3 - شهادة أن محمدًا ﷺ رسول الله

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ  قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» رواه البخاري. 

فوائد الحديث

الفوائد العلمية

1- في هذا الحديث بيان أصل عظيم من أصول الدين، ألا وهو وجوب اتِّباع النبيِّ ﷺ ، ويكون ذلك بامتثال أمره، واجتناب ما نهى عنه، وقد أمر الله عزَّ وجلَّ عباده باتِّباع نبيِّه ﷺ  والاقتداء بسنَّته؛

فقال

وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحۡذَرُواْۚ فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ

[المائدة: 92].

2- في هذا الحديث أعظم بشارة للطائعين من هذه الأمة، أنهم جميعًا من أهل الجنة إلا من عصى الله ورسوله واتَّبع شهواتِه وهواه، وقد توعَّد الله تعالى مَن خالَفَ أمرَه ﷺ، ورَغِب عن سنَّته

فقال:

فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ

[النور: 63].

3- المراد بالأمَّة في الحديث: أمَّةُ الدعوة، وهي من بُعِث إليهم ﷺ، وقد أُرسل للعالَمين، وقيل: هي أمَّة الإجابة، وهي من صدَّقه وآمن به ﷺ، وهم المسلمون.

4- وردت كلمة (أمة) في القرآن بمعانٍ كثيرة؛ منها: الجماعة

كقوله تعالى:

وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا

[النحل: 36]،

والدِّين

كقوله تعالى:

بَلۡ قَالُوٓاْ إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّهۡتَدُونَ

[الزخرف: 22]،

ومنها: المؤمن المطيع لله

كقوله تعالى:

إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةٗ قَانِتٗا لِّلَّهِ حَنِيفٗا وَلَمۡ يَكُ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ

[النحل: 120]

ومنها: الحين من الدهر

كقوله تعالى:

وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ

[يوسف: 45]

أي: بعد حين.

5- في الحديث بيان أن طاعة النبيِّ ﷺ  واتِّباعه سبب في جلب محبَّة الله تعالى، وغفران الذنوب، ويشهد لذلك

قوله تعالى:

قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ

[آل عمران: 31]

"أي: يَحصُل لكم فوقَ ما طلبتم من محبَّتكم إيَّاه، وهو محبَّته إيَّاكم، وهو أعظمُ من الأول"   [1]

6-

قال تعالى:

قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ

قال الحسن البصريُّ وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبُّون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية،

ثم قال:

وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

أي: باتِّباعكم للرسول ﷺ  يَحصُل لكم هذا كلُّه ببركة سفارته  [2] 

7-

قال تعالى:

وَإِن تُطِيعُوهُ تَهۡتَدُواْۚ

[النور: ٥٤]

إلى الصراط المستقيم، قولاً وعملاً، فلا سبيل لكم إلى الهداية إلا بطاعته، وبدون ذلك، لا يمكِن؛ بل هو محال.

وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ

أي: تبليغكم البيِّن الذي لا يُبقي لأحدٍ شكًّا ولا شُبهة، وقد فعل ﷺ، بلَّغ البلاغ المبين، وإنما الذي يحاسبكم ويجازيكم هو الله تعالى، فالرسولُ ليس له من الأمر شيء، وقد قام بوظيفته [3] 

8-

قال تعالى:

وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ

[الحشر: 7]


وقال:

يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ

[النساء: 59]،

فطاعة الرسول فرضٌ، ومن عصاه فقد عصى الله، وأن ما حرَّم رسول الله  في غير القرآن، كتحريم الله في القرآن [4]

9- أجمع المسلمون على أنّ من استَبانَت له سُنَّة رسول اللّه ﷺ  لم يكن له أن يَدَعها لقول أحد من النّاس  [5]

10- قال رسولُ الله ﷺ : «فعليكم بسُنَّتي، وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين، عَضُّوا عليها بالنَّوَاجِذ، وإيَّاكم والأمورَ المُحدَثاتِ؛ فإن كلَّ بِدعة ضلالة»   [6]  «عليكم بسُنَّتي»؛ أي: الزَموا سُنَّتِي، والسُّنَّة: الطريقة، وهي: كلُّ ما نُقل عن النبيِّ ﷺ  من قولٍ، أو فعلٍ، أو إقرار  [7]

11- حذَّر الله تعالى من مخالفة طريقة رسوله ﷺ  وسيرته ومنهجه

فقال:

فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ

[النــور: 63].

المراجع

  1.  "تفسير ابن كثير" (2/ 32).
  2.  "تفسير ابن كثير" (2/ 32).
  3.  "تفسير السعديِّ" (ص: 572).
  4.  انظر: "المفاتيح في شرح المصابيح" للمظهري (1/ 266).
  5.  "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم (1/ 6).
  6. رواه أبو داود (4607)، والترمذيُّ (2676)، وابن ماجه (42)، وصحَّحه ابن الملقِّن في "البدر المنير" (9/ 582)، وصحَّحه الألبانيُّ في المشكاة (165)، والإرواء (2455).
  7.  انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (2/ 409)

الفوائد العقدية

12- في الحديث الإباء والامتناع يكون إما عن قَبول الدعوة والدخول في الإسلام، فيكون كافرًا، أو بتركه الطاعةَ التي هي سببٌ في دخول الجنَّة، فيكون مسلمًا عاصيًا، وإن كان المسلم العاصي يدْخل الْجنَّة؛ إِذْ لَا يبْقى مخلَّدًا فِي النَّار، فإنه لَا يدْخل الجنة فِي أوَّل الْحَال.

13-

قال تعالى:

فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗاﱠ

[النساء: 65].

الفوائد الحديثية

14- روى عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أكثرُ من ثمانمائةٍ، ما بين صحابيٍّ وتابعيٍّ، وله خمسةُ آلافِ حديث وثلاثُمِائةٍ وأربعةٌ وسبعونَ حديثًا، اتَّفَق البخاريُّ ومسلم منها على ثَلاثمِائة حديث، وانفرد البخاريُّ بثلاثةٍ وسبعين حديثًا   [1]

المراجع

  1. "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" لابن علان (1/ 72).
الفوائد اللغوية

15- قوله: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ»: على صيغة الفاعِلِ، وقيل: (يُدْخَلون) على بناء المفعول[1]

16- «إِلَّا مَنْ أَبَى»: إن أُرِيد من الأُمَّة أُمَّةُ الإجابة (أي: المسلمون)، فالاستثناءُ منقطع، وإن أُريد أُمَّةُ الدعوة، فالاستثناءُ مُتَّصِلٌ[2]

17- هناك مجاز علاقته السببيَّة في وصفهم بالامتناع عن دخول الجنة. فقوله: «من أطاعني»؛ أي: انقاد وأذعن لما جئتُ به، «دخل الجنة»، وفاز بنعيمها الأبديِّ، ثم بيَّن أن إسناد الامتناع عن الدخول إليهم مَجَازٌ عن الامتناع لسببه، وهو عصيانه بقوله: «ومن عصاني»، بعدم التصديق، أو بفعل المنهيِّ، «فقد أبى»[3].

18- «قِيلَ: وَمَنْ أَبَى؟»: هذه عطفٌ على محذوف، عطفُ جُملةٍ على جملة؛ أي: عَرَفْنا الّذين يدخلون الجنَّة، ومن الّذي أبى؟ أي: الّذي أبى لا نعرفه[4].

المراجع

  1. "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (1/ 225).
  2.  "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (1/ 225).
  3.  "فيض القدير" للمناويِّ (5/ 12).
  4.  "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (1/ 225).

مشاريع الأحاديث الكلية