إن جريمة قتل المؤمن، ليست مجرَّد قتل بغير حقٍّ لنفس فحسبُ؛ ولكنها كذلك جريمة قتل للوشيجة العزيزة والرابطة الوُثقى التي أنشأها الله بين المسلم والمسلم، إنها تنكُّر للإيمان ذاته، وللعقيدة نفسها.
عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله ﷺ:
«أيُّها الناسُ، إن اللهَ طيِّبٌ لا يَقبَل إلا طَيِّبًا، وإن اللهَ أمَر المؤمنين بما أمر به المرسَلين، فقال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُوا مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعْمَلُوا صَٰلِحًا ۖ إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون: 51]، وقال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٰكُمْ﴾ [البقرة: 172]، ثم ذكَر الرجُل يُطِيل السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السماء: يا ربِّ، يا ربِّ، ومطعمُه حرامٌ، ومشرَبُه حرامٌ، ومَلبسُه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك؟!»
[1].
قَالَ وَهْبُ بْنُ الْوَرْدِ رحمه الله: "لو قمتَ مَقامَ هذه السّارية، لم ينفعْكَ شيء حتّى تَنظُر ما يَدخُل بطنَك حلال أو حرام" [2].
سُئل أحمدُ بنُ حنبلٍ رحمه الله: بمَ تَلين القلوب؟ ثم أطرَقَ ساعة، ثم رفع رأسه، فقال: بأكل الحلال [3].
قال وَهْب بن مُنبِّه رحمه الله: "مَن سرَّه أن يَستَجيب الله دعوتَه، فلْيُطِبْ مطعمَه [4].
قال رسول الله ﷺ:
«الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ»
[5].
أوصى النبيُّ ﷺ بالإحسان إلى الزوجة وإكرامها؛ بل جعل خير الناس من يُحسِن إلى أهله وأخبر أنه ﷺ خيرهم:
«خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي»
[6].
من أجمل ما ذكره النبيُّ ﷺ في شأن الإحسان إلى الزوجة: أن إطعام الزوج لزوجته، ووضعَ اللُّقمة في فِيها، له في ذلك أجر، فقال: «وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ» [7].
"كانت سيرتُه ﷺ مع أزواجه حُسنَ المعاشرة، وحُسن الخُلق، وكان يسرِّب إلى عائشة بناتِ الأنصار يلعبن معها، وكان إذا هَوِيت شيئًا لا محذورَ فيه، تابعها عليه، وكانت إذا شربت من الإناء، أخذه فوضع فمَه في موضع فَمِها وشَرِب، وكان إذا تعرَّقت عَرْقًا - وهو العظمُ الذي عليه لحم - أخذه فوضع فمه موضع فمها، وكان يتَّكِئ في حِجرها، ويقرأ القرآن ورأسُه في حِجرها، وربما كانت حائضًا" [8].
"كان من لُطفه ﷺ وحُسن خُلقه مع أهله أنه يمكِّن زوجه عائشة رضي الله عنها من اللَّعِب، ويُريها الحبشة وهم يلعبون في مسجده، وهي متَّكِئة على مَنكِبَيه تنظر، وسابَقَها في السَّفَر على الأقدام مرتين، وتدافعا في خروجهما من المنزل مرَّةً، وكان إذا أراد سَفَرًا أقرع بين نسائه، فأيَّتُهن خرج سَهْمُها خرج بها معه، ولم يقضِ للبواقي شيئًا" [9].
عَنْ عثمانَ بنِ عفَّانَ رضي الله عنه، عن النبيِّ ﷺ قال:
«خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ»
[10]
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وَارْتَقِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا»
[11].
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
«الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ»
[12].
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
«إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ خَلْقِهِ» قَالُوا: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ»
[13].
عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
«... وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ...»
[14]؛
أي: تَنْتَفِعُ به إِنْ تَلَوْتَه وَعَمِلْتَ به، وإِلَّا فهو حُجَّةٌ عليك.
قال رسول الله ﷺ:
«كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ، دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ»
[15].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ:
«اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ»
[16].
إن القرآن الكريم هو أصلُ العلم، ومَنبَع العلم، وكلُّ العلم،
وقد قال الله تعالى:
﴿يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُوا ٱلْعِلْمَ دَرَجَٰتٍۢ ۚ﴾
[المجادلة: ١١]،
أما في الآخرة فيَرفَع الله به أقوامًا في جنات النعيم، ويُقال للقارئ: اقرأ ورتِّل واصعد، وله إلى منتهى قراءته صعود في الجنة إن شاء الله [17].
قال ﷺ:
«إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ»
[18].
قال تعالى:
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾
[الإسراء: 82].
في القرآن شفاء، وفي القرآن رحمة، لمن خالطت قلوبَهم بشاشةُ الإيمان، فأشرقت وتفتَّحت لتَلقى ما في القرآن من روح وطمأنينة وأمان.
القرآن رحمة للمؤمنين؛ ففي القرآن شفاء من الوسوسة والقلق والحَيرة؛ فهو يصل القلب بالله، فيَسكُن ويطمئنُّ ويستشعر الحماية والأمن، ويرضى فيَنعَم بالرضى من الله، والرضى عن الحياة، والقلقُ مَرَضٌ، والحَيرة نَصَبٌ وتَعَب، والوسوسة داءٌ.
القرآن رحمة للمؤمنين؛ ففي القرآن شفاء من الهوى والدَّنَس والطمع والحسد ونَزَغات الشيطان، وهي من آفات القلب تُصيبه بالمرض والضعف والتَّعَب، وتدفع به إلى التحطُّم والبلى والانهيار.
القرآن رحمة للمؤمنين؛ ففي القرآن شفاء من الاختلال في الشعور والتفكير؛ فهو يَعصِم العقل من الشَّطط، ويُطلق له الحرية في مجالاته المثمِرة، ويكفُّه عن إنفاق طاقته فيما لا يُجدي، ويأخذه بمنهج سليم منضبِط، يجعل نشاطَه منتِجًا ومأمونًا، ويَعصِمه من الشَّطط والزَّلل.
القرآن رحمة للمؤمنين؛ ففي القرآن شفاء من العلل الاجتماعية التي تُخَلخِل بناء الجماعات، وتذهب بسلامتها وأمنها وطمأنينتها، فتعيش الجماعة في ظلِّ نظامه الاجتماعيِّ وعدالته الشاملة في سلامة وأمن وطمأنينة.
رَأَيْتُ حَلالَ الْمَالِ خَيْرَ مَغَبَّةٍ = وَأجْدَرَ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْحَدَثَانِ
وَإِيَّاكَ وَالْمَالَ الْحَرَامَ فَإِنَّهُ = وَبَالٌ إِذَا مَا قُدِّمَ الْكَفَنَانِ
26. لا ترغبنْ في كثير المال تَكنِزُه = من الحرام فلا يُنْمَى وإن كثُرا
27. واطلبْ حلالًا وإن قلَّت فواضلُه = إن الحلال زكيٌّ حيثما ذُكِرا
28. اقْرَأْ كِتَابَ اللهِ وَافْهَمْ حُكْمَهُ = تُدْرِكْ عَطَاءَ اللهِ فِي إِحْسَانِ
فَهُوَ الخِطَابُ لِكُلِّ عَقْلٍ نَابِهٍ = وَهُوَ الضِّيَاءُ بِنُورِهِ الرَّبَّانِي
يَهْدِي إِلَى الخَيْرِ العَمِيمِ وَإِنَّهُ = أَمْنُ القُلُوبِ وَرَاحَةُ الأَبْدَانِ
قَدْ أَنْزَلَ القُرْآنَ رَبٌّ حَافِظٌ = لِيُعَلِّمَ الإِنْسَانَ خَيْرَ بَيَانِ
إنا بنو القُرآنِ والدِّينِ الذي = صَدَعَ الشُّكوكَ وجاء بالتِّبْيانِ
ضاعت حقوق العالمين فَرَدَّها = وأقامَها بالقِسْطِ والْمِيزان
ظَلَم العزيزُ فهدَّه وأَهَانَه = وحَمى الذَّلِيلَ فبَاتَ غيرَ مُهانِ
29. نَوِّرْ جَبِينَكَ فـي هُـدى الْقُـرآنِ = وَاقطِفْ حصادَك بعد طول نِضالِ
واسْلُكْ دُرُوبَ العارفيـنَ بهِمَّةٍ = والْـَزمْ كتـابَ الله غيـرَ مبـالِ
فهُوَ الْمُعِينُ عَلَى الشَّدَائـدِ وَطْـأةً = وهُوَ الْمُهَيْمِنُ فَوْقَ كلِّ مَجَـالِ
وَهُوَ الشَّفِيعُ عَلَى الخلائقِ شاهـدٌ = في مَوْقِفٍ يُنْجِي مِنَ الأَهوالِ
30. ولوْ كانَ النّساءُ كمَنْ فَقَدْنا = لفُضّلَتِ النّساءُ على الرّجالِ
فما التأنيثُ لاسمِ الشّمسِ عَيبٌ = ولا التّذكيرُ فَخْرٌ للهِلالِ
31. أُنزِلَ القرآنُ نورًا وهُدَى = في بيانٍ بالغٍ أقصى الْمَدَى
يتَوَالَى الصَّوْتُ منه والصَّدَى: = إن هذا الكَوْنَ لم يُخلَقْ سُدَى
فاسْتَفِيقِي يا ظُنونَ الجُهَلاءْ
المراجع
1. رواه مسلم (1015).
2. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 263).
3. "مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزيِّ (ص 269).
4. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 275).
5. رواه مسلم (1467).
6. رواه ابن ماجه (1977)، والترمذيُّ (3895) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1924).
7. رواه البخاريُّ (1295)، ومسلم (1628).
8. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (1/ 146).
9. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (1/ 146).
10. رواه البخاريُّ (5027).
11. رواه أحمد (6799)، وأبو داود (1464)، والترمذيُّ (2914)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال الألبانيُّ في "صحيح أبي داود" (1317): "إسناده حسن صحيح، وصحَّحه ابن حبان والحاكم والذهبيُّ".
12. رواه مسلم (244).
13. رواه أحمد (12279)، والنسائيُّ (7977)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1432).
14. رواه مسلم (223).
15. رواه مسلم (2564).
16. رواه البخاريُّ (6857)، ومسلم (89).
17. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (4/ 646، 647).
18. رواه مسلم (817).
1. قال عبدُ الله بنُ مسعود رضي الله عنه: "أَلْأَمُ خُلُقِ المؤمِن الفُحْشُ" [1].
2. قال الأحنفُ بنُ قَيْسٍ: "أَوَلا أُخْبِرُكم بأَدْوَأِ الدَّاء؟ اللسان البذيء، والخُلُق الدَّنِيء" [2].
3. قال بعض الحكماء: "لا تَضَعْ مَعْرُوفَكَ عند فاحِشٍ، ولا أَحْمَقَ، ولا لئيم؛ فإن الفاحش يرى ذلك ضعفًا، والأحمقَ لا يعرف قَدْرَ ما أَتَيْتَ إليه، واللئيمَ سَبِخة لا يُنْبِتُ ولا يُثْمِرُ؛ ولكن إذا أصبتَ المؤمنَ، فازْرَعْهُ معروفَكَ، تَحْصُدْ به شُكرًا" [3].
4. قال ابن حبَّانَ البُسْتيُّ: "إنَّ الوَقِح إذا لَزِم البَذَاء، كان وجودُ الخير منه معدومًا، وتواتُرُ الشَّرِّ منه موجودًا؛ لأنَّ الحياء هو الحائل بين المرء وبين الْمَزْجورات كلِّها، فبقوَّةِ الحياء يَضعُف ارتكابه إيَّاها، وبضعف الحياء تقوى مباشرتُه إيَّاها" [4].
5. قال القاسميُّ: "كلام الإنسان بَيَانُ فضله، وتُرْجُمانُ عَقْلِه، فاقْصُرْه على الجميل، واقتصر منه على القليل، وإيَّاك وما يُستقبَح من الكلام؛ فإنه يُنَفِّر عنك الكرام، ويُوَثِّب عليك اللئام" [5].
6. بُسُطُ الأَيْدِي إِذَا ما سُئِلُوا = نُفُعُ النَّائِلِ إِنْ شيءٌ نَفَعْ
مِنْ أُناسٍ لَيْسَ في أَخْلاقِهِمْ = عَاجِلُ الفُحْشِ ولا سُوءُ الجَزَعْ
7. فلا تَعْجَلْ على أَحَدٍ بظُلْمٍ = فَإِنَّ الظُّلْمَ مَرْتَعُه وَخِيمُ
ولا تَفْحُشْ وَإِنْ مُلِّئْتَ غَيْظًا = على أَحَدٍ فإنَّ الفُحْشَ لُومُ
8. لِسَانُكَ خَيْرٌ وَحْدَهُ مِن قَبِيلةٍ = وَمَا عُدَّ بَعْدُ في الفَتَى أَنْتَ حامِلُهْ
سِوَى الْبُخْلِ وَالفَحْشَاءِ واللُّؤْمِ والخَنَا = أَبَتْ ذَلِكُمْ أَخْلاقُه وشمائلُهْ
إِذَا القَوْمُ أَمُّوا سُنَّةً فَهْوَ عَامِدٌ = لأَكْبَرِ مَا ظَنُّوا بِهِ فَهْوَ فاعِلُهْ
9. وَإذا الفاحِشُ لاقَى فاحشًا = فهُنَاكُمْ وَافَقَ الشَّنُّ الطَّبَقْ
إنَّما الفُحْشُ ومَن يُعنى به = كَغُرابِ السُّوءِ ما شَاءَ نَعَقْ
أَوْ حِمَارِ السُّوءِ إنْ أَشْبَعْتَهُ = رَمَحَ النَّاسَ وإنْ جَاعَ نَهَقْ
أو غُلامِ السُّوءِ إنْ جَوَّعْتَهُ = سَرَقَ الجارَ وإنْ يَشْبَعْ فَسَقْ
أَوْ كعَذْرَا رَفَعَتْ عن ذَيْلِها = ثُمَّ أَرْخَتْهُ ضِرَارًا فانْمَزَقْ
أيُّها السائلُ عمَّا قَدْ مَضَى = هل جَدِيدٌ مِثْلُ مَلْبُوسٍ خَلَقْ
10. تَوَقَّ مِنَ النَّاسِ فُحْشَ الكَلامِ = فَكُلٌّ يَنَالُ جَنَى غَرْسِهِ
فمَنْ جَرَّبَ الذَّمَّ في عِرْضِه = كَمَنْ جَرَّبَ السُّمَّ في نَفْسِهِ
11. أُحِبُّ مكارمَ الأخلاقِ جَهْدِي = وأَكْرَهُ أَنْ أُجِيبَ وأَنْ أُجَابَا
وأَصْفَحُ عن سِبَابِ النَّاسِ حِلْمًا = وَشَرُّ النَّاسِ مَن يَهْوَى السِّبَابَا
المراجع
1. "الصمت" لابن أبي الدنيا (ص 89).
2. "الصمت" لابن أبي الدنيا (ص 186).
3. "المجالسة وجواهر العلم" لأحمد بن مروان المالكيِّ (6/ 399).
4. "روضة العقلاء" لابن حبان البستيِّ (ص 58).
5. "جوامع الآداب" لجمال الدين القاسميِّ (ص 6).
