الفوائد العلمية
1. هذا الحديثُ يُعدُّ أصلًا من أصول الإسلام، وجامعًا من جوامع الخير للمسلم في الدنيا والآخرة، وجامعًا لأنواع من العلوم والقواعد والآداب؛ ففيه فضلُ قضاء حوائج المسلمين ونَفْعِهم، بما يتيسَّر من علم، أو مال، أو معاونة، أو إشارة بمصلحة، أو نصيحة، أو غير ذلك.
2. في الحديث: فضلُ التيسير على المعسِر، وفضلُ السعيِ في طلب العلم، ويَلزَم من ذلك فضلُ الاشتغال بالعلم، ويُشترَط أن يُقصَد به وجه الله تعالى.
3. الجزاء من جِنس العمل؛ فجزاءُ التّنفيسِ التّنفيسُ، وجزاءُ التّفريج التّفريجُ، وقد تكاثرت النّصوص بهذا المعنى، من أن الجزاءَ من جِنس العمل
«إنَّما يَرْحَمُ اللَّهُ من عبادِه الرُّحَماءَ»
4. التَّيسير على المعسِر في الدُّنيا يكون إمَّا بإنظاره إلى الْمَيْسَرة، أو بالوضع عنه إن كان غريمًا لا يستطيع سَدَاد دَيْنِه، أو بإعطائه ما يَزُول به إعسارُه، وهذا كلُّه فضلٌ عظيم، يجزي الله به بالتيسير على ذلك الميسِّر في الدنيا، وكذلك في الآخرة يومَ القيامة.
5. السَّتْرُ على المسلم: أن يَستُر زلَّاتِه، والمرادُ به السَّتر على ذَوي الهَيئات ونحوِهم ممَّن ليس معروفًا بالفساد، وهذا في سَتر معصية وَقَعت وانقَضَت، أما إذا عَلِم معصيته وهو متلبِّس بها، فيجب المبادَرة بالإنكار عليه، ومنعه منها، فإن عجز، لَزِمه رفعها إلى وليِّ الأمر إن لم يترتَّب على ذلك مَفسَدة [2].
6. المعروفُ بالفساد والمعاصي وانتهاك المحرَّمات لا يُستَر عليه؛ لأن السَّتر عليه يُطمِّعه في الفساد والإيذاء وانتهاك المحرَّمات، وجسارة غيره على مثل ذلك؛ بل يُستحبُّ أن يرفعه إلى الإمام إن لم يَخَفْ من ذلك مَفسَدة [3].
7. الرُّواة والشهود والأُمَناء على الصدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم، يجب تجريحهم عند الحاجة، ولا يحلُّ السَّتر عليهم إذا رأى منهم ما يَقدَح في أهليَّتهم، وليس هذا من الغِيبة المحرَّمة؛ بل من النصيحة الواجبة [4].
8. من كان مستورًا، لا يُعرَف بشيء من المعاصي، إذا وقعت منه هفوة، أو زلَّة، فإنَّه لا يجوز كشفُها، ولا هَتْكُها، ولا التّحدُّث بها؛ لأنَّ ذلك غِيبةٌ محرَّمة، وهذا هو الذي وردت فيه النُّصوص [5].
9. إن الأَوْلى سَتْرُ عُيوب المستورين؛ فمِثْلُه لو جاء تائبًا نادمًا وأقرَّ بحدٍّ، ولم يفسِّرْه، لم يُسْتَفْسَرْ؛ بل يُؤمَر بأن يرجع ويَستُر نفسه؛ كما أمر النّبيُّ ﷺ ماعزًا والغامديَّة، وكما لم يُستفسَر الَّذي قال: "أصبتُ حدًّا، فأقمْه عليَّ". ومِثْلُ هذا لو أُخِذ بجريمته، ولم يَبلُغِ الإمامَ، فإنّه يُشفَع له حتَّى لا يَبلُغَ الإمام [6].
10. من كان مُشتهِرًا بالمعاصي، مُعْلِنًا بها، لا يُبالي بما ارتكب منها، ولا بما قيل له، فهذا هو الفاجر المعلِن، وليس له غِيبةٌ، ومثل هذا لا بأس بالبحث عن أمره لتُقام عليه الحدود، ولا يُشفَع له إذا أُخِذ، ولو لم يَبلُغ السُّلطان؛ بل يُترَك حتّى يقام عليه الحدُّ؛ لينكفَّ شَرُّه، ويرتدع به أمثاله [7].
