6- في الحديث بدأ ﷺ بالشهادة لله تعالى بالوحدانية، ولنبيِّه ﷺ بالرسالة؛ لأنهما أصلُ الدين الذي لا يصحُّ شيء من فروعه إلا بهما، فهم مطالَبون أولاً بالجمع بين الإقرار بالوحدانية، والإقرار بالرسالة.
7-في الحديث بيان لا إله إلا الله محمد رسول الله، وفيه ترتيب الفروض في التأكيد، وأَوْلَويةُ حقوق الإيمان على حقوق الأموال.
8- في الحديث دليلٌ على أن الإيمان لا يصحُّ إلا بالمعرفة وانشراح الصدر، ولا يكفي فيه نُطق اللسان كما تقوله الجَهْميَّةُ، ولا التقليد المجرَّدُ كما يظُّنه الجَهَلة [1]
المراجع
- "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (1/ 240).
6. "اتَّفَق العلماء على وجوب ما يَجِب بوعد الله الصادق، وتنازعوا هل يُوجِب اللهُ بنفسه على نفسه، ويحرِّم بنفسه على نفسه، على قولين، ومن جوَّز ذلك احتجَّ بقوله سبحانه:
كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ
[الأنعام: ٥٤]
وبقوله في الحديث القدسيِّ الصحيح[1]:
«يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي…»"[2].
7. من قال من أهل السنَّة بالوجوب قال: إنه كتب على نفسه الرحمة، وحرَّم الظلم على نفسه، لا أن العبد نفسه مستحِقٌّ على الله شيئًا، كما يكون للمخلوق على المخلوق؛ فإن الله هو المنعِم على العباد بكلِّ خير، فهو الخالق لهم، وهو المرسِل إليهم الرسلَ، وهو الميسِّر لهم الإيمانَ والعملَ الصالح، ومن توهَّم من القَدَرية والمعتزلة ونحوِهم أنهم يستحقُّون عليه من جنس ما يستحقُّه الأجير على المستأجِر، فهو جاهلٌ في ذلك، وإذا كان كذلك، لم تكن الوسيلةُ إليه إلا بما منَّ به من فضله وإحسانه[3]
8. الإيجاب عليه سبحانه وتعالى والتحريم بالقياس على خَلقه، هذا قول القَدَرية، وهو قول مبتدَع مخالِف لصحيح المنقول وصريح المعقول، وأهل السنَّة متَّفِقون على أنه سبحانه خالق كل شيء وربُّه ومَلِيكُه، وأنه ما شاء كان وما شاء لم يكن، وأن العباد لا يوجِبون عليه شيئًا[4]
9. من مات لا يتَّخِذ مع الله شريكًا في الإلهيَّة، ولا في الْخَلْق، ولا في العبادة، فلا بُدَّ من دخوله الجنَّة، وإن جرت عليه قبل ذلك أنواعٌ من العذاب والمحنة، وأن من مات على الشـرك، لا يدخل الجنَّة، ولا يناله من الله تعالى رحمةٌ، ويُخلَّد في النار أَبَد الآباد، من غير انقطاع عذاب[5]
10. ليس للعباد على الله حقٌّ ابتداءً؛ فالله تعالى لا يجب عليه شيء؛ وإنما أوجب ذلك على نفسه مِنَّةً وتفضُّلاً ومجازاة لعباده على أعمالهم.
11. الحقُّ الذي لعباده هو من فضله وإحسانه، ليس من باب المعاوَضة، ولا من باب ما أَوجَبه غيرُه عليه؛ فإنه سبحانه يتعالى عن ذلك[6]
12. عارَضَ هذا الحديثَ ما تواتر من نصوص الكتاب والسّنَّة؛ أنّ بعض عصاة الموحِّدين يدخلون النّار، فعلى هذا يجب الجمع بين الأمرين، وقد سلكوا في ذلك مسالك؛ منها: أنه مقيَّد بشرائطَ كما تُرتَّب الأحكام على أسبابها المقتضية المتوقِّفة على انتفاء الموانع، فإذا تكامل ذلك، عَمِل المقتضِي عملَه. وقيل: ليس ذلك لكلِّ من وحَّد وعبد؛ بل يختصُّ بمن أخلص، والإخلاصُ يقتضي تحقيق القلب بمعناها، ولا يُتصوَّر حصول التّحقيق مع الإصرار على المعصية[7]
13. إن جميع الخَلْق عبادُ الله، إما شرعًا وإما قهْرًا، أما المؤمنون فهم عِباد الله الذين استجابوا لأمره، وأما الكفَّار فهم داخلون تحت العبودية لله قهْرًا
قال تعالى
إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ إِلَّآ ءَاتِي ٱلرَّحۡمَٰنِ عَبۡدٗا
[مريم: 93].
