25. حقيقةُ التردُّد هو أن يكون الشيء الواحد مرادًا من وجه، مكروهًا من وجه، وإن كان لا بدَّ من ترجُّح أحد الجانبين كما ترجَّح إرادة الموت؛ لكن مع وجود كراهة مُساءة عبده، وليس إرادتُه لموت المؤمن الذي يحبُّه ويَكرَه مُساءته كإرادته لموت الكافر الذي يُبغضه ويريد مُساءته [1].

26. في هذا الحديث إثباتُ صفتَيِ الحبِّ والبُغض للهِ - عزَّ وجلَّ – على ما يليق به، ومن أصول أهل السنَّة والجماعة أننا نؤمن بذلك، ونقول: إن الله تعالى يحبُّ ويُبغض، وهو سبحانه وتعالى موصوف بصفات الكمال، وأنه لا يحبُّ إلا ما فيه الخيرُ والصلاح، ولا يُبغض إلا الشرَّ والخبائث [2].


المراجع

  1. "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (18/ 130).
  2. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (6/ 656، 657)


25. قوله: «آمنت بالله» يشمل الإيمان بوجود الله عز وجل، وبربوبيته، وبألوهيته، وبأسمائه وبصفاته، وبأحكامه، وبأخباره، وكل ما يأتي من قِبَله - عزَّ وجلَّ - تؤمن به، فإذا آمنتَ بذلك، فاستقم على دين الله، ولا تَحِدْ عنه يمينًا ولا شمالاً، لا تقصِّر ولا تَزد[1].

26. المراد بالاستقامة على التّوحيد: التّوحيد الكامل الّذي يحرِّم صاحبه على النّار، وهو تحقيق معنى لا إله إلّا اللّه؛ فإنّ الإله هو المعبود الّذي يُطاع، فلا يُعصى؛ خشيةً وإجلالًا ومهابةً ومحبّةً ورجاءً وتوكُّلًا ودعاءً، والمعاصي كلُّها قادحة في هذا التّوحيد؛ لأنّها إجابة لداعي الهوى، وهو الشّيطان[2].

27. قوله: «قل: آمنت بالله ثم استقم» دليل على أن الاستقامة لا تكون إلا بعد الإيمان، وأن من شرط صحة الأعمال الصالحة وقبولها أن تكون مَبنيَّةً على الإيمان، فلو أن الإنسان عَمِل بظاهره على ما ينبغي؛ ولكن باطنه خَرَاب، وفي شكٍّ، أو في اضطراب، أو في إنكار وتكذيب، فإن ذلك لا ينفعه[3].

28. «قل: آمنت بالله ثم استقم»، أمره النبيُّ ﷺ بأن يقول: «آمنتُ بالله»، والإيمان هنا جاء مطلَقًا وعامًّا، فيدخل فيه الأمور الباطنة والأمور الظاهرة، ومعنى ذلك: أن الإنسان يؤمن بالله - عزَّ وجلَّ - وبما جاء في كتابه وسنَّة رسوله ﷺ، ويصدِّق بذلك، ويؤمن به، ثم بعد ذلك يستقيم على ملازمة الحقِّ والهدى الذي هو الإيمان بالله - عزَّ وجلَّ - الذي يكون جامعًا بين الأمور الباطنة والأمور الظاهرة[4].

29. سأله عن الإسلام فقال: «قل لي في الإسلام»، فقال: «قل: آمنت بالله»، فدلَّ هذا على أن قوله: «آمنت بالله»، يَدخُل فيه الأمور الظاهرة والأمور الباطنة؛ لأن الإسلام والإيمان من الألفاظ التي إذا جُمِع بينها في الذِّكر، فُرِّق بينها في المعنى، بحيث يكون الإيمان للأمور الباطنة ويكون الإسلام للأمور الظاهرة، وإذا جاء أحدهما مستقلًّا عن الآخر، شَمِل المعنيين جميعًا؛ الأمور الظاهرة والباطنة، فهنا قوله: «آمنت بالله»، يدخل فيه الأمور الظاهرة والباطنة[5].

30. يُستفاد من هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان، إذا قام بعمل، أن يَشعُر بأنه قام به لله، وأنه يقوم به بالله، وأنه يقوم به في الله؛ لأنه لا يستقيم على دين الله إلا بعد الإيمان بالله تعالى فيَشعُر بأنه يقوم به لله؛ أي: مخلصًا، وبالله؛ أي: مستعينًا، وفي الله؛ أي: متَّبِعًا لشَرعه، وهذه مستفادة من قوله تبارك وتعالى:

{إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ 5 ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ}

[الفاتحة: ٥ – ٦]

فالأول: قيام لله، والثاني: قيام به، والثالث: قيام فيه؛ أي: في شرعه؛ ولهذا نقول: أن المراد بالصراط المستقيم في الآية الكريمة هو شرع الله عزَّ وجلَّ[6].

