إن جريمة قتل المؤمن، ليست مجرَّد قتل بغير حقٍّ لنفس فحسبُ؛ ولكنها كذلك جريمة قتل للوشيجة العزيزة والرابطة الوُثقى التي أنشأها الله بين المسلم والمسلم، إنها تنكُّر للإيمان ذاته، وللعقيدة نفسها.
عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله ﷺ:
«أيُّها الناسُ، إن اللهَ طيِّبٌ لا يَقبَل إلا طَيِّبًا، وإن اللهَ أمَر المؤمنين بما أمر به المرسَلين، فقال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُوا مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعْمَلُوا صَٰلِحًا ۖ إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون: 51]، وقال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٰكُمْ﴾ [البقرة: 172]، ثم ذكَر الرجُل يُطِيل السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السماء: يا ربِّ، يا ربِّ، ومطعمُه حرامٌ، ومشرَبُه حرامٌ، ومَلبسُه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك؟!»
قَالَ وَهْبُ بْنُ الْوَرْدِ رحمه الله: "لو قمتَ مَقامَ هذه السّارية، لم ينفعْكَ شيء حتّى تَنظُر ما يَدخُل بطنَك حلال أو حرام" [2].
سُئل أحمدُ بنُ حنبلٍ رحمه الله: بمَ تَلين القلوب؟ ثم أطرَقَ ساعة، ثم رفع رأسه، فقال: بأكل الحلال [3].
قال وَهْب بن مُنبِّه رحمه الله: "مَن سرَّه أن يَستَجيب الله دعوتَه، فلْيُطِبْ مطعمَه [4].
«الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ»
أوصى النبيُّ ﷺ بالإحسان إلى الزوجة وإكرامها؛ بل جعل خير الناس من يُحسِن إلى أهله وأخبر أنه ﷺ خيرهم:
«خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي»
من أجمل ما ذكره النبيُّ ﷺ في شأن الإحسان إلى الزوجة: أن إطعام الزوج لزوجته، ووضعَ اللُّقمة في فِيها، له في ذلك أجر، فقال: «وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ» [7].
"كانت سيرتُه ﷺ مع أزواجه حُسنَ المعاشرة، وحُسن الخُلق، وكان يسرِّب إلى عائشة بناتِ الأنصار يلعبن معها، وكان إذا هَوِيت شيئًا لا محذورَ فيه، تابعها عليه، وكانت إذا شربت من الإناء، أخذه فوضع فمَه في موضع فَمِها وشَرِب، وكان إذا تعرَّقت عَرْقًا - وهو العظمُ الذي عليه لحم - أخذه فوضع فمه موضع فمها، وكان يتَّكِئ في حِجرها، ويقرأ القرآن ورأسُه في حِجرها، وربما كانت حائضًا" [8].
"كان من لُطفه ﷺ وحُسن خُلقه مع أهله أنه يمكِّن زوجه عائشة رضي الله عنها من اللَّعِب، ويُريها الحبشة وهم يلعبون في مسجده، وهي متَّكِئة على مَنكِبَيه تنظر، وسابَقَها في السَّفَر على الأقدام مرتين، وتدافعا في خروجهما من المنزل مرَّةً، وكان إذا أراد سَفَرًا أقرع بين نسائه، فأيَّتُهن خرج سَهْمُها خرج بها معه، ولم يقضِ للبواقي شيئًا" [9].
عَنْ عثمانَ بنِ عفَّانَ رضي الله عنه، عن النبيِّ ﷺ قال:
«خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ»
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وَارْتَقِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا»
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
«الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ»
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
«إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ خَلْقِهِ» قَالُوا: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ»
عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
«... وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ...»
أي: تَنْتَفِعُ به إِنْ تَلَوْتَه وَعَمِلْتَ به، وإِلَّا فهو حُجَّةٌ عليك.
«كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ، دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ»
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ:
«اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ»
إن القرآن الكريم هو أصلُ العلم، ومَنبَع العلم، وكلُّ العلم،
﴿يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُوا ٱلْعِلْمَ دَرَجَٰتٍۢ ۚ﴾
أما في الآخرة فيَرفَع الله به أقوامًا في جنات النعيم، ويُقال للقارئ: اقرأ ورتِّل واصعد، وله إلى منتهى قراءته صعود في الجنة إن شاء الله [17].
«إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ»
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾
في القرآن شفاء، وفي القرآن رحمة، لمن خالطت قلوبَهم بشاشةُ الإيمان، فأشرقت وتفتَّحت لتَلقى ما في القرآن من روح وطمأنينة وأمان.
القرآن رحمة للمؤمنين؛ ففي القرآن شفاء من الوسوسة والقلق والحَيرة؛ فهو يصل القلب بالله، فيَسكُن ويطمئنُّ ويستشعر الحماية والأمن، ويرضى فيَنعَم بالرضى من الله، والرضى عن الحياة، والقلقُ مَرَضٌ، والحَيرة نَصَبٌ وتَعَب، والوسوسة داءٌ.