1.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ:
سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلاةُ عَلى وقْتِهَا»، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ»، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ في سَبيل اللهِ»
[1].
وذلك لعِظَم منزلةِ وحقِّ الوالدينِ، وبِرُّ الوالدينِ يكون بالإحسان إليهما، والقيام بخِدمتهما، وتَرْك عُقوقهما.
2. حقُّ الوالدَين متعقِّب لحقِّ الله عزَّ وجلَّ؛
كما قال تعالى:
﴿أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوَٰلِدَيْكَ إِلَىَّ ٱلْمَصِيرُ﴾
[لقمان:14].
3.
عن أبي الدرداء قال:
«سمعت رسول الله ﷺ يقول: «الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ، أَوِ احْفَظْهُ»
[2].
4.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
«رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ»، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ»
[3].
5.
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال:
«قال رسول الله ﷺ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَأَنْ يُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»
[4].
6.
عن عائشة قَالَتْ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ:
«أَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا عَلَى الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: «زَوْجُهَا»، قُلْتُ: فَأَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا عَلَى الرَّجُلِ؟ قَالَ: «أُمُّهُ»
[5].
7.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:
«قال رسول الله ﷺ: «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا، إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا، فَيَشْتَرِيَهُ، فَيُعْتِقَهُ»
[6].
8.
عن أبي أُسَيْدٍ قال:
«بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ بَقِيَ عَلَيَّ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَبَرُّهُمَا بِهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، خِصَالٌ أَرْبَعَةٌ: الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا، وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لا رَحِمَ لَكَ إِلاَّ مِنْ قِبَلِهِمَا، فَهُوَ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْكَ مِنْ بِرِّهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا»
[7].
9. الْعَيْشُ ماضٍ فأَكْرِمْ والدَيْكَ بهِ = والأُمُّ أَوْلى بإِكرامٍ وإِحسانِ
وحسبُها الحَمْلُ والإِرضاعُ تُدْمِنُهُ = أمرانِ بالفضلِ نَالَا كُلَّ إِنسانِ
10. أَطِعِ الإِلَهَ كَمَا أَمَرْ = وَامْلأْ فُؤَادَكَ بِالحَذَرْ
11. وَأَطِعْ أَبَاكَ فَإِنَّهُ = رَبَّاكَ مِنْ عَهْدِ الصِّغَرْ
12. الأُمُّ مَـدْرَسَــةٌ إِذَا أَعْـدَدْتَـهَـا = أَعْـدَدْتَ شَعْبًـا طَيِّـبَ الأَعْـرَاقِ
الأُمُّ رَوْضٌ إِنْ تَـعَهَّـدَهُ الحَـيَــا = بِـالـرِّيِّ أَوْرَقَ أَيَّـمَـا إِيْــرَاقِ
الأُمُّ أُسْـتَـاذُ الأَسَـاتِـذَةِ الأُلَـى = شَغَلَـتْ مَـآثِرُهُمْ مَـدَى الآفَـاقِ
13. زُر والِديكَ وقِف على قبرَيْهما = فكأنني بكَ قد نُقلتَ إليهما
لو كنتَ حيث هما وكانا بالبَقَا = زاراكَ حَبْوًا لا على قَدَمَيْهما
ما كان ذنبُهما إليكَ فطالما = مَنَحاكَ نفْسَ الوُدِّ من نفْسَيْهِما
كانا إذا سَمِعا أنينَكَ أسبلا = دمعَيْهما أَسَفًا على خدَّيْهما
14. أوصى بك اللهُ ما أوصت بك الصُّحفُ = والشـعرُ يدنـو بخـوفٍ ثم ينـصرفُ
ما قــلتُ والله يـا أمِّي بـقـافــيـةٍ = إلا وكـان مــقـامًا فــوقَ مـا أَصِـفُ
يَخضرُّ حقلُ حروفي حين يَحْمِلُها = غَـْيـمٌ لأمي علـيه الطِّـيـبُ يُـقتـطَفُ
والأمُ مـدرسـةٌ قـالوا وقـلتُ بـهـا = كـلُّ الـمدارسِ سـاحـاتٌ لـها تـقـفُ
15. غنَّى فُؤادُ الأمِّ أَهْلًا بِالَّذي = مُذ جاءَ أَشرَقتِ الْمَنازِلُ بِالسَّنا
يَحميكَ رَبُّكَ مِن إصابَةِ ناظِرٍ = وَزَهَتْ بِمَقْدَمِكَ الْمَسَرَّةُ وَالهَنا
16. وَاخْضَعْ لأُمِّكَ وَارْضِهَا = فَعُقُوقُهَا إِحْدَى الكُبَرْ
المراجع
1. رواه البخاريُّ (527)، ومسلم (85).
2. رواه أحمد (28061)، وابن ماجه (3663)، والترمذيُّ (1900)، وقال: هذا حديث صحيح، وصححه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2486).
3. رواه مسلم (2551).
4. رواه أحمد (13434)، وحسَّنه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2488).
5. رواه النسائيُّ (9103)، والحاكم (7244) وصحَّحه.
6. رواه مسلم (1510).
7. رواه أحمد (16156)، والبخاريُّ في "الأدب المفرد" (35)، وأبو داود (5142)، وابن ماجه (3664)، والحاكم (4/154)، وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبيُّ، وضعَّفه الألبانيُّ في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1482).
1. التأكيد على حق الجار بكثرة الوصية به يقتضي ضرورة إكرام الجار، والتودُّد والإحسان إليه، ودفع الضُّرِّ عنه، وعيادته عند المرض، وتهنئته عند المسرَّة، وتعزيته عند المصيبة، وهلمَّ جرًّا.
2. مواساة الجيران والإحسان إليهم يزيد من ترابط المجتمع المسلم، وتماسكه.
3. عدم إيذاء الجار من علامات الإيمان بالله تعالى؛
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ...»
[1].
4. إن إيذاء الجار لجاره سببٌ في عدم دخوله الجنَّة؛
قال رَسُول اللهِ ﷺ:
«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ»
[2].
5. نفى ﷺ الإيمانَ عمَّن لا يأمن جارُه بوائقه؛
قال النَّبِيُّ ﷺ:
«وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ» قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ»
[3].
6. قال الحسن البصريُّ: ليس حُسْنُ الجِوار كفَّ الأذى، ولكنْ حُسْنُ الجوار احتمالُ الأذى [4].
7. إِذا شَاعَ الحَريقُ ببَيتِ جارٍ = فَبَيْتُكَ قَد يَصِيرُ إِلى السَّعيرِ
ومَن يَخذُلْ أخاهُ في الرَّزايا = يَظَلُّ على الزَّمانِ بلا نَصيرِ
8. تواضَعْ إِذا ما رُزقتَ العُلا = فذلكَ مما يَزيدُ الشَّرَفْ
ودَارُكَ أحسِنْ إِلى جَارِها = ولا تَجْعَلَنَّ لَها مُشْترَفْ
وإِنْ ألبسَ اللهُ ثوبَ الشِّفاءِ = فلا تؤثرنَّ عليهِ التَّرفْ
9. ومن يقضيِ حَقَّ الجارِ بعدَ ابنِ عمِّهِ = وصَاحِبهِ الأدنى عَلى القُرْبِ والبُعْدِ
يَعِشْ سَيِّدًا يَستعذِبُ النَّاسُ ذِكرَهُ = وإِنْ نَابَه حقٌّ أَتَوْهُ على قَصْدِ
10. أكرمِ الجَارَ وراعِ حقَّهُ = إِنَّ عِرفانَ الفَتَى الحَقَّ كَرمْ
11. إِذا شِئتَ أنْ تَرقَى جداركَ مرَّةً = لأمرٍ، فآذِنْ جارَ بَيْتِكَ مِن قَبْلُ
ولا تَفْجَأَنْهُ بالطُّلوعِ؛ فَربَّما = أصابَ الفَتَى من هتكِ جارَتهِ خَبْلُ
متَى نَشَأَتْ رِيحٌ لقِدْرِكِ فابعثي = لجارتِكِ الدُّنيا قليلاً، ولا تُملي
فإِنَّ يَسيرَ الطُّعْمِ يَقضي مَذَمَّةً = ولا سيَّما للطِّفلِ أو ربَّةِ الحَمْلِ
12. وكيف يَسيغُ المرءُ زادًا وجارُه = خَفيفُ المِعى، بادي الخصَاصةِ والجَهْدِ
ولَلموتُ خَيرٌ من زيارةِ باخلٍ = يلاحظُ أطرافَ الأكيلِ عَلى عَمْدِ
13. نَاري ونَارُ الجَارِ وَاحدةٌ = وإِليهِ قَبلي تنزلُ القِدْرُ
مَا ضَرَّ جارًا لي أجاورهُ = ألَّا يكونَ لبابِهِ سِترُ
أعمَى إِذا مَا جارتي بَرَزَتْ = حتَّى يُغيِّبَ جَارتي الخِدرُ
14. أنا الجارُ لا زَادي بَطيءٌ عَليهمُ = ولا دُونَ مَالي لِلحَوَادثِ بَابُ
ولا أطلُبُ العَورَاءَ مِنهُم أُصِيبُهَا = ولا عَورَتي للطَّالِبِينَ تُصَابُ
وأسطُو وحُبِّي ثابِتٌ في صُدورهِمْ = وأحلُمُ عَن جُهَّالِهِمْ وأُهَابُ
15. وإني لحمَّالٌ لكلِّ مُلِمَّةٍ = تَخِرُّ لها شُمُّ الجبالِ وَتُزْعَجُ
وإني لأحمي الجارَ منْ كلّ ذِلَّةٍ = وأَفرَحُ بالضَّيفِ الْمُقيمِ وأَبهَجُ
وأحمي حمى قومي على طُول مُدَّتي = إلى أنْ يَرَوْني في اللفائفِ أُدْرَجُ
16. تُعيِّرُنا أنَّا قَليلٌ عَديدُنا = فَقُلتُ لَها: إِنَّ الكِرامَ قَليلُ
وَما قَلَّ مَن كانَت بَقاياهُ مِثلَنا = شَبابٌ تَسامى لِلعُلى وكُهولُ
وما ضَرَّنا أنَّا قَليلٌ وجارُنا = عَزيزٌ، وجارُ الأَكثَرينَ ذَليلُ
17. ونُكْرِمُ جارَنا ما دامَ فينا = ونُتبِعُهُ الكَرامَةَ حَيْثُ مَالا
لعَمرُكَ مَا يبيتُ الجَارُ فِينا = عَلى وَجَلٍ يُحاذِرُ أنْ يُغالا
المراجع
1. رواه البخاريُّ (6018)، ومسلم: (47).
2. رواه مسلم (46).
3. رواه البخاريُّ (6016).
4. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب الحنبليِّ (1/ 353).
1. لا شكَّ أن الإنسان يحبُّ لنفسه أعلى المراتب، ويسابق غيره فيها. لذا؛ قال أهل العلم: إن المراد محبَّة الخير لأخيه في الجُملة، ومحبَّة كفِّ الشرِّ عنه، ولا حرج أن يحبَّ السبق لنفسه في زوائد الفضائل والمناقب.
2. إن تحقيق هذا الكمال الإيمانيِّ في النفس، يتطلَّب منها سموًّا في التعامل، ورفعة في الأخلاق مع الغير، انطلاقًا من رغبتها في أن تُعامَل بالْمِثل، وهذا يحتِّم على صاحبها أن يصبر على أذى الناس، ويتغاضى عن هفواتهم، ويعفو عمن أساء إليه، ويشارك إخوانه في أفراحهم وأتراحهم، فيعود المريض، ويواسي المحتاج، ويَكفُل اليتيم، ولا يألو جُهدًا في تقديم صنائع المعروف للآخرين، ببشاشةِ وجه، وسعة قلب، وسلامة صدر.
3. كما يحب المسلم للناس السعادة في دنياهم، فإنه يحب لهم أن يكونوا من السعداء في الآخرة، لذا؛ فهو يسعى دائمًا إلى هداية البشر، بتبليغ دعوة ربِّه، ودعوتهم إلى الحقِّ، وإرشادهم إلى طريق الهدى، واضعًا نُصب عينيه
قول الله تعالى:
﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ﴾
[فصلت: 33]
4. لا حرج أن تريد لنفسك أعلى الدرجات والمراتب في الامتحانات، وتؤثر نفسك بهذه المزيَّة، مع محبة الخير والتفوُّق لسائر إخوانك. وإن بلغت الكمال، وأحببت لهم ما تحبُّ لنفسك تمامًا، فقد فضَّلتهم على نفسك، وهذه درجة عالية من الإيثار والفضل؛ لكنها لا تجب.
5. قال عبد الله بنُ عبَّاسٍ رضي الله عنه: «إنِّي لَأمُرُّ بالآيةِ مِن القرآنِ فأفهمُها، فأودُّ أنَّ الناسَ كلَّهم فهِموا منها ما أفْهَمُ» [1].
6. حُبُّ الخيرِ للمؤمِنين من خِصالِ الإيمانِ.
7. أفضلُ الناس أنفعُهم للناس.
8. المؤمنُ يُحبُّ للناسِ ما يُحبُّ لنفْسِه.
9. المحبَّةُ دِعامةٌ قويَّةٌ يترابَطُ بها المجتمَعُ المسلِمُ، فيكونُ كالجسدِ الواحدِ.
10. المحبَّةُ سببٌ في صَفاءِ العيشِ وسلامةِ النفْسِ منَ الآفاتِ.
11. الأُخوَّة في الله فوق أُخوَّة النَّسَب؛ لأن حقَّها أوجبُ [2].
12. وَرُبَّ أخٍ ليست بأمِّكَ أمُّه = متى تَدْعُه للرَّوْعِ يأتيك أبلجا
يُواسِيكَ في الجُلَّى ويَحْبُوكَ بالنَّدَى = ويَفتَحُ ما كان القَضَا عنك أُرْتِجَا
13. أخوكَ الذي يحميكَ في الغَيب جاهدًا = ويَستُر ما تأتي من السُّوء والقُبْحِ
وينشر ما يُرضيكَ في الناس معلِنًا = ويُغضي ولا يألو من البِرِّ والنُّصح
14. وليس أخي مَن وَدَّني بلسانِه = ولكنْ أخي من ودَّني في النوائبِ
ومَن مالُه مالي إذا كنتُ مُعْدَمًا = ومالي له إن عضَّ دَهْرٌ بغاربِ
فلا تَحْمَدَنْ عند الرخاء مؤاخيًا = فقد تُنكِرُ الإخوانُ عند المصائب
15. كم من أخٍ لك لم يلده أبوكا = وأخٍ أبوه أبوكَ قد يجفوكا
صافِ الكرامَ إذا أردتَ إخاءهم = واعلم بأن أخَ الحفاظ أخوكا
كم إخوةٍ لك لم يَلِدْكَ أبوهمُ = وكأنما آباؤهم ولدوكا
لو كنتَ تَحمِلُهم على مكروهةٍ = تخشى الحُتوف بها لَمَا خَذَلُوكا
16. وما المرءُ إلا بإخوانه = كما تَقبِضُ الكفُّ بالْمِعصَمِ
ولا خيرَ في الكفِّ مقطوعةً = ولا خيرَ في الساعد الأَجذَمِ
المراجع
1. رواه الطبرانيُّ (10621)، وقال الهيثميُّ في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" (9/ 284): رجاله رجال الصحيح.
