9. في الحديث إشارة إلى أنه لا يجب شيءٌ من الصلوات في كلِّ يوم وليلة غير الخمس، خلافًا لِمَن أوجَبَ الوترَ، أو ركعتَيِ الفجر، أو صلاة الضحى، أو صلاة العيد، أو الركعتين بعد المغرب [1].
10. في الحديث إشارة إلى أن الصلواتِ الخمسَ هي أعظمُ أركان الإسلامِ بعد الشهادتين؛ فهي عَمودُ دين الإسلام، وأَكثَرُ العبادات ذِكْرًا في القرآن، وآخرُ وصايا الرسول ﷺ، وقد سَمَّاها اللهُ تعالى إِيمانًا.
11. عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلاةُ عَلى وقْتِهَا» [2]. فالصلاةُ هي أساسُ العَلاقة بين العبد وربِّه، لذا؛ جعل النبيُّ ﷺ الصلاةَ على وقتها أحبَّ الأعمال إلى الله عز وجل.
12. للصلاة مكانةٌ عُظمى في دين الله عز وجل، وقد أمر اللهُ عز وجل في كتابه العزيز بالمحافظة عليها؛ فقال تعالى:
﴿حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ﴾
[البقرة: 238]
وبيَّن سبحانه أن من صفات المؤمنين المحافظةَ على الصلاة، فقال سبحانه:
﴿وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمۡ يُحَافِظُونَ﴾
[المؤمنون: 9].
13. توعَّد الله تعالى مَن يُضيع الصلاة بأشدِّ العقوبات؛ فقال تعالى:
﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾
[مريم: 59].
14. مَن ضيَّع الصلاةَ التي هي عمادُ الدين مع العلم بفضيلتها، كان لغيرها من أمر الدين أشدَّ تضييعًا، وأشدَّ تهاونًا واستخفافًا[3].
15. في الحديث دليلٌ على أنه ليس للساعي أن يَأخُذ خيار المال إلا أن يتبرَّع به صاحب المال، وليس لصاحب المال أن يُعطِيَ الأَرْدَأَ، ولا للساعي أن يرضى به، فيَبخَس بحقِّ المساكين؛ بل حقُّه في الوسط[4].
16. الزكاة هي: "التعبُّدُ لله تعالى بإخراج جزءٍ واجبٍ شرعًا في مال مُعيَّن لطائفة، أو جهة مخصوصة" [5].
17. سُمِّيت زَكَاةً لأنها تُزَكِّي النَّفْسَ وتُطَهِّرُهَا منَ الآثام؛ كما قال تعالى:
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾
[التوبة: 103].
18. في الحديث بيان أن الزكاة حقٌّ مَعْلُومٌ فَرَضَهُ الله سبحانه للفقراءِ في أموالِ الأغنياء؛
كما قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾
[المعارج: 24، 25].
19. في الحديث دليلٌ على أن الطفل تَلزَمه الزكاةُ لعموم قوله: «تؤخذ من أغنيائهم»[6].
20. في الحديث دليل على أن نقل الزكاة عن بلد الوجوب لا يجوز مع وجود المستحِقِّين فيه؛ بل صَدَقةُ كلِّ ناحية لمستحقِّي تلك الناحية، واتَّفَقوا على أنه إذا نُقِلت وأُدِّيَت يَسْقُط الفرض، إلا عمرَ بنَ عبد العزيز؛ فإنه ردَّ صدقةً نُقلت من خُرَاسانَ إلى الشام إلى مكانها من خُرَاسان [7].
المراجع
- "فتح الباري" لابن حجر (1/ 107).
- رواه البخاريُّ (527)، ومسلم (85).
- "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لبدر الدين العَيني (5/ 14).
- "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1470).
- "الشرح الممتع على زاد المستقنع" لابن عثيمين (6/ 13).
- "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1469).
- "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1469).
6. الواجب في زكاة الفطر صاعٌ من غالب قُوت أهل البلد، سواءٌ كان من القمح، أو الشَّعير، أو التمر، أو الزَّبيب، أو الأرز، أو الذرة، أو نحو ذلك مما يُقتات ويُدَّخَر، عن كلِّ رأسٍ، على الذكر والأنثى، والحرِّ والمملوك، والصَّغير والكبير من المسلمين، والصَّاعُ يساوي أربعة أمداد بكفَّيْ رجل معتدِلِ الكفَّين.
7. عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي اللَّه عنه، قال: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ» [1]. والأَقِطُ: اللبن المجفَّف الذي لم تُنزَع زُبدته.
8. جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة يَرَون وجوب إخراج الأعيان في زكاة الفِطر؛ كالتمر والشعير والزبيب، أو من غالب قوت الناس، ولا يُجيزون إخراج قيمتها نقودًا، ومذهب الحنفية جواز إخراج القيمة.
9. في الحديث دليل على أن مِلك النِّصاب ليس بشرطٍ لوجوب زكاة الفطر؛ بل هي واجبة على الفقير والغنيِّ [2].
10. تُصرَف زكاة الفطر في الفقراء والمساكين دون غيرهم من مَصَارِف الزكاة، والمشروع أن تُصرف زكاة كلِّ بلد في فقرائها؛ حتى يَستغنيَ جميعُ الفقراء عن الزكاة، ولا يجوز نقلُ الزكاة إلا لمصلحة شرعية راجحة؛ كأن يكون فقراء البلد التي تُنقل إليهم الزكاة أشدَّ حاجةً من فقراء البلد التي يعيش فيها المسلم، أو أن يكون له أقاربُ فقراءُ مستحقُّون للزكاة ولا يُعطيهم ما يَكفيهم، فيكون هذا رعايةً وصِلةً لذَوي القُربى [3].
11. وقت وجوب زكاة الفطر هو وقتُ غُروب الشمس من آخِر يوم من رمضانَ؛ فإنها تَجِب بغروب الشمس من آخِرِ شهر رمضانَ [4].
12. عن ابن عَبَّاسٍ، قال: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» [5].
13. قوله: «وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ»: "هذا أمرُ استحباب؛ لجواز التأخير عند الجمهور، واختلفوا في جواز التأخير عن اليوم" [6].
14. الظاهر أن من أخرج الْفِطرة بعد صلاة العيد كان كمن لم يُخرجها، باعتبار اشتراكهما في ترك هذه الصدقة الواجبة. وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن إخراجها قبل صلاة العيد إنما هو مُسْتَحَبٌّ فَقَطْ، وجزموا بأنها تُجْزِئ إِلى آخِر يوم الْفِطر، والحديث يَرُدُّ عليهم، وأما تأخيرها عن يوم العيد، فقال ابن رسلان: إنه حرام بالاتِّفاق؛ لأنها زكاة، فوجب أن يكون في تأخيرها إثم؛ كما في إخراج الصلاة عن وقتها [7].
15. من تزوَّج، أو مَلَك عبدًا، أو وُلِد له وَلَد، أو أَسلَم، قبل غروب الشّمس، فعليه الفِطرة. وإن كان بعد الغروب، لم تَلزَمه. ولو كان حين الوجوب مُعْسِرًا، ثمّ أَيْسَر في ليلته تلك أو في يومه، لم يَجِبْ عليه شيء، ولو كان في وقت الوجوب موسِرًا، ثمّ أَعسَر، لم تَسقُط عنه؛ اعتبارًا بحالة الوجوب [8].
16. من مات بعد غروب الشمس ليلةَ الفطر، فعليه صدقة الفطر [9].
17. أجمع العلماء على وجوب صدقة الفطر، ونَقَل الإجماعَ فيها ابن المنذر والبيهقيُّ [10].
18. تجب زكاة الفطر على كلِّ مسلم حرٍّ، مالكٍ لِمَا يَزيد على قُوته وقُوت من تَلزَمه نَفَقتُه، يومَ العيد وليليتَه، ويجب إخراجها عن نفسه وعمَّن تَلزَمه نفقتُه؛ كزوجته، وأولادِه، وخَدَمه من المسلمين الذين يتولَّى أمورَهم ويقوم بالإنفاق عليهم.
19. قوله: «على العبد»: جعل وجوبَ زكاة الفطر علي السيِّد كالوجوب علي العبد مجازًا؛ إذ ليس هو أهلًا لأن يكلَّف بالواجبات المالية، ويؤيِّد ذلك عطف الصغير عليه [11].
20. زكاة الفطر غير واجبة على الجنين في بطن أمِّه، وهو قول أكثر أهل العلم؛ ولكن يُستحبُّ إخراجها عنه؛ فقد كان عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رضي اللَّه عنه - يُخْرِجُ عن الجنين [12].
21. في الحديث دليل على أنه لا تجب على المسلم فِطرة عبده الكافر؛ لقوله ﷺ في الحديث: «من المسلمين»، ولأنها طُهْرةُ المسلم كزكاة المال [13].
22. العمَّال والخَدَم الذين يتقاضَون أُجرة مقابل ما يؤدُّونه من عمل في المصنع والمزرعة هم الذين يُخرجون زكاة الفطر عن أنفسهم؛ لأن الأصل وجوبها عليهم [14].
23. قال وَكيعُ بنُ الجرَّاح: "زكاة الفِطر لشهر رمضانَ كسَجدة السَّهو للصلاة؛ تَجبُر نُقصانَ الصَّوم كما يَجبُر السجودُ نقصان الصلاة" [15].
24. يجوز للمسلم أن يوكِّل غيره في إخراج الزكاة؛ كأن يدفَعها إلى رجلٍ أمين موثوقٍ فيه يقوم بإخراجها نيابةً عنه، أو يُعطيها إلى جمعية خيرية موثوق فيها تقوم بتوزيع الزكاة في مصارفها الشرعية، وبذلك تَبرأ الذمَّة أمام الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة [16].
المراجع
1. رواه البخاريُّ (1506)، ومسلم (985).
2. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1499).
3. "فتاوى دار الإفتاء المصرية" (1/123، 124، رقم 39).
4. "المغني" لابن قدامة (3/ 89).
5. رواه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827)، وقال الألبانيُّ في "صحيح أبي داود" (5/ 317): "قلت: إسناده حسن، وحسَّنه ابن قدامة والنوويُّ".
6. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1499).
7. "عون المعبود شرح سنن أبي داود" للعظيم آبادي (5/ 4).
8. "المغني" لابن قدامة (3/ 89).
9. "المغني" لابن قدامة (3/ 89).
10. "المجموع شرح المهذَّب" للنوويِّ (6/ 104).
11. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1499).
12. "المغني" لابن قدامة (3/ 99).
13. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1499).
14. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/372).
15. "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" للرمليِّ (3/ 110).
16. "فتاوى دار الإفتاء المصرية" (1/119، رقم 37).
15. اختُلف في المراد بقوله: «فليقُلْ: إني امرؤٌ صائمٌ»؛ هل يقولها الإنسان في نفْسه، أو يقولها للذي يُقاتله ويَسبُّه؟ والصحيح أنه يقولها جهرًا للذي يُقاتله؛ ليَعلَم أنه إنما سكَت عنه لا عجزًا منه ولا هوانًا؛ وإنما لأنه صائمٌ لله تعالى، وهذا المانع الذي منعه عنه، فينزجر السابُّ بذلك، ولا يظنُّ من ذلك ذُلَّ الرجُل وهوانه. ولأن ذلك قد يَزجُر السابَّ أيضًا إن كان هو الآخرُ صائمًا؛ كأن يكون ذلك في رمضان أو غيره، فيُذكِّره بصومه فينزجر [1].
16. اتَّفَق جمهور العلماء على أن الصائم لا يفطِّره السبُّ والشتم والغِيبة، وإن كان مأمورًا أن ينزِّه صيامه عن اللفظ القبيح [2].
17. حَمَل الجمهور النَّهْيَ عن الرَّفَث والصَّخَب ونحوهما على التحريم، إلا أنهم خَصُّوا الفِطْرَ بالأَكْل والشُّرب والجِماعِ [3].
18. قال الأوزاعيُّ: إنّ الغِيبة تفطِّر الصّائم، وتوجب عليه قضاء ذلك اليوم، وأَفرَط ابن حزم فقال: يُبطِلُه كلُّ معصية من متعمِّد لها ذاكرٍ لصومه، سواءٌ كانت فعلًا أو قولًا؛ لعموم قوله: «فلا يرفث ولا يجهل»، ولقوله: «من لم يدع قول الزّور والعمل به فليس للّه حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» [4].
19. قال ابن القصّار: معناه أنه يصير في معنى المفطِر في سقوط الأجر، لا أنه يُفطِر في الحقيقة؛ كقوله تعالى:
﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا﴾
[الحجرات: 12]،
ومن اغتاب فلم يكن آكلاً لحمَ أخيه مَيْتًا في الحقيقة؛ وإنما يصير في معناه [5].
20. السواكُ مُستَحبٌّ للصائم وغير الصائم؛ إذ الحديث في كراهته للصائم ضعيفٌ لا يَصِحُّ، وأحاديثُ السواك الصحيحة مطلَقةٌ ليس فيها استثناء الصائم، والخُلُوف إنما يكون من الجَوف لا من الفم، فلا يؤثِّر استخدام السواك فيه، كما أنه ظهر من الحديث أن الخُلُوف ليس مأمورًا بتركه على حاله [6].
21. يجوز أن يُظهر العاملُ من عمله شيئًا ليتَّقِيَ به الشرَّ [7]، ولا ينبغي للإنسان أن يُخبر الناس بعبادته إلا لوجهِ نفعٍ، أو دفع ضُرٍّ، وإلا كانت مَظِنَّة الرياء والسُّمعة.
المراجع
1. انظر: "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقِّن (13/ 20)، "الشرح الممتع على زاد المستقنع" لابن عثيمين (6/ 432).
2. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (4/ 24، 25).
3. "فتح الباري" لابن حجر (4/ 104).
4. "فتح الباري" لابن حجر (4/ 104).
5. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (4/ 24، 25).
6. انظر: "الشرح الممتع على زاد المستقنع" لابن عثيمين (1/ 150).
7. انظر: "الإفصاح عن معاني الصحاح" لابن هُبيرة (6/ 88).
12. يتعيَّن على الإمام أن يبحث عن أرضى النّاس وأفضلِهم فيُولِّيه؛ لِما أخرجه الحاكم والبيهقيُّ أنّ النّبيَّ ﷺ قال: «
مَنْ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى عِصَابَةٍ، وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ تَعَالَى مِنْهُ، فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ»[1].
13. إن الإمارة وسياسة الناسِ مِن فروض الكفايات؛ حيث تتوقَّف كثيرٌ من الواجبات عليها، وهي مِن أعظم العبادات لِمَن أَخلَص فيها وقام بحقِّها، ومن أكبر السيِّئات لِمَن لَم يكُن كذلك.
14. في الحديث كراهةُ سؤال الولاية، سواءً ولايةُ الإمارةِ والقضاءِ والحِسبة وغيرها، وبيان أنّ من سأل الولاية لا يكون معه إعانة من اللّه تعالى، ولا تكون فيه كفاية لذلك العمل، فينبغي أن لا يولَّى؛ ولهذا قال ﷺ: «لَا نُوَلِّي عَمَلَنَا مَنْ طَلَبَهُ أَوْ حَرَصَ عَلَيْهِ»[2].
15. إنّما نهى ﷺ عن طلب الإمارة؛ لأنّ الولاية تُفيد قوّةً بعد ضعف، وقدرةً بعد عجز تتَّخِذها النّفس المجبولة على الشّرِّ وسيلةً إلى الانتقام من العدوِّ، والنّظر للصَّدِيق، وتتبُّع الأغراض الفاسدة، ولا يوثَق بحُسن عاقبتها، ولا سلامة مجاورتها، فالأَوْلى أن لا تُطلَب ما أَمكَن[3].
16. يمكِن الجمعُ بين قول يوسف - عليه السلام -:
﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ﴾
[يوسف: 55]
وقول الرسول ﷺ: «لا تسأل الإمارة» بأن ذلك لغير الأنبياء؛ بسبب عصمتهم من الذنوب، وأن شرع مَن قبلنا شرعٌ لنا ما لم يأتِ شرعُنا بخلافه، وقد جاء شرعنا بالنَّهي عن سؤال الإمارة، أو أنه يجوز طلبُ الإمارة إذا دعت مصلحة الدين، لا حظوظ النفس.
17. قال سليمانُ :
﴿ وَهَبْ لِي مُلْكًا ﴾
[ص: 35]
وسؤاله الْمُلكَ خارجٌ عن مَحَلِّ النِّزاع؛ إذ مَحَلُّهُ سؤالُ المخلوقين لا سؤالُ الخالق، وسليمانُ - عليه السلام - إنما سأل الخالق[4].
18. إذا تعيَّنت الإمارة على الشخص، واحتِيج إليه، فلا بأس أن يسألها إذا رأى المصلحة في ذلك؛ لا للعُلوِّ في الأرض، ولا للفساد، ولا للطمع؛ ولكن لمصلحة المسلمين؛ تأسِّيًا بيوسفَ عليه السلام.
19. قال تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﱠ عن الحَلِف بالله كاذبًا، وعن كثرة الأَيمان، واحفظوها إذا حَلفتُم عن الحِنث فيها؛ إلا إذا كان الحنث خيرًا، فتمامُ الحفظ: أن يفعل الخير، ولا يكون يمينُه عُرضةً لذلك الخير[5].
20. من حَلَف يمينًا، جَزْمًا لا لَغْوًا، ثم بدا له أمرٌ آخَرُ، إمضاؤه أفضلُ من إبرار يمينه، فليأتِ ذلك الأمرَ، وليكفِّرْ عن يمينه[6].
21. اختلفوا في تقديم كفَّارة اليمين على الحِنْثِ، فذهب أكثرُ الصحابة وغيرهم إلى جوازه، وإليه ذهب الشافعيُّ ومالكٌ وأحمدُ، إلا أن الشافعيَّ يقول: إن كفَّر بالصَّوم قبلَ الحِنث، فلا يجوز؛ وإنما يجوز العِتْقُ أو الإطعام أو الكِسوة، كما يجوز تقديم الزكاة على الحَوْل، ولا يجوز تعجيلُ صوم رمضان قبل وقته[7].
22. من حَلَف على معصية؛ مثل: لا يصلِّي أو لا يكلِّم أباه، أو ليَقْتُلنَّ فلانًا، يَجِب عليه أن يحنِّث نفسَه ويكفِّر عن يمينه[8].
23. إذا كان الْمَحْلُوفُ عليه فعلَ معصية، أو تركَ فرض، فالحِنثُ واجب[9].
24. إذا كان المحلوفُ عليه غيرُه أَوْلى منه؛ كالحَلِف على ترك وطء زوجته شهرًا أو نحوه، فإنّ الحِنْث أفضلُ؛ لأنّه الرِّفْق[10].
25. الْحِنْثُ أفضل إذا أقسم ليضربنَّ عبدَه، وهو يستأهل ذلك، أو ليَشْكُوَنَّ مديونه إن لم يوافِه غدًا؛ لأنّ العفوَ أفضل، وكذا تيسير المطالَبة[11].
26. إذا أقسم على شيء، وضدُّه مثله؛ كالحَلِف لا يأكل هذا الخُبز، ولا يَلبَس هذا الثّوب، فالبرُّ في هذا وحفظ اليمين أَوْلى، ولو قال قائل: إنّه واجب؛ لقوله تعالى:
﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾
[المائدة: 89]
على ما هو المختار في تأويلها أنّه فيما أمكن، لا يَبعُد[12].
المراجع
- "سبل السلام" للصنعانيِّ (2/ 567).
- "شرح النوويِّ على مسلم" (11/116).
- "سبل السلام" للصنعانيِّ (2/ 567).
- "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (8/ 296).
- "تفسير السعديِّ" (ص: 242).
- "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (8/ 2439).
- "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (8/ 2439).
- "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (6/ 2239).
- "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (6/ 2239).
- "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (6/ 2239).
- "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (6/ 2239).
- "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (6/ 2239).
9. الصيام: الامتناع عن الطعام، والشراب، والشهوة بنِيَّة العبادة لله تعالى، من أذان الفجر إلى أذان المغرب.
10. لا يُقبَل صوم رمضانَ إلا بنِيَّة، فيجب في الصوم الفرضِ أن ينويَ الإنسان الصيامَ قبل الفجر، أما النَّفْلُ فيجوز أن ينويَ بعد الفجر ما دام لم يأكُل أو يشرب [1].