14. العبادة هي الغايةُ الّتي خَلَق اللّه لها العباد من جهة أمر اللّه ومحبَّته ورضاه
كما قال تعالى
وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ
[الذاريات: ٥٦]،
وبها أرسل الرُّسل، وأَنزَل الكُتب[8]
15. العبادة هي اسمٌ يجمع كمال الحبِّ للّه ونهايتَه، وكمالَ الذُّلِّ للّه ونهايتَه؛ فالحبُّ الخليُّ عن ذُلٍّ، والذُّلُّ الخَلِيُّ عن حبٍّ، لا يكون عبادةً؛ وإنّما العبادةُ ما يَجمَع كمال الأمرين؛ ولهذا كانت العبادةُ لا تَصلُح إلّا للّه[9]
16. العبادة وإن كانت منفعتُها للعبد، واللّه غنيٌّ عن العالمين، فهي له من جهة محبَّته لها ورضاه بها؛ ولهذا كان اللّه أشدَّ فَرَحًا بتوبة العبد من الفاقد لراحلته عليها طعامُه وشرابه في أرض مُهلِكة إذا نام آيِسًا منها، ثمّ استيقظ فوَجَدها[10]
17. العبادة: هي اسم جامعٌ لكلِّ ما يُحبُّه اللّه ويرضاه، من الأقوال والأعمال الباطنة والظّاهرة؛ فالصّلاةُ والزّكاة والصّيام والحجُّ، وصِدق الحديث، وأداء الأمانة، وبرُّ الوالدينِ، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنّهيُ عن المنكر، والجهادُ للكفَّار والمنافقين، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السّبيل، والمملوك من الآدميّين والبهائم، والدّعاء والذّكر والقراءة، وأمثال ذلك من العبادة، وكذلك حبُّ اللّه ورسوله، وخشية اللّه والإنابة إليه، وإخلاص الدّين له، والصَّبر لحُكمه، والشُّكر لنِعمه، والرّضا بقضائه، والتّوكُّل عليه، والرّجاء لرحمته، والخوف لعذابه، وأمثال ذلك، هي من العبادة للّه[11]
18. المراد بالعبادة: عملُ الطاعة، واجتناب المعاصي، وعَطَف عليها عدمَ الشِّـرك؛ لأنه تَمَام التوحيد، والحِكمة في عطفه على العبادة أن بعض الكفرة كانوا يدَّعون أنهم يعبدون الله؛ ولكنهم كانوا يعبدون آلهةً أخرى، فاشترط نفيَ ذلك[12]
19. عبادةُ الله: إقرارٌ باللسان، وتصديق بالقلب، وعمل بالجوارح[13]
المراجع
- رواه مسلم (2577).
- "اقتضاء الصراط المستقيم" لابن تيمية (ص: 409).
- "اقتضاء الصراط المستقيم" لابن تيمية (ص: 409، 410).
- "اقتضاء الصراط المستقيم" لابن تيمية (ص: 409).
- "المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم" للقرطبيِّ (1/290)
- "اقتضاء الصراط المستقيم" لابن تيمية (ص: 409، 410).
- "فتح الباري" لابن حجر (11/ 340).
- "مجموع الفتاوى" (10/ 19).
- "مجموع الفتاوى" (10/ 19).
- "مجموع الفتاوى" (10/ 19، 20).
- "مجموع الفتاوى" (10/ 149، 150)
- "فتح الباري" لابن حجر (11/339)
- "فتح الباري" لابن حجر (11/339).
12- في الحديث الإباء والامتناع يكون إما عن قَبول الدعوة والدخول في الإسلام، فيكون كافرًا، أو بتركه الطاعةَ التي هي سببٌ في دخول الجنَّة، فيكون مسلمًا عاصيًا، وإن كان المسلم العاصي يدْخل الْجنَّة؛ إِذْ لَا يبْقى مخلَّدًا فِي النَّار، فإنه لَا يدْخل الجنة فِي أوَّل الْحَال.
