عن عبدِ الله بنِ مُعاويةَ رضي الله عنه ، قال: قال النبيُّ :«ثلاثٌ مَن فعَلهنَّ فقد طَعِمَ طَعْمَ الإيمانِ:مَن عبَدَ اللهَ وحدَه، وأنه لا إلهَ إلا اللهُ،وأعطى زكاةَ ماله طيِّبةً بها نفْسُهُ، رافدةً عليه كلَّ عام،ولا يُعطي الهَرِمةَ، ولا الدَّرِنةَ، ولا المريضةَ، ولا الشَّرَطَ اللئيمةَ؛ولكنْ مِن وسَطِ أموالكم؛ فإنَّ اللهَ لم يَسألْكم خيرَه، ولم يأمُرْكم بشرِّه»

هدايات الحديث

1- من جَمَع هذه الخصالَ، وحصَّلها، وكانت من صفاته، فتشرَّبتها نفسه، وقرَّت في قلبه وحناياه، وجد حلاوة الإيمان.

2- تَشِعُّ حلاوة الإيمان في نفس المؤمن ومشاعرِه ومَداركه وحواسِّه وتصوُّراته، فيستقيم على الهدى، فيكون كمالُ حبِّه وطاعته لله تعالى، فيبذل من نفسه وماله، ويضحِّي طيِّبةً نفسُه بما يقدِّم؛ طلبًا لرضا الله تعالى.

3- طعم الإيمان يتجلَّى في تشبيه الإيمان بالشجرة،

في قوله تعالى:

﴿ أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا كَلِمَةٗ طَيِّبَةٗ كَشَجَرَةٖ طَيِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتٞ وَفَرۡعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ ﴾ 

[إبراهيم: 24]

؛ فالكلمة هي كلمة الإخلاص، والشجرة أصل الإيمان، وأغصانها اتِّباع الأوامر واجتناب النواهي، وزهرها ما يهمُّ به المؤمن من الخير، وثمرها عمل الطاعات، وحلاوة الثمر جني الشجرة، وغاية كماله تناهي نضج الثمرة، وبه تظهر حلاوتها [1]

4- إن الإنسان الصحيح يدرِك الطعوم على ما هي عليه، والمريض ببعض الأمراض قد يجد طعم العسل مُرًّا؛ فقد نقَص ذوقه بقدْر نقص صحته. وكذا القلب السليم من أمراض الغفلة والهوى، يذوق طعم الإيمان ويتلذَّذ منه ويتنعَّم به، كما يذوق الفمُ طعْمَ العسل وغيره من لذيذ الأطعمة ويتنعَّم بها؛ بل تلك اللذَّة الإيمانية أعلى [2]

5- يجد المؤمن حلاوة الإيمان، حيث انشراحُ الصدر، وطمأنينة القلب، والأُنس بالله تعالى، ومعرفته حقَّ المعرفة، بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، حتى يصير الهوى في مرضاته تعالى، والمنى فيما يقدِّره حتى لو كان ظاهره شرًّا.

6- إذا خالطَ الإيم‍انُ بَشاشةَ القُلوبِ ذاقَتْ حلاوَتَه.

7- ذاق طعم الإيمان من لم يطلب غير الله تعالى، ولم يشرع في غير طريق الإسلام، ولم يسلك إلا ما يوافق شريعة محمدٍ ﷺ ، ولا شكَّ في أن من كانت هذه صفتَه، فقد خلصت حلاوة الإيمان إلى قلبه، وذاق طعمه [3]

8- إن حلاوة الإيمان ليس مثلَها حلاوةٌ، فمع لذَّتها، فإنها تستمرُّ، ليس مثل لذَّات الدنيا؛ كالطعام والشراب وتحصيل الأموال والمساكن الشاهقة والمركبات الفارهة، التي لا تستمرُّ لذَّتها، وربما شعر ببعض اللذَّة عند أول حدوثها، أما إن كان ذلك في معصية، فلن يفارقهم ذُلُّ المعصية وعاقبتها السيِّئة.

9- إن الإيمان معنويٌّ؛ ولكن له طعم يفوق كلَّ الطُّعوم الحِسِّية، وله مَذاقٌ يسمو على كلِّ مذاق حسيٍّ.

10- ذاق طعمَ الإيمان من صحَّ إيمانه، واطمأنَّت به نفسه، وخامَرَ باطنَه؛ لأن رضاه بالله ربًّا، وبمحمَّد نبيًّا، وبالإسلام دينًا، دليل لثبوت معرفته، ونفاذ بصيرته بما رضي به من ذلك ومخالطة بشاشته قلبه [4]

11- يذوق المؤمن حلاوة الإيمان بأن يوحد الله تعالى ربًّا، مدبرًّا وخالقًا، ومعطيًا ومانعًا، ومُبْتليًا ومعافيًا، وبكلِّ صفات الربوبية، ويرضى به آمرًا وناهيًا، ومشرِّعًا ومعبودًا بحقٍّ وحدَه سبحانه دون سواه، يرضى به وعنه في كلِّ ما قضى وقدَّر، حتى إنه يقف مع مُرَادِ اللَّه، لا مع مُرَادِ نفسه.

12- يا مَنْ تـَصَدَّقَ مالُ اللهِ تـَبْذلـُهُ = في أوجُـهِ الخير ِما لِلمال نـُقصانُ

كـَمْ ضاعَفَ اللهُ مالاً جادَ صاحِبُهُ = إنَّ السَّخاءَ بـِحُـكـْم ِاللهِ رضــوانُ

الشُّـحُّ يُـفـْضي لِسُقمٍ لا دَواءَ لـَهُ = مالُ البَخيل ِغـَدا إرْثـًا لِمَنْ عانوا

إنَّ التَّصَدُّقَ إسعادٌ لِمَنْ حُرِموا = أهلُ السَّخاءِ إذا ما احْتجْتَهُمْ بانوا

13- خَابَ سَعْيُ الفتى يَرُوحُ ويَغْدُو = جاعِلاً هَمَّهُ الثَّرَاءَ الْجَلِيلا

يَكْنِزُ الْمَالَ لا يَجُودُ بقِرْشٍ = وَيَظُنُّ الإنْفَاقَ إثمًا وغُولا

إنَّه عَبْدُ مالِه حَيْثُ وَلَّى = لا تَرَاهُ إلَّا لَحُوحًا مَلُولا


المراجع

  1.  "دليل الفالحين لطُرق رياض الصالحين" لمحمد بن علان الصديقيِّ (3/ 245).
  2.  انظر: "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للطيبيِّ (1/ 74).
  3.  انظر: "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (2/ 446).([4]) انظر: "شرح النوويِّ على مسلم" (2/ 2).

مشاريع الأحاديث الكلية