11. ذهب إليه الجمهور إلى أنه لا يجزئ صوم رمضان إلا بنيَّة من الليل، وخالف ذلك أبو حنيفة، والأوزاعيُّ، وإسحاق، وقالوا: يُجزئه التَّبْييتُ قبل الزوال، ولا سَلَفَ لهم في ذلك، والنيَّة إنما ينبغي أن تكون متقدِّمةً قبل العمل، وحقيقةُ التبييت في اللغة يقتضي زمن الليل، ورُوي هذا عن ابن عمرَ، وحفصةَ، وعائشةَ، ولا مخالف لهم [2].
12. قوله: «ومَن قام ليلة القَدر»؛ أي: قامها بالصلاة، والدعاء، وقراءة القرآن، ونحو ذلك من العبادات، وليس المراد بقيام ليلة القدر قيامَ جميع ليلِها؛ بل يَحصُل ذلك بقيام جزءٍ، ولو يسيرًا من الليل، كما في مطلَق التهجُّد، أو إدراك التراويح مع الإمام [3].
13. اختلف العلماء في تحديد ليلة القَدْر على أقوال؛ فقيل: إنها في كل شهر رمضان، وقيل: هي ليلةُ السابعَ عَشَرَ من رمضانَ؛ لقوله تعالى:
﴿۞ وَٱعْلَمُوٓا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْءٍۢ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ ۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ﴾
[الأنفال: 41]
ويوم التقى الجمعان كان يومَ بدر في السابعَ عَشَرَ من رمضانَ. وقيل: هي ليلة الحادي والعشرين، وقيل: ليلة الثالث والعشرين، وقيل: ليلة الخامس والعشرين، وقيل: ليلة السابع والعشرين، وقيل: في الليالي الوتر من العشر الأواخر [4].
14. القول الصحيح في تحديد ليلة القدر أنها لا تُعلم بعينها؛ لكنها في العشر الأواخر من رمضان؛ ففي الحديث عن عائشة رضي الله عنها، قالت:
«كان النبيُّ ﷺ إذا دخل العشْرُ شدَّ مِئْزَرَهُ، وأحيا ليله، وأيقظ أهله»
[5].
وقوله:
«أَرَى رُؤْيَاكُمْ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَاطْلُبُوهَا فِي الْوِتْرِ مِنْهَا»
[6]
فمَن قام العشر الأواخر، فقد أدرك ليلة القَدْر لا محالةَ [7].
15. قوله: «ومَن قام رمضان»؛ أي: قام لياليَ رمضانَ كلِّها، على أنه لا تعارُضَ بين مغفرة الذنوب بقيام ليلة القَدْر وحْدَها، ومغفرتها بقيام ليالي رمضان جميعًا؛ فإن كل واحدٍ منهما صالحٌ لتكفير السيِّئات؛ فقد يغتنم الإنسانُ قيامَ رمضانَ جميعًا بما فيه من ليلة القدر، فيُغفَر له ما تقدَّم من ذَنْبه، وقد يقصِّر في قيام رمضان كله، ويغتنم قيام ليلة القَدْر، فيحصل له ذلك بعون الله وتوفيقه [8].
16. ذكر النبيُّ ﷺ للغفران طريقَين؛ أحدهما: يمكِن تحصيلُه يقينًا؛ لكنه شاقٌّ، وهو قيامُ رمضانَ كلِّه. والآخَر: الاقتصار على قيام ليلة القدر وتحرِّيها، وهذا لا سبيل إلى اليقين فيه؛ وإنما مَبْناه على الظنِّ والتَّخْمِين [9].
17. قوله: «غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه»: اختلف الفقهاءُ، هل يَغفِر اللهُ له الذنوبَ جميعًا؛ صغائرَها وكبائرها؟ فذهب بعضهم إلى القول به، وأن الله لم يَستَثنِ الكبائرَ دونَ الصغائر، وقد ذهب أكثرُ الفقهاء إلى أن ذلك مختصٌّ بالصغائر دون الكبائر [10].
18. هناك أحاديثُ كثيرةٌ تشهد لقول معظم الفقهاء أن غفران الذنوب مختصٌّ بالصغائر دون الكبائر؛ مثل ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ كان يقول: «الصلواتُ الخمسُ، والجُمُعة إلى الجُمُعة، ورمضان إلى رمضان، مُكفِّراتٌ ما بينهن إذا اجتَنَب الكبائر» [11]، وما رواه عثمانُ بنُ عفَّانَ رضي الله عنه قال:
سَمعتُ رسول الله ﷺ يقول:
«ما من امرئٍ مسلمٍ تحضُرُه صلاة مكتوبةٌ، فيُحسن وُضوءَها، وخشوعها، وركوعها، إلا كانت كفَّارةً لِما قبلها من الذنوب ما لم يُؤتِ كبيرة، وذلك الدهرَ كلَّه»
[12].
ويشهد لذلك أن مذهب أهل السُّنة أن الكبائر تكفِّرها التوبة، أو إقامة الحدِّ، أو رحمة الله تعالى [13]. ورحمة الله واسعة، وفضله عظيم.
19. قوله:
«ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه»
لعلَّ هذا فيمن لم يَقُم رمضانَ، فيُغفر له لقيامه ليلة القدر، أو من لم يكن قيامه إخلاصًا واحتسابًا [14].
20. من يقم ليلة القدر، هل يقتضي قيامَ تمام اللّيلة، أو يكفي أقلُّ ما ينطلق عليه اسم القيام؟ ذهب بعض الأئمة إلى أنّه يكفي الأقلُّ، حتّى قيل بكفاية فرض صلاة العشاء في دخوله تحت القيام فيها؛ لكن الظّاهر منه عُرْفًا أنه لا يقال: قيام اللّيلة، إلّا إذا قام كلَّها أو أكثرها [15].
21. قيل: إن قوله: «من يقم ليلة القدر» مثلُ: من يصم يومًا، فكما لا يكفي صوم بعض اليوم ولا أكثره، فكذلك لا يكفي قيام بعض ليلة القدر ولا أكثرها؛ وذلك لأن ليلة القدر وقعت مفعولاً لقوله: يقم، فينبغي أن يوصف جميع اللّيلة بالقيام؛ لأن من شأن المفعول أن يكون مشمولاً بفعل الفاعل [16].
المراجع
1. انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (4/ 21)، "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقن (13/ 72).
2. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (4/ 21).
3. انظر: "طرح التثريب في شرح التقريب" للعراقي (4/ 161).
4. انظر: "المسالك في شرح موطأ مالك" لابن العربِّي (4/ 265)، "رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام" للفاكهانيِّ (3/ 495).
5. رواه البخاريُّ (2024)، ومسلم (1174).
6. رواه البخاريُّ (11622)، ومسلم (1165) واللفظ له.
7. انظر: "المسالك في شرح موطأ مالك" لابن العربِّي (4/ 265)، "رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام" للفاكهانيِّ (3/ 495).
8. انظر: "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقن (3/ 76)، "طرح التثريب في شرح التقريب" للعراقي (4/ 164).
9. انظر: "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقن (3/ 76)، "طرح التثريب في شرح التقريب" للعراقي (4/ 164).
10. انظر: "طرح التثريب في شرح التقريب" للعراقي (4/ 163)، "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقن (3/ 77).
11. رواه مسلم (233).
12. رواه مسلم (228).
13. انظر: "طرح التثريب في شرح التقريب" للعراقي (4/ 163)، "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقن (3/ 77).
14. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (3/ 113).
15. "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" للعينيِّ (1/ 228).
16. "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" للعيني (1/ 228).
11. أفاد هذا الحديثُ أن حُكمَ الامتناع عن الفُسوق وقول الزُّور كالامتناع عن الطعام والشراب والشهوة، وأن مَن لم يمتنع عن ذلك، فقد نقص أجرُ صيامه، وتعرَّض لسَخط ربِّه - جلَّ وعلا - وفي الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه،
قال: قال رسول الله ﷺ:
«رُبَّ صائمٍ ليس له مِن صيامه إلا الجوع، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامه إلا السهر»
[1].
12. الحديثُ دليل على تحريم الكذب والعمل به، وتحريم السَّفه، على الصّائم، وهما محرَّمان على غير الصّائم أيضًا؛ إلّا أنّ التّحريم في حقِّه آكَدُ؛ كتأكُّد تحريم الزّنا من الشّيخ، والخُيَلاء من الفقير [2].
13. ليس المعنى من قوله: «فليس لله حاجةٌ في أن يدَعَ طعامه وشرابه» أن يؤمَر المغتاب، أو قائل الزُّور وفاعله، بترك الصيام؛ وإنما هو تحذيرٌ له، وتخويفٌ؛ لكي يترك ذلك الفعل، ويجتنبه ليَتِمَّ له أجرُ صومه [3].
14. تبرأ الذمَّةُ بالصيام الذي دخل فيه الزورُ، والكذبُ، ولا يجب عليه القضاءُ، وإن كان لا يؤجَر الإنسان عليه، أو ينقص أجره [4].
15. دلَّ قوله ﷺ: «فليس لله حاجةٌ في أن يَدَع طعامَه وشَرَابَه» على أن الزور يُحبِط أجر الصائم، وأن من نطق به في صيامه كالآكل الشارب عند الله تعالى في الإثم، فينبغي تجنُّبه، والحَذَر منه؛ لإحباطه للصيام [5].
16. ذهب بعضُ الفقهاء إلى أن الوقوع في قول الزور، والفسوق، والكذب ونحو ذلك، يُفطِّر الإنسانَ؛ كما لو أَكَلَ، أو شَرِبَ، أو جامَع عامدًا، إلا أن كافَّةَ العلماء على خلافهم، وقد سُئل الإمامُ أحمدُ عن الغِيبة هل تفطِّر؟ فقال: لو كانت تُفطِّر ما بَقِيَ لنا صيام [6].
17. القاعدةُ أن المنهيَّ عنه إن كان في ذات العبادة، فإنه يؤثِّر فيها صحةً وبُطلانًا؛ فإن تصدَّق رجلٌ بمال مغصوب أو مسروق، لم يُقبَل منه؛ لأن الكسبَ الحلالَ شرطٌ في الصَّدقة، بخلاف ما إن كان المنهيُّ عنه عامًّا ليس داخلًا في العبادة نفْسها؛ كالصلاة في الثَّوب المغصوب مثلًا، فإنها تصحُّ، وإن كان الغاصب آثمًا بغَصْبِه؛ لانفكاك الجهة حينئذٍ [7].
18. في الحديث دليلٌ أن حُكْمَ الصيام الإمساكُ عن الرَّفَث وقول الزور، كما يُمسِك عن الطعام والشراب، وإن لم يُمسِك عن ذلك، فقد تنقَّص صيامه، وتعرَّض لسَخط ربِّه، وتَرْكِ قَبوله منه [8].
