عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ، فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ»
[1].
إنك إذ تؤمن بسؤال الملكين في القبر، يجَب عليك أن تستعِدَّ للسؤال والحساب، وتهيِّئ الجواب، وتسارع إلى مرضاة الله تعالى بالطاعات، وتبتعد عن الذنوب والمعاصي والشهوات؛ فإن الله سائلٌ كلَّ إنسان عن أعماله، محاسبٌ له على أفعاله
قال تعالى:
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا
[مريم: 95].
كم من امرئٍ يعذَّب في القبور ولا ندري عنه شيئًا! وآخَرَ ينعَّم فيها ولا نَعلَم عنه شيئًا!
كَانَ عُثْمَانُ، إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ: تُذْكَرُ الجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَا تَبْكِي، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:
«إِنَّ القَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ، فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ»
[2].
قال علىّ بنُ أبى طالب رضى الله عنه "إن الدنيا قد ترحَّلت مدبِرةً، وإن الآخرة قد ترحَّلت مقبِلةً، ولكلٍّ منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عملٌ ولا حساب، وغدًا حسابٌ ولا عمل"[3]
المؤمن في الدّنيا مهموم حزين، همُّه مَرمَّة جهازه، ومن كان في الدّنيا كذلك، فلا همَّ له إلّا في التّزوُّد بما ينفعه عند عَوده إلى وطنه، فلا ينافس أهل البلد الذي هو غريب بينهم في عِزِّهم، ولا يَجزَع من الذُّلِّ عندهم[4].
قال بعض الحُكماء: عجبتُ ممَّن الدّنيا مولِّيةٌ عنه، والآخرة مُقبِلة إليه، يَشغَل بالْمُدبِرة، ويُعرِض عن الْمُقبِلة[5].
إنّما أنت أيّامٌ مجموعة، كلَّما مضى يوم، مضى بعضُك[6].
طولُ الأَمَلِ غُرورٌ وخِداعٌ؛ إذ لا ساعةَ من ساعاتِ العُمر إلا ويمكِن فيها انقضاءُ الأَجَل، فلا معنى لطُول الأمل المورِّثِ قسوةَ القلبِ، وتسليط الشيطان، وربما جرَّ إلى الطغيان[7].
قال عمرُ بنُ عبد العزيز: إنّ الدّنيا ليست بدار قَراركم، كَتَب اللّه عليها الفَنَاء، وكتب اللّه على أهلها منها الظَّعْنَ، فكم من عامِر موثَقٍ عن قليل يَخْرَبُ، وكم من مُقيم مغتبِط عمّا قليلٍ يَظعَن! فأحسنوا - رحمكم اللّه - منها الرّحلة بأحسنِ ما بحضرتكم من النُّقْلة، وتزوَّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى[8].
العمر ثروة، فلا تُضيِّعْه في المعاصي والذنوب.
كل إنسان مأخوذٌ بما يعمَل، فلْيحرِص على ما يُنْجيه في الدنيا والآخرة.
فَيَا مَنْ هُوَ القُدُّوْسُ لا رَبَّ غَيْرُهُ = تَبَارَكْتَ أَنْتَ اللهُ لِلْخَلْقِ مَرْجِعُ
وَيَا مَنْ عَلَى العَرْشِ اسْتَوى فَوْقَ خَلْقِهِ = تَبَارَكْتَ تُعْطِي مَنْ تَشَاءُ وَتَمْنَعُ
بِأَسْمَائِكَ الحُسْنَى وَأَوْصَافِكَ العُلَى = تَوَسَّلَ عَبْدٌ بَائِسٌ يَتَضَرَّعُ
أَعِنِّي على الْمَوْتِ الْمَرِيْرَةِ كأْسُهُ = إِذَا الرُّوحُ مِنْ بَيْنِ الجَوانِحِ تُنْزَعُ
وَكُنْ مُؤْنِسِي في ظُلْمَةِ القَبْرِ عِنْدَمَا = يُرَكَّمُ مَنْ فَوْقِي التُّرَابُ وَأُودَعُ
وَثَبِّتْ جَنَانِي للسُّؤَالِ وَحُجَّتِي = إِذَا قِيلَ: مَنْ رَبٌّ؟ وَمَنْ كُنْتَ تَتْبَعُ؟
14. أنا الفقيرُ إلى مولايَ يَرْحمُني = إذا تقضَّى بهَوْلِ الموتِ إمهالِي
أنا الفقيرُ إلى مولايَ يَرْحمُني = في بطنِ لحدٍ وَحِيشٍ مُظلمٍ خالِي
هُناكَ لحمِي لِدُودِ القبرِ فاكِهةٌ = والعظمُ منِّي رمِيمٌ في الثَّرى بالي
أنا الفقيرُ إلى مولايَ يرْحَمُني = يومَ القيامةِ من عُنفٍ وأهوالِ
15. إلهي أجِرْني من عَذَابِك إنَّنِي = أَسيرٌ ذليلٌ خائفٌ لك أخضَعُ
إلهي فآنِسْنِي بتلقينِ حُجَّتِي = إذا كان لي في القبرِ مَثْوًى ومَضْجَعُ
إلهي لَئِنْ عَذَّبتَني ألفَ حِجَّةٍ = فحبلُ رَجَائِي مِنْكَ لا يتقطَّعُ
إلهي أذِقْنِي طَعْمَ عَفْوِك يومَ لا = بنونَ ولا مالٌ هنالِك ينفعُ
16. كَمْ مِن مَهِيبٍ عَظِيمِ الْمُلْكِ مُتَّخِذٍ = دُونَ السُّرادِقِ حُرَّاسًا وَحُجَّابَا
أَضْحَى ذَليلاً صَغِيرَ الشَّأنِ مُنْفَرِدًا = وَمَا يُرَى عِنْدَهُ في القَبْرِ بَوَّابَا
وَقَبْلَكَ النَّاسُ قَدْ عَاشُوا وَقَدْ هَلَكوا = فَأَضْرَبَ الحيُّ عَن ذِي النَّأْي إِضرابَا
17. تَاللَّهِ لَوْ عَاشَ الْفَتَى فِي أَهْلِهِ = أَلْفًا مِنَ الْأَعْوَامِ مَالِكَ أَمْرِهِ
مُتَلَذِّذًا مَعَهُمْ بِكُلِّ لَذِيذَةٍ = مُتَنَعِّمًا بِالْعَيْشِ مُدَّةَ عُمْرِهِ
لَا يَعْتَرِيهِ النَّقْصُ فِي أَحْوَالِهِ = كَلَّا وَلَا تَجْرِي الْهُمُومُ بِفِكْرِهِ
مَا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِمَّا يَفِي = بِنُزُولِ أَوَّلِ لَيْلَةٍ فِي قَبْرِهِ
18. وَلَا يَبْرَحْ لِسَانُكَ كُلَّ وَقْتٍ = بِذِكْرِ اللَّهِ رَيَّانًا رَطِيبَا
وَصَلِّ إذَا الدُّجَى أَرْخَى سُدُولًا = وَلَا تَضْجَرْ بِهِ وَتَكُنْ هَيُوبَا
تَجِدْ أُنْسًا إذَا أُودِعْتَ قَبْرًا = وَفَارَقْتَ الْمُعَاشِرَ وَالنَّسِيبَا
19. إِنَّا لَنَفْرَحُ بِالْأَيَّامِ نَقْطَعُهَا = وَكُلُّ يَوْمٍ مَضَى يُدْنِي مِنَ الْأَجَلِ
فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ الْمَوْتِ مُجْتَهِدًا = فَإِنَّمَا الرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ فِي الْعَمَلِ
20. استثمِرِ الخَيْرَ في دُنياكَ واجتهِدِ = ولا تُبَالِ بداعي الشرِّ والحسَدِ
واعْمَلْ ليومٍ جميعُ الناس تَرقُبُه = فيه القضاءُ قضاءُ الواحدِ الأحدِ
أفعالُكَ اليومَ تحكي أيَّ منزلةٍ: = رَوْضُ الجنانِ أمِ النيرانُ في اللَّحَدِ
21. نَلْهُو ونَأْمُل آمَالاً نُسَرُّ بها = شَرِيعةُ الموتِ تَطْوِينا وتَطْوِيها
فاغْرِسَ أُصُولَ التُّقَى ما دُمْتَ مُقْتَدِرًا = واعلَمْ بأنَّكَ بعدَ الموتِ لاقِيها
تَجْنِي الثِّمَارَ غَدًا في دارِ مَكْرُمةٍ = لا مَنَّ فيها ولا التَّكْدِيرُ يأتيها
المراجع
- رواه البخاريُّ (3240)، ومسلم (2866).
- رواه أحمد (454)، والترمذيُّ (2308)، وابن ماجه (4267)، وحسنه الألبانيُّ في "صحيح وضعيف سنن الترمذيِّ".
- "إغاثة اللهفان" لابن القيم (1/ 71).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 378، 379).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 378).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 378).
- "فيض القدير" للمناويِّ (5/417).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 378).
إخبار النبيِّ ﷺ بالفتن والابتلاءات التي تقع في آخر الزمان؛ فيه توجيهٌ لأنْ يأخذَ المسلمُ حِذْرَه، ويُحصِّن نفْسه، ومَن هم تحتَ ولايته من شرِّ هذه الفتن ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.
ما من عبدٍ إلَّا وتُعرَض عليه الفِتن، فحافِظْ على قلبك أبيضَ؛ كما قال ﷺ: «تُعرَض الفِتَن على القلوب كالحصير عُودًا عُودًا، فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها، نُكِت فيه نُكتةٌ سَوداءُ، وأيُّ قلبٍ أنكَرها، نُكِت فيه نُكتةٌ بَيضاءُ، حتى تَصير على قَلْبَين؛ على أبيضَ مثلِ الصَّفا، فلا تضُرُّه فتنةٌ ما دامت السمواتُ والأرضُ، والآخَرُ أسودُ مُرْبَادًّا كالكُوزِ مُجَخِّيًا لا يَعرِف معروفًا، ولا يُنكِر مُنكَرًا، إلا ما أُشرِبَ مِن هواه»[1].
لِخُطورةِ الفِتَنِ كان النَّبِيُّ ﷺ يُكثِر مِن الاستعاذةِ منها، ويأمر أصحابَه والمؤمنين أن يتعوَّذوا منها؛ فعن زَيد بن ثابت رضى الله عنه، عن النبيِّ ﷺ أنه قال: «تعوَّذوا بالله من الفِتَن، ما ظهَر منها وما بطَن»[2].
كان النبيُّ ﷺ يدعو في كلِّ صلاةٍ: «اللهم إني أعوذُ بكَ من عذاب القبر، وأعوذُ بك مِن فِتنة المسيح الدَّجَّال، وأعوذُ بك مِن فتنة الْمَحْيا والممات، اللهم إني أعوذُ بك من المأثَم والْمَغْرَم»[3].
قِصَرُ الأعمار، وانعدامُ البركة في الأوقات علامةٌ من علامات الساعة الصُّغرى؛ فعلى الإنسان أن يغتنمَ أوقاتَ صحَّته وفراغه وشَبابه وغِناه.
الـمال والبنون زِينةُ الـحياة الدُّنيا، ونظرة المؤمن لكثرة المال في آخر الزَّمان أنها تُنذِر بقُرْب السَّاعة، وليس بدوام الرَّخاء.
إياك وطولَ الأمل؛ فالحديث عن الساعة وأشراطها والإخبار عن اقترابها ودُنوِّ أجَلها؛ حتى لا يغترَّ إنسان بطول الأمل.
فإنْ نحنُ عِشْنَا يجمَعُ اللهُ بيننَا = وَإنْ نحنُ مُتْنَا، فالِقيامَةُ تَجمَعُ
ألمْ تَرَ رَيْبَ الدّهْرِ في كلّ ساعةٍ = لَهُ عارضٌ فيهِ الْمَنيَّةُ تَلْمَعُ
أيَا بَانِيَ الدُّنْيَا، لِغيْرِكَ تَبْتَنِي = ويَا جامِعَ الدُّنيَا، لِغَيْرِكَ تَجْمَعُ
أَرَى المرْءَ وثَّابًا عَلَى كُلِّ فُرْصَةٍ = وللمَرْءِ يَوْمًا لا مَحَالَةَ مَصْرَعُ
تَبَارَكَ مَنْ لا يمْلِكُ الْمُلكَ غَيْرُهُ = مَتَى تَنْقَضِي حَاجَاتُ مَنْ لَيسَ يَشْبَعُ؟!
المراجع
- رواه مسلم (144).
- رواه مسلم (2867).
- رواه البخاريُّ (832)، ومسلم (589).
تُبْ الآن وبابُ التوبة مفتوح على مِصراعَيه، قبل أن تتمنَّى التوبة، وقد أُغلق بابُها، وحينها لا ينفع الندم.
على المؤمن أن يُبادر بالتوبة والاستغفار والمسارعة في الصالحات قبل حلول الأجل؛ فاللهُ واسعُ الــمغفرة، يبسُط يده باللَّيل ليتوبَ مُسيءُ النهار، ويَبسُط يده بالنهار ليتوب مُسيءُ الليل، ويغفرُ جميع الذُّنوب ولا يُبالي.
سارع إلى الخيرات، تنل البركات، وتُفرَّج عنك الكُربات، وتنل مرضاة ربِّ الأرض والسماوات.
كن مستعِدًّا؛ فالموت يأتي بغتةً.
النفسُ إن لم تَشغَلها بالطاعة، شغلتك بالمعصية.
كل إنسان مأخوذٌ بما يعمَل، فلْيحرِص على ما يُنْجيه في الدنيا والآخرة.
إذا أُشرب القلبُ العبوديةَ والإخلاص صار عند الله من المقرَّبين، وشَمِله استثناء:
إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ
[الحجر: 40][1].
قلوب الذاكرين تَأنَس وتطمئنُّ بالله، وبمعرفته، وبحكمتِه، ورحمتِه، لا تخشى ما يصيبها من ضُرٍّ أو شَرٍّ لا تُدرك حكمته؛ بل هي مطمئنَّة بذكر الله، وبحمايته، فتصبر على البلاء؛ بل ترضى بما يُصيبها، وتدرك أنه الخير
أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
إن الإيمان يَشتمِل على كلِّ الأعمال الصالحة؛ فمهما عَمِلْتَ من عمل صالح، فهو زيادةٌ في إيمانك.