المراجع

  1. "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (1/ 571، 572).
  2. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 509).
  3. "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (1/ 572).
  4. "شرح الأربعين النووية" للعباد (22/ 6).
  5. "شرح الأربعين النووية" للعباد (22/ 6).
  6. "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (1/ 572).


23. قد تقرَّر أن الله تعالى أحاط علمه بالغيب والشهادة، والظواهر والبواطن، وقد يُطلِع الله عباده على كثير من الأمور الغيبية، وهذه الأمور الخمسة من الأمور التي طوى عِلمَها عن جميع المخلوقات، فلا يعلمها نبيٌّ مُرسَل، ولا مَلَك مقرَّب، فضلًا عن غيرهما [1]

المراجع

  1.  "تفسير السعديِّ" (ص: 653).

13- أصل العقيدة أن ترتبط بالله تعالى وحده، وأن تَرُدَّ إليه أمرك كلَّه، وأن لا يتعلَّق قلبُك بأحد غيرِ الله، وألَّا ترجوَ جلب نفعٍ أو دَفْعَ ضُرٍّ من أحد غيرِ الله تعالى.

14- من ضعف العقيدة والإيمان أن يلجأ المرء لأحد من الكهَّان والعرَّافين والسَّحَرة والمنجِّمين، يطلب منه شيئًا لا يُطلَب إلَّا من الله تعالى؛ كمعرفة خبيئة، أو قراءة مستقبَل؛ بدعوى أنهم يعرفون الغيب.

15- لا يجوز الذَّهاب إلى العرَّافين والسحرة والمنجِّمين والكهنة ونحوهم، ولا يجوز سؤالهم ولا تصديقهم، ولا يجوز التداوي عندهم بزَيت ولا غيره؛ لأن الرسول ﷺ نهى عن إتيانهم وسؤالهم وعن تصديقهم؛ لأنهم يدَّعون علم الغيب، ويكذبون على الناس، ويَدْعونهم إلى أسباب الانحراف عن العقيدة[1].

16- قوله: «فصدَّقه بما يقول»؛ أي: أن قلبه تخلَّى عن الارتباط بقُدرة الله وتصديق الله، وحلَّ محلَّ ذلك تصديقُ عبدٍ ضعيف يدَّعي صفة من صفات الله تعالى.

17- قوله ﷺ: «فقد كفر» ظاهرُه أنّه الكفر الحقيقيُّ، وقيل: هو الكفر المجازيُّ، وقيل: من اعتقد أنّ الكاهن والعرَّاف يَعرِفان الغيب، ويطَّلعان على الأسرار الإلهيّة، كان كافرًا كفرًا حقيقيًّا؛ كمن اعتقد تأثير الكواكب، وإلّا فلا[2]، وقد جاء في حديث آخَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»[3]، ويمكِن الجمع بين الحديثين بأن مجرَّد السؤال دون تصديق يُبطِل الصلاة أربعين ليلة؛ ولكن إذا سَأَله فصدَّقه فقد كَفَر.

المراجع

  1. مجلة الدعوة في العدد (1498) بتاريخ 8/2/1416 هـ، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 8/ 157).
  2.  "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (7/ 214).
  3.  رواه مسلم (2230).

18. في الحديث الردُّ على من زعم من المرجئة أن الإيمان قول باللسان دون عقد بالقلب[1]

19. في الحديث إثبات صفة النظر لله تعالى، ومنهج أهل السنة في هذه الصفات أن نُمِرَّها كما جاءت بلا تشبيه ولا تعطيل.

20. مَدَارُ الأعمال كلِّها على النيَّة والإخلاص لله تعالى، وملازمةِ الإخلاص في الأعمال كلِّها الظاهرة والباطنة. في الحديث الحَذَرُ من الرياء والسُّمعة، والعمل لغير الله عزَّ وجلَّ.

المراجع

  1.  "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (1/ 120).

14. كُفْر اليهود أصلُه من جهة عدم العمل بعلمهم؛ فهم يعلمون الحقَّ ولا يتَّبعونه عملًا، وكُفْر النصارى من جهة عمَلِهم بلا عِلم؛ فهم يجتهدون في أصناف العبادات بلا شريعة من الله، ويقولون على الله ما لا يعلمون[1]

15. اليهود يَعدِلون الخالقَ بالمخلوق، فيصِفون الله بالعجز والفقر والبُخل، تعالى الله عن ذلك، والنصارى يَعدِلون المخلوقَ بالخالق، حتى يجعلوا للمخلوق من صفات الربوبية والألوهية، ويُجَوِّزون له ما لا يجوز لغير الخالق سبحانه. وفي هذه الأمة أمثالُ هؤلاء وهؤلاء[2]

المراجع

  1.  "اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم" لابن تيمية (1/ 79).
  2.  انظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (1/ 65).