13-
قال تعالى:
فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗاﱠ
[النساء: 65].
22. من مظاهر ربوبية الله تعالى انفرادُه بتعظيم ما يشاء من خَلْقِه، وما يختار من الزمان والمكان، فهو الذي يفعل ما يشاء لحِكمة يَعلَمها سبحانه، ومن ذلك أنه تعالى جعل لبعض الأزمنة الأماكن فضائلَ ومزايا ليست لغيرها، فجَعَل يومَ عرفةَ خيرَ أيَّام العام، ويومَ الجُمُعة أفضلَ أيام الأسبوع، وجَعَل الكعبةَ أفضلَ البقاع، وشهرَ رمضان أفضلَ الشهور، وليلةَ القَدْر أفضلَ الليالي جميعًا.
10. قوله: «فليس لله حاجة» تعالى ربُّنا عن أن يحتاج، فهو الغنيُّ عن العالَمين، وهذا تَعبير عن عدم الالتفات، والمبالاة، والقَبول، والْمَيل، تقول: لا حاجةَ لي في فلان؛ أي: لا تهتمُّ به ولا يُهِمُّك أمرُه [1].
المراجع
1. انظر: "الميسر في شرح مصابيح السنة" للتوربشتيِّ (2/ 467)، "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" للبيضاويِّ (1/ 497).
11. من مظاهر الربوبية لله تعالى تعظيمُ ما يشاء من الخَلق والأيام والأوقات والأماكن التي يختارها سبحانه، فاختيار الحج زمانًا ومكانًا، وتخصيصه بالمزايا والفضائل، هو اختيار ربَّانيٌّ، وتخصيص إلهيٌّ؛ حيث ينفرد سبحانه بتعظيم ما يشاء من خَلقه، وما يختار من الزمان والمكان، فهو الذي يفعل ما يشاء لحِكمة يَعلَمها سبحانه
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
[البقرة: ١٧٨ – ١٧٩]
7. الشِّرْكُ بِاللَّهِ هو اتِّخَاذ إلَهٍ غير الله، وهو أعظم الكبائر على الإطلاق؛ فإن الشرك لظُلمٌ عظيم؛ قال الله تعالى:
{ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }
[لقمان: 13]
8. إن أعظم الموبقات أن تُشرك بالله عزَّ وجلَّ، وهو خَلَقك وأَنعَم عليك في بطن أمِّكَ، وبعد وَضعك وفي حال صِباكَ، أَنعَم الله عليك بنِعَم كثيرة، فتُشرك به؛ عن عَبْدِاللهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ:
سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ». قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ... [1]
9. نفى الله تعالى الإيمانَ عن السارق والزاني وشارب الخمر؛ قال ﷺ:
«لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ»[2].
"والمراد بنَفي الإيمان نفيُ بُلوغ حقيقته ونهايته؛ فإن الإيمان كثيرًا ما يُنْفى لانتفاء بعض أركانه وواجباته"[3].
10. من سَتَره الله في الدّنيا، ولم يعاقَب على معصيته، فهو تحت مشيئة الله تعالى، إن شاء غَفَر له هذه المعصية بفضله، فأدخله الجنّة دون عقاب، وإن شاء، عاقَبَه بالعذاب على جنايته في النار، ثم أخرجه منها، وأدخله الجنَّة.
المراجع
- رواه البخاريُّ (4477)، ومسلم (86).
- رواه البخاريُّ (2475)، ومسلم (100).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 302).
26. من مظاهر الربوبية لله تعالى تعظيم ما يشاء من الخلق والأيام والأوقات والأماكن التي يختارها سبحانه، فاختيار الحج زمانًا ومكانًا، وتخصيصه بالمزايا والفضائل، هو اختيار ربَّانيٌّ، وتخصيص إلهيٌّ؛ حيث ينفرد سبحانه بتعظيم ما يشاء من خلقه، وما يختار من الزمان والمكان، فهو الذي يفعل ما يشاء لحكمة يعلمها سبحانه.
29. الصبر واجب بإجماع الأمَّة، وهو نصف الإيمان؛ فإن الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر[1].