مَثِّلْ لِنَفْسِكَ أَيُّهَا المغرورُ = يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاءُ تَمُورُ
إِذْ كُوِّرَتْ شَمْسُ النَّهَارِ وَأُدْنِيَتْ = حَتَّى عَلَى رَأْسِ الْعِبَادِ تَسيرُ
وَإِذِ النُّجُومُ تَسَاقَطَتْ وَتَنَاثَرَتْ = وَتَبَدَّلَتْ بَعْدَ الضِّيَاءِ كُدُورُ
وَإِذِ الْجِبَالُ تَقَلَّعَتْ بِأصُولهِا = فَرَأَيْتَهَا مِثْلَ السَّحَابِ تَسِيرُ
11. يا نفسُ قَدْ أَزِفَ الرحيلُ = وَأَظَلَّكِ الخَطْبُ الجليلُ
فتأهَّبي يا نَفْسُ لا = يَلْعَبْ بِكِ الأملُ الطويلُ
فلَتَنْزِلِنَّ بمنزلٍ = ينسى الخليلَ به الخليلُ
وليَرْكَبنَّ عَلَيْكِ فِيـ = ـهِ مِنَ الثَّرَى حِمْلٌ ثَقِيلُ
قُرِنَ الفَنَاءُ بنا فما = يبقى العزيزُ ولا الذليلُ
12. تَنَعُّمُ قومٍ بالعبادة والتُّقى = أَلَذُّ النَّعِيمِ، لا اللَّذَاذَةُ بالخَمْرِ
فَقَرَّتْ به طُولَ الحياة عيونُهم = وكانت لهم واللهِ زادًا إلى القبر
على بُرْهةٍ نالوا بها العِزَّ والتُّقى = أَلَا ولذيذَ العَيْشِ بالبِرِّ والصَّبْرِ
13. استثمِرِ الخَيْرَ في دُنياكَ واجتهِدِ = ولا تُبَالِ بداعي الشرِّ والحسَدِ
واعْمَلْ ليومٍ جميعُ الناس تَرقُبُه = فيه القضاءُ قضاءُ الواحدِ الأحدِ
أفعالُكَ اليومَ تحكي أيَّ منزلةٍ = رَوْضُ الجنانِ أمِ النيرانُ في اللَّحَدِ
المراجع
- "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" لابن القيم (1/ 6).
إخبار النبيِّ ﷺ بالفتن والابتلاءات التي تقع في آخر الزمان؛ فيه توجيهٌ لأنْ يأخذَ المسلمُ حِذْرَه، ويُحصِّن نفْسه، ومَن هم تحتَ ولايته من شرِّ هذه الفتن ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ رضى الله عنه يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ»[1].
يَقُولُ ﷺ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، ومِنْ عَذَابِ النَّارِ، ومِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا والْمَمَاتِ، ومِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ»[2].
كان ﷺ يدعو في كلِّ صلاةٍ: «اللهم إني أعوذُ بكَ من عذاب القبر، وأعوذُ بك مِن فِتنة المسيح الدَّجَّال، وأعوذُ بك مِن فتنة الْمَحْيا والممات، اللهم إني أعوذُ بك من المأثَم والْمَغْرَم»[3].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
«ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الْأَرْضِ»
[4].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
«بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: الدَّجَّالَ، وَالدُّخَانَ، وَدَابَّةَ الْأَرْضِ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ، وَخُوَيْصَةَ أَحَدِكُمْ»
[5].
المراجع
- رواه النسائيُّ (5520)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح وضعيف سنن النسائيِّ".
- رواه البخاريُّ (1311).
- رواه البخاريُّ (832)، ومسلم (589).
- رواه مسلم (158).
- رواه مسلم (2947).
الواجبُ على المؤمن المبادَرةُ بالأعمال الصّالحة قبل أن لا يَقدِر عليها ويُحال بينه وبينها، إمَّا بمرض أو موت، أو بأن يُدرِكه بعض هذه الآيات الّتي لا يُقبَل معها عمل[1].
قَالَ بَكْرٌ الْمُزَنِيُّ رحمه الله: "ما من يومٍ أَخرَجه اللَّهُ إلى الدّنيا إلّا يقول: يا بْنَ آدَمَ، اغتنمني؛ لعلَّه لا يومَ لك بعدي، ولا ليلة إلّا تنادي: ابنَ آدَمَ، اغتنمني؛ لعلّه لا ليلة لك بعدي"[2].
قال أبو حازم رحمه الله: إنّ بضاعة الآخرة كاسِدةٌ يوشِك أن تَنْفَقَ، فلا يوصَل منها إلى قليلٍ ولا كثير[3].
متى حِيلَ بين الإنسان والعمل، لم يَبْقَ له إلّا الحسرةُ والأسف عليه، ويتمنَّى الرّجوع إلى حالة يتمكَّن فيها من العمل، فلا تَنفَعه الأمنيَّة [4].
تُبْ الآن وبابُ التوبة مفتوح على مِصراعَيه، قبل أن تتمنَّى التوبة، وقد أُغلق بابُها، وحينها لا ينفع الندم.
على المؤمن أن يُبادر بالتوبة والاستغفار والمسارعة في الصالحات قبل حلول الأجل؛ فاللهُ واسعُ الــمغفرة، يبسُط يده باللَّيل ليتوبَ مُسيءُ النهار، ويَبسُط يده بالنهار ليتوب مُسيءُ الليل، ويغفرُ جميع الذُّنوب ولا يُبالي.
إن العبد الصالح كلَّما قارَف ذنبًا، عاد مسرِعًا تائبًا من ذنبه، منيبًا إلى ربِّه، لا يُصِرُّ على الذنوب، وذلك معنى
قوله تعالى:
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
[النساء: 17].
سارع إلى الخيرات، تنل البركات، وتُفرَّج عنك الكُربات، وتنل مرضاة ربِّ الأرض والسماوات.
اغْتَنِمْ فِي الْفَرَاغِ فَضْلَ رُكُوعٍ = فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مَوْتُكَ بَغْتَةْ
كَمْ صَحِيحٍ قد مَاتَ مِنْ غَيْرِ سُقْمٍ = ذَهَبَتْ نَفْسُهُ الصَّحِيحَةُ فَلْتَةْ
10. مَضَى أَمْسُكَ الْمَاضِي شَهِيدًا مُعَدَّلًا = وَأَعْقَبَهُ يَوْمٌ عَلَيْكَ جَدِيدُ
فَإِنْ كُنْتَ بِالْأَمْسِ اقْتَرَفْتَ إِسَاءَةً = فَثَنِّ بِإِحْسَانٍ وَأَنْتَ حَمِيدُ
فَيَوْمُكُ إِنْ أَعْقَبْتَهُ عَادَ نَفْعُهُ = عَلَيْكَ وَمَاضِي الْأَمْسِ لَيْسَ يَعُودُ
وَلَا تُرْجِ فِعْلَ الْخَيْرِ يَوْمًا إِلَى غَدٍ = لَعَلَّ غَدًا يَأْتِي وَأَنْتَ فَقِيدُ
11. مَثِّلْ لِنَفْسِكَ أَيُّهَا المغرورُ = يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاءُ تَمُورُ
إِذْ كُوِّرَتْ شَمْسُ النَّهَارِ وَأُدْنِيَتْ = حَتَّى عَلَى رَأْسِ الْعِبَادِ تَسيرُ
وَإِذِ النُّجُومُ تَسَاقَطَتْ وَتَنَاثَرَتْ = وَتَبَدَّلَتْ بَعْدَ الضِّيَاءِ كُدُورُ
وَإِذِ الْجِبَالُ تَقَلَّعَتْ بِأصُولهِا = فَرَأَيْتَهَا مِثْلَ السَّحَابِ تَسِيرُ
12. يا نفسُ قَدْ أَزِفَ الرحيلُ = وَأَظَلَّكِ الخَطْبُ الجليلُ
فتأهَّبي يا نَفْسُ لا = يَلْعَبْ بِكِ الأملُ الطويلُ
فلَتَنْزِلِنَّ بمنزلٍ = ينسى الخليلَ به الخليلُ
وليَرْكَبنَّ عَلَيْكِ فِيـ = ـهِ مِنَ الثَّرَى حِمْلٌ ثَقِيلُ
قُرِنَ الفَنَاءُ بنا فما = يبقى العزيزُ ولا الذليلُ
13. تَنَعُّمُ قومٍ بالعبادة والتُّقى = أَلَذُّ النَّعِيمِ، لا اللَّذَاذَةُ بالخَمْرِ
فَقَرَّتْ به طُولَ الحياة عيونُهم = وكانت لهم واللهِ زادًا إلى القبر
على بُرْهةٍ نالوا بها العِزَّ والتُّقى = أَلَا ولذيذَ العَيْشِ بالبِرِّ والصَّبْرِ
14. استثمِرِ الخَيْرَ في دُنياكَ واجتهِدِ = ولا تُبَالِ بداعي الشرِّ والحسَدِ
واعْمَلْ ليومٍ جميعُ الناس تَرقُبُه = فيه القضاءُ قضاءُ الواحدِ الأحدِ
أفعالُكَ اليومَ تحكي أيَّ منزلةٍ = رَوْضُ الجنانِ أمِ النيرانُ في اللَّحَدِ
المراجع
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 390).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 391).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 390).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 390).
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضى الله عنه، قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ ﷺ:
«لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ»
[1].
إذا عرفتَ أنه لا يَنفَعك يوم القيامة شيءٌ إلا الأعمالَ الصالحة، وأن أمامَك النارَ، فاجعل الصَّدَقة جُنَّةً بينك وبينها، ولو بشقِّ تمرة.
لا تَرُدَّ السائل وإن كنتَ لا تَملِك شيئًا إلا بكلمة تطيِّبه، وتَجبُر خاطره؛ فالكَلِمةُ الطيِّبة صَدَقة، ولربَّما كانت هذه الكلمة سببًا لنجاتك من النار.
الكلمةُ الطيِّبة تَشمَل: التسبيحَ، والتهليلَ، والتكبيرَ، وذِكْرَ الله عمومًا، وأفضلُ الذكر: قراءةُ القرآن، وتَشمَل كذلك: الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن الْمُنكَر، وتعلُّم العلم وتعليمه، وتَشمَل كذلك: كلَّ ما يتقرَّب به الإنسان إلى ربِّه من القول؛ كنصيحة، أو كلمة حقٍّ، أو جبر خاطر، أو غير ذلك من طيِّب الأقوال.
إذا كانت الكلمة الطيبة يُتَّقى بها النار، فالكلمة الخبيثة يُستوجَب بها النار[2].
إن العبد إذا اعترف بذنبه وتاب، تاب الله عليه.
من أراد الله به خيرًا، فتح له باب الذُّلِّ والانكسار، ودَوَام اللجوء إلى الله تعالى، والافتقار إليه، ورؤية عيوب نفسه، وجهلها، وعُدْوانها، ومشاهدة فضل ربِّه، وإحسانه، ورحمته، وجُوده، وبِرِّه، وغناه، وحمده[3].
رُبّ طاعة أورثت عِزًّا واستكبارا، ورُبَّ معصية أورثت ذلًّا واستغفارا.
أقبحُ من الذنب الإصرار عليه.
العِزُّ كلُّ العزِّ في طاعة الله وعبادته.
المعاصي والذنوب تُعمي بصائرَ القلوب، فلا يُدرِك الحقَّ كما ينبغي، وتُضعِف قوَّتَه وعزيمتَه، فلا يصبر عليه؛ بل قد يتوارد على القلب حتى ينعكس إدراكه كما ينعكس سيره، فيُدرك الباطلَ حقًّا، والحقَّ باطلًا، والمعروفَ منكرًا، والمنكر معروفًا، فينتكس في سيره[4].
على المسلم أن يُبادر بالتوبة والاستغفار والمسارعة في الصالحات؛ فاللهُ واسعُ الــمغفرة، يبسُط يده باللَّيل ليتوبَ مُسيءُ النهار، ويَبسُط يده بالنهار ليتوب مُسيءُ الليل، ويغفرُ جميع الذُّنوب ولا يُبالي.
من تمام توفيق الله للعبد محاسبتُه لنفسه على الدوام.
تصدَّق بالقليل؛ فهو عند الله كثير.
قال علىُّ بنُ أبى طالب رضى الله عنه: "إن الدنيا قد ترحَّلت مدبِرةً، وإن الآخرة قد ترحَّلت مقبِلةً، ولكلٍّ منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عملٌ ولا حساب، وغدًا حسابٌ ولا عمل"[5].
المؤمن في الدّنيا مهموم حزين، همُّه مرمَّة جهازه. ومن كان في الدّنيا كذلك، فلا همَّ له إلّا في التّزوُّد بما ينفعه عند عوده إلى وطنه، فلا ينافس أهل البلد الذي هو غريب بينهم في عزِّهم، ولا يجزع من الذُّلِّ عندهم[6].
قال بعضُ الحُكماء: عجبتُ ممّن الدّنيا مولِّية عنه، والآخرة مُقبِلة إليه، يَشغَل بالْمُدبِرة، ويُعرِض عن الْمُقبِلة[7].
طولُ الأَمَلِ غُرورٌ وخِداعٌ؛ إذ لا ساعةَ من ساعاتِ العُمر إلا ويمكِن فيها انقضاءُ الأَجَل، فلا معنى لطُول الأمل المورِّثِ قسوةَ القلبِ، وتسليط الشيطان، وربما جرَّ إلى الطغيان[8].
قال عمرُ بنُ عبد العزيز: إنّ الدّنيا ليست بدار قَراركم، كَتَب اللّه عليها الفَنَاء، وكتب اللّه على أهلها منها الظَّعْنَ، فكم من عامِر موثَقٍ عن قليل يَخْرَبُ، وكم من مُقيم مغتبِط عمّا قليلٍ يَظعَن! فأحسنوا - رحمكم اللّه - منها الرّحلة بأحسنِ ما بحضرتكم من النُّقْلة، وتزوَّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى[9].
