أحقُّ الناس بحبِّ المؤمن بعد الله ورسوله ﷺ الصحابةُ رضى الله عنهم ؛ فحبُّهم دين وإيمان، وهم صفوة الخلق بعد النبيِّين عليهم السلام.
عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه : قال: "إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمَّدٍ ﷺ خيرَ قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمَّد، فوجد قلوبَ أصحابه خيرَ قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيِّه، يقاتلون على دينه"[1].
قال عبد الله بن عُمَرَ رضي الله عنهما: "من كان مُسْتنًّا فليستنَّ بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد ﷺ، كانوا خيرَ هذه الأمَّة، أَبَرَّها قلوبًا، وأعمقَها عِلمًا، وأقلَّها تكلُّفًا، قوم اختارهم الله لصُحبة نبيِّه ﷺ، ونقل دينه، فتشبَّهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمَّد ﷺ كانوا على الهُدى المستقيم"[2].
قال بعض القوم للحسن البصريِّ - رحمه الله -: أَخبِرْنا صفةَ أصحاب رسول الله ﷺ، فبكى، وقال: "ظَهَرت منهم علاماتُ الخَير في السِّيما والسَّمْتِ والهُدى والصِّدق، وخشونةِ ملابسهم بالاقتصاد، ومَمشاهم بالتواضُع، ومَنطِقهم بالعمل، ومَطعَمِهم ومَشرَبِهم بالطِّيب من الرزق، وخُضوعهم بالطاعة لربِّهم تعالى، واستقادتهم للحقِّ فيما أحبُّوا وكَرِهوا، وإعطائهم الحقَّ من أنفسهم، ظَمِئت هَوَاجِرُهم، ونَحَلَت أجسامهم، واستخفُّوا بسُخْط المخلوقين في رضى الخالق، لم يفرِّطوا في غَضَب، ولم يَحِيفوا في جَور، ولم يجاوزوا حكم الله تعالى في القرآن، شَغَلوا الأَلْسُن بالذِّكر، بذلوا دماءهم حين استنصرهم، وبَذَلوا أموالهم حين استقرَضَهم، ولم يَمنَعْهم خوفُهم من المخلوقين، حَسُنت أخلاقُهم، وهانت مُؤْنتهم، وكفاهم اليسيرُ من دنياهم إلى آخرتهم"[3].
قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما – يصف الصحابة: "قاموا بمعالم الدين، وناصحوا الاجتهاد للمسلمين، حتى تهذَّبت طُرُقُه، وقَوِيت أسبابه، وظَهَرت آلاء الله، واستقرَّ دينه، ووَضَحت أعلامه، وأذلَّ الله بهم الشِّرك، وأزال رؤوسه، ومحا دعائمه، وصارت كلمةُ الله هي العُليا، وكلمةُ الذين كفروا السُّفلى، فصلوات الله ورحمته وبركاته على تلك النفوس الزاكية، والأرواحِ الطاهرة العالية، فقد كانوا في الحياة لله أولياءَ، وكانوا بعد الموت أحياءً، وكانوا لعباد الله نُصَحَاءَ، رحلوا إلى الأخرى قبل أن يصلوا إليها، وخرجوا من الدنيا وهم بَعْدُ فيها"[4].
قال أبو بكر الصِّديق رضي الله عنه: "أصدقُ الصِّدق الأمَانَةُ، وأكذبُ الكَذِبِ الخيانة"[5].
قال ابن أبي نجيح: "لَمَّا أُتِي عمرُ بتاج كسرى وسِواريْهِ، جعل يقلِّبه بعُود في يده ويقول: والله إنَّ الذي أدَّى إلينا هذا لأمينٌ. فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أنت أمينُ الله، يؤدُّون إليك ما أدَّيت إلى الله، فإذا رَتَعت رتعوا. قال: صدقت"[6].
قال الشَّافعيُّ: "آلاتُ الرِّياسة خمس: صِدقُ اللَّهجة، وكتمان السِّرِّ، والوفاء بالعهد، وابتداء النَّصيحة، وأداء الأمَانَة"[7].