30. المؤمن الكامل الإيمان يشكر الله تعالى في السرَّاء، ويصبر على الضرَّاء، فينال خير الدارين، أما ناقص الإيمان والكافر، فإنه يتضجَّر ويتسخَّط من المصيبة، فيجتمع عليه المصيبة ووِزْرُ سَخَطه، ولا يعرف للنعمة قدرها، فلا يقوم بحقِّها ولا يَشكُرها، فتنقلب النعمة في حقِّه نِقمة، فإن أصابته سرَّاءُ، شَبِع وبَطَر، وإن أصابته ضرَّاءُ، جزع وكَفَر، بخلاف حال المؤمن[2].
31. قال عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "ألا إنَّ الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قُطع الرأس بادَ الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له"[3].
32. الله تعالى سمَّى نفسه شاكرًا وشَكورًا، وسمَّى الشاكرين بهذينِ الاسمين، فأعطاهم من وصفه، وسمَّاهم باسمه، وحسبُك بهذا محبَّةً للشاكرين وفضلًا، وإعادته للشاكر مشكورًا؛ كقوله:
{ إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا }
[الإنسان: 22] [4]
33. بالشكر يرضى الله عن عبده؛ قال تعالى:
{ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ }
[الزمر: 7][5]
المراجع
- "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 152).
- "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (8/ 3317).
- "الصبر والثواب عليه" لابن أبي الدنيا (ص 24).
- "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 243).
- "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 243).
19. من مظاهر الربوبية لله عزَّ وجلَّ تعظيم ما يشاء من الخلق والأيام والأوقات والأماكن التي يختارها سبحانه، فاختيار الحج زمانًا ومكانًا، وتخصيصه بالمزايا والفضائل، هو اختيار ربَّانيٌّ، وتخصيص إلهيٌّ؛ حيث ينفرد سبحانه بتعظيم ما يشاء من خلقه، وما يختار من الزمان والمكان، فهو الذي يفعل ما يشاء لحكمة يعلمها سبحانه.
25. الحياء من صفات الله تعالى؛ قال النبيُّ ﷺ:
«إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ، فَيَرُدَّهُمَا صِفْرًا – أَوْ قال: خَائِبَتَيْنِ»[1].
26. أمَّا حياءُ الربِّ تعالى من عبده، فنوعٌ آخَر، لا تُدركه الأفهام، ولا تُكيِّفه العقول؛ فإنه حياءُ كرمٍ وبِرٍّ وجودٍ، فإنه تبارك وتعالى حيِيٌّ كريم يَستَحيي من عبده إذا رَفَع إليه يديه أن يَرُدَّهما صِفرًا، ويستحيي أن يُعذِّب ذا شَيْبةٍ شابت في الإسلام[2].
27. كان يحيى بنُ معاذ يقول: سبحان من يُذنب عبدُه ويستحيي هو. وفي أثر: من استحيا من الله استحيا الله منه[3].
المراجع
- رواه ابن ماجه (3865)، وحسَّنه الألبانيُّ في "صحيح الجامع" (2070).
- "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 261).
- "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 261).
19. قَوْلُهُ ﷺ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» فليفعل كذا وكذا، يدلُّ على أنّ هذه الخصال من خصال الإيمان، والأعمال تدخل في الإيمان[1].
20. الإيمانُ يَزيد ويَنقُص، يَزيد بالطاعة ويَنقُص بالمعصية؛ قال تعالى:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}
[الأنفال: 2]
وقال تعالى:
{وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}
[المدثر: ٣١].
21. ليس المقصود من الحديث نفيَ الإيمان عمَّن لم يتَّصِف بالصفات الثلاث المذكورة في الحديث؛ وإنما أُريد به المبالغة، كما يقول القائل: إن كنتَ ابني فأَطِعْني؛ تهييجًا له على الطاعة، لا أنه بانتفاء طاعته ينتفي كونُه ابنَه؛ فالمقصود أنّ هذه الخصال من كمال الإيمان، ومن جُملة خصال الإيمان الواجبة، فإذا زال ذلك عنه، فقد نَقَص إيمانه بذلك.
22. أعمال الإيمان تارةً تتعلَّق بحقوق اللّه؛ كأداء الواجبات وترك المحرَّمات، ومن ذلك قولُ الخير، والصّمت عن غيره، وتارةً تتعلَّق بحقوق عباده؛ كإكرام الضّيف، وإكرام الجار، والكفِّ عن أذاه، فهذه ثلاثة أشياءَ يؤمر بها المؤمن[2].
المراجع
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 333).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 333).
