10 - من توحيدِ الأُلوهيِّة لله تعالى

عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَن النَّبِيِّ ، فِيمَا رَوَى عَن اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا؛ فَلا تَظَالَمُوا. يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ؛ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ. يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ؛ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ.يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ؛ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ. يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا؛ فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ. يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي. يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا.يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا. يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ البَحْرَ. يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ».

هدايات الحديث

  1. وَمَالله تعالى واسع العطاء، عظيم الجُود، عمَّت نِعَمه سبحانه جميعَ الخلائق، فليس للعباد سواه، ولا نجاةَ لهم إلا بالتعلُّق ببابه، والتزام شَرْعه، وسؤاله العفْوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرة.

  2. لقد خلَق الله تعالى الخلقَ كلَّهم ذوي فَقرٍ إلى الطعام؛ فكلُّ طاعم كان جائعًا حتى يُطعِمه اللهُ بسَوق الرِّزق إليه وتصحيح الآلات التي هيَّأها له، فلا يظُنَّ ذو الثروة أن الرزقَ الذي في يدِه وقد رفَعه إلى فِيه، أطعَمه إيَّاه أحدٌ غير الله تعالى، وفيه أيضًا أدبٌ للفقراء؛ كأنه قال: لا تَطلُبوا الطعام من غيري؛ فإن هؤلاء الذين تَطلبون منهم أنا الذي أُطعمهم، «فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ»، وكذلك الكِساء[1].

  3. الظُّلمُ ظُلماتٌ يومَ الـقيامة، فعلى العبد أن يجتنبه، وألَّا يتلبَّس به أبدًا.

  4. تتَجلَّى محاسنُ الشريعة الإسلاميَّة في أبهى صورها في أمر الله  بالـعدْل حتى مع الطَّائفة التي نختلِف معها اختلافًا يؤدِّي إلى أشدِّ الـبُغض والـكراهية، يفرِض علينا الـقرآنُ الـكريمُ ألَّا يَحمِلنا بُغضُنا لبعض الناس على عدم الـعدل معهم وإعطائهم حقوقَهم؛

    قال تعالى:

    ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾  

    [المائدة: 8].

  5. اللهُ وحْدَه هو الـهادي إلى الطريق الــمستقيم، وهو الذي يُطعِمنا ويَسقينا بحَوْله وقوَّته وحْدَه سبحانه. 

  6. الدعاءُ وسيلةٌ تُحقِّق الآمالَ، فعلى العبد أن يجتهد في الدعاء، وتحرِّي أوقات الإجابة.

  7. مَن أقبلَ على الله في طريق الـهداية أقبَل اللهُ عليه، فهداه ووَقاه من الضَّلال والــمعاصي، ومَن قعَد عن طريق الهداية، وركَن إلى الضلال، لم يَزِدْه اللهُ إلا ضلالًا. 

  8. اللهُ سبحانه خلَق الـخَلْق، وتكفَّل بما يُقيم مصالحهم كافَّةً في الدُّنيا، ومن ذلك الطَّعام والشَّراب والــملْبَس، فعلى العبد أن يعرفَ ذلك لخالقه سبحانه، وأن يديم شُكرَ نِعَمه سبحانه، ويُقبِل عليه بالتزام أمره واجتناب نهيِه. 

  9. حتى الــمَلْبَسُ الذي يواري عَورةَ الإنسان قد تكفَّل اللهُ به؛ فنحن نعيشُ في رِعاية الله، ونفتقرُ دائمًا إلى عنايته؛ في الـهداية إلى طريق الـحقِّ، وفي الــمأكل والــمشرب، وفي الــملبس الذي يستُرُ أجسادنا.

  10. رحمة الله واسعةٌ، وباب التوبة مفتوحٌ لكل مَن تلبَّس بذَنْب مهما عَظُم، فعلى العبد أن يُبادر بالتوبة النصوح إلى الله .

  11. النافع والضارُّ هو اللهُ وحْدَه، فلا يسَعُ المسلمَ إلا أن يطلبَ النَّفْعَ من الله، ويستعين على دفع الضرِّ بمعونته ومدده سبحانه.

  12. طاعة الـعباد لا تَزيد في مُلْك الله شيئًا، ومعصيتهم لا تَنقُص مُلْكَه سبحانه شيئًا كذلك؛ فالله غنيٌّ عن العالمين.

  13. خزائن الله مَلْأى لا تَنفَد أبدًا مهما عظُم عطاء الله لعباده، فعلى المسلم أن يُوسِّع من مسألته لربه، ولا يسأل الله القليلَ، ولا يستعظم على الله خيرًا؛ فإن الله يرزق من يشاء بغير حساب. 

  14. ما من امرئٍ مسلم يسأل الله شيئًا عنده إلا أعطاه إيَّاه، ما لم يدْعُ بإثمٍ، أو قطيعة رَحِم[2]. 

  15. الـفائز مَن وفَّقه الله لطاعته، والـعاجز مَن أتبع نفْسَه هواها، وتمنَّى على الله الأمانيَّ. 

  16. حمْدُ الله على التَّوفيق للطَّاعة واجبٌ، ولَومُ النَّفْس على الـمعصية مِن سمات مَن بَقِيَ في قلبه شيءٌ من الإيمان.

  17. إن الإنسان ضالٌّ إلا من هدى الله، فعليك أن تسأل الله الهداية دائمًا حتى لا تضلَّ.

  18. الدعاءُ سبب لهداية الله للعبد.

  19. اللهُ سبحانه لا تنفعُه طاعةُ المطيعين، ولا تضرُّه معصيةُ العاصين، مع كمال غناه عن خَلقه، فلم يخلقهم ليتقوَّى بهم من ضعف، ولا يتكثَّر بهم من قلَّة؛ بل خَلَقَهم ليعبدوه؛

    قال تعالى:

     ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾  

    [الذاريات:56-58].

20. وَمَأمَا واللَّهِ إنَّ الظُّلمَ لُؤْمٌ = ولكنَّ المسيءَ هو الظَّلُومُ

إلى ديَّانِ يومِ الدِّينِ نمضي = وعندَ اللهِ تَجتَمِعُ الخُصومُ

21.  تَوَقَّ دُعَا المظلومِ إنَّ دعاءَه = لَيُرفَعُ فوقَ السُّحْبِ ثم يُجَابُ

تَوَقَّ دُعا مَن ليس بينَ دعائِه =


المراجع

  1. "شرح الأربعين النووية" لابنِ دقيقِ العيد (ص: 89).
  2. روى مسلم في صحيحه (2735): عن أبي هريرة، عن النبيِّ ﷺ أنه قال: «لا يَزال يُستجاب للعبد، ما لم يدْعُ بإثم أو قطيعة رحِم، ما لم يستعجل». قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: «قد دعوتُ وقد دعوتُ، فلم أرَ يَستجيب لي، فيَستحسر عند ذلك ويدَعُ الدعاء».


مشاريع الأحاديث الكلية