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزيِّ  (ص 269).



1. لفضائل أربع: إحداها: الحكمةُ، وقِوَامُها الفكرة. والثانية: العِفَّة، وقِوامُها الشهوة، والثالثة: القوَّة، وقِوَامُها الغَضَب. والرابعة: العدل، وقِوَامُه في اعتدال قوى النفس.

2. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

قال رسولُ الله ﷺ:

«ثلاثة حقٌّ على الله عزَّ وجل عَوْنُهم: الْمُكاتَب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف، والمجاهد في سبيل»

[1]

3. قال تعالى:

﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ ۗ ﴾

[النور: 33]؛

"أي: ليَطلُب العِفَّة عن الحرام والزنا الذين لا يجدون ما لا يَنكِحون به للصَّدَاق والنفقة، حَتى يُغْنِيَهم اللَّهُ من فضله؛ أي: يوسِّع عليهم من رزقه" [2].  

4. إن الزواج هو الطريق الطبيعيُّ لمواجهة الميول الجنسية الفِطرية، وهو الغاية النظيفة لهذه الميول، وربما حدث للإنسان عَنَتٌ ومَشقَّةٌ بدون الزواج.

5. إن الإسلام لا يحارب دوافع الفطرة ولا يستقذرها؛ إنما ينظِّمها ويطهِّرها، ويرفعها ويُرقِّيها عن المستوى الشهوانيِّ الحيوانيِّ.

6. يُقيم الإسلام العلاقاتِ الجنسيةَ على أساس من المشاعر الإنسانية الراقية، التي تجعل من التقاء جسدين، التقاءَ نفسين وقلبين وروحين. وبتعبير شامل التقاء إنسانين، تربط بينهما حياة مشتركة، وآمال مشتركة، وآلام مشتركة، ومستقبل مشترك، يلتقي في الذُّرِّية المرتقَبة، ويتقابل في الجيل الجديد، الذي ينشأ في العُشِّ المشترك، الذي يقوم عليه الوالدان حارسينِ لا يفترقان.

7. يَعُدُّ الإسلام الزواجَ وسيلةً للتطهُّر والارتفاع، فيدعو الأمَّة المسلمة لتزويج رجالها ونسائها إذا قام المال عَقَبة دون تحقيق هذه الوسيلة الضرورية لتطهير الحياة ورفعها؛ 

قال تعالى: 

﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ ۗ ﴾ 

[النور: ٣٢].

8. جعل الإسلام الزواج من الطاعات التي يتقرَّب بها المسلم إلى ربِّه، وحضَّ عليه، ووعد من لم يجد بالإعانة من ربِّه.

9. إن الأصل في الرابطة الزوجية هو الاستقرار والاستمرار، والإسلام يحيط هذه الرابطة بكل الضمانات التي تَكفُل استقرارها واستمرارها، وفي سبيل هذه الغاية يرفعها إلى مرتبة الطاعات.

10. إن الإسلام يراعي الميول الجنسية الفِطرية، فجعل الزواج الطريق الطبيعيَّ لهذه الميول، وحضَّ عليه، وجعله من الطاعات، وأمر الجماعة المؤمنة بإنكاح الأيامى الفقراء ومساعدتهم ليتزوَّجوا، وفرض الآداب التي تمنع التبرُّج والاختلاط والفتنة كي تستقرَّ العواطف، ولا تتلفَّت القلوب لكل داعٍ للشهوات، وفرض حدَّ الزنا وحدَّ القذف، وجعل للبيوت حُرْمَتها بالاستئذان عليها.

المراجع

1. رواه الترمذيُّ (1655)، والنسائيُّ (3120)، وابن ماجه (2518)، وحسَّنه الترمذيُّ، والبغويُّ في "شرح السنَّة" (5/6)، وصحَّحه ابن العربيِّ في "عارضة الأحوذي" (3/5)، وجوَّد إسناده ابن باز في "حاشية بلوغ المرام" (765).

2. "معالم التنزيل" للبغويِّ (6/41).



  1. جاء رجلٌ إلى الحسن وقال له: إن لي بنتًا أحبُّها، وقد خَطَبها غير واحد، فمن تُشير عليَّ أن أزوِّجها؟ قال: زوِّجْها رجلًا يتَّقي الله؛ فإنه إن أحبَّها أَكرَمها، وإن أَبغَضها لم يَظلِهْما [1].

  2. حَذَارِ أن يكون اختيارك للزوجة من مطامع الدنيا؛ لأن اختيار الزوجة لغرض دنيويٍّ محضٍ قد يكون سببَ هلاك الأسرة وفشلها.

