الفوائد العلمية
1. في الحديث تشبيه تحريم الدماء والأموال بتحريم يومِ عرفةَ، وذي الحِجَّة، ومكَّةَ؛ لأنهم كانوا يعتقدون أنها محرَّمةٌ أشدَّ التحريم، لا يُستباح منها شيء، وفي تشبيهه هذا مع بيان حُرمة الدماء والأموال تأكيدٌ لحُرمة تلك الأشياء التي شبَّه بتحريمها الدماء والأموال، حيث كانوا يَستبِيحون دماءهم وأموالهم في الجاهلية في غير الأَشهُر الحُرُم، ويحرِّمونها فيها، كأنه قيل: إن دماءكم وأموالكم محرَّمةٌ عليكم أبدًا كحُرمة يومكم وشهركم وبلدكم [1].
2. جريمة قتل المؤمن، ليست مجرَّد قتل نفسٍ بغير حقٍّ فحسبُ؛ ولكنها كذلك جريمة قتل للوَشِيجة العزيزة والرابطة الوُثقى التي أنشأها الله بين المسلم والمسلم، وتنكُّر للإيمان ذاته، وللعقيدة نفسها؛ فالقتلُ وسفك الدماء المعصومة جريمة تَرفَع الأمن، وتَنشُر الخوف، وتَفتِك بالأمَّة وتُضعِفها، وتقطع روابط الإخاء بينها. لذا؛ توعَّد الله فاعلَها قائلًا:
﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمًا﴾
3.
عن الأحنف بن قَيس، عن النَّبيِّ ﷺ:
«إذا الْتَقى المسلِمانِ بسَيفَيهما فالقاتلُ والمقتولُ في النار»، فقلتُ: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بالُ المقتول؟ قال: «إنه كان حريصًا على قَتْل صاحبه»
4.
عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله ﷺ يَقُولُ:
«كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى الله أَنْ يَغْفِرَهُ؛ إِلَّا الرَّجُلُ يَقْتُلُ المُؤْمِنَ مُتَعَمِّدًا، أَوْ الرَّجُلُ يَمُوتُ كَافِرًا»
أي: يُرجى أن يَغفِر الله أيَّ ذنب مهما كان كبيرًا، ويُستثنى من مغفرة الذنوب قتلُ المؤمن العمد، والكفرُ بالله تعالى، وإن كان القتلُ في مشيئة الله تعالى، إن شاء غفره.
5.
«كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ؛ دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ»
6. قولُه ﷺ: «من دمائنا»: أراد به أهل الإسلام، لا ذَوي القَرابة منه؛ أي: أبدأ في وضع الدماء التي يستحقُّ أهل الإسلام وِلايتها بأهل بيتي [5].
7. منذ خلق الله الإنسان وهو يقوم بعمارة الأرض، مشاركةً بين الرجل والمرأة، كلٌّ منهما يقوم بدوره؛ فالله - سبحانه وتعالى - خلق الزوجين الذكر والأنثى، وبثَّ منهما رجالًا كثيرًا ونساءً، وجعل بينهما مودَّة ورحمة؛ حتى يعيش الجنس البشريُّ على طهارة ونقاء.
8. المرأة هي عماد الأسرة والمجتمَع، وهي مصنع الحياة، منذ أن ينشأ الجنين في بطنها، وهي التي تصنع الحياة في بيتها، وهي التي تنظّم حياة الأسرة وترتّبها، والرجل له القَوامة؛
﴿وَٱلَّٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾
9. إن الصورة الطبيعية للمجتمع أن تتكوَّن لَبِناته من الأسرة، التي هي عبارة عن أب وأمٍّ وأولاد، لكلٍّ منهم حقوقٌ، وعليه واجبات، وهكذا تسير الحياة منذ بداية الخليقة، فتُعمَّر الأرض وتستمرُّ الحياة عليها.
10.
«لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» أَوْ قَالَ: «غَيْرَهُ»
وقولُهُ: «يَفْرَكْ» معناه: يُبغضُ.
11.
عن عمرو بن الأحوص - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله ﷺ يقول في حَجَّة الوداع:
«أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا؛ فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، أَلا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ، فَلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ»
ومعنى قوله ﷺ: «استوصوا بالنساء»؛ أي: تَوَاصَوْا فيما بينكم بالإحسان إليهن. «عَوَانٌ عِنْدَكُمْ»؛ أي: أسرى في أيديكم.
12.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاء؛ فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ»
والمعنى أن في خُلُقهن عِوَجًا من أصل الخِلقة؛ حيث إنها خُلِقت من أعوجِ أجزاء الضِّلَع، فعِوَجُها شديد في خُلقها وفِكرها، فلا يتهيَّأ الانتفاع بها إلا بالصبر على تعوُّجها، فإن أردتَ منها الاستقامة التامَّة في الخُلق، أدَّى الأمر إلى طلاقها.
13. في الحديث إرشاد المسلم أن يتَّبِع هَدْيَ النبيِّ ﷺ في تعامله ﷺ مع زوجاته أمَّهات المؤمنين، فقد كان ﷺ حَسَنَ العِشْرة للناس جميعًا، ولزوجاته وأهل بيته خاصةً، وكان النبيُّ ﷺ يتعاهد أهله بالتعليم والتوجيه والرعاية والدلالة على الخير.
14. لم يذكُرِ السُّنَّةَ في قوله ﷺ:
«وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ»
لأنَّ القُرْآنَ مُشتملٌ على العملِ بها، فيَلزَمُ مِن العملِ بالكتابِ العملُ بالسُّنَّةِ.
1. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (6/ 1964، 1965).
2. رواه البخاريُّ (31)، ومسلم (2888).
3. رواه النسائيُّ (3984)، وصححه الألبانيُّ في "الصحيحة" (511).
4. رواه مسلم (2564).
5. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (6/ 1965).
6. رواه مسلم (1469).
7. رواه الترمذيُّ (1163)، وابن ماجه (1851)، وقال الترمذيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
8. رواه البخاريُّ (3331)، ومسلم (1468).
الفوائد الفقهية
15. في الحديث إباحةُ ضرب الرّجل امرأتَه للتّأديب، فإنْ ضَرَبها الضَّرْبَ المأذونَ فيه فماتت منه، وجبت دِيَتُها على عاقلة الضَّارب، ووجبت الكفَّارة في ماله [1].
16. في الحديث وجوب نَفَقة الزّوجة وكِسوتها، وذلك ثابتٌ بالإجماع [2].
17. للمرأة حقوق على زوجها، كما أن له حقوقًا عليها؛
﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
والآية تدلُّ على أن للرجل حقًّا زائدًا نَظِيرَ قَوَامته ومسؤوليته في الإنفاق وغيره.
18. أمر الله تعالى في كتابه بالإحسان إلى الزوجة، وإكرامها، ومعاشرتها بالمعروف، حتى عند انتفاء المحبَّة القلبية؛
﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكْرَهُوا شَيْـًٔا وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾
19. إذا تمرَّدت المرأة على زوجها، وعَصَت أمرَه، سَلَك معها طرق الوعظ، أو الهجر في المضجع، أو الضرب، ويُشترَط في الضرب أن يكون غيرَ مبرِّح؛ أي: غير مؤثِّر، بالسِّواك ونحوه؛ فليس الغرَضُ إيذاءَ المرأة ولا إهانتها؛ وإنما إشعارها بأنها مخطئة في حقِّ زوجها، وأن لزوجها الحقَّ في إصلاحها وتقويمها.
20. أكل الربا: هو فضل مال بلا عوض في مُعَاوضَة مال بمال، وهو تعاطيه بالأخذ أو الإعطاء، والأصلُ في معناه الزيادة، يقال: رَبا الشيء إذا زاد، ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى:
﴿يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَوٰا وَيُرْبِى ٱلصَّدَقَٰتِ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾
21. القتلُ مِن أعظم الكبائر، خاصَّةً إذا كان ظُلمًا وعُدوانًا؛
﴿مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفْسًۢا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍۢ فِى ٱلْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحْيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلْبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِى ٱلْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾
22. قال النَّبِيُّ ﷺ:
«اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «... وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وأكل الربا...»
وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ هو إزهاقُ النَّفس المعصومة بالإسلام أو الذمَّة أو العهد أو الأمان، «إلا بالحقِّ»؛ كالقتل قصاصًا أو حدًّا أو رِدَّةً.
المراجع
1. "شرح النوويِّ على مسلم" (8/ 184).
2. "شرح النوويِّ على مسلم" (8/ 184).
3. رواه البخاريُّ (6857)، ومسلم (89).
الفوائد الحديثية
23. ربيعةُ بنُ الحارث صَحِب رسول الله ﷺ، وروى عنه، وكان أسنَّ من العبَّاس، توفِّي في خلافة عمرَ - رضي الله عنه [1].
24. مسند جابر بن عبد الله بلغ ألفًا وخمسمِائة وأربعين حديثًا، اتَّفَق له الشيخانِ على ثمانية وخمسين حديثًا، وانفرد له البخاريُّ بستة وعشرين حديثًا، ومسلمٌ بمائة وستة وعشرين حديثًا [2]
25. قوله ﷺ: «وإنّ أوّل دم أضع دم ابن ربيعة» قال المحقِّقون والجمهور: اسم هذا الابن إياسُ بنُ ربيعةَ بنِ الحارثِ بنِ عبد المطّلب، وقيل: اسمُه حارثة، وقيل: آدم. قال الدَّارَقُطْنيُّ: وهو تصحيف، وقيل: اسمُه تمَّام، وممَّن سمَّاه (آدَم) الزُّبَير بنُ بكَّار. قال القاضي عياض: ورواه بعضُ رُواة مسلم: «دم ربيعة بن الحارث» قال: وكذا رواه أبو داود، قيل: هو وهمٌ، والصواب: (ابن ربيعة)؛ لأنّ ربيعة عاش بعد النّبيِّ ﷺ إلى زمن عمرَ بنِ الخطَّاب، وتأوَّله أبو عُبيد، فقال: (دم ربيعة)؛ لأنّه وَليُّ الدَّم، فنَسَبه إليه. قالوا: وكان هذا الابنُ المقتول طفلًا صغيرًا يحبو بين البُيوت، فأصابه حَجَر في حربٍ كانت بين بني سعد وبني ليثِ بنِ بكر، قاله الزُّبيرُ بنُ بكَّار [3].
1. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (6/ 1965).
2. "سير أعلام النبلاء" للذهبيِّ (3/194).
3. "شرح النوويِّ على مسلم" (8/ 182، 183).
الفوائد التربوية
26. ينبغي على الإمام وغيره ممّن يَأمُر بمعروف أو ينهى عن مُنكَر، أن يبدأ بنفسه وأهلِه؛ فهو أقربُ إلى قَبول قوله، وإلى طِيب نفسِ مَن قَرُب عهدُه بالإسلام.