عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا».

هدايات الحديث

1. قيل للقمان الحكيم: ما بلغ بك ما نرى؟ قال: صدق الحديث، وأداءُ الأمانة، وتركي ما لا يَعنيني[1].

2. اعلم أنه متى طَهُر اللسان من الكذب، طَهُر من غيره من الكلام السيِّئ المحرَّم، واستقام حال العبد كلُّه، ومتى لم يستقم اللسان، فَسَد حال العبد كلُّه[2].

3. قال ﷺ:

«لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ»[3].

4. قال ﷺ:

«إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ، فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا»[4].

5. قال تعالى:

{ قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}

[المائدة: 119]

"أي: ينفع الصادقين في الدنيا صِدْقُهم في الآخرة، ولو كَذَبوا، خَتَم الله على أفواههم، ونَطَقت به جوارحهم، فافتُضِحوا"[5].

6. عن الحسنِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالب - رضي الله عنهما - قال: حفظتُ من رسول الله ﷺ:

«دعْ ما يَريبكَ إلى ما لا يَريبكَ؛ فإن الصدقَ طمأنينةٌ، وإن الكذبَ ريبةٌ»[6].

7. عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قَالَ:

قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ»، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ»[7].

8. عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن رسول الله ﷺ قال:

«أربع إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك في الدنيا: حِفْظُ أمانة، وصدق حديث، وحُسن خليقة، وعفَّة في طُعمة»[8].

9. إن منزلة الصدق هي المنزلة العظمى في الدين؛ فالصدق هو الذي منه تنشأ جميع منازل السالكين، والطريق الأَقْوَم الذي من لم يَسِرْ عليه فهو من المنقطِعين الهالكين، وبه تميَّز أهل النفاق من أهل الإيمان، وسكَّان الجنان من أهل النيران[9].

10. اعلم أن "حقيقة الصِّدق أن يَصدُق العبد في موطن يَرى أنه لا يُنجيه فيه إلا الكذب"[10].

11. قال الحسن البصريُّ: "إن أردتَ أن تكون مع الصادقين، فعليك بالزُّهد في الدنيا، والكفِّ عن أهل الْمِلَّة"[11].

12. قال مطرِّف: من صفا عملُه صفا لسانُه، ومن خلَّط خُلِّط له.

13. قال يونسُ بنُ عبيد: ما رأيت أحدًا لسانُه منه على بال، إلا رأيت ذلك صلاحًا في سائر عمله. 

14. عَوِّدْ لِسَانِكَ قَوْلَ الْخَيْرِ تَحْظَ بِهِ = إِنَّ اللسانَ لِمَا عَوَّدْتَ مُعْتَادُ

مُوَكَّلٌ بتَقَاضِي مَا سَنَنْتَ لَهُ = فاخْتَرْ لنَفْسِكَ وانْظُرْ كَيْفَ تَرْتَادُ

15. كَذَبْتَ وَمَنْ يَكْذِبْ فَإِنَّ جَزَاءَهُ = إذَا مَا أتَى بالصِّدْقِ أَنْ لا يُصَدَّقَا

إذا عُرِفَ الكذَّابُ بالكِذْبِ لَمْ يَزَلْ = لَدَى النَّاسِ كذَّابًا وإنْ كَانَ صَادِقَا

ومِنْ آفَةِ الكذَّابِ نِسْيَانُ كِذْبِهِ = وتَلْقَاهُ ذا ذِهْنٍ إذا كَانَ حاذِقَا

16. إِذَا مَا الْمَرْءُ أَخْطَأَهُ ثَلاثٌ = فَبِعْهُ وَلَوْ بِكَفٍّ مِنْ رَمَادِ

سَلامَةُ صَدْرِهِ والصِّدْقُ مِنْهُ = وكِتْمَانُ السَّرائرِ في الفُؤَادِ

17. وإذا الأُمُورُ تَزَاوَجَتْ = فالصِّدْقُ أَكْرَمُهَا نِتَاجَا

الصِّدْقُ يَعْقِدُ فَوْقَ رَأْ = سِ حَلِيفِهِ بالصِّدْقِ تاجَا

والصِّدْقُ يَقْدَحُ زَنْدَهُ = في كُلِّ ناحِيَةٍ سِرَاجَا

18. تَحَدَّثْ بصِدْقٍ إنْ تَحَدَّثْتَ ولْيَكُنْ = لِكُلِّ حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِكَ حِينُ