9- المرادُ بحُبِّ الله ورسوله ﷺ في الحديث هو: "الحبُّ العقليُّ الذي هو إيثارُ ما يقتضي العقل السليم رُجحانه، وإن كان على خلاف هوى النفْس؛ كالمريض يَعافُ الدواء بطَبْعه فيَنفِر عنه، ويميل إليه بمقتضى عقله فيهوى تناولَه؛ لأنه يعلم أن صلاحَ حاله فيه، فإذا تأمَّل المرءُ أن الشارع لا يأمرُ ولا ينهى إلا بما فيه صلاحٌ عاجلٌ أو خلاصٌ آجلٌ، والعقل يقتضي رجحانَ جانب ذلك - تمرَّن على الائتمار بأمره بحيث يصير هواه تَبَعًا له"[1]

10- محبَّةُ الرسول ﷺ تابعةٌ لمحبة الله عزَّ وجلَّ، ومحبَّتهما على قسمين؛ الأول: محبةٌ تَحمِل على أداء الفرائض واجتناب النواهي، والثاني: محبةٌ تَحمِل على أداء المندوبات، وتجنُّب الوقوع في الشبهات، ويُزاد في محبَّة الرسول ﷺ: ألَّا يتلقَّى المحبُّ لرسول الله ﷺ شيئًا من المأمورات والمنهيَّات إلا مِن مِشكاته ﷺ، ولا يسلك إلا طريقتَه، ويرضى بما شرعه، ويتخلَّق بأخلاقه ﷺ[2]

11- يجب أن تكون محبةُ لله ورسوله مقدَّمةً في قلب كل مسلم على كل محبوب، وإلا عرَّض نفْسه لسخط الله وعقابه؛

كما قال الله تعالى:

﴿قُلۡ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ وَإِخۡوَٰنُكُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ وَعَشِيرَتُكُمۡ وَأَمۡوَٰلٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٞ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَآ أَحَبَّ إِلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٖ فِي سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ﴾

[التوبة: 24].

12- معرفة العبد بالله تعالى - بمعرفةِ أسمائه وصفاته وأفعاله سبحانه، ومصنوعاته البالغةِ الغايةَ في التمام والكمال والإتقان -تورثه المحبة القلبية لله عزَّ وجلَّ، وكذلك التفكُّر في نِعَم الله عزَّ وجلَّ على العبد، سواءٌ أكانت نِعمًا تتعلَّق بالخلق والإيجاد، أم بتيسير المعاش، والإمداد بالنِّعَم المتوالية التي لا تنقطع، أم كانت النِّعَم متعلِّقةً بالتشريع والهداية لنور الإيمان، والوقاية من تخبُّط الشرك والجهل. فلو استقرَّت هذه المعاني في القلب، امتلأ حبًّا لله عزَّ وجل [3]

13- معرفته ﷺ، والوقوف على جميل خصاله، وعظيم جهاده تورث محبتَه ﷺ، وكذلك التفكُّر في كونه ﷺ كان سببًا في هدايتنا لطريق الله عزَّ وجلَّ، والأخذ بأيدينا إليه سبحانه.

14- الحبُّ في الله والأخوَّة الإيمانية مِن أجلِّ العبادات التي يتقرَّب بها العبدُ لله تعالى؛

قال الله تعالى:

﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ ﴾

[الحجرات: 10]

وقال سبحانه:

﴿فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا﴾ .

[آل عمران: 103]

15- يُشترط في محبَّة المؤمن الموصِّلة لحلاوة الإيمان أن تكون خالصةً لله تعالى، غيرَ مَشوبة بالأغراض الدنيوية؛ فإن مَن أحبَّه لذلك، انقطعت محبتُه إن حصل له ذلك الغرضُ، أو يئس من حصوله [4]

16- حُبُّ الإيمان وكراهيةُ الكفر من أعظم النِّعَم التي امتنَّ الله بها على عباده الصادقين؛

قال تعالى:

﴿وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ 7 فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾

[الحجرات: 7، 8].