13. في هذا الحديث ردٌّ لقول القَدَرية واعتقادهم أن العبد يَخلُق أفعاله كلَّها من الطاعات والمعاصي[1]
14. في الحديث إثبات القدَر، كما هو مذهب أهل السُّنة، وأن جميع الواقعات بقضاء الله تعالى وقَدَره؛ خيرها وشرِّها، نفعها وضرِّها[2]
15. لا يجب على الله رعاية الأصلح، خلافًا لمَن قال به من المعتزلة؛ لأن في الحديث أن بعض الناس يذهَب جميع عمره في طاعة الله، ثم يُختَم له بالكفر فيموت على ذلك، فيدخل النار، فلو كان يجب عليه رعايةُ الأصلح لم يُحبط جميع عمله الصالح بكلمة الكفر التي مات عليها، ولا سيَّما إن طال عُمره، وقَرُب موته من كفره[3]
16. في الحديث أن الملائكةَ - عليهم السلامُ - منهم الموكَّلون ببني آدم، وأنهم عبيدٌ يُؤمَرون ويُنهَوْن؛ لقوله r: «فَيُؤمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ»، والآمرُ له هو الله عزَّ وجلَّ.
17. الرُّوح ليست من جنس هذا البدن، ولا جنس العناصر والمولَّدات منها؛ بل هي آخَرُ مخالِفٌ لهذه الأجناس خلافًا لما يراه الجهمية والمعتزلة أن الرُّوح جزء من أجزاء البدن، أو صفة من صفاته، والفلاسفة المشاؤون، ومَن سلك سبيلهم أثبتوا وجود الروح مستقلَّة عن البدن [4]
18. في الحديث أن تقدير أمر الإنسان؛ رزقه وأجله وعمله، وهو في بطن أمه، وهو تقدير خاصٌّ لا يُنافي القدر الأول في اللوح المحفوظ[5]
المراجع
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطال (10/ 296).
- "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص: 39).
- "فتح الباري" لابن حجر (11/ 490).
- انظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (3/31-32).
- "الفوائد المستنبطة من الأربعين النووية وتتمتها الرجبية"، عبد الرحمن بن ناصر البراق (ص: 12).
7- قوله ﷺ: «إذا سألتَ فاسألِ الله»، السؤال هو الدعاء، وهو باب عظيم من أبواب الاعتقاد؛ الطلب والقصد والدعاء؛ عن النُّعمان بنِ بَشير رضي الله عنه، قال: سمعتُ النبيَّ ﷺ
يقول: «الدعاء هو العبادة»، ثم قرأ:
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾
[غافر: 60] [1]
8- قوله ﷺ: «احفظ الله تجده تجاهك»؛ أي: بحفظه ومعيَّته، والله تعالى مستوٍ على عرشه، بائنٌ من خلقه، لا يحلُّ فيه شيء من مخلوقاته، ولا هو حالٌّ في شيء من مخلوقاته، سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا.
9- في قوله: «وإذا استعنتَ فاستعنْ بالله» تأكيدٌ على توحيد الله تعالى في الطلب؛ فلا يُرجى غيره، ولا يُستعان بغيره، ولا يتعلَّق بغيره في جميع أموره ما قلَّ منها وما كثُر؛
قال الله تعالى:
﴿ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُ ﴾
[الطلاق: 3] [2]
10- في الحديث بيان أنه لا يُطلَب العَون إلا من الله؛ لأنه هو الذي بيده ملكوت السموات والأرض، وهو يُعين إذا شاء، وإذا أخلصتَ الاستعانة بالله وتوكَّلت عليه، أعانك، وإذا استعنتَ بمخلوق فيما يَقدِر عليه، فاعتقد أنه سببٌ، وأن الله هو الذي سخَّره لك.
11- قد يُعين الله العبد بسبب غير معلوم له، فيدفع عنه من الشرِّ ما لا طاقة لأحد به، وقد يُعينه الله على يدِ أحد من الخلق يسخِّره له؛ ولكن مع ذلك لا يجوز له إذا أعانه الله على يد أحد أن ينسى المسبِّب، وهو الله تعالى.
