عن أبي يحيى صهيب بن سنان قال: قال رسول الله ﷺ: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له».

هدايات الحديث

1. قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "إنَّ أفضل عَيش أدركناه بالصبر، ولو أنَّ الصبر كان من الرجال كان كريمًا"[1]. 

2. قال عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "الصبر مطيَّةٌ لا تَكْبُو، والقناعة سيف لا يَنبُو"[2]. 

3. جاء رجل إلى يونس بن عبيد فشكا إليه ضيقًا من حاله ومعاشه، واغتمامًا بذلك، فقال: أيسرُّكَ ببصرك مائة ألف؟ قال: لا. قال: فبسمعك؟ قال: لا. قال: فبلسانك؟ قال: لا. قال: فبعقلك؟ قال: لا... وذكَّره نعم الله عليه، ثم قال يونس: أرى لك مئين ألوفًا وأنت تشكو الحاجة؟![3].

4. قال شريح: "إني لأُصاب بالمصيبة، فأحمد الله عليها أربع مرات: أحمد إذ لم يكن أعظم منها، وأحمد إذ رزقني الصبر عليها، وأحمد إذ وفَّقني للاسترجاع لما أرجو من الثواب، وأحمد إذ لم يجعلها في ديني"[4].

5. قال ميمون بن مهران: "الصبر صبران: الصبر على المصيبة حَسَن، وأفضل من ذلك الصبر عن المعاصي"[5].

6. قال زياد بن عمرو: "كلنا نكره الموت وأَلَم الجراح؛ ولكنا نتفاضل بالصبر"[6].

7. عن ميمون بن مهران قال: "ما نال عبدٌ شيئًا من جسم الخير من نبيٍّ أو غيره إلا بالصبر"[7].

8. قال يحيى بن معاذ: "حُفَّت الجنة بالمكاره وأنت تَكرَهها، وحُفَّت النار بالشهوات وأنت تطلبها، فما أنت إلا كالمريض الشديد الداء، إن صبَّر نفسه على مضض الدواء، اكتسب بالصبر عافية، وإن جزعت نفسه مما يلقى طالت به علَّة الضَّنى"[8].

9. وَمِنَ الرَّزِيَّةِ أنَّ شُكْري صامتٌ = عمَّا فعلتُ وأنَّ بِرَّكَ ناطقُ

وأرى الصَّنِيعةَ منك ثم أُسِرُّها = إني إذًا لنَدَى الكَرِيمِ لَسَارِقُ

10. يا أيُّها الإنسانُ مَهْلًا واتَّئِدْ = واشْكُرْ لربِّكَ فضلَ ما أوْلَاكا

أفإنْ هَدَاك بعِلْمِه لعَجِيبةٍ = تَزْوَرُّ عنه ويَنْثَنِي عِطْفَاكا

قلْ للطبيبِ تخطَّفَتْه يدُ الرَّدَى = يا شَافِيَ الأمْراضِ من أردَاكا؟

11. الْوَارِدَاتُ عَلَيْنَا كُلُّهَا مِنَنٌ = مِنْ رَبِّنَا فَلَهُ الْإِحْسَانُ وَالْحَسَنُ

إِنَّا لَنَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ مَوَاهِبِهِ = مَا لَا تُحِيطُ بِهِ عَيْنٌ وَلَا أُذُنُ

فَشُكْرُ بَعْضِ أَيَادِيهِ الَّتِي شَمِلَتْ = عَنْ شُكْرِهَا يَعْجِزُ الْعَلَّامَةُ اللَّسِنُ

12. إذا كان شُكري نعمةَ اللهِ نعمةً = عليَّ له في مِثْلِها يجبُ الشكرُ

فكَيْفَ وقوعُ الشُّكْرِ إلَّا بفضلِه = وإنْ طالتِ الأيامُ واتَّصلَ العمرُ

إذا مسَّ بالسرَّاءِ عمَّ سرورُها = وإن مسَّ بالضرَّاءِ أعقَبَها الأجْرُ

فما منهما إلا لهُ فيه نعمةٌ = تَضِيقُ بها الأوهامُ والسِّرُّ والجهرُ

13. تَباركَ مَنْ شُكْرُ الوَرَى عنهُ يَقْصُرُ = لكَوْنِ أيادي جُودِهِ ليسَ تُحْصَرُ

