عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»
عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»
في الحديث يقرِّر النبيُّ ﷺ سنَّة من سنن الله في خلقه، وهي أن كلَّ بني آدمَ يَقَعون في الذنوب والمعاصي، فإذا ما وقعوا فيها، فباب التوبة مفتوح، فليبادروا بها.
أَودَع الله في كل إنسان القُدرة على فعل الخير والشرِّ؛
قال تعالى
﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾
[البلد: 10]
أي: دَلَلْناه على طريق الخير وطريق الشرِّ، وتَركْنا له حرية الاختيار بينهما، و
قال تعالى
﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا 7 فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾
[الشمس: 7-8]
؛ أي: بيَّن لها الخير والشرَّ، وهداها لما قُدِّر لها، ثم أرسل الرُّسل، وأنزل الكتب؛ حتى يستقيم الإنسان على عبادته، فيَحُوز خيرَيِ الدنيا والآخرة.
إن الإنسان وهو سائر في طريقه إلى الله، معرَّض للوقوع في الذنوب والمعاصي والأخطاء؛ إذ النقصُ من جملة صفاته؛
قال تعالى:
﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾
[النساء: 28].
في الحديث توجيه وإرشاد إلى أنه إذا كان الإنسان بطبعه كثيرَ المعاصي، فإن ذلك ليس مبرِّرًا له في الاسترسال في الذنوب والمعاصي، فهو مأمورٌ بتصحيح ذنبه؛ فطريق الخلاص والتوبة من المعاصي: «وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»؛ أي: والخيرية والأفضلية إنما تكون للرّجَّاعين والتائبين والمستغفرين، إلى الله بالتوبة من المعصية إلى الطاعة.
إن أُرِيد بلفظ الكلِّ الكلُّ من حيث هو كلٌّ، كان تغليبًا؛ لأن فيهم الأنبياءَ، وليسوا مبالِغين في الخطأ؛ ففيه تعميم جميع بني آدم، حتى الأنبياء؛ لكنهم خُصُّوا منه لكونهم معصومين[1]
«وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»؛ أي: الرّجَّاعون إلى اللّه بالتّوبة من المعصية إلى الطّاعة، أو بالإنابة من الغَفلة إلى الذِّكر، أو بالأَوْبة من الغَيْبة إلى الحُضور[2]
«وخير الخطَّائين التوَّابون» يعني أن العبد لا بدَّ أن يجريَ عليه ما سَبَق به القَدَرُ؛ فكأنه قال: لا بدَّ لك من فعل الذنوب والخطايا؛ لأن ذلك مكتوبٌ عليك، فأحدِثْ توبةً؛ فإنه لا يؤتى العبد من فعل المعصية وإن عَظُمت؛ وإنما يُؤتى من ترك التوبة وتأخيرها؛ فإن الله غفور يحبُّ التوَّابين[3].
قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾
[آل عمران: 135].
أثنى على المستغفِرين، وفي ضِمْنِ ثنائه بالاستغفار لوَّح بالأمر به، كما قيل: إن كلَّ شيء أَثنى اللهُ على فاعله، فهو آمِرٌ به، وكلَّ شيء ذَمَّ فاعلَه، فهو ناهٍ عنه[4].
على المسلم إذا ما أَذنَب أن يُسارع إلى التوبة، ولا يَيْئَس من رحمة الله عزَّ وجلَّ، فاليأس من رحمة الله صفة من صفات الكافرين وأهل الضلال؛
قال تعالى:
﴿إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون﴾
[يوسف: 87]،
وقال تعالى:
﴿قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾
[الحجر: 56].