كل إنسان مأخوذٌ بما يعمَل، فلْيحرِص على ما يُنْجيه في الدنيا والآخرة.
سَبِيلُكَ فِي الدُّنْيَا سَبِيلُ مُسَافِرٍ = وَلَا بُدَّ مِنْ زَادٍ لِكُلِّ مُسَافِرِ
مَا لِلْعِبَادِ عَلَيْهِ حَقٌّ وَاجِبٌ = كَلَّا وَلا سَعْيٌ لَدَيْهِ ضَائِعُ
إِنْ عُذِّبُوا فَبعَدْلِهِ أَوْ نُعِّمُوا = فَبِفَضْلِهِ وَهْوُ الكَرِيمُ الوَاسِعُ
23. استثمِرِ الخَيْرَ في دُنياكَ واجتهِدِ = ولا تُبَالِ بداعي الشرِّ والحسَدِ
واعْمَلْ ليومٍ جميعُ الناس تَرقُبُه = فيه القضاءُ قضاءُ الواحدِ الأحدِ
أفعالُكَ اليومَ تحكي أيَّ منزلةٍ = رَوْضُ الجنانِ أمِ النيرانُ في اللَّحَدِ
24. إِنَّا لَنَفْرَحُ بِالْأَيَّامِ نَقْطَعُهَا = وَكُلُّ يَوْمٍ مَضَى يُدْنِي مِنَ الْأَجَلِ
فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ الْمَوْتِ مُجْتَهِدًا = فَإِنَّمَا الرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ فِي الْعَمَلِ
25. نَلْهُو ونَأْمُل آمَالاً نُسَرُّ بها = شَرِيعةُ الموتِ تَطْوِينا وتَطْوِيها
فاغْرِسَ أُصُولَ التُّقَى ما دُمْتَ مُقْتَدِرًا = واعلَمْ بأنَّكَ بعدَ الموتِ لاقِيها
تَجْنِي الثِّمَارَ غَدًا في دارِ مَكْرُمةٍ = لا مَنَّ فيها ولا التَّكْدِيرُ يأتيها
26. ولا تعجلْ على أحدٍ بظُلْمٍ = فإنَّ الظُّلْمَ مرتعُه وخيمُ
أمَا واللَّهِ إنَّ الظُّلمَ لُؤْمٌ = ولكنَّ المسيءَ هو الظَّلُومُ
إلى ديَّانِ يومِ الدِّينِ نمضي = وعندَ اللهِ تَجتَمِعُ الخُصومُ
27. يا ربِّ إنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِي كَثْرَةً = فلقد عَلِمْتُ بِأَنَّ عفوَكَ أَعْظَمُ
إِنْ كَانَ لا يَرْجُوكَ إِلَّا مُحْسِنٌ = فَمَن الذي يَدْعُو ويَرْجُو المجرِمُ؟!
أَدْعُوكَ رَبِّ كما أمرتَ تَضَرُّعًا = فَإِذَا رَدَدْتَ يَدِي فمن ذا يَرْحَمُ؟!
مَا لِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ إِلَّا الرَّجَا = وَجَمِيلُ عَفْوِكَ ثُمَّ إِنِّي مُسْلِمُ
المراجع
- رواه مسلم (2626).
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطال (3/ 414).
- "الوابل الصيب من الكلم الطيب" لابن القيم (ص: 7).
- "الجواب الكافي" لابن القيم (93-94).
- "إغاثة اللهفان" لابن القيم (1/ 71).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 378، 379).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 378).
- "فيض القدير" للمناويِّ (5/417).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 378).
ربّما اتَّكَل بعض المغترِّين على ما يرى من نعم اللّه عليه في الدّنيا، وأنّه لا يغيِّر ما به، ويظنُّ أنّ ذلك من محبَّة اللّه له، وأنّه يعطيه في الآخرة أفضل من ذلك، فهذا من الغُرور[1].
كان النبيُّ ﷺ يستعيذ من حرِّ جهنَّمَ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ رضى الله عنه يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ»[2].
حَسْبُكَ جهنَّمُ عذابًا للمجرمين؛ ففيها الكفاية! جهنَّم التي وقودها الناس والحجارة، جهنَّم التي يُكَبْكَب فيها الغاوُون وجنود إبليس أجمعون، جهنَّم الحُطَمة التي تطَّلع على الأفئدة، جهنَّم التي لا تُبقي ولا تَذَر، جهنَّم التي تكاد تميَّز من الغيظ!
إياك والمعاصيَ، فاحذر من نارٍ، شديدٍ حرُّها، بعيدٍ قعرُها.
عليك بصالح الأعمال؛ لتنجوَ من شدَّة الأهوال.
الموْتُ بابٌ وكلُّ الناسِ داخِلُهُ = يا ليْتَ شعرِيَ بعدَ البابِ ما الدَّارُ؟
الدَّارُ جنَّةُ خُلْدٍ إنْ عمِلتَ بِمَا = يُرْضِي الإلَهَ، وإنْ قصَّرْتَ، فالنّارُ
7. وَخُذْ من تُقَى الرَّحمنِ أَعظمَ جُنَّةٍ = لِيومٍ بهِ تَبْدُو عِيَانًا جَهنَّمُ
وَيُنْصَبُ ذاكَ الجَسرُ من فوقِ مَتنِهَا = فَهَاوٍ وَمَخْدُوشٌ وَنَاجٍ مُسَلَّمُ
وَيَأتِي إِلَهُ العَالمينَ لِوَعْدِهِ = فَيَفْصِلُ ما بَينَ العِبادِ وَيَحْكُمُ
وَيأخُذُ للمَظْلُومِ رَبُّكَ حقَّهُ = فيا بُؤسَ عبدٍ للخلائقِ يَظْلِمُ
8. فعلى الرحمنِ توكَّلْنا = وإليهِ نَجِدُّ ونجتَهِدُ
وله أسلَمْنا عن طوعٍ = وبهِ نعتزُّ ونعتَضِدُ
وإليهِ أَنَبْنا في ذُلٍّ = من هَوْلِ جهنَّمَ نرتَعِدُ
ندعُوه نرجُو جنَّتَهُ = فالخُلْدُ مَنالٌ مُبْتَعَدُ
لكنَّ الرحمةَ واسعةٌ = يُؤتَاها العبدُ المجتَهِدُ
9. حكمتَ فأقسطْتَ في العالمينَ = وبالعَدْلِ فليحْكُمِ الحَاكِمونَ
فنارُك يَصْلَى بها الكافرونَ = وجناتُ عَدْنٍ بها المؤمنونَ
تباركتَ يا ربَّ هذا الوُجُودِ = ومَن باسمِه سبَّح العَالمونَ
10. لله يَوْمٌ تَقْشَعِرُّ جُلُودُهُمْ = وَتَشِيبُ مِنْه ذَوَائِبُ الأطْفالِ
يَوْمُ النَّوازِلِ والزَّلازِلِ وَالْحَوا = مِلِ فيِه إذْ يَقِذفْنَ بالأحْمَالِ
يَوْمُ التَّغابُنِ والتَّبايُنِ والتَّنَا = زُلِ وَالأمُورِ عَظيمَةِ الأهْوَالِ
يومٌ ينادَى فيه كُلُّ مُضلَّلٍ = بمقطَّعاتِ النارِ والأغلالِ
لِلْمُتَّقِينَ هُناكَ نُزْلُ كَرامَةٍ = عَلَتِ الوُجُوهَ بنَضرةٍ وَجَمالِ
المراجع
- "الداء والدواء" لابن القيم (ص: 35).
- رواه النسائيُّ (5520)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح وضعيف سنن النسائيِّ".
سبحان الله! يوفِّق العبدَ لطاعته، ويَجزيه على ذلك من كرمه، وكلُّ ما عَمِله العبد الصالح لا يساوي شُكر بعض النِّعَمِ التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى!
«أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ» يا لله! وأيُّ عمل صالح ذاك الذي جزاؤه أن يُفيض الله على صاحبه من فضله ومَنِّه وكرمه؟! ما هذه الطاعة والعبادة التي تستحقُّ أن يتولَّى الله - عزَّ وجلَّ جلاله - إعداد وتهيئة ذلك النعيم وادِّخاره لعباده؛ جزاء لهم، في احتفاء من العزيز الكريم لا تُدركه نفس أو عينٌ أو يخطر على قلب بشر؟!
إن الفوز كلَّه في دخول الجنة، والنجاة من النار
قال تعالى:
مَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ
[آل عمران: 185].
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضى الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ:
«إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لا يَقْطَعُهَا»
[1].
أقلُّ نعيم في الجنة أفضلُ من مَلذَّات الدنيا بأكملها؛ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضى الله عنه، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»
[2].
عباد الله الصالحون المؤمنون هم الذين أنعم الله عليهم وهداهم لعمل الصالحات، ثم جزاهم بالجنة ونعيمها الذي لا يتصوَّره خيال إنسان، من الْمَسرَّات، وأصناف اللذَّات، ونيل رضوان الله بوجوه ناضرة إلى ربها ناظرة!
قال الحسن رضى الله عنه، قال: "أخفى القَوم أعمالاً في الدنيا، فأخفى الله لهم ما لا عَيْنٌ رأت، ولا أُذن سَمعت"[3].
استقِمْ على الطَّاعاتِ، تَفُزْ بجنَّة عرضُها الأرضُ والسماوات.
اصبر على الأعمال الصالحات؛ فهي طريقك للجنة، وما فيها من النعيم والْمَلَذَّات.
لما خُلقَ آدمُ عليه السلام أُسكِنَ هو وزوجتُه الجنةَ، ثم أُهبِطا منها، ووُعدا بالرجوع إليها، وصالح ذريَّتهما، فالمؤمن أبدًا يحِنُّ إلى وطنه الأول[4].
ما أجملَ السَّيْرَ في طريقٍ معلومٍ نهايتُه، مهما كان فيه من الأشواك والجراح والعقبات.
أَعَدَّ الله لعباده الصالحين ما يَسُرُّهم مما لا يتصوَّره مخلوق، من الْمَسرَّات، وأصناف اللذَّات، ونيل رضوان الله بوجوه ناضرة إلى ربها ناظرة؛ فهم أهل الجنة وكُفؤها، لم يَحجُبهم عنها المكاره والبلاءات والشهوات وطلب الراحة ونعيم الدنيا الزائل.
وَإِنَّ جِنَانَ الخُلْدِ تَبْقَى وَمَنْ بِهَا = مُقِيْمًا عَلَى طُولِ الْمَدَى لَيْسَ يَرْحَلُ
أُعِدَّتْ لِمَنْ يَخْشَى الإِلَهَ وَيَتَّقِي = وَمَاتَ عَلَى التَّوحِيدِ فَهْوَ مُهَلَّلُ
14. إِذَا أَذْكَرَتْكَ النَّفْسُ دُنْيَا دَنِيَّةً = فَلا تَنْسَ رَوْضَاتِ الْجِنَانِ وَخُلْدَهَا
أَلَسْتَ تَرَى الدُّنْيَا وَتَنْغَيِصَ عَيْشِهَا = وَإِتْعَابَها لِلمُكْثِرِين وَكَدَّهَا
وَأَدْنَى بَنِي الدُّنْيَا إِلَى الغَيِّ وَالعَمَى = لَمَنْ يَبْتَغِي مِنْهَا سَنَاهَا وَمَجْدَهَا
هَوَى النَّفْسِ فِي الدُّنْيَا إِلَى أَنْ تَغُولَهَا = كَمَا غَالَتِ الدُّنْيَا أَبَاهَا وَجَدَّهَا
15. سَارَ الْمُجِدُّونَ فِي الخَيْرَاتِ وَاجْتَهَدُوا = يَا فَوْزَهُم في جِنَانِ الخُلْدِ وَالنِّعَمِ
صَفَتْ لأهْلِ التُّقَى أَوْقَاتُهُم سَعِدُوا = نَالُوا الهَنَا وَالْمُنَى بالخَيْرِ والكَرَمِ
16. اعْمَلْ لِدَارِ الْبَقَا رِضْوَانُ خَازِنُهَا = الجَارُ أحمدُ والرحمنُ بانِيها
أرضٌ لَهَا ذَهَبٌ والْمِسْكُ طِينَتُها = والزَّعْفَرَانُ حَشِيشٌ نَابِتٌ فيها
أنهارُها لَبَنٌ مَحْضٌ ومِنْ عَسَلٍ = وَالخَمْرُ يَجْري رَحِيقًا في مَجاريها
مَنْ يَشْتَرِي الدَّارَ بِالْفِرْدَوْسِ يَعْمُرُهَا = بِرَكْعَةٍ في ظَلامِ اللَّيْلِ يُخْفِيها
أَوْ سَدِّ جَوْعَةِ مِسْكِينٍ بِشَبْعَتِهِ = فِي يَوْمِ مَسْغَبَةٍ عَمَّ الغَلا فِيها
17. وإِنْ ضَاقَتِ الدُّنيا عَلَيْكَ بِأَسْرِهَا = وَلم يَكُ فِيها مَنْزِلٌ لَكَ يُعْلَمُ
فَحَيَّ على جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإنَّها = مَنَازِلُكَ الأُولَى وفِيهَا الْمُخَيَّمُ
المراجع
- رواه البخاريُّ (3251).
- رواه البخاريُّ (3250).
- "تفسير الكشاف" للزمخشريِّ (3/ 513).
- انظر: "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/379).
اللهُ سبحانَهُ وتعالى أرْحمُ الراحمينَ، وأكرَمُ الأكرَمينَ، ورحمتُه سبحانه عمَّتِ السمواتِ والأرضَ؛ وهي لا تقتصرُ على الإنسان فحسبُ؛ بلْ وسِعَت كلَّ شيءٍ، حتى الحيوانَ والطيرَ.
لا يرحم الله من لا يرحم الناس[1].
الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ[2].
الرحمة هي اللغة التي يسمعها الأصمُّ، ويقرؤها الأعمى.
الرحمة خير من العدالة.
إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ[3].
حَذَارِ أن تغرَّ العبدَ نفسُه، فيتَّكل على رحمة الله تعالى بلا عمل صالح، فكما أنه سبحانه غفور رحيم، فهو كذلك شديد العقاب، وسريع العقاب، وعزيز ذو انتقام، وبطشه شديد، وأخذه أليم
وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ
[هود: 102].
