21 - فَضلُ القُرونِ الأولى من السَّلف الصالح

عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ - قَالَ عِمْرَانُ: فَلاَ أَدْرِي، أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا؟ - ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلاَ يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ».

فوائد الحديث

الفوائد العلمية


  1. هذا الحديث من دلائل النبوَّة، ومعجزة ظاهرة لرسول الله ﷺ؛ فإن كل الأمور التي أخبر بها وقعت كما أخبر.

  2. إن أصحاب النبيِّ ﷺ أفضلُ أصحاب الأنبياء على الإطلاق، وأفضلُ بني آدَمَ، وصفوةُ الخَلق بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ فقد ثَبَتَ كَوْنُهم أفضلَ هذه الأمة، التي هي خيرُ أمَّة أُخرجت للناس، فهم أفضلُ الأمم على الإطلاق.

  3. قال تعالى:

    قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ

    [النمل: 59]

    قال ابن عبَّاس – رضي الله عنهما -: "أصحاب محمد ﷺ اصطفاهم لنبيِّه"[1].

  4. "ومَن نَظَر في سِيرة القوم بعِلْمٍ وبَصيرة، وما منَّ الله عليهم به من الفضائل، عَلِم يقينًا أنهم خيرُ الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلُهم، وأنهم الصَّفْوة من قرون هذه الأمَّة، التي هي خيرُ الأمم، وأكرمُها على الله تعالى"[2]. 

  5. أخبر النبيُّ ﷺ أن الصحابة أَمَانٌ لأمَّته ما بَقِيَ منهم فيها أحد، فإن هم ذهبوا أتى الأمَّةَ ما تُوعَد؛ قال ﷺ: «وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ»[3].

  6. الصحابيُّ: هو من لَقِيَ النبيَّ ﷺ، مؤمنًا به، ومات على ذلك[4].

  7. تفضيل الصحابة على من سواهم بتضعيف أجورهم؛ لأن إنفاقهم كان في وقت الحاجة والضرورة وإقامة الأمر، وبَدء الإسلام، وإيثار النفس، وقلَّة ذات اليد، ونَفَقة غيرهم بعد الاستغناء عن كثير منها، مع سَعَة الحال، وكثرة ذات اليد، ولأن إنفاقهم كان في نُصرة ذات النبيِّ ﷺ وحمايته، وذلك معدومٌ بعدَه، وكذلك جهادهم وأعمالهم كلها.

  8. قال الله تعالى في التفاضل بين الصحابة

    لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ

    [الحديد: 10]

     فكيف بمن يأتي بعدَهم؟!

  9. إن فضيلة الصُّحبة واللقاء ولو لحظةً، لا يوازيها عَمَلٌ، ولا ينال درجتها شيء، والفضائلُ لا تؤخذ بقياس

     ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ

    [الجمعة: ٤][5].

  10. إن الفضلَ المذكورَ في الحديث لكلِّ الصحابة، ممَّن لَقِيَ النبيَّ ﷺ ولو مرَّةً؛ كما يدلُّ على ذلك تكاثُر الأدلَّة من الكتاب والسنَّة، وقد ذَهَب بعض أصحاب الحديث والنَّظر إلى قول مرجوحٍ؛ أن هذا الفضل كلَّه لخاصَّة أصحاب النبيِّ ﷺ، وجوَّز هذه الفضيلة لمن أنفق معه، وقاتَل، وهاجَر، ونَصَر، لا لِمَن زارَه مرَّةً، ولَقِيَه مرَّةً من القبائل، أو صَحِبه آخَرُ مرَّةً، وبعد فتح مكَّةَ، واستقرار الإسلام، ممَّن لم يُقرَّ بهجرة، ولا حضَّ بنُصرة، ولا اشتُهِر بمقام محمود في الدين، ولا عُرف باستقلال بأمر من أمور الشريعة، ومنفعة المسلمين[6].

  11. "أثنى الله تبارك وتعالى على أصحاب رسول الله ﷺ في القرآن والتوراة والإنجيل، وسَبَق لهم على لسان رسول الله ﷺ من الفضل ما ليس لأحدٍ بعدَهم، فرَحِمهم الله وهنَّأهم بما آتاهم من ذلك، ببلوغ أعلى منازل الصِّدِّيقين والشهداء والصالحين، هم أَدَّوْا إلينا سُنن رسول الله ﷺ، وشاهدوه والوحيُ ينزل عليه، فعَلِموا ما أراد رسول الله ﷺ، عامًّا وخاصًّا، وعَزْمًا وإرشادًا، وعرَفوا من سُننه ما عرَفنا وجهِلنا، وهم فوقنا في كلِّ علم واجتهاد، ووَرَع وعقل، وأمرٍ استُدرِك به علمٌ، واستُنبط به، وآراؤهم لنا أَحْمَدُ وأَوْلى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا"[7]. 

