عن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما، أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ؛ إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ».
عن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما، أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ؛ إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ».
1. لقد ضبط الله تعالى المعاملاتِ بين البشر بما فيه صلاح معايشهم؛ مثلُ أن يكونوا في جماعات، لكلٍّ منهم حقوق، وعليه واجبات، فأمرهم الله تعالى بأن يكونوا مع الجماعة، وأن يحذروا الفُرْقةَ والاختلافَ؛ لأنَّ ذلك يُسبِّب الشرَّ والفساد والنزاع واختلال الأمن.
2. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ:
«مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَكَرِهَهُ فَلْيَصْبِرْ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتُ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»[1].
3. عَنْ عَلِيٍّ رضي اللَّه عنه، قَالَ:
بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ سَرِيَّةً، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: قَدْ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا، وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا، ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا فَجَمَعُوا حَطَبًا، فَأَوْقَدُوا نَارًا، فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ، فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِيَّ ﷺ فِرَارًا مِنَ النَّارِ أَفَنَدْخُلُهَا؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ خَمَدَتِ النَّارُ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: «لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا؛ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»
[2].
4. عن أبي هُرَيرة - رضي الله عنه - قال:
قال رسول ﷺ:
«كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ» قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ»
[3].
5. إن رفع راية الحقِّ، وكلمة الله تعالى، يتوقَّف تحقُّقه على قوَّة الجماعة، وقوَّةُ الأمَّة في وَحْدتها، لذا حضَّ الإسلامُ على لزوم الجماعة.
6. يجب على الناس جميعًا أن يقدِّموا طاعة الله تعالى على طاعة كلِّ أحد؛ فإن الأصل أن طاعة الولاة من طاعة الله تعالى، فلا يُتصوَّر أن يكون مأمورًا بطاعتهم فيما يناقض أمر الله تعالى وشريعته.
7. أَمَرَ الله تعالى المسلمين أن يولُّوا عليهم من يَحكُمُهم بشرع الله تعالى، فيَسُوسهم ويحفظ دنياهم، ويَذُود عن دينهم، ويرفع راية الإسلام، وأمرهم أن يسمعوا له ويُطيعوه في المعروف، وأن يُعينوه في مَهامِّه وواجباته، ويتعاونوا معه؛ إلا أن يأمرهم بمعصية، فلا سمع له ولا طاعة فيها؛ بل يأثم من يُطيعه في المعصية.
8. نهى الله تعالى المسلمين عن الخروجِ على وليِّ الأمْرِ المسلمِ، والسَّعيِ إلى عَزْلِه؛ فإن ذلك من أعظم أسباب نشر الفِتن وتهييجها، وإراقةِ الدِّماءِ، وإفساد ذاتِ البَينِ؛ وغالبًا ما تكونُ المفسدةُ في عَزْلِه أكثرَ منها في بقائه.
9. في هذا الحديثِ بيان أنَّ مِن حقوقِ الحاكِم الشَّرعيِّ الواجبة على الْمُسلِم: السَّمْعَ والطاعةَ في المعروف، وذلك فيما أحَبَّ، وكذلك فيما كَرِه لأيِّ سبب، سواءٌ كان السبب فَواتَ مَصالِحَ شخصيَّةٍ له، أو وقوعَ ضرر عليه، أو حتى لِمَا يَراه مِن فواتِ مَصالِح الأمَّة.
10. لو ظنَّ ظانٌّ أن في قوله ﷺ:
«اسْمَعوا وأطيعُوا، وإن استُعمِل عليكم عبد حبشيٌّ»
وفي قوله:
«من رأى من أميره شيئًا يَكرَهُه فليصبرْ»
حُجَّةً لمن أَقدَم على معصية الله بأمر سُلطان أو غيره، وقال: قد وَرَدت الأخبار بالسَّمع والطاعة لوُلاة الأمر، فقد ظنَّ خطأً؛ وذلك أن أخبار رسول الله ﷺ لا يجوز أن تَتضادَّ، ونَهْيَه وأمرَه لا يجوز أن يتناقض أو يتعارَضَ[1].