12- إن العبد إذا عَلِم أن لن يصيبه إلا ما كَتَب اللهُ له من خير وشرٍّ، ونفع وضُرٍّ، وأن اجتهاد الخلق كلِّهم على خلاف المقدور غير مفيد البتَّةَ، عَلِم حينئذ أن الله وحدَه هو الضارُّ النافع، المعطي المانع، فأوجب ذلك للعبد توحيدَ ربِّه - عزَّ وجلَّ - وإفراده بالطاعة، وحفظ حدوده[3]
13- من نَقْصِ التوحيد أن يسأل الإنسان غير الله؛ ولهذا تُكره المسألة لغيرِ الله تعالى في قليل أو كثير، والله سبحانه وتعالى إذا أراد عونك، يسَّر لك العون، سواء كان بأسباب معلومة أو غير معلومة.
14- إن المعبود إنما يُقصَد بعبادته جلبُ المنافع، ودفعُ الْمَضارِّ؛ ولهذا ذمَّ اللهُ مَن يعبُد مَن لا ينفع ولا يضرُّ، ولا يُغني عن عابده شيئًا، فمَن يعلم أنه لا ينفع ولا يضرُّ، ولا يعطي ولا يمنع غير الله، أوجب له ذلك إفراده بالخوف والرجاء، والمحبَّة والسؤال، والتضرُّع والدعاء، وتقديم طاعته على طاعة الخَلق جميعًا، وأن يتَّقيَ سخطه، ولو كان فيه سخط الخَلق جميعًا، وإفراده بالاستعانة به، والسؤال له، وإخلاص الدعاء له في حال الشدَّة وحال الرخاء، بخلاف ما كان المشركون عليه من إخلاص الدعاء له عند الشدائد، ونسيانه في الرخاء، ودعاء مَن يرجون نفعه من دونه»[4]
15- الاستعانة بالمخلوق إنما تجوز فيما يَقدر عليه من الأمور الدنيوية؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: «كل سُلَامَى عليه صدقةٌ، كلَّ يوم يعين الرجل في دابته، يحامله عليها، أو يَرفع عليها متاعَه صدقةٌ»[5]
المراجع
- رواه أبو داود (1522)، والنسائيُّ (1303). وصحَّحه النوويُّ في "خلاصة الأحكام" (1/ 468)، والألبانيُّ في "صحيح سنن أبي داود" (5/ 253).
- رواه أبو داود (1479)، والترمذيُّ (3247)، والنسائيُّ في "السنن الكبرى" (3828)، وقال الترمذيُّ: حسن صحيح، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح سنن أبي داود" (3247).
- انظر: "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص: 76).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 484).
- رواه البخاريُّ (2891)، ومسلم (1009).
19-إن "لو" تفتح عمل الشيطان؛ أي: تفتح عليك الوساوس والأحزان والندم والهموم، حتى تقول: لو أني فعلت لكان كذا. فلا تقل هذا؛ إذ إن هذا أمر مكتوب في اللوح المحفوظ قبل أن تُخلَق السموات والأرض؛«ولكن قل: قَدَرُ الله وما شاء فعل»
20-يجب العلم أن الله تعالى لا يفعل شيئًا إلا لحِكمةٍ خَفِيت علينا أو ظَهَرت لنا؛
قال تعالى:
وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا
[الإنسان: 30]
فبيَّن أن مشيئته مقرونة بالحكمة والعلم، وكم من شيء كَرِه الإنسان وقوعه، فصار في العاقبة خيرًا له؛
كما قال تعالى:
وَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ
[البقرة: 216] [1]
21-«قدر الله وما شاء فعل»: الاحتجاج بالقدر في موضعه لا بأس به؛ ولهذا قال الله لنبيِّه ﷺ :
تَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ۗ
[الأنعام: 106، 107]
فبيَّن له أن شِركهم بمشيئته، والاحتجاج بالقدر على الاستمرار في المعصية، هذا حرام لا يجوز؛ لأن الله قال:
سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا ۗ
[الأنعام: 148] ([2]).
22-الاحتجاج بالقدر ممنوع إذا أراد الإنسان أن يستمرَّ على المعصية؛ ليَدفَع اللَّوم عن نفسه، نقول مثلًا: يا فلان، صلِّ مع الجماعة، فيقول: والله لو هداني الله لصلَّيتُ، فهذا ليس بصحيح؛ لأن هذا يحتجُّ بالقدر؛ ليستمرَّ في المعصية والمخالفة؛ لكن إن وقع الإنسان في خطأ وتاب إلى الله، وأناب إلى الله وندم وقال: إن هذا الشيء مقدَّر عليَّ؛ ولكن أستغفر الله وأتوب إليه. نقول: هذا صحيح، إن تاب واحتجَّ بالقدر، فليس هناك مانع[3]
23-في الحديث إثبات صفة المحبة لله - عزَّ وجلَّ - حقيقةً.