وشَاكرُها يحتاجُ شُكرًا لشُكرِهَا = كذلكَ شُكرُ الشُّكرِ يحتاجُ يُشْكَرُ

ففي كلِّ شُكرٍ نعمَةٌ بعدَ نعمةٍ = بغيرِ تناءٍ دُونهَا الشُّكرُ يصْغُرُ

فمن رَامَ يقضِي حقَّ واجبِ شُكرِهَا = تحَمَّلَ ضمنَ الشُّكرِ ما هُو أكبرُ

14. وَكُنْ صَابِرًا بِالفَقْرِ وَادَّرِعْ الرِّضَا = بمَا قَدَّرَ الرَّحمنُ وَاشْكُرْهُ تُحْمَدِ

فَمَا الْعِزُّ إلَّا فِي الْقَنَاعَةِ وَالرِّضَا = بِأَدْنَى كَفَافٍ حَاصِلٍ وَالتَّزَهُّدِ

فَمَنْ لَمْ يُقَنِّعْهُ الْكَفَافُ فَمَا إلَى = رِضَاهُ سَبِيلٌ فَاقْتَنِعْ وَتَقَصَّدْ

15. وكُن شاكرًا لله قَلْبًا وقالبًا = على فَضلهِ إن المَزيدَ مع الشُّكرِ

تَوكَّلْ على مَولاكَ وارضَ بِحُكْمهِ = وكُن مُخلصًا لله في السِّرِّ والجَهْرِ

قَنُوعًا بما أَعطاكَ مُستغنيًا بهِ = له حَامدًا في حالَيِ العُسْرِ واليُسْرِ

16. صَبْرًا جَمِيلًا على ما نَابَ من حَدَثٍ = والصَّبْرُ يَنْفَعُ أَحْيَانًا إذا صَبَروا

الصَّبْرُ أَفْضَلُ شَيْءٍ تَسْتَعِينُ بِهِ = على الزَّمَانِ إذا ما مسَّكَ الضَّرَرُ

17. إني رأيتُ وفي الأيام تجربةٌ = للصَّبْرِ عاقبةً محمودةَ الأَثَرِ

وَقَلَّ مَنْ جَدَّ في شيءٍ يُحَاوِلُهُ = فاستصْحَبَ الصَّبْرَ إِلَّا فَازَ بالظَّفَرِ

18. أَتَاكَ الرَّوْحُ والفَرَجُ القَرِيبُ = وَسَاعَدَكَ القضاءُ، فلا تَخِيبُ

صَبَرْتَ، فَنِلْتَ عُقْبَى كُلِّ خَيْرٍ = كَذَاكَ لِكُلِّ مُصْطَبِرٍ عَقِيبُ

19. فَمَا شِدَّةٌ يَوْمًا، وإِنْ جَلَّ خَطْبُهَا = بنازِلَةٍ إلَّا سَيَتْبَعُهَا يُسْرُ

وَإِنْ عَسُرَتْ يَوْمًا على الْمَرْءِ حَاجَةٌ = وَضَاقَتْ عَلَيْهِ كَانَ مِفْتَاحَهَا الصَّبْرُ

20. تَعَزَّ؛ فإنَّ الصَّبْرَ بِالحُرِّ أَجْمَلُ =  وَلَيْسَ عَلَى رَيْبِ الزَّمَانِ مُعَوَّلُ

فَإِنْ تَكُنِ الأيامُ فِينَا تَبَدَّلَتْ = بنُعْمَى وبُؤْسَى، والحوادثُ تَفْعَلُ

فَمَا ليَّنَتْ مِنَّا قَنَاةً صَلِيبَةً = وَلا ذَلَّلتْنَا للَّذِي لَيْسَ يَجْمُلُ

وَلَكِنْ رَحَلْنَاهَا نُفُوسًا كريمةً = تُحَمَّلُ ما لا تستطيعُ فتَحْمِلُ

21. وإنِّي رأيتُ الخيرَ في الصَّبْرِ مُسْرِعًا = وَحَسْبُكَ مِن صَبْرٍ تَحُوزُ بِه أَجْرَا

عَلَيْكَ بتقوى اللهِ في كلِّ حالةٍ = فإنَّكَ إنْ تَفْعَلْ تُصِيبُ بِه ذُخْرَا

22. وإذا عَرتْكَ بَلِيَّةٌ فَاصْبِرْ لَهَا = صَبْرَ الكريمِ؛ فإنَّه بِكَ أَعْلَمُ