المراجع
1. رواه النسائيُّ في "السنن الكبرى" (3236)، وابن ماجه (1690)، وصحَّحه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 625).
وانظر: "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (4/ 24).
2. "سبل السلام" للصنعانيِّ (1/ 567).
3. انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (3/ 374)، "فتح الباري" لابن حجر (4/ 117).
4. انظر: "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (2/ 226).
5. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (9/ 250).
6. انظر: "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقِّن (28/ 393)، "الشرح الممتع على زاد المستقنع" لابن عثيمين (6/ 431).
7. انظر: "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقِّن (28/ 393)، "الشرح الممتع على زاد المستقنع" لابن عثيمين (6/ 431).
8. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (4/ 23).
7. المغفرة للحجِّ المبرور عامَّةٌ في حقوق الله تعالى؛ فإن الله عزَّ وجلَّ يغفرها، أما حقوق الآدميين فلا تسقُط إلا باسترضاء الخصوم، أو أداء الحقوق لأصحابها [1].
8. لا تسقُط حقوقُ العباد، ولا تنهدم بالحجِّ إجماعًا [2].
9. أمر الله تعالى باجتناب الرفث والفسوق والجدال في الحجِّ خاصَّةً، مع أنه مأمور باجتناب ذلك في كل وقت؛ لأنه مع الحجِّ أشدُّ، فهو كلُبْس الحرير للرجال في الصلاة مثلًا [3].
10. ظاهر الحديث يُفيد غفران الصّغائر والكبائر السّابقة؛ لكنّ الإجماع أنّ المكفِّرات مختصَّة بالصّغائر عن السّيّئات الّتي لا تكون متعلِّقةً بحقوق العباد من التَّبِعات؛ فإنّه يتوقَّف على إرضائهم، مع أنّ ما عدا الشّركَ تحت المشيئة [4].
المراجع
1. انظر: "الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري" للكرمانيِّ (9/ 31)
2. انظر: "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (1/ 102).
3. انظر: "الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري" للكرمانيِّ (9/ 31).
4. "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (5/ 1741).
7. أَمَرَ الله تعالى المسلمين أن يولُّوا عليهم من يَحكُمُهم بشرع الله تعالى، فيَسُوسهم ويحفظ دنياهم، ويَذُود عن دينهم، ويرفع راية الإسلام، وأمرهم أن يسمعوا له ويُطيعوه في المعروف، وأن يُعينوه في مَهامِّه وواجباته، ويتعاونوا معه؛ إلا أن يأمرهم بمعصية، فلا سمع له ولا طاعة فيها؛ بل يأثم من يُطيعه في المعصية.
8. نهى الله تعالى المسلمين عن الخروجِ على وليِّ الأمْرِ المسلمِ، والسَّعيِ إلى عَزْلِه؛ فإن ذلك من أعظم أسباب نشر الفِتن وتهييجها، وإراقةِ الدِّماءِ، وإفساد ذاتِ البَينِ؛ وغالبًا ما تكونُ المفسدةُ في عَزْلِه أكثرَ منها في بقائه.
9. في هذا الحديثِ بيان أنَّ مِن حقوقِ الحاكِم الشَّرعيِّ الواجبة على الْمُسلِم: السَّمْعَ والطاعةَ في المعروف، وذلك فيما أحَبَّ، وكذلك فيما كَرِه لأيِّ سبب، سواءٌ كان السبب فَواتَ مَصالِحَ شخصيَّةٍ له، أو وقوعَ ضرر عليه، أو حتى لِمَا يَراه مِن فواتِ مَصالِح الأمَّة.
10. لو ظنَّ ظانٌّ أن في قوله ﷺ:
«اسْمَعوا وأطيعُوا، وإن استُعمِل عليكم عبد حبشيٌّ»
وفي قوله:
«من رأى من أميره شيئًا يَكرَهُه فليصبرْ»
حُجَّةً لمن أَقدَم على معصية الله بأمر سُلطان أو غيره، وقال: قد وَرَدت الأخبار بالسَّمع والطاعة لوُلاة الأمر، فقد ظنَّ خطأً؛ وذلك أن أخبار رسول الله ﷺ لا يجوز أن تَتضادَّ، ونَهْيَه وأمرَه لا يجوز أن يتناقض أو يتعارَضَ[1].
11. في قوله: «إلا أن لم يؤمَر بمعصية» تقييدُ ما أُطلِق في الأحاديث الأخرى التي تأمر بالسّمع والطّاعة، ولو لحبشيٍّ، ومن الصَّبر على ما يقع من الأمير ممَّا يُكرَه، والوعيد على مفارقة الجماعة، وقوله: «فإذا أَمَرَ بمعصية، فلا سمع ولا طاعة»؛ أي: لا يَجِب ذلك؛ بل يَحْرُم على من كان قادرًا على الامتناع؛ بل إنه ينعزل بالكُفر إجماعًا، فيجب على كلِّ مسلم القيامُ في ذلك، فمن قَوِيَ على ذلك، فله الثَّوابُ، ومن داهَنَ، فعليه الإثم، ومن عَجَز، وَجَبت عليه الهجرة من تلك الأرض[2].
12. وليُّ الأمر هو كلُّ من جعل الله تعالى له ولايةً على من تحته، وعلى رأس هؤلاء مَن يتولَّى الإمامة العظمى على البلاد؛ من الملوك والأمراء والرؤساء ونحوهم، وكلُّ من ولَّاه السلطان ولاية من الولايات، فإنه يطاع فيها بالمعروف؛ لِمَا في ذلك من الخير العظيم، واستِتْباب الأمن، ونصر المظلوم، وردع الظالم، وغير هذا من الفوائد العظيمة في السمع والطاعة في المعروف.
13. قال الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ)
[النساء: 59]
إن طاعة الله أصل، وكذلك طاعة رسوله ﷺ أصل بما أنه مُرسَل منه، أما طاعة أولي الأمر من المؤمنين فهي تَبَع لطاعة الله وطاعة رسوله، فلم يكرِّر لفظ الطاعة عند ذكرهم، كما كرَّرها عند ذكر الرسول ﷺ ليقرِّر أن طاعتهم مستمَدَّة من طاعة الله وطاعة رسوله.
14. يجب على وليِّ الأمر أن يجتنب الأمر بمعصية الله تعالى، وعليه مراجعة أهل العلم فيما أَشكَل عليه؛ ليَعلَم كونَ الشيء المأمور به من المعاصي أو ليس كذلك.
15. إذا أمر وليُّ الأمر بما فيه معصيةٌ لله تعالى، فلا تجوز طاعته في هذه المعصية فقط، لا في مُطلَق أمره ونهيِه، ولا يجوز الخروجُ عليه لأجل ذلك، بل يُشرَع للمسلم مراجعته ومناصحته بالحِكمة والموعظة الحسنة، ويجب التنازل عن الرَّغَبات والمصالح الشخصية؛ من أجل وَحدة الأمَّة الإسلامية، واجتماعها، وتماسكها.
16. قال ﷺ: «من رأى شيئًا يكرهه فليصبر» يعنى: من الظُّلم والجَور. فأما من رأى شيئًا من معارَضة اللهِ ببدعة أو قلبِ شريعةٍ، فليَخْرُجْ من تلك الأرض ويُهاجِر منها، وإن أمكنه إمامٌ عَدْلٌ، واتَّفَق عليه جمهور الناس، فلا بأس بخَلع الأوَّل، فإن لم يكن معه إلَّا قِطعةً من الناس، أو ما يُوجِب الفُرقة، فلا يحِلُّ له الخروج[3].
17. أجمعتِ الأمَّةُ أن كُفْرَ الإمامِ بعدَ إيمانه، وتركَه إقامةَ الصلاة والدعاءَ إليها، يُوجِبُ خَلْعَه وسقوطَ فرض طاعته، واختلفوا إذا كان فاسقًا ظالِمًا غاصبًا للأموال، يَضرِب الأبشار، ويتناول النُّفوس المحرَّمة، ويُضيع الحدود، ويُعطِّل الحقوق، فقال كثير من الناس: يَجِبُ خَلْعُه لذلك. وقال الجمهور من الأمَّة وأهل الحديث: لا يُخلَع بهذه الأمور، ولا يَجِب الخروج عليه؛ بل يَجِب وَعْظُه وتخويفُه، وتركُ طاعته فيما يدعو إليه من معاصي الله[4].
المراجع
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (8/ 214، 215).
- انظر: "فتح الباري" لابن حجر (13/ 123).
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (8/ 215).
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (8/ 215).
11. إذا تاب السارقُ بعدَ ما قُطِع يَدُه، قُبلت شَهادَتُه، وكلُّ محدود كذلك إذا تاب، قُبلت شهادته[1].
12. ذهب أكثرُ العلماء إلى أن الحدود كفَّارةٌ؛ لهذا الحديث[2].
13. تنقسم العقوباتُ في الشريعة الإسلامية إلى ثلاثة أقسام؛ هي: الحدود، والقصاص، والتعزير.
14. القِصَاص: هو معاملةُ الجاني بمثل اعتدائه؛ فإن القصاص معناه المماثَلة، ولا يُسمَّى القصاصُ حدًّا؛ لأنه حقٌّ للعبد، له أن يعفوَ عنه؛ قال تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
[البقرة: ١٧٨ – ١٧٩]
15. التَّعْزير: هو تأديبٌ على ذنب لا حدَّ فيه، ولا كفَّارةَ له.
16. الحدُّ في الشَّرع: هو عقوبةٌ مقدَّرة لأجل حقِّ الله، فيَخرُج التَّعْزِير؛ لعدم تقديره، والقصاصُ؛ لأنه حقٌّ لآدميٍّ[3].
17. حدُّ الزنا ثابت بالقرآن والسنَّة والإجماع، والزّناة تختلف العقوبة باختلاف أصنافهم: بِكر وثَيِّب، وذكور وإناث. والحدود ثلاثة: رجم، وجَلد، وتغريب.
18. البكرُ: هو الذي لم يطأ في نكاح صحيح، وقد أجمعوا على أنّ حدَّ البكر في الزِّنا جلد مِائة؛ لقوله تعالى:
{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ }
[النور: ٢]
واختلفوا في التّغريب مع الجلد؛ فقال أبو حنيفة وأصحابه: لا تغريب أصلًا، وقال الشّافعيُّ: لا بدَّ من التّغريب مع الجلد لكلِّ زانٍ، ذكرًا كان أو أنثى، حرًّا كان أو عبدًا. وقال مالكٌ: يغرَّب الرَّجل، ولا تغرَّب المرأة.
