1- احذر الرياء؛ فإنه أخوف شيء على المسلم؛ وذلك لخفائه وارتباطه بالقلب، وتطلُّع النفس إليه.
2- عجبًا لمَن يتصنَّع للناس بالزُّهد، يرجو بذلك قُرْبَه من قلوبهم، وينسى أن قلوبهم بيدِ مَن يعمل له؛ فإن رَضِي عملَه، ورآه خالصًا، لفَت القلوب إليه، وإن لم يره خالصًا، أعرض بها عنه![1]
3- كان طلحةُ بن مُصرِّف قارئَ الكوفة، فلما رأى كثرة الناس عليه، خاف من الرياء، فمشى إلى الأعمش وقرأ عليه، فمال الناس إلى الأعمش وتركوا طلحةَ[2]
4- الرياء من الشرك الأصغر، والشرك الأصغر أمرُه خطيرٌ، يَدِبُّ كدَبيب النمل، وهو أعظم من كبائر الذنوب.
5- إذا عَمِل العبد العمل للَّه خالصًا، ثم ألقى اللَّه له الثناءَ الْحَسَنَ في قلوب المؤمنين بذلك، ففرِح بفضل اللَّه ورحمته، واستبشر بذلك، لم يَضُرَّه ذلك[3]
6- حذارِ من حُبِّ الجاهِ والمنزلة؛ فإنه أصل الرياء، ويرجع إلى ثلاثةِ أُصولٍ، هي: حُبُّ لذَّةِ الحمدِ، والفرارُ من ألم الذمِّ، والطمعُ فيما في أيدي الناس[4]
7- من آثار الرياء وأضراره: حُبوط العمل وبُطلانه.
8- من آثار الرياء وأضراره: أن الرِّياء يفضحُ صاحبه يوم القيامة
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ:
«مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُومُ فِي الدُّنْيَا مَقَامَ سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ إِلَّا سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[5]
9- من آثار الرياء وأضراره: أن المرائيَ هو أول مَن تُسعَّر به النار يوم القيامة؛ لحديث النبي في الثلاثة المرائين: العالم والمجاهد والمنفِق[6]
10- ليس من الرياء إظهار شعائر الإسلام؛ كالأذانِ، والإقامةِ، والتكبيرِ، والأمرِ بالمعروفِ، والنهيِ عن المنكرِ، وعيادةِ الْمَرْضى، وتشييعِ الأمواتِ، فهذا لا يُمْكِن إخفاؤه، بشرط النية الصالحة .
11- مَن رَاءى بعمله وسمَّعه الناس؛ ليُكرموه ويُعظِّموه ويَعتَقدوا خيره، سَمَّع الله به يوم القيامة الناسَ وفَضَحَه، ومَن أراد بعمله الناسَ، أسمعه اللهُ الناسَ، وكان ذلك حظَّه منه[7]
12- قال بشر الحافي: "لأن أطلب الدنيا بمزمار أحبُّ إليَّ من أن أطلبها بالدِّين"[8]
13-
عن أبي موسى الأشعريِّ - رضِي الله عنه - قال:
خطَبَنا رسول الله ﷺ ذاتَ يومٍ فقال: «أيُّها الناس، اتَّقوا هذا الشِّرك؛ فإنَّه أخفى من دَبِيب النَّمل»، فقال له مَن شاء الله أنْ يقول: وكيف نتَّقِيه وهو أخفَى مِن دَبِيب النمل يا رسول الله؟ قال: «قولوا: اللهمَّ إنَّا نعوذ بك من أنْ نُشرِك بك شيئًا نَعلَمُه، ونستَغفِرك لما لا نعلمه»[9]
14- إن سرور العبد عند ثناء الناس عليه وهو لا يقصد ذلك، لا يقدح في إخلاصه، ما دام بدأه بإخلاص، وخرج منه مخلصًا؛
عن أبي ذر رضي اللهُ عنه قال:
قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ»[10]
15- حذارِ من تلبيس إبليس أن يوسوس لك لتمتنع مِن فِعل خيرٍ خوفَ أن يُظَنَّ بك الرياء، فإنْ طرَقَك مثلُ هذا فلا تلتفت إليه، وامضِ في عملك؛ إغاظةً للشيطان.
16- كم من عابدٍ اعتزل في جبل، وراهبٍ انزوى إلى دير، مع قطع طمعهم من مال الناس؛ لكنه يحب مجرَّد الجاه! ومنهم من يكون قصده المال، ومنهم من قصده الثناء وانتشار الصيت [11]
17- لَقَدْ خَسِرَ السَّاعِي إِلَى غَيْرِ رَبِّهِ = نِفَاقًا وهَلْ بَعْدَ الرِيَاءِ نِفَاقُ؟!
سَتَلْقَى الَّذِي قَدَّمْتَهُ وَذَخَرْتَهُ = وِفَاقًا ألا إنَّ الجَزَاءَ وِفَاقُ
18- أيا نفسُ لا تَنْسَيْ عَنِ اللهِ فَضْلَهُ = فَتَأْيِيدُهُ مُلْكِي، وَخِذْلانُهُ هُلكي
وَلَيسَ دَبيبُ الذَّرِّ فوْقَ الصَّفاة في الظْـ = ـظَلامِ بأخفى من رياءٍ ولا شركِ
المراجع
- "صيد الخاطر" لابن الجوزي (ص: 374).
- "صيد الخاطر" لابن الجوزي (ص: 292).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/83).
- "مختصر منهاج القاصدين" لابن قدامة المقدسيِّ (ص: 222).
- أخرجه الطبرانيُّ (237)، وقال الهيثميُّ (10/223): إسناده حسن، وصحَّحه الألبانيُّ لغيره "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 7، ح28).
- رواه مسلم (1905).
- "شرح صحيح مسلم" للنووي (18/ 116).
- "مختصر منهاج القاصدين" لابن قدامة المقدسي (ص214).
- " رواه أحمد (19109) بإسناد صحيح.
- رواه مسلم (2642).
- "مختصر منهاج القاصدين" لابن قدامة المقدسيِّ (ص214 - 217).
1- فلْيَحْذَرِ المسلم خصالَ النفاق، والتشبُّه بالمنافقين.
2- ما أسوأَ خصالَ المنافقين! الكذب، والخيانة، والغَدر، والفجور.
3- النفاقُ من أخطر الأمراض التي تُصيب الأفرادَ والجماعاتِ، ومن ثمَّ حذَّر منه الإسلامُ أشدَّ تحذير.
4- لقد بيَّن النبيُّ ﷺ صفاتِ المنافقين حتى يَحذَرَهم المؤمنُ، ويحافظ على نفْسه من أن يتلبَّس بشيء من أخلاقهم.
5- أدِّ الأمانةَ إلى من ائْتمنك، ولا تَخُنْ من خانَك.
6- ما ازداد عَبْدٌ بعفو إلا عِزًّا، أما من يَفْجُر - والفُجْر في الخصومة دليلُ الفُسوق والعصيان - فهو من المنافقين.
7- والصّدقُ يألَفُهُ الكريمُ المرتجى = والكِذْبُ يألَفُهُ الدَّنيءُ الأَخْيَبُوَدَعِ الكَذُوبَ فلا يكن لك صاحبًا = إِنَّ الكذوبَ لَبِئْسَ خِلًّا يُصْحَب
8- للناسِ فَضْلُكَ في حُسْنِ الصَّفاءِ وفي = صِدْقِ الحديثِ، وشرُّ الخَلَّةِ الكَذِبُ
9- أَدِّ الأَمَانَةَ والخِيَانَةَ فاجْتَنِبْ = وَاعْدِلْ ولا تَظْلِمْ، يَطِبْ لك مَكْسَبُ
10- ومَنْ أَلِفَ الخيانةَ كيف يُرجى = له أن يَحفَظ اللصَّ الخَؤونا
11-واتْرُكْ خَلائِقَ قَوْمٍ لا خَلاقَ لَهُمْ = واعْمَدْ لأخْلاقِ أهلِ الفَضْلِ والأدَبِ
وإنْ دُعِيتَ لغدرٍ أو أُمِرْتَ به = فاهرُبْ بنفسِكَ عنه آبِدَ الهَرَبِ
1- قال عبدُ اللّه بنُ مسعود: "اتَّبِعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كُفِيتُم؛ فإنَّ كلَّ مُحدَثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة"[1]
2- قال عبد اللّه بن مسعود: "إنّا نقتدي ولا نبتدي، ونتَّبِع ولا نبتدع، ولن نضلَّ ما تمسَّكنا بالأثر"[2]
3- قال عبد اللّه بن مسعود: "إيّاكم والتّبدُّعَ، وإيّاكم والتّنطُّعَ، وإيّاكم والتّعمُّقَ، وعليكم بالدّين العتيق"[3]
4- قال عبد اللّه بن مسعود: "وإيّاكم والمحدثاتِ؛ فإنّ شرَّ الأمور مُحدَثاتها، وكلَّ بدعة ضلالة"[4]
5- قال عبد اللّه بن مسعود: "اتَّبِعْ ولا تبتدع؛ فإنّك لن تضلَّ ما أَخذتَ بالأثر"([5]
6- قال ابن عبّاس: "كان يُقال: عليكم بالاستقامة والأثر، وإيّاكم والتّبدُّعَ"[6]
7- قال شُريح: "إنّما أقتفي الأثر، فما وجدتُ قد سَبَقنا إليه غيركم، حدَّثتُكم به"[7]
8- قال إبراهيم النَّخَعيُّ: "لو بلغني عنهم - يعني الصّحابة - أنّهم لم يجاوزوا بالوضوء ظُفْرًا ما جاوزتُه به، وكفى على قوم وزرًا أن تُخالف أعمالهم أعمال أصحاب نبيِّهمﷺ[8]
9- قال عمر بن عبد العزيز: "إنّه لم يبتدع النّاس بدعةً إلّا وقد مضى فيها ما هو دليل وعبرة منها، والسّنَّة ما استنَّها إلّا مَن علم ما في خلافها من الخطأ والزَّلَل والحُمق والتّعمُّق، فارضَ لنفسك ما رَضِيَ القوم"[9]
10- قال عمرُ بنُ عبد العزيز: "قف حيث وقف القوم، وقُل كما قالوا، واسكت كما سكتوا؛ فإنّهم عن عِلْم وقفوا، وببصر ناقد كفُّوا، وهم على كشفها كانوا أقوى، وبالفضل لو كان فيها أحرى"[10]
11- عليك بسنَّة النبيِّ ﷺ؛ فإن سنَّة النبيِّ ﷺهي سبيل النجاة من الخلافات والبدع.
12-لا سبيل للنجاة من الفتن إلا بالتمسُّك بكتاب الله وسنَّة رسوله ﷺ؛ فكتابُ الله مَن اعتصَم به كفاه وهداه ووقاه، وسُنَّةُ نبيِّه ﷺ نورٌ على الطريق يومَ تعصِفُ ظلماتُ الفِتَن بالأمَّة. وفي الخبر عن رسول الله ﷺ: «وسترَوْنَ من بعدي اختلافًا شديدًا، فعليكم بسُنَّتي، وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين، عَضُّوا عليها بالنَّوَاجِذ، وإيَّاكم والأمورَ المُحدَثاتِ؛ فإن كلَّ بِدعة ضلالة»[11]
13- تَحْيَا الخلائِقُ وَالْغَوِيُّ يَشُدُّها = نحوَ الضَّلالِ لحَمْأَةٍ وفَسَادِ
يَسْعى بهم أهلُ الدَّهَاءِ بمَكْرِهم = ليُجَنِّبوهم منهجَ الإرشاد
لا يَفتُرون عن الوسائل للهوى = مهما رَأَوْا مِن شِدَّةٍ وعِنادِ
حَمَلوا النُّفُوسَ على الغَوايَة والأذى = وتَعَمَّقُوا في الزَّيْغِ والإفساد
المراجع
- "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم (4/ 115).