17- القَدْر الواجب من كراهة الكفر والفسوق والعصيان هو نفور المرء من ذلك، والتباعد عنه، والعزم على عدم ملابسة شيء منه، أما مَيْل الطبع إلى ما يميل من ذلك - خصوصًا لِمَن اعتاده ثم تاب منه - فلا يؤاخَذ به إذا لم يقدِر على إزالته؛ ولهذا مدَح الله مَن نهى النفْس عن الهوى؛ حيث إن الهوى يميل إلى ما هو ممنوع منه، ومَن عصى هواه كان محمودًا عند الله عزَّ وجلَّ[5]

18- ليس معنى تقديم محبَّة الله ورسوله أن ينقطع المؤمن عن الدنيا؛ عن أهله وأزواجه وأولاده وعشيرته وأمواله وعمله، ولا أن يهجر طيِّباتِ الحياة ومتاعَ الدنيا ولذَّاتها المباحة، ولا أن يَتَرَهْبَن ويزهد فيها؛ إنما المقصود أن يُخلص العبد لله قلبه، ويخلص محبَّته، فتكون هي المسيطرةَ والحاكمة، والمحرِّكة والدافعة، ولا حرج بعد ذلك أن يستمتع العبد المؤمن بكل طيبات الحياة المباحة، على أن يكون راضيًا أن تُسلب منه، مستعدًّا أن يَنبِذها كلَّها إذا تعارضت مع عقيدته وما تتطلَّبه المحبة الخالصة لله ورسوله.

19- المحبة الخالصة الصادقة توجب الطاعة والاتِّباع؛ فحقيقة المحبة هي مَيل القلب إلى كل ما يرضاه المرء ويستحسنه، ومن ثَمَّ فمن زعم أنه يحبُّ الله ورسوله ولم يلتزم طاعة الله واتِّباع رسوله، كان كاذبًا في دعواه؛

قال تعالى:

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾

[آل عمران: 31-32].

20- أفاد قوله ﷺ: «أحَبَّ إلَيهِ ممَّا سِواهُمَا» على مشروعية الجمع بين لفظ الجلالة (الله) ولفظ (رسوله) بتثنية الضمير (سواهما) في مقام التعليم؛ لأنه كلَّما قلَّ اللفظ كان أقربَ إلى الحفظ، بخلاف الخُطَب التي تحتاج إلى البسط والإيضاح، لذا؛ أنكر رسول الله على الخطيب الذي قال: «ومَن يعصِهما فقد غوى»، وقال له: «بئس الخطيبُ أنت»[6]

21- من شروط (لا إله إلا الله): الْمَحَبَّةُ لهذه الكلمة، ولِمَا اقْتَضَتْهُ وَدَلَّتْ عليه، ولأهلها العاملين بها الملتزمين بشروطها، وبُغْضُ ما نَاقَضَ ذلك.

22- إن الخصلة المطلوبة أن تكون محبَّةُ الله ورسوله خالصة مجرَّدةً، لا شرك فيها من متاع الدنيا، فهما كِفَّتان متقابلتان، إما أن تسيطر العقيدة على قلب العبد، وإما أن يسيطر متاع الدنيا، فإذا اطمأنَّ العبد المؤمن إلى أن قلبه متجرِّد لمحبة الله ورسوله، خالص لعقيدته، فلا حرج عليه بعد هذا أن يستمتع بالآباء والأبناء والإخوة والزوج والعشيرة والأموال والمتاجر والمساكن، ولا أن يستمتع ويلتذَّ بزينة الدنيا والطيبات من الرزق- في غير سرف ولا مَخِيلة - بل إن ذلك مستحبٌّ حينها؛ حيث إنه من شكر الله على نعمه التي أنعم بها على عباده ليتمتَّعوا بها، ويشكروا ربهم الذي وهبهم ورزقهم وأنعم عليهم.

23- من لم يجرِّد محبَّته خالصة لله ورسوله، فحقَّ عليه الوعيد الشديد؛ 

﴿فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ﴾

التوبة: 24]،

فإما التجرُّد، وإما الانسلاخ من الإيمان، أو الانسلاخ من اكتمال الإيمان؛

فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:

«لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»

[7]

24- عن عَبْدِاللَّهِ بنِ هِشَامٍ، قَالَ:

كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ»، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ، وَاللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «الآنَ يَا عُمَرُ»

[8]

25- الولاء لله ورسوله وللمؤمنين، والبراءة من الكفر والكافرين، دليلُ صِدق الإيمان وسبيل تذوُّق حلاوته.

26- علامة محبَّته ﷺ امتثال أوامره واجتناب نواهيه، واتباع سنته، والاقتداء به، والتأدُّب بآدابه.

27- يقين المؤمن أن الكافر في النار، لذا؛ يكره الوقوع في الكفر كما يكره مصير الكافر، وهو القذف في النار.


المراجع

1. "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجرٍ العسْقلانيِّ (1/ 60- 61).

2. انظر: "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر العسْقلانيِّ (1/ 61).

3. انظر: "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن رجب الحنبليِّ (1/ 51).

4. انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" لأبي العباس القرطبيِّ (1/ 214).

5. "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن رجب الحنبلي (1/ 58).

6. رواه مسلم (870)، وانظر: "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لبدر الدين العينيِّ (1/149).

7. رواه البخاريُّ (15)، ومسلم (44).

8. رواه البخاريُّ (6632).

1. في الحديث إثباتُ الميزان، وقد تَظاهَرت نصوص القرآن والسُّنّة على وزن الأعمال، وثِقَل الموازين، وخِفَّتها [1].

2. في الحديث الردُّ على المرجئة الذين يُخرجون الأعمال عن مُسمَّى الإيمان [2].

3. «وسبحان الله» معناها: تنزيه الله - عزَّ وجلَّ - عما لا يليق به من العيوب ومماثلة المخلوقات؛ فالله- عزَّ وجلَّ - منزَّهٌ عن كلِّ عَيب في أسمائه، وصفاته، وأفعاله، وأحكامه، لا تَجِد في أسمائه اسمًا يَشتمِل على نقص أو على عَيب، وكذلك صفاته تعالى؛ فالله - عزَّ وجلَّ - له الوصف الأكمل الأعلى من جميع الوجوه، وله أيضًا الكمال المنزَّه عن كلِّ عَيب في أفعاله [3].

المراجع

  1. "شرح النوويِّ على مسلم" (3/ 101).
  2. انظر: "الفوائد المستنبطة من الأربعين النووية وتتمتها الرجبية"، عبد الرحمن بن ناصر البراق (ص: 49).
  3. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (1/ 187، 188).


12. بدأ ﷺ الحديث بوصف الله - عزَّ وجلَّ - بالإرادة، وإرادةُ الله تعالى عند أهل السُّنة نوعانِ، دلَّ عليهما الكتابُ والسُّنَّةُ؛ إحداهما: بمعنى المشيئة الكَوْنيَّة القَدَرية، والثانية: الإرادة الدينية الشرعية، والفرقُ بينهما: أن الإرادة الكونية القَدَرية شاملةٌ لكلِّ شيء لا فرْقَ فيها بين ما يحبُّه اللهُ وما يُبغضه، ولا بد َّمن وقوع ما تقتضيه، ومنها قوله تعالى:

﴿َفعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾

[البروج: 16]

وقوله تعالى:

﴿وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ ۚ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾

[هود: 34]

وأما الإرادةُ الدينيةُ الشرعيةُ فهي خاصَّةٌ فيما يحبُّه اللهُ ويرضاه لعباده، ولا يلزم وقوعُ ذلك، ومنه قوله تعالى:

﴿ُيرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾

[البقرة: 185]

ومن السُّنة قوله ﷺ:

«مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ»

[1].

المراجع

  1. "عشرون حديثًا من صحيح البخاري: دراسة أسانيدها وشرح متونها" عبد المحسن بن حمد البدر (27- 28).


14. من أركان الإيمان: الإيمان بالملائكة، وهم خَلقٌ من خَلْق الله - عزَّ وجلَّ - خَلَقهم من نور، لا يَعصُون الله أبدًا، وهم في عبادة دائمة له تعالى؛ قال تعالى:

﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾

[التحريم: 6]

وقال سبحانه في وصفهم:

﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۚ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [1].

[فاطر: 1]

المراجع

  1. "معالم السنن" للخطابي (4/ 183).

15. توهَّم بعض الناس جَهْلًا أن قوله: «سبعةٌ يُظلُّهم الله في ظِلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه» هذا هو ظلُّ الله نفسه، وأن الله تعالى يُظلُّهم من الشمس بذاته - عزَّ وجلَّ - وهذا فَهم خاطئٌ مُنكَر، يقوله بعض المتعالِمين الذين يقولون: إن مذهب أهل السُّنَّة إجراء النصوص على ظاهرها. فيُقال: أين الظاهر؟! وأين يكون ظاهر الحديث وأن الربَّ - جلَّ وعلا - يُظلُّهم من الشمس؟! فإن هذا يقتضي أن تكون الشمس فوق الله - عزَّ وجلَّ - وهذا شيء مُنكَر لا أحد يقول به من أهل السُّنَّة؛ فمعنى «يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه»، أو «يُظلُّهم الله في ظِلِّه» يعني الظلَّ الذي لا يقدر أحد عليه في ذلك الوقت؛ لأنه في ذلك الوقت لا بناءَ يُبنى، ولا شَجَرَ يُغرَس، ولا رمال تُقام، ولا أحجارَ تُصفَّف، ولا شيءَ من هذا... ولا يُظلُّ الخلائقَ من الشمس شيءٌ، لا بناءَ، ولا شجرَ، ولا حجر، ولا غير ذلك؛ لكن الله - عزَّ وجلَّ - يَخلُق شيئًا يُظلِّل به من شاء من عباده، يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه، هذا هو معنى الحديث، ولا يجوز أن يكون له معنى سوى هذا [1].