  3. عَنْ ثَوْبَانَ قَال:

    لَمَّا نَزَلَ فِي الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ مَا نَزَلَ، قَالُوا: فَأَيَّ الْمَالِ نَتَّخِذ؟ قَالَ عُمَرُ: فَأَنَا أَعْلَمُ لَكُمْ ذَلِكَ، فَأَوْضَعَ عَلَى بَعِيرِهِ، فَأَدْرَكَ النَّبِيَّ ﷺ وَأَنَا فِي أَثَرِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَّ الْمَالِ نَتَّخِذُ؟ فَقَالَ: «لِيَتَّخِذْ أَحَدُكُمْ قَلْبًا شَاكِرًا، وَلِسَانًا ذَاكِرًا، وَزَوْجَةً مُؤْمِنَةً تُعِينُ أَحَدَكُمْ عَلَى أَمْرِ الْآخِرَةِ»

    [2]

  4. قال رسول الله ﷺ:

    «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ»

     [3].

  5. المرأة الصالحة يكون منها من المودَّة والرحمة ما امتنَّ الله تعالى بها في كتابه، فيكون ألم الفراق أشدَّ عليها من الموت أحيانًا، وأشدَّ من ذَهاب المال، وأشدَّ من فراق الأوطان، خصوصًا إن كان بأحدهما علاقةٌ من صاحبه، أو كان بينهما أطفالٌ يَضِيعون بالفِراق، ويَفسَد حالهم [4].

  6. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ:

    أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَر، وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَه»

    [5].

  7. عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:

    «أَرْبَعٌ مِنَ اَلسعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الوَاسِعُ، وَالجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الهَنِيءُ، وَأَرْبَع مِنَ الشَّقَاوَةِ: الْجَارُ السُّوءُ، والمرأة السُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ الضيقُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ»

    [6].

  8. قال ﷺ:

    «إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ»

    [7].

  9. وأَوَّلُ خُبْثِ الْمَرْءِ خُبْثُ تُرَابِهِ = وأَوَّلُ لُؤْمِ الْمَرْءِ لُؤْمُ الْمَنَاكِحِ

  10. تَخيَّرتُها للنَّسْلِ وهْيَ غَرِيبةٌ = فقَدْ أَنجبَتْ والْمُنْجِباتُ الغَرَائبُ

  11. أخَا الْإِسْلَامِ ذَاتُ الدِّينِ أَضْحَتْ = تُؤَمِّلُ فِيكَ زَوْجًا لِلسُّكُونِ

إِذَا خَيَّبْتَهَا فِي نَيْلِ زَوْجٍ = أَمِينِ الْعَهْدِ لِلْحُبِّ الْمَصُونِ

سَيَطْلُبُ وُدَّهَا زَوْجٌ لَئِيمٌ = يَخُونُ الْعَهْدَ ذَا سَبَبُ الْفُتُونِ


المراجع

1.  "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (7/ 2259).

2. رواه الترمذيُّ (3094) وحسَّنه، وفي آخره: (وَتُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ)، وابن ماجه (1856) واللفظ له، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترمذيِّ".

3. رواه مسلم (1467).

4. "مجموع الفتاوى" (35 / 299).

5. رواه النسائيُّ (3131)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح النسائيِّ".

6. رواه ابنُ حبَّانَ في "صحيحه" (1232)، وصحَّحه الألبانيُّ في "السلسلة الصحيحة" (282) ، و"صحيح الترغيب والترهيب" (1914).

7. رواه أحمد (1664) وغيره، وحسَّنه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب".



  1. من رحمة الله تعالى بالبشر أن وسَّع لهم دائرة القرابة بإلحاق الرَّضاع بالنَّسَب؛ لأن بدن الرضيع يتكوَّن من لبن المرضِعة وزوجها صاحب اللبن، فتنظر المرضِعة إلى الرضيع كأنه جزء من بَدَنها.

  2. قال تعالى:

    ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلْآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا﴾

    [الأحزاب: ٢١]

    فعلى المؤمن أن يتَّبِع هَدْيَ النبيِّ ﷺ، ومنه تعامله ﷺ مع زوجاته أمَّهات المؤمنين، فقد كان  حَسَنَ العِشرة للناس جميعًا، ولزوجاته وأهل بيته خاصَّةً.

  3. كان النبيُّ ﷺ يتعاهد أهله بالتعليم والتوجيه والرعاية والدلالة على الخير.

