31 - من أنواعِ القَدَرِ السَّابق

عن عبدِ الله بنِ مسعودٍ قال: حدَّثنا رسولُ الله ﷺ- وهو الصادقُ المصدوقُ -: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ، وَأَجَلُهُ، وَرِزْقُهُ، وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَيَدْخُلُ الجَنَّةَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَاإلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُ النَّارَ» متفق عليه

هدايات الحديث

1.لو أمعنَّا النظر في هذا الحديث كلِّه من أوَّله إلى آخره، لوجدناه متضمِّنًا لعلوم الشريعة كلِّها، ظاهرِها وباطنها؛ فهو جامع لجميع أحوال الشخص؛ إذ فيه بيان حال مبدئه، وهو خَلْقُه، وحال مَعاده، وهو السعادة أو الشقاء، وما بينهما وهو الأجل، وما يتصرَّف فيه وهو الرزق.

2.لا يغترُّ المرء بطاعته مهما بلغت، ولو كانت بعدد الأنفاس؛ فذلك محض فضلٍ ومِنَّة من الله تعالى على عبده، تستوجب أن يكون عبدًا شكورًا.

3.عناية الله تعالى بالخَلق، حيث وكَّل بهم وهم في بطون أمهاتهم ملائكةً يَعتَنون بهم، ووكَّل بهم ملائكةً إذا خرَجوا إلى الدنيا، وملائكةً إذا ماتوا، كل هذا دليلٌ على عناية الله تعالى بنا.

4.ظاهر الأعمال من الحسنات والسيئات أمارات، وليس بموجِبات، وأن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء[1]

5.الثواب والعقاب راجعٌ إلى أمر الخاتمة، وأن التوبة تُكفِّر الذنوب، وأن مَن مات على شيء حُكِم عليه به من خير أو شرٍّ، إلا ما عفا الله عنه من السيئات، وسمح فيه لأهل الإيمان من التبِعات[2]

6.على المسلم أن يتفكَّر في هذا الحديث الذي يُعلِمه بحقيقة الخلق والحياة، والموت والقدر، فيَقَرُّ في قلبه الشعور بالخوف من سوء الخاتمة، فيحذر الاستهانة بالذنوب والمعاصي، ولا يغترَّ بأعماله الصالحة، ويسأل الله الثبات.

7.لا يُقبِل عبدٌ على الله بصدق وإخلاص، ويعمل بعمل أهل الجنة، إلا وجد عند الله الخير والمثوبة، لا يخذله الله أبدًا؛ فالله تعالى أكرم من عبده.

8.قال عليُّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: "إياكم والاستنانَ بالرجال؛ فإن الرجُل يعمل بعمل أهل الجنة ثم ينقلب - لعِلم الله فيه - فيعمل بعمل أهل النار، فيموت وهو من أهل النار، وإن الرجُل ليعمل بعمل أهل النار، فينقلب - لعِلم الله فيه - فيعمل بعمل أهل الجنة، فيموت وهو من أهل الجنة، فإن كنتم لا بُدَّ فاعلين، فبالأموات لا بالأحياء"[3]

9.كان سفيان الثورُّي رضي الله عنه يَبكي ويقول: "أخاف أن أكون في أمِّ الكتاب شقيًّا"، ويقول: "أخاف أن أُسلَب الإيمانَ بعد الموت"[4]

10. كان مالك بن دينار يقوم طولَ ليله قابضًا على لحيته ويقول: "يا ربِّ، قد علمتَ ساكن الجنة من ساكن النار، ففي أيِّ الدارين منزلُ مالك؟"[5]

11. قال ابن أبي جمْرةَ: هذه التي قطعت أعناق الرجال مع ما هم فيه من حُسن الحال؛ لأنهم لا يَدرون بماذا يُختَم لهم[6]

12. عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله ﷺ يُكثر أن يقول: «يا مُقَلِّبَ القلوب ثَبِّتْ قلبي على دينك»[7]

13. للهِ فـي الآفَـاِق آيَـاتٌ لَعَلْ = لَ أَقَلَّهَـا هُـَو مَـا إِلَيْهِ هَدَاكَ

وَلَعَلَّ مَا في النَّفْسِ مِـْن آيَاتِهِ = عَجَبٌ عُجَابٌ لَـْو تَـَرى عَيْنَـاكَ

وَالْكَـوْنُ مَشْحُـونٌ بِأَسْرَارٍ إِذَا = حَاوَلْـتَ تَفْسِيـرًا لَهَـا أَعْيَـاكَ

قُلْ لِلْجَنِينِ يَعِيشُ مَعْـُزولاً بِلا = رَاعٍ وَمَرْعَى مَا الَّـذِي يَرْعَـاكَ؟

14. فَيا عَجَبًا كَيفَ يُعصى الإِلَـ = ـهُ أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الجاحِدُ

وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ = تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ

وَلِلَّهِ في كُلِّ تَحْرِيكَةٍ = وَتَسْكِينَةٍ أَبَدًا شَاهِدُ

المراجع

  1. "أعلام الحديث (شرح صحيح البخاريِّ)" للخطَّابيِّ (2/ 1483).
  2.  "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (8/ 128).
  3.  "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم (2/ 135).
  4. "شرح الأربعين النووية" لابن رجب (ص: 47).
  5. "شرح الأربعين النووية" لابن رجب (ص: 47).
  6. "فتح الباري" لابن حجر (11/ 488).
  7.  رواه الترمذيُّ (2140)، وابن ماجهْ (3834)، وقال الترمذيُّ: حديث حسن، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح سنن الترمذيِّ" (2140).


مشاريع الأحاديث الكلية