عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضى الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ».

هدايات الحديث


  1. عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضى الله عنه، قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ ﷺ:

    «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ»

    [1].

  2. إذا عرفتَ أنه لا يَنفَعك يوم القيامة شيءٌ إلا الأعمالَ الصالحة، وأن أمامَك النارَ، فاجعل الصَّدَقة جُنَّةً بينك وبينها، ولو بشقِّ تمرة.

  3. لا تَرُدَّ السائل وإن كنتَ لا تَملِك شيئًا إلا بكلمة تطيِّبه، وتَجبُر خاطره؛ فالكَلِمةُ الطيِّبة صَدَقة، ولربَّما كانت هذه الكلمة سببًا لنجاتك من النار.

  4. الكلمةُ الطيِّبة تَشمَل: التسبيحَ، والتهليلَ، والتكبيرَ، وذِكْرَ الله عمومًا، وأفضلُ الذكر: قراءةُ القرآن، وتَشمَل كذلك: الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن الْمُنكَر، وتعلُّم العلم وتعليمه، وتَشمَل كذلك: كلَّ ما يتقرَّب به الإنسان إلى ربِّه من القول؛ كنصيحة، أو كلمة حقٍّ، أو جبر خاطر، أو غير ذلك من طيِّب الأقوال.

  5. إذا كانت الكلمة الطيبة يُتَّقى بها النار، فالكلمة الخبيثة يُستوجَب بها النار[2].

  6. إن العبد إذا اعترف بذنبه وتاب، تاب الله عليه.

  7. من أراد الله به خيرًا، فتح له باب الذُّلِّ والانكسار، ودَوَام اللجوء إلى الله تعالى، والافتقار إليه، ورؤية عيوب نفسه، وجهلها، وعُدْوانها، ومشاهدة فضل ربِّه، وإحسانه، ورحمته، وجُوده، وبِرِّه، وغناه، وحمده[3]. 

  8. رُبّ طاعة أورثت عِزًّا واستكبارا، ورُبَّ معصية أورثت ذلًّا واستغفارا.

  9. أقبحُ من الذنب الإصرار عليه.

  10. العِزُّ كلُّ العزِّ في طاعة الله وعبادته.

  11. المعاصي والذنوب تُعمي بصائرَ القلوب، فلا يُدرِك الحقَّ كما ينبغي، وتُضعِف قوَّتَه وعزيمتَه، فلا يصبر عليه؛ بل قد يتوارد على القلب حتى ينعكس إدراكه كما ينعكس سيره، فيُدرك الباطلَ حقًّا، والحقَّ باطلًا، والمعروفَ منكرًا، والمنكر معروفًا، فينتكس في سيره[4].

  12. على المسلم أن يُبادر بالتوبة والاستغفار والمسارعة في الصالحات؛ فاللهُ واسعُ الــمغفرة، يبسُط يده باللَّيل ليتوبَ مُسيءُ النهار، ويَبسُط يده بالنهار ليتوب مُسيءُ الليل، ويغفرُ جميع الذُّنوب ولا يُبالي.

  13. من تمام توفيق الله للعبد محاسبتُه لنفسه على الدوام.

  14. تصدَّق بالقليل؛ فهو عند الله كثير.

  15. قال علىُّ بنُ أبى طالب رضى الله عنه: "إن الدنيا قد ترحَّلت مدبِرةً، وإن الآخرة قد ترحَّلت مقبِلةً، ولكلٍّ منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عملٌ ولا حساب، وغدًا حسابٌ ولا عمل"[5].

  16. المؤمن في الدّنيا مهموم حزين، همُّه مرمَّة جهازه. ومن كان في الدّنيا كذلك، فلا همَّ له إلّا في التّزوُّد بما ينفعه عند عوده إلى وطنه، فلا ينافس أهل البلد الذي هو غريب بينهم في عزِّهم، ولا يجزع من الذُّلِّ عندهم[6].

  17. قال بعضُ الحُكماء: عجبتُ ممّن الدّنيا مولِّية عنه، والآخرة مُقبِلة إليه، يَشغَل بالْمُدبِرة، ويُعرِض عن الْمُقبِلة[7].

  18. طولُ الأَمَلِ غُرورٌ وخِداعٌ؛ إذ لا ساعةَ من ساعاتِ العُمر إلا ويمكِن فيها انقضاءُ الأَجَل، فلا معنى لطُول الأمل المورِّثِ قسوةَ القلبِ، وتسليط الشيطان، وربما جرَّ إلى الطغيان[8].