24-يجوز أن يحتجَّ الإنسان بالقَدَر على ما ليس في مقدوره، ولا يجوز له أن يحتجَّ بالقَدَر ويتكاسل عن الفعل الذي يستطيع.
المراجع
1- "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (2/83، 84).
13. الأحاديث في هذا الباب تدلُّ على أنه لا عدوى على ما يعتقده الجاهليون من كون الأمراض تُعدي بطَبعها؛ وإنما الأمر بيد الله سبحانه، إن شاء انتقل الداء من المريض إلى الصحيح، وإن شاء سبحانه لم يقع ذلك؛ ولكن المسلمين مأمورون بأخذ الأسباب النافعة، وترك ما قد يُفضي إلى الشرِّ.
14. لقد أبطل الإسلام عقائد الجاهلية، بما فيها من شرك وكفر وباطل، ومنها ما كان يعتقده أهل الجاهلية من أمور كالعَدْوى والتشاؤم وغيرها، وصحَّح هذه العقائد الباطلة بأن الأمور من مَرَض وغيره تجري بمقادير الله وإذنه، لا بطبعها؛
قال تعالى:
قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
[التَّوْبَةِ: 51]
وَقَالَ تَعَالى:
مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
[التَّغَابُنِ: 11].
15. من العرب من كان يتشاءم بالطيور – كالغُراب والبومة - إذا زَجَر الطَّير أو أثاره حتى طار، فإن طار يَسارًا تشاءم، وإن رجع إليه ألغى ما يُريد الإقدامَ عليه، وإن طار أمامَه عَزَم على تنفيذ ما أراد، وإن طار على يمينه، قال: هذا عمل مَيْمُون مبارك [1]
16. من العرب من كان يتشاءم بالزمان، فشاع لديهم أن المرأة إذا تزوَّجت في شوَّال، لم توفَّق، ولا يحبُّها زوجُها، ومنهم من كان يتشاءم بالسفر في يوم الأربعاء؛ بأنه لابدَّ من حدوث حادث، أو خسارة، أو بلاء، ومنهم من كان يتشاءم بشهر صَفَر؛ بدعوى أنه لو عَمِل فيه الإنسان أيَّ عَمَلٍ - كزواج أو وُلِد له فيه أو سافَرَ فيه - فإنه لا يوفَّق، وكل هذا عقائدُ باطلة، فلا أثر للزمان في تفاؤل ولا في تشاؤم [2]
17. عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
«مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجةٍ، فَقَدْ أَشْرَكَ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُم: اللَّهُمَّ لا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ»
[3]
المراجع
- "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (6/ 414- 416).
- "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (6/ 414- 416).
- رواه أحمد (7045)، وصحَّحه الألبانيُّ في السلسلة الصحيحة (1065).
23. من باب حماية جَنَاب التوحيد، لا يجوز بَيْعُ الأصنام، والمتاجَرة فيها، وقد حَمَى نبيُّ الله ﷺ جَنَاب التوحيد في أقلَّ من هذا؛
فعن ثابتِ بنِ الضحَّاكِ، قال:
نَذَر رجلٌ على عهد رسول الله ﷺ أن يَنحَر إِبِلاً ببُوَانةَ - موضع بأسفل مكةَ - فأتى النبيَّ ﷺ، فقال: إني نذرتُ أن أَنحَر إبلاً ببُوَانةَ، فقال النبيُّ ﷺ: «هل كان فيها وَثَنٌ من أوثان الجاهلية يُعبَد؟» قالوا : لا، قال: «هل كان فيها عيدٌ من أعيادهم؟»، قالوا: لا، قال رسول الله ﷺ: «أَوْفِ بنَذْرِكَ؛ فإنه لا وفاءَ لنَذر في معصية الله، ولا فيما لا يَملِك ابنُ آدم»
[1].
المراجع
1. رواه أبو داود (3313)، وصححه الألبانيُّ في المشكاة (3437).
