عن أبي سُليمانَ مالكِ بنِ الحُوَيْرثِ رضي الله عنه، قال:أَتَينا النبيَّﷺ ونحن شَبَبةٌ مُتقارِبون، فأقمْنا عنده عِشرين ليلةً، فظنَّ أنَّا اشتَقْنا أهْلَنا، وسألَنا عمَّن ترَكْنا في أهلنا، فأخبرناه، وكان رفيقًا رحيمًا، فقال: «ارْجِعوا إلى أهلِيكم،فعلِّموهم ومُروهم،وصلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي،وإذا حضَرتِ الصلاةُ، فلْيُؤذِّنْ لكم أحدُكم، ثم لِيَؤُمَّكم أكبَرُكم»

فوائد الحديث

الفوائد العلمية
  1. في الحديث حرص النبيِّ ﷺ على إعداد الدعاة الذين يبلِّغون رسالة الإسلام علميًّا ونفسيًّا وتربويًّا، ويأمرهم بتبليغ ما تعلَّموه إلى غيرهم، ويخصُّون أهلَهم.

  2. في هذا الحديث فضل الرحلة في طلب العلم، ولطالما كانت هذه سُنَّةَ المحدِّثين في رحلتهم في أقطار الأرض؛ طلبًا للعلم وعلوِّ السَّند في الحديث.

  3. كان الصحابة – رضوان الله عليهم – خيرَ خلق الله بعد النبيِّين والمرسَلين؛ فقد اصطفاهم الله تعالى واختارهم لصُحبة رسوله ﷺ؛ إذ كانوا أصفى الناس فِطرةً، وأزكاهم قلبًا، وأطيبَهم نفسًا، وأصدقَهم قولاً، وأحدَّهم ذهنًا، وأثقبهم فَهمًا، وأفصحهم لسانًا، وأوعاهم عقلًا.

  4. عاش الصحابة - رضوان الله عليهم - لدين الله، ونشر رسالته، وإعلاء كلمته، يحرصون على كل كلمة أو لفتة من رسول الله ﷺ ليبلِّغوها إلى العالمين، فأدَّوِا الأمانة، ونشروا دين الله تعالى؛ فهم الواسطة بين رسول الله ﷺ وبين أمَّته، ومنهم تلقَّت الأمةُ عنه الشريعة، وقد مدحهم الله كثيرًا في القرآن، وذكر فضائلهم، وأخبر أنه يحبُّهم ورَضِيَ عنهم.

  5. اقتصار الصحابيِّ على ذِكر سبب الأمر برجوعهم بأنه الشَّوق إلى أهليهم دونَ قصد التعليم، هو لِما قام عنده من القرينة الدالَّة على ذلك، ويمكِن أن يكون عرَفَ ذلك بتصريح القول منه ﷺ، وإن كان سببُ تعليمهم قومَهم أشرفَ في حقِّهم؛ لكنه أخبر بالواقع [1].

  6. ينبغي للإنسان أن يُقيم في أهله ما أمكنه، ولا ينبغي أن يغترب عنهم، ولا أن يبتعد عنهم، حتى إن الرسول ﷺ أمر المسافر إذا سافر، وقضى حاجته، أن يرجِع إلى أهله [2].


المراجع

1. "فتح الباري" لابن حجر (2/ 171).

2. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (4/ 147).


الفوائد الفقهية

7. متابعة الناس للمؤذِّن، وقولُهم كما يقول، مُستَحبَّةٌ، وليست بواجبة؛ إذ لم يرِدْ ذِكْرها في الحديث، والْمَقامُ مَقامُ تعليم، لا يجوز تأخيرُ البيان عنه [1].

8. في الحديث الحثُّ على الأذان والجماعة، وتقديم الأكبر في الإمامة إذا استوَوْا في باقي الخصال، وهؤلاء كانوا مُستوين في باقي الخصال؛ لأنهم هاجروا جميعًا، وأسلموا جميعًا، وصَحِبوا رسول اللّه ﷺ ولازموه عشرين ليلةً، فاستوَوا في الأخذ عنه، ولم يبقَ ما يُقدَّم به إلّا السِّنُّ [2].

9. استَدلَّ جماعةٌ بهذا على تفضيل الإمامة على الأذان؛ لأن النبيَّ ﷺ اشترط للإمامة، ولم يَشترِط للأذان، فقال: «يؤذِّن أحدُكم»، وخَصَّ الإمامة بالأكبر، ومن قال بتفضيل الأذان، قال: إنّما قال: «يؤذّن أحدكم»، وخصَّ الإمامة بالأكبر؛ لأن الأذان لا يحتاج إلى كبير علم؛ وإنّما أعظم مقصوده الإعلام بالوقت، والإسماع، بخلاف الإمام [3].

