127 - من فَضائلِ الأعمالِ، الجزء: 3

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللهِ عز وجل، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ؛ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ.

فوائد الحديث

الفوائد العلمية

1. هذا الحديثُ من جوامع كَلِم النبيِّ ﷺ، ويجمع من جوامع الخير للمسلم في الدنيا والآخرة.

2. في الحديث دليل على عِظَم فضل هذه السبع الخصال؛ فمع أن خصال الخير والإيمان كثيرة، فإن النبيَّ ﷺ نصَّ على هذه السبع

3. في الحديث بيان فضل هؤلاء السبعة يوم القيامة، وهو ظلُّ الله تعالى لهم يوم لا ظل إلا ظله في حرِّ الشمس وكرب ذلك اليوم.

4. ليس الحديث لحصر الأصناف التي يُظلُّها الله في ظلِّه؛ بل هناك أصناف أخرى، منها: عن أبي اليسر مرفوعًا:

«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ، أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّه»

[1]،

ففيه خصلتان غير السبع، وهما: إنظار الْمُعسِر، أو التنازل له عن شيء من الدَّيِن؛ فدلَّ على أن العدد المذكور لا يُقصَد به الحصر [2].

5. قُدِّم الإمام العادل في الذِّكر؛ لعموم النفع به، فنفعُه مُتعدٍّ، فإن عَدَل، عَدَل مَنْ تحته، وصلحت أحوال الناس، والعادل يحكم بين الناس بالعدل، فلا يميل مع الهوى، ولا يرتشي بمال، ولا يُضيع ما أمره الله به.

6. قالت الحكماء: "مما يجب على السُّلطان العدل في ظاهر أفعاله؛ لإقامة أمر سُلطانه، وفي باطن ضميره؛ لإقامة أمر دينه، فإذا فسدت السياسة، ذَهَب السُّلطان. ومَدَارُ السياسة كلِّها على العدل والإنصاف، لا يقوم سلطان لأهل الكفر والإيمان إلا بهما، ولا يدور إلا عليهما، مع ترتيب الأمور مراتبها، وإنزالها منازلها" [3]. 

7.

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:

«إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا»

[4].

8. من خصائص الشباب أن الشابَّ يمتلئ فتوَّة ونشاطًا، ويكتمل قوَّة ونُموًّا؛ فالشابُّ الذي  لم تغلبه الشهوة، ولم تُخضعه لطاعتها دوافع الهوى والطَّيش، ولازَم عبادة الله، وراقب في سرِّه وجهره مولاه، استحقَّ أن يكرَّم بظلِّ الله تعالى يوم لا ظلَّ إلا ظله. 

9.

عَن أَنَسٍ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ ﷺ قال:

«ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلاوةَ الإِيمانِ: أَنْ يكونَ اللهُ ورَسُولُه أحَبَّ إلَيهِ ممَّا سِواهُما، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّه إلا للهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ»

[5].

10. حقيقة الحب في الله: ألَّا يَزيدَ بالبِرِّ ولا يَنقُصَ بالجفاء [6].

11. مَحبَّة المؤمنين من العبادات التي لا بد فيها من الإخلاص في حسن النيَّات [7].

12. الحبُّ في الله وسيلة لاجتماع الأحباب في الآخرة؛

فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ:

مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟». قَالَ: لا شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﷺ، فَقَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ

[8].

13. إن الله سبحانه وتعالى تكفل بمقتضى وعده إعانة من يريد النكاح حتى يعفَّ؛

فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ﷺ:

«ثلاثة حقٌّ على الله عزَّ وجل عونهم: المكاتَب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله»

[9].

14. يجمع السبعة معنى واحد، مع اختلاف أعمالهم فِي الصورة، وهو مجاهدة النفس، ومخالفة الهوى [10].

المراجع

  1. رواه مسلم (7704).
  2. "فتح الباري" لابن حجر (2/ 144).
  3. "العقد الفريد" لابن عبد ربه (1/23).
  4. رواه مسلم (1827).
  5. رواه البخاريُّ (16)، ومسلم (43).
  6. انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجرٍ العسْقلاني (1/ 62).
  7. "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" لأبي العباس القرطبيِّ (1/ 215)
  8. رواه البخاري (3688)، ورواه مسلم (2639).
  9. رواه الترمذيُّ (1655)، والنسائيُّ (3120)، وابن ماجه (2518). وحسَّنه الترمذيُّ، والبغويُّ في "شرح السنَّة" (5/6)، وصحَّحه ابن العربيِّ في "عارضة الأحوذي" (3/5)، وجوَّد إسناده ابن باز في "حاشية بلوغ المرام" (765).
  10. "فتح الباري" لابن رجب (6/ 46).