  12. "أصحاب رسول الله ﷺ هم الذين شَهِدوا الوحيَ والتنزيل، وعَرَفوا التفسير والتأويل، وهم الذين اختارهم الله عزَّ وجلَّ لصُحبة نبيِّه ﷺ ونُصرته، وإقامة دينه، وإظهار حقِّه، فرَضِيَهم له صحابةً، وجَعَلهم لنا أعلامًا وقُدوة، فحَفِظوا عنه ﷺ ما بَلَغهم عن الله - عزَّ وجلَّ - وما سنَّ وشَرَع، وحَكَم وقضى، ونَدَب وأَمَر، ونهى وحَظَر وأدَّب، ووَعَوْه فأتقنوه، ففَقِهوا في الدين، وعَلِموا أمر الله ونهيَه ومُراده، بمعاينة رسول الله ﷺ ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله، وتلقُّفهم منه، واستنباطهم عنه، فشرَّفهم اللهُ - عزَّ وجلَّ - بما منَّ عليهم وأكرمهم به من وضعِه إيَّاهم موضعَ القُدوة، فنَفَى عنهم الشكَّ والكَذِب، والغَلَط والرِّيبة والغَمز"[8].

  13. سمَّى الله تعالى الصحابة عُدول الأمَّة

    قال تعالى:

    وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ

     [البقرة: 143]

    ففسَّر النبيُّ ﷺ عن الله عزَّ ذِكْرُه قولَه: وَسَطًا، قال: عَدْلاً، فكانوا عُدول الأمَّة، وأئمَّة الهدى، ونَقَلة الكتاب والسنَّة[9].

  14. نَدَب الله تعالى إلى التمسُّك بهَدْيِ الصحب الكرام، والجَرْيِ على مناهجهم، واتِّباع سبيلهم، والاقتداء بهم؛ فقال:

    وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ 

    ﱠ [النساء: 115]. 

  15. أيَّد الله تعالى نبيَّه ﷺ بهؤلاء الصحب الكرام، الذين عَرَفوا معنى الصُّحبة، فنصروه، وآوَوْه، وآزَرُوه، وجاهدوا معه؛

    قال تعالى:

    لَٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

    [التوبة: 88].

16. أعلى الله شأن الصحابة، وأبقى في العالمين ذكرَهم

قال تعالى:

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ

[الفتح: 29].

17. رغَّبَ النبيُّ ﷺ في حُبِّ صحابته الكرام، وحذَّرنا من بُغضهم؛

فعن البَرَاء رضى الله عنه، قَالَ:

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «الأَنْصَارُ لا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلا يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ»

[10].

18. قد رَضِي الله تعالى عن الصحابة ومن اتَّبَعهم بإحسان، ووَعَدهم بالجنة

قال تعالى: 

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُﱠ

[التوبة: ١٠٠] .

19. رتَّب الله تعالى في آيات سورة الحشر الصحابة على منازلهم وتفاضلهم، ثم أَرْدَفهم بذكر التابعين

فقال تعالى:

لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)

ﱠ[الحشر: 8 – 10].

20. اختُلف في معنى قوله ﷺ: (قرني)، فقيل: قرنُه: أصحابُه، والذى يليه: أبناؤهم، والثالث: أبناء أبنائهم، وقيل: قرنُه: ما بَقِيَت نفسٌ رأته، والثاني: ما بَقِيت نفسٌ رأت من رآه، ثم كذلك، وقال غير واحد: القرن: كلُّ طبقتين مقترنتين في وقت.

21. اختُلف في مدَّة القرن، فقيل: ثمانون سنةً، وقيل: سبعون، وقيل: مِائة، وقيل: مائة وعشرون. والأصحُّ أن القرنَ لا ينضبط بمدَّة، فقرنُه ﷺ هم الصحابة، وكانت مدَّتُهم من الْمَبعث إلى آخِرِ مَن مات من الصحابة مِائةً وعشرين سنةً، وقرنُ التابعين من مِائة سنةٍ إلى نحو سبعينَ، وقرنُ أتباع التابعين من ثَمَّ إلى نحو العشرين ومِائتينِ، وفي هذا الوقت ظهرت البِدَع ظهورًا فاشيًا، وأَطلَقت المعتزلة ألسنَتها، ورَفَعت الفلاسفة رؤوسها، وامتُحن أهلُ العِلم ليقولوا بخلق القرآن، وتغيَّرت الأحوال تغيُّرًا شديدًا، ولم يَزَلِ الأمر في نقص إلى الآن[11].

22. الأفضلية لمن تحقَّقت لهم صُحبة رسول ﷺ، وهذا التفضيل باعتبار الجُملة، فلا يُنافي أن يكون في المتأخِّرين بعض الأفراد خيرًا، كما في رواية الترمذيِّ: «إن من ورائكم أيامًا الصابر فيهنّ كالقابض على الجمر، وللعامل فيهن أجر خمسين منكم»[12].[13].