- "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم (4/ 115).
- "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم (4/ 115).
- "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم (4/ 115).
- "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم (4/ 115).
- "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم (4/ 115).
- "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم (4/ 115).
- "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم (4/ 115).
- "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم (4/ 115).
- "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم (4/ 115).
- رواه أبو داود (4607)، والترمذيُّ (2676)، وابن ماجه (42)، وصحَّحه ابن الملقِّن في "البدر المنير" (9/ 582)، وصحَّحه الألبانيُّ في المشكاة (165)، والإرواء (2455).
1- الأَولى للعامل أن لا يُجهد نفسه بحيث يَعجِز وينقطِع عن الطاعة؛ بل يعمل بتلطُّف حتى يدوم عمله ولا ينقطع.
2. قال تعالى:
شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ
[البقرة: ١٨٥].
هذه هي القاعدة الكبرى في تكاليف هذه العقيدة كلها؛ فإنها ميسَّرة لا عُسْرَ فيها.
3- هذه العقيدة توحي للقلب الذي يتذوَّقها بالسهولة واليُسر في أخذ الحياة كلِّها، وتَطبَع نفس المسلم بطابَع خاصٍّ من السماحة التي لا تكلُّف فيها ولا تعقيدَ، سماحة تؤدَّى معها كلُّ التكاليف، وكلُّ الفرائض، وكلُّ نشاط الحياة الجادَّة، في طمأنينة وثقة ورضا، مع الشعور الدائم برحمة الله، وإرادته اليُسْرَ لا العُسْرَ بعباده المؤمنين.
4- إن مجاوزة السنَّة حتى لو في الطاعة يؤدِّي بالمرء إلى الهلاك.
5- ما لا يُدرَكُ كلُّه، لا يُترَك جلُّه.
6- الالتزام بالسنَّة والمشروع من العبادات هو سبيل السداد والبشرى.
7- إن السداد والبشرى في الالتزام والاستقامة والتمسُّك بالدّين الحنيف.
8- من يُسر هذا الدين ورحمته أن جعل قدرة الإِنسان وطاقته البدنية شرطًا في جميع التكاليف الشرعية، وأن رفع الحرج عن المكلَّفين أصل من أصول التشريع الإِسلاميِّ، وترغيبه في الأخذ بالرُّخص كالقصر والإِفطار في السفر.
9- إِذا لَم يَكُن عَوْنٌ مِنَ اللَهِ للِفَتى = فَأَكثَرُ ما يَجني عَلَيْهِ اجتِهادُهُ
1- إن ممارسة العبادة هي التي تُعين المرء على إحياء نفسه وقلبه؛ فمهما قرأتَ من كتب نظرية، أو استمعتَ لدروس عن التقوى والإيمان والاحتساب والإخلاص لله تعالى، فلا يمكِن أن تَلمِس هذه المعانيَ وتحياها إلا بمباشرة العبادة إيمانًا واحتسابًا، فتلمس معنى التقوى والإخلاص لله تعالى.
2- العبادةُ هي الغاية التي خَلَق اللّه لها العباد من جهة أمر اللّه ومحبَّته ورضاه؛
كما قال تعالى:
﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ﴾
[الذاريات: 56]
وبها أَرسَل الرّسل، وأَنزَل الكُتب، وهي اسم يجمع كمال الحبِّ للّه ونهايته، وكمال الذّلِّ للّه ونهايته؛ فالحبُّ الخليُّ عن ذُلٍّ، والذّلُّ الخليُّ عن حبٍّ، لا يكون عبادةً؛ وإنّما العبادةُ ما يَجمَع كمال الأمرين؛ ولهذا كانت العبادة لا تصلح إلّا للّه، وهي وإن كانت منفعتُها للعبد، واللّه غنيٌّ عن العالمين، فهي له من جهة محبَّته لها ورضاه بها[1].
3- إن المنهج الإسلاميَّ في التربية يَربِط بين العبادة وحقائقِ العقيدة في الضمير، ويَجعَل العبادةَ وسيلةً لإحياء هذه الحقائق وإيضاحها وتثبيتها في صورة حيَّة تتخلَّل المشاعر، ولا تَقِف عند حدود التفكير.
4- الصّلاةُ أفضل الأعمال، وهي مؤلَّفة من كَلِم طيِّب وعمل صالح؛ أفضلُ كَلِمها الطّيِّب وأوجبُه القرآن، وأفضلُ عملها الصّالح وأوجبُه السُّجود[2].
5- لا يؤدِّي زكاةَ ماله طيِّبةً بها نفسُه إلّا مؤمن. وسببُ هذا أنّ المال تحبُّه النّفوس، وتَبخَل به، فإذا سَمَحت بإخراجه للّه - عزّ وجلّ - دلَّ ذلك على صحَّة إيمانها باللّه، ووَعْده، ووعيده؛ ولهذا مَنَعت العرب الزّكاة بعد النّبيِّ ﷺ، وقاتلهم الصّدِّيقُ رضي اللّه عنه على منعها[3].
6- المقصودُ من إيجاب الصوم وشَرْعِه، ليس نفْسَ الجوع والعطش؛ بل ما يَتبَعُه من كَسْر الشهوة، وإطفاء ثائرة الغضب، وتطويع النفْس الأمَّارة للنفْس المطمئنَّة، فإذا لم يحصُل له شيءٌ من ذلك، ولم تتأثَّر به نفْسه، لم يكن له من صيامه إلا الجوعُ والعطشُ، لا يُبالي الله تعالى بصومه، ولا ينظر إليه نظرَ قَبولٍ؛ إذ لم يقصد به مجرَّد جوعه وعطشه، فيحتفل به، ويقبل منه [4].
7- غاية الصيام التقوى؛ ﱡلَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﱠ، أن تصوم وتقوم «إيمانًا واحتسابًا»؛ فالإسلام ليس شكليَّاتٍ ظاهريةً؛ بل إنه يُحيي النفوس والقلوب بهذه النفحات الإيمانية، فيصوم المرء ويقوم إيمانًا واحتسابًا وتجرُّدًا وإخلاصًا لله تعالى، فتتشرَّب نفسه المعانيَ الإيمانية، فتَقَرَّ في نفسه وقلبه؛ ليُكمل الطريق إلى الله والدار الآخرة.
8- إنَّ في الصيام اجتماعَ أنواع الصبر الثلاثة؛ فهو صبرٌ على طاعة الله؛ لأن الإنسان يَصبر على هذه الطاعة ويَفعلها، وصبرٌ عن معصيته؛ لأنه يَتجنَّب ما يَحرُم على الصائم، وصبرٌ على أقدار الله؛ لأن الصائم يُصيبه ألَمٌ بالعطش، والجوع، والكسل، وضعف النفْس؛ فلهذا كان الصوم من أعلى أنواع الصبر؛ لأنه جامع بين الأنواع الثلاثة،
وقد قال الله تعالى:
﴿إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ﴾
[الزمر: 10].
9- الغرضُ من الصيام كسْرُ النَّفْس بترك الطعام، والغَرَض من كَسْر النَّفْس تركُ المناهي، والغَرَض الْمُعَظَّم من الصيام ترْكُ المناهي التي هي مُحَرَّمةٌ، لا ترك الطعام والشراب اللَّذينِ هما مباحانِ [5]
10- ارْتِفَاعُ الأَذَان فَوْقَ الْمَآذِنْ = فِي انْبِلَاجِ الصَّبَاحِ وَاللَّيْلُ سَاكِنْ
دَعْوَةٌ تَحْمِلُ الْحَيَاةَ إِلَى الْكَوْ = نِ وَسُكَّانِهِ قُرًى وَمَدَائِنْ
وَنِدَاءٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْ = ضِ إِلَى ظَاهِرٍ عَلَيْهَا وَبَاطِنْ
وَلِقَاءٌ بَيْنَ الْمَلائِكِ وَالإِيـ = ـمَانِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ غَيْرِ آذِنْ
وَانْطِلاقٌ إِلَى الْفَلاحِ إِلَى الْخَيْـ = ـرِ إِلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى وَالْمَحَاسِنْ
11- يا مَنْ تـَصَدَّقَ مالُ اللهِ تـَبْذلـُهُ = في أوجُـهِ الخير ِما لِلمال نـُقصانُ
كـَمْ ضاعَفَ اللهُ مالاً جادَ صاحِبُهُ = إنَّ السَّخاءَ بـِحُـكـْم ِاللهِ رضــوانُ
الشُّـحُّ يُـفـْضي لِسُقْمٍ لا دَواءَ لـَهُ = مالُ البَخيل ِغـَدا إرْثـًا لِمَنْ عانوا
إنَّ التَّصَدُّقَ إسعادٌ لِمَنْ حُرِموا = أهلُ السَّخاءِ إذا ما احْتجْتَهُمْ بانوا
12- رَمَضَانُ يَا عُرْسَ الهِدَايَةِ مَرْحَبًا = يَا نَبْعَ خَيْرٍ فِي الوُجُودِ تَدَفَّقَا
مَا أَنْتَ إِلاَّ رَحْمَةٌ عُلْوِيَّةٌ = خَصَّ الإِلَهُ بِهَا الوَرَى وَتَرَفَّقَا
13- رَمَضَانُ بِالحَسَنَاتِ كَفُّكَ تَزْخَرُ = وَالكَوْنُ فِي لَأْلاءِ حُسْنِكَ مُبْحِرُ
يَا مَوْكِبًا أَعْلامُهُ قُدْسِيَّةٌ = تَتَزَيَّنُ الدُّنْيَا لَهُ تَتَعَطَّرُ
أَقْبَلْتَ رُحْمًا فَالسَّمَاءُ مَشَاعِلٌ = وَالأَرْضُ فَجْرٌ مِنْ جَبِينِكَ مُسْفِرُ
هَتَفَتْ لِمَقْدِمِكَ النُّفُوسُ وَأَسْرَعَتْ = مِنْ حُوبِهَا بِدُمُوعِهَا تَسْتَنْفِرُ
المراجع
- "مجموع الفتاوى" (10/ 19).
- "مجموع الفتاوى" (14/5).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 24).
- "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" للبيضاويِّ (1/ 497).
- "المفاتيح في شرح المصابيح" للمظهريِّ (3/ 24).
1- إن الإسلام دين الطهارة والنظافة والجمال، حتى إنه جعل الطهارةَ من أَجَلِّ العبادات، وأعظمِ القُرُبات التي يَتقرَّب بها العبدُ إلى خالقه سبحانه، وعليها تتوقَّف صحَّةُ كثيرٍ من العبادات.
2- إن الطهارة سبب لمحبَّة اللهِ - عزَّ وجلَّ -
قال تعالى:
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّـٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ ﴾
[البقرة: 222].
3- جعل الإسلامُ الطُّهور شطرَ الإيمان؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ»[1]
4- أمر الله تعالى بالهيئة الحسنة عند الذهاب للمسجد؛
قال تعالى:
يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ
[الأعراف: ٣١].