في الحديث كتب الله عنده فوق عرشه: «إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي»، وهذا دافعٌ يدفعُ نفْسَ كل مؤمن نحوَ الطاعة، ويحمله على إرضاء الله ۵؛ شكرًا لنِعَمه، وعظيم فضله.
يجب على الإنسان أن يسعى لنَيل رضا الله سبحانه؛ ليكون أهلًا لرحمته.
الْـحَذَرَ الحذرَ من غضب الله تعالى، فالْزَمْ تقواه باتِّباع أوامره، واجتناب نواهيه.
بادرْ إلى الخيرِ يا ذا اللبِّ مغتنِما = ولا تَكُنْ مِن قليلِ العُرْفِ محتشِمَا
واشكرْ لمولاك ما أَوْلاكَ من نِعَمٍ = فالشكرُ يستوجبُ الإفضالَ والكَرَما
وارحمْ بقلبِك خلقَ الله وارعَهُمُ = فإنَّما يرحمُ الرحمنُ مَن رَحِما
12. عبدٌ ضعيف خاضعٌ لعُلاكَ = رُحماكَ يا ربِّي به رحماكَ
قد جئتُ يا أللهُ ذنبي هدَّني = من يَغفِرُ الذنب العظيم سواكَ
أَوْلَيْتَنا نِعمًا سَتَرْتَ مَعَايبًا = أَلْهَمتنا فضلاً نُجيب نِدَاكَ
أَنْتَ اللطيف ببرِّه وعطائه = تُعطي وتمنح ذا وتمنع ذاك
أنت الرحيم تُقيل عَثْرةَ مُذنبٍ = وتحبُّ عبدًا تائبًا ناجاك
13. إن كنتَ ترجو مِن الرحمنِ رحمتَه = فارحمْ ضِعافَ الورَى يا صاحِ محترِمَا
واقصِدْ بذلك وجهَ اللهِ خالقِنا = سبحانَه مِن إلهٍ قد برى النَّسَما
واطلبْ جزا ذاك مِن مولاك رحمتَه = فإنَّما يَرْحَمُ الرحمنُ مَن رحِما
المراجع
- رواه البخاريُّ (7376): عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لا يَرْحَمُ النَّاسَ».
- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ»، رواه أبو داود (4941)، والترمذيُّ (1924)، وقال: حديث حسن صحيح.
- رواه البخاريُّ (7448) ومسلم (923).
1.لو أمعنَّا النظر في هذا الحديث كلِّه من أوَّله إلى آخره، لوجدناه متضمِّنًا لعلوم الشريعة كلِّها، ظاهرِها وباطنها؛ فهو جامع لجميع أحوال الشخص؛ إذ فيه بيان حال مبدئه، وهو خَلْقُه، وحال مَعاده، وهو السعادة أو الشقاء، وما بينهما وهو الأجل، وما يتصرَّف فيه وهو الرزق.
2.لا يغترُّ المرء بطاعته مهما بلغت، ولو كانت بعدد الأنفاس؛ فذلك محض فضلٍ ومِنَّة من الله تعالى على عبده، تستوجب أن يكون عبدًا شكورًا.
3.عناية الله تعالى بالخَلق، حيث وكَّل بهم وهم في بطون أمهاتهم ملائكةً يَعتَنون بهم، ووكَّل بهم ملائكةً إذا خرَجوا إلى الدنيا، وملائكةً إذا ماتوا، كل هذا دليلٌ على عناية الله تعالى بنا.
4.ظاهر الأعمال من الحسنات والسيئات أمارات، وليس بموجِبات، وأن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء[1]
5.الثواب والعقاب راجعٌ إلى أمر الخاتمة، وأن التوبة تُكفِّر الذنوب، وأن مَن مات على شيء حُكِم عليه به من خير أو شرٍّ، إلا ما عفا الله عنه من السيئات، وسمح فيه لأهل الإيمان من التبِعات[2]
6.على المسلم أن يتفكَّر في هذا الحديث الذي يُعلِمه بحقيقة الخلق والحياة، والموت والقدر، فيَقَرُّ في قلبه الشعور بالخوف من سوء الخاتمة، فيحذر الاستهانة بالذنوب والمعاصي، ولا يغترَّ بأعماله الصالحة، ويسأل الله الثبات.
7.لا يُقبِل عبدٌ على الله بصدق وإخلاص، ويعمل بعمل أهل الجنة، إلا وجد عند الله الخير والمثوبة، لا يخذله الله أبدًا؛ فالله تعالى أكرم من عبده.
8.قال عليُّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: "إياكم والاستنانَ بالرجال؛ فإن الرجُل يعمل بعمل أهل الجنة ثم ينقلب - لعِلم الله فيه - فيعمل بعمل أهل النار، فيموت وهو من أهل النار، وإن الرجُل ليعمل بعمل أهل النار، فينقلب - لعِلم الله فيه - فيعمل بعمل أهل الجنة، فيموت وهو من أهل الجنة، فإن كنتم لا بُدَّ فاعلين، فبالأموات لا بالأحياء"[3]
9.كان سفيان الثورُّي رضي الله عنه يَبكي ويقول: "أخاف أن أكون في أمِّ الكتاب شقيًّا"، ويقول: "أخاف أن أُسلَب الإيمانَ بعد الموت"[4]
10. كان مالك بن دينار يقوم طولَ ليله قابضًا على لحيته ويقول: "يا ربِّ، قد علمتَ ساكن الجنة من ساكن النار، ففي أيِّ الدارين منزلُ مالك؟"[5]
11. قال ابن أبي جمْرةَ: هذه التي قطعت أعناق الرجال مع ما هم فيه من حُسن الحال؛ لأنهم لا يَدرون بماذا يُختَم لهم[6]
12. عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله ﷺ يُكثر أن يقول: «يا مُقَلِّبَ القلوب ثَبِّتْ قلبي على دينك»[7]
13. للهِ فـي الآفَـاِق آيَـاتٌ لَعَلْ = لَ أَقَلَّهَـا هُـَو مَـا إِلَيْهِ هَدَاكَ
وَلَعَلَّ مَا في النَّفْسِ مِـْن آيَاتِهِ = عَجَبٌ عُجَابٌ لَـْو تَـَرى عَيْنَـاكَ
وَالْكَـوْنُ مَشْحُـونٌ بِأَسْرَارٍ إِذَا = حَاوَلْـتَ تَفْسِيـرًا لَهَـا أَعْيَـاكَ
قُلْ لِلْجَنِينِ يَعِيشُ مَعْـُزولاً بِلا = رَاعٍ وَمَرْعَى مَا الَّـذِي يَرْعَـاكَ؟
14. فَيا عَجَبًا كَيفَ يُعصى الإِلَـ = ـهُ أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الجاحِدُ
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ = تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ
وَلِلَّهِ في كُلِّ تَحْرِيكَةٍ = وَتَسْكِينَةٍ أَبَدًا شَاهِدُ
المراجع
- "أعلام الحديث (شرح صحيح البخاريِّ)" للخطَّابيِّ (2/ 1483).
- "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (8/ 128).
- "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم (2/ 135).
- "شرح الأربعين النووية" لابن رجب (ص: 47).
- "شرح الأربعين النووية" لابن رجب (ص: 47).
- "فتح الباري" لابن حجر (11/ 488).
- رواه الترمذيُّ (2140)، وابن ماجهْ (3834)، وقال الترمذيُّ: حديث حسن، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح سنن الترمذيِّ" (2140).
قال سعيد بن المسيِّب لابنه: إني لأَزيد في صلاتي من أجْلك؛ رجاءَ أن أُحفَظَ فيكَ
1. «احفظ الله يحفظك»: احفظ أمر الله واتَّقِه، فلا يَرَاك حيث نهاك، واحفظ حدود الله ومراسمه التي أوجبها عليك، فلا تُضيِّع منها شيئًا، فإذا فعلتَ ذلك، حفظك الله في نفسك ودينك ودنياك.
2. احفظ الله يحفظك في دينك وأهلك ومالك ونفسك؛ لأن الله تعالى يجزي المحسنين بإحسانه، وأهمُّ هذه الأشياء هو أن يحفظك في دينك، ويسلِّمك من الزيغ والضلال.
3. «احْفَظِ اللهَ تَجِدهُ تجَاهَك»: يدلُّك على كلِّ خير، ويقرِّبك إليه، ويهديك إليه، ويدفع عنك كلَّ شر، ولا سيَّما إذا حفظتَ الله بالاستعانة به؛ فإن الإنسان إذا استعان بالله وتوكَّل عليه، كان الله حسبَه، ولا يحتاج إلى أحد بعد الله.
4. «احفظ الله تَجِدْه تُجَاهَك»: تجده معَك بالحفظ والإحاطة والتأييد حيث ما كنتَ.
5. قال بعض السَّلَف: مَن اتَّقى الله، فقد حفِظ نفْسَه، ومَن ضيَّع تقواه، ضيَّع نفْسه، والله الغنيُّ عنه[1]
6. قال ابْنُ الْمُنْكَدِرِ: "إِنَّ اللَّه ليحفظُ بِالرجل الصالح ولدَه، وولدَ ولدِه، وَالدُّوَيْرَاتِ التي حَوْلَه، فما يزالون في حفظ من اللَّه وسِتْرٍ"[2]
7. حفظُ الله للعبد على نوعين: الأول: حفظُ العبدِ في بَدَنه، ومَعَاشِه، ومالِه ودُنياه، وعياله، وأهله، والثاني: الحفظ في الدِّين، بأن يثبِّت الله - عزَّ وجلَّ - عبدَه على طاعته، ويصرِفَه عن معصيته، وهو أعظم نوعَيِ الحفظ؛
قال تعالى:
﴿ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾
[يوسف: 24].
8- إن حفظَ الله للعبد الصالح ليَشمَلُ أهلَه بعد موته؛
كماقال تعالى:
﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾
[الكهف: 82]
أرسل الله موسى والخَضِر؛ ليَبنِيَا الجدار المائل؛ كي يحفظ الله مال الغُلامينِ الصغيرينِ؛ لأن أباهما كان صالحًا.
9- قال سعيد بن المسيِّب لابنه: إني لأَزيد في صلاتي من أجْلك؛ رجاءَ أن أُحفَظَ فيكَ
وله تعالى:
﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾
[الكهف: 82]([3]).
10- مَن يتَّقِ الله يكنْ معه، ومَن يكن الله معه، فمعه الفئةُ التي لا تُغلَب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يَضِلُّ[4]
11- قال وهب بن منبِّهٍ لرجُل كان يأتي الملوك: ويْحَكَ! تأتي مَن يُغلق عنك بابه، ويُظهر لك فقره، ويواري عنك غِنَاه، وتدع مَن يفتح لك بابه نصفَ الليل ونصفَ النهار، ويُظهر لك غِناه، ويقول: ادْعُني أستجبْ لك![5]
12- قال طاوسٌ لعطاء رحمهما الله: إيَّاك أن تطلب حوائجَكَ إلى مَن أغلق بابه دونَكَ، ويجعل دونها حُجَّابَه، وعليك بمَن بابُه مفتوح إلى يوم القيامة، أَمَرك أن تسأله، ووعدكَ أن يُجيبكَ[6]
13- قال بعض السلف: يا ربِّ، عجبتُ لمَن يَعرِفك كيف يرجو غيرَكَ؟! وعجبتُ لمَن يَعرِفك كيف يَستعين بغيركَ؟[7]
14- «واعلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لوِ اجتَمَعَتْ على أنْ يَنفَعوكَ بشيءٍ...» فإن العبد إذا علم أنَّ أمره كلَّه بيد الله تعالى، لا يستطيع أحدٌ من الخَلق أن ينفعه أو يضرَّه، فإنه يُحسِن القصدَ إليه، ويحفظ حدودَه وأحكامَه، ويُخلص العبادةَ والسؤالَ له وحدَه.
15- «رُفعت الأقلامُ وجَفَّت الصحفُ»: فإن الله تعالى قد كتب مقاديرَ العباد وما يُصيبهم من الخير والشرِّ، وما يقترفون من الأفعال، وما ينزل عليهم من المصائب والآفات؛
قال تعالى:
﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾
[الحديد: 22].،
16- إن الله تعالى قد كتب مقادير العباد قبل أن يخلُقَهم، ولن يقدر أحدٌ على أن يغيِّر شيئًا كتبه الله؛ فإذا كان الأمر كذلك، وجب صرفُ الدعاء والمسألة له، والاستعانة به وحدَه.
17- «احفظ الله يحفظك»: الجزاء من جنس العمل؛ فاحرصْ على العمل الصالح، واجتنبْ ما يضرُّكَ.
18- المعيَّةُ الخاصةُ من النُّصرة والتأييد والحفظ إنما تكون للمؤمنين فحسبُ؛ فحافِظْ على إيمانكَ تَنَلْ معيةَ الله.
19- صلاح الدنيا والآخرة للمَرْء على قَدْر حفظه لحدود الله؛ فكن مطيعًا لأوامره، واقفًا عند حدوده.
20- مِن إحسان الله سبحانه أنه ييسِّر العبادةَ للشخص، ثم يُعينه عليها، ثم يُجازيه، والشخص لا حولَ له ولا قوةَ إلا بإعانة الموْلى سبحانه، فله الفضلُ أوَّلًا وآخرًا.
21- على المرء أن يكون معلِّقًا رجاءَه بالله تعالى، وألَّا يلتفت إلى المخلوقين؛ فإن المخلوقين لا يملكون له ضرًّا ولا نفعًا؛ بل هم مجرَّد أسباب فيما يستطيعون القيام به.
22- إن نفع الخلق الذي يأتي للإنسان، هو من الله في الحقيقة؛ لأنه هو الذي كَتَبه له، وهذا حثٌّ للاعتماد على الله، والعلم أن الأمة لا يجلبون خيرًا إلا بإذن الله تعالى.
23- إن نالك ضرر من أحد، فاعلم أن الله قد كتبه عليك، فارضَ بقضاء الله وبقدره، ولا حرج أن تحاول أن تدفع الضرَّ عنك.
