الفوائد العلمية
1- حديث «احفظ الله يحفظك» أصلٌ عظيم في مراقبة الله، ومراعاة حقوقه، والتفويض لأمره، والتوكُّل عليه، وشهود توحيده وتفرُّده، وعجز الخلائق كلِّهم، وافتقارهم إليه.
2- في الحديث بيان أن من حَفِظ الله، حفظه الله، ووجده معه بحفظه، أينما توجَّه، ومن كان الله حافظَه، فممن يخاف، وممن يَحذَر؟! ففي قوله: «يحفظك» مكافأة؛ إذِ الجزاءُ من جنس العمل.
3- في قوله ﷺ: «احفظ الله تَجِدُه تُجَاهك»: إشارة إلى معيَّة الله الخاصَّة لعباده المؤمنين الطائعين.
4- في الحديث إشارة إلى أن الله تعالى يحبُّ أن يُسأل ويُرغب إليه في الحوائج، ويُلَحَّ في سؤاله ودعائه، ويَغضُب على مَن لا يسأله، ويستدعي مِن عباده سؤاله، وهو قادر على إعطاء خلقه كلِّهم سُؤْلَهم من غير أن يَنقُص من مُلكه شيءٌ، والمخلوق بخلاف ذلك كلِّه؛ يكره أن يُسأل؛ لعجزه وفَقره وحاجته.
5- لقد حضَّ النبيُّ ﷺ على الاستعانة بالله في أحاديثَ كثيرةٍ؛ منها:
عن أبي هريرةرضي الله عنه أن النبيَّ ﷺ قال:
«احرِصْ على ما ينفعُكَ، واستعِنْ بالله ولا تَعجِزْ»
وعن معاذِ بنِ جبلٍ رضي الله عنه، أن رسول ﷺ أخذ بيده وقال:
«يا معاذُ، والله إني لأحبُّكَ، والله إني لأحبكَ»، فقال: «أوصيكَ يا معاذُ، لا تدعَنَّ في دُبر كلِّ صلاة تقول: اللهم أعنِّي على ذِكركَ وشُكركَ وحُسْن عبادتكَ»
6- في الحديث بيان أن سؤال الحاجات يكون لله فقط، ولا يُسأل المخلوق شيئًا، وإذا سُئل المخلوق ما يَقدِر عليه، فعلى أنه سبب من الأسباب، وأن المسبِّب هو الله تعالى، لو شاء لَمَنعه من إعطاء السؤال؛ فالاعتماد على الله تعالى وحدَه.
المراجع
- .رواه مسلم (2653).
- رواه مسلم (2664)
الفوائد العقدية
7- قوله ﷺ: «إذا سألتَ فاسألِ الله»، السؤال هو الدعاء، وهو باب عظيم من أبواب الاعتقاد؛ الطلب والقصد والدعاء؛ عن النُّعمان بنِ بَشير رضي الله عنه، قال: سمعتُ النبيَّ ﷺ
يقول: «الدعاء هو العبادة»، ثم قرأ:
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾
8- قوله ﷺ: «احفظ الله تجده تجاهك»؛ أي: بحفظه ومعيَّته، والله تعالى مستوٍ على عرشه، بائنٌ من خلقه، لا يحلُّ فيه شيء من مخلوقاته، ولا هو حالٌّ في شيء من مخلوقاته، سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا.
9- في قوله: «وإذا استعنتَ فاستعنْ بالله» تأكيدٌ على توحيد الله تعالى في الطلب؛ فلا يُرجى غيره، ولا يُستعان بغيره، ولا يتعلَّق بغيره في جميع أموره ما قلَّ منها وما كثُر؛
﴿ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُ ﴾
10- في الحديث بيان أنه لا يُطلَب العَون إلا من الله؛ لأنه هو الذي بيده ملكوت السموات والأرض، وهو يُعين إذا شاء، وإذا أخلصتَ الاستعانة بالله وتوكَّلت عليه، أعانك، وإذا استعنتَ بمخلوق فيما يَقدِر عليه، فاعتقد أنه سببٌ، وأن الله هو الذي سخَّره لك.
11- قد يُعين الله العبد بسبب غير معلوم له، فيدفع عنه من الشرِّ ما لا طاقة لأحد به، وقد يُعينه الله على يدِ أحد من الخلق يسخِّره له؛ ولكن مع ذلك لا يجوز له إذا أعانه الله على يد أحد أن ينسى المسبِّب، وهو الله تعالى.