11. بعث الحسن البصريُّ قومًا من أصحابه في قضاء حاجة لرجل وقال لهم: مُرُّوا بثابت البنانيِّ، فخذوه معكم، فأَتَوا ثابتًا، فقال: أنا معتكِفٌ، فرجعوا إلى الحسن فأخبروه، فقال: قولوا له: يا أعمشُ، أما تَعلَم أنَّ مَشْيَكَ في حاجة أخيك المسلم خيرٌ لك من حَجَّة بعد حجَّة؟! فرجعوا إلى ثابت، فترك اعتكافه، وذهب معهم.
12. في الحديث الحثُّ على طلب العلم، وبيان فضل الرحلة إليه، والجِدِّ في طلبه.
13. من سعى إلى طريق يَطلُب فيه العلم النافع، كان جزاؤه أن يُوفِّقه الله تعالى للأعمال الصالحة الموصِّلة إلى الجنة.
14. سلوكُ الطريق لالتماس العلم يَشمَل الطريقَ الحسيَّ، والطريقَ المعنويَّ؛ فأما الحسيُّ فهو الطريق الذي يسير فيه طالبُ العلم، سواءٌ كان ماشيًا أو راكبًا، ومن ذلك أيضًا الرحلة في طلب العلم؛ كأن يرتحل الإنسان من بلده إلى بلد آخَرَ يلتمس العلمَ، ونحو ذلك.
15. الطريق المعنويُّ في طلب العلم، هو الطريق الذي يُتوصَّل به إلى العلم؛ كالحفظ والفَهْم، والْمُدارسة، والمذاكرة، والمطالَعة، سواءٌ أكان مِن أفواه العلماء، أو مِن بُطون الكتب مراجعةً وبحثًا، فمِثلُ هذا يكون سالكًا لطريق العلم وإن كان جالسًا [8].
16. كما أَطلَق ﷺ لفظ الطريق، وأتى به عامًّا ليشمل جميع الطُّرق الحِسِّية والمعنوية الموصِّلة للعلم، كذا أَطلَق لفظ العلم، وأتى به منكَّرًا؛ ليَشمَل جميع فروع عِلم الدين ومسائله، وليندرجَ فيه القليل والكثير منه [9].
17. قوله: «سهَّلَ اللهُ له طريقًا إلى الجنة»: جزاؤه أن يُوفِّقه الله تعالى للأعمال الصالحة الموصِّلة إلى الجنة، أو يُسهِّل الله له العلم الذي طلبه، وسَلَك طريقه، ويُيسِّره عليه؛ فإن العلم طريقٌ موصِّلٌ إلى الجنة؛ بل هو من أقربها؛ إذ بالعلم الشرعيِّ يُعرَف الحلال والحرام، ومُرادُ الله من العباد، والوسائل الْمُعينة على رضاه سبحانه وتعالى.
18. من أبطأ به عملُه أن يَبلُغ به المنازل العالية عند اللّه تعالى، لم يُسرِع به نَسَبُه، فيبلِّغه تلك الدَّرجات؛ فإنّ اللّه تعالى رتَّب الجزاء على الأعمال، لا على الأنساب؛
{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ}
19. قال ابن مسعود: يَأمُر اللّه بالصِّراط، فيُضرَب على جهنَّمَ، فيَمُرُّ النَّاس على قَدْرِ أعمالهم زُمَرًا زُمرًا، أوائلُهم كلمح البَرْقِ، ثمّ كمَرِّ الرِّيح، ثمّ كمَرِّ الطَّير، ثمّ كمَرِّ البهائم، حتى يمرَّ الرَّجل سعيًا، وحتى يمرَّ الرّجل مَشْيًا، حتى يمرَّ آخرُهم يَتَلَبَّطُ على بَطْنِه، فيقول: يا ربِّ، لِمَ أبطأتَ بي؟ فيقول: إنّي لم أُبطِئْ بك؛ إنّما أَبطَأَ بك عَمَلُكَ.
20.
عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه ﷺ: حين أُنزِل عليه:
{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا»
المراجع
- رواه البخاريُّ (7448) ومسلم (923).
- "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص 119، 120).
- "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص 119، 120).
- "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص 119، 120).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 291 - 293).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 291 - 293).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 291 - 293).
- انظر: "شرح رياض الصالحين" ابن عثيمين (5/ 433- 434).
- انظر: "فتح الباري" ابن حجر (1/ 160)
- رواه البخاريُّ (2753)، ومسلم (206).