24- «رُفعَت الأَقْلامُ، وَجَفَّت الصُّحُفُ»: فما كتبه الله تعالى قد انتهى؛ فالأقلام رُفِعت، والصُّحف جفَّت، ولا تبديل لكلمات الله[8]
25- لا تَسْأَلَنَّ بُنَيَّ آدَمَ حاجَةً = وَسَلِ الَّذِي أَبْوَابُهُ لا تُحْجَبُ
فَاجْعَلْ سُؤَالَكَ لِلْإلَهِ فَإِنَّمَـا = في فَضْلِ نِعْمَةِ رَبِّنَـا تَتَقَلَّبُ
لا تقصِدِ المخلوقَ ربُّك أقربُ = من يقصد المخلوق حقًّا يَتْعَبُ
لا تسألَنَّ بُنَيَّ آدمَ حاجةً =وسَلِ الذي أبوابُه لا تُحْجَبُ
اللهُ يَغضَبُ إن ترَكْتَ سؤالَه = وبُنَيُّ آدمَ حين يُسألُ يَغْضَبُ
المراجع
- "نور الاقتباس في وصيَّة النبيِّ لابن عبَّاس" لابن رجب (ص 54).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 467).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 467).
- انظر: "نور الاقتباس في وصيَّة النبيِّ لابن عبَّاس" لابن رجب (ص: 66).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 481).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 481).
- انظر: "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 482).(8) "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص 201، 202).
- "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص 201، 202).
1- لا تستعنْ بغيرِ اللهِ فيكِلَكَ اللهُ إليهِ[1]
2- إذا شرعتَ في عملِ خير، فاستمرَّ فيه بقوَّة، ولا تَعجِز، ولا تتأخَّر، ولا تقل: إن المدى طويل، والشغل كثير.
3- احرص على كل شيء ينفعك في الدنيا والآخرة، ولكن اعلم أنه إذا تعارضت مَنفَعة الدين ومنفعة الدنيا، فقدِّم منفعة الدين؛ لأن الدين إذا صَلَح صَلَحت الدنيا، أما الدنيا إذا صلحت مع فساد الدين، فإنها تَفسَد.
4- قوله ﷺ: «واستعن بالله»: ما أروعَ هذه الكلمةَ بعد قوله: «احرص على ما ينفعك»؛ لأن الإنسان إذا رأى من نفسه قوَّة على الأعمال، وحرصًا على فعل النافع، ربما أُعجِب بنفسه فتَغُرُّه نفسه حتى يعتمد عليها، وينسى الاستعانة بالله، فلا تنس الاستعانة بالله ولو على الشيء اليسير؛ فلولا عونُ الله، ما حصل لك هذا الشيء[2]
5- يوجِّه النبيُّ ﷺ إلى سلوكٍ قيِّمٍ حيث يُصيب الإنسانَ الضُّرُّ؛ إذ لا تخلو الحياة من المتاعب والبؤس، فيأمر النبيُّ ﷺ بترك التأفُّف من القَدَر، وعدم الأسف على ما فات، والندم عليه بقولنا: "لو أني فعلتُ كذا لكان كذا، أو لما حدث كذا"؛ فإن هذا مما يجعل للشيطان عليكَ سبيلًا؛ فإنكَ لا تستطيع تغييرَ الواقع بهذه القولة.
6- احرصْ على ما يَنفَعُك، واستعِنْ باللّه ولا تَعجِز.. احرص على طاعة اللّه تعالى، والرّغبة فيما عنده، واطلب الإعانة من اللّه تعالى على ذلك، ولا تَعجِز ولا تَكْسَلْ عن طلب الطّاعة، ولا عن طلب الإعانة.
7- يا ربِّ، عَجبتُ لمن يعرفكَ كيفَ يرجُو غيرَكَ! عجبتُ لمَن يعرفُكَ كيفَ يستعينُ بغيرِكَ![3]
8- إن الله - عزَّ وجلَّ - يحبُّ مُقتَضى أسمائه وصفاته وما يوافقها؛ فهو القويُّ، ويحبُّ المؤمن القويَّ، وهو وتر يحبُّ الوتر، وجميل يحبُّ الجمال، وعليم يحب العلماء، ونظيف يحب النظافة، ومؤمن يحبُّ المؤمنين، ومحسِنٌ يحبُّ المحسنين، وصابرٌ يحبُّ الصابرين، وشاكرٌ يحبُّ الشاكرين[4]
9- الأمورُ أمران: أمرٌ فيه حِيلَة، وأمرٌ لا حيلة فيه، فما فيه حيلة لا يُعجَز عنه، وما لا حيلة فيه، لا يُجزَع منه[5]
10- كان النبيُّ ﷺ يُكثِر أن يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالبُخْلِ، وَالجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ»[6]
11- الإسلام يسعى إلى رفع الهمم وتطوير الذات، فلا يرضى منكَ - وأنت مؤمنٌ - أن تكون ضعيفًا؛ بل يدعوك لأن تسموَ بنفسكَ إلى القوَّة والإقدام، وتأخذ بأسباب التفوُّق والارتقاء، فإن أدركتَ ذلك فهو المطلوب، وإن لم تدرك فأنت على خيرٍ.
12- إذا بذلتَ الجهد، واستعنتَ بالله، وصار الأمر على خلاف ما تريد، فلا تندم، ولا تقل: لو أني فعلت لكان كذا، إذا قلتَ هذا، انفتح عليك من الوساوس والندم والأحزان ما يُكدِّر عليك الصَّفْوَ، فقد انتهى الأمر وراح، وعليك أن تسلِّم الأمر لله تعالى، قل: قَدَرُ الله وما شاء فعل.
13- إذا عزمتَ على فعل خير، فامضِ فيه، وكن قويَّ العزيمة، ولا تتردَّد.
14- إذَا لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِن اللَّهِ لِلْفَتَى = فَأَكْثَرُ مَا يَجْنِي عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ
15- عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ = وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ الْمَكارِمُ
16- بمَنْ يستغيثُ العبدُ إلَّا بربِّهِ = ومَنْ للفتى عند الشدائد والكربِ؟
ومَن مالكُ الدنيا ومالكُ أهلِها = ومَنْ كاشفُ البلوى على البُعد والقُربِ؟
ومَنْ يرفع الغمَّاءَ وقتَ نزولها = وهل ذاك إلَّا مِنْ فعالك يا ربي؟!
17- وَلَمْ أرَ فِي عُيُوبِ النّاسِ عَيْبًا = كَنَقْصِ الْقَادِرِينَ على التَّمَامِ
18- وَإِذا لَم يَكُن مِنَ الْمَوْتِ بُدٌّ = فَمِنَ العَجزِ أَن تَكونَ جَبانا
المراجع
- انظر: تفسير ابن رجب الحنبلي (1/ 74).
- "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (2/80).
- انظر: تفسير ابن رجب الحنبلي (1/ 74).
- "شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل" لابن القيم (ص: 19).
- "مجموع الفتاوى" (8/ 285).
- رواه البخاريُّ (6363).
1.إذا أصابك شيءٌ من تشاؤم، فأَعرِضْ عنه، أعرض عن هذا الحَزَن، وقل: (اللهمَّ لا خيرَ إلا خيرُك، ولا طَيْرَ إلا طيرُك، ولا إلهَ غيرُك).
قال تعالى:
(قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)
[التَّوْبَةِ: 51]
وَقَالَ تَعَالى:
(مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
[التَّغَابُنِ: 11].
3. قال بشرٌ الحافي يقول أحدهم: توكَّلت على الله، يَكذِب على الله؛ لو توكَّل على الله، رَضِيَ بما يفعل الله [1]
4.سُئل يَحيى بنُ معاذ:متى يكون الرجل متوكِّلًا؟ فقال: إذا رَضِي بالله وكيلًا [2]
5.قال ذو النون:التوكُّل على الله هو ترك تدبير النفس، والانخلاع من الحَوْلِ والقوَّة، وإنما يَقوى العبد على التوكُّل إذا علم أن الحقَّ سبحانه يَعلَم ويرى ما هوفيه[3]
6.قال ذو النون: التوكُّل على الله هو خلعُ الأرباب، وقطعُ الأسباب.(يريد قطعها من تعلُّق القلب بها، لا من ملابسة الجوارح لها)[4]
7.أجمع القوم على أن التوكُّل لا ينافي القيامَ بالأسباب، (فلا يصحُّ التوكُّل إلا مع القيام بها، وإلَّا فهو بطالة وتوكُّل فاسد)[5]
المراجع
- "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 114).
- "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 114).
- "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 114).
- "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 115).
- "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 116).
1. عن عبدِ الله بنِ عمرِو بنِ العاصِ - رضي الله عنهما -
أن رسول الله ﷺ قال:
«قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ»
[1]
2. عن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ،
عن النبيِّ ﷺ قال:
«مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ طَعَامُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»
[2]
3. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله ﷺ:
«مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي خَمْسَ خِصَالٍ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ، أَوْ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟» قَالَ: قُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّهُنَّ فِيهَا ثُمَّ قَالَ: «اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلا تُكْثِرِ الضَّحِكَ؛ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ»
[3]
4. إنَّ من قَنَع بما قُسِم له، ولم يَطمَع فيما في أيدي الناس، استغنى عنهم.
5. القناعة أن يرضى الإنسان بما قُسِم له، ويَترُك السؤال.
6. قال عبد الله بن عبَّاس: "القناعةُ مالٌ لا نفادَ له"[4]
7. قال عليُّ بنُ أبي طالبٍ - رضي الله عنه -: "الرزق رزقان: فرزقٌ تَطلُبه، ورزقٌ يَطلُبك، فإن لم تأتِه، أتاك"[5]
8. قال بكرُ بنُ عبد الله الْمُزنيُّ: "يَكْفِيكَ من الدنيا ما قَنعتَ به، ولو كَفَّ تمرٍ، وشربةَ ماءٍ، وظِلَّ خِباءٍ، وكلَّما انفتح عليك من الدنيا شيءٌ، ازدادت نفسُك به تَعَبًا"[6]
9. قال أبو سليمانَ الدارانيُّ: "إن قومًا طلبوا الغنى، فحسبوا أنَّه في جمع المال؛ ألا وإنما الغنى في القناعة، وطَلَبوا الراحة في الكثرة؛ وإنما الراحة في القِلَّة، وطلبوا الكرامة من الخَلق؛ ألا وهي في التقوى، وطلبوا النعمة في اللباس الرقيق واللَّيِّن وفي طعامٍ طيِّبٍ؛ والنعمةُ في الإسلام السِّتر والعافية"[7]
10. قال مالكُ بنُ دينارٍ: "أزهدُ الناس من لا تتجاوز رَغْبتُه من الدنيا بُلْغتَه"[8]
11. قال بعضهم: جالستُ الأغنياءَ، فاحتقرتُ لباسي إلى لباسهم، ودابَّتي إلى دوابِّهم، وجالستُ الفقراء فاسترحتُ[9]
12. عَلَيْكَ بتَقْوَى اللهِ واقْنَعْ برزقِهِ = فخَيْرُ عبادِ الله مَن هو قانِعُ
وَلا تُلْهِكَ الدنيا ولا تَطْمَعَنْ بها = فقد يُهْلِكُ الْمَغْرُورَ فيها الْمَطَامِعُ
13. إِذَا أَظْمَأَتْكَ أَكُفُّ اللِّئَامِ = كَفَتْكَ الْقَنَاعَةُ شِبْعًا ورِيَّا
فَكُنْ رَجُلًا رِجْلُهُ في الثَّرَى = وَهَامَةُ هِمَّتِهِ في الثُّرَيَّا
أَبِيًّا لنَائِلِ ذِي ثَرْوَةٍ = تَرَاهُ بِمَا فِي يَدَيْهِ أَبِيَّا
فَإِنَّ إِرَاقَةَ مَاءِ الحَيَا = ةِ دُونَ إراقةِ ماءِ الْمُحَيَّا
14. وَجَدْتُ القَنَاعَةَ ثَوْبَ الغِنَى = فصِرْتُ بأَذْيَالِهَا أَمْتَسِكْ
فَأَلْبَسَنِي جَاهُهَا حُلَّةً = يَمُرُّ الزَّمَانُ ولم تُنْتَهَكْ
فصِرْتُ غَنِيًّا بلا دِرْهَمٍ = أَمُرُّ عَزِيزًا كَأَنِّي مَلِكْ
15. تَقَنَّعْ بِالْكَفَافِ تَعِشْ رَخِيًّا = ولا تَبْغِ الفُضُولَ مِنَ الْكَفَافِ
فَفِي خُبْزِ القِفَارِ بِغَيْرِ أُدْمٍ = وفي مَاءِ القَرَاحِ غِنًى وَكَافِ
وفي الثَّوْبِ الْمُرَقَّعِ مَا يُغطَّى = به من كُلِّ عُرْيٍ وَانْكِشَافِ
وَكُلُّ تَزَيُّنٍ بالْمَرْءِ زَيْنٌ = وَأَزْيَنُهُ التَّزَيُّنُ بالعَفَافِ
16. غِنَى النَّفْسِ يُغْنِيها إذا كُنتَ قانِعًا = وليس بمُغْنِيكَ الكثيرُ مع الحِرْصِ
وَإنَّ اعتقادَ الهَمِّ للخيرِ جامعٌ = وقِلَّةُ هَمِّ الْمَرْءِ يَدْعُو إلى النَّقْصِ
17. أفادتْنا القناعةُ أيَّ عِزٍّ = وَلا عِزٌّ أَعَزَّ مِنَ الْقَنَاعَةْ
فَخُذْ منها لنَفْسِكَ رَأْسَ مَالٍ = وَصَيِّرْ بَعْدَهَا التَّقْوَى بِضَاعَةْ
تَحُزْ حَالَيْنِ: تَغْنى عَنْ بَخِيلٍ = وَتَسْعَدُ فِي الِجنَانِ بِصَبْرِ سَاعَةْ
18. هِيَ القَنَـاعةُ لا تـرضَى بهــا بَدَلًا = فيهــا النعيـمُ وفيهــا راحـةُ البَـدَنِ
انْظُـرْ لِمَـنْ مَلَكَ الدُّنيـا بأجمـعِـها = هـل رَاحَ منها بغَيـر القُطْـِن والكَفَـنِ
19. إذا الْمَرْءُ لم يَقْنَعْ بعَيْشٍ فَإنَّهُ = وإن كان ذا مالٍ من الفَقْرِ مُوقِرُ
إذا كان فضلُ الناسِ يُغْنِيكَ بَيْنَهُمْ = فأنت بفضل الله أغنى وأَيْسَرُ
20. رَضِيتُ مِنَ الدُّنْيَا بقُوتٍ يُقِيمُني = فَلا أَبْتَغِي مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا فَضْلا
ولَسْتُ أَرُومُ القُوتَ إلَّا لأنَّه = يُعِينُ على عِلْمٍ أَرُدُّ به جَهْلا
فما هذه الدُّنيا بطِيبِ نَعِيمِها = لأَيْسَرِ ما في العِلْمِ من نُكْتَةٍ عَدْلا
21. خَبَرْتُ بَني الدُّنْيَا فَلَمْ أَرَ مِنْهُمُ = سِوَى خَادِعٍ والخُبْثُ حَشْوُ إِهَابِهِ
فَجَرَّدْتُ عَنْ غِمْدِ القَنَاعَةِ صَارِمًا = قَطَعْتُ رَجَائي مِنْهُمُ بذُبَابِهِ
فَلا ذا يَرَانِي وَاقِفًا بطَرِيقِهِ = وَلا ذا يَرَانِي قَاعِدًا عِنْدَ بَابِهِ
غَنِيٌّ بِلا مَالٍ عَنِ النَّاسِ كُلِّهِمْ = وَلَيْسَ الغِنَى إلَّا عَنِ الشَّيْءِ لا بِهِ
المراجع
- رواه مسلم (1054).