12- إن العبد إذا عَلِم أن لن يصيبه إلا ما كَتَب اللهُ له من خير وشرٍّ، ونفع وضُرٍّ، وأن اجتهاد الخلق كلِّهم على خلاف المقدور غير مفيد البتَّةَ، عَلِم حينئذ أن الله وحدَه هو الضارُّ النافع، المعطي المانع، فأوجب ذلك للعبد توحيدَ ربِّه - عزَّ وجلَّ - وإفراده بالطاعة، وحفظ حدوده[3]
13- من نَقْصِ التوحيد أن يسأل الإنسان غير الله؛ ولهذا تُكره المسألة لغيرِ الله تعالى في قليل أو كثير، والله سبحانه وتعالى إذا أراد عونك، يسَّر لك العون، سواء كان بأسباب معلومة أو غير معلومة.
14- إن المعبود إنما يُقصَد بعبادته جلبُ المنافع، ودفعُ الْمَضارِّ؛ ولهذا ذمَّ اللهُ مَن يعبُد مَن لا ينفع ولا يضرُّ، ولا يُغني عن عابده شيئًا، فمَن يعلم أنه لا ينفع ولا يضرُّ، ولا يعطي ولا يمنع غير الله، أوجب له ذلك إفراده بالخوف والرجاء، والمحبَّة والسؤال، والتضرُّع والدعاء، وتقديم طاعته على طاعة الخَلق جميعًا، وأن يتَّقيَ سخطه، ولو كان فيه سخط الخَلق جميعًا، وإفراده بالاستعانة به، والسؤال له، وإخلاص الدعاء له في حال الشدَّة وحال الرخاء، بخلاف ما كان المشركون عليه من إخلاص الدعاء له عند الشدائد، ونسيانه في الرخاء، ودعاء مَن يرجون نفعه من دونه»[4]
15- الاستعانة بالمخلوق إنما تجوز فيما يَقدر عليه من الأمور الدنيوية؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: «كل سُلَامَى عليه صدقةٌ، كلَّ يوم يعين الرجل في دابته، يحامله عليها، أو يَرفع عليها متاعَه صدقةٌ»[5]
المراجع
- رواه أبو داود (1522)، والنسائيُّ (1303). وصحَّحه النوويُّ في "خلاصة الأحكام" (1/ 468)، والألبانيُّ في "صحيح سنن أبي داود" (5/ 253).
الفوائد التربوية
16-هذا الحديث من الأساليب النبوية في التعليم، حيث استهلَّ النبيُّ ﷺ كلامَه بقوله: «يا غلامُ، إني أُعلِّمكَ كلماتٍ»، مما يجذِب الانتباهَ، ويَسترعي الفَهْم، ويَجلِب النَّظرَ، وهذا مما ينبغي على الداعية اتِّباعُه؛ أن يستهلَّ كلامَه بما يجعل المتلقِّيَ متشوِّقًا إليه.
17-هذه الوصايا من النبيِّ ﷺ لابن عبَّاس وهو غلامٌ صغيرٌ، دليلٌ على فضله وأهليَّته للوصيَّة، ودليلٌ أيضًا على عناية النبيِّ ﷺ بالصبية النابهين، واختياره أفضل الأساليب المناسبة في التعليم والتربية.
الفوائد الحديثية
دعا النبيُّ ﷺ لا بن عبَّاس بقوله: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»[1]، وهو من الصحابة الْمُكْثِرين من رواية الحديث، روى (1696) حديثًا
المراجع
- رواه البخاريُّ (143) واللفظ له، ومسلم (2477).
الفوائد اللغوية
19- «احفظ الله يحفظْكَ، احفظ الله تَجِدْه تُجَاهَك»: الفعلان (يحفظْك وتجدْه) مجزومان في جواب الطلب، والمعنى: إن تحفظِ الله يحفظْكَ وتجدْه تجاهك.
20- قوله: «رُفعت الأقلامُ وجَفَّت الصحفُ»: هذه كنايةٌ عن نفوذ المقادير وكتابتها والفراغ منها؛ فإن الإنسان إذا كَتَب شيئًا، وفَرَغ من كتابته، وبعُد عهده به، رُفعت الأقلام التي كُتبت به، وجفَّ الْمِداد الذي على الصحيفة المكتوب عليها.