2. انظر: "الفوائد المستنبطة من الأربعين النووية وتتمتها الرجبية"، عبد الرحمن بن ناصر البراق (ص: 30).
1. إذا أحسستَ بألم في أي جزء من أعضائك، فإن هذا الألم يَسري على جميع البدن، كذلك ينبغي أن تكون للمسلمين هكذا، إذا اشتكى أحدٌ من المسلمين، فكأنما الأمر يرجع إليك أنت.
2. من فوائد التَّوادُد بين النَّاس: أنه طريق موصِل للحبِّ والأُلفة؛ مما يقوِّي روابط التَّقارب بين الأفراد، ويزيد اللُّحمة بينهم، وتقويةُ العلاقات بين النَّاس التي هي أساس لبناء مجتمع قويٍّ مبنيٍّ على الولاء، والتَّناصر والتَّعاضد والتَّعاون.
3. التراحم والتوادُّ والتعاطف يعكس الجمال الرُّوحيَّ، ومكارمَ الأخلاق التي جاء الإسلام لتكميلها وتعزيزها.
4. حُبُّ الخيرِ للمؤمِنين من خِصالِ الإيمان.
5. أفضلُ الناس أنفعُهم للناس.
6. المؤمنُ يُحبُّ للناسِ ما يُحبُّ لنفْسِه.
7. التوادُّ والتراحم والتعاطف دِعامةٌ قويَّةٌ يترابَطُ بها المجتمَعُ المسلم، فيكونُ كالجسدِ الواحدِ.
8. الأُخوَّة في الله فوق أُخوَّة النَّسَب؛ لأن حقَّها أوجبُ.
9. لولا التَّعاونُ بينَ النَّاسِ ما شَرُفَتْ = نَفْسٌ ولا ازدهرتْ أرضٌ بعُمْرانِ
10. أخاكَ أخاكَ إنَّ مَن لا أخًا له = كَسَاعٍ إلى الهَيْجا بغَيْرِ سِلاحِ
وإنَّ ابنَ عمِّ الْمَرْءِ - فاعْلَمْ – جَنَاحُه = وهل يَنْهَضُ البازي بغيرِ جَناحِ
11. كونوا جميعًا يا بَنيَّ إذا اعترَى = خَطْبٌ ولا تتفرَّقوا آحادَا
تأبى القِداحُ إذا اجتمعْنَ تَكَسُّرًا = وإذا افتَرَقْنَ تكسَّرتْ أفرادَا
12. وَرُبَّ أخٍ ليستْ بأمِّكَ أمُّه = متى تَدْعُه للرَّوْعِ يأتيك أَبْلَجَا
يُواسِيكَ في الجُلَّى ويَحْبُوكَ بالنَّدَى = ويَفتَحُ ما كان القَضَا عنك أُرْتِجَا
13. أخوكَ الذي يحميكَ في الغَيب جاهدًا = ويَستُر ما تأتي من السُّوء والقُبْحِ
وينشر ما يُرضيكَ في الناس معلِنًا = ويُغضي ولا يألو من البِرِّ والنُّصح
14. وما المرءُ إلا بإخوانِه = كما تَقبِضُ الكفُّ بالْمِعْصَمِ
ولا خيرَ في الكَفِّ مقطوعةً = ولا خيرَ في الساعد الأَجْذَمِ
1. إن الله سبحانَهُ وتعالى أرْحمُ الراحمينَ، وأكرَمُ الأكرَمينَ، ورحمتُه سبحانه عمَّتِ السمواتِ والأرضَ؛ وهيَ لا تقتصِرُ على الإنسانِ فحسبُ، بلْ وسِعَت كلَّ شيءٍ، حتَّى الحيوانَ والطيرَ.
2.
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«لاَ يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ»
[1].
3.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ:
«الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ»
[2].
4. الرحمة هي اللغة التي يسمعها الأصمُّ، ويقرؤها الأعمى.
5. الرحمة خير من العدالة.
6.
قال ﷺ:
«إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ»
[3].
7. حَذَارِ أن تغرَّ العبدَ نفسُه، فيتَّكل على رحمة الله تعالى بلا عمل صالح، فكما أنه سبحانه غفور رحيم، فهو كذلك شديد العقاب، وسريع العقاب، وعزيز ذو انتقام، وبطشه شديد، وأخذه أليم؛
﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ﴾
[هود: 102 - 103].
8. إنْ كنتَ لا ترحمُ المسكينَ إن عَدِما = ولا الفقيرَ إذا يشكو لك العَدما
فكَيْفَ تَرْجُو منَ الرحمنِ رحمتَه = وإنَّما يرحمُ الرحمنُ من رَحِما
9. إنَّ منْ يرحمُ أهلَ الأرضِ قَدْ = جاءَنا يَرْحَمُهُ مَنْ فِي السَّمَا
فَارْحَمِ الخَلْقَ جَمِيعًا إنَّما = يَرْحَمُ الرحمنُ منَّا الرُّحَمَا
10. سامِحْ أَخَاكَ الدَّهْرَ مَهْمَا بَدَتْ = مِنْهُ ذُنُوبٌ وَقْعُها يَعْظُمُ
وَارْحَمْ لِتَلْقَى رَحْمَةً فِي غَدٍ = فَرَبُّنا يَرْحَمُ مَنْ يَرْحَمُ
11. بادِرْ إلى الخَيْرِ يا ذَا اللُّبِّ واللُّسُنِ = واشْكُرْ لِربِّكَ مَا أَوْلى مِنَ الْمِنَنِ
وارْحَمْ بقَلْبِكَ خَلْقَ اللهِ كُلَّهُمُ = يُنِلْكَ رَحْمَتَهُ فِي الْمَوْقِفِ الخَشِنِ
12. بادرْ إلى الخيرِ يا ذا اللبِّ مغتنِما = ولا تَكُنْ مِن قليلِ العُرْفِ محتشِمَا
واشكرْ لمولاك ما أَوْلاكَ من نِعَمٍ = فالشكرُ يستوجبُ الإفضالَ والكَرَمَ
وارحمْ بقلبِك خلقَ الله وارعَهُمُ = فإنَّما يرحمُ الرحمنُ مَن رَحِمَ
13. إن كنتَ ترجو مِن الرحمنِ رحمتَه = فارحمْ ضِعافَ الورَى يا صاحِ محترِمَا
واقصِدْ بذلك وجهَ اللهِ خالقِنا = سبحانَه مِن إلهٍ قد برى النَّسَما
واطلبْ جزا ذاك مِن مولاك رحمتَه = فإنَّما يَرْحَمُ الرحمنُ مَن رحِمَ
المراجع
1. رواه البخاريُّ (7376).
2. رواه أبو داود (4941)، والترمذيُّ (1924)، وقال: حديث حسن صحيح.
3. رواه البخاريُّ (7448) ومسلم (923).
1. على المرء التّأهُّب للموت، والاحتراز قبل الفَوت؛ لأنّ الإنسان لا يدري متى يَفجَؤُه الموت، فينبغي أن يكون متأهِّبًا لذلك، فيكتب وصيَّتَه، ويجمع فيها ما يَحصُل له به الأجر، ويُحبِط عنه الوِزْرَ من حقوق اللّه وحقوق عباده.
2. مما يُعِين المسلمَ على الاستقامة والتقوى: التأهُّب للموت، والاستعداد له، ودوام تذكُّرُه؛ فلا يَدْري الإنسان مَتى يَفجَؤُه الموتُ!
3. على المسلم أن يجعل الموتَ نُصبَ عينيه، فيستعدَّ له بالعمل الصالح، ويقصِّر أملَه في الدنيا، ويترك الْمَيل إلى غرور الدنيا.
4. كان النبيُّ ﷺ يوضِّح للمؤمنين حقيقة الدنيا؛
فعن عبد الله بنِ عمرَ قال: أخَذَ رَسولُ اللهِ ﷺ بمَنْكِبِي، فَقالَ:
«كُنْ في الدُّنْيا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أوْ عابِرُ سَبِيلٍ»، وكانَ ابنُ عُمَرَ، يقولُ: «إذا أمْسَيْتَ فلا تَنْتَظِرِ الصَّباحَ، وإذا أصْبَحْتَ فلا تَنْتَظِرِ المَساءَ، وخُذْ مِن صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، ومِنْ حَياتِكَ لِمَوْتِكَ»
[1].
5. قال الحسن: الْمَوْتُ معقود في نَوَاصِيكم، والدنيا تُطوى من ورائكم [2].
6. نَسِيرُ إِلَى الْآجَالِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ = وَأَيَّامُنَا تُطْوَى وَهُنَّ مَرَاحِلُ
وَلَمْ أَرَ مِثْلَ الْمَوْتِ حَقًّا كَأَنَّهُ = إِذَا مَا تَخَطَّتْهُ الْأَمَانِيُّ بَاطِلُ
وَمَا أَقْبَحَ التَّفْرِيطَ فِي زَمَنِ الصِّبَا = فَكَيْفَ بِهِ وَالشَّيْبُ لِلرَّأْسِ شَامِلُ؟!
تَرَحَّلْ مِنَ الدُّنْيَا بِزَادٍ مِنَ التُّقَى = فَعُمْرُكَ أَيَّامٌ وَهُنَّ قَلَائِلُ
7. جَمَعُوا فَمَا أَكَلُوا الَّذِي جَمَعُوا = وَبَنَوْا مَسَاكِنَهُم فَمَا سَكَنُوا
فَكَأنَّهُمْ كَانُوا بِهَا ظُعُنًا = لَمَّا اسْتَراحُوا سَاعَةً ظَعَنُوا
8. أموالُنا لذَوِي الْمِيراثِ نَجمَعها = ودَارُنا لخَرَابِ البُومِ نَبنِيها
لا دارَ للمَرْءِ بعدَ الْمَوْتِ يَسْكُنُها = إلَّا الَّتِي كَانَ قَبْلَ الْمَوْتِ يَبْنِيها
فمَنْ بَنَاهَا بخَيْرٍ طَابَ مَسْكَنُهُ = ومَنْ بَنَاهَا بشَرٍّ خَابَ بَانِيها
9. وَأُوْصِيْكَ بِالتَّقْوَى لِرَبِّكَ إِنَّهُ = سَيَحْمَدُ تَقْوَاهُ الْمُوَفَّقُ في غَدِ
وَخُذْ لَكَ من دُنْيَاكَ زَادًا فَإِنَّمَا = أَقَامَكَ في الدُّنْيَا لأَخْذِ التَّزَوُّدِ
وَعَمَّا قَلِيْلٍ قَد أَنَاخَ رِكَابُنَا = بِقَصْرٍ خَلِيٍّ مُظْلِمِ الجَوِّ فَدْفَدِ
فَإِنَّ اللَّيَالِي كَالْمَرَاكِبِ تَحْتَنَا = تَرُوحُ بِنَا في كُلِّ حِينٍ وَتَغْتَدِي
المراجع
1. رواه البخاريُّ (6416).
2. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 382).
1. لقد حذَّر النبيُّ ﷺ المسلمين من سؤال الإمارة؛ لأنها خطر، فقد يسألها المرءُ ولا يقوم بالواجب، فينبغي له سؤال العافية، وعدم سؤال الإمارة.
2. ليتَّقِ اللهَ أناسٌ طلبوا الإمارة وسعَوا إليها وإلى تولِّي حاجاتِ المسلمين؛ لِيَصِلوا بذلك إلى شهوات خسيسة، وأغراضٍ مِن أعراض الدنيا الزائلةِ البخيسة؛ فوكَلَهم اللهُ إلى أنفسهم، فضاعوا وأضاعوا، وخسروا الدنيا والآخرة، والموفَّق مَن وفَّقه الله تعالى، والله المستعان على ما تصفون.
3. من المعلوم أنَّ كلّ ولاية لا تخلو من المشقَّة، فمن لم يكن له من اللّه إعانة، تورَّط فيما دخل فيه، وخَسِر دنياه وعُقْباه، فمن كان ذا عقل، لم يتعرَّض للطلَب أصلًا؛ بل إذا كان كافيًا وأُعطِيَها من غير مسألة، فقد وَعَده الصّادق بالإعانة، ولا يخفى ما في ذلك من الفضل[1].
4. مَن تَواضَع لله رَفَعه.
5.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا»[2].
6.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبيَّ ﷺ قال: «لَيُوشِكَنَّ رَجُلٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ خَرَّ مِنْ عِنْدِ الثُّرَيَّا، وَأَنَّهُ لَمْ يَلِ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا»[3].
7.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَلِي أَمْرَ عَشَرَةٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَّا أَتَى اللَّهَ مَغْلُولًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ، فَكَّهُ بِرُّهُ، أَوْ أَوْبَقَهُ إِثْمُهُ، أَوَّلُهَا مَلاَمَةٌ، وَأَوْسَطُهَا نَدَامَةٌ، وَآخِرُهَا خِزْيٌ يَوْمَ الْقِيَامَة»[4].
8. كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إِبِلِهِ، فَجَاءَهُ ابْنُهُ عُمَرُ، فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ، فَنَزَلَ فَقَالَ لَهُ: أَنَزَلْتَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ، وَتَرَكْتَ النَّاسَ يَتَنَازَعُونَ الْمُلْكَ بَيْنَهُمْ؟ فَضَرَبَ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ، فَقَالَ: اسْكُتْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ:
«إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ، الْغَنِيَّ، الْخَفِيَّ»[5].
9.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «... طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الحِرَاسَةِ، كَانَ فِي الحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ»[6].
المراجع
- "فتح الباري" لابن حجر (13/ 124).
- رواه مسلم (1825).
- رواه أحمد (10940)، وقال شعيب الأرنؤوط: حسن.
- رواه أحمد (22656)، وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره.
- رواه مسلم (2965).
- رواه البخاريُّ (2887).
1. الغَدْرُ حُرْمتُه غليظة، لا سيَّما من صاحب الولاية العامَّة؛ لأنَّ غدرَه يتعدَّى ضَرَرُه إلى خَلْقٍ كثير؛ ولأنَّه غير مضطرٍّ إلى الغدر؛ لقدرته على الوفاء[1].
2. قال عليٌّ - رضى الله عنه -: حقٌّ على الإمام أن يَحكُم بما أَنزَل الله ويؤدِّيَ الأمانة، فإذا فَعَلَ ذلك، فحقٌّ على الناس أن يسمعوا ويُطيعوا.
3. قال النبيُّ ﷺ: «إنما الطاعة في المعروف»[2]، يعني فيما يُقرُّه الشرع، وأما ما يُنكره الشرع، فلا طاعة لأحد فيه، حتى لو كان الأبَ أو الأمَّ أو الأمير العامَّ أو الخاصَّ؛ فإنه لا طاعة له.
4. قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾ﱠ
[النساء: 59]
فطاعةُ وليِّ الأمر في غير معصية طاعةٌ لله ولرسوله.
المراجع
- "فتح الباري" لابن حجر (6/284).
- رواه البخاريُّ (7145)، ومسلم (1840).