مهما كانت الذنوبُ، فإن الله يغفرها جميعًا، ويتوب على أصحابها إذا تابوا؛
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ:
«أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ»
[5]
إن العبد الصالح كلَّما قارَف ذنبًا، عاد مسرِعًا تائبًا من ذنبه، منيبًا إلى ربِّه، لا يُصِرُّ على الذنوب، وذلك معنى
قوله تعالى:
﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾
إذا تاب المذنبون، وأنابوا إلى ربهم، قَبِل توبتهم، وفتح لهم أبواب رحمته؛
قال تعالى:
﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾
[الشورى: 25]
الصغيرة تَكبُر بأسباب، منها: الإصرارُ، والمواظبة؛ ولذلك قيل: لا صغيرةَ مع إصرار، ولا كبيرةَ مع استغفار، فكبيرةٌ واحدة تَنقطع ولا يَتبَعها مثلُها، كان العفوُ عنها أرجى من صغيرة يواظِب العبد عليها، ومثال ذلك: قَطَرات من الماء تقع على الحَجَر على تَوَالٍ فتؤثِّر فيه، وذلك القدرُ من الماء لو صُبَّ عليه دَفْعةً واحدة لم يؤثِّر[6]
حذَّر النبيُّ ﷺ من المداوَمَة على فعل الصغائر؛ لأن فيها هلاكًا للعبد؛
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
«إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ؛ فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ»
[7]
حذَّر النبيُّ ﷺ الْمُصِرِّين على الصغائر بالوَيْلِ والعذاب الشديد؛
فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو بْنِ الْعَاص رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ:
«وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ»
[8]
إن باب التوبة مفتوح لا يُغلِقه الله تعالى في وجوه عباده ما لم تَبلُغ الرُّوح الحُلْقوم؛
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
«إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ»
[9]
فالله عزَّ وجلَّ يَقبَل توبة عبده ما لم يَحضُره الموت، أو تَطلُع الشمس من مغربها؛
قال تعالى:
﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ﴾
[النساء: 18].
إن الله يَفرَح بتوبة عبده، أكثرَ من فرح رجل وجد طعامه وشرابه في الصحراء بعدما فَقَدهما، وأَشرَف على الهلاك؛
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُود قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، يَقُولُ:
«للَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلِكَةٍ، مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ، فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ، ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِيَ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ»
[10]
كان النبيُّ ﷺ يستغفر في اليوم أكثرَ من سبعين مرَّةً؛
عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قال:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً».
[11]
للتوبة شروطٌ لابدَّ منها حتى تُقبَل، هي: إخلاص النية لله تعالى، والإقلاع عن المعصية، والندم على ارتكابها، والعَزْمُ على عدم العودة إلى المعصية، وإرجاع الحقوق إلى أصحابها، إذا كان الذنب متعلِّقًا بحقٍّ من حقوق العباد، وأن تكون في الوقت المخصَّص لقَبولها؛ أي: قبل طلوع الشمس من مغربها، وقبل لحظة الموت.
من فضائل التوبة: أنها سببٌ لنَيل محبَّة الله تعالى؛
قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾
[البقرة: 222].
من فضائل التوبة: أنها سببٌ لنور القلب ومحوِ أثر الذنب؛
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:
«إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً، نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ، سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ
﴿كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾
[المطففين: 14]»[12]
من فضائل التوبة: أنها سببٌ لتكفير السيِّئات، وغفران الذنوب؛
قال تعالى:
﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾
[الفرقان: 70].
من فضائل التوبة: أنها سببٌ لدخول الجنة، والنجاة من النار؛
قال تعالى:
﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾
[مريم: 60].
من فضائل التوبة: أنها سببٌ لنزول الغَيث، وزيادة القوَّة؛
قال تعالى:
﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ﴾
[هود: 52].
من فضائل التوبة: أنها سببٌ للتوفيق والفلاح؛
قال تعالى:
﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
[النور: 31].