23. ذهب الجمهور إلى أن فضيلة الصحبة لا يَعدِلها عمل؛ لمشاهدة رسول الله ﷺ، وأما من اتَّفَق له الذَّبُّ عنه، والسَّبق إليه بالهجرة، أو النُّصرة، وضبط الشرع المتلقَّى عنه، وتبليغه لمن بعده، فإنه لا يَعدِله أحدٌ ممن يأتي بعده؛ لأنه ما من خصلة من الخصال المذكورة، إلا وللذي سبق بها مِثْلُ أجر من عمل بها من بعده؛ فظَهَر فضلهم[14].

24. ذهب ابنُ عبد البرِّ إلى أنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة أفضل ممن كان في جملة الصحابة، وأن قوله : «خير الناس قرني»، ليس على عمومه؛ بدليل ما يجمع القرن بين الفاضل والمفضول، وقد جمع قرنُه ﷺ جماعةً من المنافِقين المظهِرين للإيمان، وأهلَ الكبائر الذين أقام عليهم أو على بعضهم الحدود[15].

25. لا تَعارُضَ بين هذا الحديث، وحديث زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضى الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا»[16]، فهو محمول على شاهد الزور، وهذا الحديث على شهادة الحقِّ، أو أنه محمولٌ على من يَنتصِب شاهدًا، وليس هو من أهل الشهادة[17].

26. "اتَّفَقَ العلماءُ على أنَّ خيرَ القرون قرنُه ﷺ، والمرادُ أصحابُه، والصَّحيحُ الّذي عليه الجمهورُ أنّ كلَّ مسلم رأى النّبيَّ ﷺ ولو ساعةً، فهو من أصحابه، ورواية (خير النّاس) على عمومها، والمراد منه: جُملة القرن، ولا يلزم منه تفضيلُ الصّحابيِّ على الأنبياء صلوات اللّه وسلامه عليهم، ولا أفراد النّساء على مريمَ وآسِيَةَ وغيرهما؛ بل المرادُ جُملة القرن بالنّسبة إلى كلِّ قرن بجُملته"[18].

27. عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: قال: "إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمَّدٍ ﷺ خيرَ قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمَّد، فوجد قلوب أصحابه خيرَ قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيِّه، يقاتلون على دينه"[19].

28. قوله ﷺ: «خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي»: إضافةُ القرن إلى نفسه ﷺ إضافةُ تشريف وتمييز؛ للدلالة على أنه قرن مميَّز، فالجيلُ الذي هو فيه جيلٌ فَريد وعبقريٌّ، ألا وهو جيل الصحابة - رضوان الله عليهم - الذين مَدَحهم الله تعالى في كتابه

قال تعالى:

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 

[التوبة: 100]


وقال تعالى: 

لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا

[الفتح: 18].

29. جعل الله تعالى الإيفاء بالنَّذْرِ من صفات عباد الله المتَّقِين

قال تعالى:

عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا 6 يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا

[الإنسان: 6- 7].

30. لا يلزم أن يكون كلُّ واحد من هؤلاء المترَفين سمينًا، فهو وصفٌ للغالب عليهم؛ ففيهم السَّمين وغيرُ السَّمين.

31. هذا الحديثُ يُوجِب الذمَّ والنقص لمن لم يَفِ بالنذر، وهذا من أشراط الساعة[20]. وقد قَرَن النبيُّ ﷺ ذمَّ من لم يَفِ بالنذر بخيانة الأمانة، شَهِد به كتاب الله العزيز، وجاء به على لسان الرسول، وذلك أن من لم يَفِ لله بما عاهَدَه، فقد خان أمانته في نقضه ما جَعَل لربِّه - عزَّ وجلَّ - على نفسه، فأَشبَه ذلك من خان غيرَه فيما ائتَمَنه عليه، والأول أعظمُ خيانةً وأشدُّ إثمًا[21].

المراجع

  1. "جامع البيان في تأويل القرآن" للطبريِّ (19/ 482).
  2. "مجموع الفتاوى" (3/ 156).
  3. رواه مسلم (2531).
  4. "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (1/ 8).
  5. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (7/ 580).
  6. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (7/ 580).
  7. "مناقب الشافعيِّ" للبيهقيِّ (1/442).
  8. "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (1/ 7-8).
  9. "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (1/ 7-8).
  10. رواه البخاريُّ (3783)، ومسلم (75).
  11. "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (9/ 3878).
  12. رواه الترمذيُّ (2260) من حديث أنس  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالقَابِضِ عَلَى الجَمْرِ». وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الجامع" (8002).
  13. "الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري" للحورانيِّ (5/ 264).
  14. "فتح الباري" لابن حجر (7/ 7).
  15. "إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري" للقسطلانيِّ (6/ 80).
  16. رواه مسلم (1719).
  17. "شرح النوويِّ على مسلم" (12/ 17).
  18. "شرح النوويِّ على مسلم" (16/ 84).
  19. رواه أحمدُ (3600)، وحسَّنه الألبانيُّ في "تخريج الطحاوية" (ص:530).
  20. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (6/ 156).
  21. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (6/ 156).
الفوائد العقدية

