3 - شهادة أن محمدًا ﷺ رسول الله

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ  قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» رواه البخاري. 

فقه

  1. أخبرَ النبيُّ ﷺ أنَّ جميع أمَّته يدخلون الجنة إلا من رفض ذلك.  والمراد بالأمة هنا أُمَّةُ الدعوة، ممن بلغته دعوته من الإنس والجِنِّ، فكُلُّ من سَمِع بالنبيِّ ﷺ ووصلته آياتُ الله وشرعُه فهو من أُمَّتِه التي أُرْسِل ﷺ إليها.

  2. فتعَجَّب الصحابةُ لذلك: كيف يرفض عاقلٌ دخول الجنة التي فيها من أنواع النعيم ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر؟، فسؤالهم استنكاريٌّ تعجبيٌّ.

  3. ففَصَّل لهم النبيُّ ﷺ حقيقة ذلك، وهو أنَّ من اتبعه ﷺ وانقاد لأوامره واجتنب نواهيه، فقد فاز بدخول الجنة والابتعاد عن النار. أما من عصاه وخالف أمره وضادَّ سُنَّته وصدَّ عنها، فقد امتنع بسوء فعله واعتقاده عن دخول الجنة.

وهذا الموصوف بالإباء عن دخول الجنة إما أن يكون من الكُفَّار الذين أعرضوا عن الإسلام أصلًا، فهذا لا يدخل الجنة أبدًا

لقوله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

[آل عمران: 85]،

وقال جل وعلا:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ﴾

[الأعراف: 40].

 وإما أن يكون من المسلمين الذين اتبعوا الشهوات، وتركوا المأمورات، فسلكوا مسالك الفاسقين، أو ابتدعوا دينًا لم يأذن به الله: فهؤلاء لا يُخَلَّدون في النار؛ إذ لا يُخَلَّد في النار مسلمٌ، فيكون المرادُ أنهم لا يدخلون الجنَّة مع السابقين الأولين، وإنما بعدَ سبق عذاب أو مناقشة وعتاب.

اتباع: 

  1. روى أبو هريرة رضي الله عنه من الأحاديث ما لم يروه غيره؛ لحرصه على حديث رسول الله ﷺ وتفرُّغه له، حتى إنَّه كان يبيت مع أهل الصُفَّة في المسجد، يأكل من طعامهم ويشرب من شرابهم، لا يشغله عن رسول الله ﷺ شاغل. وهو من عظيم اجتهاده وعلوِّ هِمَّته، فينبغي على من أراد الهِمَّة في طلب العلم أو الاجتهاد في أمرٍ من الأمور أن يتمثَّل بفعل أبي هريرة وصبره وملازمته لرسول الله ﷺ.

  2. صدَّر النبيُّ ﷺ كلامَه بعبارةٍ مجملة تحتاج إلى توضيح وتفصيل، وذلك لتتعلق النفوس إلى استماعه وحفظه، ولهذا بادر الصحابة إلى السؤال عن توضيح ذلك الإبهام. فينبغي على كلِّ مُعَلِّمٍ أو مُرَبٍّ أو داعيةٍ أن يحرص على استعمال الأساليب التي تجلب الانتباه وتساعد على التركيز والحفظ.

  3. دخول الجنَّةِ فوزٌ عظيمٌ، يحتاج إلى أمرٍ هين، وهو اتباع النبيِّ ﷺ وطاعته، فمَن فرَّط في تلك الغنيمة وأدركه الخسران المبين، فهو المُضَيِّع الرافض.

  4. ما أوضح هذا الطريق وما أيسره، وما أبعده عن التكلف والتعنت في العبادة، فهي الطاعة لله تعالى بطاعة رسوله ﷺ، قال عبد اللّه بنُ مسعود: "إنّا نقتدي ولا نَبتَدي، ونتَّبِع ولا نَبتَدع، ولن نَضِلَّ ما تمسَّكْنا بالأثر"[1]

  5. قال الشاعر:

إِنْ لَمْ  تَكُنْ  لِمُحَمَّدٍ = تَبَعًا  فَقُلْ  لَمْ  أَرْشُدِ

دُنْيَاكَ  مَاذَا   بَعْدَهَا = مَا دُمْتَ غَيْرَ مُخَلَّدِ؟

هَلْ  هَذِهِ  دَارُ  البَقَا = ءِ أَوِ النَّعِيمِ؟ أَلا ازْهَدِ

اصْبِرْ  عَلَى  أَهْوَالِهَا = وَاجْهَدْ لِتَنْعَمَ فِي الغَدِ

المراجع

  1. "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم (4/ 115).


مشاريع الأحاديث الكلية