1. إذا أُشرب القلبُ العبوديةَ والإخلاص صار عند الله من المقرَّبين، وشَمِله استثناء:
{ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }
[الحجر: 40][1]
2. قال عبدالله بن عباسٍ – رضي الله عنهما -: "يا صاحبَ الذَّنْب، لا تأمنَنَّ مِن سوء عاقبته، ولَمَا يَتبَع الذنبَ أعظمُ من الذنب إذا علمتَه؛ فإن قلَّة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال، وأنت على الذنب، أعظمُ مِن الذنب الذي عملتَه، وضَحِكُكَ وأنت لا تدري ما اللهُ صانع بك أعظمُ من الذنب، وفرحُكَ بالذنب إذا ظفِرْتَ به أعظمُ من الذنب، وحُزْنُكَ على الذنب إذا فاتك أعظمُ من الذنب إذا ظفِرْتَ به، وخوفُك من الريح إذا حرَّكَتْ سِتْرَ بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك مِن نظر الله إليك أعظمُ مِن الذنب إذا عملتَه"[2].
3. قال أبان بن تغلب: "سمعتُ امرأة توصي ابنًا لها وأراد سفرًا، فقالت: أي بُنيَّ، أوصيك بتقوى الله؛ فإنَّ قليله أجدى عليك مِن كثير عقلك، وإيَّاك والنَّمائمَ؛ فإنَّها تورث الضَّغائن، وتفرِّق بين المحبِّين؛ ومثِّلْ لنفسك مثالَ ما تستحسن لغيرك ثمَّ اتَّخذْه إمامًا، وما تستقبح مِن غيرك فاجتنبه، وإيَّاك والتَّعرُّضَ للعيوب فتصير نفسك غرضًا، وخليق ألَّا يلبثَ الغرض على كثرة السِّهام، وإيَّاك والبُخلَ بمالك، والجودَ بدينك. فقالت أعرابيَّة معها: أسألك إلَّا زدتِه يا فلانة في وَصيتَّك. قالت: إي والله، والغدر أقبح ما يُعامَل به الإخوان، وكفى بالوفاء جامعًا لما تشتَّت مِن الإخاء، ومَن جمع العلم والسَّخاء فقد استجاد الحُلَّة، والفُجُور أقبح خُلَّة وأبقى عارًا"[3].
4. فيا مِحْنَةَ الإسلامِ مِن كلِّ فاجرٍ = وكلُّ جَهُولٍ بالحُدُودِ وغاشِمِ
ومِن مُدَّعٍ للدِّينِ والحقِّ ثمَّ لا = يُحَامي عنِ الإسلامِ عندَ التَّزاحُمِ
ومُنْتَسِبٍ للعلمِ أَضْحَى بعِلْمِه = يَسُوسُ به الدُّنيا وجَمْعِ الدَّراهِمِ
ولكنَّه أضحَى عن الحقِّ ناكبًا = بتركِ الهدى ميلًا إلى كلِّ ظالمِ
5. عِفُّوا تعِفَّ نساؤكم في الْمَحْرَمِ = وتجنَّبُوا ما لا يَلِيقُ بمُسْلِمِ
إنَّ الزِّنا دَيْنٌ إذا أقْرَضْتَهُ = كان الوفا مِن أهلِ بيتِكَ فاعْلَمِ
يا هاتكًا حُرَمَ الرجالِ وقاطعًا = سُبُلَ الْمَوَدَّةِ عِشْتَ غَيْرَ مُكَرَّمِ
لَوْ كنتَ حُرًّا مِن سُلالةِ ماجدٍ = ما كُنْتَ هتَّاكًا لحُرْمةِ مُسْلِمِ
مَنْ يَزْنِ يُزْنَ بِهِ وَلَوْ بجِدَارِهِ = إنْ كنتَ يا هذا لَبِيبًا فافْهَمِ
6. لَعَمْرُكَ مَا أَهْوَيْتُ كَفِّي لِرِيبَةٍ = وَلا حَمَلَتْنِي نَحْوَ فاحِشَةٍ رِجْلِي
ولا قادَنِي سَمْعِي ولا بَصَري لها = ولا دَلَّني رَأْيِي عليها ولا عَقْلِي
وَأَعْلَمُ أني لم تُصِبْني مُصِيبةٌ = مِنَ الدَّهْرِ إلَّا قد أصابتْ فتًى قَبْلِي
وَلَسْتُ بماشٍ مَا حَيِيتُ بمُنْكَرٍ = مِنَ الأمرِ لا يَسْعَى إلى مِثْلِه مِثْلي
7. لا تلتمسْ مِن مَسَاوي النَّاسِ ما سَتَروا = فيَهْتِكَ اللهُ سِتْرًا مِنْ مَسَاويكا
واذكرْ محاسِنَ ما فيهم إذا ذُكِروا = ولا تَعِبْ أَحَدًا منهم بما فِيكَا
8. هُوَ اللهُ رَبُّ الكونِ والكونُ عَبْدُهُ = فلا تَسْألَنَّ العبدَ واللهَ فَاسْألِ
هُوَ اللهُ مولانا لهُ الْمُلكُ وَحْدَهُ = وليسَ لِغَيْرِ اللهِ حَبَّةُ خَرْدل
9. ضَلَّ الأُلى جَحَدوه واتَّخُذوا له = شركاءَ من أربابهم وخصومَا
ما هذه الأربابُ ما لِعبادها = جَهِلوه ربًّا واحدًا قيُّومَا
10. رَأَيْتُ حَلالَ الْمَالِ خَيْرَ مَغَبَّةٍ = وَأجْدَرَ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْحَدَثَانِ
وَإِيَّاكَ وَالْمَالَ الْحَرَامَ فَإِنَّهُ = وَبَالٌ إِذَا مَا قُدِّمَ الْكَفَنَانِ
11. يا نفسُ، كُفِّي عن العصيانِ واكتَسِبي = فِعلًا جميلًا لعلَّ اللهَ يرحَمُني
يا نفسُ، ويحكِ توبي واعمَلي حسنًا = عسى تُجازَيْنَ بعدَ الموتِ بالحسَنِ
12. وَفِي النَّاسِ مَن ظُلمُ الوَرَى عَادةٌ لهُ = وَيَنْشُرُ أَعْذارًا بها يَتَأوَّلُ
جَرِيءٌ على أَكْلِ الحرامِ ويدَّعِي = بأنَّ له في حِلِّ ذلك مَحْمَلُ
فَيَا آكِلَ الْمَالِ الحرامِ أَبِنْ لَنَا = بأيِّ كتابٍ حِلُّ مَا أَنْتَ تَأكُلُ؟
ألمْ تَدْرِ أَنَّ اللهَ يَدْرِي بما جَرَى = وبينَ البَرايَا في القِيامةِ يَفْصِلُ
13. لا ترغبنْ في كثير المال تَكنِزُه = من الحرام فلا يُنْمَى وإن كثُرا
واطلبْ حلالاً وإن قلَّت فواضلُه = إن الحلال زكيٌّ حيثما ذُكِرا
14. رَأَيْتُ الذُّنوبَ تُمِيتُ القلوبَ = وقد يُورِثُ الذُّلَّ إِدْمَانُها
وَتَرْكُ الذُّنوبِ حَيَاةُ القلوبِ = وخيرٌ لنفسِكَ عِصْيَانُها
15. سُبْحَانَ مَن ملأَ الوجودَ أدلَّةً = ليلُوحَ ما أخفَى بما أَبْدَاهُ
سُبحانَ مَنْ أحْيَا قلوبَ عبادِهِ = بلوائحٍ من فَيْضِ نورِ هُداهُ
هَلْ بعدَ معرفةِ الإِلَهِ زيادةٌ = إلَّا استدامةُ ما يُديمُ رِضَاهُ
واللهِ لا آوي لغَيْرِك إنَّه = حُرِمَ الُهدَى مَنْ لم تكنْ مأْوَاه
16. للهِ فـي الآفَـاِق آيَـاتٌ لَعَلْ = لَ أَقَلَّهَـا هُـَو مَـا إِلَيْهِ هَدَاكَ
وَلَعَلَّ مَا في النَّفْسِ مِـْن آيَاتِهِ = عَجَبٌ عُجَابٌ لَـْو تَـَرى عَيْنَـاكَ
وَالْكَـوْنُ مَشْحُـونٌ بِأَسْرَارٍ إِذَا = حَاوَلْـتَ تَفْسِيـرًا لَهَـا أَعْيَـاكَ
قُلْ لِلْجَنِينِ يَعِيشُ مَعْـُزولاً بِلا = رَاعٍ وَمَرْعَى مَا الَّـذِي يَرْعَـاكَ؟
17. فَيا عَجَبًا كَيفَ يُعصى الإِلَـ = ـهُ أَم كَيفَ يَجحَدُهُ الجاحِدُ
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ = تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ
وَلِلَّهِ في كُلِّ تَحريكَةٍ = وَتَسكينَةٍ أَبَداً شاهِدُ
المراجع
- "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" لابن القيم (1/ 6).
- "حلية الأولياء" لأبي نُعيم الأصبهانيِّ (1/ 324).
- "نثر الدر في المحاضرات" للآبي (4/61).
1. قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "إنَّ أفضل عَيش أدركناه بالصبر، ولو أنَّ الصبر كان من الرجال كان كريمًا"[1].
2. قال عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "الصبر مطيَّةٌ لا تَكْبُو، والقناعة سيف لا يَنبُو"[2].
3. جاء رجل إلى يونس بن عبيد فشكا إليه ضيقًا من حاله ومعاشه، واغتمامًا بذلك، فقال: أيسرُّكَ ببصرك مائة ألف؟ قال: لا. قال: فبسمعك؟ قال: لا. قال: فبلسانك؟ قال: لا. قال: فبعقلك؟ قال: لا... وذكَّره نعم الله عليه، ثم قال يونس: أرى لك مئين ألوفًا وأنت تشكو الحاجة؟![3].
4. قال شريح: "إني لأُصاب بالمصيبة، فأحمد الله عليها أربع مرات: أحمد إذ لم يكن أعظم منها، وأحمد إذ رزقني الصبر عليها، وأحمد إذ وفَّقني للاسترجاع لما أرجو من الثواب، وأحمد إذ لم يجعلها في ديني"[4].
5. قال ميمون بن مهران: "الصبر صبران: الصبر على المصيبة حَسَن، وأفضل من ذلك الصبر عن المعاصي"[5].
6. قال زياد بن عمرو: "كلنا نكره الموت وأَلَم الجراح؛ ولكنا نتفاضل بالصبر"[6].
7. عن ميمون بن مهران قال: "ما نال عبدٌ شيئًا من جسم الخير من نبيٍّ أو غيره إلا بالصبر"[7].
8. قال يحيى بن معاذ: "حُفَّت الجنة بالمكاره وأنت تَكرَهها، وحُفَّت النار بالشهوات وأنت تطلبها، فما أنت إلا كالمريض الشديد الداء، إن صبَّر نفسه على مضض الدواء، اكتسب بالصبر عافية، وإن جزعت نفسه مما يلقى طالت به علَّة الضَّنى"[8].