22. كتابة الله تعالى نوعان: كتابةٌ قَدَرية، وكتابةٌ شرعية، فالكتابةُ القَدَرية لابدَّ أن تقع؛ مثل
قاله تعالي
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}
[الأنبياء: ١٠٥]
والكتابةُ الشرعية قد تقع من بني آدَمَ وقد لا تَقَع؛ مثل حديث الباب[1].
المراجع
- "شرح الأربعين النووية" لابن عثيمين (ص: 186).
9. قوله ﷺ: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي»: لا يدلُّ على خروج الغاشِّ من الإسلام؛ بل هو مرتكب لكبيرة، ولا يخرج من الإسلام إلا أن يستحلَّ الغشَّ، والأَوْلى عند ذكر هذه الأحاديث إطلاقها، وعدم الخَوض في معناها؛ لتكون أزجرَ في قلوب الناس، وأشدَّ رَدْعًا لهم.
10. «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي»: لم يُرِدْ به نفيَه عن الإسلام؛ بل نفيَ خُلُقه عن أخلاق المسلمين؛ أي: ليس هو على سُنَّتِنا أو طريقتنا في مناصحة الإخوان، كما يقول الإنسان لصاحبه: أنا منك. يُريد الموافقة والمتابعة.
قال تعالى عن إبراهيم:
﴿فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُۥ مِنِّى ۖ ﴾
[إبراهيم: ٣٦] [1].
11. هذا الحديث ونحوه ظاهرُها براءة الإسلام من فاعلها؛ إلَّا أن فاعلها لا يَخرُج من دائرة الإسلام إلا باستحلال هذه الذنوب والكبائر.
المراجع
1. "فيض القدير" للمناويِّ (6/ 185).
10. اختصَّ اللهُ سبحانه نفْسه ببعض الصفات التي لا يحِقُّ لمخلوق أن يشاركَه فيها، ومَن نازَعَه فيها كان جزاؤه العذابَ الأليمَ في نار السعير، ومن هذه الصفات: الكَبْرِياءُ والعظمة[1].
11. الكبرُ مقابل للإيمان، والكبر ينافي حقيقة العبوديّة؛ «يقول اللّه: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدًا منهما عذّبته» فالعظمة والكبرياء من خصائص الرّبوبيّة[2].
12. الكِبْرُ يُنافي حقيقةَ العُبودية والاستسلام لرب العالَمين.
13. التكبُّر صفة ذاتية؛ يُقال: فلان متكبِّر، إذا أنزل نفسَه فوق منزلتها، فلا يَنقَاد لأحد. والعظمةُ صفةٌ إضافية؛ يُقال: فلانٌ له عَظَمةٌ، إذا كَثُر ما يتعلَّق به من الخَدَم والحَشَم، ويقال: رَكِب الأميرُ في عَظَمته؛ أي: في كثير من حواشيه وأجناده[3].
14. إذا كان المصَوِّرُ الذي يصنَع الصورةَ بيده من أشدِّ الناس عذابًا يوم القيامة؛ لتشبُّهه بالخالق جلَّ وعلا في مجرَّد الصنعة، فما الظنُّ بالتشبُّه به في خصائص الربوبية والأُلوهية؟!
15. على العبد أن يتشبَّه بالله تعالى في بعض الصفات؛ كالرحمة والكرم وغير ذلك مما أُمر به، ويُفرد الله تعالى في صفاته التي لا يُشبِهُه فيها أحدٌ، والتي اختصَّ بها لنفْسه، فلا ينازع الله فيها، ولا يَنسُبها لأحد من الخَلق.
16. هذا من الأحاديث التي تمرُّ كما جاءت عن النبيِّ ﷺ، ولا يُتعرَّض لمعناها بتحريف أو تكييف؛ وإنما يُقال: هكذا قال الله تعالى فيما رواه النبيُّ ﷺ عنه، فمن نازَعَ الله في عِزَّته وأراد أن يتَّخِذ سلطانًا كسلطان الله، أو نازعَ اللهَ في كبريائه، وتكبَّر على عباد الله، فإن الله يعذِّبه على ما صنع ونازَع الله تعالى فيما يختصُّ به[4].
17. لا يقال: إن من صفات الله الرداء والإزار؛ بل يقال: الكبرياءُ والعظمةُ رداؤُه وإزارُه.
المراجع
- انظر: "معالم السنن" للخطابيِّ (4/196).
- "مجموع الفتاوى" (10/ 196).
- "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (10/ 3246).
- "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (3/ 552، 553).