فَمَا الْقَوْلُ إلَّا كَالثِّيَابِ فبَعْضُها = عَلَيْكَ وبَعْضٌ في التخُوتِ مَصُونُ

19. كَمْ مِن حَسِيبٍ كَرِيمٍ كَان ذا شَرَفٍ = قَدْ شانَهُ الكِذْبُ وَسْطَ الحَيِّ إن عَمدا

وآخَرٍ كانَ صُعْلُوكًا فَشَرَّفَهُ = صِدْقُ الحَدِيثِ وَقَوْلٌ جَانَبَ الفَنَدا

فصار هذا شريفًا فوقَ صاحبِه = وصار هذا وَضِيعًا تحتَه أَبَدا

20. لا يَكْذِبُ المرءُ إِلَّا مِن مَهَانتِه = أو عَادةِ السُّوءِ أَوْ من قلَّةِ الأَدَبِ

لَبَعْضُ جِيفَةِ كَلْبٍ خَيْرُ رائحةٍ = مِن كِذْبَةِ المرءِ في جِدٍّ وفي لَعِبِ

21. الْكِذْبُ عَارٌ وخَيْرُ القَوْلِ أَصْدَقُهُ = والحَقُّ ما مَسَّهُ مِن باطِلٍ زَهَقا

22. الكِذْبُ راقَكَ أنه مُتَجمِّلٌ = والصِّدْقُ سَاءَكَ أَنَّه عُرْيَانُ

مَن سَاءَ مِن مَرَضٍ عُضَالٍ طَبْعُهُ = يَسْتَقْبِحُ الأيَّامَ وَهْيَ حِسَانُ

23. إِنَّ الكريمَ إِذا ما كانَ ذَا كَذِبٍ = شَانَ التَّكَرُّمَ منه ذَلِكَ الكَذِبُ

الصِّدْقُ أفضلُ شَيْءٍ أَنْتَ فاعِلُهُ = لا شَيْءَ كالصِّدْقِ لا فَخْرٌ ولا حَسَبُ

24. تعاهَدْ لسانَكَ إِنَّ اللسانَ = سريعٌ إلى المرء في قتلِه

وهذا اللسانُ بَرِيد الفؤادَ = يدلُّ الرجال على عَقْلِهِ

25. والصّدقُ يألَفُهُ الكريمُ المرتجى = والكِذْبُ يألَفُهُ الدَّنيءُ الأَخْيَبُ

وَدَعِ الكَذُوبَ فلا يكن لك صاحبًا = إِنَّ الكذوبَ لَبِئْسَ خِلًّا يُصْحَب

26. للناسِ فَضْلُكَ في حُسْنِ الصَّفاءِ وفي = صِدْقِ الحديثِ، وشرُّ الخَلَّةِ الكَذِبُ

المراجع

  1. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطال (9/ 280، 281).
  2. "مجموع رسائل ابن رجب" (1/ 357).
  3. رواه أحمد (13079)، وحسَّنه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2554).
  4. رواه الترمذيُّ (2407)، وحسَّنه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2871).
  5. "معالم التنزيل" للبغويِّ (3/123).
  6. رواه الترمذيُّ (2518)، والنسائيُّ (5711)، وقال الترمذيُّ: حديث صحيح، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 637).
  7. رواه ابن ماجه (4216)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الجامع" (3291).
  8. رواه أحمد (6652)، والبيهقيُّ في "شعب الإيمان" (6/449)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1718).
  9. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 257).
  10. "مجموع رسائل ابن رجب" (1/ 356).
  11. "تفسير ابن كثير" (4/231).


مشاريع الأحاديث الكلية