16. الحبُّ في الله والأخوَّة الإيمانية مِن العقيدة، ومن أجلِّ العبادات التي يتقرَّب بها العبدُ لله تعالى؛

قال الله تعالى:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾

[الحجرات: 10]،

وقال سبحانه:

﴿فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾

[آل عمران: 103].

17. يُشترط في محبَّة المؤمن الموصِّلة لحلاوة الإيمان أن تكون خالصةً لله تعالى، غيرَ مَشوبة بالأغراض الدنيوية؛ فإن مَن أحبَّه لذلك، انقطعت محبتُه إن حصل له ذلك الغرضُ، أو يئس من حصوله [2]

المراجع

  1. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (3/ 261، 262).
  2. انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" لأبي العباس القرطبيِّ (1/ 214).


10. التسبيحُ هو تنزيهُ الله عن النقائص والعيوب والآفات؛ فمعنى (سبحانَ الله)؛ أي: أُنزِّه الله - عزَّ وجلَّ - عن كل نَقْصٍ وعَيب.

11. التحميد: هو الثناءُ على الله - عزَّ وجلَّ - بكلِّ جَميل.


16. في هذا الحديث بيان لُطف الله وعِلمه بخَلقه؛ فقد خَلَق الله الإنسان وأَرشَده إلى ما فيه نفعُه وصَلاحُه، واستقامةُ حياته، فهو أدرى به من نفسه التي بين جَنْبَيه؛

قال تعالى:

﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ﴾

[الملك: 14]

14- في الحديث تسمية الرياء بالشرك الأصغر؛ لأنه قد قصد بعمله غير الله تعالى، ويسمَّى أيضًا بالشرك الخفيِّ؛ لأن صاحبه يُظهر أن عمله لله ويُخفي في قلبه أنه لغير الله.

15- قوله: «الشرك الأصغر» يدُلُّ على أن الشركَ شِركَان: أكبرُ، وهو الذي يَخرُج به المرءُ عن مسمَّى الإسلام، وشركٌ أصغرُ، وهو ما كان من قَبيل المعاصي التي مَنْشَؤُها طاعةُ غير الله، أو خوفُه، أو رجاؤه، أو تعظيمه، كما ورد في النصِّ على أمور أنها من الشرك؛ كالحَلِف بغير الله، وعلى مَن قال: ما شاء الله وشئتَ، وكذلك التشاؤم، وإتيان الكهَّان، والرُّقى المكروهة، وغير ذلك مما لا يُنافي التوحيدَ منافاةً مطلقةً[1]

16- ينقسم الرياء باعتبار الإسلام والشرك إلى قسمين: الأول: الرياء الذي يدخل في أصل الاعتقاد، وهذا شركٌ أكبرُ؛

قال تعالى:

﴿وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ﴾

[البينة: 5].

الثاني: وهو لِمَن سَلِم له عَقْد الإيمان من الشرك، ولحِقه شيءٌ من الرياء في بعض أعماله، فليس ذلك بمُخرِج من الإيمان إلا أنه مذمومٌ فاعلُه؛ لأنه أشرك في بعض أعماله حَمْدَ المخلوقين مع حَمْدِ ربِّه، فحُرِم ثوابَ عمله ذلك، وهذا الشرك الأصغر الذي سمَّاه النبيُّ ﷺ[2]

17- الرياء الذي يُبطل العمل ويردُّه على صاحبه هو الذي يكون في أصل العبادة؛ كأن يكونَ ما قام للصلاة – مثلًا - إلا ليُرائيَ بها الناس، فهذا عمله باطلٌ مردودٌ؛

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾

[البقرة: 264]

وقال أيضًا:

﴿ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَٰدِعُهُمۡ وَإِذَا قَامُوٓاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلٗا ﴾  

[النساء: 142].

وأخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:

قال رسول الله ﷺ:

«قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عَمِل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركتُه وشِرْكَه»

[3]

18- لو كان أصلُ العمل لله، وطرأ عليه الرياء؛ كأن يقومَ الرجُل يُصلي، ثم رأى أُناسًا يَنظُرون إليه، فأطال الركوعَ والسجودَ ونحوَ ذلك، فلا يضرُّه ذلك الرياء، لو دافَعَه، أما فلو استرسل معه واستمرَّ، فهذا يُبطل عمله[4]

19- الرياء والحلف بغير الله وتصديق الكهَّان وغيرها، قد تدخل في الشرك الأكبر؛ كحلِف الإنسان بغير الله معتقدًا تعظيمَه، وكذلك لو صدَّق الكُهَّان في زعمهم أنهم يعلمون الغيب، والرياء إنْ كان في كلِّ أعماله، أو كان الرياء في أصل الاعتقاد، وكذلك إن ظنَّ أن التمائم والرُّقى هي التي تمنع الضر وتكشف المرض[5]

20- اختلف العلماء في الشرك الأصغر: هل يدخُل تحت المشيئة كغيره من الذنوب، ويكون المراد

بقوله تعالى:

﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفۡتَرَىٰٓ إِثۡمًا عَظِيمًا ﴾

[النساء: 48]

مقصورًا على الشِّرك الأكبر فحسبُ؟ أم يدخل فيه كلُّ ما يُسمَّى شركًا، فلا يغفره الله إلا بالتوبة؟ وعلى القولَينِ فصاحب الشرك الأصغر على خطرٍ عظيم، فينبغي عليه أن يُبادر إلى التوبة والإنابة[6]

21- نجاسة الشرك نوعان: نجاسة مغلَّظة، ونجاسة مخفَّفة، فالمغلظة: الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله عزَّ وجلَّ، فإن الله لا يغفر أن يشرك به. والمخفَّفة: الشرك الأصغر؛ كيسير الرياء، والتصنُّع للمخلوق، والحلِف به، وخوفه، ورجائه[7]

22- إن المرائيَ في الحقيقة عابدٌ لغير اللَّه؛

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ:

«قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عَمِل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركتُه وشِرْكَه»

[8]

23- الشرك الأصغر أعظم من الكبيرة، لذا؛ اختلف العلماء هل يدخل الشرك الأصغر في عموم الآية


﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفۡتَرَىٰٓ إِثۡمًا عَظِيمًا﴾

[النساء: 48]

قال بعضهم: إنه يدخل، وقال بعضهم: إنه يدخل في المشيئة وأنه قد يُغفَر، وقال آخرون: إنه لا يُغفَر وأنه يشمله عموم الآية، وهذا اختيار ابن تيمية - رحمه الله -

لأن الله قال:

﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفۡتَرَىٰٓ إِثۡمًا عَظِيمًا﴾

[النساء: 48]

ولم يقل شركًا أكبر، فيشمل الأكبر والأصغر؛ لكن قد لا يُعاقب عليه الإنسان.

المراجع

  1.  انظر: "التوحيد" لابن رجب (ص: 23)، "شرح كشف الشبهات ويليه شرح الأصول الستة" لابن عثيمين (ص: 115).
  2.  انظر: "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطّال (1/ 113).
  3.  رواه مسلم (2985).
  4.  انظر: "القول المفيد على كتاب التوحيد" لابن عثيمين (1/ 118).
  5.  انظر: "فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام" لابن عثيمين (6/ 357).
  6.  انظر: "القول المفيد على كتاب التوحيد" لابن عثيمين (1/ 207).
  7.  "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" لابن القيم (1/ 59).
  8.  رواه مسلم (2985).

20. اتَّفق العلماء على تغليظ الكَذِب على رسول اللّه ﷺ وأنّه من الكبائر، حتّى بالَغ الشَّيخ أبو محمَّد الجُوَينيُّ فحَكَم بكُفر من وقع منه ذلك، وكلامُ القاضي أبي بكرِ بنِ العربيِّ يَميل إليه، وجَهِل من قال من الكرَّاميَّة وبعض المتزهِّدة أنَّ الكذب على النّبيِّ ﷺ يجوز فيما يتعلَّق بتقوية أمر الدِّين، وطريقة أهل السّنَّة والتّرغيب والتّرهيب، وعلَّلوا بأنّ الوعيد ورَدَ في حقِّ من كَذَب عليه، لا في الكَذِب له، وهو تعليل باطل؛ لأنّ المراد بالوعيد مَن نَقَل عنه الكَذِب، سواءٌ كان له أو عليه، والدِّين بحمد اللّه كاملٌ غير محتاج إلى تقويته بالكذب[1].

21. الدعوة إلى الله تعالى هي الدعوة إلى الإيمان به، وبما جاءت به رُسله، بتصديقهم فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أَمَروا، وهي البَلاغ والإنذار؛ تبليغُ الناس رسالة الإسلام، ودعوتهم إلى الإيمان بالله وحده، وإخلاص العبادة له، وإنذارُ المنحرفين عن دينه بأن لهم عذابًا أليمًا.

المراجع

  1. "فتح الباري" لابن حجر (6/ 499).