  4. كانت سيرته ﷺ مع أزواجه حُسنَ المعاشرة، وحُسن الخُلق، وكان يسرِّب إلى عائشة بناتِ الأنصار يلعبن معها، وكان إذا هَوِيت شيئًا لا محذورَ فيه، تابعها عليه، وكانت إذا شربت من الإناء، أخذه فوضع فمَه في موضع فَمِها وشَرِب، وكان إذا تعرَّقت عَرْقًا - وهو العظمُ الذي عليه لحم - أخذه فوضع فمه موضع فمها، وكان يتَّكِئ في حِجرها، ويقرأ القرآن ورأسُه في حِجرها، وربما كانت حائضًا [1].

  5. كان من لُطفه ﷺ وحُسن خُلقه مع أهله أنه يمكِّن زوجه عائشةَ - رضي الله عنها - من اللعب، ويُريها الحبشة وهم يلعبون في مسجده، وهي متَّكِئة على مَنكِبَيه تنظر، وسابَقَها في السَّفَر على الأقدام مرَّتين، وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة، وكان إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه، فأيَّتُهن خرج سهمها خرج بها معه، ولم يقضِ للبواقي شيئًا [2].

  6. من القوامة رعاية الرجل لأهل بيته، والعناية بهم، وتفقُّد أحوالهم.

صلَّى الله وسلَّم على من قال:

«خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي»

[3]. 

المراجع

1. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (1/ 146).

2. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (1/ 146).

3. رواه ابن ماجه (1977)، والترمذيُّ (3895) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1924).



  1. انتبه؛ فغاية الشيطان هدم البيوت.

  2. حَذَارِ من تلبيس إبليس أن يوسوس لك لتمتنع مِن فِعل خيرٍ خوفَ أن يُظَنَّ بك الرياء، فإن طرَقَك مثلُ هذا فلا تلتفت إليه، وامضِ في عملك؛ إغاظةً للشيطان.

  3. حرَّم الشرع اتِّصافَ الإنسان بالكبرياء والعَظَمة، وجعلهما من الكبائر؛ لأن مَن لاحظَ كمال نفْسه ناسيًا مِنَّة الله تعالى فيما خصَّه به، كان جاهلًا بنفْسه وبربِّه، وهي صفة إبليس الحاملة له على قوله:

    ﴿أَنَا۠ خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ ﴾  

    [ص:76].

  4. مَن كانت معصيتُه في الشهوة فارجُ له التوبة، فإنَّ آدمَ - عليه السلام - عصى مُشْتَهيًا فغُفر له، فإذا كانت معصيتُه في كِبْر، فاخْشَ على صاحبه اللعنةَ؛ فإن إبليسَ عصى مُستكبرًا فلُعِن [1].

  5. اعلم أن أول مداخل الشيطان على الإنسان هو النفس.

  6. قال قتادة رحمه الله: "أتاك الشيطان يا بْنَ آدمَ من كلِّ وجه غيرَ أنه لم يأتك من فوقك؛ لم يستطع أن يَحُول بينك وبين رحمة الله" [2].

  7. إن الشيطان قاعدٌ لابن آدم في كلِّ طريق.

  8. الشهوة والغفلة جندان من جنود الشيطان.

  9. إن المعاصيَ تُباعِد العبد عن الله وتُدني منه الشيطان، وإن الطاعات تقرِّب العبد من الله، وتُبعد عنه الشيطان.

  10. جهاد الشيطان مرتبتان؛ إحداهما: جهادُه على دفع ما يُلقي إلى العبد من الشُّبهات والشُّكوك القادحة في الإيمان. الثانية: جهادُه على دفع ما يُلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات، فالجهاد الأول يكون بعده اليقين، والثاني: يكون بعده الصبر [3].

