قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يزال الرَّجل يزداد في صحَّة رأيه ما نصح لمستشيره، فإذا غشَّه سلبه الله نُصحه ورأيَه [1].
كان جريرُ بنُ عبد الله إذا قام إلى السِّلعة يَبيعُها، بصَّر عيوبَها ثم خيَّره، وقال: إنْ شئتَ فخُذْ، وإنْ شئتَ فاترك. فقيل له: إنك إذا فعلتَ مثلَ هذا لم يَنفُذ لك بيعٌ، فقال: إنا بايعْنا رسول الله ﷺ على النُّصح لكلِّ مسلم [2].
قال وَهْب بن مُنبِّه رحمه الله: "مَن سرَّه أن يَستَجيب الله دعوتَه، فلْيُطِبْ مطعمَه [3].
قال وَهْبُ بْنُ الوَرْد رحمه الله: "لو قُمْتَ مَقامَ هذه السارية، لم ينفعك شيء حتى تَنْظُر ما يدخل بَطْنَك حلال أو حرام" [4].
إن الله تعالى لا يقبل العملَ، ولا يزكو العملُ إلا بأكل الحلال، وإن أكل الحرام يُفسِد العمل، ويَمنَع قَبوله [5].
سُئل أحمدُ بنُ حنبلٍ رحمه الله: بمَ تَلين القلوب؟ ثم أطرَقَ ساعة، ثم رفع رأسه، فقال: بأكل الحلال [6].
ليعلمْ كلُّ غاشٍّ آكلٍ للحرام أنه لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع، منها: «وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟» [7]؛ أي: من أيِّ طريق كان يكتسب رزقه وأمواله؟ من طريق مُباح حلال، أم من طريق الحرام والشُّبهات؟
فَيَا بائعًا بالغِشِّ أَنْتَ مُعَرَّضٌ = لِدَعْوَةِ مَظْلُومٍ إلى سامِعِ الشَّكْوَى
فَكُلْ مِنْ حَلالٍ وَارْتَدِعْ عَنْ مُحَرَّمٍ = فَلَسْتَ عَلَى نارِ الجَحِيمِ غدًا تَقْوَى
9. فَكَمْ مِن عَدُوٍّ مُعْلِنٍ لَكَ نُصْحَهُ = عَلانَيَةً والْغِشُّ تَحْتَ الأَضَالِعِ
وَكَمْ مِن صَدِيقٍ مُرْشِدٍ قَدْ عَصَيْتَهُ = فكُنْتَ له في الرُّشْدِ غَيْرَ مُطَاوِعِ
وَمَا الأَمْرُ إِلَّا بِالْعَوَاقِبِ إِنَّهَا = سَيَبْدُو عَلَيْهَا كُلُّ سِرٍّ وَذَائعِ
10. وَذُو الْغِشِّ مَرْهُوبٌ وَذُو النُّصْحِ آمِنٌ = وذَوُ الطَّيْشِ مَدْحُوضٌ وذُو الحقِّ يُفْلِجُ
وذُو الصِّدْقِ لا يَرْتَابُ وَالْعَدْلُ قائمٌ = على طُرُقاتِ الحقِّ والغَبْنُ أَعْوَجُ
11. أَيَا رُبَّ مَنْ تَغْتَشُّهُ لَكَ ناصِحٌ = وَمُنْتَصِحٌ بِالْغَيْبِ غَيْرُ أَمِينِ
12. وصاحبٍ غيرِ مَأْمونٍ غَوَائِلُه = يُبْدِي ليَ النُّصْحَ مِنْهُ وَهْوُ مُشْتَمِلُ
عَلَى خِلَافِ الَّذِي يُبْدِي ويُظْهِرُه = وَقَدْ أَحَطْتُ بِعِلْمِي أَنَّه دَغِلُ
عَفَوْتُ عَنْهُ انتظارًا أن يَثُوبَ لَهُ = عَقْلٌ إِلَيْهِ مِنَ الزَّلَّاتِ يَنْتَقِلُ
دَهْرًا فَلَمَّا بَدَا لي أَنَّ شِيمَتَهُ = غِشٌّ وَلَيْسَ لَهُ عَنْ ذَاكَ مُنْتَقَلُ
تَرَكْتُهُ تَرْكَ قَالٍ لا رُجُوعَ له = إلى مَوَدَّتِه مَا حَنَّتِ الإِبِلُ
13. يَا آلَ عَمْرٍو أَمِيتُوا الضِّغْنَ بَيْنَكُمُ = إنَّ الضَّغَائِنَ كَسْرٌ لَيْسَ يَنْجَبِرُ
قَدْ كَانَ في آلِ مَرْوَانٍ لَكُمْ عِبَرٌ = إِذْ هُمْ مُلُوكٌ وَإِذْ مَا مِثْلُهُمْ بَشَرُ
تَحَاسَدُوا بَيْنَهُمْ بِالغِشِّ فَاخْتُرِمُوا = فَمَا تُحِسُّ لَهُمْ عَيْنٌ وَلَا أَثَرُ
14. كَذَاكَ مَنْ يَسْتَنْصِحُ الأَعَادِي = يُرْدُونَهُ بِالغِشِّ والفَسَادِ
15. قل للذي لَسْتُ أَدْرِي مِنْ تَلَوُّنِه = أناصِحٌ أم على غِشٍّ يُدَاجيني
إني لَأَكْثَرُ مِمَّا سُمْتَني عَجَبًا = يَدٌ تَشُجُّ وأخرى مِنْكَ تَأْسُوني
تَغْتَابُني عِنْدَ أقوامٍ وتَمْدَحُني = في آخَرِينَ وكلٌّ عنك يأتيني
هَذَانِ أَمْرَانِ شَتَّى بَوْنُ بَيْنِهِمَا = فَاكْفُفْ لِسَانَكَ عِنْ ذَمِّي وتَزْيِيني
16. غَشَّ مَن أخَّر النصيحةَ عمدًا = عَنْ إمامٍ عَلَيه جُلُّ اعْتِمَادِهْ
لَيْسَ يُوهِي أَخَاكَ شَدُّكَ إيَّا = هُـ بِهِ بَلْ يَزِيدُهُ فِي اشْتِدَادِهْ
1. "الذريعة إلى مكارم الشريعة" للراغب الأصفهانيِّ (ص 211).
2. رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى - متمم الصحابة" (ص 803)، والطبرانيُّ في "الكبير" (2510).
3. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 275).
4. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 263).
5. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 260).
6. "مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزيِّ (ص 269).
7. رواه الترمذيُّ (2417)، وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (126).