9. وَمِنَ الرَّزِيَّةِ أنَّ شُكْري صامتٌ = عمَّا فعلتُ وأنَّ بِرَّكَ ناطقُ
وأرى الصَّنِيعةَ منك ثم أُسِرُّها = إني إذًا لنَدَى الكَرِيمِ لَسَارِقُ
10. يا أيُّها الإنسانُ مَهْلًا واتَّئِدْ = واشْكُرْ لربِّكَ فضلَ ما أوْلَاكا
أفإنْ هَدَاك بعِلْمِه لعَجِيبةٍ = تَزْوَرُّ عنه ويَنْثَنِي عِطْفَاكا
قلْ للطبيبِ تخطَّفَتْه يدُ الرَّدَى = يا شَافِيَ الأمْراضِ من أردَاكا؟
11. الْوَارِدَاتُ عَلَيْنَا كُلُّهَا مِنَنٌ = مِنْ رَبِّنَا فَلَهُ الْإِحْسَانُ وَالْحَسَنُ
إِنَّا لَنَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ مَوَاهِبِهِ = مَا لَا تُحِيطُ بِهِ عَيْنٌ وَلَا أُذُنُ
فَشُكْرُ بَعْضِ أَيَادِيهِ الَّتِي شَمِلَتْ = عَنْ شُكْرِهَا يَعْجِزُ الْعَلَّامَةُ اللَّسِنُ
12. إذا كان شُكري نعمةَ اللهِ نعمةً = عليَّ له في مِثْلِها يجبُ الشكرُ
فكَيْفَ وقوعُ الشُّكْرِ إلَّا بفضلِه = وإنْ طالتِ الأيامُ واتَّصلَ العمرُ
إذا مسَّ بالسرَّاءِ عمَّ سرورُها = وإن مسَّ بالضرَّاءِ أعقَبَها الأجْرُ
فما منهما إلا لهُ فيه نعمةٌ = تَضِيقُ بها الأوهامُ والسِّرُّ والجهرُ
13. تَباركَ مَنْ شُكْرُ الوَرَى عنهُ يَقْصُرُ = لكَوْنِ أيادي جُودِهِ ليسَ تُحْصَرُ
وشَاكرُها يحتاجُ شُكرًا لشُكرِهَا = كذلكَ شُكرُ الشُّكرِ يحتاجُ يُشْكَرُ
ففي كلِّ شُكرٍ نعمَةٌ بعدَ نعمةٍ = بغيرِ تناءٍ دُونهَا الشُّكرُ يصْغُرُ
فمن رَامَ يقضِي حقَّ واجبِ شُكرِهَا = تحَمَّلَ ضمنَ الشُّكرِ ما هُو أكبرُ
14. وَكُنْ صَابِرًا بِالفَقْرِ وَادَّرِعْ الرِّضَا = بمَا قَدَّرَ الرَّحمنُ وَاشْكُرْهُ تُحْمَدِ
فَمَا الْعِزُّ إلَّا فِي الْقَنَاعَةِ وَالرِّضَا = بِأَدْنَى كَفَافٍ حَاصِلٍ وَالتَّزَهُّدِ
فَمَنْ لَمْ يُقَنِّعْهُ الْكَفَافُ فَمَا إلَى = رِضَاهُ سَبِيلٌ فَاقْتَنِعْ وَتَقَصَّدْ
15. وكُن شاكرًا لله قَلْبًا وقالبًا = على فَضلهِ إن المَزيدَ مع الشُّكرِ
تَوكَّلْ على مَولاكَ وارضَ بِحُكْمهِ = وكُن مُخلصًا لله في السِّرِّ والجَهْرِ
قَنُوعًا بما أَعطاكَ مُستغنيًا بهِ = له حَامدًا في حالَيِ العُسْرِ واليُسْرِ
16. صَبْرًا جَمِيلًا على ما نَابَ من حَدَثٍ = والصَّبْرُ يَنْفَعُ أَحْيَانًا إذا صَبَروا
الصَّبْرُ أَفْضَلُ شَيْءٍ تَسْتَعِينُ بِهِ = على الزَّمَانِ إذا ما مسَّكَ الضَّرَرُ
17. إني رأيتُ وفي الأيام تجربةٌ = للصَّبْرِ عاقبةً محمودةَ الأَثَرِ
وَقَلَّ مَنْ جَدَّ في شيءٍ يُحَاوِلُهُ = فاستصْحَبَ الصَّبْرَ إِلَّا فَازَ بالظَّفَرِ
18. أَتَاكَ الرَّوْحُ والفَرَجُ القَرِيبُ = وَسَاعَدَكَ القضاءُ، فلا تَخِيبُ
صَبَرْتَ، فَنِلْتَ عُقْبَى كُلِّ خَيْرٍ = كَذَاكَ لِكُلِّ مُصْطَبِرٍ عَقِيبُ
19. فَمَا شِدَّةٌ يَوْمًا، وإِنْ جَلَّ خَطْبُهَا = بنازِلَةٍ إلَّا سَيَتْبَعُهَا يُسْرُ
وَإِنْ عَسُرَتْ يَوْمًا على الْمَرْءِ حَاجَةٌ = وَضَاقَتْ عَلَيْهِ كَانَ مِفْتَاحَهَا الصَّبْرُ
20. تَعَزَّ؛ فإنَّ الصَّبْرَ بِالحُرِّ أَجْمَلُ = وَلَيْسَ عَلَى رَيْبِ الزَّمَانِ مُعَوَّلُ
فَإِنْ تَكُنِ الأيامُ فِينَا تَبَدَّلَتْ = بنُعْمَى وبُؤْسَى، والحوادثُ تَفْعَلُ
فَمَا ليَّنَتْ مِنَّا قَنَاةً صَلِيبَةً = وَلا ذَلَّلتْنَا للَّذِي لَيْسَ يَجْمُلُ
وَلَكِنْ رَحَلْنَاهَا نُفُوسًا كريمةً = تُحَمَّلُ ما لا تستطيعُ فتَحْمِلُ
21. وإنِّي رأيتُ الخيرَ في الصَّبْرِ مُسْرِعًا = وَحَسْبُكَ مِن صَبْرٍ تَحُوزُ بِه أَجْرَا
عَلَيْكَ بتقوى اللهِ في كلِّ حالةٍ = فإنَّكَ إنْ تَفْعَلْ تُصِيبُ بِه ذُخْرَا
22. وإذا عَرتْكَ بَلِيَّةٌ فَاصْبِرْ لَهَا = صَبْرَ الكريمِ؛ فإنَّه بِكَ أَعْلَمُ
وإذا شَكَوْتَ إلى ابْنِ آدَمَ إنَّمَا = تَشْكُو الرحيمَ إلى الَّذِي لا يَرْحَمُ
23. تَعَزَّ بحُسْنِ الصَّبْرِ عن كلِّ هَالِكٍ = ففي الصَّبْرِ مَسْلاةُ الهُمُومِ اللَّوَازمِ
إذا أَنْتَ لَمْ تَسْلُ اصْطِبارًا وخَشْيةً = سَلَوْتَ على الأيَّامِ مِثْلَ البَهَائمِ
24. غايةُ الصَّبْرِ لَذِيذٌ طَعْمُهَا = وَبَدِيُّ الصَّبْرِ مِنْهُ كَالصَّبِرْ
إنَّ في الصَّبْرِ لفَضْلًا بيِّنًا = فاحْمِلِ النَّفْسَ عَلَيْهِ تَصْطَبِرْ
25. صَبَرْتُ وَمَن يَصْبِرْ يَجِدْ غِبَّ صَبْرِهِ = أَلَذَّ وأَحْلَى مِنْ جَنَى النَّحْلِ فِي الفَمِ
وَمَنْ لا يَطِبْ نَفْسًا، ويَسْتَبْقِ صَاحِبًا = ويَغْفِرْ لأهلِ الوُدِّ يَصْرِمْ ويُصْرَمِ
26. إذا لم تُسَامِحْ في الأمورِ تَعَقَّدَتْ = عليكَ فسامِحْ، أَخْرِجِ العُسْرَ باليُسْرِ
فَلَمْ أَرَ أَوْفَى للبَلَاء مِنَ التُّقَى = ولم أَرَ للمَكْرُوهِ أَشْفَى مِنَ الصَّبْرِ
27. اصْبِرْ لكُلِّ مُصيبةٍ، وتَجَلَّدِ = واعْلَمْ بأنَّ الْمَرْءَ غَيْرُ مُخَلَّدِ
أَوَمَا تَرَى أنَّ المصائبَ جَمَّةٌ = وَتَرَى الْمَنيَّةَ للعِبَادِ بمَرْصَدِ
مَنْ لم يُصَبْ ممَّنْ ترَى بمُصِيبةٍ؟! = هذا سَبِيلٌ لَسْتَ فيه بأَوْحَدِ
فإذا ذَكَرْتَ محمَّدًا ومُصَابَهُ = فاذْكُرْ مُصَابَكَ بالنَّبيِّ محمَّدِ
28. مِفْتَاحُ بَابِ الفَرَجِ الصَّبْرُ = وكُلُّ عُسْرٍ مَعَهُ يُسْرُ
والدَّهْرُ لا يبقَى على حَالِهِ = والأمرُ يأتي بَعْدَه الأَمْرُ
والكُرْهُ تُفْنِيهِ الليالي الَّتِي = يَفْنَى عليها الخَيْرُ والشَّرُّ
وكَيْفَ يبقَى حالُ مَن حَالُهُ = يُسْرِعُ فيها اليَوْمُ والشَّهْرُ
29. تَجْرِي الْمَقَاديرُ إن عُسْرًا وإِنْ يُسَرَا = حَاذَرْتَ واقِعَها أو لم تَكُنْ حَذِرَا
والعُسْرُ عن قَدَرٍ يَجْرِي إلى يُسُرٍ = والصَّبْرُ أَفْضَلُ شيءٍ وافَقَ الظَّفَرَا
المراجع
- "الصبر والثواب عليه" لابن أبي الدنيا (ص 23).
- "أدب الدنيا والدين" للماورديِّ (ص 294).
- "سير أعلام النبلاء" للذهبيِّ (6/292).
- "سير أعلام النبلاء" للذهبيِّ (4/105).
- "الصبر والثواب عليه" لابن أبي الدنيا (ص 29).
- "الصبر والثواب عليه" لابن أبي الدنيا (ص 44).
- "روضة العقلاء" لابن حبَّانَ البُستيِّ (ص 162).
- "صفة الصفوة" لابن الجوزيِّ (4/94).
1. قيل للقمان الحكيم: ما بلغ بك ما نرى؟ قال: صدق الحديث، وأداءُ الأمانة، وتركي ما لا يَعنيني[1].
2. اعلم أنه متى طَهُر اللسان من الكذب، طَهُر من غيره من الكلام السيِّئ المحرَّم، واستقام حال العبد كلُّه، ومتى لم يستقم اللسان، فَسَد حال العبد كلُّه[2].
3. قال ﷺ:
«لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ»[3].
4. قال ﷺ:
«إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ، فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا»[4].
5. قال تعالى:
{ قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}
[المائدة: 119]
"أي: ينفع الصادقين في الدنيا صِدْقُهم في الآخرة، ولو كَذَبوا، خَتَم الله على أفواههم، ونَطَقت به جوارحهم، فافتُضِحوا"[5].
6. عن الحسنِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالب - رضي الله عنهما - قال: حفظتُ من رسول الله ﷺ:
«دعْ ما يَريبكَ إلى ما لا يَريبكَ؛ فإن الصدقَ طمأنينةٌ، وإن الكذبَ ريبةٌ»[6].
7. عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قَالَ:
قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ»، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ»[7].
8. عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن رسول الله ﷺ قال:
«أربع إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك في الدنيا: حِفْظُ أمانة، وصدق حديث، وحُسن خليقة، وعفَّة في طُعمة»[8].
9. إن منزلة الصدق هي المنزلة العظمى في الدين؛ فالصدق هو الذي منه تنشأ جميع منازل السالكين، والطريق الأَقْوَم الذي من لم يَسِرْ عليه فهو من المنقطِعين الهالكين، وبه تميَّز أهل النفاق من أهل الإيمان، وسكَّان الجنان من أهل النيران[9].
10. اعلم أن "حقيقة الصِّدق أن يَصدُق العبد في موطن يَرى أنه لا يُنجيه فيه إلا الكذب"[10].
11. قال الحسن البصريُّ: "إن أردتَ أن تكون مع الصادقين، فعليك بالزُّهد في الدنيا، والكفِّ عن أهل الْمِلَّة"[11].
12. قال مطرِّف: من صفا عملُه صفا لسانُه، ومن خلَّط خُلِّط له.
13. قال يونسُ بنُ عبيد: ما رأيت أحدًا لسانُه منه على بال، إلا رأيت ذلك صلاحًا في سائر عمله.
14. عَوِّدْ لِسَانِكَ قَوْلَ الْخَيْرِ تَحْظَ بِهِ = إِنَّ اللسانَ لِمَا عَوَّدْتَ مُعْتَادُ
مُوَكَّلٌ بتَقَاضِي مَا سَنَنْتَ لَهُ = فاخْتَرْ لنَفْسِكَ وانْظُرْ كَيْفَ تَرْتَادُ
15. كَذَبْتَ وَمَنْ يَكْذِبْ فَإِنَّ جَزَاءَهُ = إذَا مَا أتَى بالصِّدْقِ أَنْ لا يُصَدَّقَا
إذا عُرِفَ الكذَّابُ بالكِذْبِ لَمْ يَزَلْ = لَدَى النَّاسِ كذَّابًا وإنْ كَانَ صَادِقَا
ومِنْ آفَةِ الكذَّابِ نِسْيَانُ كِذْبِهِ = وتَلْقَاهُ ذا ذِهْنٍ إذا كَانَ حاذِقَا
16. إِذَا مَا الْمَرْءُ أَخْطَأَهُ ثَلاثٌ = فَبِعْهُ وَلَوْ بِكَفٍّ مِنْ رَمَادِ
سَلامَةُ صَدْرِهِ والصِّدْقُ مِنْهُ = وكِتْمَانُ السَّرائرِ في الفُؤَادِ
17. وإذا الأُمُورُ تَزَاوَجَتْ = فالصِّدْقُ أَكْرَمُهَا نِتَاجَا
الصِّدْقُ يَعْقِدُ فَوْقَ رَأْ = سِ حَلِيفِهِ بالصِّدْقِ تاجَا
والصِّدْقُ يَقْدَحُ زَنْدَهُ = في كُلِّ ناحِيَةٍ سِرَاجَا
18. تَحَدَّثْ بصِدْقٍ إنْ تَحَدَّثْتَ ولْيَكُنْ = لِكُلِّ حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِكَ حِينُ
فَمَا الْقَوْلُ إلَّا كَالثِّيَابِ فبَعْضُها = عَلَيْكَ وبَعْضٌ في التخُوتِ مَصُونُ
19. كَمْ مِن حَسِيبٍ كَرِيمٍ كَان ذا شَرَفٍ = قَدْ شانَهُ الكِذْبُ وَسْطَ الحَيِّ إن عَمدا
وآخَرٍ كانَ صُعْلُوكًا فَشَرَّفَهُ = صِدْقُ الحَدِيثِ وَقَوْلٌ جَانَبَ الفَنَدا
فصار هذا شريفًا فوقَ صاحبِه = وصار هذا وَضِيعًا تحتَه أَبَدا
20. لا يَكْذِبُ المرءُ إِلَّا مِن مَهَانتِه = أو عَادةِ السُّوءِ أَوْ من قلَّةِ الأَدَبِ
لَبَعْضُ جِيفَةِ كَلْبٍ خَيْرُ رائحةٍ = مِن كِذْبَةِ المرءِ في جِدٍّ وفي لَعِبِ
21. الْكِذْبُ عَارٌ وخَيْرُ القَوْلِ أَصْدَقُهُ = والحَقُّ ما مَسَّهُ مِن باطِلٍ زَهَقا
22. الكِذْبُ راقَكَ أنه مُتَجمِّلٌ = والصِّدْقُ سَاءَكَ أَنَّه عُرْيَانُ
مَن سَاءَ مِن مَرَضٍ عُضَالٍ طَبْعُهُ = يَسْتَقْبِحُ الأيَّامَ وَهْيَ حِسَانُ
23. إِنَّ الكريمَ إِذا ما كانَ ذَا كَذِبٍ = شَانَ التَّكَرُّمَ منه ذَلِكَ الكَذِبُ
الصِّدْقُ أفضلُ شَيْءٍ أَنْتَ فاعِلُهُ = لا شَيْءَ كالصِّدْقِ لا فَخْرٌ ولا حَسَبُ
24. تعاهَدْ لسانَكَ إِنَّ اللسانَ = سريعٌ إلى المرء في قتلِه
وهذا اللسانُ بَرِيد الفؤادَ = يدلُّ الرجال على عَقْلِهِ
25. والصّدقُ يألَفُهُ الكريمُ المرتجى = والكِذْبُ يألَفُهُ الدَّنيءُ الأَخْيَبُ
وَدَعِ الكَذُوبَ فلا يكن لك صاحبًا = إِنَّ الكذوبَ لَبِئْسَ خِلًّا يُصْحَب
26. للناسِ فَضْلُكَ في حُسْنِ الصَّفاءِ وفي = صِدْقِ الحديثِ، وشرُّ الخَلَّةِ الكَذِبُ
المراجع
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطال (9/ 280، 281).
- "مجموع رسائل ابن رجب" (1/ 357).
- رواه أحمد (13079)، وحسَّنه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2554).
- رواه الترمذيُّ (2407)، وحسَّنه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2871).
- "معالم التنزيل" للبغويِّ (3/123).
- رواه الترمذيُّ (2518)، والنسائيُّ (5711)، وقال الترمذيُّ: حديث صحيح، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 637).
- رواه ابن ماجه (4216)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الجامع" (3291).
- رواه أحمد (6652)، والبيهقيُّ في "شعب الإيمان" (6/449)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1718).
- "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 257).
- "مجموع رسائل ابن رجب" (1/ 356).
- "تفسير ابن كثير" (4/231).
1. قال عمر رضي الله عنه: مَن قَلَّ حَيَاؤه، قَلَّ وَرَعُه، ومَن قلَّ ورعه، مات قلبُه"[1].
2. قال الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ: "خمسٌ من علاماتِ الشَّقاوة: القَسْوَةُ في القلب، وجُمودُ العَيْن، وقِلَّةُ الحياء، والرغبة في الدنيا، وطولُ الأمل"[2].
3. الحياءُ هو رأسُ الفضائلِ والشِّيم والأخلاق، وهو عِمادُ شُعَب الإيمان، وبه يتمُّ الدين، وهو دليلُ الإيمان، ورائدُ الإنسان إلى الخير والهدى.
4. إن الحياء خُلُقٌ يَبعَث صاحبَه على اجتناب القَبِيح، ويَمنَع من التقصير في حقِّ ذي الحقِّ، وهو خُلُق جميل يدعو إلى التحلِّي بالفضائل، والبُعد عن الرذائل.
5. الحياءُ من الحياة، ومنه الحيا للمطر، وقِلَّةُ الحياءِ من موت القلب والرُّوح، وكلَّما كان القلبُ أحْيا، كان الحياءُ أَتَمَّ.
6. الحياءُ زينةُ الأخلاق؛ قال النبيِّ ﷺ:
«مَا كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ إِلَّا شَانَه»[3].
