عنْ أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَاإِلَى صُوَرِكُمْ؛ لَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ». وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ»
عنْ أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَاإِلَى صُوَرِكُمْ؛ لَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ». وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ»
1. في الحديث بيان أن الأعمال الظاهرة لا تَحصُل بها التقوى؛ وإنما تَحصُل بما يقع في القلب من عظمة الله وخشيته ومراقبته [1]
2. في الحديث توجيه إلى الاهتمام بتزكية القلب وتطهيره؛ فإن به اجتناب الشبهات، ومعرفة الحلال من الحرام.
3. في الحديث بيان أن الأعمال وثوابها وفضلَها يتوقَّف على نيَّة صالحة وإرادة صادقة.
4. في الحديث توجيه المؤمن إلى أن الواجب عليه أن يدرِّب نفسه على تصحيح النيَّة في أعماله، وأن يَصبِر على المشاقِّ التي تواجهه في سبيل تحصيل ذلك؛ فالأمر ليس بالهيِّن اليسير؛ بل يحتاج إلى صبر وتصبُّر، وقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يتعهَّدون قلوبهم حتى يُخلصوا نيَّاتِهم؛ "كانوا يتعلَّمون النيَّة للعمل كما تتعلَّمون العمل[2]
5. لو صَلَحت نيَّة المرء، أعانه الله تعالى على عمله، حتى وإن لم يتيسَّـر له أسبابه.
6. هذا الحديث يدلُّ على ما يدلُّ عليه
قول الله تعالى:
يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ ﱠ
[الحجرات: ١٣]
فليس بين الله وبين خلقه صلةٌ إلا بالتقوى[3]
7. العمل على ما في القلب، وعلى ما في القلب يكون الجزاء يوم القيامة؛
كما قال الله تعالى:
إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ
[الطارق: ٨ – ٩]؛
أي: تُختبَر السرائر لا الظواهر[4]
8. في الدنيا الحُكم بين الناس على الظاهر؛ لقول النبيِّ ﷺ: «إنما أنا بشرٌ، وإنكم تختصمون، ولعلَّ بعضكم أن يكون ألحنَ بحُجَّته من بعض، وأقضي له على نحو مما أسمع»؛ لكن في الآخرة على ما في السرائر، فإذا كانت السريرةُ جيِّدةً صحيحةً، فأبشِرْ بالخير، وإن كانت الأخرى، فقدتَ الخير كلَّه[5]
9. في الحديث نَظَرُ الله تعالى هو رؤية الله لذلك؛ ليُجازيَ عليه ويُثيبَه، ونظرُ الله ورؤيته محيطةٌ بكلِّ شيء، وإنما المراد من ذلك هنا بالتخصيص ما يُثيب عليه ويُجازي من ذلك، فكلُّ هذا إشارة إلى النيَّات والمقاصد، وأن الْمُجازى عليه ما كان للقلب فيه عملٌ من قصد ونيَّة وذِكر[6]. وَهُوَ مِنْ نَحْوِ قَوْله ﷺ: «ألَا أَنْ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً» الْحَدِيثَ [7]
10. عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ:
«أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ: كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ: كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ»
[8]
11. الاهتمام بتصحيح القلب وتسديده أولى ما اعتمد عليه السالكون، والنَّظَر في أمراضه وعلاجها أهمُّ ما تنسَّك به الناسِكون؛ فإن القلب لهذه الأعضاء كالْمَلِك المتصرِّف في الجنود، الذي تَصدُر كلُّها عن أمره، ويستعملها فيما شاء، فكلُّها تحت عبوديَّته وقهرِه، وتكتسب منه الاستقامةَ والزَّيغ، وتَتبَعه فيما يريد، فهو مَلِكُها، وهي المنفِّذة لما يَأمُرها به[9]