10. تقديم الأقرأِ على الأفقه، هو مذهب أبي حنيفة وأحمدَ وبعض الشافعية، وقال مالك والشّافعيُّ وأصحابهما: الأفقه مقدَّم على الأقرأ؛ لأن الّذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط، والّذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، وقد يَعرِض في الصلاة أمر لا يَقدِر على مراعاة الصّواب فيه إلّا كامل الفقه. واختار جماعة من الشافعية أنّ الأَوْرَع مقدَّم على الأفقه والأقرأ؛ لأن مقصود الإمامة يَحصُل من الأَورَع أكثرَ من غيره [4]. 

11. لا خلافَ بين العلماء أنهم إذا استوَوْا في القراءة والفقه والفضل، فالأسنُّ أَوْلى بالتقديم، وأن الإمامة تُستَحقُّ بالسنِّ إذا كان معه عِلم وفضل، وأما إن تعرَّى السنُّ من العلم والقراءة والفضل، فلا حظَّ للكبير في الإمامة [5].

12. الحديث يدلُّ على وجوب جميع ما ثَبَت عنه ﷺ في الصلاة؛ لكونها بيانًا لِمُجمَل قوله: ﱡﲪ ﲫﱠ، وهو أمر قرآنيٌّ يُفيد الوجوب، وبيان المجمَل الواجب واجب كما تقرَّر في الأصول، إلّا أنّه ثبت أنّه ﷺ اقتصر في تعليم المسيء صلاتَه على بعض ما كان يَفعَله ويُداوِم عليه، فعلمنا بذلك أنّه لا وجوب لِما خرج عنه من الأقوال والأفعال؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، كما تقرَّر في الأصول بالإجماع [6].

13. الحديث استدلَّ به من قال بوجوب الأذان؛ لِما فيه من صيغة الأمر [7].

المراجع

1. انظر: "الشرح الممتع على زاد المستقنع" لابن عثيمين (2/ 83).

2. "شرح النوويِّ على مسلم" (5/ 175).

3. شرح النوويِّ على مسلم" (5/ 175).

4. "شرح النوويِّ على مسلم" (5/ 172، 173).

5. "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (2/ 307).

6. "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (2/ 203، 204).

7. "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (2/39، 40).


الفوائد التربوية

14. توقيرُ الكبير، وإنزالُه منزلةً تَليق به من الأمور المعتبَرة في الشريعة، وهو من مكارم الأخلاق؛ فإن النبيَّ ﷺ جعلَ الإمامة إلى الأكبر سِنًّا إذا تَساوى الناس في مُقوِّمات الإمامة.

15. في الحديث ما كان عليه ﷺ من الشَّفَقة والاهتمام بأحوال الصلاة وغَيْرِها من أمور الدِّين [1].

16. فئة الشباب تحتاج إلى عناية ورعاية خاصَّة في الدعوة، وفي الحديث إشارةٌ إلى فَهم خصائص مرحلة الشباب وحاجاتهم النفسية والوِجدانية، وتوجيهها وتنميتها في الخير، وإلا صارت سلبيَّةً تؤدِّي إلى الشرِّ.

17. تتميَّز مرحلة الشباب بعلوِّ الهمَّة في طلب الكمال، وقوَّة العزيمة في تحقيق ما يريده الشابُّ؛ فلدى الشباب طاقة واستعداد كبير للعمل والانطلاق والإنجاز ونصرة الحقِّ، فلا بد من توجيه هذه الطاقة إلى طريق الاستقامة والصلاح والدعوة.

المراجع

1. "فتح الباري" لابن حجر (2/172).


الفوائد الحديثية

18. في الحديث إجازةُ خَبَرِ الواحد، وقِيامُ الْحُجَّة به [1].

19. هذا الحديث مشهور عند أهل العلم، وقد اهتمُّوا به اهتمامًا بالغًا، وقد ذُكر في الصحيحين، وفي كثير من كتب السنَّة، وأورده البخاريُّ رحمه الله في مواضعَ كثيرةٍ من صحيحه، مسنَدًا، ومعلَّقًا، كاملًا ومختصرًا، تحت تراجمَ متعدِّدةٍ.

20. أورد البخاريُّ رحمه الله هذا الحديث في صحيحه دليلاً على إجازة خبر الواحد الصَّدوق؛ فقد أورده تحت الترجمة: "باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصَّدُوق في الأذان والصّلاة والصَّوم والفرائض والأحكام"  [2].

المراجع

    1. "فتح الباري" لابن حجر (2/172).

    2. صحيح البخاريِّ (9/ 86).



    مشاريع الأحاديث الكلية