7. وَرُبَّ قبيحةٍ ما حال بينِي = وبينَ رُكُوبها إلَّا الحياءُ
فكان هو الدواءَ لها ولكن = إذا ذَهَبَ الحياءُ فلا دواءُ
8. إذا لم تَخْشَ عاقِبَةَ الليالي = وَلَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ ما تَشَاءُ
فَلا واللهِ ما في العَيْشِ خَيْرٌ = ولا الدُّنيا إذا ذَهَبَ الحَيَاءُ
يَعِيشُ الْمَرْءُ مَا اسْتَحْيَا بِخَيْرٍ = وَيَبْقَى الْعُودُ ما بَقِيَ اللِّحَاءُ
9. أَأَذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَاني = حَيَاؤُكَ؟ إنَّ شِيمَتَكَ الحَيَاءُ
إِذَا أَثْنَى عَلَيْكَ الْمَرْءُ يَوْمًا = كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثَّناءُ
10. إذَا قَلَّ مَاءُ الوَجْهِ قَلَّ حَيَاؤهُ = فَلا خَيْرَ في وَجْهٍ إِذَا قَلَّ ماؤُهُ
حَيَاءَكَ فَاحْفَظْهُ عَلَيْكَ فإنَّما = يَدُلُّ على فَضْلِ الْكَرِيمِ حَيَاؤهُ
11. كَرِيمٌ يَغُضُّ الطَّرْفَ فَضْلَ حَيَائِه = وَيَدْنُو وَأَطْرَافُ الرِّماحِ دَوَاني
وَكَالسَّيْفِ إِنْ لايَنْتَهُ لَانَ مَتْنُهُ = وَحَدَّاهُ إِنْ خَاشَنْتَهُ خَشِنَانِ
12. إَذَا حُرِمَ الْمَرْءُ الحَيَاءَ فإنَّهُ = بِكُلِّ قَبِيحٍ كَانَ مَنْهُ جَدِيرُ
لَهُ قِحَةٌ في كُلِّ شَيْءٍ، وسِرُّهُ = مُبَاحٌ، وَخِدْنَاهُ خَنًا وغُرُورُ
يَرَى الشَّتْمَ مَدْحًا وَالدَّناءَةَ رِفْعَةً = وَللسَّمْعِ منه في العِظَات نُفُورُ
وَوَجْهُ الحَيَاءِ مُلْبَسٌ جِلْدَ رِقَّةٍ = بَغِيضٌ إليه ما يَشِينُ كَثِيرُ
لَهُ رَغْبَةٌ في أَمْرِه وَتَجرُّدٌ = حَلِيمٌ لَدَى جَهْلِ الجَهُولِ وَقُورُ
فَرَجِّ الفَتَى ما دَامَ يَحْيَا فإنَّه = إلى خَيْرِ حَالاتِ الْمُنِيبِ يَصِيرُ
13. ما إنْ دَعَانِي الْهَوَى لِفَاحِشَةٍ = إلَّا نَهَانِي الحَيَاءُ والكَرَمُ
فلَا إِلَى فَاحِشٍ مَدَدْتُ يَدِي = ولا مَشَتْ بي لرِيبةٍ قَدَمُ
Références
- رواه الطَّبرانيُّ في "المعجم الأوسط" (2/370)، والبيهقيُّ في "الشُّعب" (7/59) .
- رواه البيهقيُّ في "شعب الإيمان" (10/182)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (48/416).
- رواه الترمذيُّ (1974)، والبخاريُّ في الأدب المفرد (601)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الأدب المفرد".
1. التأكيد على حقِّ الجار بكثرة الوصية به يقتضي ضرورة إكرام الجار، والتودُّد والإحسان إليه، ودفع الضُّرِّ عنه، وعيادته عند المرض، وتهنئته عند المسرَّة، وتعزيته عند المصيبة، وهلمَّ جرًّا.
2. مواساة الجيران والإحسان إليهم يزيد من ترابط المجتمع المسلم، وتماسكه.
3. عدم إيذاء الجار من علامات الإيمان بالله تعالى؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ...» [1].
4. إن إيذاء الجار لجاره سببٌ في عدم دخوله الجنَّة؛ قال رَسُول اللهِ ﷺ:
«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ»[2].
5. نفى ﷺ الإيمانَ عمَّن لا يأمن جارُه بوائقه؛ قال النَّبِيُّ ﷺ:
«وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ» قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ»[3].
6. قال الحسن البصريُّ: ليس حُسْنُ الجِوار كفَّ الأذى؛ ولكنَّ حُسْنَ الجوار احتمالُ الأذى[4].
7. قال عبد اللّه بن عمرٍو: من لم يُضِفْ، فليس من محمّد، ولا من إبراهيمَ[5].
8. قال أبو هريرة لقوم نزل عليهم، فاستضافهم، فلم يُضِيفوه، فتنحَّى ونزل، فدعاهم إلى طعامه، فلم يُجيبوه، فقال لهم: لا تُنزلون الضَّيف ولا تُجيبون الدّعوة، ما أنتم من الإسلام على شيء. فعَرَفه رجل منهم، فقال له: انزل عافاك اللّه، قال: هذا شرٌّ وشرٌّ، لا تُنزلون إلّا من تعرفون؟![6].
9. قال عمرُ: من كَثُر كلامه، كثر سَقْطه، ومن كَثُر سقطه، كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه، كانت النّار أولى به[7].
10. قال مجاهد: ما جلس قوم مجلسًا، فتفرَّقوا قبل أن يذكروا اللّه، إلّا تفرّقوا عن أنتن من ريح الجيفة، وكان مجلسهم يشهد عليهم بغفلتهم، وما جلس قوم مجلسًا، فذكروا اللّه قبل أن يتفرّقوا، إلّا أن يتفرّقوا عن أطيب من ريح المسك، وكان مجلسهم يشهد لهم بذكرهم[8].
11. قال محمّدُ بنُ عجلانَ: إنّما الكلام أربعة: أن تَذكُر اللّه، وتقرأ القرآن، وتُسأل عن علم فتُخبر به، أو تَكلَّم فيما يَعنِيك من أمر دنياك[9].
12. قال رجل لسلمانَ: أوصني، قال: لا تَكَلَّمْ، قال: ما يستطيع من عاش في النّاس أن لا يتكلَّم، قال: فإن تكلَّمتَ، فتكلَّمْ بحقٍّ أو اسكُتْ[10].
13. كان أبو بكر الصّدّيق رضي اللّه عنه يأخذ بلسانه ويقول: هذا أَوْرَدني الموارد[11].
14. قال ابن مسعود: واللّه الّذي لا إله إلّا هو، ما على الأرض أحقُّ بطول سجن من اللّسان[12].
15. قال وهب بن مُنبِّه: أجمعتِ الحكماء على أنّ رأس الحُكْم الصّمت[13].
16. قال شُمَيطُ بنُ عَجْلانَ: يا بنَ آدَمَ، إنّك ما سكتَّ، فأنت سالم، فإذا تكلَّمت، فخذ حِذْرك، إمّا لك وإمّا عليك[14].
17. الصمتُ نجاةٌ للعبد من المهالك؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ ﷺ:
«مَنْ صَمَتَ نَجَا»[15].
18. الواجب على المسلم أن يعمِّر وقته وحياته في الطاعات، ولا ينشغِل بغير ذكر الله - عزَّ وجلَّ - حتى لا يتحسَّر على ما فاته يومَ القيامة.
19. قال بعض السَّلَف: يُعرَض على ابن آدم يومَ القيامة ساعاتُ عُمُره، فكلُّ ساعة لم يَذكُر الله فيها، تتقطَّع نفسُه عليها حسرات[16].
20. صَمُوتٌ إذا ما الصَّمْتُ زيَّن أهلَه = وفتَّاقُ أبكارِ الكلامِ الْمُخَتَّمِ
وَعَى ما وَعَى القرآنُ من كلِّ حِكْمةٍ = ونِيطَت لها الآدابُ باللَّحم والدَّم
21. لسانُ الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤادُه = فلم يبقَ إلَّا صورةُ اللَّحمِ والدَّمِ
22. لَقَلَّ عَارًا إِذَا ضَيْفٌ تَضَيَّفَنِي = مَا كَانَ عِنْدِي إِذَا أَعْطَيْتُ مَجْهُودِي
فَضْلُ الْمُقِلِّ إِذَا أَعْطَاهُ مُصْطَبِرًا = وَمُكْثِرٍ فِي الْغِنَى سِيَّانِ فِي الْجُودِ
لاَ يَعْدَمُ السَّائِلُونَ الْخَيْرَ أَفْعَلُهُ = إِمَّا نَوَالِي وَإِمَّا حُسْنَ مَرْدُودِي
23. وَكَيْفَ يُسِيغُ الْمَرْءُ زَادًا وَجَارُهُ = خَفِيفُ الْمِعَى بَادِي الْخَصَافَةِ وَالْجَهْدِ
وَلَلْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ زِيَارَةِ بَاخِلٍ = يُلاَحِظُ أَطْرَافَ الْأَكِيلِ عَلَى عَمْدِ
وَإِنِّي لَعَبْدُ الضَّيْفِ مَا دَامَ ثَاوِيًا = وَمَا فِيَّ إِلَّا تِلْكَ مِنْ شِيمَةِ الْعَبْدِ
24. أُضَاحِكُ ضَيْفِي قَبْلَ إِنْزَالِ رَحْلِهِ = وَيُخْصِبُ عِنْدِي وَالْمَحَلُّ جَدِيبُ
وَمَا الْخِصْبُ لِلْأَضْيَافِ مِنْ كَثْرِةِ الْقِرَى = وَلَكِنَّمَا وَجْهُ الْكَرِيمِ خَصِيبُ
25. الجُودُ مَكْرُمةٌ والبُخْلُ مَبْغَضةٌ = لا يستوي البُخْلُ عندَ اللهِ والجُودُ
والفقرُ فيه شخوصٌ والغِنى دَعَةٌ = والنَّاسُ في المالِ مرزوقٌ ومحدودُ
26. إِذا شَاعَ الحَريقُ ببَيتِ جارٍ = فبيتُكَ قَد يصيرُ إِلى السَّعيرِ
ومَن يَخذُلْ أخاهُ في الرَّزايا = يَظَلُّ على الزَّمانِ بلا نَصيرِ
27. تواضَعْ إِذا ما رُزقتَ العُلا = فذلكَ مما يَزيدُ الشَّرَفْ
ودَارُكَ أحسِنْ إِلى جَارِها = ولا تَجْعَلَنَّ لَها مُشْترَفْ
وإِنْ ألبسَ اللهُ ثوبَ الشِّفاءِ = فلا تؤثرنَّ عليهِ التَّرفْ
28. ومن يقضيِ حَقَّ الجارِ بعدَ ابنِ عمِّهِ = وصَاحِبهِ الأدنى عَلى القُربِ والبُعْدِ
يَعِشْ سَيِّدًا يَستعذِبُ النَّاسُ ذِكرَهُ = وإِنْ نَابَه حقٌّ أَتَوْهُ على قَصْدِ
29. أكرمِ الجَارَ وراعِ حقَّهُ = إِنَّ عِرفانَ الفَتَى الحَقَّ كَرمْ
30. متَى نَشَأَتْ رِيحٌ لقِدْرِكِ فابعثي = لجارتِكِ الدُّنيا قليلاً، ولا تُملي
فإِنَّ يَسيرَ الطُّعمِ يَقضي مَذمَّةً = ولا سيَّما للطِّفلِ أو ربَّةِ الحَمْلِ
31. إِذا شِئتَ أنْ تَرقَى جدارَكَ مرَّةً = لأمرٍ، فآذِنْ جارَ بيتِكَ مِن قَبْلُ
ولا تَفْجَأَنْهُ بالطُّلوعِ؛ فَربَّما = أصابَ الفَتَى من هتكِ جارَتهِ خَبْلُ
32. نَاري ونَارُ الجَارِ وَاحدةٌ = وإِليهِ قَبلي تنزلُ القِدْرُ
مَا ضَرَّ جارًا لي أجاوِرُهُ = ألَّا يكونَ لبابِهِ سِترُ
أعمَى إِذا مَا جارتي بَرَزَتْ = حتَّى يُغيِّبَ جَارتي الخِدْرُ
33. أنا الجارُ لا زَادي بَطيءٌ عَليهمُ = ولا دُونَ مَالي لِلحَوَادثِ بَابُ
ولا أطلُبُ العَورَاءَ مِنهُم أصِيبُهَا = ولا عَورَتي للطَّالِبِينَ تُصَابُ
وأسطُو وحُبِّي ثابِتٌ في صُدورهِمْ = وأحلُمُ عَن جُهَّالِهِمْ وأُهَابُ
34. وإني لحمَّالٌ لكلِّ مُلِمَّةٍ = تَخِرُّ لها شُمُّ الجبالِ وَتُزْعَجُ
وإني لأحمي الجارَ منْ كلّ ذِلَّةٍ = وأَفرَحُ بالضَّيفِ الْمُقيمِ وأَبهَجُ
وأحمي حمى قومي على طول مُدَّتي = إلى أنْ يروني في اللفائفِ أُدرَجُ
35. تُعيِّرُنا أنَّا قَليلٌ عَديدُنا = فَقُلتُ لَها: إِنَّ الكِرامَ قَليلُ
وَما قَلَّ مَن كانَت بَقاياهُ مِثلَنا = شَبابٌ تَسامى لِلعُلى وكُهولُ
وما ضَرَّنا أنَّا قَليلٌ وجارُنا = عَزيزٌ، وجارُ الأَكثَرينَ ذَليلُ
36. ونُكْرِمُ جارَنا ما دامَ فينا = ونُتبِعُهُ الكَرامَةَ حَيْثُ مَالا
لعَمرُكَ مَا يبيتُ الجَارُ فِينا = عَلى وَجَلٍ يُحاذرُ أنْ يُغالا
المراجع
- رواه البخاريُّ (6018)، ومسلم: (47).
- رواه مسلم (46).
- رواه البخاريُّ (6016).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب الحنبليِّ (1/ 353).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 356).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 356).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 339).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 338).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 340).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 340).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 340).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 340).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 340).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 340).
- رواه أحمد (6481) والترمذيُّ (2501)، وصححه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2874).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 338).
1. قال ابن عُيَيْنة: سُئل عليٌّ - رضي الله عنه - عن قول الله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ }
[النحل: 90]
فقال: "العدل: الإنصاف، والإحْسَان: التفضُّل"[1].
2. قرأ الحسن البصريُّ هذه الآية:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ }
[النحل: 90]
الآية، ثمَّ وقف فقال: إنَّ الله جَمَع لكم الخير كلَّه والشَّر كلَّه في آية واحدة، فوالله ما تَرَك العدلُ والإحْسَان شيئًا مِن طاعة الله عزَّ وجلَّ إلَّا جَمَعه، ولا تَرَك الفحشاءُ والمنكر والبغيُّ مِن معصية الله شيئًا إلَّا جَمَعه"[2].
3. "مِفْتاحُ حصول الرَّحمة الإحْسَانُ في عبادة الخالق، والسَّعيُ في نفع عَبيده"[3].
4. إنَّ الإحسان يُفرِح القلب، ويَشرَح الصَّدر، ويَجلِب النِّعَم، ويَدفَع النِّقم، وتركُه يوجب الضَّيم والضِّيق، ويمنع وصول النِّعم إليه، فالجُبْنُ: تَرْكُ الإحْسَان بالبَدَن، والبخلُ: تركُ الإحْسَان بالمال"[4].
