عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضى الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ».

فقه

  1. يخبر النبيُّ ﷺ أنَّه ما من أحدٍ إلا وسيقف بين يدي ربه، يحاسبه على ما عمل، يُكَلِّمه من غير وسيط أو مترجمٍ، بل يأتيه فردًا ليس معه من يشفع له أو يُدافع عنه

    ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾

    [الأنعام: 94].

  2. فإذا وقف العبد بين يدي ربِّه لم يجد نصيرًا أو شفيعًا إلا عمله؛ يبحث من حوله عمَّن ينجيه من هول العذاب ومناقشة الحِساب؛ فإنَّ «مَن نُوقِش الحِسابَ هَلَك»[1]، فينظر عن يمينه وعن شماله فلا يرى إلا عمله، ثم يَنظُر أمامه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه. والسبب في ذلك: أن النار تكون في ممرِّه فلا يمكِنُه أن يَحِيد عنها؛ إذ لا بدَّ له من المرور على الصراط [2].

  3. وإذا كان هذا حالَ العبدِ يوم القيامة، فالأَوْلى به أن يَحذَر النار، ويرجو النجاةَ منها، فلا يُقْدِم إلَّا على صالح الأعمال وأفضلِها، وأن يحرص على التقرُّب إلى الله في كلِّ وقت وحين، وأن لا يستقِلَّ شيئًا من الطاعات، ومن تلك الأعمال اليسيرة التصدق بما يطيقه الإنسان، ولو كان ذلك نصفَ تمرة.

  4. وإن كنتَ لا تَملِك شيئًا تتصدقُ به، فحسبك بالكلمة الطيبة في مرضات الله، فربَّما كانت سببًا لنجاتك من النار. 

اتباع: 

  1. تذكر أنك واقف بين يدي الله تعالى لوحدك، ليس معك أحدٌ من أهلك أو أصدقائك، ولا يصحبك نسب ولا مال ولا منصب، فتجهز لذلك المقام

﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾

[الرحمن: 46].

2. لا تحتقر شيئاً من العمل؛ سواءً كان عملًا صالحًا أو فاسدًا؛ فإنَّ أعظم الجبال تكونت من تراكم الحصى وحبَّات الرمل

﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾

[الزلزلة: 6، 7].

3. من أعظم الأعمال التي تُبعد العبدَ عن النَّار: الصدقةُ، ولهذا أمر بها ﷺ في الحديث

ولهذا قال سبحانه:

﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾

[المنافقون: 10].

4. لا تؤجل أن تعطي المسكين كأس ماء، أو تسبَّح بتسبيحة، أو تقرأ ولو آية، ولا تقل: أجهز نفسي ليكون أكثر، فالآفات تعرض: جَاءَ سَائِلٌ إِلَى بَابِ عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَقَالَتْ لِجَارِيَتِهَا: "أَطْعِمِيهِ"، فَذَهَبَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ، فَقَالَتْ لَهَا: مَا وَجَدْتُ شَيْئًا أُطْعِمُهُ، قَالَتْ: "ارْجِعِي فَابْتَغِي لَهُ"، فَرَجَعَتْ فَوَجَدتْ تَمْرَةً فَأَتَتْ بِهَا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: "أَعْطِيهِ إِيَّاهَا؛ فَإِنَّ فِيهَا مَثَاقِيلَ ذَرَّةٍ إِنْ تُقُبِّلَتْ"[3].

5. ما أكثر الأعمال الصالحة التي توازي شق تمرة أو تزيد عليها، كإسعاد الوالدين والأهل بحديثٍ أو خدمة، وحملك لمتاع كبير سن أو ضعيف، وكسوتك اللباس لمسكين، ورعايتك لأرملة أو يتيم، قَالَ النَّبِيُّ : «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ»[4].

6. اللسانُ إما أن يُورد العبدَ إلى جنات الخلد، وإما أن يسوقه إلى نار جهنم والعياذ بالله، فمصير الإنسان مرهون بلسانه إما أن يكون سبب نجاته أو هلاكه. 

7. اجلس مع أهلك وطلابك ، وتفكروا في الأعمال الصالحة التي تستطيعون عملها بلا مشقة، ليحفز بعضكم بعضًا عليها.

8. قال الشاعر:

استثمِرِ الخَيْرَ في دُنياكَ واجتهِدِ = ولا تُبَالِ بداعي الشرِّ والحسَدِ

واعْمَلْ ليومٍ جميعُ الناس تَرقُبُه = فيه القضاءُ قضاءُ الواحدِ الأحدِ

أفعالُكَ اليومَ تحكي أيَّ منزلةٍ = رَوْضُ الجنانِ أمِ النيرانُ في اللَّحَدِ

المراجع

  1. البخاري (4939)، ومسلم (2876).
  2. "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر (11/ 404).
  3. البيهقيُّ في "شعب الإيمان" (3190).
  4. مسلم (2626).


مشاريع الأحاديث الكلية