عن سفيانَ بنِ عبد الله الثقفيِّ قال: قلتُ: يا رسولَ الله، قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدكَ - وفي حديث أبي أسامة: غيرَك – قال: «قل: آمنتُ بالله، فاستقم».

هدايات الحديث

1. كن صاحبَ الاستقامة لا طالبَ الكَرامة؛ فإن نفْسَكَ متحركةٌ في طلب الكرامة، وربكَ عزَّ وجلَّ يُطالبك بالاستقامة[1].

2. الاستقامة درجةٌ بها كمال الأمور وتمامها، وبوجودها حصول الخيرات ونظامُها، ومَن لم يكن مستقيمًا في حالته ضاع سَعْيُه، وخاب جُهْدُه؛ قال تعالى:

﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا﴾ [2]

[النحل: 92]

3. الاستقامة لا يُطيقها إلا الأكابرُ؛ لأنها الخروجُ عن المعهودات، ومفارقةُ الرسوم والعادات، والقيامُ بين يدي الله تعالى على حقيقة الصدق[3].

4. الإيمان بالله بما يشتمل عليه من أحكام ومسائلَ في الاعتقاد، هي أُولى خطوات النجاة، ولن ينصلح حالُ العبد ما لم يتحقَّق به، ومن ثَمَّ لزم الاهتمامُ به، والعملُ على الاستزادة منه بشتَّى لوسائل والطُّرق.

5. السؤال مفتاحُ العلم، وعلى كلِّ عاقل أن يُبادر بالسؤال عما جَهِله من أمور الدين والدنيا، مما يُحقِّق له السعادة والنجاة في العاجل والآجل.

6. استقم على أمر الله فاعمل بطاعته، واجتنب معصيته.

7. استقم على شهادة أن لا إله إلا الله حتى تلحق بالله.

8. استقم على محَّبة الله وعبوديته، لا تلتفت عنه يَمْنةً ولا يَسْرةً.

9. أعظم الكرامة لزوم الاستقامة[4].

10. لتحقيق الاستقامة؛ لا بد من مجاهدة النفس على الإخلاص في العلم والعمل؛ فالإخلاص رُوح كل عبادة، وبه تستقيم النفس، وتَصدُق مع الله في الأقوال والأعمال.

11. مما يعين على الاستقامة: الصحبةُ الصالحة، وتجنُّب أهل المعاصي والظالمين؛ قال تعالى:

{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 112 وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}

[هود: 112، 113]

12. مما يعين على الاستقامة: الإكثار من ذكر الله تعالى، وذكر الموت، والحرص على سلامة القلب، ومجاهدة النفس والهوى والشيطان بالابتعاد عن الفتن ومواطن الغفلة، والخوف والحذر من سوء الخاتمة، وتجديد التوبة، والإنابة لله تعالى.

13. إياك والانشغالَ بالدنيا عن الآخرة؛ فحينها لا استقامة؛ بل الهلاك؛ قال النبيُّ ﷺ:

«فَوَاللهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ؛ وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ»[5].

14. الاستقامة مفتاح الكرامة.

15. الاستقامة طريق: أولها الكرامة، وأوسطها السلامة، وآخرها الجنة ونَيل رضوان الله تعالى.

16. من ثمرات الاستقامة: أن الملائكة تتنزَّل على أهل الاستقامة بالسرور والحبور والطمأنينة والسكينة والبشرى بالجنة؛ قال تعالى:

 ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾

[فصلت: 30]

17. من ثمرات الاستقامة: سَعة الرزق؛ قال تعالى:

{وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا}

[الجن: 16]

أي: كثيرًا، والمراد بذلك سعة الرزق[6].

18. من ثمرات الاستقامة: الحياة الطيبة؛ قال تعالى:

{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

[النحل: 97]

19. دليلك إلى تحقيق الاستقامة والمحافظة عليها: أن تفعل الطاعات، وتجتهد فيها، وتجاهد نفسك عليها، وأن تجتنب المعاصيَ، وإن زَلَلْتَ فكن قريبًا بالتوبة والاستغفار.

20. من أفضل السُّبل لتحقيق الاستقامة: الاشتغال بالعلم الشرعيِّ وطَلَبُه؛ فالعلم هادٍ، والحال الصّحيح مهتَدٍ به، وهو تَرِكة الأنبياء وتُراثُهم، وأهله عُصْبَتُهم وورَّاثهم، وهو حياة القلوب، ونور البصائر، وشفاء الصُّدور، ورياض العقول، ولذَّة الأرواح، وأَنَس المستَوْحِشين، ودليل المتحيِّرين.

21. العلم ميزان الاستقامة؛ فهو الميزان الّذي به تُوزَن الأقوال والأعمال والأحوال، وهو الحاكم المفرِّق بين الشّكِّ واليقين، والغيِّ والرَّشاد، والهدى والضَّلال، به يُعرَف اللّه ويُعبَد، ويُذكَر ويوحَّد، ويُحمَد ويمجَّد، وبه اهتدى إليه السّالكون، ومن طريقه وصل إليه الواصلون، ومن بابه دخل عليه القاصدون"[7].

22. اسْتَقِمْ فالحياةُ لا تَسْتَقِيمُ = طالما أنتَ في الضلال مُقِيمُ

استقِمْ لا تُقِمْ على الشَّرِّ إن كنْـ = ـتَ حكيمًا فالشَّرُّ رأيٌ سَقِيمُ

استقِمْ إن تُرِدْ مَقامًا رفيعًا = كيف يُعطي الثِّمارَ فكرٌ عَقِيمُ؟!

استقِمْ يَسْتَقِمْ لك الدِّينُ والدُّنْـ = ـيَا وتَظْفَرْ بالْمَجْدِ وهْوَ عَظِيمُ

استقِمْ فَاسِتَقَامَةُ الْمَرْءِ عُنْوَا = نٌ على أنه حَصِيفٌ حَكِيمُ

23. صَلاحُ أَمْرِكَ لِلأخلاقِ مَرْجِعُه = فَقَوِّمِ النَّفْسَ بالأخلاقِ تَسْتَقِمِ

المراجع

  1. "الرسالة القشيرية" (2/ 357).
  2. "الرسالة القشيرية" (2/ 356).
  3. "الرسالة القشيرية" (2/ 357).
  4. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 105).
  5. رواه البخاريُّ (3158)، ومسلم (2961).
  6. "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (4/ 519).
  7. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 439).


مشاريع الأحاديث الكلية