عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ»[1].
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ»[1].
1. إن الحياء يَعصِم المرءَ من المعاصي والمنكَرات، ويَحمِله على الاستقامة والطاعة، وبدون الحياء يَغرَق الناسُ في أوحال المعاصي والمنكَرات.
2. إن الحياءَ هو رأسُ الفضائلِ والشِّيم والأخلاق، وهو عِمادُ شُعَب الإيمان، وبه يتمُّ الدين، وهو دليلُ الإيمان، ورائدُ الإنسان إلى الخير والهدى.
3. إن الحياء خُلُقٌ يَبعَث صاحبَه على اجتناب القَبِيح، ويَمنَع من التقصير في حقِّ ذي الحقِّ، وهو خُلُق جميل يدعو إلى التحلِّي بالفضائل، والبُعد عن الرذائل.
4. الحياءُ من الحياة، ومنه الحيا للمطر، وقِلَّةُ الحياءِ من موت القلب والرُّوح، وكلَّما كان القلبُ أحْيا، كان الحياءُ أَتَمَّ.
5. الحياء: هو انقباض النَّفس مِن شيءٍ، وتَرْكُه حَذَرًا عن اللَّوْمِ فيه[1].
6. الحياء هو تغيُّر وانكسار يعتري الإنسانَ مِن خوف ما يُعَاب به ويُذَمُّ، ومَحَلُّه الوَجْهُ[2].
7. الحياءُ زينةُ الأخلاق؛ قال النبيُّ ﷺ:
«مَا كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ إِلَّا شَانَه»[3].
8. في الحديث بيان أنَّ الحَيَاء لم يَزَل أمرُه ثابتًا، واستعمالُه واجبًا منذ زمان النُّبوَّة الأولى، وأنه ما مِن نبيٍّ إلَّا وقد نَدَب إلى الحَيَاء وبُعِث عليه، وأنَّه لم يُنسَخ فيما نُسِخ مِن شرائعهم، ولم يُبَدَّل فيما بُدِّل منها؛ وذلك أنه أمر قد عُلم صوابُه، وبان فضله، واتَّفَقت العقول على حُسنه، وما كان هذا صفتَه، لم يَجُزْ عليه النَّسخ والتبديل[4].
9. في الحديث بيان أن الْمَرء إذا لم يكن لَدَيْه حياءٌ يَمنَعُه من فِعل القبيح، فليفعلْ ما بَدَا له؛ فإنَّ اللَّه تعالى سيُجَازِيه عليه؛ كقوله تعالى:
{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}
[فصلت: 40]
10. «فَافعلْ مَا شِئْتَ» قيل: إنّه أمرٌ، ومعناه الخبر، والمعنى: أنّ من لم يستحيِ، صَنَع ما شاء؛ فإنّ المانع من فعل القبائح هو الحياء، فمن لم يكن له حياء، انهمك في كلِّ فحشاءَ ومنكَر، وما يمتنع من مثله مَن له حياء؛ على حدّ قوله ﷺ:
«من كذب عليّ فليتبوّأ مقعده من النّار»[5]
فإنّ لفظه لفظ الأمر، ومعناه الخبر، وأنّ من كذب عليه تبوّأ مقعده من النّار[6].
11. قال النبيُّ ﷺ:
«الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ»[7].
12. قال ﷺ:
«الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» أَوْ قَالَ: «الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ»[8].
13. إن حياء المؤمن يدلُّ على كمال إيمانه، وحُسْن أَدَبه، ونقاء سَرِيرته؛
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ: بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ»
[9].
14.
مَرَّ النبيُّ ﷺ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاء، فَقَالَ له: «دَعْهُ؛ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ»[10].
15. إن خُلق الحياء خُصَّ به الإنسانُ دون جَمِيع الْحَيَوَان، فهو من أفضل الأخلاق وأجلِّها وأعظمها قدرًا، وأكثرها نفعًا؛ بل هو خَاصَّةُ الإنسانية، فمن لا حَيَاءَ فيه، لَيْسَ مَعَه من الإنسانية إلا اللَّحْم وَالدَّم، وصورتهم الظاهرة، كما أنه ليس معه من الخير شيء[11].