- رواه البخاريُّ في "الأدب المفرد" (300)،والترمذيُّ (2346)، وابن ماجه (4141)، وحسَّنه الألبانيُّ في "صحيح الأدب المفرد" (ص: 127).
- رواه أحمد (8081)، والترمذيُّ (2305)، وابن ماجه (3417)، وحسَّنه ابن حجر في "تخريج مشكاة المصابيح" (5/8)، والألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2349).
"العقد الفريد" لابن عبد ربه (3/169).
- "العقد الفريد" لابن عبد ربه (3/169).
- "القناعة والتعفف" لابن أبي الدنيا (ص: 62).
- "الزهد الكبير" للبيهقيِّ (ص80).
- "أدب الدنيا والدين" للماورديِّ (ص227).
- "طرح التثريب في شرح التقريب" للعراقيِّ (8/ 145، 146).
1. ثِقْ أن الله اختار لك الخير، سواءٌ فيما أَعلَمَكَ به، أو فيما حَجَب عِلمَه عنك، فآمِنْ بالغَيب، ولا تُجهد نفسَك في معرفته.
2. إن النفس البشرية لتَقِفُ أمام أستار الغَيب عاجزةً خاشعة، تُدرك بالمواجهة حقيقة علمها المحدود، وعجزها الواضح، ويتساقط عنها غرور العلم والمعرفة المدَّعاة.
3. لا تقترب ممن يدَّعون معرفة الغيب، فلا حاجة لك بمعرفته، ولا خير يعود عليك من ذلك، والعقوبةُ في ذلك مغلَّظة تصل لحدِّ الكُفر.
4. في الإيمان بهذه الغَيْبيَّات والوقوف عند ما أخبرنا به الوحيُ راحةُ النفس، وبثُّ الأمل، وزيادة التعلُّق بالله تعالى والإيمان به.
5. ضَمِن اللهُ لك كَسْبَكَ وأَجلَك ولم يجعلهما في يد أحدٍ من البشر؛ لتضمن حريَّتك في هذه الدنيا، ولا تخضع لاستعباد أحدٍ، فحافظ على هذه الحرية، ولا تخشَ إلا الله تعالى.
6. فَلا يَخْفَى عَلَيْهِ الذَّرُّ إمَّا = تَرَاءى لِلنَّوَاظِرِ أَوْ تَوَارى
7. يا منْ يُغيثُ الورَى من بعدِ ما قَنَطوا = ارحَمْ عبادًا أكُفَّ الفقرِ قد بَسَطُوا
عَوَّدْتَهُم بَسْطَ أرزاقٍ بلا سَبَبٍ = سوى جميلِ رجاءٍ نَحْوَهُ انبسَطوا
وعُدْتَ بالفضلِ في وِرْدٍ وفي صَدَرٍ = بالجُودِ إن أقسَطوا والحِلمِ إن قَسَطُوا
8. مَعَ اللهِ فِي سَبْرِ كُنْهِ الوُجُودِ = وَرُوحِ الحَيَاةِ وَسِرِّ القَدَرْ
مَعَ اللهِ فِي عَالَمِ الْمُدْرَكَاتِ = وَفِي الغَيْبِ مِنْ كَائِنَاتٍ أُخَرْ
مَعَ اللهِ فِيمَا بَدَا وَانْتَشَرْ = مَعِ اللهِ فِيمَا انْطَوَى وَاسْتَتَرْ
وَيَدفَعُ أَعْمَاقَ إِيمَانِنَا = فِرَارًا إِليه ونعمَ الْمَفَرّْ
9. سُبحانَ مَن سبَّحَتْهُ ألْسُنٌ عَرفتْ = بأَنَّ تسبيحَهُ مِنَ أَفْضلِ العِصَمِ\
سُبحانَ مَنْ سبَّحتْهُ ألسنٌ نطقَتْ = من عالَمٍ في حِجَابِ الغَيْبِ مُكْتَتَمِ
10. وَإنِّي لَمُستغَنٍ بِفَقرِي وفاقَتِي = إِليهِ ومُسْتقْوٍ وَإنْ كانَ بِي ضَعْفُ
وفي الغَيبِ لِلعَبدِ الضَّعيفِ لَطائفٌ = بِها جَفَّتِ الأقلامُ وانطَوَتِ الصُّحْفُ
11. شَهِدَتْ غرائبُ صُنعِهِ بوجُودِهِ = لولاهُ ما شَهِدَت بهِ لولاهُ
وإليهِ أذعَنتِ العُقولُ فآمنَتْ = بالغَيْبِ تؤثِرُ حُبَّها إيَّاهُ
سُبحانَ من عَنَتِ الوُجُوهُ لوجْهِهِ = ولهُ سُجُودٌ أوجهٌ وجباهُ
طَوْعًا وكَرهًا خاضِعينَ لعِزِّهِ = ولهُ عليها الطَّوْعُ والإكْرَاهُ
12. فكم للهِ من تدبيرِ أمرٍ = طَوَتْهُ عنِ الْمُشاهَدَةِ الغيُوبُ
وكم في الغَيْبِ من تيسير عُسْرٍ = ومن تفريجِ نائبةٍ تنُوبُ
ومن كرمٍ ومن لُطفٍ خَفِيٍّ = ومن فرجٍ تزُولُ بهِ الكُروبُ
وما لي غيرُ بابِ اللهِ بابٌ = ولا مَوْلًى سواهُ ولا حبيبُ
1. إياك وإتيانَ الكُهَّان والمنجِّمين والعرَّافين، وتصديقَهم؛ ففي ذلك خسران الدين، والخروج من ملَّة الإسلام والعياذ بالله.
2. على العبد المسلم أن يتعهَّد إيمانه دائمًا، وأن يحرص على نقاء عقيدته، وأن يَحفَظها من أيِّ دَخَلٍ، وأن يحتاط لدينه أشدَّ الاحتياط.
3. احرص دائمًا وأبدًا على الابتعاد عن طريق الكهَّان والمنجِّمين والسَّحرة وغيرهم ممن يدَّعي علم الغيب أو المستقبل؛ فإنهم مَفسَدةٌ للعقيدة.
4. ارضَ بما قسمه الله لك، واعلم أن الغيب ما حُجب عنك إلا لراحتك أنت، فلا تهتك سِتْرَ الغيب بما يَزيدك رَهَقًا وتَعبًا.
5. سلامة الصدر لا يعدلها شيءٌ، يَحمِل أحدهم حقدًا لأحدٍ، فيسعى لإيذائه بسحرٍ وغيره، وهو لن يضرَّه إلا بما كتبه الله عليه، فيكون أذاه له أجرًا، وعليه وزرًا، وهي جريمة إن خَفِيت في الدنيا وهَرَب بها من العقاب، فلن يفلت من عقاب الآخرة على رؤوس الأشهاد، فليتَّق الله امرؤٌ في نفسه وفي الناس!
1. الاهتمام بتصحيح القلب وتسديده أَوْلى ما اعتمد عليه السالكون، والنَّظَر في أمراضه وعلاجها أهمُّ ما تنسَّك به الناسِكون؛ فإن القلب لهذه الأعضاء كالْمَلِك المتصرِّف في الجنود، الذي تَصدُر كلُّها عن أمره، ويستعملها فيما شاء، فكلُّها تحت عبوديَّته وقهرِه، وتكتسب منه الاستقامةَ والزَّيغ، وتَتْبَعه فيما يريد، فهو مَلِكُها، وهي المنفِّذة لما يَأمُرها به[1]
2. من كان لله أتقى، كان من الله أقربَ، وكان عند الله أكرمَ؛ فلا تَفتخِرْ بمالك، ولا بجمالك، ولا ببدنك، ولا بأولادك، ولا بقصورك، ولا سيَّاراتك، ولا بشيء من هذه الدنيا أبدًا؛ إنما إذا وفَّقك الله للتقوى، فهذا من فضل الله عليك، فاحمَدِ الله عليه[2]
3. محلُّ التقوى والفجور القلب؛ فيجب علينا أن نعتنيَ بالقلب، وننظر أين ذهب، وأين حلَّ؛ حتى نُطَهِّرهُ ونُصفِّيَه[3]
4. تَجِد رجلين يصلِّيانِ في صفٍّ واحد، مقتدَيْنِ بإمام واحد، يكون بين صلاتَيْهِما كما بين الْمَشرِق والمغرب؛ لأن القلب مختلِفٌ، أحدُهما قلبه غافل؛ بل ربما يكون مُرائيًا في صلاته يريد بها الدنيا، والآخَرُ قلبُه حاضر يريد بصلاته وجهَ الله واتِّباع سنَّة رسول الله ﷺ ، فبينهما فرقٌ عظيم[4]
5. لَمَّا عَلِم عدوُّ الله إبليسُ أن الْمَدَار على القلب، والاعتمادَ عليه، أَجلَب عليه بالوَساوس، وأَقبَل بوجوه الشَّهوات إليه، وزيَّن له من الأقوال والأعمال ما يصدُّه عن الطريق، وأَمَدَّه من أسباب الغيِّ بما يَقطَعه عن أسباب التوفيق، ونَصَبَ له من المصايد والحبائل ما إن سَلِم من الوقوع فيها، لم يَسلَم من أن يَحصُل له بها التعْوِيق[5]
6.لا نجاةَ من مصايد الشيطان ومكايده إلا بدوام الاستعانة بالله تعالى، والتعريض لأسباب مَرْضَاته، والْتِجَاء القلب إليه، وإقباله عليه في حركاته وسَكناته، والتحقُّق بذُلِّ العُبودية الذى هو أولى ما تلبَّس به الإنسان؛ ليَحصُل له الدخول في ضمان:
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ
[الحجر: 42]
فهذه الإضافة هي القاطعة بين العبد وبين الشياطين، وحصولُها يسبِّب تحقيق مقام العبودية لربِّ العالمين[6]
7. إذا أُشرب القلبُ العبوديةَ والإخلاص صار عند الله من المقرَّبين، وشَمِله استثنا:
إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ
[الحجر: 40] [7]
8. الْقلب مَلِك والأعضاء جُنُوده، فإذا طَابَ الْمَلِك طابت جُنُوده، وَإِذا خَبُث الْمَلِك خَبُثت جُنُوده[8]
9. متى رأيتَ القلبَ قد ترحَّل عنه حبُّ الله، والاستعدادُ للقائه، وحلَّ فيه حبُّ المخلوق، والرضا بالحياة الدنيا، والطمأنينة بها، فاعلم أنه قد خُسِف به[9]
10. متى أَقحَطت العينُ من البكاء من خشية الله تعالى، فاعلم أن قَحْطَها من قسوة القلب، وأبعدُ القلوبِ من الله القلبُ القاسي[10]
11. القلب يَمرَض كما يمرض البَدَن، وشفاؤه في التوبة، ويصدأ كما تصدأ الْمِرآة، وجِلاؤه بالذِّكر، ويَعرى كما يعرى الجسم، وزينتُه التقوى، ويجوع ويظمأ كما يجوع البدن، وطعامُه وشرابه المعرفةُ والمحبَّة، والتوكُّل، والإنابة، والخِدمة[11]
12. الله سبحانه الذي جَعَل بعض القلوب مُخْبِتًا إليه، وبعضَها قاسيًا، وجعل للقسوة آثارًا، وللإخبات آثارًا، فمن آثار القسوة: تحريفُ الكَلِم عن مواضعه، وذلك من سوء الفَهم، وسوء القصد، وكلاهما ناشئ عن قسوة القلب، ومنها نسيانُ ما ذكِّر به، وهو تركُ ما أُمِر به علمًا وعملًا، ومن آثار الإخبات: وجَلُ القلوب لذكره سبحانه، والصبر على أقداره، والإخلاص في عبوديته، والإحسان إلى خلقه[12]
13. ليس أَرْوَحُ للمرء، ولا أطرد لهمومه، ولا أقرُّ لعينه، من أن يعيش سليم القلب، مبرَّأ من وساوس الضغينة، وثوران الأحقاد، إذا رأى نعمة تنساق لأحد رَضِيَ بها، وأحسَّ فضل الله فيها، وفقر عباده إليها. وإذا رأى أذًى يلحق أحدًا من خلق الله، رثى له، ورجا الله أن يفرِّج كربه، ويغفر ذنبه[13]
14.يحيا المسلم سليم القلب ناصعَ الصفحة، راضيًا عن الله وعن الحياة، مستريح النفس من نزعات الحقد الأعمى؛ فإنَّ فساد القلب بالضغائن داءٌ عَيَاء، وما أسرعَ أن يتسرَّب الإيمان من القلب المغشوش، كما يتسرَّب السائل من الإناء المثلوم![14]
15. إن القلب القاسيَ لا يَقبَل الحقَّ، وإن كَثُرت دلائله.