5- جعل الله تعالى الدخولَ عليه موقوفًا على الطهارة، فلا يَدخُل المصلِّي عليه حتى يتطهَّر، وكذلك جعل الدخولَ إلى جنَّته موقوفًا على الطِّيب والطهارة، فلا يَدخُلها إلا طيِّب طاهر؛ فهما طهارتان: طهارةُ البَدَن، وطهارة القَلب؛ ولهذا شُرع للمتوضِّئ أن يقول عَقِيب وضوئه: «أَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحّمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ». فطهارةُ القلب بالتوبة، وطهارة البدن بالماء، فلمَّا اجتمع له الطُّهران، صَلَح للدخول على الله تعالى، والوقوف بين يديه ومناجاته[2]
6- وَوُلِدْتَ مَفْطُورًا بِفِطْرتَكِ التِي = لَيْسَتْ سِوَى التَّصْدِيْقِ والإِيْمَانِ
وَبُلِيتَ بالتَّكْلِيفَ أَنْتَ مُخَيَّرٌ = وَأَمَامَكَ النَّجْدَانِ مُفْتَتَحَانِ فَعَمِلْتَ مَا تَهْوَى وَأَنْتَ مُرَاقَبٌ = مَا كُنْتَ مَحْجُوبًا عَن الدَّيَّانِ
المراجع
- رواه مسلم (223).
- "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" لابن القيم (1/ 56).
1- عن الْمِنْهَالِ، قال: كُنْتُ عند أبي الْعَالِيَةِ، فَتَوَضَّأَ وَتَوَضَّأَتُ،
فقُلتُ:
﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّـٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ﴾
[البقرة: 222]
فقال: إِنَّ الطُّهُورَ بِالْمَاءِ لَحَسَنٌ؛ ولكنهم الْمُتَطَهِّرون من الذُّنُوبِ[1]
2- الجنة لا يَدخُلها خبيث، ولا من فيه شيء من الخُبث؛ فمن تطهَّر في الدنيا، ولَقِي الله طاهرًا من نجاساته، دَخَلها بغير معوِّق، ومن لم يتطهَّر في الدنيا، فإن كانت نجاسته عينيةً كالكافر، لم يَدخُلها بحال، وإن كانت نجاستُه كَسْبيةً عارضةً، دَخَلها بعدما يتطهَّر في النار من تلك النجاسة، ثم يَخرُج منها، حتى إن أهل الإيمان إذا جازوا الصراط، حُبِسوا على قنطرة بين الجنَّة والنار، فيُهَذَّبون ويُنَقَّوْنَ من بقايا بَقِيت عليهم، قَصُرت بهم عن الجنَّة، ولم توجب لهم دخولَ النار، حتى إذا هُذِّبوا ونُقُّوا، أُذِن لهم في دخول الجنة[2]
3- إن الله سبحانه بحِكمته جعل الدخولَ عليه موقوفًا على الطهارة، فلا يَدخُل المصلِّي عليه حتى يتطهَّر، وكذلك جعل الدخولَ إلى جنَّته موقوفًا على الطِّيب والطهارة، فلا يَدخُلها إلا طيِّب طاهر؛ فهما طهارتان: طهارةُ البَدَن، وطهارة القَلب؛ ولهذا شُرع للمتوضِّئ أن يقول عَقِيب وضوئه: «أَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحّمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ». فطهارةُ القلب بالتوبة، وطهارة البدن بالماء، فلمَّا اجتمع له الطُّهران، صَلَح للدخول على الله تعالى، والوقوف بين يديه ومناجاته[3]
4- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: "مَن سَرَّه أن يلقى الله غدًا مسلمًا، فليحافظ على هؤلاء الصّلوات حيث يُنادى بهنّ؛ فإنّ الله شَرَع لنبيِّكم r سُنَن الهُدى، وإنّهنّ من سنن الهدى، ولو أنّكم صلَّيتم في بيوتكم كما يصلّي هذا المتخلِّف في بيته، لتركتم سنّة نبيِّكم، ولو تركتم سنَّة نبيّكم لضللتم، وما من رجل يتطهَّر فيُحسن الطُّهور، ثمّ يَعمِد إلى مسجد من هذه المساجد، إلّا كَتَب الله له بكلّ خُطوة يخطوها حسنةً، ويرفعه بها درجةً، ويحطُّ عنه بها سيّئةً، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلّا منافق معلوم النّفاق، ولقد كان الرّجل يؤتى به يُهادى بين الرّجلين حتّى يُقام في الصّفِّ"[4]
5- عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
«الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلَآنِ - أَوْ تَمْلَأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا»
[5]
المراجع
- "تفسير ابن أبي حاتم" (2/ 403).
- "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" لابن القيم (1/ 56).
- "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" لابن القيم (1/ 56).
- أخرجه مسلم (654).
- رواه مسلم (223).
1- إن الطهارةَ من أَجَلِّ العبادات، وأعظمِ القُرُبات التي يَتقرَّب بها العبدُ إلى خالقه سبحانه، وعليها تتوقَّف صحَّةُ كثيرٍ من العبادات، والطهارة سبب لمحبَّة اللهِ - عزَّ وجلَّ -
قال تعالى:
( إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّـٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ)
[البقرة: 222].
2- قال إبراهيم النَّخَعيُّ: "لو بلغني عنهم - يعني الصّحابة - أنّهم لم يجاوزوا بالوضوء ظُفْرًا ما جاوزتُه به، وكفى على قوم وزرًا أن تُخالف أعمالهم أعمال أصحاب نبيِّهم ﷺ[1]
3- عن الْمِنْهَالِ، قال: كنتُ عند أبي العالِيَة، فتوضَّأ وتوضَّأتُ،
فقلتُ:
( إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّـٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ)
[البقرة: 222]،
فقال: إن الطُّهور بالماء لَحَسَنٌ؛ ولكنهم المتطهِّرون من الذنوب[2]
4-
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ:
«أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى المكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى المسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ»[3]
5-
عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى، مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لوقتهن وَأتمَّ ركوعَهنَّ وخُشُوعَهنَّ، كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ»[4]
6-
عن عثمانَ بنِ عفَّانَ رضي الله عنه قال:
سَمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «ما من امرئٍ مسلمٍ تحضُرُه صلاة مكتوبةٌ، فيُحسن وُضوءَها، وخشوعها، وركوعها، إلا كانت كفَّارةً لِما قبلها من الذنوب ما لم يُؤتِ كبيرة، وذلك الدهرَ كلَّه»[5]
7-
قال ﷺ:
«إن أمتي يُدْعَوْن يومَ القيامة غُرًّا محجَّلين من آثار الوضوء، فمَن استطاع منكم أن يُطيل غُرَّته فلْيَفْعَل»[6]
8- الجنة لا يَدخُلها خبيث، ولا من فيه شيء من الخُبث؛ فمن تطهَّر في الدنيا، ولَقِي الله طاهرًا من نجاساته، دَخَلها بغير معوِّق، ومن لم يتطهَّر في الدنيا، فإن كانت نجاسته عينيةً كالكافر، لم يَدخُلها بحال، وإن كانت نجاستُه كَسْبيةً عارضةً، دَخَلها بعدما يتطهَّر في النار من تلك النجاسة، ثم يَخرُج منها، حتى إن أهل الإيمان إذا جازوا الصراط، حُبِسوا على قنطرة بين الجنَّة والنار، فيُهَذَّبون ويُنَقَّوْنَ من بقايا بَقِيت عليهم، قَصُرت بهم عن الجنَّة، ولم توجب لهم دخولَ النار، حتى إذا هُذِّبوا ونُقُّوا، أُذِن لهم في دخول الجنة[7]
9- إن الله سبحانه بحِكمته جعل الدخولَ عليه موقوفًا على الطهارة، فلا يَدخُل المصلِّي عليه حتى يتطهَّر، وكذلك جعل الدخولَ إلى جنَّته موقوفًا على الطِّيب والطهارة، فلا يَدخُلها إلا طيِّب طاهر؛ فهما طهارتان: طهارةُ البَدَن، وطهارة القَلب؛ ولهذا شُرع للمتوضِّئ أن يقول عَقِيب وضوئه: «أَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحّمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ». فطهارةُ القلب بالتوبة، وطهارة البدن بالماء، فلمَّا اجتمع له الطُّهران، صَلَح للدخول على الله تعالى، والوقوف بين يديه ومناجاته[8]
10- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: "مَن سَرَّه أن يلقى الله غدًا مسلمًا، فليحافظ على هؤلاء الصّلوات حيث يُنادى بهنّ؛ فإنّ الله شَرَع لنبيِّكم r سُنَن الهُدى، وإنّهنّ من سنن الهدى، ولو أنّكم صلَّيتم في بيوتكم كما يصلّي هذا المتخلِّف في بيته، لتركتم سنّة نبيِّكم، ولو تركتم سنَّة نبيّكم لضللتم، وما من رجل يتطهَّر فيُحسن الطُّهور، ثمّ يَعمِد إلى مسجد من هذه المساجد، إلّا كَتَب الله له بكلّ خُطوة يخطوها حسنةً، ويرفعه بها درجةً، ويحطُّ عنه بها سيّئةً، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلّا منافق معلوم النّفاق، ولقد كان الرّجل يؤتى به يُهادى بين الرّجلين حتّى يُقام في الصّفِّ"[9]
11-
عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلَآنِ - أَوْ تَمْلَأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا»[10]
12- إن الإسلام دين الطهارة والنظافة والجمال، حتى إنه جعل الطهارةَ من أَجَلِّ العبادات، وأعظمِ القُرُبات التي يَتقرَّب بها العبدُ إلى خالقه سبحانه، وعليها تتوقَّف صحَّةُ كثيرٍ من العبادات.
13- أمر الله تعالى بالهيئة الحسنة عند الذهاب للمسجد؛
قال تعالى:
( يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ)
[الأعراف: ٣١].
المراجع
- "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم (4/ 115).
- "تفسير ابن أبي حاتم" (2/ 403).
- رواه مسلم (251).
- رواه أحمد (23080)، وابن ماجه (1401)، وأبو داود (425) وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب (370).
- رواه مسلم (228).
- رواه البخاريُّ (136)، ومسلم (246)، وانظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبيِّ (1/ 476).
- "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" لابن القيم (1/ 56).
- "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" لابن القيم (1/ 56).
- أخرجه مسلم (654).
- رواه مسلم (223).
1- لو أمعنَّا النظر في هذا الحديث كلِّه من أوَّله إلى آخره، لوجدناه متضمِّنًا لعلوم الشريعة كلِّها، ظاهرِها وباطنها؛ فهو جامع لجميع أحوال الشخص؛ إذ فيه بيان حال مبدئه، وهو خَلْقُه، وحال مَعاده، وهو السعادة أو الشقاء، وما بينهما وهو الأجل، وما يتصرَّف فيه وهو الرزق.
2- لا يغترُّ المرء بطاعته مهما بلغت، ولو كانت بعدد الأنفاس؛ فذلك محض فضلٍ ومِنَّة من الله تعالى على عبده، تستوجب أن يكون عبدًا شكورًا.
3- عناية الله تعالى بالخَلق، حيث وكَّل بهم وهم في بطون أمهاتهم ملائكةً يَعتَنون بهم، ووكَّل بهم ملائكةً إذا خرَجوا إلى الدنيا، وملائكةً إذا ماتوا، كل هذا دليلٌ على عناية الله تعالى بنا.
4- ظاهر الأعمال من الحسنات والسيئات أمارات، وليس بموجِبات، وأن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء[1]
5- الثواب والعقاب راجعٌ إلى أمر الخاتمة، وأن التوبة تُكفِّر الذنوب، وأن مَن مات على شيء حُكِم عليه به من خير أو شرٍّ، إلا ما عفا الله عنه من السيئات، وسمح فيه لأهل الإيمان من التبِعات[2]
6- على المسلم أن يتفكَّر في هذا الحديث الذي يُعلِمه بحقيقة الخلق والحياة، والموت والقدر، فيَقَرُّ في قلبه الشعور بالخوف من سوء الخاتمة، فيحذر الاستهانة بالذنوب والمعاصي، ولا يغترَّ بأعماله الصالحة، ويسأل الله الثبات.