12. لَمَّا عَلِم عدوُّ الله إبليسُ أن الْمَدَار على القلب، والاعتمادَ عليه، أَجلَب عليه بالوَساوس، وأَقبَل بوجوه الشَّهوات إليه، وزيَّن له من الأقوال والأعمال ما يصدُّه عن الطريق، وأَمَدَّه من أسباب الغيِّ بما يَقطَعه عن أسباب التوفيق، ونَصَبَ له من المصايد والحبائل ما إن سَلِم من الوقوع فيها، لم يَسلَم من أن يَحصُل له بها التعْوِيق[10]
13. لا نجاةَ من مصايد الشيطان ومكايده إلا بدوام الاستعانة بالله تعالى، والتعريض لأسباب مَرْضَاته، والْتِجَاء القلب إليه، وإقباله عليه في حركاته وسَكناته، والتحقُّق بذُلِّ العُبودية الذى هو أولى ما تلبَّس به الإنسان؛ ليَحصُل له الدخول في ضمان:
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ
[الحجر: 42]،
فهذه الإضافة هي القاطعة بين العبد وبين الشياطين، وحصولُها يسبِّب تحقيق مقام العبودية لربِّ العالمين[11]
14. إذا أُشرب القلبُ العبوديةَ والإخلاص صار عند الله من المقرَّبين، وشَمِله استثناء:
إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ
[الحجر: 40] [12]
15. الْقلب مَلِك والأعضاء جُنُوده، فإذا طَابَ الْمَلِك طابت جُنُوده، وَإِذا خَبُث الْمَلِك خَبُثت جُنُوده [13]
16. القلب الصالحُ: هو القلب السليم الذي لا يَنفَع يومَ القيامة عند الله غيرُه، وهو أن يكون سليمًا عن جميع ما يكرهه اللهُ ويَسخَطه، ولا يكون فيه سوى محبَّة الله وإرادته ومحبَّة ما يحبُّه الله، وإرادة ذلك، وكراهة ما يكرهه الله، والنُّفور عنه[14]
17. القلب الفاسد: هو القلب الذي فيه الْمَيل على الأهواء المضِلَّة، والشهوات المحرَّمة، وليس فيه من خشية الله ما يكفُّ الجوارح عن اتِّباع هوى النفس؛ فالقلب ملك الجوارح وسلطانُها، والجوارح جنوده ورعيَّته المطيعة له المنقادة لأمره، فإذا صلح الملك، صلحت رعاياه وجنوده المطيعة له المنقادة لأوامره، وإذا فسد الملك، فسدت جنوده ورعاياه المطيعة له المنقادة لأوامره ونواهيه[15]
الفوائد العقدية
18. في الحديث الردُّ على من زعم من المرجئة أن الإيمان قول باللسان دون عقد بالقلب[1]
19. في الحديث إثبات صفة النظر لله تعالى، ومنهج أهل السنة في هذه الصفات أن نُمِرَّها كما جاءت بلا تشبيه ولا تعطيل.
20. مَدَارُ الأعمال كلِّها على النيَّة والإخلاص لله تعالى، وملازمةِ الإخلاص في الأعمال كلِّها الظاهرة والباطنة. في الحديث الحَذَرُ من الرياء والسُّمعة، والعمل لغير الله عزَّ وجلَّ.
الفوائد التربوية
21. يجب صرف الاهتمام إلى القلب وعلاج أمراضه التي تُحبط الأعمال.
22. تقييم الناس بمعايير الله تعالى، وهي التقوى وصلاح القلب الذي تُتَرْجِمُه الجوارح إلى أعمال ظاهرة، وترك تقييمهم حسب مظهرهم أو لون بشرتهم.
23. (وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ): استخدم النبيُّ ﷺ لغة الجسد في الإشارة إلى القلب بأصابعه، وهذا من الأمور التي تؤثِّر في المستمِع، وترسِّخ لديه المعلومة، فيُستحسن استخدام لغة الجسد في التعليم والإرشاد والدعوة.