11. في قوله: «إلا أن لم يؤمَر بمعصية» تقييدُ ما أُطلِق في الأحاديث الأخرى التي تأمر بالسّمع والطّاعة، ولو لحبشيٍّ، ومن الصَّبر على ما يقع من الأمير ممَّا يُكرَه، والوعيد على مفارقة الجماعة، وقوله: «فإذا أَمَرَ بمعصية، فلا سمع ولا طاعة»؛ أي: لا يَجِب ذلك؛ بل يَحْرُم على من كان قادرًا على الامتناع؛ بل إنه ينعزل بالكُفر إجماعًا، فيجب على كلِّ مسلم القيامُ في ذلك، فمن قَوِيَ على ذلك، فله الثَّوابُ، ومن داهَنَ، فعليه الإثم، ومن عَجَز، وَجَبت عليه الهجرة من تلك الأرض[2].
12. وليُّ الأمر هو كلُّ من جعل الله تعالى له ولايةً على من تحته، وعلى رأس هؤلاء مَن يتولَّى الإمامة العظمى على البلاد؛ من الملوك والأمراء والرؤساء ونحوهم، وكلُّ من ولَّاه السلطان ولاية من الولايات، فإنه يطاع فيها بالمعروف؛ لِمَا في ذلك من الخير العظيم، واستِتْباب الأمن، ونصر المظلوم، وردع الظالم، وغير هذا من الفوائد العظيمة في السمع والطاعة في المعروف.
13. قال الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ)
[النساء: 59]
إن طاعة الله أصل، وكذلك طاعة رسوله ﷺ أصل بما أنه مُرسَل منه، أما طاعة أولي الأمر من المؤمنين فهي تَبَع لطاعة الله وطاعة رسوله، فلم يكرِّر لفظ الطاعة عند ذكرهم، كما كرَّرها عند ذكر الرسول ﷺ ليقرِّر أن طاعتهم مستمَدَّة من طاعة الله وطاعة رسوله.
14. يجب على وليِّ الأمر أن يجتنب الأمر بمعصية الله تعالى، وعليه مراجعة أهل العلم فيما أَشكَل عليه؛ ليَعلَم كونَ الشيء المأمور به من المعاصي أو ليس كذلك.
15. إذا أمر وليُّ الأمر بما فيه معصيةٌ لله تعالى، فلا تجوز طاعته في هذه المعصية فقط، لا في مُطلَق أمره ونهيِه، ولا يجوز الخروجُ عليه لأجل ذلك، بل يُشرَع للمسلم مراجعته ومناصحته بالحِكمة والموعظة الحسنة، ويجب التنازل عن الرَّغَبات والمصالح الشخصية؛ من أجل وَحدة الأمَّة الإسلامية، واجتماعها، وتماسكها.
16. قال ﷺ: «من رأى شيئًا يكرهه فليصبر» يعنى: من الظُّلم والجَور. فأما من رأى شيئًا من معارَضة اللهِ ببدعة أو قلبِ شريعةٍ، فليَخْرُجْ من تلك الأرض ويُهاجِر منها، وإن أمكنه إمامٌ عَدْلٌ، واتَّفَق عليه جمهور الناس، فلا بأس بخَلع الأوَّل، فإن لم يكن معه إلَّا قِطعةً من الناس، أو ما يُوجِب الفُرقة، فلا يحِلُّ له الخروج[3].
17. أجمعتِ الأمَّةُ أن كُفْرَ الإمامِ بعدَ إيمانه، وتركَه إقامةَ الصلاة والدعاءَ إليها، يُوجِبُ خَلْعَه وسقوطَ فرض طاعته، واختلفوا إذا كان فاسقًا ظالِمًا غاصبًا للأموال، يَضرِب الأبشار، ويتناول النُّفوس المحرَّمة، ويُضيع الحدود، ويُعطِّل الحقوق، فقال كثير من الناس: يَجِبُ خَلْعُه لذلك. وقال الجمهور من الأمَّة وأهل الحديث: لا يُخلَع بهذه الأمور، ولا يَجِب الخروج عليه؛ بل يَجِب وَعْظُه وتخويفُه، وتركُ طاعته فيما يدعو إليه من معاصي الله[4].