7- لا يُقبِل عبدٌ على الله بصدق وإخلاص، ويعمل بعمل أهل الجنة، إلا وجد عند الله الخير والمثوبة، لا يخذله الله أبدًا؛ فالله تعالى أكرم من عبده.
8- قال عليُّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: "إياكم والاستنانَ بالرجال؛ فإن الرجُل يعمل بعمل أهل الجنة ثم ينقلب - لعِلم الله فيه - فيعمل بعمل أهل النار، فيموت وهو من أهل النار، وإن الرجُل ليعمل بعمل أهل النار، فينقلب - لعِلم الله فيه - فيعمل بعمل أهل الجنة، فيموت وهو من أهل الجنة، فإن كنتم لا بُدَّ فاعلين، فبالأموات لا بالأحياء"[3]
9- كان سفيان الثورُّي $ يَبكي ويقول: "أخاف أن أكون في أمِّ الكتاب شقيًّا"، ويقول: "أخاف أن أُسلَب الإيمانَ بعد الموت"[4]
10- كان مالك بن دينار يقوم طولَ ليله قابضًا على لحيته ويقول: "يا ربِّ، قد علمتَ ساكن الجنة من ساكن النار، ففي أيِّ الدارين منزلُ مالك؟"[5]
11- قال ابن أبي جمْرةَ: هذه التي قطعت أعناق الرجال مع ما هم فيه من حُسن الحال؛ لأنهم لا يَدرون بماذا يُختَم لهم[6]
12- عن أنس رضي الله عنهقال: كان رسول الله r يُكثر أن يقول: «يا مُقَلِّبَ القلوب ثَبِّتْ قلبي على دينك»[7]
13- للهِ فـي الآفَـاِق آيَـاتٌ لَعَلْ = لَ أَقَلَّهَـا هُـَو مَـا إِلَيْهِ هَدَاكَ
وَلَعَلَّ مَا في النَّفْسِ مِـْن آيَاتِهِ = عَجَبٌ عُجَابٌ لَـْو تَـَرى عَيْنَـاكَ
وَالْكَـوْنُ مَشْحُـونٌ بِأَسْرَارٍ إِذَا = حَاوَلْـتَ تَفْسِيـرًا لَهَـا أَعْيَـاكَ
قُلْ لِلْجَنِينِ يَعِيشُ مَعْـُزولاً بِلا = رَاعٍ وَمَرْعَى مَا الَّـذِي يَرْعَـاكَ؟
14- فَيا عَجَبًا كَيفَ يُعصى الإِلَـ = ـهُ أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الجاحِدُ
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ = تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ
وَلِلَّهِ في كُلِّ تَحْرِيكَةٍ = وَتَسْكِينَةٍ أَبَدًا شَاهِدُ
المراجع
- "أعلام الحديث (شرح صحيح البخاريِّ)" للخطَّابيِّ (2/ 1483).
- "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (8/ 128).
- "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم (2/ 135).
- "شرح الأربعين النووية" لابن رجب (ص: 47).
- "شرح الأربعين النووية" لابن رجب (ص: 47).
- "فتح الباري" لابن حجر (11/ 488).
- رواه الترمذيُّ (2140)، وابن ماجهْ (3834)، وقال الترمذيُّ: حديث حسن، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح سنن الترمذيِّ" (2140).
هذا الحديث يَرسُم صورة لنشر الدعوة كيف تسارعت حتى عمَّت العالم كلَّه في سنوات قلائل، فبمجرَّد الإسلام والصُّحبة تصير الدعوةُ هي قضيتَهم وحياتهم، فيبذلون النفس والنفيس في سبيل التعلُّم، وتبليغ الرسالة، وهجرة الأهل والأحباب والديار والأوطان.
قوله : «ارجعوا إلى أهليكم، فعلِّموهم ومُروهم»: يأمرهم النبيُّ ﷺ بتبليغ ما تعلَّموه، وهذه وصية النبيِّ ﷺ في أحاديثَ كثيرةٍ، ومنه قوله ﷺ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» [1]؛ حتى يسارع كلُّ مسلم إلى تبليغ ما بَلَغه من الشرع مهما قلَّ، وحتمًا سيصل كل ما جاء به ﷺ إذا فعل كلُّ مسلم ذلك.
إن من آفات هذا العصر: النظرَ لفئة الشباب على أنهم أهل تهوُّر وطَيش، وإن كان ذلك له وجه في المجتمعات المختلفة، فإنه لا يصحُّ البتَّةَ في المجتمعات الإسلامية؛ إذ إن الشباب المسلمين الصالحين كان لهم دور بارز في تاريخ الإسلام؛ في العبادة والجهاد والدعوة والعلم ورفع راية الإسلام.
للشباب دور بارز في تاريخ الدعوة الإسلامية، وبزُّوا في كل ميدان، ونصروا الدين والعقيدة، ونشروا دعوة الإسلام؛ كمصعب بن عمير، أول سفير في الإسلام، والمجاهدين الذين قادوا الجيوش وخاضوا المعارك؛ كأسامة بن زيد، رضي الله عنهم أجمعين، وما كان ذلك إلا لترعرعهم تحت ظلال الإسلام، وهكذا ترى شباب وفتيان هذه السنِّ حتى يومنا هذا ممن ترعرعوا تحت راية الإسلام.
في آيات كثيرة من القرآن يرشد الله تعالى الدعاة إلى الأخلاق الفاضلة والطريقة الصحيحة للدعوة من خلال الحديث عن أخلاق النبيِّ ﷺ؛ ليتأسَّى الداعية بالنبيِّ ﷺ فيكون رحيمًا هيِّنًا ليِّنًا شَفوقًا بالمدعوِّين، فيمتثل قول الله تعالى لنبيِّه:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾
[آل عمران: 159].
على الداعية أن يتأسَّى بالنبيِّ ﷺ في إظهار الرحمة بالمدعوِّين والحرص عليهم؛
قال تعالى:
﴿لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾
[التوبة: ١٢٨].
من مظاهر رحمته ﷺ حرصُه على عدم تكليفهم ما يشقُّ عليهم، ومراعاة حالتهم النفسية والوجدانية.
للرفق أثر كبير في نفوس المدعوِّين، وهو أدعى للاستجابة، حتى إن الله تعالى أمر موسى وهارون – عليهما السلام – باللين في مخاطبتهما فرعون المستكبر؛
قال تعالى:
﴿فَقُولَا لَهُۥ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ﴾
[طه: ٤٤].
المراجع
1. رواه البخاريُّ (3461).
1- إن حسن النِّيَّة والاجتهاد في العمل لا يجعله صحيحًا ما لم يكن موافقًا لسنَّة النبيِّ ﷺ، مهما كان اجتهاد صاحبه وحرصه على الخير.
2- بئس خُلقًا الجهلُ؛ فمها اجتهد المرء في العبادات والطاعات على غير عِلْم، فربما ذهب عمله هباء منثورًا دون أن يدريَ، وهو يحسب أنه يُحسِن صُنعًا.
3- ينبغي الرفقُ بالمتعلِّم والجاهل ومُلاطفتُه، وإيضاحُ المسائل، والاقتصارُ في حقِّه على المهمِّ دونَ المكمِّلات التي لا يَحتمِل حالُه حفظَها[1]
4- يجب على المسلم تعلُّم العلم الشرعيِّ الذي به تصحُّ عباداته؛ حتى لا تبطل عباداته، ويكون من الأخسرين أعمالاً، وهو يحسب أنه يُحسِن صُنعًا.
5- من التواصي بالحقِّ أن يحرص المسلم على دعوة وتعليم الناس الذين لا يؤدُّون صلاتهم صحيحةً برفق؛ حتى لا تَفسَد صلاتهم، ولا يكون لهم منها إلا التعب والقيام والجلوس.
6- مَن دخل المسجد وفيه قومٌ جُلوس؛ فإنه يُصلِّي تحيةَ المسجد أولًا، ثم يُسَلِّم على الجالسين[2]
7- مَن أساء في الصلاة؛ فإنه يؤمَر بإحسان صلاته مُجمَلًا، حتى يتبيَّن أنه جاهلٌ، فيُعلَّم ما جَهِله[3]
8- وكم من مُصلٍّ ما له من صلاتِه = سوى رُؤْيةِ الْمِحْرَابِ وَالخَفْضِ والرَّفْعِ
يَـَرى شَخْصَهُ فَوْقَ الحَصِيرةِ قَائمًا = وَهِمَّتُه في السُّوقِ فِي الأَخْذِ وَالدَّفْعِ
9- تُصَلِّي بلا قَلْبٍ صَلاةً بِمِثْلِهَا = يَكُونُ الفَتَى مُسْتَوْجِبًا لِلْعُقُوْبَةِ
فوَيْلَكَ تَدْرِي مَن تُناجِيهِ مُعْرِضًا = وبَيْنَ يَدَيْ مَنْ تَنْحَنِي غَيْرَ مُخْبِتِ
تُخَاطِبُهُ إيَّاكَ نَعْبُدُ مُقْبِلًا = عَلَى غَيْرِهِ فيهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةِ
ولو رَدَّ مَن نَاجَاكَ لِلغَيْرِ طَرْفَهُ = تَمَيَّزْتَ مِن غيظٍ عليهِ وَغَيْرَةِ
المراجع
- "شرح النوويِّ على مسلم" (4/ 108).
- "فتح الباري" لابن رجب (7/ 169).
- "فتح الباري" لابن رجب (7/ 169).
1- ربما يكشف هذا الحديث عن سر من أسرار اختيار سورة الفاتحة ليردِّدها المؤمن سبعَ عَشْرةَ مرَّةً كلَّ يوم وليلة على الأقلِّ، غير ما شاء الله من السنن والنوافل، كلَّما قام إلى الصلاة.
2- أمرٌ يدعو للتأمُّل: لماذا كانت الفاتحة هي السورةَ المختارة للتَّكرار في كل صلاة، ولا تصحُّ بدونها صلاة؟
3- في سورة الفاتحة من كليَّات العقيدة الإسلامية، وكليات التصوُّر الإسلاميِّ، وكليات المشاعر والتوجُّهات، ما يُشير إلى طرف من حكمة اختيارها للتَّكرار في كلِّ ركعة، وحكمة بُطلان كل صلاة لا تقرأ فيها.
4- الصّلاةُ أفضل الأعمال، وهي مؤلَّفة من كَلِم طيِّب وعمل صالح؛ أفضلُ كَلِمها الطّيِّب وأوجبُه القرآن، وأفضلُ عملها الصّالح وأوجبُه السُّجود [1]
5. «الحمد لله»: يفيض قلب المؤمن حين يقولها بشعور إيمانيٍّ يعترف فيه بأن خَلْقَه ووجوده ابتداءً من نعم الله التي تستوجب الحمد والثناء، وفي كل لحظة تتوالى آلاء الله تترى، التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى، فالحمد لله ابتداءً، كما له الحمد ختامًا.
6- من نعم الله تعالى ورحمته وفضله على عبده أنه إذا حَمِد الله، كتبها له في موازين حسناته، وفي هذا الحديث أن الله تعالى يحمد له ذلك قائلاً: «حَمِدني عبدي»، ويجزيه ويُعطيه سؤله.
