عن أبي هُرَيرة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: «قال اللهُ عزَّ وجلَّ: كلُّ عمَلِ ابن آدمَ له، إلَّا الصيامَ؛ فإنه لي، وأنا أَجْزِي به، والصِّيامُ جُنَّةٌ، وإذا كان يومُ صومِ أحدكم، فلا يَرْفُثْ، ولا يَصْخَبْ، فإن سابَّهُ أحدٌ أو قاتَلَهُ، فليقُلْ: إني امرؤٌ صائمٌ، والذي نفْسُ محمدٍ بيده، لَخُلُوفُ فمِ الصائم أطيبُ عند الله مِن ريحِ المِسْك، للصائمِ فَرْحتانِ يَفرَحُهما: إذا أفطَرَ فَرِحَ، وإذا لَقِيَ ربَّهُ فَرِحَ بصومِه»

هدايات الحديث

1. كفى بالصيام شرفًا أنْ أضَافَه الله تعالى إليه قائلاً: «فإنه لي»، وكفى بالمؤمن طاعةً أن يَغتنِم هذا الفضلَ والشَّرف بالإكثار من صيام النوافل بعد صيام الفريضة.

2. حَسْبُك بِكَون الصيامِ جُنَّةً من النار فَضْلًا من الله تعالى.

3. قال تعالى:

 ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّٰبِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍۢ﴾ 

[الزمر: ١٠]

فاعلم أن من أفضل أنواع الصّبر الصّيامَ؛ فإنّه يجمع الصّبر على الأنواع الثّلاثة؛ لأنّه صبر على طاعة اللّه تعالى، وصبر عن معاصي اللّه، وصبر على الأقدار المؤلِمة بما قد يَحصُل للصّائم من الجوع والعَطَش.

4. غاية الصيام التقوى؛

﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾

أن تصوم وتقوم «إيمانا واحتسابًا»؛ فالإسلام ليس شكليَّاتٍ ظاهريةً؛ بل إنه يحيي النفوس والقلوب بهذه النفحات الإيمانية، فيصوم المرء ويقوم إيمانًا واحتسابًا وتجرُّدًا وإخلاصًا لله تعالى، فتتشرَّب نفسه المعاني الإيمانية، فتَقَرَّ في نفسه وقلبه؛ ليُكمل الطريق إلى الله والدار الآخرة.

5. إن ممارسة العبادة هي التي تُعين المرء على إحياء نفسه وقلبه؛ فمهما قرأتَ من كتب نظرية، أو استمعتَ لدروس عن التقوى والإيمان والاحتساب والإخلاص لله تعالى، فلا يمكِن أن تَلمِس هذه المعانيَ وتحياها إلا بمباشرة العبادة إيمانا واحتسابًا، فتلمس معنى التقوى والإخلاص لله تعالى.

6. إن الهدف الأسمى والغاية الكبرى من الصوم هي التقوى؛ فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب وهي تؤدِّي هذه الفريضة؛ طاعةً لله، وإيثارًا لرضاه، والتقوى هي التي تَحرُس هذه القلوبَ من إفساد الصوم بالمعاصي.

7. التقوى هي غاية تتطلَّع إليها أرواح المؤمنين، والصوم أداة من أدواتها، وطريق مضيء موصِّل إليها.

8. الغِيبة تخرق الصيامَ، والاستغفارُ يُرقِّعُه، فمَن استطاع منكم أن لا يأتيَ بصوم مخرَقٍ فليفعلْ [1].

9. ينبغي للصائم أن يعظِّم من شهر رمضانَ ما عظَّم الله ورسوله، ويَعرِف أحكامه، وما يَحرُم فيه وما يُبطِله.

10. أما الصوم فناهيك به من عبادةٍ تَكُفُّ النفْس عن شهواتها، وتُخرجها عن شَبهِ البهائم إلى شَبه الملائكة المقرَّبين؛ فإن النفْس إذا خُلِّيتْ ودواعيَ شهواتها، التحقتْ بعالم البهائم، فإذا كَفَّتْ شهواتها لله ضيَّقت مجاريَ الشيطان، وصارت قريبةً من الله بترك عاداتها وشَهَواتها محبَّةً له، وإيثارًا لمرضاته، وتقرُّبًا إليه، فيدع الصائم أحبَّ الأشياء إليه، وأعظمَها لُصُوقًا بنفْسه من الطعام والشراب والجِماع من أجْل ربِّه [2].

11. جَاءَ الصِّيَامُ فَجَاءَ الخَيْرُ أَجْمَعُهُ = تَرْتِيلُ ذِكْرٍ وَتَحْمِيدٌ وَتَسْبِيحُ

فَالنَّفْسُ تَدْأَبُ فِي قَوْلٍ وَفِي عَمَلٍ = صَوْمُ النَّهَارِ وَبِاللَّيْلِ التَّرَاوِيحُ

12. إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي السَّمْعِ مِنِّي تَصَامُمٌ = وَفِي مُقْلَتِي غَضٌّ، وَفِي مَنْطِقِي صَمْتُ

فَحَظِّي إِذًا مِنْ صَوْمِيَ الجُوعُ وَالظَّمَا = وَإِنْ قُلْتُ: إِنِّي صُمْتُ يَوْمًا، فَمَا صُمْتُ

المراجع

1.  "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 139).

2. "مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة" لابن القيم (2/ 3).


مشاريع الأحاديث الكلية