32. حبُّ الصحابة رضى الله عنهم دين وإيمان، وبُغضهم كفر ونفاق؛ فحبُّ الصحابة الكرام علامةٌ على الإيمان، وبُغْضهم آيةٌ على النِّفاق؛ فهم أفضل الخلق بعد النبيِّين عليهم الصلاة والسلام.

33. أفضلُ الصحابة: أبو بكر الصدِّيق رضى الله عنه، ثم عمرُ بنُ الخطَّاب رضى الله عنه، ثم عثمانُ بنُ عفَّانَ رضى الله عنه، ثم عليُّ بنُ أبي طالب رضى الله عنه، ثم باقي العشَرةِ المبشَّرين بالجنَّة رضى الله عنه.

34. الصحابة كلُّهم عُدول؛ بتعديل الله تعالى لهم ورسوله ﷺ.

35. الكفُّ عما شجر من نزاع أو خلاف بين الصحابة رضوان الله عليهم.

36.عقيدة جمهور العلماء: أن من رآه - عليه الصلاة والسلام - وكان في عِدَاد أصحابه، فقد حَصَّل فضيلةً لا يُدرِكها أفضلُ كلِّ من يأتي بعدَه[1].

المراجع

  1. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (7/ 570).
الفوائد الفقهية

37. النذر: هو ما أَوجَبه العبد على نفسه تطوُّعًا من عبادة أو صَدَقة، والنَّذْرُ قد يكون للآدميِّ، وقد يكون لله عزَّ وجلَّ، فالنذر للآدميِّ بمعنى العهد الذي يتعهَّد به الإنسان بينه وبين غيره.

38. اختَلَف العلماء في ابتداء النذر، فقيل: هو مستحَبٌّ، وقيل: مكروهٌ.

39. أجمع العلماء على أن الوفاء بالنذر واجبٌ إن كان طاعةً، وإن كان معصيةً فلا شيء عليه، وعند الإمام أحمدَ وأبي حنيفةَ، فإن عليه كفَّارةَ يَمين[1].

40. حثَّ الله تعالى ونبيُّه ﷺ على الوفاء بالنذر

قال تعالى:

 وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ

[الحج: 29]

 وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:

«مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِهِ»

[2].

المراجع

  1. "الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري" للحورانيِّ (10/ 284).
  2. رواه البخاريُّ (6696)
الفوائد التربوية

41. التربية على حبِّ الصحابة والسلف الصالح، ومعرفة فضلهم وسِيرتهم، وما قدَّموه في خدمة الإسلام ونشر هذا الدين.

42. وجوب الوفاء بالنذر وبالعهد، وأن النذر لا يكون إلا في طاعة، والأفضل الابتعاد عنه.

43. الشهادة أمر عظيم، لا يُتجرَّأ عليها، ولابدَّ أن تكون بحقٍّ.

الفوائد الحديثية

44. «قَالَ عِمْرَانُ: فَلاَ أَدْرِي: أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا؟»: شكَّ عمرانُ بعد قرنه: هل ذكر قرنين أو ذكر ثلاثة؟ وجاءت أكثر طرق هذا الحديث بغير شكٍّ.

الفوائد اللغوية

45. لشهادة تأتي بمعنى اليمين

 ومنه قوله تعالى:

 فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ

[النور: ٦]

 وقيل: معناه: أن يَحلِف إذا شَهِد وإذا عاهَد[1].

46. قوله: «ويَنذِرون ولا يُوفُون»، وقوله في الرواية الأخرى: (يَفُون)، صحيحان، يقال: وَفَى وأَوْفى[2].

47. الخيانة هي: الغدر والخديعة في موضع الائتمان.

48. قوله: «وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَن»: هو كناية عن رغبتهم في الدنيا، وإيثارهم شهواتها على الآخرة وما أَعَدَّ الله فيها لأوليائه من الشهوات التي لا تَنفَد، والنعيم الذي لا يَبِيد، فهم يأكلون في الدنيا كما تأكل الأنعام، ولا يَقتَدون بمن كان قبلهم من السَّلَف الذين كانت هِمَّتُهم من الدنيا في أخذ القوت والبُلغة، وتوفير الشهوات إلى الآخرة[3].

مشاريع الأحاديث الكلية