19. أجمعوا على أنّ حدَّ الثّيِّب الرّجم إلَّا فرقةً من أهل الأهواء؛ فإنّهم رأوا أنّ حدَّ كلِّ زانٍ الجلد، وإنّما صار الجمهور للرّجم؛ لثبوت أحاديث الرّجم، ومنها رجم النبيِّ ﷺ ماعزًا والغامدية، وأحاديثهما في الصحيحين.
20. يَثبُت الزنا بالإقرار أو بأربعة شهود عدول، يَرَون الإيلاج بالفعل بمعاينة فَرْجِه في فرجها، وأن تكون الشهادةُ بالتصريح، لا بالكِناية.
21. اللواط: وهو داخلٌ في معنى الزنا، واختلفوا في حد اللائط، والصحيح هو قتلُه بكلِّ حال، مُحصَنًا أم غيرَ محصَن، فاعلًا أو مفعولًا به، بشرط أن يكون مكلَّفًا، وألا يكون مُكرَهًا، وعلى ذلك إجماع الصحابة، وإن اختلفوا في صفة قتلِه.
22. حدُّ القذف: وهو الرَّمْيُ بزِنًا أو ِلواط، أو الشَّهادةُ بذلك ولم تكتمِل البيِّنة، وقد اتَّفَقوا على وجهين في القذف الّذي يجب به الحدُّ؛ أحدُهما: أن يرميَ القاذفُ المقذوف بالزّنا، والثّاني: أن ينفيَه عن نسبه إذا كانت أمُّه حرَّةً مسلمةً.
23. اتَّفقوا على أنّ من شروط القاذف وصفين، وهما البلوغ والعقل، وسواء أكان ذكرًا أو أنثى، حرًّا أو عبدًا، مسلمًا أو غير مسلم.
24. اتّفقوا على أنّ من شروط المقذوف أن يجتمع فيه خمسة أوصاف، وهي: البلوغ، والحرّيّة، والعَفاف، والإسلام، وأن يكون معه آلة (عضو) الزِّنا، فإن انخرم من هذه الأوصاف وصف، لم يَجِب الحدُّ.
25. حدُّ القاذف جَلْده ثمانين جلدةً؛ كما قال تعالى:
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}
[النور: 4]
26. إن كان القاذفُ هو الزوجَ، لم يُقَم عليه الحدُّ؛ بل يؤمَر بالْمُلاعَنة مع زوجته، فإن تلاعَنا، فرَّق القاضي بينهما.
27. السَّرقة: هي أخذ مال الغير مستتِرًا من غير أن يؤتمن عليه، فقد أجمعوا أنّه ليس في الخيانة ولا في الاختلاس قطعٌ إلّا إياسَ بنَ معاويةَ، فإنّه أوجب في الخلسة القطع.
28. السّارق الّذي يجب عليه حدُّ السَّرقة اتَّفَقوا على أنّ من شروطه أن يكون مكلَّفًا، وسواءٌ أكان حرًّا أو عبدًا، ذكرًا أو أنثى، مسلمًا أو ذِمِّيًّا.
29. المسروق له شرائطُ مختلَفٌ فيها، من أشهرها اشتراط النّصاب، وذلك أنّ الجمهور على اشتراطه في وجوب القطع، واختلفوا في قدره اختلافًا كثيرًا، ما بين درهمين، وعشَرةِ دراهمَ من الفضَّة، وربع دينار من الذّهب.
30. إذا توفَّرت شروط وجوب الحدِّ على صاحبها، وَجَب قطع يَدِه من مِفْصَل الكفِّ اليُمنى في المرَّة الأولى، وفي الثانية تُقطَع رجلُه من نصف القَدَم، وفي الثالثة قيل: تُقطَع يده الأخرى، وقيل: يُسجَن حتى يتوب.
31. شُرب الخمر: اتَّفَقوا على أن موجِب الحدِّ هو شُرب الخَمر دون إكراه، قليلِها وكَثيرِها، واختلفوا في المسكِرات من غيرها إلى فريقين، فقال أحدهما: حُكْمُها حُكم الخمر في تحريمها، وإيجابِ الحدِّ على مَن شَرِبها، قليلًا كان أو كثيرًا، أسكر أو لم يُسكِر. وقال الفريق الثاني: المحرَّم منها هو السُّكْر، وهو الّذي يوجِب الحدَّ.
32. الواجب في شارب الخمر هو الحدُّ والتَّفْسِيق، إلّا أن يتوب، والتّفسيقُ في شارب الخمر باتّفاق وإن لم يَبلُغ حدَّ السُّكْرِ، وفيمن بلغ حَدَّ السُّكر فيما سوى الخمر، واختلف الّذين رأوا تحريم قليل الأَنبِذة في وجوب الحدِّ، وأكثرُ هؤلاء على وجوبه.
33. اختلفوا في مقدار الحدِّ الواجب في شرب الخمر، فقال الجمهور: الحدُّ في ذلك ثمانون جلدةً، وقال الشّافعيُّ، وأبو ثور، وداودُ: الحدُّ في ذلك أربعون جلدةً.
34. الْمُرْتدُّ إذا ظُفر به قبل أن يحارِب، اتَّفَقوا على أنّه يُقتَل الرّجل؛ لقوله ﷺ:
«مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»[4]
واختلفوا في قتل المرأة، وهل تُستتاب قبل أن تُقتَل؟ فقال الجمهور: تُقتَل المرأة؛ حيث اعتمدوا العمومَ الوارد في ذلك، وقال أبو حنيفة: لا تُقتل، وشبَّهها بالكافرة الأصليَّة. وأمّا الاستتابةُ، فإنَّ مالكًا شَرَط في قتل المرتدِّ ذلك.
35. إذا حارب المرتدُّ، ثمّ ظُهر عليه، فإنّه يُقتَل بالحِرابة، ولا يُستتاب، كانت حِرابته بدار الإسلام، أو بعد أن لحق بدار الحرب، إلَّا أن يُسلِم.
36. اختُلِف في حُكم السّاحر، فقال مالكٌ: يُقتَل كُفرًا، وقال قوم: لا يُقتَل، والأصلُ أن لا يُقتَل إلّا مع الكُفر.
37. الحِرابة: اتَّفَقوا على أنّها إشهار السِّلاح، وقطع الطريق.
38. حدُّ الحرابة هو القتل، والصَّلب، وقطع الأيدي، وقطع الأرجل من خلاف، والنّفيُ، على ما نصَّ اللّه تعالى في آية الحرابة. واختلفوا في هذه العقوبات، هل هي على التّخيير أو مرتَّبةٌ على قدر جناية المحارِب؟ فقال مالك: إن قَتَل فلا بدَّ من قتله، وليس للإمام تخيير في قَطْعِه ولا في نَفْيِه؛ وإنّما التّخيير في قتله أو صَلْبِه، وأمّا إن أخذ المال، ولم يَقتُل، فلا تخيير في نفيِه؛ وإنّما التّخييرُ في قتله، أو صَلبه، أو قَطعه من خلاف، وأمّا إذا أخاف السّبيلَ فقط، فالإمام عنده مخيَّر في قتله، أو صلبه، أو قطعه، أو نفيه. وذهب الشّافعيُّ، وأبو حنيفةَ، وجماعة من العلماء إلى أنَّ هذه العقوبة هي مرتَّبةٌ على الجنايات المعلومِ من الشّرع ترتيبُها عليه، فلا يُقتَل من المحاربين إلّا من قَتَل، ولا يُقطَع إلّا من أخذ المال، ولا يُنفى إلّا من لم يأخذ المال ولا قَتَل. وقال قوم: بل الإمام مخيَّر فيهم على الإطلاق، وسواءٌ قَتَل أم لم يقتل، أخذ المال أو لم يأخذه.
39. القتل: يُدخِله الفقهاء فيما يُسمَّى بالجنايات، وليس من باب الحدود، وهو ثلاثة أنواع: عَمْدٌ، وشِبْهُ عَمْدٍ، وخطأ.
40. القتل العمدُ عقوبتُه القِصَاص بالقتل، أو الدِّيَة، وهي مِائةٌ من الإبل، أو يعفو أولياءُ الدَّمِ.
41. القتل شِبْهُ العَمد: هو أن يَقصِد القاتل إنسانًا بجناية لا تَقتُل غالبًا؛ كمن ضَرَب غيرَه بسَوط أو لَكَمَه، فمات، وعقوبتُه الكفَّارةُ على الجاني (وهي تحرير رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين)، والدِّيَةُ على عاقِلَته؛ أي: أهلِه من جِهَة أبيه.
42. القتلُ الخَطَأ: مثلُ أن يرميَ صَيْدًا بسلاح فيُصيب إنسانًا لا يَقصِد قَتْلَه فيَقتُله، وفيه الكفَّارة على الجاني، والدِّية على عاقلته؛ قال تعالى:
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}
[النساء: 92]
المراجع
- صحيح البخاريِّ (8/ 162) حديث رقم (6801).
- "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لبدر الدين العينيّ (1/ 157).
- "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (7/ 146).
- رواه البخاريُّ (3017).
11. في الحجِّ منافعُ الدنيا والآخرة؛ قال تعالى:
﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَٰفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا ٱسْمَ ٱللَّهِ فِىٓ أَيَّامٍۢ مَّعْلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلْأَنْعَٰمِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ﴾
[الحج: 28]،
فأمَّا منافع الآخرة، فرضوان الله - جلَّ وعلا - وأمَّا منافع الدنيا، فما يُصيبون من منافع الذَّبائح والتجارات.
12. في الحديث دليل على أن مجرَّد الأمر لا يفيد التَّكرار، ولا المرَّة، وإلَّا لَمَا صحَّ الاستفهام في قول الرجل: (أكلَّ عامٍّ؟)؛ أي: أتأمرنا أن نحجَّ كلَّ عام؟. وقيل: إن الاستدلال بسؤال الرجل على أن الأمر لا يُفيد التَّكرار ولا المرَّة ضعيف؛ لأن الإنكار وارد على السؤال الذي لم يقع موقعه؛ ولهذا زَجَره، وقال: «ذروني ما تَرَكْتُكم»، فعَمَّ الخِطابُ؛ يعني: اقتصِروا على ما أمرتُكم، فَأْتُوا به على قدر استطاعتكم، وكذا قوله تعالى:
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَسْـَٔلُوا عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾
[المائدة: 101]
نازلٌ في هذا الشأن، فقد عَلِم أن الرجل لو لم يَسأَل لم يُفِدِ الأمرُ غيرَ الْمَرَّة، وأن التَّكرار مفتقِرٌ إلى دليل خارجيٍّ [1].