  11. النارُ نارُ الله تُحرِقُ من عصى = أحكامَه وانقادَ للشيطان

  12. يَا مُنْزِلَ الآيَاتِ وَالفُرْقَانِ = بَينِي وَبَيْنَكَ حرْمَةُ القُرْآنِ

اشْرَحْ بِهِ صَدْرِي لمعرِفَةِ الهُدَى = وَاعْصِمْ بِهِ قَلبِي مِنَ الشَّيطَانِ

واحطُطْ بِهِ وِزْرِي وَأخْلِصْ نِيَّتِي = وَاشدُدْ بِهِ أَزْرِي وأَصْلِحْ شَانِي

واكْشِفْ بِهِ ضُرِّي وحقِّقْ تَوبَتِي = أرْبِحْ بِهِ بَيْعِي بِلَا خُسْرَانِ

طهِّر بِهِ قَلْبِي وصَفِّ سَرِيرَتِي = أجمِلْ بِهِ ذِكْرِي وَأَعْلِ مكَانِي

13. وأَثنَتْ علَى اللهِ نَفسُ الشَّكُورِ = ولم يُنسِها الأمنُ أحوَالَهَا

وكم أنفُسٍ جَحَدت رَبَّها = ومرَّتْ تُجَرِّرُ أذيَالَها

وساوِسُ شيطَانِهَا استحْوَذَتْ = علَيهَا من الوَهْمِ فاجتالَها

فيَا وَيْلَهَا أنفُسًا بالجُحُودِ = تُقَابِلُ أنعُمَ من عَالَها

وَتَتْبَعُ أوهَامَهَا البَاطِلاتِ = وتَعبُدُ بالذُّلِّ مُغتالَها

14. ولأجعلَنَّ رِضَاكَ أكبرَ هِمَّتي = ولأضرِبَنَّ مِن الهَوَى شَيْطَانِي

ولأكسُوَنَّ عُيوبَ نَفسِي بالتُّقَى = ولأقبِضَنَّ عَنِ الفُجُورِ عِنَانِي

ولأمنَعَنَّ النَّفْسَ عَنْ شَهَوَاتِهَا = ولأجعَلَنَّ الزُّهْدَ مِنْ أعْوَانِي

ولأتْلُوَنَّ حُرُوفَ وَحْيِكَ فِي الدُّجَى = ولأحْرِقَنَّ بنُورِهِ شَيْطَانِي



المراجع

1. "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" للمزِّيِّ (11/ 191).

2. "إغاثة اللهفان" لابن القيم (1/ 103).

3. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (3/ 10).





  1. انتبه؛ فغاية الشيطان هَدْم البيوت.

  2. عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:

    «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ»

    [1].

  3. عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ – رضي الله عنه –  أن رسول الله ﷺ خَطَب النَّاسَ في الحجِّ فقال:

    «... فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»

    [2].

  4. قال رسول الله ﷺ:

    «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ»

    [3].

  5. عن عمرو بن الأحوص - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله ﷺ يقول في حَجَّة الوداع:

    «أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا؛ فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، أَلا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ، فَلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ»

    [4].

    ومعنى قوله ﷺ: «استوصوا بالنساء»؛ أي: تَوَاصَوْا فيما بينكم بالإحسان إليهن. «عَوَانٌ عِنْدَكُمْ»؛ أي: أسرى في أيديكم.

  6. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:

    «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاء؛ فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ»

    [5].

    «ضِلَع»: أَحَد عظام الصدر، والمعنى أن في خُلُقهن عِوَجًا من أصل الخِلقة. «أعوج شيء في الضلع أعلاه»؛ أي: أنها خُلِقت من أعوجِ أجزاء الضِّلَع، وكذلك المرأةُ عِوَجُها الشديد في خُلقها وفِكرها، فلا يتهيَّأ الانتفاع بها إلا بالصبر على تعوُّجها. «تُقِيمه»؛ أي: تَجعَله مستقيمًا. «كسرتَه»؛ أي: وكذلك المرأةُ إن أردتَ منها الاستقامة التامَّة في الخُلق، أدَّى الأمر إلى طلاقها.

  7. أوصى النبيُّ ﷺ بالإحسان إلى الزوجة وإكرامها؛ بل جعل خير الناس من يُحسِن إلى أهله،

    فقال ﷺ:

    «خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي»

    [6]. 

  8. من أجمل ما ذكره النبيُّ ﷺ في شأن الإحسان إلى الزوجة: أن إطعام الزوج لزوجته، ووضعَ اللُّقمة في فِيها، له في ذلك أجر،

    فقال:

    «وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ»

    [7].

  9. قال تعالى:

     ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلْآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا﴾

    [الأحزاب: ٢١]،

    فعلى المؤمن أن يتَّبِع هَدْيَ النبيِّ ﷺ، ومنه تعاملُه ﷺ مع زوجاته أمَّهات المؤمنين، فقد كان  حَسَنَ العِشْرة للناس جميعًا، ولزوجاته وأهل بيته خاصةً، وكان النبيُّ ﷺ يتعاهد أهله بالتعليم والتوجيه والرعاية والدلالة على الخير.

  10. "وكانت سيرتُه ﷺ مع أزواجه حُسنَ المعاشرة، وحُسن الخُلق، وكان يسرِّب إلى عائشة بناتِ الأنصار يلعبن معها، وكان إذا هَوِيت شيئًا لا محذورَ فيه، تابعها عليه، وكانت إذا شربت من الإناء، أخذه فوضع فمَه في موضع فَمِها وشَرِب، وكان إذا تعرَّقت عَرْقًا - وهو العظمُ الذي عليه لحم - أخذه فوضع فمه موضع فمها، وكان يتَّكِئ في حِجرها، ويقرأ القرآن ورأسُه في حِجرها، وربما كانت حائضًا" [8].