7- عندما يقول المؤمن: «رَبِّ الْعالَمِينَ»، فهذا اعتراف بربوبيته تعالى، وأنه المدبِّر المتصرِّف الخلَّاق الرزَّاق العليم، وأن مشيئته نافذة، وقدرته كاملة، فيطمئنُّ قلب المؤمن إلى تدبير الله ورعايته وربوبيته القائمة، وإلى أن هذه الرعاية لا تنقطع أبدًا، ولا تفتر، ولا تغيب.
8- ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ، إنها رحمة الله تعالى، التي تستغرق كل معاني الرحمة وحالاتها ومجالاتها، أتت في آية مستقلَّة؛ لتؤكِّد السمة البارزة في الربوبية بين الخالق تعالى ومخلوقاته.. إنها صلة الرحمة والرعاية التي تملأ قلب المؤمن بالطمأنينة والمودَّة والتوحيد، فيحمد ربَّه ويُثني عليه، فيقول الله تعالى: «أثنى عليَّ عبدي».
9- ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾: مالك يوم الجزاء في الآخرة، حيث يتعلَّق قلب المؤمن بعالَم آخَرَ بعد هذه الحياة الدنيا، فلا يستدني إلى عالم الأرض بقَلَقه وكَدَره وكَبَده وعبوديته للنزوات والرغبات الدَّنِية؛ بل يترفَّع عنها مستعليًا بالخضوع لله وتوحيده، منتظرًا الجزاءَ من ربِّه، مطمئنًّا مستيقنًا واثقًا فيما عنده.
10- ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾: يا لَسَعادةِ المؤمن الذي يطمئنُّ قلبه إلى أن نصيبه في الدنيا بعُمره المحدود ليس هو نصيبَه الأخير، وأن له حياة أخرى تستحقُّ أن يجاهد لها، ويترفَّع عن شهواته، ويضحِّي بالنفس والنفيس من أجل رضا ربِّه مالك يوم الدين! ويا لَتَعاسة منكري يوم الدين الذين يَحسَبون أن عمرهم المحدود بما فيه من شقاء وقلق وكبد وشهوات ونزوات هو كل نصيبهم، فلا ينتظرون بعده خيرًا أبدًا!
11- ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾: نُقِرُّ لك وحدَك بالعُبودية، ونؤمن بك إلهًا واحدًا لا معبود سواك، ونستعين بك في سائر أمورنا الدنيوية والأُخروية، في سائر أمور العبادة والحياة.
12- ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ تجمَعُ سرَّ الكُتب المنزَّلة من السماء كلِّها؛ لأن الخَلْق إنما خُلِقوا ليُؤمَروا بالعبادة؛
كما قال:
﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ ﴾
[الذاريات: 56]
، وإنما أُرسلت الرسل، وأُنزلت الكتب لذلك، فالعبادة حقُّ الله على عباده، ولا قدرةَ للعباد عليها بدون إعانة الله لهم، فلذلك كانت هذه الكلمة بين الله وبين عبده؛ لأن العبادة حقُّ الله على عبده، والإعانة من الله فضلٌ من الله على عبده [2]
13.﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾: وفِّقنا يا ربِّ إلى معرفة الطريق المستقيم، ووفِّقنا للاستقامة عليه بعد معرفته، فأنت وحدك الْمُعين، وهذا الأمر هو أعظم وأول ما يطلب المؤمن من ربِّه العَوْنَ فيه؛ فالهداية إلى الطريق المستقيم هي ضمان السعادة في الدنيا والآخرة عن يقين.
14- ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾: هو طريق الذين أنعم الله عليهم، لا طريق الذين غضب عليهم؛ لمعرفتهم الحقَّ ثم حيدتهم عنه، أو لضلالهم عن الحقِّ، فلم يهتدوا إليه أصلاً.. إنه طريق المؤمنين المهتدين السعداء.
15- تأمَّل محاورة ومناجاة بين الإنسان وبين ربِّه، ومع ذلك فالكثير منا في هذه المناجاة مُعرِض بقلبه، تَجِده يتجوَّل يَمينًا وشمالاً، مع أنه يناجي من يَعلَم ما في الصدور - عزَّ وجلَّ - وهذا من جهلنا وغفلتنا؛ فالواجب علينا أن تكون قلوبنا حاضرةً في حال الصلاة؛ حتى تبرأ ذِمَّتنا، وحتى ننتفع بها؛ لأن الفوائد المترتِّبة علي الصلاة إنما تكون علي صلاة كاملة [3]
16- كلُّنا يقرأ
قولَه تعالى:
( إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ )
[العنكبوت: ٤٥]
ومع ذلك يأتي الإنسان ويصلِّي فلا يجد في قلبه إنكارًا لِمُنكَر، أو عُرْفًا لمعروف زائدًا عمَّا سبق حين دخوله في الصلاة؛ يعني: لا يتحرَّك القلب ولا يستفيد؛ لأن الصلاة ناقصة، هذه الصلاة هي أعظمُ أركان الإسلام بعد الشهادتين [4]
17- تُصَلِّي بلا قَلْبٍ صَلاةً بِمِثْلِهَا = يَكُونُ الفَتَى مُسْتَوْجِبًا لِلْعُقُوْبَةِ
فوَيْلَكَ تَدْرِي مَن تُناجِيهِ مُعْرِضًا = وبَيْنَ يَدَيْ مَنْ تَنْحَنِي غَيْرَ مُخْبِتِ
تُخَاطِبُهُ إيَّاكَ نَعْبُدُ مُقْبِلًا = عَلَى غَيْرِهِ فيهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةِ
ولو رَدَّ مَن نَاجَاكَ لِلغَيْرِ طَرْفَهُ = تَمَيَّزْتَ مِن غيظٍ عليهِ وَغَيْرَةِ
المراجع
- "مجموع الفتاوى" (14/5).
- "فتح الباري" لابن رجب (7/ 103).
- "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (1/ 355).
- "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (1/ 355).
- يوم الجمعة هو خير يوم طلعت عليه الشمس، وله مزايا وفضائل كثيرة، منها: أن من مات فيه أو في ليلته وهو مؤمن وُقي فتنة القبر وعذابه، والاغتسال، والتطيُّب، والتطهُّر، ولُبس أحسن الثياب، والتبكير إلى المسجد، وقراءة سورة الكهف في يومها، والإكثار من الدعاء، وتحرِّي ساعة الإجابة، والإكثار من الصلاة على النبيِّ ﷺ، وغيرها.
- صلاة الجمعة تكليف فرديٌّ في ذاته، ولكنه فردٌّي في صورة جماعية، ففيها تظهر قوَّة المجتمع الإسلاميِّ، ونظامه، ووَحدته، وجماله، ونظافته، واجتماعه. لذا؛ وردت أحاديثُ كثيرةٌ في فضلها، والحثِّ عليها، والتهيُّؤ لها بالاغتسال، والثياب النظيفة، والطِّيب.
- قال ﷺ: «أَوْ لَيَخْتِمن اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ» يَطبَع الله عليها، والمرادُ بالطَّبْع على القلب أن يصير القلبُ قلبَ مُنافق[1]
- يظهر التوازن الذي يتَّسِم به المنهج الإسلاميُّ في الأمر بترك التجارة بمجرَّد سماع الأذان ثم العودة إليها وابتغاء فضل الله، التوازن بين مقتضيات الحياة في الأرض، من عمل وكدٍّ ونشاط وكسب، وبين عُزلة الروح فترة عن هذا الجوِّ، وانقطاع القلب، وتجرُّده للذكر، وهي ضرورة لحياة القلب لا يصلح بدونها للاتِّصال والتلقِّي والنهوض بتكاليف الأمانة الكبرى.
- ذكر الله لا بدَّ منه في أثناء ابتغاء المعاش، والشعور بالله فيه هو الذي يحوِّل نشاط المعاش إلى عبادة؛ ولكنه - مع هذا - لا بدَّ من فترة للذكر الخالص، والتجرُّد والانقطاع الكامل.
- إن الانخلاع من شؤون التجارة والمعاش من أجل الصلاة تعليم وتربية للنفوس؛ فلا بد من فترات ينخلع فيها القلب من شواغل المعاش وجواذب الأرض؛ ليخلوَ إلى ربِّه، ويتجرَّد لذكره، ويتذوَّق هذا الطعم الخاصَّ للتجرُّد، والاتصال بالملأ الأعلى، ويملأ قلبه وصدره من ذلك الهواء النقيِّ الخالص العطر ويستروح شذاه، ثم يعود إلى مشاغل العيش مع ذكر الله؛
قال تعالى:
ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَﱢ ﱣ ﱠ
[الجمعة: ١٠].
- يَا لَيَوْمٍ حُسْنُهُ مَا أَبْدَعَهْ = وَلأنوارِ الهُدَى مَا أَجْمَعَهْ
هُوَ يَوْمٌ رَسَمَ اللهُ له = خُطَّةً مُحْكَمَةً مُتَّبَعَةْ
حَقَّقَ اللهُ به وَحْدتَنا = في اجْتِمَاعٍ شامِلٍ مَا أَرْوَعَهْ
كُلُّ أُسْبُوعٍ بِهِ مَوْعِظَةٌ = لإمامٍ كَمْ هَدَى مَنْ سَمِعَهْ
إِنَّ يَوْمًا هُوَ خَيْرٌ كُلُّهُ = هُوَ يَوْمُ الأُمَّةِ الْمُجْتَمِعَةْ
لَيْسَ في الأيَّامِ مَا يَفْضُلُهُ = أَفْضَلُ الأيَّامِ يَوْمُ الجُمُعةْ
وَحْدَةُ الأمَّةِ عُنْوانٌ عَلَى = أنها في القِمَّةِ الْمُرْتَفِعةْ
المراجع
- "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (3/ 265، 266).
1- من فضل الله تعالى على عباده المؤمنين: أن شَرَع لهم أن يفرحوا في الأعياد، فيؤجروا على هذا الفرح؛ لأنه من شعائر الدين.
2- كان أهل الجاهلية يلعبون في يومين كلَّ سنة، ويعملون ما لا يَرضى به الله تعالى، فلما ظهر الإسلام، أبدل الله منهما هذين اليومين اللذين يظهر فيهما تكبيرُ الله تعالى وتحميده وتوحيده، ظهورًا شائعًا يَغِيظ المشركين.
3- يجب أن يكون الفرح وإظهار السرور في الأعياد في حدود المشروع، ولا يجوز إظهار السرور والفرح في الأعياد بالمنكَرات؛ فليس هذا من شعار الدين؛ بل هو من المحرَّمات.