الفوائد العقدية

15. توهَّم بعض الناس جَهْلًا أن قوله: «سبعةٌ يُظلُّهم الله في ظِلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه» هذا هو ظلُّ الله نفسه، وأن الله تعالى يُظلُّهم من الشمس بذاته - عزَّ وجلَّ - وهذا فَهم خاطئٌ مُنكَر، يقوله بعض المتعالِمين الذين يقولون: إن مذهب أهل السُّنَّة إجراء النصوص على ظاهرها. فيُقال: أين الظاهر؟! وأين يكون ظاهر الحديث وأن الربَّ - جلَّ وعلا - يُظلُّهم من الشمس؟! فإن هذا يقتضي أن تكون الشمس فوق الله - عزَّ وجلَّ - وهذا شيء مُنكَر لا أحد يقول به من أهل السُّنَّة؛ فمعنى «يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه»، أو «يُظلُّهم الله في ظِلِّه» يعني الظلَّ الذي لا يقدر أحد عليه في ذلك الوقت؛ لأنه في ذلك الوقت لا بناءَ يُبنى، ولا شَجَرَ يُغرَس، ولا رمال تُقام، ولا أحجارَ تُصفَّف، ولا شيءَ من هذا... ولا يُظلُّ الخلائقَ من الشمس شيءٌ، لا بناءَ، ولا شجرَ، ولا حجر، ولا غير ذلك؛ لكن الله - عزَّ وجلَّ - يَخلُق شيئًا يُظلِّل به من شاء من عباده، يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه، هذا هو معنى الحديث، ولا يجوز أن يكون له معنى سوى هذا [1].

16. الحبُّ في الله والأخوَّة الإيمانية مِن العقيدة، ومن أجلِّ العبادات التي يتقرَّب بها العبدُ لله تعالى؛

قال الله تعالى:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾

[الحجرات: 10]،

وقال سبحانه:

﴿فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾

[آل عمران: 103].

17. يُشترط في محبَّة المؤمن الموصِّلة لحلاوة الإيمان أن تكون خالصةً لله تعالى، غيرَ مَشوبة بالأغراض الدنيوية؛ فإن مَن أحبَّه لذلك، انقطعت محبتُه إن حصل له ذلك الغرضُ، أو يئس من حصوله [2]

المراجع

  1. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (3/ 261، 262).
  2. انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" لأبي العباس القرطبيِّ (1/ 214).


الفوائد التربوية

18. على الداعية اختيار أساليب الدعوة المشوِّقة؛ ففي هذا الحديث ابتدأ ﷺ بأسلوب في غاية التشويق، فقال: «سبعة يظلهم الله في ظلِّه»، وأبهم النبيُّ ﷺ الخصالَ السبع بدايةً؛ تشويقًا للمستمِع؛ مما يضمن متابعتَه للمتكلِّم ﷺ حتى يتبيَّن هذه الخصال السبع.

الفوائد الحديثية

19. وقع في أكثر النُّسخ: «الإِمَامُ العَادِلُ»، وفي بعضها: «الإِمَامُ العَدْلُ»، وهما صحيحان [1].

20. "«ورجل تصدَّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله» هكذا وقع في جميع نسخ مسلم، وكذا نقله القاضي عن جميع روايات نسخ مسلم: «لا تعلم يمينه ما تنفق شماله»، والصّحيح المعروف: «حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» هكذا رواه مالك في الموطَّأ والبخاريُّ فيصحيحه، وغيرهما من الأئمّة، وهو وجه الكلام؛ لأنّ المعروف في النّفقة فِعْلُها باليمين. قال القاضي: ويُشبه أن يكون الوهم فيها من النّاقلين عن مسلم، لا من مسلم؛ بدليل إدخاله بعده حديث مالك ، وقال بمثل حديث عبيد، وبيَّن الخلاف في قوله، وقال: رجل معلَّق بالمسجد إذا خرج منه حتّى يعود، فلو كان ما رواه مخالفًا لرواية مالك، لنبَّه عليه كما نبَّه على هذا" [2].

المراجع

  1. "شرح النوويِّ على مسلم" (7/ 121).
  2. "شرح النوويِّ على مسلم" (7/ 121).


الفوائد اللغوية

21. قوله ﷺ: «سبعةٌ»: هنا التنوين عِوَضٌ عن كلمة؛ فالتنوين عوض عن المضاف إليه المحذوف؛ أي: سبعُ خصال.

22. قوله ﷺ: «سبعة»: العدد هنا ليس لحصر الأصناف التي يظلهم الله في ظله في الموقف يوم القيامة؛ بل الحديث نصَّ على سبعة منها.

مشاريع الأحاديث الكلية