  11. "كان من لُطفه ﷺ وحُسن خُلقه مع أهله أنه يمكِّن زوجه عائشة - رضي الله عنها - من اللَّعِب، ويُريها الحبشة وهم يلعبون في مسجده، وهي متَّكِئة على مَنكِبَيه تنظر، وسابَقَها في السَّفَر على الأقدام مرتين، وتدافعا في خروجهما من المنزل مرَّةً، وكان إذا أراد سَفَرًا أقرع بين نسائه، فأيَّتُهن خرج سَهْمُها خرج بها معه، ولم يقضِ للبواقي شيئًا" [9].

  12. أمر الله تعالى في كتابه بالإحسان إلى الزوجة، وإكرامها، ومعاشرتها بالمعروف، حتى عند انتفاء المحبَّة القلبية؛

    قال تعالى:

    ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكْرَهُوا شَيْـًٔا وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾

    [النساء: 19].

  13. إذا كانت الحكمةُ من بِدْعِيَّة الطلاق في الحيض أو في طهرٍ جامع الرجلُ فيه زوجته هي التأنِّي والتريُّث والتفكير في الأمر، فلا ينبغي لعاقلٍ أن يُسارع إلى الطَّلاق في كلِّ صغيرة وكبيرة.

  14. الزواج من آيات الله تعالى ونِعَمه التي امتنَّ بها على عِبادِه؛

    قال تعالى:

    ﴿وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَآيَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

    [الروم: 21].

  15. سمَّى الله تعالى الزواج ميثاقًا غليظًا؛ فهو من أقوى الرَّوابط والعلاقات الاجتماعيَّة؛

    قال تعالى:

    ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍۢ مَّكَانَ زَوْجٍۢ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَٰهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْـًٔا ۚ أَتَأْخُذُونَهُۥ بُهْتَٰنًا وَإِثْمًا مُّبِينًا وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُۥ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍۢ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظًا﴾

    [النساء: 20، 21].

  16. إذا كان الطلاق والفراق علاجًا ناجعً – أحيانًا - فإنه يسبقه مراحلُ علاجيَّة وجُرعات متفاوتة.

  17. متى وقَع الطلاق مع الالتزام بأحكام الشرع، استحقَّ الزوجان الوعدَ الكريم:

    ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِۦ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ وَٰسِعًا حَكِيمًا﴾

    [النساء: 130]؛

    فالله تعالى قادرٌ على أنْ يُيسِّرَ لكلٍّ منهما زوجًا لتعويض العلاقة المتعثِّرة، والله تعالى حكيمٌ بعباده، عليمٌ بما يُصلحهم، وفي التزام ما شرَعَه الخيرُ والفلاحُ والبركة.

  18. إن الطلاق هو الحلُّ النهائيُّ إذا استعصى على الزوجين حلُّ المشكلات الأُسرية، لذا؛ لا ينبغي للزوجين التساهل والعجلة بإيقاعه؛ فإنه ما من إنسان إلا وله محاسنُ ومعايب، فلا تنظر إلى العيوب فقط؛ بل ينبغي النظر للمحاسن أيضًا قبل التعجُّل بإيقاع الطلاق.

  19. قَالَ ﷺ:

    «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» أَوْ قَالَ: «غَيْرَهُ»

    [10].

    وقولُهُ: «يَفْرَكْ» معناه: يُبغضُ.

  20. نهى الإسلام عن الطلاق في الحيض حتى تستقبل المرأة عدَّتها، فلا تَطُول عليها، ويضيق الوقت الذي يجوز فيه الطلاق؛ ليتريَّث الزوج قبل إيقاعه.

  21. اعلم أن الطلاق من غير سبب وجيه مكروهٌ شرعًا؛ فإذا كان الشيطان يَفرَح بالتفريق بين الزوجين، فإن الطلاق من غير سبب داخل في اتباع خطوات الشيطان المنهي عنها؛ وذلك لما يُنتجه من مفاسدَ عديدةٍ على كل واحد من الزوجين والأسرتين والأولاد.

  22. اعلم أن الشيطان وحزبه قد أَغْرَوْا بإيقاع الطلاق، والتفريق بين المرء وزوجه [11].

  23. أحب شيء إلى الشيطان أن يفرِّق بين الرجل وبين حَبِيبه؛ ليتوصَّل إلى تعويض كلٍّ منهما عن صاحبه بالحرام... فهذا الوصال لَمَّا كان أحبَّ شيء إلى الله ورسوله، كان أبغضَ شيء إلى عدوِّ الله [12]. 