قال ابن أبي الدُّنْيا: "الدَّاعي إلى الخيانة شيئان: المهانةُ وقلَّة الأمَانَة، فإذا حسَمَهما عن نفسه بما وصفت، ظهرت مروءته"[8].
وبعدُ فإنَّ للأصحابِ جَزْمًا = فضائلَ جمةً ثَبَتت يقينا
فقد كانوا بنصِّ الوحيِ عَوْنًا = لخيْرِ الخَلْقِ أيضًا ناصرينَ
وهم وزراءُ أحمدَ خيرُ صَحْبٍ = وما غَفَلوا عن الخيرات حِينا
وقد عَبَدوا الإلهَ الحقَّ صِدقًا = فكانوا مخلِصين ومخلَصينَ
وقد لَبِسُوا التُّقى ثوبًا جميلًا = فصاروا قُدْوةً للصالحينَ
وقد حَمَلوا السُّيوف على الأعادي = فكانوا أُسوةً للفاتحينَ
أشدَّاءً على الكفَّار كانوا = وكان جهادُهم لله دينَا
وقد رَضِيَ الإلهُ الحقُّ عنهمْ = فكانوا في القيامة فائزين
وهم حقًّا وُعاةَ العلم كانوا = وهم صِدقًا نُجُومُ السالكينَ
11. أعِفَّة ٌ ذُكِرَتْ في الوَحيِ عِفَّتُهُمْ = لا يَطْمَعونَ، ولا يُرْديهمُ الطَّمَعُ
كم من صديقٍ لهمْ نالوا كرامتَهُ = ومِنْ عَدُوٍّ عَليهم جاهدٍ جَدَعوا
أعطَوْا نبيَّ الهدى والبرِّ طاعتَهمْ = فمَا وَنَى نَصْرُهُمْ عنْهُ وَما نَزَعُوا
أكرِمْ بقومٍ رسولُ اللهِ شِيعتُهمْ = إذا تفرَّقَتِ الأهْوَاءُ والشِّيَعُ
12. إنّ الذوائبَ منْ فِهْرٍ وإخْوَتهمْ = قدْ بيَّنُوا سُنَّةً للنَّاسِ تُتَّبَعُ
يَرْضَى بهَا كُلُّ مَن كانَتْ سرِيرَتُهُ = تَقْوى الإلهِ وبالأمرِ الذي شَرَعَوا
قومٌ إذا حاربوا ضَرُّوا عَدُوَّهُمُ = أوْ حاوَلُوا النَّفْعَ في أشياعِهِمْ نَفَعُوا
سَجَيَّةٌ تلكَ منهمْ غيرُ محدَثةٍ = إنَّ الخلائِقَ، فاعلَمْ، شَرُّها البِدَعُ
لا يَرْقَعُ النّاسُ ما أوْهَتْ أكفُّهُمُ = عندَ الدِّفاعِ، ولا يوهونَ ما رَقَعوا
إنْ كان في الناس سَبَّاقُونَ بَعْدَهُمُ = فكُلُّ سَبْقٍ لأدنى سَبْقِهِمْ تَبَعُ
ولا يَضَنُّونَ عَنْ مَوْلًى بِفَضْلِهِمِ = وَلا يُصِيبُهُمُ في مَطْمَعٍ طَبَعُ
لا يَجهَلونَ، وإن حاولتَ جَهْلَهمُ = في فضلِ أحلامهمْ عن ذاكَ مُتَّسَعُ
أعِفّةٌ ذُكِرَتْ في الوَحْيِ عِفَّتُهُمْ = لا يَطْمَعُونَ، ولا يُرْديهمُ الطَّمَعُ
كَمْ من صَدِيقٍ لهمْ نالوا كرامتَهُ = ومِنْ عَدُوٍّ عَليهمْ جاهِدٍ جَدَعوا
أَعَطَوْا نبيَّ الهُدى والبِرِّ طاعتَهمْ = فمَا وَنَى نَصْرُهُمْ عنْهُ وَما نَزَعُوا
أكرِمْ بقومٍ رسولُ اللهِ شِيعتُهمْ = إذا تفرَّقَتِ الأهْوَاءُ والشِّيَعُ
