19 - محبةُ الرَّسول ﷺ وما يتبع ذلك

عَن أَنَسِ بْن مَالِكٍ رضى الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا وَالنَّبِيُّ ﷺ خَارِجَانِ مِنَ المَسْجِدِ، فَلَقِيَنَا رَجُلٌ عِنْدَ سُدَّةِ المَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟»، فَكَأَنَّ الرَّجُلَ اسْتَكَانَ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صِيَامٍ، وَلا صَلاةٍ، وَلا صَدَقَةٍ،وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». 

هدايات الحديث


  1. من لم يجرِّد محبَّته خالصة لله ورسوله، فحقَّ عليه الوعيد الشديد

    ﴿ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾

    [التوبة: 24]

     فإما التجرُّد، وإما الانسلاخ من الإيمان، أو الانسلاخ من اكتمال الإيمان؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»[1].

  2. محبَّةُ الله ورسوله نِعمةٌ لا تُعادلها نعمةٌ، وشرفٌ لا يُدانيه شرفٌ، يَصِل بها العبد الصالح إلى أعالي الجنان، وصُحبة النبيِّين والأخيار.

  3. عن أبي أُمَامَةَ عن رسول الله ﷺ أنه قال: «مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ»[2].

  4. الإخلاص لله شرط قبول الأعمال، فمَن أحبَّ إنسانًا لعرَضٍ زائل لن يجد بذلك حلاوة الإيمان؛ بل صار هذا الحبُّ عليه، لا له.

  5. الولاء لله ورسوله وللمؤمنين، والبراءة من الكفر والكافرين، دليلُ صِدق الإيمان وسبيل تذوُّق حلاوته.

  6. المحبة الخالصة الصادقة توجب الطاعة والاتِّباع؛ فمن ادَّعى حبَّ الله ورسوله وهو عاصٍ، فهو كاذب في دعواه.

  7. علامة محبَّته ﷺ امتثال أوامره واجتناب نواهيه، واتِّباع سنَّته، والاقتداء به، والتأدُّب بآدابه. 

  8. يكون حبُّ المؤمن لأيِّ إنسان على قدر طاعته، فلا يحبُّه إلا لله.

  9. حقيقة الحب في الله: ألَّا يَزيدَ بالبِرِّ ولا يَنقُصَ بالجفاء[3].

  10. محبَّة المؤمن وظيفةٌ متعيِّنة على الدوام، وُجِدت الأغراض أو عُدِمت، ولما كانت المحبَّة للأغراض هي الغالبةَ، قلَّ وِجدان تلك الحلاوة؛ بل قد انعدم، لا سيَّما في هذه الأزمان التي قد انْمَحى فيها أكثرُ رسوم الإيمان[4].

  11. كَيْفَ يَنْسَى الْمُحِبُّ ذِكْرَ حَبِيبٍ = اسْمُهُ فِي فُؤَادِهِ مَكْتُوبُ

  12. تَعصي الإِلَهَ وَأَنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ = هَذا مُحَالٌ في القِياسِ بَديعُ

لَو كانَ حُبُّكَ صادِقًا لَأَطَعتَهُ = إِنَّ الْمُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ

في كُلِّ يَومٍ يَبْتَديكَ بِنِعمَةٍ = مِنهُ وَأَنتَ لِشُكرِ ذاكَ مُضيعُ

13. يُعَادِي الَّذِي عَادَى مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ = جَمِيعًا وَلَوْ كَانَ الْحَبِيبَ الْمُصَافِيَا

14. إِذَا شِئْتَ أَنْ تُدْعَى كَرِيمًا مُهَذَّبًا = تَقِيًّا سَرِيًّا مَاجِدًا فَطِنًا حُرَّا

فَكُنْ مُخْلِصًا للهِ جَلَّ جَلالُهُ = وَكَنْ تَابِعًا لِلْمُصْطَفَى تُحْرِزِ الأَجْرَا

15. حَوَاليَّ فضلُ اللهِ من كلِّ جانبٍ = ونورٌ من الرحمنِ يفترشُ السَّمَا

وفي القَلْبِ إشراقُ المحبِّ بوصْلهِ = إذا قاربَ البُشْرى وجازَ إلى الحِمَى

حواليَّ إيناسٌ من اللهِ وحدَهُ = يطالِعُنِي في ظُلمةِ القبرِ أنجُما

المراجع

  1. رواه البخاريُّ (15)، ومسلم (44).
  2. رواه أبو داود (4681)، وصحَّحه الألبانيُّ في "الصحيحة" (380).
  3. انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجرٍ العسْقلاني (1/ 62).
  4. "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" لأبي العباس القرطبي (1/ 215).


مشاريع الأحاديث الكلية