وإذا شَكَوْتَ إلى ابْنِ آدَمَ إنَّمَا = تَشْكُو الرحيمَ إلى الَّذِي لا يَرْحَمُ

23. تَعَزَّ بحُسْنِ الصَّبْرِ عن كلِّ هَالِكٍ = ففي الصَّبْرِ مَسْلاةُ الهُمُومِ اللَّوَازمِ

إذا أَنْتَ لَمْ تَسْلُ اصْطِبارًا وخَشْيةً = سَلَوْتَ على الأيَّامِ مِثْلَ البَهَائمِ

24. غايةُ الصَّبْرِ لَذِيذٌ طَعْمُهَا = وَبَدِيُّ الصَّبْرِ مِنْهُ كَالصَّبِرْ

إنَّ في الصَّبْرِ لفَضْلًا بيِّنًا = فاحْمِلِ النَّفْسَ عَلَيْهِ تَصْطَبِرْ

25. صَبَرْتُ وَمَن يَصْبِرْ يَجِدْ غِبَّ صَبْرِهِ = أَلَذَّ وأَحْلَى مِنْ جَنَى النَّحْلِ فِي الفَمِ

وَمَنْ لا يَطِبْ نَفْسًا، ويَسْتَبْقِ صَاحِبًا = ويَغْفِرْ لأهلِ الوُدِّ يَصْرِمْ ويُصْرَمِ

26. إذا لم تُسَامِحْ في الأمورِ تَعَقَّدَتْ = عليكَ فسامِحْ، أَخْرِجِ العُسْرَ باليُسْرِ

فَلَمْ أَرَ أَوْفَى للبَلَاء مِنَ التُّقَى = ولم أَرَ للمَكْرُوهِ أَشْفَى مِنَ الصَّبْرِ

27. اصْبِرْ لكُلِّ مُصيبةٍ، وتَجَلَّدِ = واعْلَمْ بأنَّ الْمَرْءَ غَيْرُ مُخَلَّدِ

أَوَمَا تَرَى أنَّ المصائبَ جَمَّةٌ = وَتَرَى الْمَنيَّةَ للعِبَادِ بمَرْصَدِ

مَنْ لم يُصَبْ ممَّنْ ترَى بمُصِيبةٍ؟! = هذا سَبِيلٌ لَسْتَ فيه بأَوْحَدِ

فإذا ذَكَرْتَ محمَّدًا ومُصَابَهُ = فاذْكُرْ مُصَابَكَ بالنَّبيِّ محمَّدِ

28. مِفْتَاحُ بَابِ الفَرَجِ الصَّبْرُ = وكُلُّ عُسْرٍ مَعَهُ يُسْرُ

والدَّهْرُ لا يبقَى على حَالِهِ = والأمرُ يأتي بَعْدَه الأَمْرُ

والكُرْهُ تُفْنِيهِ الليالي الَّتِي = يَفْنَى عليها الخَيْرُ والشَّرُّ

وكَيْفَ يبقَى حالُ مَن حَالُهُ = يُسْرِعُ فيها اليَوْمُ والشَّهْرُ

29. تَجْرِي الْمَقَاديرُ إن عُسْرًا وإِنْ يُسَرَا = حَاذَرْتَ واقِعَها أو لم تَكُنْ حَذِرَا

والعُسْرُ عن قَدَرٍ يَجْرِي إلى يُسُرٍ = والصَّبْرُ أَفْضَلُ شيءٍ وافَقَ الظَّفَرَا

المراجع

  1. "الصبر والثواب عليه" لابن أبي الدنيا (ص 23).
  2. "أدب الدنيا والدين" للماورديِّ (ص 294).
  3. "سير أعلام النبلاء" للذهبيِّ (6/292).
  4. "سير أعلام النبلاء" للذهبيِّ (4/105).
  5. "الصبر والثواب عليه" لابن أبي الدنيا (ص 29).
  6. "الصبر والثواب عليه" لابن أبي الدنيا (ص 44).
  7. "روضة العقلاء" لابن حبَّانَ البُستيِّ (ص 162).
  8. "صفة الصفوة" لابن الجوزيِّ (4/94).


مشاريع الأحاديث الكلية