4- كان عَلقَمة يعتَكِف في أعياد الكفار ويقول: اللهم إن هؤلاء اعتكفوا على كُفْرهم، ونحن على إيماننا؛ فاغفِرْ لنا[1]
5- هَذَا هُوَ الْعِيدُ فَلْتَصْفُ النُّفُوسُ بِهِ = وَبَذْلُكَ الْخَيْرَ فِيهِ خَيْرُ مَا صُنِعَا
أَيَّامُهُ مَوْسِمٌ لِلْبِرِّ تَزْرَعُهُ = وَعِنْدَ رَبِّي يُخَبِّي الْمَرْءُ مَا زَرَعَا
فَتَعْهَدُوا النَّاسَ فِيه، مَنْ أَضَرَّ بِهِ = رَيْبُ الزَّمَانِ وَمَنْ كَانُوا لَكُمْ تَبَعَا
وَبَدِّدُوا عَنْ ذَوِي الْقُرْبَى شُجُونَهُمُ = دَعَــا الإِلَهُ لِهَذَا وَالرَّسُولُ مَعَا
وَاسُوا الْبَرَايَا وَكُونُوا فِي دَيَاجِرِهِمْ = بَـدْرًا رَآهُ ظَلامُ اللَّيْلِ فَانْقَشَعَا
6- مَا عِيدُكَ الْفَخْمُ إِلَّا يَوْمَ يُغْفَرُ لَكْ = لَا أَن تَجُرَّ به مُسْتَكْبِرًا حُلَلَكْ
كَمْ مِنْ جَدِيدِ ثِيَابٍ دِينُهُ خَلِقٌ = تَكَادُ تَلْعَنُهُ الأَقْطَارُ حَيْثُ سَلَكْ
وَكَمْ مُرَقَّعِ أَطْمَارٍ جَدِيدِ تُقًى = بَكَتْ عَلَيْهِ السَّمَا وَالأَرْضُ حِينَ هَلَكْ
7- طَافَ الْبَشِيرُ بِنَا مُذْ أَقْبَلَ الْعِيدُ = فَالْبِشْرُ مُرْتَقَبٌ وَالْبَذْلُ مَحْمُودُ
يَا عِيدُ كُل ُّفَقِيرٍ هَزَّ رَاحَتَهُ = شَوْقًا وَكُلُّ غَنِيٍّ هَزَّهُ الْجُودُ
المراجع
- "فيض القدير" للمناوي (4/ 511).
1- عليكم بصلاة الجماعة؛ فإنها أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة؛ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «صَلاَةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً"[1]
2- أعدَّ الله تعالى منزلاً في الجنة لمن غدا إلى المسجد أو راح؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاح"[2]
3- صلاة الجماعة تجعلك في ظلِّ عرش الرحمن يوم القيامة؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيّ ﷺ قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ»، وذكر منهم: «وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ»[3]
4- ترفع صلاة الجماعة في المسجد درجتك وتمحو خطاياك؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى المكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى المسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ»[4]
5- صلاة الجماعة تُعطيك أجر حجَّة؛ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ المحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ المعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّين» [5]
6- صلاة الجماعة تشهدها الملائكة؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ»[6]
7- صلاة الجماعة تعطيك أجر قيام الليل كله؛ عن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ الليْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى الليْلَ كُلَّهُ» [7]
8- صلاة الجماعة تعطيك النور التامَّ يوم القيامة؛ عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «بَشِّرِ المشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى المسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[8]
9- في الاجتماع على الطاعة التوادُّ والتحابُّ والتواصل والأُلفة والمحبَّة والتعارف، والخير والمعروف، وهَلُمَّ جرًّا.
10- في صلاة الجماعة إظهار شعيرة من أعظم شعائر الإسلام، وبها يظهر قوة المجتمع الإسلاميُّ؛ فلو – لا قدَّر الله – صلَّى المسلمون في بيوتهم، لما ظهرت شعيرة الصلاة، ولم يعرف الناس أن هناك صلاة.
11- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ ﷺ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ"[9]
12- أجب النداء؛ فهذا أَمْرٌ مِنَ النبيِّ ﷺ بحضور الجماعة، والأمر للوجوب، وَلَمْ يُرخِّص النبيُّ ﷺ لهذا الصحابيِّ في الصلاة في بيته، مع حاجته الشديدة لذلك؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّﷺ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ ﷺ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقَالَ: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَجِبْ»[10]
13-في صلاة الجماعة إظهار عزَّة الإسلام والمسلمين، حيث يخرجون من المساجد بعد انتهاء الصلات زرافاتٍ ووحدانًا، وفي ذلك ما فيه من إغاظة لأهل النفاق والكافرين، وإضعاف لأهل الفسق والفجور، وتقوية وإظهار لعزة المسلمين.
14- في اجتماع المسلمين على شعائر الإسلام إظهار قيم المساواة، وتحطيم الفوارق الاجتماعية؛ حيث يجتمع الغنيُّ بجوار الفقير، والحاكم بجوار المحكوم، والقويُّ بجوار الضعيف، والكبير بجوار الصغير... إلخ.
15- في اجتماع المسلمين على الطاعة يَسهُل التعلُّم ومَحْوُ الجهل، حيث يجتمع أهل العلم مع العامَّة، يعلِّمون الناس ويُفتونهم في أمور الشريعة، وينشرون العلم والدعوة.
16- بشَّر النبيُّ ﷺ مَن عجَز عن الجماعة لعُذرٍ من مرض أو نحوه، أنَّ له مثلَ أجْره وهو سليمٌ صحيحٌ معافى؛ فعن أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ: «إذا مرِض العبدُ، أو سافر، كُتب له مِثلُ ما كان يعمَل مُقيمًا صحيحًا» [11]
17- قال عبد الله بن عمر القواريريُّ : لم تكن تَفوتني صلاة العَتَمة في جماعة، فنزل بي ضَيفٌ فشُغلت به، فخرجتُ أطلبُ الصلاةَ في قبائل البصرة، فإذا الناس قد صلَّوْا وخلَت القبائل، فقلت في نفْسي: رُوي عن النبيِّ ﷺ أنه قال: «صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذِّ خمسًا وعشرين درجة»، ورُوي: «سبعًا وعشرين». فانقلبتُ إلى منزلي، فصلَّيتُ العَتَمةَ سبعًا وعشرين مرةً، ثم رقدتُ فرأيتُني مع قوم راكبي أفراس، وأنا راكبٌ فرسًا كأفراسهم ونحن نتجارى، فالتفتُّ إلى أحدهم فقال: لا تُجهد فرسَكَ؛ فلستَ بلاحقنا! فقلتُ: فلِمَ ذاك؟ قال: إنَّا صلَّيْنا العَتَمةَ في جماعة[12]
18- ما كان لترك السُّنَّة وَجْهٌ إلا كفْرٌ خَفِيٌّ أو حُمْقٌ جَلِيٌّ؛ فإن العبدَ إذا عَلم أن النبيَّ ﷺ قال ذلك في شأن الجماعة، فكيف تَسمَح نفْسُه بتركها بلا عُذر؟! فسببُ الترك إما حُمْقٌ أو غفلةٌ بألَّا يتفكَّر في هذا التفاوُت العظيم، وأما الكفر فهو أن يخطُر بباله أنه ليس كذلك؛ وإنما ذُكر للترغيب في الجماعة[13]
19- مِن خصائصنا: الجماعةُ والجُمُعة، وصلاةُ الليل، والعيدين، والكُسوفين، والاستسقاء، والوِتر، وصلاة الضُّحى[14]
20- ارْتِفَاعُ الأَذَان فَوْقَ الْمَآذِنْ = فِي انْبِلَاجِ الصَّبَاحِ وَاللَّيْلُ سَاكِنْ
دَعْوَةٌ تَحْمِلُ الْحَيَاةَ إِلَى الْكَوْ = نِ وَسُكَّانِهِ قُرًى وَمَدَائِنْ
وَنِدَاءٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْ = ضِ إِلَى ظَاهِرٍ عَلَيْهَا وَبَاطِنْ
وَلِقَاءٌ بَيْنَ الْمَلائِكِ وَالإِيـ = ـمَانِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ غَيْرِ آذِنْ
وَانْطِلاقٌ إِلَى الْفَلاحِ إِلَى الْخَيْـ = ـرِ إِلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى وَالْمَحَاسِنْ
المراجع
- رواه البخاريُّ (645)، ومسلم (650).
- رواه البخاريُّ (662)، ومسلم (669).
- رواه البخاريُّ (660)، ومسلم (1031).
- رواه مسلم (251).
- رواه أحمد (22304)، وأبو داود (558)، وحسَّنه الألبانيُّ.
- رواه البخاريُّ (555)، ومسلم (632).
- رواه مسلم (656).
- رواه أبو داود (561)، والترمذيُّ (223)، وابن ماجهْ (781)، وصحَّحه الألبانيُّ.
- أخرجه مسلم (654).
- رواه مسلم (653).
- رواه البخاريُّ (2996).
- "التبصرة" لابن الجوزي (2/ 221).
- "التيسير بشرح الجامع الصغير" للمُناوي (2/ 97).
- "فيض القدير" للمُناوي (4/ 217).
1- إن المسجد هو مِحور حياة الأمَّة الإسلامية، وسرُّ قوتها، ومصنع أبطالها، والمدرسة التي تتخرَّج فيها الأجيال الصالحة، وتعلِّم المسلمين كلَّ أمور حياتهم، وهو مكان التقاء المسلمين وتجمُّعهم الدائم، وتقوية الأواصر بينهم.
2- أمَّةُ الإسلام قِوامُها المساجد، وقد ضَعُفت الأمَّة حين ضَعُف دور المسجد في حياتها، ولا سبيل لنهضة الأمَّة وعودتها لمجدها التَّليد، وقيادة العالم إلى حضارة القيم والروح والأخلاق، إلَّا بعودة تفعيل دور المسجد في حياة الأمَّة.
3- لقد حارب أعداء الأمَّة المساجد، حتى قَصَروا دورها على أن تكون مكانًا للصلاة فقط، حتى الصلاةُ والعبادة يضيِّقون عليها بإغلاق المساجد بعد أداء الصلوات المفروضة مباشرةً في سائر البلاد العربية والإسلامية، فيجعلون دور المسجد مجرَّد مكان تُقام فيه الصلوات الخمس فقط، دون أيِّ دور للمساجد في إصلاح المجتمع والأمَّة؛ ما أثَّر على المجتمعات والأمة بالإفساد والضعف.
4- إن المسجد مؤسَّسة إسلامية عظيمة، لا يدانيها أيُّ مؤسَّسة إسلامية أخرى، ولا يمكِن إصلاح المجتمع والأمَّة إلا بتفعيل دوره.
5- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
«مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاح»
[1]
6- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
«سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ»، وذكر منهم: «وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ»
[2]
7- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ:
«أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى المكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى المسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ»
[3]
8- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه،
أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ:
«يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ»
[4]
9- عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
«بَشِّرِ المشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى المسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
[5]
10- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ:
"مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ؛ فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ ﷺ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ"
[6]
11- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ:
أَتَى النَّبِيَّ ﷺ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ ﷺ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقَالَ: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَجِبْ»
[7]
12-خَيْرُ الْبِقَاعِ مَسَاجِدٌ مَعْمُورَةٌ = تَلْقَى بِهَا الأَرْوَاحُ أَفْضَلَ مُنْتَدَى
تَسْمُو بها نَحْوَ الْفَضِيلَةِ وَالتُّقَى = وَتُنِيلُهَا الْعَيْشَ الْهَنِيَّ الأَرْغَدَا
يَهْوَى سَكِينَتَهَا الْمُنِيبُ وَيَنْجَلِي = عَنْ نَفْسِهِ - وَقَدِ اسْتَجَارَ بِهَا – الصَّدَى
13- فَفِي الْمَسَاجِدِ أَضْحَى الْقَلْبُ مُنْشَرِحًا = وَبَيْتُ رَبِّي إلَيْهَا الْقَلْبُ يَنْعَرِجُ
وَالذَّنَبُ يُغْفَرُ إِنْ كُنَّا بِرَوْضَتِهَا = وَفِي بَسَاتِينِهَا يَقُوَّمُ الْعِوَجُ
14- في الْمَسْجِدِ الإسْلامُ رَبَّى جِيلَهُ = وَبِهِ احْتَمَى مِمَّنْ تَمَرَّدَ وَاعْتَدَى
وَمَسَاجِدُ الإسْلامِ خَيْرُ مَدَارِسٍ = قَدْ أَشْرَقَتْ مِنْها مَصَابِيحُ الهُدَى
وَمِنَ الْمَسَاجِدِ شَعَّ نُورُ مُحَمَّدٍ = وَبَنَى فَكَانَ بِنَاؤه الْمُتَعَبَّدَا
15-طُوبَى لَكُمْ إِذْ بَنَيْتُمْ مَسْجِدًا فَبَدا = يَفِيضُ طُهْرًا بِمن لله قد سَجدا
تُرَفْرِفُ الرُّوحُ جَذْلى كُلَّما دَخَلَتْ = رِحَابَه نَسِيَتْ في طِينِه الْجَسَدَا
فكُلُّ شِبْرٍ بِهِ ثَغْرٌ له شَفَةٌ = تُرَدِّدُ الذِّكْرَ لا تُحْصِي له عَدَدَا
وَذَاكَ يَتْلُو كِتَابَ اللهِ مُبْتَهِلًا = يَمُدُّ في وَجَلٍ نَحْوَ السَّمَاءِ يَدَا
بِهِ تَسَاوَى الْوَرَى عِزًّا وَمَنْزِلَةً = لأنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْوَاحِدَ الأَحَدَا
إذا نَظَرْتَ رَأَيْتَ الصَّفَّ مُنْتَظِمًا = عِقْدًا مِنَ الدُّرِّ في سِمْطِ التُّقَى نُضِدَا
اللهُ أَكْبَرُ دَوَّتْ مِنْ مآذِنِهِ = تُشِعُّ فينا سَلامًا بَلْ وشَمْسَ هُدَى
اللهُ أَكْبَرُ دَوَّتْ في مَسَامِعِنَا = وَكُلُّ صَوْتٍ لَهُ في الْقَلْبِ أَلْفُ صَدَى
اللهُ أَكْبَرُ مِلْءَ الْأَرْضِ نَلْفِظُهَا = لَكِنْ سَنَاهَا إِلَى رَبِّ السَّمَا صَعِدَا
16- ارْتِفَاعُ الأَذَان فَوْقَ الْمَآذِنْ = فِي انْبِلَاجِ الصَّبَاحِ وَاللَّيْلُ سَاكِنْ
دَعْوَةٌ تَحْمِلُ الْحَيَاةَ إِلَى الْكَوْ = نِ وَسُكَّانِهِ قُرًى وَمَدَائِنْ
وَنِدَاءٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْ = ضِ إِلَى ظَاهِرٍ عَلَيْهَا وَبَاطِنْ
وَلِقَاءٌ بَيْنَ الْمَلائِكِ وَالإِيـ = ـمَانِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ غَيْرِ آذِنْ
وَانْطِلاقٌ إِلَى الْفَلاحِ إِلَى الْخَيْـ = ـرِ إِلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى وَالْمَحَاسِن
17- مَنْ عَلَّقَ الْقَلْبَ في بَيْتِ الإلهِ وَلَمْ = يَطْلُبْ سِوَى مِنْ كَرِيمٍ مُنْعِمٍ مَدَدَا
فَذَاكَ مِمَّنْ يُظِلُّ اللهُ حِينَ نَرَى = لا ظِلَّ إِلَّا لَهُ سُبْحَانَهُ أَبَدَا
كَمْ خَائِفٍ مِنْ ذُنُوبٍ جَاءَ مُرْتَجِفًا = وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَ بَيْتِ اللهِ مُلْتَحَدَا
فَسَبَّحَ اللهَ، صَلَّى، قَامَ مُنْكَسِرًا = بِبَيْتِ مَنْ غَيْرُهُ بِالْحَقِّ ما عُبِدَا
حَتَّى زَكَتْ رُوحُهُ وَالنَّفْسَ هَذَّبَهَا = فَلا تَرَى ظُلْمَةً فِي الْقَلْبِ أَوْ حَسَدَا
وَكَمْ غَوِيٍّ أَتَى وَالْوَهْمُ يُغْرِقُهُ = فَعَادَ يَحْمِلُ فِي أَضْلَاعِهِ رَشَدَا
وَكَمْ جَهُولٍ أَتَى مُدَّثِّرًا بِدُجًى = فَصَارَ بَدْرًا بِنُورِ الْعِلْمِ مُتَّقِدَا
المراجع
- رواه البخاريُّ (662)، ومسلم (669)..
- رواه البخاريُّ (660)، ومسلم (1031).
- رواه مسلم (251).
- رواه البخاريُّ (555)، ومسلم (632).
- رواه أبو داود (561)، والترمذيُّ (223)، وابن ماجهْ (781)، وصحَّحه الألبانيُّ.
- أخرجه مسلم (654).
- رواه مسلم (653).
1- من جَمَع هذه الخصالَ، وحصَّلها، وكانت من صفاته، فتشرَّبتها نفسه، وقرَّت في قلبه وحناياه، وجد حلاوة الإيمان.
2- تَشِعُّ حلاوة الإيمان في نفس المؤمن ومشاعرِه ومَداركه وحواسِّه وتصوُّراته، فيستقيم على الهدى، فيكون كمالُ حبِّه وطاعته لله تعالى، فيبذل من نفسه وماله، ويضحِّي طيِّبةً نفسُه بما يقدِّم؛ طلبًا لرضا الله تعالى.
3- طعم الإيمان يتجلَّى في تشبيه الإيمان بالشجرة،
في قوله تعالى:
﴿ أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا كَلِمَةٗ طَيِّبَةٗ كَشَجَرَةٖ طَيِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتٞ وَفَرۡعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ ﴾
[إبراهيم: 24]
؛ فالكلمة هي كلمة الإخلاص، والشجرة أصل الإيمان، وأغصانها اتِّباع الأوامر واجتناب النواهي، وزهرها ما يهمُّ به المؤمن من الخير، وثمرها عمل الطاعات، وحلاوة الثمر جني الشجرة، وغاية كماله تناهي نضج الثمرة، وبه تظهر حلاوتها [1]
4- إن الإنسان الصحيح يدرِك الطعوم على ما هي عليه، والمريض ببعض الأمراض قد يجد طعم العسل مُرًّا؛ فقد نقَص ذوقه بقدْر نقص صحته. وكذا القلب السليم من أمراض الغفلة والهوى، يذوق طعم الإيمان ويتلذَّذ منه ويتنعَّم به، كما يذوق الفمُ طعْمَ العسل وغيره من لذيذ الأطعمة ويتنعَّم بها؛ بل تلك اللذَّة الإيمانية أعلى [2]
5- يجد المؤمن حلاوة الإيمان، حيث انشراحُ الصدر، وطمأنينة القلب، والأُنس بالله تعالى، ومعرفته حقَّ المعرفة، بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، حتى يصير الهوى في مرضاته تعالى، والمنى فيما يقدِّره حتى لو كان ظاهره شرًّا.
6- إذا خالطَ الإيمانُ بَشاشةَ القُلوبِ ذاقَتْ حلاوَتَه.
7- ذاق طعم الإيمان من لم يطلب غير الله تعالى، ولم يشرع في غير طريق الإسلام، ولم يسلك إلا ما يوافق شريعة محمدٍ ﷺ ، ولا شكَّ في أن من كانت هذه صفتَه، فقد خلصت حلاوة الإيمان إلى قلبه، وذاق طعمه [3]
8- إن حلاوة الإيمان ليس مثلَها حلاوةٌ، فمع لذَّتها، فإنها تستمرُّ، ليس مثل لذَّات الدنيا؛ كالطعام والشراب وتحصيل الأموال والمساكن الشاهقة والمركبات الفارهة، التي لا تستمرُّ لذَّتها، وربما شعر ببعض اللذَّة عند أول حدوثها، أما إن كان ذلك في معصية، فلن يفارقهم ذُلُّ المعصية وعاقبتها السيِّئة.
9- إن الإيمان معنويٌّ؛ ولكن له طعم يفوق كلَّ الطُّعوم الحِسِّية، وله مَذاقٌ يسمو على كلِّ مذاق حسيٍّ.
10- ذاق طعمَ الإيمان من صحَّ إيمانه، واطمأنَّت به نفسه، وخامَرَ باطنَه؛ لأن رضاه بالله ربًّا، وبمحمَّد نبيًّا، وبالإسلام دينًا، دليل لثبوت معرفته، ونفاذ بصيرته بما رضي به من ذلك ومخالطة بشاشته قلبه [4]
11- يذوق المؤمن حلاوة الإيمان بأن يوحد الله تعالى ربًّا، مدبرًّا وخالقًا، ومعطيًا ومانعًا، ومُبْتليًا ومعافيًا، وبكلِّ صفات الربوبية، ويرضى به آمرًا وناهيًا، ومشرِّعًا ومعبودًا بحقٍّ وحدَه سبحانه دون سواه، يرضى به وعنه في كلِّ ما قضى وقدَّر، حتى إنه يقف مع مُرَادِ اللَّه، لا مع مُرَادِ نفسه.
12- يا مَنْ تـَصَدَّقَ مالُ اللهِ تـَبْذلـُهُ = في أوجُـهِ الخير ِما لِلمال نـُقصانُ
كـَمْ ضاعَفَ اللهُ مالاً جادَ صاحِبُهُ = إنَّ السَّخاءَ بـِحُـكـْم ِاللهِ رضــوانُ
الشُّـحُّ يُـفـْضي لِسُقمٍ لا دَواءَ لـَهُ = مالُ البَخيل ِغـَدا إرْثـًا لِمَنْ عانوا
إنَّ التَّصَدُّقَ إسعادٌ لِمَنْ حُرِموا = أهلُ السَّخاءِ إذا ما احْتجْتَهُمْ بانوا
13- خَابَ سَعْيُ الفتى يَرُوحُ ويَغْدُو = جاعِلاً هَمَّهُ الثَّرَاءَ الْجَلِيلا
يَكْنِزُ الْمَالَ لا يَجُودُ بقِرْشٍ = وَيَظُنُّ الإنْفَاقَ إثمًا وغُولا
إنَّه عَبْدُ مالِه حَيْثُ وَلَّى = لا تَرَاهُ إلَّا لَحُوحًا مَلُولا
المراجع
- "دليل الفالحين لطُرق رياض الصالحين" لمحمد بن علان الصديقيِّ (3/ 245).
- انظر: "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للطيبيِّ (1/ 74).
- انظر: "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (2/ 446).([4]) انظر: "شرح النوويِّ على مسلم" (2/ 2).
1- اعلم – رحمك الله – أن إطابة المطعم شرطٌ لإجابة الدعاء.
2- من أسباب إجابة الدعاء الإلحاحُ على الله عزَّ وجلَّ، ورفعُ اليدين له بالخضوع والتذلُّل.
3- من أَنفَق من الحرام، فإنّ اللّه تعالى يَذمُّه، ويستحقُّ بذلك العقاب في الدّنيا والآخرة[1]
4- إن العبد إذا أنفق نفقة طيِّبة، فهي التي تزكو وتنمو، وإن الطعام اللذيذ غير المباح يكون وبالاً على آكِله، ولا يَقبَل الله عَمَل[2]
5- «ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعثَ أغبرَ...»: يطيل السفر في وجوه الطاعات لحجٍّ وجهاد، وغير ذلك من وجوه البِرِّ، ومع هذا فلا يُستجاب له؛ لكون مَطعَمِه ومَشربِه ومَلبَسِه حرامًا؛ فكيف هو بمن هو مُنهمِكٌ في الدنيا أو في مظالم العباد، أو من الغافلين عن أنواع العبادات والخير؟![3]
6- المؤمن كلُّه طيِّبٌ، قلبُه ولسانُه وجسدُه، وذلك بما سكن في قلبه من الإيمان، وظهر على لسانه من الذكر، وعلى جوارحه من الأعمال الصالحة، التي هي ثمرة الإيمان، وهي داخلة في اسمه كذلك، فهذه الطيباتُ كلُّها يقبلها الله تعالى[4]
7- من أعظم ما يَحصُل به طِيبة الأعمال للمؤمن طِيبُ مَطعَمه، وأن يكون من حلال، فبذلك يزكو عملُه[5]
8- حَذَارِ من أكل الحرام؛ فأكل الحرام من أسباب ردِّ الدعاء، حتى لو توفَّرت أسباب الإجابة؛ لقوله ﷺ: «فأنى يُسْتَجَابُ لذلك؟!».