16. لولا خُلقُ الحياء، لم يُقْرَ الضَّيْف، وَلم يُوفَ بالوعد، وَلم يؤدَّ أمانة، وَلم يُقْضَ لأحَدٍ حاجة، ولا تحرَّى الرجلُ الْجَمِيل، فآثَرَه، والقبيحَ، فتجنَّبه، ولا ستر له عورة، ولا امتنع من فاحشة، وَكثيرٌ من الناس لولا الحياءُ الذي فيه، لم يؤدِّ شَيْئًا من الأمور المفترَضة عليه، ولم يَرْعَ لمخلوق حَقًّا، ولم يصل له رَحِمًا، ولا برَّ له والدًا؛ فإن الباعث على هذه الأفعال، إِمَّا دينيٌّ، وهو رَجَاء عاقبتها الحميدة، وإِمَّا دُنْيَوِيٌّ عُلويٌّ، وهو حياء فاعلها من الْخَلق، وقد تبيَّن أنه لولا الحياءُ، إِمَّا من الخالق أو من الخلائق، لم يفعلها صاحبها[12].
17. الحياءُ الغريزيُّ: هو خُلُقٌ يمنحُه الله العبدَ ويجبُلُه عليه، فيكُفُّه عن ارتكاب القبائح والرذائل، ويحثُّه على فعل الجميل، وهو من أعلى مواهب الله للعبد، فهذا من الإيمان باعتبار أنه يؤثِّر ما يؤثِّره الإيمان من فعل الجميل، والكَفِّ عن القبيح، وربما ارتقى صاحبُه بعده إلى درجة الإيمان[13].
18. الحياء المكتسَب: إما أن يكون مُكتَسَبًا، من مقام الإيمان؛ كحياء العبد من مقامه بين يدَيِ الله يومَ القيامة، فيوجِب له ذلك الاستعدادَ للقائه، أو مكتسَبًا من مقام الإحسان؛ كحياء العبد من اطِّلاع الله عليه وقُربه منه؛ فهذا من أعلى خصال الإيمان[14].
19. وَصَف أبو سعيدٍ الخُدريُّ - رضي الله عنه - النبيَّ ﷺ بقوله:
«كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ»[15].
20. الحياءُ من خُلُقِ الملائكة والأنبياء؛
قال النبيُّ ﷺ في عثمانَ - رضي الله عنه -: «أَلا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلاَئِكَةُ؟!»[16].
21. قال النبيُّ ﷺ:
«إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلاً حَيِيًّا سِتِّيرًا، لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ؛ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ»[17].
22. "أول الحياء وأوْلاه: الحياءُ من الله تعالى، وهو ألَّا يراك حيث نهاك، وذلك لا يكون إلا عن معرفة بالله تعالى كاملة، ومُراقبة له حاصلة، وهي المعبَّر عنها بقوله: «أن تعبُدَ اللهَ كأنك تراه؛ فإن لم تكُنْ تراه فإنه يراكَ»[18]"[19].
23. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ». قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ؛ وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ المَوْتَ وَالبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ»[20].
24. من أعظم فضائل الحياء أنه يُفضي إلى جنةٍ عَرْضُها السماوات والأرض؛ قال النبيُّ ﷺ:
«الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ، وَالإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ، وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ»[21].
25. الحياء من صفات الله تعالى؛ قال النبيُّ ﷺ:
«إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ، فَيَرُدَّهُمَا صِفْرًا – أَوْ قال: خَائِبَتَيْنِ»[1].
26. أمَّا حياءُ الربِّ تعالى من عبده، فنوعٌ آخَر، لا تُدركه الأفهام، ولا تُكيِّفه العقول؛ فإنه حياءُ كرمٍ وبِرٍّ وجودٍ، فإنه تبارك وتعالى حيِيٌّ كريم يَستَحيي من عبده إذا رَفَع إليه يديه أن يَرُدَّهما صِفرًا، ويستحيي أن يُعذِّب ذا شَيْبةٍ شابت في الإسلام[2].
27. كان يحيى بنُ معاذ يقول: سبحان من يُذنب عبدُه ويستحيي هو. وفي أثر: من استحيا من الله استحيا الله منه[3].
28. يُقَالُ: (اسْتَحَيْتُ) بياء واحدة، وأصله: (اسْتَحْيَيْتُ)، فَأَعَلُّوا الياء الأولى، وَأَلْقَوْا حركتها على الحاء، فقالوا: (اسْتَحَيْتُ) لَمَّا كَثُرَ في كلامهم. وقال الأخفش: (اسْتَحَى) بياء واحدة لُغَةُ تَمِيمٍ، وَبِيَاءَيْنِ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وهو الأصل؛ وإنما حذفوا الياء لكثرة استعمالهم لهذه الكلمة[1].