  24. اعلم أن في التفريق بين الزوجين مَضَارَّ كثيرةً؛ منها: وقوعُ العَدَاوة والبغضاء والشحناء بين الزوجين وأهليهم، وفسادُ الأطفال، وانتشارُ سيِّئ الأخلاق، واحتمالُ كثرة وقوع الفاحشة، وغلبة أولاد الزنا، و"فيه من انقطاع النسل، وانصرام بني آدم، وتوقُّع وقوع الزنا الذي هو أعظمُ الكبائر فسادًا، وأكثرُها مَعَرَّةً" [13].

المراجع

1. رواه مسلم (2813).

2. رواه مسلم (1218)، وهو جزءٌ من حديث جابر الطويل.

3. واه مسلم (1467).

4. رواه الترمذيُّ (1163)، وابن ماجه (1851)، وقال الترمذيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

5. رواه البخاريُّ (3331)، ومسلم (1468).

6. رواه ابن ماجه (1977)، والترمذيُّ (3895) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1924).

7. رواه البخاريُّ (1295)، ومسلم (1628).

8. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (1/ 146).

9. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (1/ 146).

10. رواه مسلم (1469).

11. "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" لابن القيم (1/ 281).

12. "روضة المحبين ونزهة المشتاقين" لابن القيم (ص: 218).

13. "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" للولويِّ (43/ 500).



1. لقد راعت الشريعة حظَّ النفس، وغَلَبة الطبيعة البشرية، وشَرَعت الإحداد على فراق الأحبَّة والأقارب بالموت؛ ولكنها منعت تجاوز الحدَّ والزيادة على ما قرَّرته الشريعة، وإن بَقِيت آثار الحزن.

2. الإحداد صورة من يُسر الإسلام، ومسايرته للطبائع البشرية، وحفظ حقوق الأحياء والأموات، وشجب عادات الجاهلية القبيحة.

3. تَظهَر حِكْمةُ الإسلام جليَّةً في الفروق بين عدَّة المتوفَّى عنها زوجها، والحامل، والمطلَّقة، والآيسة، والصغيرة.


  1. من عظمة هذا الدين ضبط حياة الناس، ووضع قواعدَ لما يُصلح حياتهم، وتناوله لأمور الناس في حياتهم، وبعد مماتهم.

  2. قسمة الميراث قسمة إلهية لا دخل للعباد فيها، تولَّاها الله تعالى بعدله ورحمته وحكمته، وتدخُّل العباد في هذه القسمة الإلهية سيُدخل فيها الظُّلم والفوضى، وعدم تحقُّق العدالة والتوازن بين الورثة.

  3. إن المال هو قِوام الحياة، جعله الله لنا قيامًا، ونعمةٌ تستوجب الشكر، يجعلها الله في يد الإنسان إلى أجل محدود، واستخلفه فيه، وأمره أن يُنفقه فيما يُرضيه تعالى؛

    قال تعالى:

     ﴿ءَامِنُوا بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ ﴾ 

    [الحديد: 7].

  4. إذا مات الإنسان يؤول ماله وتركته إلى ورثته حَسَبَ ما قدَّره الله تعالى، وليس على حسب أهواء البشر ونظراتهم القاصرة.

  5. لقد تكفَّل الله تعالى بتقسيم المواريث في كتابه العزيز بشكل فيه إعجازٌ شأن كلام الله كلِّه.

  6. بالمال تقوم مصالح العباد، وهو وسيلة لتحقيق تلك المصالح، يحتاج إليه الإنسان ما دام على قيد الحياة، فإذا مات انقطعت حاجته، فكان من الضروريِّ أن يخلفه في ماله مالكٌ جديدٌ، ويحاسَب الميِّت عن ماله، من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟

  7. جعلت الشريعة المالَ لأقارب الميِّت؛ كي يطمئنَّ الناس على مصير أموالهم؛ إذ إنهم مجبولون على إيصال النفع لمن تربطهم بهم رابطة قوية من قرابة أو زوجية.

  8. حيث إن توزيع الميراث تشريع إلهيٌّ؛ فيجب التسليم المطلَق به، والرضا التامِّ بحكم الله تعالى، ولا يجوز لأحد التعقيب عليه والاعتراض؛ لأنه سيكون اعتراضًا على حكم الله، وهو أمر يتنافى مع الإيمان.