13. اختلف الناس في الأمر المطلَق، فقال بعضهم: يُحمَل على فعل مرَّة واحدة، وقال بعضهم: على التَّكرار، وقال بعضهم: بالوقف فيما زاد على مرَّة، وظاهر هذا أن السائل لرسول الله ﷺ إنما سأله لأن ذلك عنده يُحتمَل، فيصحُّ أن يكون ذَهَب إلى بعض هذه الطُّرق، ويصحُّ أن يكون إنما احتُمِل عنده من وجه آخَرَ؛ وذلك أن الحج في اللغة: قصدٌ فيه تكرير، فيكون احتَمَل عنده التكرير من جهة اشتقاق اللفظ، وما يقتضيه من التَّكرار [2].
14. في الحديث تنبيه على أن العاقل ينبغي له أن لا يستقبل الكُلَف الخارجة عن سَمعه، وأن لا يَسأل عن شيء إن يُبْدَ له أساءه [3].
15. في قوله: «لما استطعتم» إشارة إلى أن بناء الأمر على اليُسر والسهولة، لا العُسر والصعوبة، كما ظنَّ السائل [4].
16. قوله: «ذروني ما تركتكم»: فيه دليلٌ على أن الأصل عدم الوجوب، وأنه لا تكليف قبل ورود الشرع؛ لقوله تعالى:
﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا﴾
[الإسراء: ١٥] [5].
17. قوله: «فإذا أمرتكم بشيء فَأْتُوا منه ما استطعتم» من أَجَلِّ قواعد الإسلام، ومن جوامع الكَلِم؛ لِمَا يَدخُل فيه ما لا يُحصى من الأحكام؛ كالصلاة بأنواعها، فإنه إذا عجز عن بعض أركانها أو شروطها، أتى بالباقي، وإذا عَجَز عن غَسْلِ بعض أعضاء الوضوء أو الغُسل، أو غَسْلِ الممكِن، وإذا وجد بعض ما يكفيه من الماء لطهارته، أو لغَسل النجاسة، فعل ما يمكِن، وإذا وجد ما يَستُر بعضَ عورته، أو حفظ بعض الفاتحة، أتى بالممكِن، وأشباهها غير محصور [6].
18. في قوله ﷺ: «لو قلت: نعم، لوجبت». وقوله: «ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم...»: دليلٌ على أن الأشياء على استصحاب حال الإباحة فيما لم يَنزِل فيه حُكم [7].
19. وجوب الحجِّ معلومٌ بالضَّرورة الدّينيّة، واختُلف في العُمرة، فقيل: واجبة، وقيل: مستحبَّة، وللشّافعيِّ قولان، أصحُّهما وجوبُها، والأحاديث المذكورة في الباب تدلُّ على أنّ الحجَّ لا يجب إلّا مرّةً واحدةً، وهو مُجمَع عليه؛ كما قال النّوويّ والحافظ وغيرهما، وكذلك العُمرة عند من قال بوجوبها [8].
20. من نذر بالحجِّ أو العُمْرة، وَجَبَ الْوَفَاءُ بالنَّذْرِ بشَرْطه [9].
21. استُدلَّ بقوله ﷺ: «لو قلتُها لوجبت» على أنّه ﷺ مفوَّض في شرع الأحكام، وفي ذلك خلاف مبسوط في الأصول [10].
22. استُدلَّ بهذا الحديث على أن اعتناء الشرع بالْمَنهيَّات فوق اعتنائه بالمأمورات؛ لأنه أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع مشقَّة الترك، وقيَّد في المأمورات بقدر الطاقة، وقد يقال: إن النهيَ يقتضي الكفَّ عن الشيء، وهذا مقدور لكلِّ أحد، ولا مشقَّةَ فيه، فلا يُتصوَّر عدم الاستطاعة، بخلاف الأمر، فإنه يقتضي الفعل، وقد يُعجَز عن مباشرته، كما هو مشاهَد؛ فلذا قيّد الأمر بالاستطاعة دون النهي [11].
23. قال تَعَالَى:
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَسْـَٔلُوا عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾
[المائدة: 101]
اختُلف في هذه الأشياء المسؤول عنها: هل هي أحكام قَدَريّة أو أحكام شرعيّة؟ على قولين، فقيل: إنّها أحكام شرعيّة عفا اللّه عنها؛ أي: سَكَت عن تحريمها، فيكون سؤالهم عنها سببَ تحريمها، ولو لم يسألوا لكانت عَفْوًا، ومنه قوله ﷺ وقد سُئل عن الحجّ: أفي كلِّ عام؟ فقال: «لو قلت: نعم، لوجبت، ذروني ما تركتكم؛ فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم»، والتّحقيق أنّ الآية تعمُّ النّهيَ عن النّوعين: الأحكامِ القدريّة والأحكام الشرعيّة، وعلى هذا فقوله تعالى:
﴿إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾
[المائدة: 101]
أمّا في أحكام الخَلْق والقَدَر، فإنّه يسوءهم أن يبدوَ لهم ما يكرهونه ممّا سألوا عنه، وأمّا في أحكام التّكليف، فإنّه يسوءهم أن يبدوَ لهم ما يشقُّ عليهم تكليفه ممّا سألوا عنه [12].
24. النهيُ عن السؤال كان في زمانه ﷺ لئلا يُحرَّم شيء بسؤالهم، فيكون فيه مشقَّة عليهم، أما الآن فلا يجوز للإنسان أن يفعل الشيء، ويسكت عن السؤال عنه أحلالٌ هو أم حرامٌ؟ بل يجب عليه أن يتعلَّم العلم، فيَعرِف الحلال فيفعله، والحرام فيجتنبه [13].
25. السؤال المنهيُّ عنه الآن هو السؤال فيما لا طائلَ منه؛ بل فيه الشرُّ كلُّه؛ كالتقوُّل في أسماء الله وصفاته بغير علم، والسؤال عن كيفية صفاته وأفعاله [14].
المراجع
1. "شرح المشكاة = الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (6/ 1936، 1937).
2. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (4/ 443).
3. "شرح المشكاة = الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (6/ 1937).
4. "شرح المشكاة = الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (6/ 1937).
5. "شرح المشكاة = الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (6/ 1937).
6. "شرح المشكاة = الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (6/ 1938).
7. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (4/ 443).
8. "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (4/ 331، 332).
9. "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (4/ 331، 332).
10. "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (4/ 331، 332).
11. "الأدب النبوي" لمحمد عبد العزيز الخولي (ص: 279).
12. "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم (1/ 57).
13. انظر: "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص: 315).
14. انظر: "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص: 315).
12. في الحديث دليل لما قاله الشّافعيُّ وموافقوه أنّه يُستحبُّ لمن وصل منًى راكبًا أن يرميَ جمرة العقبة يوم النّحر راكبًا، ولو رماها ماشيًا جاز، وأمّا من وصلها ماشيًا فيرميها ماشيًا، وهذا في يوم النّحر، وأمّا اليومان الأوّلان من أيّام التّشريق، فالسُّنّة أن يرميَ فيهما جميع الجمرات ماشيًا، وفي اليوم الثّالث يرمي راكبًا، ويَنفِر، هذا كلُّه مذهب مالك والشّافعيِّ وغيرهما [1].
13. قال أحمدُ وإسحاقُ: يُسْتَحَبُّ يوم النحر أن يرميَ ماشيًا. قال ابن المنذر: وكان ابن عمر وابن الزُّبَير وسالِمٌ يَرْمُون مُشَاةً [2].
14. ذهب أبو حنيفة ومحمّد - رحمهما اللّه – إلى أن الرّميَ كلَّه راكبًا أفضلُ؛ لأنّه رُوي ركوبه ﷺ فيه كلِّه [3].
15. أَجْمَع العلماء على أن الرَّمْيَ يُجْزِئه على أيِّ حالٍ رَمَاهُ إذا وَقَع في الْمَرْمى، غيرَ أنهم اختلفوا في الأفضل [4].
16. يجوز تأخيرُ البيان إلى وقت الحاجة؛ فإن النبيَّ ﷺ لم يُعلِم أصحابه شيئًا من مناسك الحج وأفعاله حتى خرج بهم حاجًّا، فأمرهم حينها أن يتعلَّموا منه [5].
17. أمرُ النبيِّ ﷺ أوكدُ من فِعله؛ فإن فِعله قد يشمل المندوب، والمباح، والواجب، وما هو من خصائصه ﷺ، بخلاف أمره [6].
المراجع
1. "شرح النوويِّ على مسلم" (9/ 45).
2. "شرح النوويِّ على مسلم" (9/ 45).
3. "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (5/ 1814).
4. "شرح النوويِّ على مسلم" (9/ 45).
5. انظر: "عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي" لابن العربي (1/ 259).
6. انظر: "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (2/ 154).
23. في الحديث بيان أنه على المسلم إذا أراد أن يتكلَّم، فإن كان ما يتكلَّم به خيرًا محقَّقًا، يُثاب عليه، واجبًا أو مندوبًا، فليتكلَّم، وإن لم يَظهَر له أنه خيرٌ يُثاب عليه، فليُمسِكْ عن الكلام، سواءٌ ظَهَر له أنه حرامٌ أو مكروه، أو مباحٌ مستوي الطَّرفينِ، فعلى هذا يكون الكلام المباح مأمورًا بتركه، مندوبًا إلى الإمساك عنه؛ مخافةَ انجراره إلى المحرَّم أو المكروه، وهذا يقع في العادة كثيرًا أو غالبًا، وقد قال الله تعالى:
{ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }
[ق: 18]"[1].
24. السكوت غنيمةٌ إذا كان الكلام مُفْضِيًا إلى معصية أو إثم محقَّق، فلربما كلمة ارتقت بصاحبها في درجات الجنة، وأخرى أَوْدَت بصاحبها إلى دركات النار؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
«إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ»[2].