الاستغفار يكون على وجهين؛ الأول: طلب المغفرة باللفظ بأن يقول: اللهم اغفر لي، أو أستغفر الله. والثاني: طلب المغفرة بالأعمال الصالحة التي تكون سببًا لذلك؛
كقوله ﷺ:
«مَنْ قَالَ: سُبحَانَ اَلله وَبِحَمْدِهِ في اليَوم مائَةَ مَرةٍ، غُفِرَت خَطَايَاه وَإِنْ كَانَت مِثْلَ زَبَدِ البَحْر»
[13]
إن الله تعالى يغفر الذنوب جميعًا، وهذا لمن استغفر، أما من لم يستغفر، فإن الصغائر تكون مكفَّرةً بالأعمال الصالحة؛
لقول النبيِّ ﷺ:
«الصلَواتُ الخَمسُ، وَالجُمُعَة إِلى الجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَينَهُنَّ مَا اجتَنَبَ الكَبَائِرَ»
[14]
وأما الكبائر، فلابدَّ لها من توبة خاصَّة، فلا تكفِّرها الأعمال الصالحة، أما الكفر، فلابدَّ له من توبة بالإجماع [15].
قال تعالى:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾
[الذاريات:56-58].
الذنوب على ثلاثة أقسام: قسم لابدَّ فيه من توبة بالإجماع، وهو الكفر، والثاني: ما تكفِّره الأعمال الصالحة، وهو الصغائر، والثالث: ما لابدَّ له من توبة، على خلاف في ذلك؛ لكن الجمهور يقولون: إن الكبائر لابدَّ لها من توبة[16].
اللهُ سبحانه لا تنفعُه طاعةُ المطيعين، ولا تضرُّه معصيةُ العاصين، مع كمال غناه عن خَلقه، فلم يخلقهم ليتقوَّى بهم من ضعف، ولا يتكثَّر بهم من قلَّة؛ بل خَلَقَهم ليعبدوه؛
إن الإنسان لا يخلو من ذنب وتقصير، ولو كان صدِّيقًا.
أفضل الاستغفار أن يبدأ العبد بالثناء على ربه، ثم يُثَنِّي بالاعتراف بالنِّعَم، ثم يُقرُّ لربِّه بذنبه وتقصيره، ثم يسأل بعد ذلك ربَّه المغفرة.
تجب التوبة على المسلم إذا أذنب.
النقص سمة من سمات الخلق، والكمال لله وحده.
الحديث إخبار عن الواقع، وليس أمرًا بالمعاصي.
35. اختُلف في الأنبياء هل هم معصومون عن الصغائر والكبائر، أم عن الكبائر؟ والقول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام، وهو أيضًا قولُ أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء[1]
36. الأنبياءُ معصومون من الوقوع في الكبائر، وقد يَقَع من بعضهم بعضُ الصغائر على الراجح من أقوال أهل العلم؛ إلا أنهم سُرعانَ ما يتوبون إلى الله ويستغفرونه، ودليل ذلك
قال تعالي
﴿وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ 121 ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ﴾
[طه: 120-121]
37.من قال: الأنبياء غير معصومين عن الصغائر، استدلُّوا بعصيان آدَمَ، وكذب إبراهيم عليهما السلام، ومن قال: هم معصومون عن الصغائر أيضًا، حَمَلوا زَلَّاتِ الأنبياء على النسيان والخطأ، وهذا هو الأَوْلى؛ لِمَا فيه من تعظيم الأنبياء، وقد أُمِرنا بتعظيمهم[2].
38. إنّ ما صَدَر عن الأنبياء من باب ترك الأَوْلى، أو من قَبيل "حسناتُ الأبرار سيّئات المقرَّبين"، أو يقال: الزّلَّات المنقولة عن بعضهم محمولة على الخطأ والنّسيان من غير أن يكون لهم قصد إلى العصيان[3]
39. مُسْنَدُ أنس بن مالك رضي الله عنه: ألفان ومِائتان وسِتَّةٌ وثمانون، اتَّفَق له البخارِيُّ ومسلم على مِائة وثمانين حديثًا، وانفرد البخاريُّ بثمانين حديثًا، ومسلم بتسعين[1].
وقال الله جلَّ وعلا:
﴿وَقَابِلِ التَّوْبِ﴾
[غافر: 3]،
وقال جلَّ وعلا:
﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
[النور: 31]؛