16. إن الإنسان يُضاعَفُ أجرُه وثوابُه على قدر نيَّاته، فمن دَخَل إلى مسجد يريد الصلاة ونَوَى بدخوله انتظارَ الصلاة واعتكافًا في المسجد، وذِكْرَ الله، وكفَّ جوارِحِه عن المعاصي، وخَلْوةً مع الله - فإنه يُثاب على هذه النيَّات كلِّها.
17. قال الفُضيل في
قوله تعالى:
لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا
[الملك: 2]،
قال: أَخْلَصُه وأَصوَبه. وقال: إنّ العمل إذا كان خالصًا، ولم يكن صَوَابًا، لم يُقبَل، وإذا كان صوابًا، ولم يكن خالصًا، لم يُقبَل حتّى يكون خالصًا وصوابًا. قال: والخالص إذا كان للّه عزّ وجلّ، والصَّواب إذا كان على السُّنَّة[15]
18. من نوى الخير ولم يستطع تنفيذه لعُذر، كُتب له أجره.
19. بالنيَّة الصالحة تتحوَّل العادات إلى عبادات.
20. الخير كلُّه في إصلاح النيَّات.
21. إيَّاكَ والشِّرك الخفيَّ؛ فالرياءُ يُحبط الأعمال، ويحوِّل عظائم العبادات إلى مُهلِكات.
22. الإنسان قد يجتهد ويَبذُل كثيرًا من المشقَّة يَقصِد بذلك غيرَ وجه الله، فيكون عمله محبَطًا، وسببًا في هلاكه.
23. رُبَّ عملٍ صالح أُريد به ثناءُ الناس واستحسانهم لعمله، كان سببًا في هلاك صاحبه ودخوله النارَ؛ فأوَّل من تُسعَّر بهم النار: رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، حيث قاتل ليقال عنه: جَرِيءٌ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ ليُقال عنه: عَالِمٌ، ورجُلٌ يُنفِق ليُقال عنه: هو جَوَادٌ، وقد قيل.
24. الله عزَّ وجلَّ لا يَقبَل من العمل إلا ما أُريد به وجهُه، فـ"قولوا لمن لم يكن صادقًا: لا تَتعَب"[16]
25. اعلم أن عون الله تعالى للعبد على قدر النيَّة، فمن تمَّت نيَّته، تمَّ عَوْنُ الله له، وإن نَقَصت نَقَص بقَدْرِه[17]
26. تَعلَّمِ النِّيَّةَ؛ فإنها أبلغُ من العمل[18]
27. انو في كلِّ شيء تُريده الخير، حتى في الطعام والشراب.
28. إن الخير كلَّه إنما يَجمَعه حُسْنُ النِّيَّةِ، وكَفاكَ بها خيرًا وإن لم تَتعب[19]
29. الْبِرُّ هِمَّةُ التَّقِيِّ، ولو تعلَّقت جميع جوارحه بحبِّ الدنيا، لردَّته يومًا نِيَّتُه إلى أصله[20]
30. تخليص النّيّة من فسادها أشدُّ على العاملين من طول الاجتهاد[21]
31. صلاحُ القلب بصلاح العمل، وصلاحُ العمل بصلاح النّيَّة.
32. مَن سرَّه أن يَكمُل له عمله، فليُحسِن نيَّته؛ فإنّ اللّه عزّ وجلّ يَأجُر العبد إذا حَسُنَت نيَّته، حتّى باللُّقْمة[22]
33. رُبَّ عملٍ صغيرٍ تعظِّمه النّيَّة، وربَّ عَمل كبير تصغِّره النّيَّة[23]
34. لا يَصلُح العمل إلّا بثلاث: التّقوى للّه، والنّيَّةِ الحسنة، والإصابةِ[24]
35. إنّما يريد اللّه عزّ وجلّ منك نيَّتَك وإرادتك[25]
36. أفضل الأعمال أَدَاءُ ما افترض اللّه عزّ وجلّ، والوَرَعُ عمّا حرَّم اللّه عزّ وجلّ، وصِدْقُ النّيَّة فيما عند اللّه عزّ وجلّ[26]
37. كان السلف الصالح يتفاضلون بنيَّاتهم ومقاصدهم وما وَقَر في قلوبهم، ولم يكونوا يتفاضلون بالصَّوم والصلاة.
38. يُثاب المرء بقَدْر نيَّته.
39. النية الصالحة تعظِّم من العمل الصغير، والنية الفاسدة تحقِّر من العمل الكبير.
40. إصلاح النية يحتاج إلى جهدٍ ومِران.
41. لا تُقبَل الأعمال إلا بالإخلاص، وموافقتِها للكتاب والسنَّة.
42. الوساوس والخواطر التي تَرِد على القلب لا تؤثِّر على النيَّة ما لم تتغيَّر.
43. الحذرَ كلَّ الحذر من الدنيا، وتوجُّه قلبكَ إليها، ونسيان الآخرة.
44. قريحُ القلبِ من وجَعِ الذُّنُوبِ = نَحِيلُ الجِسْمِ يَشْهَقُ بالنَّحِيبِ
أضرَّ بجسمِهِ سَهَرُ الليالي = فصارَ الجِسْمُ منه كالقضيبِ
وغيَّرَ لونَهُ خوفٌ شديدٌ = لِما يلقاهُ من طولِ الكُر
وبِينادي بالتضرُّعِ يا إلهي = أقِلني عَثْرتي واسْتُر عُيوبيِ
45. إِذَا شِئْتَ أَنْ تُدْعَى كَرِيمًا مُهَذَّبًا = تَقِيًّا سَرِيًّا مَاجِدًا فَطِنًا حُرَّا
فَكُنْ مُخْلِصًا للهِ جَلَّ جَلالُهُ = وَكَنْ تَابِعًا لِلْمُصْطَفَى تُحْرِزِ الأَجْرَا
46. قلوبُ الْمُخلِصينَ لها عيونٌ = تَرَى ما لا يراه الناظر
ونَو أجنحةٌ تطيرُ بغيرِ ريشٍ = إلى ملكوت ربِّ العالم ينَفَتَسْقِيها
شرابَ الصِّدْق صِرْفًا = وتَشرَب مِن كؤوس العارفينَ
47. لَعَمْرُكَ إن المجدَ والفخر والعُلا = ونَيْلَ الأمانِي واكتسابَ الفضائلِ
لِمَنْ يُخلِصُ الأعمال لله وحدَهُ = ويُكثِرُ مِن ذكرٍ له في المنازل
48. إذا السرُّ والإعلان في المؤمن استوى = فقد عزَّ في الدارينِ واستوجب الثَّنَـا
فإن خـالَفَ الإعلانُ سِــرًّا فما له = على سَعْيِه فضلٌ سوى الكَدِّ والعَنَل
49. ما سُمِّيَ القلب إلَّا من تَقَلُّبِه = فاحذَرْ على القلبِ من قَلْبٍ وتحويلِ
50. رَأَيْتُ الذُّنوبَ تُمِيتُ القلوبَ = وقد يُورِثُ الذُّلَّ إِدْمَانُها
وَتَرْكُ الذُّنوبِ حَيَاةُ القلوبِ = وخيرٌ لنفسِكَ عِصْيَانُها
المراجع
- "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" لابن القيم (1/ 5).
- "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (1/ 61).
- "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص: 249).(
- "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (1/ 61، 62).
- "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" لابن القيم (1/ 5).
- "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" لابن القيم (1/ 5).
- "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" لابن القيم (1/ 6).
- "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/ 193).
- "بدائع الفوائد" لابن القيم (3/ 224).
- "بدائع الفوائد" لابن القيم (3/ 224).
- "الفوائد" لابن القيم (ص: 98).
- "شفاء العليل" لابن القيم (ص: 106).
- "خلق المسلم" لمحمد الغزالي (74-77) بتصرف يسير.
- "خلق المسلم" لمحمد الغزالي (74-77) بتصرف يسير.
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 72).
- "تلبيس إبليس" لابن الجوزيِّ (137).
- "إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزاليِّ (4/364).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 70).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 70).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 70).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 70).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 71).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 71).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 71).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 71).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 71).
1- حلاوةُ الإيمان هي: "استلذاذُ الطاعات، وتحمُّل المشاقِّ في رِضا الله عزَّ وجلَّ ورسوله ﷺ، وإيثارُ ذلك على عرَضِ الدنيا"[1]
2- سِرُّ حلاوة الإيمان راجعٌ لكون "الإيمان هو غذاء القلوب وقُوَّتها، كما أن الطعام والشراب غذاء الأبدان وقُوتها، وكما أن الجسد لا يجد حلاوةَ الطعام والشراب إلا عند صحته، فإذا سَقِم لم يجِدْ حلاوة ما ينفعه من ذلك؛ بل قد يستحلي ما يضرُّه، وما ليس فيه حلاوةٌ؛ لغلَبةِ السقم عليه، فكذلك القلبُ إنما لا يجدُ حلاوةَ الإيمان من أسقامه وآفاته، فإذا سَلِم من مرض الأهواء الْمُضِلَّة والشهوات المحرَّمة، وجَد حلاوةَ الإيمان حينئذٍ، ومتى مرِض وسَقِم لم يجِدْ حلاوةَ الإيمان؛ بل يستحلي ما فيه هلاكُه من الأهواء والمعاصي؛ لأنه لو كمَل إيمانُه لوَجَد حلاوةَ الإيمان، فاستغنى بها عن استحلاء المعاصي"[2]
3- من جَمَع خصالَ الإيمان، وحصَّلها، وكانت من صفاته، فتشرَّبتها نفسه، وقرَّت في قلبه وحناياه - وجد حلاوة الإيمان.
4- إذا خالطَ الإيمانُ بَشاشةَ القُلوبِ ذاقَتْ حلاوَتَه.
5- مَن عَرَفَ الله حقَّ مَعرفَتِه ونظَرَ إلى أفعَالِه، وعرَفَ أسماءَه وصفاتِه، لا يَسَعُه إلا أن يُحبَّه سبحانه.
6- حقيقة الحب في الله: ألَّا يَزيدَ بالبِرِّ ولا يَنقُصَ بالجفاء[3]
7- محبَّة المؤمن وظيفةٌ متعيِّنة على الدوام، وُجِدت الأغراض أو عُدِمت، ولما كانت المحبَّة للأغراض هي الغالبةَ، قلَّ وِجدان تلك الحلاوة؛ بل قد انعدم، لا سيَّما في هذه الأزمان التي قد انْمَحى فيها أكثرُ رسوم الإيمان[4]
8- مَحبَّة المؤمنين من العبادات التي لا بد فيها من الإخلاص في حسن النيَّات[5]
9- محبَّةُ المؤمن توجب على المسلم أن يسعى في إيصال النفع لأخيه المسلم، وأن يكفَّ عنه أذاه؛ فعن ابن عمر ﭭ، أن رسول الله ﷺ قال: «المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه، ولا يُسلِمه، ومَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومَن فرَّج عن مسلم كُربةً، فرَّج الله عنه كُربةً من كُربات يوم القيامة، ومَن ستَر مسلمًا ستَره الله يوم القيامة»[6]
10- على المؤمن أن لا يحبَّ إلّا في اللّه، ولا يُبغض إلّا فيه، ولا يوالي إلّا فيه، ولا يُعادي إلّا فيه، ولا يُعطي إلّا له، ولا يمنع إلّا له، ولا يرجو إلّا إيّاه، ولا يستعين إلّا به، فيكون دينه كلُّه ظاهرًا وباطنًا للّه، ويكون اللّه ورسوله أَحبّ إليه ممّا سواهما، فلا يُوَادُّ من حادَّ اللّه ورسوله، ولو كان أقربَ الخلق إليه.
11- مَن وجَد حلاوةَ الإيمان "استلذَّ بالطاعات، وتحمَّل المشقَّات فيما يُرضي الله تعالى، ورسوله ﷺ، وآثر ذلك على عَرَض الدنيا؛ رغبةً في نعيم الآخرة، الذى لا يَبيد ولا يَفنى"[7]
12- رُوِي عن عُتبة الغلام أنه قال: «كابدت الصلاة عشرين سنةً، ثم تلذَّذتُ بها باقيَ عُمري»[8]
13- الصحيح يدرِك الطعوم على ما هي عليه، والمريض ببعض الأمراض قد يجد طعم العسل مُرًّا؛ فقد نقَص ذوقه بقدْر نقص صحته. وكذا القلب السليم من أمراض الغفلة والهوى يذوق طعم الإيمان ويتلذَّذ منه ويتنعَّم به، كما يذوق الفمُ طعْمَ العسل وغيره من لذيذ الأطعمة ويتنعَّم بها؛ بل تلك اللذَّة الإيمانية أعلى [9]
14- يجد المؤمن حلاوة الإيمان، حيث انشراحُ الصدر، وطمأنينة القلب، والأُنس بالله تعالى، ومعرفته حقَّ المعرفة، بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، حتى يصير الهوى في مرضاته تعالى، والمنى فيما يقدِّره حتى لو كان ظاهره شرًّا.
15- تشعُّ حلاوة الإيمان في نفس المؤمن ومشاعرِه ومَداركه وحواسِّه وتصوُّراته، فيستقيم على الهدى، فيكون كمالُ حبِّه لله ورسوله دون سواهما مهما كان، حتى الحبُّ والبغض فهو لله، لا يتعدَّى حدود الله فيهما.
16- كيف بمن ذاق حلاوة الإيمان أن يعود إلى مرارة الكفر؟! إنه الهدى بعد الضلال، والأمل في الخلود بعد الموت بعد انتظار الفناء؛ فكيف لا يكره العودة إلى الكفر من ذاق حلاوة الإيمان بعد تجرُّع مرارة الكفر؟! وكيف لا يكره المؤمن الذي ذاق حلاوة الإيمان أن يتذوَّق مرارة الكفر؟! مرارة الكفر بما فيها من اضطراب النفس والمشاعر، وسواد القلب، وعدم اليقين إلا في الموت، الذي يتحيَّر ولا يعلم ماذا يصيبه بعده، ولا شك أنه لا ينتظر خيرًا بعده!