5. إن الإحسان كلمةٌ عظيمةُ الْمَعنى والْمَبنى، كلمةٌ بليغةٌ أَثِيرة، لها أثرٌ عظيم في النفس، وجَرْسٌ يعانق الأذن ويَسرِي إلى القلب.. إنه القمَّة السامقة في كلِّ شيء؛ في الدين والعقيدة والعبادات والمعاملات والأخلاق والأعمال، حتى إنه لا يكافئه شيء إلا الإحسان؛
{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}
[الرحمن: ٦٠]
6. ومِن منازل إيَّاك نعبد وإيَّاك نستعين: منزلةُ الإحْسَان، وهي لُبُّ الإيمان ورُوحُه وكمالُه، وهذه المنزلة تجمع جميع المنازل، فجميعُها مُنْطَوِية فيها[5].
7. قال رجلٌ لأحد السلاطين: "أحقُّ النَّاس بالإحسان مَن أحسنَ الله إليه، وأَوْلاهم بالإنصاف مَن بُسِطت القدرة بين يديه؛ فاسْتَدِم ما أُوتيتَ مِن النِّعم بتأدية ما عليك مِن الحقِّ"[6].
8. أَحْسِنْ إلى النَّاسِ تَسْتَعبِدْ قُلوبَهمُ = فَطَالَمَا اسْتَعْبَدَ الإنسانَ إِحسانُ
مَنْ جَادَ بالْمَالِ مَالَ النَّاسُ قاطبةً = إليه والمالُ للإنسانِ فتَّانُ
أَحْسِنْ إذا كان إمكانٌ ومَقْدِرَةٌ = فَلَنْ يَدُومَ على الإنسانِ إِمْكَانُ
9. إِنْ كُنْتَ تَطْلُبُ رُتْبَةَ الأشرافِ = فَعَلَيْكَ بالإحسانِ والإنصافِ
وإذا اعتدى خِلٌّ عليكَ فخَلِّهِ = وَالدَّهْرَ فَهْوَ لَهُ مُكَافٍ كَافِ
10. وَلِلتَّرْكِ للإحسانِ خَيْرٌ لِمُحْسِنٍ = إذا جَعَل الإحْسَانَ غيرَ ربيبِ
11. مَنْ يَغْرِسِ الإحْسَانَ يَجْنِ مَحَبَّةً = دُونَ الْمُسِيءِ الْمُبْعَدِ الْمَصْرُومِ
أَقِلِ العِثَارَ تُـقَلْ ولا تَحْسِدْ ولا = تحقِدْ فليسَ المرءُ بالمعصومِ
12. لا تَحْقِرَنَّ مِن الإحسانِ مَحْقِرةً = أحْسِنْ فعاقبةُ الإحسانِ حُسناه
13. واللهِ ما حُلِيَ الإمامُ بحِلْيَةٍ = أبهى مِن الإحْسَانِ والإنصافِ
فلَسُوفَ يلقَى في القيامةِ فِعْلَه = ما كان مِن كَدَرٍ أتاه وصافي
14. لا تَمْشِ في النَّاسِ إلَّا رحمةً لهمُ = ولا تُعامِلْهمُ إلَّا بإنصافِ
واقطعْ قُوَى كلِّ حِقْدٍ أنت مُضْمِرُه = إن زلَّ ذو زَلَّةٍ أو إن هفا هَافِ
وارغَبْ بنفسِكَ عمَّا لا صَلاحَ لَهُ = وأَوْسِعِ النَّاسَ مِن بِرٍّ وإلطافِ
وإن يكنْ أحدٌ أَوْلاكَ صالحةً = فَكَافِهِ فَوْقَ ما أَوْلَى بأَضْعَافِ
ولا تُكشِّفْ مُسيئًا عن إساءتِه = وَصِلْ حِبَالَ أَخِيكَ القاطعِ الجَافي
المراجع
- "حلية الأولياء" لأبي نعيم (7/291).
- "حلية الأولياء" لأبي نعيم (2/158).
- "حادي الأرواح" لابن القيم (ص 66).
- "طريق الهجرتين" لابن القيم (ص 460).
- "مدارج السَّالكين" لابن القيِّم (3/319).
- "عيون الأخبار" لابن قُتيبة (3/20).
1. مَن كانت معصيتُه في الشهوة فارجُ له التوبة، فإنَّ آدمَ - عليه السلام - عصى مُشْتَهيًا فغُفر له، فإذا كانت معصيتُه في كِبْر، فاخْشَ على صاحبه اللعنةَ؛ فإن إبليسَ عصى مُستكبرًا فلُعِن[1].
2. قد يعاجلُ اللهُ صاحبَ الكبر والعُجب في الدنيا قبل الآخرة، كما حدثَ مع قارون حين خُسف به الأرض.
3. عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال:
«بينما رجُل يتبختَرُ، يمشي في بُردَيْه قد أعجبته نفْسُه، فخسفَ اللهُ به الأرض، فهو يَتجَلْجَلُ فيها إلى يوم القيامة»[2].
4. لما كان المتكبِّرُ يرى نفْسه كبيرًا، فإن الله يُعاقبه بنَقيض قصده من الذُّلِّ والصَّغار والحَقارة؛ يقول ﷺ:
«يُحشَر المتكبِّرون يوم القيامة أمثال الذَّرِّ في صور الرجال يَغشاهم الذلُّ من كل مكان»[3].
5. لا يجوز للمؤمن أن يُنازع ربَّه في الكبرياء والعظمة، بل ينبغي له أن يُخَلِّقَ نفسَه بالتواضع، ويُجاهدها بالتواضع، وطيب الكلام، واستصغار النفس، وعدم التَّشبُّه بالجبَّارين.
6. كم جاهلٍ متواضعٍ = سَتَرَ التواضُعُ جَهْلَهُ
ومميَّزٍ في عِلْمِه = هَدَم التَّكَبُّرُ فَضْلَهُ
فَدَعِ التكبُّرَ ما حَيِيـ = ـتَ ولا تُصاحِبْ أهلَهُ
فالْكِبْرُ عَيْبٌ للفتى = أَبَدًا يُقبِّحُ فِعْلَهُ
7. وَإِنِّي رَأَيْتُ الضُّرَّ أحسنَ مَنْظَرًا = وَأَهْوَنَ مِن مَرْأَى صَغِيرٍ به كِبْرُ
8. مَلْأى السَّنَابِلِ تَنْحَنِي بتواضُعٍ = والفارغاتُ رؤوسُهنَّ شَوامِخُ
9. جَمَعْتَ أمرينِ ضاعَ الحَزْمُ بَيْنَهما = تِيهَ الْمُلُوكِ وأَخْلاقَ الْمَمَاليكِ
10. ولا تَأْنَفا أَنْ تَسْأَلا وتُسَلِّما = فما حُشِيَ الإِنسانُ شَرًّا من الكِبْرِ
11. لا فَخْرَ إلَّا فَخْرُ أهلِ التُّقَى = غَدًا إذا ضَمَّهُمُ الْمَحْشَرُ
لَيَعْلَمَنَّ الناسُ أنَّ التُّقى = والبِرَّ كانا خيرَ ما يُدْخَرُ
عَجِبْتُ للإنسانِ في فَخْرِهِ = وَهْوَ غَدًا في قَبْرِهِ يُقْبَرُ
ما بَالُ مَن أَوَّلُه نُطْفةٌ = وجِيفةٌ آخِرُهُ يَفْجُرُ؟!
أَصْبَحَ لا يملِكُ تَقْدِيمَ ما = يَرْجُو ولا تأخِيرَ ما يَحْذَرُ
وأَصبَحَ الأمرُ إلى غَيرهِ = في كلِّ ما يُقضَى وما يُقدَرُ
12. يا صَاحِ إن الكِبْرَ خُلْقٌ سَيِّئٌ = هَيْهَاتَ يُوجَدُ في سوى الجُهَلاءِ
والعُجْبُ داءٌ لا يُنالُ دَوَاؤه = حتى يُنَالَ الخُلْدُ في الدُّنْيَاءِ
فَاخْفِضْ جَنَاحَكَ للأنامِ تَفُزْ بِهِمْ = إنَّ التواضُعَ شِيمَةُ الحُكَماءِ
لَوْ أُعْجِبَ القَمَرُ الْمُنِيرُ بنَفْسِهِ = لرأيتَهُ يَهْوِي إلى الغَبْرَاءِ
13. الْكِبْرُ تُبْغِضُهُ الْكِرَامُ وَكُلُّ مَنْ = يُبْدِي تواضَعَهُ يُحَبُّ ويُحْمَدُ
خَيْرُ الدَّقِيقِ مِنَ الْمَنَاخِلِ نازِلٌ = وأَخَسُّهُ وَهِيَ النُّخَالَةُ تَصْعَدُ
المراجع
- "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" للمزِّيِّ (11/ 191).
- رواه البخاريُّ (5789)، ومسلم (2088) واللفظ له.
- رواه الترمذيُّ (2492) وقال: هذا حديث حسن. وقال الألبانيُّ في "صحيح سنن الترمذيِّ" (2492): حسن.
1. عن معاذِ بنِ جبلٍ عن النبيِّ ﷺ أنه قال:
«مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللَّهُ عَلَى رُؤوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الْحُورِ شَاءَ»[1].
2. عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله ﷺ قال
: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ؛ إنَّما الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ»[2].
3. إن الذي يَقْوَى على مِلك نفسه عند الغضب ويردُّها عنه، هو القويُّ الشديد؛ لغلبته هواه والشيطان، فلا جَرَمَ أن مجاهدة النفس أشدُّ من مجاهدة العدوِّ.
4. قال الحسن البصريُّ حين سُئل: أيُّ الجهاد أفضلُ؟ فقال: جهادُك نفسَكَ وهَواك[3].
5. عن سُلَيْمانَ بنِ صُرَدَ، قال: اسْتَبَّ رجلانِ عند النَّبيِّ ﷺ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ، مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ:
«إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً، لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»[4].
6. قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: "ما أبكى العلماءَ بكاءٌ آخِرَ العُمر من غضبة يَغضَبها أحدهم، فتَهدِم عمر خمسين سنةً، أو ستّين سنةً، أو سبعين سنةً، وربَّ غضبةٍ قد أَقحَمت صاحبها مُقحَمًا ما استَقالَه"[5].
7. قال عمرُ بنُ عبد العزيز : "قد أفلحَ مَنْ عُصِمَ من الهوى والغَضَب والطَّمَع"[6]
8. قال الحسن : "أربعٌ، من كُنَّ فيه عَصَمه الله من الشيطان، وحرَّمه على النار: مَنْ مَلَك نفسَه عندَ الرغبة، والرَّهبة، والشَّهوة، والغَضَب"[7].
9. قال جعفر بنُ محمد - رضي الله عنه -: "الغَضَبُ مفتاحُ كلِّ شرٍّ"[8].
10. إن الغضب جِمَاعُ الشَّرِّ، والتَّحَرُّزَ منه جِمَاع الخير[9].
11. قيل لابنِ المبارك: اجْمَعْ لنا حُسنَ الخُلق في كلمة، قال: تركُ الغَضَب[10].
12. قال مورق العجليُّ : "ما قلتُ في الغضب شيئًا إلَّا نَدِمْتُ عليه في الرضا"[11].
13. لَيْسَتِ الأحلامُ في حالِ الرِّضَا = إِنَّمَا الأحلامُ في حالِ الغَضَبْ
14. ولم أرَ فضلًا تمَّ إلا بشِيمةٍ = ولم أرَ عقلًا صحَّ إلَّا على الأدبْ
ولم أرَ في الأعداءِ حين اختبرتُهم = عدوًّا لعقلِ المرءِ أعدَى مِن الغَضَبْ
15. لم يأكلِ الناسُ شيئًا مِن مَآكِلِهم = أحلَى وأحمدَ عُقْباهُ مِنَ الغَضَبِ
ولا تَلَحَّفَ إنسانٌ بمِلْحَفةٍ = أَبْهى وأَزْيَنَ مِنْ دِينٍ ومِنْ أَدَبِ
16. وكَظْمِيَ الغيظَ أَوْلى مِن مُحَاولتي = غَيْظَ العَدُوِّ بإضراري بإيماني
لا خَيْرَ في أمرٍ تُـرْدِيني مَغَبَّـتُهُ = يَوْمَ الحسابِ إذا ما نَصَّ مِيزاني
17. وإذا غَضِبْتَ فَكُنْ وَقُورًا كاظِمًا = للْغَيْظِ تُبْصِرُ مَا تَقُولُ وتَسْمَعُ
فَكَفَى بِهِ شَرَفًا تَبَصُّرُ سَاعةٍ = يَرْضَى بها عَنْكَ الإلهُ ويَدْفَعُ
المراجع
- رواه أحمد (15637)، وأبو داود (4777)، وابن ماجه (4186)، وحسَّنه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2753).
- رواه البخاريُّ (6114)، ومسلم (2609).
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطال (9/296).
- رواه البخاريُّ (6115)، ومسلم (2610).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 374).
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (1/368).
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (1/368).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 361، 364).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 361، 364).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 361، 364).
- "مجموع رسائل ابن رجب" (1/ 166).
1. لولا أنه سبحانه يُداوي عباده بأدوية الْمِحَن والابتلاء، لَطَغَوْا، وبَغَوْا، وعَتَوْا، والله سبحانه إذا أراد بعبد خيرًا، سقاه دَواء من الابتلاء والامتحان على قَدْرِ حاله، يَستفرِغ به من الأدواء المهلِكة، حتى إذا هذَّبه ونقَّاه وصفَّاه، أهَّله لأشرف مراتب الدنيا، وهي عُبوديتُه، وأرفع ثواب الآخرة، وهو رؤيته وقُربه.
2. أكثرُ الناس آثَر حلاوة الدنيا المنقطِعة على الحلاوة الدائمة التي لا تَزول، ولم يحتمل مرارة ساعة لحلاوة الأبد، ولا ذُلَّ ساعة لعِزِّ الأبد، ولا محنةَ ساعة لعافية الأبد، فإنَّ الحاضر عنده شَهَادة، والمنتظَر غَيْبٌ، والإيمانَ ضَعيف، وسُلطان الشهوة حاكم، فتَولَّد من ذلك إيثارُ العاجلة، ورفضُ الآخرة، وهذا حال النَّظَر الواقع على ظواهر الأمور، وأوائلها، ومبادئها، وأما النَّظَرُ الثاقب الذي يَخرِق حُجُب العاجلة، ويُجاوزه إلى العواقب والغايات، فله شأنٌ آخَرُ[1].
3. قال بعضُ السَّلف: رأيتُ المعاصيَ نذالةً، فتركتُها مروءةً، فاستحالت دِيانةً[2].
4. قال بعض السلف: تركتُ الذنوب حياءً أربعين سنة، ثم أدركني الوَرَع[3].
5. قال بعضهم: مَن عَمِل في السرِّ عَمَلًا يَسْتَحْيِي منه إذا ظهر عليه، فليس لنفسه عنده قَدْرٌ[4].
6. قال بعضهم: ما أَكرَم العبادُ أنفسهم بمثل طاعة الله، ولا أهانوها بمثل معاصي الله - عزَّ وجلَّ - فمن ارتكب المحارم، فقد أهان نفسه[5].