  9. أموالُنا لذَوِي الْمِيراثِ نَجمَعها = ودَارُنا لخَرَابِ البُومِ نَبنِيها

لا دارَ للمَرْءِ بعدَ الْمَوْتِ يَسْكُنُها = إلَّا الَّتِي كَانَ قَبْلَ الْمَوْتِ يَبْنِيها

فمَنْ بَنَاهَا بخَيْرٍ طَابَ مَسْكَنُهُ = ومَنْ بَنَاهَا بشَرٍّ خَابَ بَانِيها

1. من كمال الشريعة تحريمُ كل ما يضرُّ الإنسانَ في دينه، وعقله، ونفسه، وماله.

2. إن الإسلام دينٌ سامٍ، يَحرِص على مصالح العباد، وحياتهم، دينٌ يحفظ على أتباعه عقولهم، وأبدانهم، ودينهم.

3. امتنَّ الله تعالى على عباده بما خَلَقه في الأرض؛

فقال تعالى:

﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ ‌الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾

[البقرة (219)].

وجعله طيِّبًا مباحًا لهم، وحذَّر من كلِّ ما فيه مفاسدُ ومَضارُّ لهم.

4. أحلَّ الله تعالى للخلقِ الطيِّباتِ، وهى أغلبُ ما خَلَق الله في الأرض لنا، وحرَّم عليهم الخبائث؛ 

قال تعالى:

﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَٰٓئِثَ﴾

[الأعراف: 157]

5. من الخبائثِ المحرَّمة ما يُفسِد العقولَ من الأشربة، فصان الشرع بتحريمها العقولَ عما يُزيلها ويُفسدها، فحرَّم الله تعالى الخمرَ، بيعَها وشُربها؛

قال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا ‌الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾

[المائدة: 90].

6. قيل للعبَّاسِ بنِ مِرْدَاسٍ السلمىِّ - وقد تنزَّه عن الخمر في الجاهلية وتركها -: لِمَ تركتَ الشَّرَابَ وهو يَزِيدُ في جُرأتِكَ وسماحتك؟ فقال: أَكرَه أن أُصبح سيِّدَ قومي وأُمسي سَفِيهَهم [1].

7. إن الخمر أُمُّ الخبائث، فمَن شَرِبها قَتَلَ النَّفْسَ وزَنا، ورُبَّما كَفَرَ بالله تعالى والْعِياذ بالله.

8. وجدتُ الخَمْرَ جامحةً وفيها = خصالٌ تَفْضَحُ الرجلَ الكريما

فلا واللهِ أَشْرَبُها حَيَاتي = ولا أدعو لها أَبَدًا نديمَا

وَلا أُعْطي لها ثَمَنًا حياتي = ولا أَشْفِي بها أَبَدًا سَقِيمَا

فإنَّ الخمرَ تَفْضَحُ شاربيها = وتَجْشَمُهُمْ بها أَمْرًا عَظِيمَا

إِذَا دَارَتْ حُمَيَّاهَا تَعَلَّتْ = طَوَالِعُ تَسْفَهُ الرَّجُلَ الحَلِيمَا

9. شَرِبْتُ الإثمَ حتَّى ضَلَّ عَقْلي = كَذَاكَ الإثمُ يَفْعَلُ بالعُقُولِ

10. بِئْسَ الشَّرَابُ شَرَابٌ حِينَ تَشْرَبُهُ = يُوهِي العِظَامَ وَطَوْرًا يَأْتِي بالغَضَبِ

إنِّي أَخَافُ مَلِيكي أَنْ يُعَذِّبَنِي = وفي العَشِيرَةِ أن يُزْرَى على حَسَبي

11. وَحَرَّمْتُ شُربَ الخَمْرِ لا خَوْفَ سَائِطٍ = ولكنَّها تَرمي العُقولَ بِعُقَّالِ

12. يَقُولُ جَبَانُ القَوْمِ في حَالِ سُكْرِهِ = وقَدْ شَرِبَ الصَّهْبَاءَ: هَلْ مِنْ مُبَارِزِ؟

فَفِي السُّكْرِ قَيْسٌ وابْنُ مَعْدِي وَعَامِرٌ = وفي الصَّحْوِ تَلْقَاهُ كَبَعْضِ العَجَائِزِ

13. لَعَمْرُكَ إنَّ الخَمرَ ما دُمتُ شارِبًا = لَسالِبَةٌ مالي وَمُذْهِبَةٌ عَقلي

وتارِكَتي من الضِّعافِ قُوَاهُم = وَمُورِثَتي حَرْبَ الصَّديقِ بلا نَبْلِ

14. واهْجُرِ الخَمرةَ إنْ كُنتَ فَتًى = كيفَ يَسعى في جُنونٍ مَن عَقَلْ؟

واتَّقِ اللهَ فتقوى اللهِ ما = جَاوَرَتْ قلبَ امرئٍ إلَّا وَصَلْ


المراجع

1. "نهاية الأرب في فنون الأدب" لشهاب الدين النويريِّ (4/ 89).