13. فَعَلى الرَّسُولِ وآلِه وصِحَابِه = مِنِّي السلامُ بكُلِّ حُبٍّ مُسْعِدِ
هم صفوة الأقوام فاعْرِفْ قدرَهم = وعلى هُداهم يا موفَّقُ فاهتدِ
واحفظْ وصيَّةَ أحمدٍ في صَحْبِه = واقطعْ لأجْلِهمُ لسانَ الْمُفْسِدِ
عِرضي لعِرضهمُ الفداءُ وإنَّهم = أزكى وأطْهرُ منْ غَمامٍ أبردِ
فاللهُ زكّاهمْ وشرَّفَ قدْرَهمْ = وأحلَّهمْ بالدِّينِ أعلى مقْعَدِ
شهِدوا نزولَ الوحيِ بلْ كانوا لهُ = نِعْمَ الحُماةُ منَ البَغيضِ الْمُلْحِدِ
بَذَلوا النفوسَ وأرْخصوا أموالَهم = في نُصرةِ الإسلامِ دونَ تردُّدِ
ما سَبَّهُمْ إلَّا حَقِيرٌ تافِهٌ = نذْلٌ يُشَوِّهُهم بحِقْدٍ أَسْودِ
لَغُبَارُ أقدامِ الصَّحَابةِ في الرَّدى = أَغْلى وأَعْلى مِن جَبِينِ الأبْعَدِ
ما نَالَ أَصْحَابَ الرَّسُولِ سِوَى امْرئٍ = تَمَّتْ خَسَارتُه لسُوءِ الْمَقْصِدِ
14. وَقَدْ رَضِيَ الإلهُ الحقُّ عنهمْ = فكانوا في القيامةِ فائزينَ
وهُمْ حَقًّا وُعَاةُ العِلْمِ كانوا = وهم صِدْقًا نُجُومُ السَّالِكينَ
وأَوْصَانَا النَّبِيُّ بهم جَمِيعًا = وحَرَّمَ سَبَّهُمْ وتَلا اليَمِينَ
وأَعْقَبَهُ بأنَّ لهم مَقَامًا = وَلَنْ يَرقاه خَيْرُ الْمُنْفِقِينَ
15. إنَّ الوفاءَ على الكريمِ فريضةٌ = واللُّؤْمُ مقرونٌ بذي الإخلافِ
وترى الكريمَ لِمَن يُعاشرُ مُنْصِفًا = وترى اللئيمَ مُجانِبَ الإنصافِ
16. لَشَتَّانَ مَن يدعو فيوفِي بعَهْدِه = ومَن هُوَ للعهدِ المؤكَّدِ خالِعُ
17. ذَهَب الوفاءُ ذَهَابَ أمسِ الذاهبِ = فالنَّاسُ بين مخاتِلٍ وموارِبِ
يَغْشَوْنَ بينهم المودَّةَ والصَّفَا = وقلوبُهم محشوَّةٌ بعقاربِ
18. مات الوفاءُ فلا رِفْدٌ ولا طَمَعُ = في النَّاسِ لم يبقَ إلا اليأسُ والجَزَعُ
فاصبرْ على ثقةٍ باللهِ وارضَ به = فاللهُ أكرمُ مَن يُرجى ويُتَّبَعُ
المراجع
- رواه أحمدُ (3600)، وحسَّنه الألبانيُّ في "تخريج الطحاوية" (ص:530).
- رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/305-306).
- رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (2/ 150).
- "مروج الذهب" للمسعوديِّ (1/ 371).
- رواه البيهقيُّ في "السنن الكبرى" (13009).
- "عيون الأخبار" لابن قتيبة (1/115).
- "سير أعلام النبلاء" للذهبيِّ (19/30).
- "أدب الدنيا والدين" للماوَرْديِّ (ص: 333).