9- إن التوسُّع في الحرام أكلاً وشربًا ولُبْسًا وتغذيةً مما يمنع إجابة الدعاء، وإن أكل الحلال وشُربه ولُبسه والتغذِّي به، سبب موجِبٌ لإجابة الدعاء.
10- إذا أردتَ الدُّعَاءَ مؤمِّلاً من الله الإجابة، فعليك الاعتناءَ بالرزق الحلال الطيِّب، والإنفاق من الحلال قبل أن ترفع يديَكَ متضرِّعًا إلى السماء.
11- كما أن فعل المعاصي يمنع من إجابة الدعاء، ففعل الطاعات يكون موجِبًا لاستجابة الدعاء.
12- سُئل ابن عبَّاس رضي الله عنه عمَّن كان على عمل، فكان يظلم ويأخُذ الحرام، ثم تاب، فهو يحجُّ، ويُعتق، ويتصدَّق منه، فقال: إن الخبيثَ لا يُكَفِّرُ الخبيثَ. وكذا قال ابن مسعود: إن الخبيثَ لا يُكَفِّرُ الخبيثَ؛ ولكن الطيِّبَ يُكَفِّرُ الخبيثَ[6]
13- أيها المتصدِّق على المسكين يرحمه، ارحم مَن قد ظلمتَ[7]
14- مَثَلُ الذي يدعو بغير عمل كمَثَل الذي يَرْمي بغير وَتَرٍ؛ أي: قَوْس[8]
15- قال وَهْب بن مُنبِّه : "مَن سرَّه أن يَستَجيب الله دعوتَه، فلْيُطِبْ مطعمَه[9]
16- قال يوسف بن أسباط: بلغنا أن دعاءَ العبد يُحبَس عن السموات بسوء المطعَم[10]
17- قال وهبُ بنُ الورد : "لو قمتَ مَقامَ هذه السّارية، لم ينفعْكَ شيء حتّى تَنظُر ما يَدخُل بطنَك حلال أو حرام"[11]
18- قال الإمام أحمد : إذا جَمَع الطعام أربعًا فقد كَمُل: إذا ذَكَر الله في أوَّله، وحَمِده في آخره، وكثرةُ الأيدي عليه، وكان من حِلٍّ[12]
19- سُئل أحمدُ بنُ حنبلٍ : بمَ تَلين القلوب؟ ثم أطرَقَ ساعة، ثم رفع رأسه، فقال: بأكل الحلال[13]
20- وَفِي النَّاسِ مَنْ ظُلْمُ الوَرَى عَادةٌ لهُ = وَيَنْشُرُ أَعْذَارًا بها يَتَأوَّلُ
21- نحن نَدْعُو الإلهَ في كُلِّ كَربٍ = ثُمَّ نَنساهُ عِندَ كَشْفِ الكُروبِ
جَرِيءٌ على أَكْلِ الحَرَامِ وَيَدَّعِي = بأنَّ لهُ في حِلِّ ذلك مَحْمَلُ
فَيَا آكِلَ الْمَالِ الحرامِ أَبِنْ لَنَا = بِأَيِّ كتابٍ حِلُّ ما أَنتَ تَأْكُلُ
كَيْفَ نَرجُو إجابةً لدُعاءٍ = قَدْ سَدَدْنا طرِيقَها بالذُّنوب
المراجع
- "مجموع الفتاوى" (8/ 542).
- "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص 41، 42).
- "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص 41، 42).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 260).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 260).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 264).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 264).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 276).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 275).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 275).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 263).
- "الشمائل الشريفة" للسيوطي (ص: 316).
- "مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزي (ص 269).
1. زكاة الفطر من شكر الله - عزَّ وجلَّ - على إتمام صيام الشهر، وفيها إشاعة المحبَّة، وبثُّ السرور بين المسلمين، وخاصَّةً الفقراءَ والمساكين، فالعيدُ يومُ فرح وسرور، فاقتضت حكمة الشارع أن يَفرِض للمسكين في يوم العيد ما يُعِفُّه عن السؤال، ويُغنيه عن الحاجة.
2. قال تعالى:
{خُذْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
[التوبة: ١٠٣]
فالزكاة والصدقة تطهيرٌ للنفس، وتزكية للقلب.
3. لا يؤدِّي زكاةَ ماله طيِّبةً بها نفسُه إلّا مؤمن. وسببُ هذا أنّ المال تحبُّه النّفوس، وتَبخَل به، فإذا سَمَحت بإخراجه للّه - عزّ وجلّ - دلَّ ذلك على صحَّة إيمانها باللّه، ووَعْده، ووعيده؛ ولهذا مَنَعت العرب الزّكاة بعد النّبيِّ ﷺ، وقاتلهم الصّدِّيقُ رضي اللّه عنه على منعها [1].
4. قال النبيُّ ﷺ:
«مَنْ تَصَدَّقَ بِعِدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ اللهَ إِلاَّ الطَّيِّبَ، فَإنَّ اللهَ تَعَالَى يَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ، يُرَبِّيها كما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُوْنَ مِثْلَ الجَبَلِ»
[2].
5. إذا تكرَّمتَ عن بذلِ القليلِ ولم = تَقْدِرْ على سَعةٍ لم يَظْهَرِ الجُودُ
بُثَّ النَّوَالَ ولا تَمْنَعْكَ قِلَّتُه = فكلُّ ما سدَّ فَقْرًا فَهْوَ محمودُ
6. يا مَنْ تـَصَدَّقَ مالُ اللهِ تـَبْذُلـُهُ = في أوجُـهِ الخير ِما لِلمال نـُقْصانُ
كـَمْ ضاعَفَ اللهُ مالًا جادَ صاحِبُهُ = إنَّ السَّخاءَ بـِحُـكـْم ِاللهِ رضــوانُ
الشُّـحُّ يُـفـْضي لِسُقمٍ لا دَواءَ لـَهُ = مالُ البَخيل ِغـَدا إرْثـًا لِمَنْ عانوا
إنَّ التـَّصَدُّقَ إسعادٌ لِمَنْ حُـرِموا = أهلُ السَّخاءِ إذا ما احْتـَجْتَهُمْ بـانوا
7. وَكُنْ مُتَصَدِّقًا سِرًّا وَجَهْرًا = وَلَا تَبْخَلْ وَكُنْ سَمْحًا وَهُوبَا
تَجِدْ مَا قَدَّمَتْهُ يَدَاكَ ظِلًّا = إذَا مَا اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْكُرُوبَا
المراجع
1. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 24).
2. أخرجه البخاريُّ (1410)، ومسلم (63).
1. كفى بالصيام شرفًا أنْ أضَافَه الله تعالى إليه قائلاً: «فإنه لي»، وكفى بالمؤمن طاعةً أن يَغتنِم هذا الفضلَ والشَّرف بالإكثار من صيام النوافل بعد صيام الفريضة.
2. حَسْبُك بِكَون الصيامِ جُنَّةً من النار فَضْلًا من الله تعالى.
3. قال تعالى:
﴿إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّٰبِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍۢ﴾
[الزمر: ١٠]
فاعلم أن من أفضل أنواع الصّبر الصّيامَ؛ فإنّه يجمع الصّبر على الأنواع الثّلاثة؛ لأنّه صبر على طاعة اللّه تعالى، وصبر عن معاصي اللّه، وصبر على الأقدار المؤلِمة بما قد يَحصُل للصّائم من الجوع والعَطَش.
4. غاية الصيام التقوى؛
﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾
أن تصوم وتقوم «إيمانا واحتسابًا»؛ فالإسلام ليس شكليَّاتٍ ظاهريةً؛ بل إنه يحيي النفوس والقلوب بهذه النفحات الإيمانية، فيصوم المرء ويقوم إيمانًا واحتسابًا وتجرُّدًا وإخلاصًا لله تعالى، فتتشرَّب نفسه المعاني الإيمانية، فتَقَرَّ في نفسه وقلبه؛ ليُكمل الطريق إلى الله والدار الآخرة.
5. إن ممارسة العبادة هي التي تُعين المرء على إحياء نفسه وقلبه؛ فمهما قرأتَ من كتب نظرية، أو استمعتَ لدروس عن التقوى والإيمان والاحتساب والإخلاص لله تعالى، فلا يمكِن أن تَلمِس هذه المعانيَ وتحياها إلا بمباشرة العبادة إيمانا واحتسابًا، فتلمس معنى التقوى والإخلاص لله تعالى.
6. إن الهدف الأسمى والغاية الكبرى من الصوم هي التقوى؛ فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب وهي تؤدِّي هذه الفريضة؛ طاعةً لله، وإيثارًا لرضاه، والتقوى هي التي تَحرُس هذه القلوبَ من إفساد الصوم بالمعاصي.
7. التقوى هي غاية تتطلَّع إليها أرواح المؤمنين، والصوم أداة من أدواتها، وطريق مضيء موصِّل إليها.
8. الغِيبة تخرق الصيامَ، والاستغفارُ يُرقِّعُه، فمَن استطاع منكم أن لا يأتيَ بصوم مخرَقٍ فليفعلْ [1].
9. ينبغي للصائم أن يعظِّم من شهر رمضانَ ما عظَّم الله ورسوله، ويَعرِف أحكامه، وما يَحرُم فيه وما يُبطِله.
10. أما الصوم فناهيك به من عبادةٍ تَكُفُّ النفْس عن شهواتها، وتُخرجها عن شَبهِ البهائم إلى شَبه الملائكة المقرَّبين؛ فإن النفْس إذا خُلِّيتْ ودواعيَ شهواتها، التحقتْ بعالم البهائم، فإذا كَفَّتْ شهواتها لله ضيَّقت مجاريَ الشيطان، وصارت قريبةً من الله بترك عاداتها وشَهَواتها محبَّةً له، وإيثارًا لمرضاته، وتقرُّبًا إليه، فيدع الصائم أحبَّ الأشياء إليه، وأعظمَها لُصُوقًا بنفْسه من الطعام والشراب والجِماع من أجْل ربِّه [2].
11. جَاءَ الصِّيَامُ فَجَاءَ الخَيْرُ أَجْمَعُهُ = تَرْتِيلُ ذِكْرٍ وَتَحْمِيدٌ وَتَسْبِيحُ
فَالنَّفْسُ تَدْأَبُ فِي قَوْلٍ وَفِي عَمَلٍ = صَوْمُ النَّهَارِ وَبِاللَّيْلِ التَّرَاوِيحُ
12. إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي السَّمْعِ مِنِّي تَصَامُمٌ = وَفِي مُقْلَتِي غَضٌّ، وَفِي مَنْطِقِي صَمْتُ
فَحَظِّي إِذًا مِنْ صَوْمِيَ الجُوعُ وَالظَّمَا = وَإِنْ قُلْتُ: إِنِّي صُمْتُ يَوْمًا، فَمَا صُمْتُ
المراجع
1. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 139).
2. "مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة" لابن القيم (2/ 3).