7. ادْعُ نفسك إلى ما أَعَدَّ الله لأوليائه وأهلِ طاعته من النعيم الْمُقيم، والسعادة الأَبَدية، والفوز الأكبر، وما أَعَدَّ لأهل البَطالة والإضاعة من الخِزْيِ والعِقاب والحَسَرات الدائمة، ثم اخْتَرْ أيَّ القِسمينِ أَلْيَقُ بك، وكلٌّ يَعمَل على شاكِلته، وكلُّ أحد يصبو إلى ما يناسِبه، وما هو الأَوْلى به، ولا تَستطِلْ هذا العلاج؛ فشِدَّةُ الحاجة إليه من الطَّبيب والعَليل دَعَت إلى بَسْطِه[6].
8. اصبر على الأعمال الصالحات؛ فهي طريقك للجنة، وما فيها من النعيم والْمَلَذَّات.
9. ما أجملَ السَّيْرَ في طريقٍ معلومٍ نهايتُه، مهما كان فيه من الْمَكَاره والأشواك والجراح والعقبات.
10. أَعَدَّ الله لعباده الصالحين ما يَسُرُّهم مما لا يتصوَّره مخلوق، من الْمَسرَّات، وأصناف اللذَّات، ونيل رضوان الله بوجوه ناضرة إلى ربها ناظرة؛ فهم أهل الجنة وكُفؤها، لم يَحجُبهم عنها المكاره والبلاءات والشهوات وطلب الراحة ونعيم الدنيا الزائل.
11. قال مُحَمَّدُ بنُ الْمُنْذر: "لَمَّا خُلقت النَّار، فَزِعت الْمَلَائِكَة وطارت أفئدتهم، وَلَمَّا خُلق آدمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - سَكَن ذَلِك عَنْهُم"[7].
12. قال ميمون بن مهران: "لَمَّا خلق الله جَهَنَّم، أمرها فزفرت زفرة، فلم يبْقَ في السموات السبع ملَكٌ إلَّا خَرَّ على وجهه، فقال لهم الربُّ: ارفعوا رؤوسكم، أما علمْتُم أَنِّي خلقتكم للطاعة، وهذه خلقتها لأهل المعصية؟ قالوا: ربَّنا لا نأمنها حتى نرى أهلها؛ فذلك قوله تعالى:
{وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} "[8]
[الأنبياء: ٢٨]
13. كان النبيُّ ﷺ يستعيذ من حرِّ جهنَّمَ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ:
«اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ»[9].
14. اعلم أن الأحاديث قد تكاثرت في أن البكاء من خشية الله مقتضٍ للنجاة من النار، والبكاء من نار جهنَّم هو البكاء من خشية الله؛ لأنّه بكاءٌ من خشية عقاب الله وسَخَطه، والبُعد عنه وعن رحمته وجواره ودار كرامته[10].
15. عليك بصالح الأعمال؛ لتنجوَ من شدَّة الأهوال، وإياك والمعاصيَ، فاحذر من نارٍ، شديدٍ حرُّها، بعيدٍ قعرُها.
16. الباطل محبوبٌ للنفس الأمَّارة بالسُّوء، والحقُّ مكروهٌ لها، فإذا تجاوَز الإنسان هذا المكروه، وأَكرَه نفسه الأمَّارة بالسوء على فعل الواجبات، وعلى ترك المحرَّمات، فحينئذٍ يَصِل إلى الجنَّة[11].
17. وَإِنَّ جِنَانَ الخُلْدِ تَبْقَى وَمَنْ بِهَا = مُقِيْمًا عَلَى طُوْلِ الْمَدَى لَيْسَ يَرْحَلُ
أُعِدَّتْ لِمَنْ يَخْشَى الإِلَهَ وَيَتَّقِي = وَمَاتَ عَلَى التَّوحِيدِ فَهْوَ مُهَلَّلُ
18. إِذَا أَذْكَرَتْكَ النَّفْسُ دُنْيَا دَنِيَّةً = فَلا تَنْسَ رَوْضَاتِ الْجِنَانِ وَخُلْدَهَا
أَلَسْتَ تَرَى الدُّنْيَا وَتَنْغَيِصَ عَيْشِهَا = وَإِتْعَابَها لِلمُكْثِرِين وَكَدَّهَا
وَأَدْنَى بَنِي الدُّنْيَا إِلَى الغَيِّ وَالعَمَى = لَمَنْ يَبْتَغِي مِنْهَا سَنَاهَا وَمَجْدَهَا
هَوَى النَّفْسِ فِي الدُّنْيَا إِلَى أَنْ تَغُولَهَا = كَمَا غَالَتِ الدُّنْيَا أَبَاهَا وَجَدَّهَا
19. سَارَ الْمُجِدُّونَ فِي الخَيْرَاتِ وَاجْتَهَدُوا = يَا فَوْزَهُم في جِنَانِ الخُلْدِ وَالنِّعَمِ
صَفَتْ لأهْلِ التُّقَى أَوْقَاتُهُم سَعِدُوا = نَالُوا الهَنَا وَالْمُنَى بالخَيْرِ والكَرَمِ
20. اعْمَلْ لِدَارِ الْبَقَا رِضْوَانُ خَازِنُهَا = الجَارُ أحمدُ والرحمنُ بانِيها
أرضٌ لَهَا ذَهَبٌ والْمِسْكُ طِينَتُها = والزَّعْفَرَانُ حَشِيشٌ نَابِتٌ فيها
أنهارُها لَبَنٌ مَحْضٌ ومِنْ عَسَلٍ = وَالخَمْرُ يَجْري رَحِيقًا في مَجاريها
مَنْ يَشْتَرِي الدَّارَ بِالْفِرْدَوْسِ يَعْمُرُهَا = بِرَكْعَةٍ في ظَلامِ اللَّيْلِ يُخْفِيها
أَوْ سَدِّ جَوْعَةِ مِسْكِينٍ بِشَبْعَتِهِ = فِي يَوْمِ مَسْغَبَةٍ عَمَّ الغَلا فِيها
21. وإِنْ ضَاقَتِ الدُّنيا عَلَيْكَ بِأَسْرِهَا = وَلم يَكُ فِيها مَنْزِلٌ لَكَ يُعْلَمُ
فَحَيَّ على جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإنَّها = مَنَازِلُكَ الأُولَى وفِيهَا الْمُخَيَّمُ
22. الموْتُ بابٌ وكلُّ الناسِ داخِلُهُ = يا ليْتَ شعرِيَ بعدَ البابِ ما الدَّارُ؟
الدَّارُ جنَّةُ خُلْدٍ إنْ عمِلتَ بِمَا = يُرْضِي الإلَهَ، وإنْ قصَّرْتَ، فالنّارُ
23. وَخُذْ من تُقَي الرَّحمنِ أَعظمَ جُنَّةٍ = لِيومٍ بهِ تَبْدُو عِيَانًا جَهنَّمُ
وَيُنْصَبُ ذاكَ الجَسرُ من فوقِ مَتنِهَا = فَهَاوٍ وَمَخْدُوشٌ وَنَاجٍ مُسَلَّمُ
وَيَأتِي إِلَهُ العَالمينَ لِوعْدِهِ = فَيَفْصِلُ ما بَينَ العِبادِ وَيَحْكُمُ
وَيأخُذُ للمَظْلُومِ رَبُّكَ حقَّهُ = فيا بُؤسَ عبدٍ للخلائقِ يَظلمُ
24. فعلى الرحمنِ توكَّلْنا = وإليهِ نَجِدُّ ونجتَهِدُ
وله أسلَمْنا عن طوعٍ = وبهِ نعتزُّ ونعتَضِدُ
وإليهِ أَنَبْنا في ذُلٍّ = من هَوْلِ جهنَّمَ نرتَعِدُ
ندعُوه نرجُو جنَّتَهُ = فالخُلْدُ مَنالٌ مُبْتَعَدُ
لكنَّ الرحمةَ واسعةٌ = يُؤتَاها العبدُ المجتَهِدُ
25. حكمتَ فأقسطْتَ في العالمينَ = وبالعَدْلِ فليحْكُمِ الحَاكِمونَ
فنارُك يَصْلَى بها الكافرونَ = وجناتُ عَدْنٍ بها المؤمنونَ
تباركتَ يا ربَّ هذا الوُجُودِ = ومن باسمِه سبَّح العَالمونَ
26. لله يَوْمٌ تَقْشَعِرُّ جُلُودُهُمْ = وَتَشِيبُ مِنْه ذَوَائِبُ الأطْفالِ
يَوْمُ النَّوازِلِ والزَّلازِلِ وَالْحَوا = مِلِ فيِه إذْ يَقِذفْنَ بالأحْمَالِ
يَوْمُ التَّغابُنِ والتَّبايُنِ والتَّنَا = زُلِ وَالأمُورِ عَظيمَةِ الأهْوَالِ
يومٌ ينادَى فيه كُلُّ مُضلَّلٍ = بمقطَّعاتِ النارِ والأغلالِ
لِلْمُتَّقِينَ هُناكَ نُزْلُ كَرامَةٍ = عَلَتِ الوُجُوهَ بنَضرةٍ وَجَمالِ
المراجع
- "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (4/ 179، 180).
- "مجموع رسائل ابن رجب" (1/ 203).
- "مجموع رسائل ابن رجب" (1/ 203).
- "مجموع رسائل ابن رجب" (1/ 203).
- "مجموع رسائل ابن رجب" (1/ 203).
- "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (4/ 179، 180).
- "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" للعينيِّ (15/ 165).
- "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" للعينيِّ (15/ 165).
- رواه النسائيُّ (5520)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح وضعيف سنن النسائيِّ".
- "مجموع رسائل ابن رجب" (4/ 143).
- "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (2/ 87 - 89).
1. كن صاحبَ الاستقامة لا طالبَ الكَرامة؛ فإن نفْسَكَ متحركةٌ في طلب الكرامة، وربكَ عزَّ وجلَّ يُطالبك بالاستقامة[1].
2. الاستقامة درجةٌ بها كمال الأمور وتمامها، وبوجودها حصول الخيرات ونظامُها، ومَن لم يكن مستقيمًا في حالته ضاع سَعْيُه، وخاب جُهْدُه؛ قال تعالى:
﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا﴾ [2]
[النحل: 92]
3. الاستقامة لا يُطيقها إلا الأكابرُ؛ لأنها الخروجُ عن المعهودات، ومفارقةُ الرسوم والعادات، والقيامُ بين يدي الله تعالى على حقيقة الصدق[3].
4. الإيمان بالله بما يشتمل عليه من أحكام ومسائلَ في الاعتقاد، هي أُولى خطوات النجاة، ولن ينصلح حالُ العبد ما لم يتحقَّق به، ومن ثَمَّ لزم الاهتمامُ به، والعملُ على الاستزادة منه بشتَّى لوسائل والطُّرق.
5. السؤال مفتاحُ العلم، وعلى كلِّ عاقل أن يُبادر بالسؤال عما جَهِله من أمور الدين والدنيا، مما يُحقِّق له السعادة والنجاة في العاجل والآجل.
6. استقم على أمر الله فاعمل بطاعته، واجتنب معصيته.
7. استقم على شهادة أن لا إله إلا الله حتى تلحق بالله.
8. استقم على محَّبة الله وعبوديته، لا تلتفت عنه يَمْنةً ولا يَسْرةً.
9. أعظم الكرامة لزوم الاستقامة[4].
10. لتحقيق الاستقامة؛ لا بد من مجاهدة النفس على الإخلاص في العلم والعمل؛ فالإخلاص رُوح كل عبادة، وبه تستقيم النفس، وتَصدُق مع الله في الأقوال والأعمال.
11. مما يعين على الاستقامة: الصحبةُ الصالحة، وتجنُّب أهل المعاصي والظالمين؛ قال تعالى:
{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 112 وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}
[هود: 112، 113]
12. مما يعين على الاستقامة: الإكثار من ذكر الله تعالى، وذكر الموت، والحرص على سلامة القلب، ومجاهدة النفس والهوى والشيطان بالابتعاد عن الفتن ومواطن الغفلة، والخوف والحذر من سوء الخاتمة، وتجديد التوبة، والإنابة لله تعالى.
13. إياك والانشغالَ بالدنيا عن الآخرة؛ فحينها لا استقامة؛ بل الهلاك؛ قال النبيُّ ﷺ:
«فَوَاللهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ؛ وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ»[5].
14. الاستقامة مفتاح الكرامة.
15. الاستقامة طريق: أولها الكرامة، وأوسطها السلامة، وآخرها الجنة ونَيل رضوان الله تعالى.
16. من ثمرات الاستقامة: أن الملائكة تتنزَّل على أهل الاستقامة بالسرور والحبور والطمأنينة والسكينة والبشرى بالجنة؛ قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾
[فصلت: 30]
17. من ثمرات الاستقامة: سَعة الرزق؛ قال تعالى:
{وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا}
[الجن: 16]
أي: كثيرًا، والمراد بذلك سعة الرزق[6].
18. من ثمرات الاستقامة: الحياة الطيبة؛ قال تعالى:
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
[النحل: 97]
19. دليلك إلى تحقيق الاستقامة والمحافظة عليها: أن تفعل الطاعات، وتجتهد فيها، وتجاهد نفسك عليها، وأن تجتنب المعاصيَ، وإن زَلَلْتَ فكن قريبًا بالتوبة والاستغفار.
20. من أفضل السُّبل لتحقيق الاستقامة: الاشتغال بالعلم الشرعيِّ وطَلَبُه؛ فالعلم هادٍ، والحال الصّحيح مهتَدٍ به، وهو تَرِكة الأنبياء وتُراثُهم، وأهله عُصْبَتُهم وورَّاثهم، وهو حياة القلوب، ونور البصائر، وشفاء الصُّدور، ورياض العقول، ولذَّة الأرواح، وأَنَس المستَوْحِشين، ودليل المتحيِّرين.
21. العلم ميزان الاستقامة؛ فهو الميزان الّذي به تُوزَن الأقوال والأعمال والأحوال، وهو الحاكم المفرِّق بين الشّكِّ واليقين، والغيِّ والرَّشاد، والهدى والضَّلال، به يُعرَف اللّه ويُعبَد، ويُذكَر ويوحَّد، ويُحمَد ويمجَّد، وبه اهتدى إليه السّالكون، ومن طريقه وصل إليه الواصلون، ومن بابه دخل عليه القاصدون"[7].
22. اسْتَقِمْ فالحياةُ لا تَسْتَقِيمُ = طالما أنتَ في الضلال مُقِيمُ
استقِمْ لا تُقِمْ على الشَّرِّ إن كنْـ = ـتَ حكيمًا فالشَّرُّ رأيٌ سَقِيمُ
استقِمْ إن تُرِدْ مَقامًا رفيعًا = كيف يُعطي الثِّمارَ فكرٌ عَقِيمُ؟!
استقِمْ يَسْتَقِمْ لك الدِّينُ والدُّنْـ = ـيَا وتَظْفَرْ بالْمَجْدِ وهْوَ عَظِيمُ
استقِمْ فَاسِتَقَامَةُ الْمَرْءِ عُنْوَا = نٌ على أنه حَصِيفٌ حَكِيمُ
23. صَلاحُ أَمْرِكَ لِلأخلاقِ مَرْجِعُه = فَقَوِّمِ النَّفْسَ بالأخلاقِ تَسْتَقِمِ
المراجع
- "الرسالة القشيرية" (2/ 357).
- "الرسالة القشيرية" (2/ 356).
- "الرسالة القشيرية" (2/ 357).
- "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 105).
- رواه البخاريُّ (3158)، ومسلم (2961).
- "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (4/ 519).
- "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 439).