1. قال لقمان الحكيم لابنه: "يا بُنيَّ، إذا امتلأت الْمَعِدة، نامت الفكرة، وخَرَست الحكمة، وقَعَدت الأعضاء عن العبادة" [1].

2. قلَّة الأكل من محاسن الرجال، وكَثْرتُه مَذَمَّة للإنسان، وقد كانت العرب تمتدح بقلَّة الأكل، وذلك معروفٌ في أشعارها؛ فكيف بأهل الإيمان؟!

3. من عَظُمت الدنيا في عينه من كافر وسَفَيهٍ، فإنما همَّتُه في شِبَع بطنه، ولذَّة فَرْجِه [2].

4. اعلم أن أصل كلِّ داء التُّخَمة من الطعام.

5. اعلم أن في تقليل الطعام منافعَ كثيرةً للجسم؛ مثل قوَّة الفهم، ورقَّة القلب، وانكسار النفس، وضعف الهوى والغضب.

6. إن المبالغة في الطعام يُوصِل الإنسان إلى الشِّبَع المفرِط، فيُقعِده عن العبادات والطاعات، وعن تَأْدِيَةِ ما أوجبه الله عليه في دينه، ويُصيبه بالكسل والتُّخَمَة، والأمراض المهلِكة، عاجلاً أو آجلاً.

7. إن البَطن خُلِق ليَتقوَّم به الصُّلْبُ بالطعام، وامتلاءه شَرٌّ يُفضي إلى الفساد في الدين والدنيا [3].

8. شهوةُ البطن من أعظم المهلِكات، وهي التي أخرجت آدمَ عليه السلام وحوَّاء من الجَّنة؛ إذ نُهيا عن الأكل من الشجرة، فوسوس إليهما الشيطان، وغلبت عليهما شَهوتهما حتى أكلا منها.

9. اقتصد في طعامك؛ ففيه صحَّة الأبدان.

10. إيَّاك والشِّبَع الدائمَ والتُّخَمة؛ ففيه ضعف الأبدان وهلاك الإنسان.

11. ثلاثٌ هنَّ مَهْلَكةُ الأنامِ = وداعيةُ الصَّحيحِ إلى السَّقامِ

دَوَامُ مُدَامةٍ ودَوَامُ وَطْءٍ = وإدخالُ الطَّعَامِ على الطَّعَامِ

12. ألا إن الطعامَ دَوَاءُ داءٍ = به ابتُليَت من القِدَمِ الأنامُ

فدَاوِ سَقامَ جُوعِكَ عَنْ كَفَافٍ = فإكثارُ الدَّوَاءِ هو السَّقَامُ

وما أَكْلُ الْمَطَاعِمِ لالْتِذاذٍ = ولكنْ للحياةِ بها دَوَامُ

13. كُنْ بما أُوتِيتَهُ مُغْتَبِطًا = تَسْتَدِمْ عَيْشَ الْقَنُوعِ الْمُكْتَفِي

إنَّ في نَيْلِ الْمُنَى وَشْكَ الرَّدَى = وَقِيَاسُ الْقَصْدِ عِنْدَ السَّرَفِ

كَسِرَاجٍ دُهْنُهُ قُوتٌ لَهُ = فَإذَا غَرَّقْتَهُ فِيهِ طَفِي

14. طعامُ الناس أَعْجَبُ ما أَحَبُّوا = فمنه حياتُهم وبه الحِمَامُ

يَقُودُهمُ الزَّمانُ إلى الْمَنايا = وما غيرُ الطعامِ لهم زِمَامُ

15. فإنَّ الدَّاءَ أكثرُ ما تَرَاهُ = يَكُونُ من الطَّعَامِ أو الشَّرَابِ

16. وأغبى العالمينَ فتًى أَكُولٌ = لفِطنَتِه ببِطنَتِه انهزامُ

ولو أني استطعتُ صيامَ دهري = لصُمْتُ فكان دَيْدَنيَ الصِّيامُ

ولكن لا أصومُ صِيامَ قومٍ = تَكاثَرَ في فُطورهِمُ الطَّعَامُ

المراجع

1.  "إحياء علوم الدين" للغزاليِّ (3/ 82).

2. "الاستذكار" لابن عبد البر (8/ 347).

3.  "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (10/ 3292).