17- إن حلاوة الإيمان ليس مثلَها حلاوةٌ، فمع لذَّتها، فإنها تستمرُّ، ليس مثل لذَّات الدنيا؛ كالطعام والشراب وتحصيل الأموال والمساكن الشاهقة والمركبات الفارهة، التي لا تستمرُّ لذَّتها، وربما شعر ببعض اللذَّة عند أول حدوثها، أما إن كان ذلك في معصية، فلن يفارقهم ذُلُّ المعصية وعاقبتها السيئة.
18- لا حرج أن يستمتع العبد المؤمن بكل طيِّبات الحياة المباحة، على أن يكون راضيًا أن تُسلب منه، مستعدًّا أن يَنبِذها كلَّها إذا تعارضت مع عقيدته وما تتطلَّبه المحبة الخالصة لله ورسوله.
19- الإِلَهَ وَأَنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ = هَذا مُحَالٌ في القِياسِ بَديعُ
لَو كانَ حُبُّكَ صادِقًا لَأَطَعتَهُ = إِنَّ الْمُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ
في كُلِّ يَومٍ يَبْتَديكَ بِنِعمَةٍ = مِنهُ وَأَنتَ لِشُكرِ ذاكَ مُضيعُ
20- يُعَادِي الَّذِي عَادَى مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ = جَمِيعًا وَلَوْ كَانَ الْحَبِيبَ الْمُصَافِيَا
21- تَفْنَى اللَّذَاذةُ ممَّن نال صَفْوَتَها = مِنَ الحَرَامِ ويَبْقى الإثمُ والعَارُ
تَبْقَى عواقبُ سُوءٍ مِنْ مَغَبَّتِها = لا خَيْرَ في لَذَّةٍ من بعدِها نَارُ
المراجع
- "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" للنَّووي (2/ 13).
- "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن رجب الحنبلي (1/ 50- 51).
- انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجرٍ العسْقلاني (1/ 62).
- "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" لأبي العباس القرطبي (1/ 215).
- "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" لأبي العباس القرطبي (1/ 215).
- رواه البخاري (2442)، ومسلم (2580).
- "شرح صحيح البخاري" لابن بطَّال (1/ 66).
- "شرح صحيح البخاري" لابن بطَّال (1/ 66).
- انظر: "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للطيبيِّ (1/ 74).
1. من دلائل نبوَّته ﷺ إخباره ببعض ما كان في الأمم السابقة، وبعض ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة؛ فإنَّ ذلك من أنباء الغيب التي يُوحيها الله تعالى إليه؛ تصديقًا لنبوَّته، وتحدِّيًا لمن لا يؤمن برسالته.
2. سرُّ التمثيل بالشِّبر والذراع، وتخصيص الجُحْر بالضبِّ، هو رسم صورة واضحة للأمَّة في حرصها على اقتفاء آثارهم، والاقتداء بهم في كلِّ كبيرةٍ وصغيرةٍ، والدخول في مَداخلهم، وإن بلغت من الضِّيق والالتواء والرداءة مبلغ جُحْر الضَّبِّ.
3. ما فائدة التحذير الوارد في الحديث مع أنه واقع لا محالة؟ فائدته أن تحذر ذلك، وتكون في جانب الطائفة الثابتة على الحقِّ.
4. لقد دلَّ الكتاب والسُّنَّة على أنه لا يزال في هذه الأمة طائفة متمسِّكة بالحقِّ إلى قيام الساعة[1]، وأنَّ الله لا يزال يغرس في هذا الدين غرسًا يستعملهم فيه بطاعته[2]، وأنهم لا يجتمعون على ضلالة[3]
5. لقد حذَّر النبيُّ ﷺ من اتِّباع سنن من قبلنا، وفي التحذير من التقليد وركوب السَّنن تكثيرٌ لهذه الطائفة الظاهرة المنصورة، وتثبيتٌ لها، وتقويةٌ لإيمانها؛ ففي أيِّ الطائفتين تريد أن تكون؟!
6. الحمدُ لله إذ منَّ على هذه الأمَّة بأنها مهما اختلفت وتخاذلت، فلا يزال طائفةٌ منها ظاهرين على الحقِّ لا يضرُّهم مَنْ خالفهم حتى يأتيَ أمر الله.
7. في الحديث إشارةٌ إلى بلاء التقليد، وسوء مغبَّته، وكم جرَّ التقليد على المسلمين من بلاءات ووَيْلات وَنَكَبات، وضياع هُوِيَّة الأجيال، وذوبانهم في هُوِيَّات الضلال والانحلال!
8. نرى بأعيننا مَضارَّ التقليد الأعمى وسَوءاته على الدين والمجتمع والنشء والأجيال الجديدة، وأنه يجعل الأمم تتردَّى في الهاوية والقاع.
9. الأمم القوية هي التي تتمسَّك بهُوِيتها وأعرافها وقيمها وأخلاقها، وتعتزُّ بها.
10. لا شكَّ أن المقلِّد ضعيفٌ يَشعُر بضعفه أمام من يقلِّده، وهذا من أكبر مضارِّ التقليد؛ شعور الْمُقلِّد بضعفه ودُونيَّته ونقصه، مع شعوره بكمال الْمُقلَّد وعظمته.
11. وَمَنْ يَبْتَغِ الْإِسْلَامَ دِينًا يَكُنْ لَهُ = نَصِيبٌ مِنَ الدَّارَيْنِ يَبْقَى
وَلَا يَفْنَى وَمَنْ يَبْتَغِ الدُّنْيَا مَصِيرَ مَآلِهِ = فَقَدْ خَسِرَتْ يُمْنَاهُ إِنْ طَفَّفَ الْوَزْنَا
لَنَا قِبْلَةٌ نُحْيِي ذُرَاهَا وَنَتَّقِي = حِمَاهَا وَنَهْوَى دُونَهَا الضَّرْبَ وَالطَّعْنَا
المراجع
- رواه مسلم (4988): عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ».
- روى أحمد (17787)، والبخاريُّ في "التاريخ الكبير" (9/61)، وحسَّنه الألبانيُّ في صحيح الجامع (7692): عن أبي عِنَبةَ الخَوْلانِّي قال: سمعتُ النبيَّ ﷺ يقول: «لا يزال الله يغرس في هذا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِيهِ بِطَاعَتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
- روى أحمد في "المسند" (27224)، والترمذيُّ (2167)، وصحَّحه الألباتيُّ دون «ومن شذ»: عن ابن عمرَ أن رسول الله ﷺ قال: «إن الله لا يجمع أمتي - أو قال: أمة محمد r - على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ إلى النار».
1- تَعَرَّف على الله في الرخاء يَعْرِفْكَ في الشدَّة.
2- مَنْ كان مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بمَنْ قد مات؛ فإنَّ الفتنةَ لا تُؤْمَنُ على حَيٍّ.
3- كان النبيُّ ﷺ يَتَعَوَّذُ من الفتن؛ يَقُولُ ﷺ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، ومِنْ عَذَابِ النَّارِ، ومِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا والْمَمَاتِ، ومِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ»[1]
4- كان النبيُّ ﷺ يُكْثِرُ من قول: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»[2]
5- سَارِعْ بالأعمالِ الصَّالِحَةِ قبل أن يطرأ ما يَشغَلك من فتنة أو مرض أو موت.
6- سَلِ اللَّهَ الهدايةَ إلى الحقِّ، والثباتَ عليه.
7- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ:
«اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ»
[3]
8- قال الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ: "خمسٌ من علامات الشَّقاوة: القَسْوَةُ في القلب، وجُمود العَيْن، وقِلَّةُ الحياء، والرغبة في الدُّنيا، وطولُ الأمل" [4]
9- طولُ الأَمَلِ غُرورٌ وخِداعٌ؛ إذ لا ساعةَ من ساعاتِ العُمر إلا ويمكِن فيها انقضاءُ الأَجَل، فلا معنى لطُول الأمل المورِّثِ قسوةَ القلبِ، وتسليط الشيطان، وربما جرَّ إلى الطغيان[5]
10- يَعِيش الإنسانُ في هذه الدنيا عُمُرًا قصيرًا يَمُرُّ كالبَرقِ الخاطفِ في ظلام الليل، ولأن الأعمار قصيرةٌ؛ لا بُدَّ من عِمَارتِها بما يعودُ نفعُه على الإنسان في الدنيا والآخرة، ولا سبيلَ إلى ذلك إلا بتفريغِ القلب من حبِّ الدنيا، والتَّخَلُّصِ من طول الأمل.
11- لا سبيلَ للنجاة من الفِتَنِ إلا بالاعتصامِ بالله تعالى، وسُنَّةِ رسوله ﷺ.
12- اغتنم الفرصة، واجتهد في أعمال الخير والبرِّ عند التمكُّن منها، قبل هجوم الموانع.
13- ليَحذَرِ المؤمنُ، وليبادر الكَيِّس بالعمل الصالح، ولْيُسابقِ الزمن بفعل الحسنات قبل أن يَفُوت الأوان، فيكون حالُه كما قال الله تعالى عن المفرِّط في جَنْبِ الله:
( أَن تَقُولَ نَفۡسٞ يَٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنۢبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّٰخِرِينَ)
[الزمر: 56]
أو يقول: لو أن لي عُمُرًا لَأكوننَّ من العاملين، أو يقول: لولا أخَّرني ربِّي إلى أجل قريب فأصَّدَّق وأَكُنْ من الصالحين. والله تعالى يقول:
( وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِذَا جَآءَ أَجَلُهَاۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ)
[المنافقون: 11].
14- ينبغي للمؤمن أن يبادر بالأعمال الصالحة، وفعل الحسنات ما وَجَد إلى ذلك سبيلاً، قبل فوات أوانها، فيحقُّ عليه النَّدَم، ولاتَ حينَ مَنْدَمٍ!
15- متى صحَّت التقوى، رأيتَ كلَّ خير، والمتَّقي لا يُرائي الخَلق، ولا يتعرَّض لما يؤذي دينه، ومن حفظ حدود الله حفظه الله[6]
16- يدوم طيب القلب بدوام التقوى[7]
17- اغْتَنِمْ فِي الْفَرَاغِ فَضْلَ رُكُوعٍ = فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مَوْتُكَ بَغْتَةْ
كَمْ صَحِيحٍ قد مَاتَ مِنْ غَيْرِ سُقْمٍ = ذَهَبَتْ نَفْسُهُ الصَّحِيحَةُ فَلْتَةْ
18- مَضَى أَمْسُكَ الْمَاضِي شَهِيدًا مُعَدَّلًا = وَأَعْقَبَهُ يَوْمٌ عَلَيْكَ جَدِيدُ
فَإِنْ كُنْتَ بِالْأَمْسِ اقْتَرَفْتَ إِسَاءَةً = فَثَنِّ بِإِحْسَانٍ وَأَنْتَ حَمِيدُ
فَيَوْمُكُ إِنْ أَعْقَبْتَهُ عَادَ نَفْعُهُ = عَلَيْكَ وَمَاضِي الْأَمْسِ لَيْسَ يَعُودُ
وَلَا تُرْجِ فِعْلَ الْخَيْرِ يَوْمًا إِلَى غَدٍ = لَعَلَّ غَدًا يَأْتِي وَأَنْتَ فَقِيدُ
19- مِلَاكُ الأَمْرِ تَقْوَى اللهِ فَاجْعَلْ = تُـَقَاهُ عُدَّةٌ لِـَصلاحِ أَمْرِكْوَبَـادِرْ نَحْوَ طَاعَتِهِ بِعَزْمٍ = فَمَا تَدْرِي مَتَى يَمْضِي بِعُمْرِكْ
20- حَنانَيْكَ بادِرْهَا بخيرٍ فإنَّما = على الآلةِ الحدْبَا سريعًا سَتُحْمَلُإذا كنتَ قد أيقَنْتَ بالموتِ والفَنَا = وبالبعثِ عمَّا بعدَه كيفَ تَغْفُلُ؟!
أيَصْلُحُ إِهمالُ الْمَعادِ لِمُنْصِفٍ = ويَنْسَى مَقامَ الحشرِ من كان يَعقِلُ؟!
21- فَإِنْ رُمْتَ أن تَحْظى بنَيْل سعادةٍ = وَتُعْطى مَقَامَ السالكينَ الأَمَاجِدِ
فَبَادِرْ بِتَقْوَى اللهِ واسْلُكْ سبيلَها = ولا تَتَّبِعْ غَيَّ الرَّجيم الْمُعَانِدِ
وَإِيَّاكَ دُنْيا لا يَدُومُ نَعِيمُهَا = وَإِنَّكَ صَاحِ لَسْتَ فِيْهَا بِخَالِدِ
تَمَسَّكْ بِشَرْعِ اللهِ وَالْزَمْ كِتَابَهُ = وَبِالعِلْمِ فاعْمَلْ تَحْوِ كُلَّ الْمَحَامِدِ
22- فَبادِرْ إِذَا ما دَامَ في العُمْرِ فُسْحَةٌ = وَعَدْلُكَ مقْبُولٌ وصَرفُكَ قَيِّمُ
وَجُدَّ وَسَارِعْ واغْتَنِمْ زَمنَ الصِّبَا = ففي زَمَنِ الإمْكَانِ تَسْعَى وَتَغْنَمُ
وَسِرْ مُسْرِعًا فالموتُ خَلْفَكَ مُسْرِعًا = وَهَيْهَاتَ مَا مِنْهُ مَفَرٌّ وَمَهْزَمُ
المراجع
- رواه البخاريُّ (1311).
- رواه أحمد (12107)، والترمذيُّ (2140)، وابن ماجه (3834)، وصححه الألبانيُّ في "صحيح الجامع" (4801).
- رواه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (7846)، وقال: هذا حديث صحيحٌ على شرط الشَّيخَين ولم يُخَرِّجاه، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (3355).
- رواه البيهقيُّ في "شعب الإيمان" (10/182)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (48/416).
- "فيض القدير" للمناويِّ (5/417).
- "صيد الخاطر" لابن الجوزيِّ (ص: 509).
- "صيد الخاطر" لابن الجوزيِّ (ص: 410).