عن أبي سُليمانَ مالكِ بنِ الحُوَيْرثِ رضي الله عنه، قال:أَتَينا النبيَّﷺ ونحن شَبَبةٌ مُتقارِبون، فأقمْنا عنده عِشرين ليلةً، فظنَّ أنَّا اشتَقْنا أهْلَنا، وسألَنا عمَّن ترَكْنا في أهلنا، فأخبرناه، وكان رفيقًا رحيمًا، فقال: «ارْجِعوا إلى أهلِيكم،فعلِّموهم ومُروهم،وصلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي،وإذا حضَرتِ الصلاةُ، فلْيُؤذِّنْ لكم أحدُكم، ثم لِيَؤُمَّكم أكبَرُكم»

هدايات الحديث

  1. هذا الحديث يَرسُم صورة لنشر الدعوة كيف تسارعت حتى عمَّت العالم كلَّه في سنوات قلائل، فبمجرَّد الإسلام والصُّحبة تصير الدعوةُ هي قضيتَهم وحياتهم، فيبذلون النفس والنفيس في سبيل التعلُّم، وتبليغ الرسالة، وهجرة الأهل والأحباب والديار والأوطان.

  2. قوله : «ارجعوا إلى أهليكم، فعلِّموهم ومُروهم»: يأمرهم النبيُّ ﷺ بتبليغ ما تعلَّموه، وهذه وصية النبيِّ ﷺ في أحاديثَ كثيرةٍ، ومنه قوله ﷺ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» [1]؛ حتى يسارع كلُّ مسلم إلى تبليغ ما بَلَغه من الشرع مهما قلَّ، وحتمًا سيصل كل ما جاء به ﷺ إذا فعل كلُّ مسلم ذلك.

  3. إن من آفات هذا العصر: النظرَ لفئة الشباب على أنهم أهل تهوُّر وطَيش، وإن كان ذلك له وجه في المجتمعات المختلفة، فإنه لا يصحُّ البتَّةَ في المجتمعات الإسلامية؛ إذ إن الشباب المسلمين الصالحين كان لهم دور بارز في تاريخ الإسلام؛ في العبادة والجهاد والدعوة والعلم ورفع راية الإسلام.

  4. للشباب دور بارز في تاريخ الدعوة الإسلامية، وبزُّوا في كل ميدان، ونصروا الدين والعقيدة، ونشروا دعوة الإسلام؛ كمصعب بن عمير، أول سفير في الإسلام، والمجاهدين الذين قادوا الجيوش وخاضوا المعارك؛ كأسامة بن زيد، رضي الله عنهم أجمعين، وما كان ذلك إلا لترعرعهم تحت ظلال الإسلام، وهكذا ترى شباب وفتيان هذه السنِّ حتى يومنا هذا ممن ترعرعوا تحت راية الإسلام.

  5. في آيات كثيرة من القرآن يرشد الله تعالى الدعاة إلى الأخلاق الفاضلة والطريقة الصحيحة للدعوة من خلال الحديث عن أخلاق النبيِّ ﷺ؛ ليتأسَّى الداعية بالنبيِّ ﷺ فيكون رحيمًا هيِّنًا ليِّنًا شَفوقًا بالمدعوِّين، فيمتثل قول الله تعالى لنبيِّه:

    ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾

    [آل عمران: 159].

  6. على الداعية أن يتأسَّى بالنبيِّ ﷺ في إظهار الرحمة بالمدعوِّين والحرص عليهم؛

    قال تعالى:

    ﴿لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾

    [التوبة: ١٢٨]. 

  7. من مظاهر رحمته ﷺ حرصُه على عدم تكليفهم ما يشقُّ عليهم، ومراعاة حالتهم النفسية والوجدانية.

للرفق أثر كبير في نفوس المدعوِّين، وهو أدعى للاستجابة، حتى إن الله تعالى أمر موسى وهارون – عليهما السلام – باللين في مخاطبتهما فرعون المستكبر؛

قال تعالى:

﴿فَقُولَا لَهُۥ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ﴾

[طه: ٤٤].


المراجع

1. رواه البخاريُّ (3461).


مشاريع الأحاديث الكلية