القرآن رحمة للمؤمنين؛ ففي القرآن شفاء من الهوى والدَّنَس والطمع والحسد ونَزَغات الشيطان، وهي من آفات القلب تُصيبه بالمرض والضعف والتَّعَب، وتدفع به إلى التحطُّم والبلى والانهيار.
القرآن رحمة للمؤمنين؛ ففي القرآن شفاء من الاختلال في الشعور والتفكير؛ فهو يَعصِم العقل من الشَّطط، ويُطلق له الحرية في مجالاته المثمِرة، ويكفُّه عن إنفاق طاقته فيما لا يُجدي، ويأخذه بمنهج سليم منضبِط، يجعل نشاطَه منتِجًا ومأمونًا، ويَعصِمه من الشَّطط والزَّلل.
القرآن رحمة للمؤمنين؛ ففي القرآن شفاء من العلل الاجتماعية التي تُخَلخِل بناء الجماعات، وتذهب بسلامتها وأمنها وطمأنينتها، فتعيش الجماعة في ظلِّ نظامه الاجتماعيِّ وعدالته الشاملة في سلامة وأمن وطمأنينة.
رَأَيْتُ حَلالَ الْمَالِ خَيْرَ مَغَبَّةٍ = وَأجْدَرَ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْحَدَثَانِ
وَإِيَّاكَ وَالْمَالَ الْحَرَامَ فَإِنَّهُ = وَبَالٌ إِذَا مَا قُدِّمَ الْكَفَنَانِ
26. لا ترغبنْ في كثير المال تَكنِزُه = من الحرام فلا يُنْمَى وإن كثُرا
27. واطلبْ حلالًا وإن قلَّت فواضلُه = إن الحلال زكيٌّ حيثما ذُكِرا
28. اقْرَأْ كِتَابَ اللهِ وَافْهَمْ حُكْمَهُ = تُدْرِكْ عَطَاءَ اللهِ فِي إِحْسَانِ
فَهُوَ الخِطَابُ لِكُلِّ عَقْلٍ نَابِهٍ = وَهُوَ الضِّيَاءُ بِنُورِهِ الرَّبَّانِي
يَهْدِي إِلَى الخَيْرِ العَمِيمِ وَإِنَّهُ = أَمْنُ القُلُوبِ وَرَاحَةُ الأَبْدَانِ
قَدْ أَنْزَلَ القُرْآنَ رَبٌّ حَافِظٌ = لِيُعَلِّمَ الإِنْسَانَ خَيْرَ بَيَانِ
إنا بنو القُرآنِ والدِّينِ الذي = صَدَعَ الشُّكوكَ وجاء بالتِّبْيانِ
ضاعت حقوق العالمين فَرَدَّها = وأقامَها بالقِسْطِ والْمِيزان
ظَلَم العزيزُ فهدَّه وأَهَانَه = وحَمى الذَّلِيلَ فبَاتَ غيرَ مُهانِ
29. نَوِّرْ جَبِينَكَ فـي هُـدى الْقُـرآنِ = وَاقطِفْ حصادَك بعد طول نِضالِ
واسْلُكْ دُرُوبَ العارفيـنَ بهِمَّةٍ = والْـَزمْ كتـابَ الله غيـرَ مبـالِ
فهُوَ الْمُعِينُ عَلَى الشَّدَائـدِ وَطْـأةً = وهُوَ الْمُهَيْمِنُ فَوْقَ كلِّ مَجَـالِ
وَهُوَ الشَّفِيعُ عَلَى الخلائقِ شاهـدٌ = في مَوْقِفٍ يُنْجِي مِنَ الأَهوالِ
30. ولوْ كانَ النّساءُ كمَنْ فَقَدْنا = لفُضّلَتِ النّساءُ على الرّجالِ
فما التأنيثُ لاسمِ الشّمسِ عَيبٌ = ولا التّذكيرُ فَخْرٌ للهِلالِ
31. أُنزِلَ القرآنُ نورًا وهُدَى = في بيانٍ بالغٍ أقصى الْمَدَى
يتَوَالَى الصَّوْتُ منه والصَّدَى: = إن هذا الكَوْنَ لم يُخلَقْ سُدَى
فاسْتَفِيقِي يا ظُنونَ الجُهَلاءْ
1. رواه مسلم (1015).
2. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 263).
3. "مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزيِّ (ص 269).
4. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 275).
5. رواه مسلم (1467).
6. رواه ابن ماجه (1977)، والترمذيُّ (3895) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1924).
7. رواه البخاريُّ (1295)، ومسلم (1628).
8. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (1/ 146).
9. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (1/ 146).
10. رواه البخاريُّ (5027).
11. رواه أحمد (6799)، وأبو داود (1464)، والترمذيُّ (2914)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال الألبانيُّ في "صحيح أبي داود" (1317): "إسناده حسن صحيح، وصحَّحه ابن حبان والحاكم والذهبيُّ".
12. رواه مسلم (244).
13. رواه أحمد (12279)، والنسائيُّ (7977)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1432).
14. رواه مسلم (223).
15. رواه مسلم (2564).
16. رواه البخاريُّ (6857)، ومسلم (89).
17. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (4/ 646، 647).
18. رواه مسلم (817).