26. من مظاهر ربوبية الله عزَّ وجلَّ تعظيمُ ما يشاء من الخلق والأيام والأوقات والأماكن التي يختارها سبحانه، وقد جعل الله في تلك الأوقات والأماكن من الفَوز العظيم والفلاح الْمُبين ما يُحفِّز الإنسانَ على العمل، واغتنام تلك النَّفَحات المباركة.

17. في الحديث ليس المرادُ نفيَ أصلِ الإسلام عمَّن لم يكن بهذه الصِّفة؛ بل نفي الإسلامِ الكامل؛ كما يُقال: العِلْمُ ما نَفَع، أو العَالِمُ زَيْدٌ؛ أي: الكامل، أو المحبوب، وكما يُقال: النَّاسُ العَرَبُ، والمالُ الإبل؛ فكلُّه على التَّفضيل لا للحَصْرِ.

18. الإسلام في الشرع على ضربين؛ أحدهما دون الإيمان، وهو الاعتراف باللسان، وبه يُحقَن الدَّمُ، حَصَل معه الاعتقاد أو لم يَحصُل، وإيَّاه قَصَد بقوله تعالى:

﴿۞ قَالَتِ ٱلْأَعْرَابُ ءَامَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوٓا أَسْلَمْنَا﴾

[الحجرات: 14]،

والثاني: فوق الإيمان، وهو أن يكون مع الاعتراف اعتقادٌ بالقلب، ووفاءٌ بالفعل، واستسلامٌ لله في جميع ما قضى وقدَّر،

كما ذَكَر عن إبراهيم - عليه السلام -:

إِذْ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ

[البقرة: ١٣١] [1].

المراجع

1. "الكاشف عن حقائق السنن" للطيبيِّ (2/ 442).


8. من مظاهر الربوبية لله - عزَّ وجلَّ – تفضيله سبحانه بعض الأماكن على بعضٍ، وبعضَ الأزمان على بعضٍ، وبعضَ الجهات على بعضٍ، ومن ذلك تفضيلُ اليَمين على الشمال؛ فقد سمَّى الله أصحاب الجنَّة أصحاب اليمين، وسمَّى أصحاب النار أصحاب الشمال، وأن المؤمنَ الذي سيَدخُل الجنَّة يَأخُذ كتابه بيمينه، وغيرَه يَأخُذه بشماله؛ فسببُ تفضيل اليمين هو الاختيار الربَّانيُّ، والتخصيص الإلهيُّ لها بالمزايا والفضائل، وتلك إحدى مظاهر الربوبية لله عزَّ وجلَّ، حيث ينفرد بتعظيم ما يشاء من خلقه، فهو الذي يفعل ما يشاء لحكمة يَعلَمها سبحانه .

15. إن الوالدينِ هما أقربُ الأقرباء، ويجب برُّهما؛ لرحمهما وفضلهما؛ ولكن ليس لهما من طاعة في حقِّ الله؛

قال تعالى:

﴿وَوَصَّيْنَا ٱلْإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِن جَٰهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَآ ۚ﴾

[العنكبوت: ٨].

16. إن الصلة في الله هي الصلة الأولى، والرابطة في الله هي العُروة الوُثقى، فإن كان الوالدان مشركينِ، فلهما الإحسان والرعاية، لا الطاعة ولا الاتِّباع.

35. اختُلف في الأنبياء هل هم معصومون عن الصغائر والكبائر، أم عن الكبائر؟ والقول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام، وهو أيضًا قولُ أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء[1]

36. الأنبياءُ معصومون من الوقوع في الكبائر، وقد يَقَع من بعضهم بعضُ الصغائر على الراجح من أقوال أهل العلم؛ إلا أنهم سُرعانَ ما يتوبون إلى الله ويستغفرونه، ودليل ذلك

قال تعالي

﴿وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ 121 ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ﴾

[طه: 120-121]

37.من قال: الأنبياء غير معصومين عن الصغائر، استدلُّوا بعصيان آدَمَ، وكذب إبراهيم عليهما السلام، ومن قال: هم معصومون عن الصغائر أيضًا، حَمَلوا زَلَّاتِ الأنبياء على النسيان والخطأ، وهذا هو الأَوْلى؛ لِمَا فيه من تعظيم الأنبياء، وقد أُمِرنا بتعظيمهم[2].

38. إنّ ما صَدَر عن الأنبياء من باب ترك الأَوْلى، أو من قَبيل "حسناتُ الأبرار سيّئات المقرَّبين"، أو يقال: الزّلَّات المنقولة عن بعضهم محمولة على الخطأ والنّسيان من غير أن يكون لهم قصد إلى العصيان[3]

المراجع

  1. جموع الفتاوى" لابن تيمية (4/ 319).
  2. "الكاشف عن حقائق السنن" للطيبيِّ (6/ 1847، 1848).
  3. "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (4/ 1622).