  19. قال عمرُ بنُ عبد العزيز: إنّ الدّنيا ليست بدار قَراركم، كَتَب اللّه عليها الفَنَاء، وكتب اللّه على أهلها منها الظَّعْنَ، فكم من عامِر موثَقٍ عن قليل يَخْرَبُ، وكم من مُقيم مغتبِط عمّا قليلٍ يَظعَن! فأحسنوا - رحمكم اللّه - منها الرّحلة بأحسنِ ما بحضرتكم من النُّقْلة، وتزوَّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى[9].

  20. كل إنسان مأخوذٌ بما يعمَل، فلْيحرِص على ما يُنْجيه في الدنيا والآخرة.

  21. سَبِيلُكَ فِي الدُّنْيَا سَبِيلُ مُسَافِرٍ = وَلَا بُدَّ مِنْ زَادٍ لِكُلِّ مُسَافِرِ

  22. مَا لِلْعِبَادِ عَلَيْهِ حَقٌّ وَاجِبٌ = كَلَّا وَلا سَعْيٌ لَدَيْهِ ضَائِعُ

إِنْ عُذِّبُوا فَبعَدْلِهِ أَوْ نُعِّمُوا = فَبِفَضْلِهِ وَهْوُ الكَرِيمُ الوَاسِعُ

23. استثمِرِ الخَيْرَ في دُنياكَ واجتهِدِ = ولا تُبَالِ بداعي الشرِّ والحسَدِ

واعْمَلْ ليومٍ جميعُ الناس تَرقُبُه = فيه القضاءُ قضاءُ الواحدِ الأحدِ

أفعالُكَ اليومَ تحكي أيَّ منزلةٍ = رَوْضُ الجنانِ أمِ النيرانُ في اللَّحَدِ

24. إِنَّا لَنَفْرَحُ بِالْأَيَّامِ نَقْطَعُهَا = وَكُلُّ يَوْمٍ مَضَى يُدْنِي مِنَ الْأَجَلِ

فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ الْمَوْتِ مُجْتَهِدًا = فَإِنَّمَا الرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ فِي الْعَمَلِ

25. نَلْهُو ونَأْمُل آمَالاً نُسَرُّ بها = شَرِيعةُ الموتِ تَطْوِينا وتَطْوِيها

فاغْرِسَ أُصُولَ التُّقَى ما دُمْتَ مُقْتَدِرًا = واعلَمْ بأنَّكَ بعدَ الموتِ لاقِيها

تَجْنِي الثِّمَارَ غَدًا في دارِ مَكْرُمةٍ = لا مَنَّ فيها ولا التَّكْدِيرُ يأتيها

26. ولا تعجلْ على أحدٍ بظُلْمٍ = فإنَّ الظُّلْمَ مرتعُه وخيمُ

أمَا واللَّهِ إنَّ الظُّلمَ لُؤْمٌ = ولكنَّ المسيءَ هو الظَّلُومُ

إلى ديَّانِ يومِ الدِّينِ نمضي = وعندَ اللهِ تَجتَمِعُ الخُصومُ

27. يا ربِّ إنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِي كَثْرَةً = فلقد عَلِمْتُ بِأَنَّ عفوَكَ أَعْظَمُ

إِنْ كَانَ لا يَرْجُوكَ إِلَّا مُحْسِنٌ = فَمَن الذي يَدْعُو ويَرْجُو المجرِمُ؟!

أَدْعُوكَ رَبِّ كما أمرتَ تَضَرُّعًا = فَإِذَا رَدَدْتَ يَدِي فمن ذا يَرْحَمُ؟!

مَا لِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ إِلَّا الرَّجَا = وَجَمِيلُ عَفْوِكَ ثُمَّ إِنِّي مُسْلِمُ

المراجع

  1. رواه مسلم (2626).
  2. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطال (3/ 414).
  3. "الوابل الصيب من الكلم الطيب" لابن القيم (ص: 7).
  4. "الجواب الكافي" لابن القيم (93-94).
  5. "إغاثة اللهفان" لابن القيم (1/ 71).
  6. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 378، 379).
  7. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 378).
  8. "فيض القدير" للمناويِّ (5/417).
  9. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 378).


مشاريع الأحاديث الكلية