25. الجارُ مأمورٌ بالإحسان إلى جاره، وكذلك مأمورٌ بكفِّ الأذى عنه، وتَحرُم أذيَّتُه لجاره تحريمًا أشدَّ من تحريم أذى المسلمين مُطلقًا.
المراجع
- "شرح النوويِّ على مسلم" (2/ 19).
- رواه البخاريُّ (6478)، ومسلم (2988).
22. يختلف العلماء على أن نفخ الروح في الجَنين إنما يكون بعد مِائة وعشرين يومًا، وهو ما دلَّت عليه الأدلة، وحينئذ فقط تتعلَّق به الأحكام الفقهية، فإذا سقط الجنين في ذلك الوقت صُلِّي عليه - كما هو في مذهب الإمام أحمد - وكذلك تجري عليه أحكام الإرث ووجوب النفقة وغيرهما؛ لحصول الثقة بحركة الجنين في الرحم.
23. الطَّوْرَ الثالث هي الْمُضغَة، هذه المضغة تكون مخلَّقة وغير مخلَّقة بنصِّ القرآن؛
كما قال الله تعالى:
﴿ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ﴾
[الحج: 5]؛
فلو سقطت هذه الْمُضغة غير مخلَّقة، لم يكن الدمُ الذي يَخرُج نِفاسًا؛ بل دمٌ فاسد. ولو سقطت هذه المضغة قبل أن تخلَّق، وكانت المرأة في عِدَّة، لم تنقضِ العِدَّة؛ لأنه لابد في انقضاء العِدَّة أن يكون الحَمْلُ مخلَّقًا، ولابدَّ لثبوت النِّفاس من أن يكون الحمل مخلَّقًا؛ لأنه قبل التخليق يُحتمَل أن تكون قطعةَ لحم فقط، وليست آدميًّا، فلذلك؛ لا نَعدِل إلى إثبات هذه الأحكام إلا بيقين بأن يتبيَّن فيه خَلق إنسان[1].
24 في الحديث أن نفخ الروح يكون بعد تمام أربعة أشهر؛ لقوله ﷺ: «ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيْهِ الرُّوحَ»، وينبني على هذا: أنه إذا سقط بعد نفخ الروح فيه، فإنه يُغسَّل، ويكفَّن، ويصلَّى عليه، ويُدفَن في مقابر المسلمين، ويسمَّى ويُعَقُّ عنه؛ لأنه صار آدميًّا إنسانًا، فيَثبُت له حكم الكبير. وأنه بعد نفخ الروح فيه يَحرُم إسقاطه بكلِّ حال، فإذا نُفخت فيه الروح، فلا يمكِن إسقاطه؛ لأن إسقاطه حينئذ يكون سببًا لهلاكه، ولا يجوز قتله وهو إنسان.
المراجع
- انظر: "شرح الأربعين النووية" لابن عثيمين [ص 90، 91]
3. أحلَّ الله تعالى الطيِّباتِ، وهى أغلبُ ما خَلَق الله في الأرض لنا، وحذَّر من كلِّ ما فيه مفاسدُ ومَضارُّ، وحرَّم الخبائث؛
قال تعالى:
﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَٰٓئِثَ﴾
[الأعراف: 157]
4. في الحديث تحريم أربعة أشياءَ من الخبائثِ هي عناوينُ الْمَفاسِدِ، والْمَضارِّ، العائدةِ على العقول، والأبدان، والأديان، والطباع، والأخلاق.
5. اشتمَلَت هذه الكلمات الجوامعُ في الحديث على تحريم ثلاثةِ أجناس: مَشاربَ تُفسِد العقول، ومَطاعمَ تُفسِد الطِّباع وتغذِّي غذاءً خبيثًا، وأعيانٍ تُفسِد الأديان وتدعو إلى الفِتنة والشِّرك، فصان بتحريم النوع الأول العقولَ عما يُزيلها ويُفسدها، وبالثاني: القلوبَ عما يُفسِدُها من وصول أثر الغذاء الخبيث إليها، وبالثالث: الأديانَ عمَّا وُضِع لإفسادها، فتضمَّن هذا التحريمُ صيانة العقول، والقلوب، والأديان [1].
6. حرَّم الله تعالى بيع الخمر، وشُربها؛
قال تعالى:
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلْأَنصَابُ وَٱلْأَزْلَٰمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَٰنِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
[المائدة: 90].
7. لعن النبيُّ ﷺ في الخَمْرِ عشَرةً؛
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ:
«لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الخَمْرِ عَشَرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالْمُشْتَرِيَ لَهَا، وَالْمُشْتَرَاةَ لَهُ»
[2].
8. في الحديث تحريم بيع الْمَيتة، ويُفهَم منه كذلك حُرمةُ بيع جثث الموتى؛ فقد "ذَكَر ابنُ إسحاقَ في السِّير قال: لَمَّا كان يومُ الخَنْدقِ، اقتحمه نوفلُ بنُ عبدِ الله بنِ المغيرةِ المخزوميُّ، فتورَّط فيه فقُتِل، فغَلَب المسلمون على جَسَده، فسألوا رسولَ الله أن يَبِيعهم جَسَده، فقال رسول الله: لا حاجة لنا بجسده، ولا ثَمَنه" [3].
9. حرَّم الله تعالى أكلَ الْمَيتة في القرآن الكريم؛
قال تعالى:
﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنزِيرِ﴾
[المائدة: 3]،
10. يُستثنى من تحريم أكل الميتة وبيعها السَّمَكُ والجَرَاد؛ ف
عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ:
سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَرْكَبُ البَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا القَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ مِنَ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ»
[4]،
وعَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:
«أُحِلَّتْ لَكُمْ مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ، فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ، فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ»
[5].
11. في الحديث تحريم بيع الخنزير، وقد حرَّم لحم الخنزير، فلا يجوز الانتفاعُ به بأيِّ وجه من وجوه الانتفاع؛
قال تعالى:
﴿قُل لَّآ أَجِدُ فِى مَآ أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍۢ يَطْعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍۢ فَإِنَّهُۥ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِۦ ۚ ﴾
[الأنعام: 145].
12. لا يجوز بيع الأصنام، حتى وإن كانت لا تُعبَد من دون الله، فما عُبِدت الأصنام من دون الله إلا بعد أن صُنعت ابتداءً لغير العبادة، وقد أخبر النبيُّ ﷺ أن هذه الأمَّة سوف تَعبُد الأصنام مرَّةً أخرى؛
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ، حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ»، وَكَانَتْ صَنَمًا تَعْبُدُهَا دَوْسٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
[6].
13. ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يجوز الانتفاعُ بشحم الميتة في شيءٍ أصلاً؛ لعُموم النهيِ عن الانتفاع بالْمَيتة إلا ما خُصَّ، وهو: الجِلد المدبوغ، وذهب الشافعيُّ وأصحابه إلى جواز الانتفاع بشحم الْمَيتة في طَلْيِ السُّفن، والاستصباحِ بها، وغيرِ ذلك مما ليس بأكلٍ، ولا في بَدَنِ الآدميِّ [7].
14. الإجماع قائمٌ على أنه: لا يجوز بَيْعُ الْمَيتة والأصنام؛ لأنه لا يَحِلُّ الانتفاع بها، ووضع الثمن فيها إضاعةُ مال، وقد نهى الشارع عن إضاعته [8].
15. العلَّة في منع بيع الْمَيتة والخمر والخنزير عند جمهور العلماء: النجاسةُ، فيتعدَّى ذلك إلى كلِّ نَجَاسة؛ (أي: يَحرُم بيع كلِّ نجاسة)، والمشهور عند مالكٍ طهارةُ الخِنزير، والعلَّة في منع بيع الأصنام: عَدَمُ المنفعة المباحة؛ فعلى هذا إن كانت بحيث إذا كُسِرت يُنتَفع برُضَاضها، جاز بيعها عند بعض العلماء من الشافعية، والأكثرُ على المنع؛ حملاً للنهيِ على ظاهره [9].
16. فقال: «لا، هو حرام»؛ أي: البيع، هكذا فسَّره بعض العلماء؛ كالشّافعيِّ ومن اتَّبَعه، ومنهم من حمل قوله: «وهو حرام» على الانتفاع، فقال: يحرم الانتفاع بها، وهو قول أكثر العلماء، فلا ينتفع من الميتة أصلًا عندهم إلّا ما خُصَّ بالدّليل، وهو الجِلد المدبوغ، وسياق قوله ﷺ: «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ...» إِلَخْ: مُشْعِرٌ بِقُوَّةِ ما أَوَّلَه الأكثرُ أن المراد بقوله: «هُوَ حَرَامٌ» البيعُ، لا الانتفاعُ [10].
17. خرَج قوله ﷺ: «لعن اللّه اليهود» في بيع الشّحوم، وأكل ثَمَنها، وفي بيع الخمر، وأكل ثَمَنها؛ لأنّها نجسة الذّات؛ مثل شحوم الميتة والدَّم، وليس الزّيتُ تقع فيه الميتة كذلك؛ لأنّه إنّما نَجِس بالمجاوَرة؛ وليس بنَجِس الذّات؛ فلذلك جاز بيعُه إذا بُيِّن بعَيبه، وجاز أكل ثمنه؛ لأنّه ممّا يُنتفَع به للاستصباح وغيره [11].
18. أَجمَع المسلمون على تحريم بيع الْمَيتة والخمر والخِنزير [12].
19. في تحريم بيع الخمر والْمَيتة، دليلٌ على تحريم بيع الأعيان النَّجِسة، وإن كانت منتفَعًا بها في الضرورة [13].
20. في تحريم بيع الأصنام، دليلٌ على تحريم بيع جميع الصور المتَّخَذة من الخشب والحديد وغيرهما، وعلى تحريم بيع جميع آلات اللهو كالطنبور والمزمار والمعازف، فإذا طُمست الصور وغيِّرت آلات اللهو عن حالتها، يجوز بيع جواهرها وأصولها [14].
21. قوله: «قاتل الله اليهود...» إلخ: فيه دليلٌ على بُطلان كلِّ حيلة تُحتال للتوصُّل إلى محرَّم، وأنه لا يتغيَّر حُكمه بتغيير هيئته، وتبديل اسمه [15].
22. في الحديث إشارة إلى أن من احتال في استعمال الأشياء المحرّمة، كان سالكًا مسلك اليهود الذين لعنهم الله تعالى؛ لانتهاكهم ما حرَّم الله تعالى بالاحتيال.
المراجع
1. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (5/ 661).
2. رواه الترمذيُّ (1295)، وابن ماجه (3381)، وقال الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2357): حسن صحيح.
3. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (5/ 369).
4. رواه أحمد (7233)، والنسائيُّ (59)، وأبو داود (83)، وابن ماجه (386)، والترمذيُّ (69)، وقال الترمذيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وصححه الألبانيُّ في "صحيح أبي داود" (76).
5. رواه أحمد (5723)، وابن ماجه (3314)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الجامع" (210).
6. رواه البخاريُّ (7116)، ومسلم (2906).
7. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 6).
8. "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لبدر الدين العينيِّ (12/ 55).
9. "فتح الباري" لابن حجر (4/ 425).
10. "فتح الباري" لابن حجر (4/ 425).
11. "الاستذكار" لابن عبد البر (8/ 510).
12. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 6 - 8).
13. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (7/ 2104).
14. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (7/ 2104).
15. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (7/ 2104).
15. لفظ "الكتابة" يقتضي الوجوبَ عند أكثر الفقهاء والأصوليّين خلافًا لبعضهم؛ فقوله: «كَتَبَ الْإِحْسَانَ»؛ أي: أَوْجَبَه، وقد أمر اللَّهُ تعالى به في كتابه، فقال:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ }
[النحل: 90]
وقال:
{وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
[البقرة: 195]
16. هذا الأمر بالإحسان تارةً يكون للوجوب؛ كالإحسان إلى الوالدينِ والأرحام بمقدار ما يَحصُل به البِرُّ والصِّلة، والإحسانِ إلى الضَّيف بقدر ما يَحصُل به إكرامُه، وتارةً يكون للنَّدب؛ كصدقة التّطوُّع ونحوها[1].
17. حكى ابن حزم الإجماع على وجوب الإحسان في الذَّبيحة، وأسهلُ وجوه قتل الآدميِّ ضَرْبُه بالسَّيف على العُنق؛ قال اللّه تعالى في حقِّ الكفّار:
{ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ}
[محمد: 4]
وقد قيل: إنّه عيَّن الموضع الّذي يكون الضّرب فيه أسهلَ على المقتول، وهو فوق العظام ودون الدِّماغ، ووصَّى دُرَيْدُ بنُ الصِّمَّة قاتله أن يقتله كذلك[2].
18. يجب إحسانُ هَيئة وصورة ذبح الحيوان المأكول، بأن تَجتهِدوا في ذلك، بالرِّفق به، فلا تعذِّبوه بجرِّه لمكان الذبح، ولا تجعلوا البهائم ترى ما يُذبَح، ولا تجعلوه يتألَّم أثناء الذبح، ولا تبدؤوا بتقطيع الذبيحة وسلخها قبل أن تموت وتَخرُج رُوحها، ولتفعلوا ما يساعد على خروج الروح بسرعة، وذلك بقطع الوَدَجَيْنِ والحُلْقُوم والْمَرِّيء، فقطع هذه الأربعةِ الأشياءِ جميعًا أسهلُ بخروج الروح، وأيسر على هذه البهيمة، وإن كان يُجزئ قطع اثنين منهما، فإن ذلك قد يُؤلمها ويُتعبها ويجعلها تعاني في زهوق الروح، وتركها إلى أن تَبرُد.
19. هذا الحديث يدلُّ على وجوب الإحسان في كلِّ شيء من الأعمال؛ لكنّ إحسان كلِّ شيء بحسَبِه، فالإحسانُ في الإتيان بالواجبات الظّاهرة والباطنة يكون بالإتيان بها على وجه كمال واجباتها، فهذا الَقْدر من الإحسان فيها واجب، وأمّا الإحسان فيها بإكمال مستحبَّاتها فليس بواجب؛ فمثلاً: الإحسان الواجب في معاملة الخلق ومعاشرتهم يكون بالقيام بما أوجب اللّه من حقوق ذلك كلِّه، والقدر الزّائد على ذلك إحسان ليس بواجب[3].
20. الإحسان في ترك المحرَّمات يكون بالانتهاء عنها، وترك ظاهرها وباطنها؛ كما قال تعالى:
{وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ}
[الأنعام: 120]
فهذا القَدْر من الإحسان فيها واجب، والقدر الزّائد على ذلك إحسان ليس بواجب[4].
21. «فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ»: فيه دليل على نَفْيِ الْمُثْلَة مُكافأةً بالنسبة للآدميين قصاصًا، أو حدًّا، فلا يجوز التنكيل بالقتيل والْمُثْلَة بجُثَّته، وقد قال تعالى في القصاص:
{وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا}
[الإسراء: 33]
فلا يُسرف في القتل بأن يقتصَّ من غير القاتل، ولا ينكِّل بالقاتل، ولا يعذِّبه، ولا يُمثِّل به، ولا يتشفَّى منه؛ إلَّا أنه يُحتمَل أنه مُخَصَّص بقوله:
{فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ}[5]
[البقرة: 194]
فيُستثنى من الحديث القصاصُ وحدُّ الرجم للزاني الْمُحصَن، ففي القصاص يُفعل بالجاني كما فَعَل بالمقتول، ودليلُ ذلك قصَّة اليهوديِّ الذي رضَّ رأس الجارية، فأمر النبيُّ ﷺ أن يُرَضَّ رأسُه بين حجرين[6].
المراجع
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 381).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 382).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 381، 382).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 382).
- "سبل السلام" للصنعانيِّ (2/ 527).
- رواه البخاريُّ (2413)، ومسلم (1672).
12. قوله ﷺ: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي»: عامٌّ في كل غشٍّ، لا الغشُّ في البيوع وغيرها من المعاملات فقط؛ بل يشمل الغشَّ في النُّصح للمؤمنين أيضًا.
13. المراد بالغشِّ في الحديث: كَتْمُ عَيب الْمَبيع أو الثَّمن، والمراد بعَيبه هنا: كلُّ وَصْفٍ يُعلَم مِن حال آخِذه أنه لو اطَّلَع عليه لم يَأْخُذْه بذلك الثَّمَن، الذي يُريد بَذْلَه فيه [1].
14. في الحديث إِيذَانٌ بأن للْمُحتَسب أن يمتحن بضائعَ السُّوقة؛ لِيَعْرِفَ الْمُشتمِلَ منها على الغِشِّ من غيره [2]
15. في الحديث إشارة إلى أن من في بضاعته شيء رديء، يجب عليه أن يظهره فوق الجيِّد؛ حتى يراه الناس؛ لئلا يكون غاشًّا، وله أن يبيع كلَّ نوع منفصلًا عن الآخر.
16. في الحديث دليل على تحريم الغشِّ، وأنه من كبائر الذنوب، ويُخرج فاعله عن طريق النبيِّ، وعن جماعة المؤمنين؛
لقوله ﷺ:
«مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي».
17. من أنواع الغشِّ: الغشُّ للرَّعيَّة؛
فقد قال النبيُّ ﷺ:
«مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ»
[3].
المراجع
1. "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" لابن علان (8/ 422، 423).
2. "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (5/ 1935).
3. رواه البخاريُّ (7150)، ومسلم (227).
24. إن الغضب الشديد "لا شكَّ أنه يؤثِّر على الإنسان حتى يتصرَّف تصرُّف المجانين؛ ولهذا قال بعض العلماء: إن الإنسان إذا غَضِبَ غضبًا شديدًا حتى لا يدريَ ما يقول، فإنه لا عِبْرةَ بقوله، ولا أَثَر لقوله؛ إن كان طلاقًا، فإن امرأته لا تَطلُق، وإن كان دعاءً، فإنه لا يُستجاب؛ لأنه يتكلَّم بدون عقل وبدون تصوُّر[1].
المراجع
- "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (3/ 593).
3. في الحديث نوعان من بين البيوع المحرَّمة التي فيها أكلٌ للأموال بالباطل، وهما: بيعُ الحَصَاة، وبيعُ الغَرَر؛ لما فيهما من المفاسد والأضرار؛ حيث إن الشرع ينهى عن البيوع التي اشتملت على غشٍّ، أو خداع، أو غرر.
4. الحكمة من تحريم هذه البيوع: تحصين الأموال من أن تضيع، وقطع الخصومة والنزاع بين الناس، وحفظ المودَّة والأخوَّة بين المسلمين.
5. الأصلُ في البَيع الإباحة، إلا ما وَرَد فيه دليلٌ على الحُرمة؛
قال تعالى:
﴿وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰا ۚ﴾
[البقرة: 275].
6. بيع الحصاة والغرر من بيوع أهل الجاهلية، كان متداوَلاً بينهم، وجاء الإسلام فحرَّمه؛ نظرًا لخَطَره، وجَهَالته، ويَدخُل فيه مسائلُ كثيرةٌ، غير مُنحصِرة.
7. بيع الحصاة يُفسَّر على وجهين؛ أحدهما: أن يرميَ بالحصاة ويَجعَل رميَها إفادةً للعَقْدِ، فإذا سقطت، وَجَب البيع، ثم لا يكون للمشتري فيه الخيار. والوجه الآخَرُ: أن يعترض الرجل القطيعَ من الغَنَم فيرميَ فيها بحَصَاة، فأيَّةُ شاة منها أصابتها الحصاة، فقد استحقَّها بالبيع، وهذا من جُملة الغَرَر المنهيِّ عنه [1].
8. من صور بيع الحصاة: أن يقول: بعتُكَ من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة الّتي أَرْمِيها، أو بعتُك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه هذه الحصاة.
9. من صور بيع الحصاة: أن يعترض القطيعَ من الغنم، فيأخذ حصاةً ويقول: أيُّ شاة أصابتْها فهي لك بكذا، والخَلَلُ فيه جَهَالةُ المعقود عليه.
10. من صور بيع الحصاة: أن يقول البائع للمشتري في العقد: إذا رَميتُ إليك الحصاة فقد وجب البيع، والخَلَلُ فيه إثباتُ الخيار وشرطه إلى أمدٍ مجهول.
11. من صور بيع الحصاة: أن يقول: بعتُك على أنّك بالخيار إلى أن أرميَ بهذه الحصاة.
12. من صور بيع الحصاة: أن يجعلا نفس الرَّمْيِ بالحصاة بَيعًا، فيقول: إذا رميتُ هذا الثّوب بالحصاة، فهو مبيع منك بكذا.
13. من صور بيع الحصاة: أن يَقبِض على كفٍّ من حصا ويقول: لي بعدد ما خرج في القبضة من الشّيء الْمَبيع، أو يبيعه سلعةً ويقبض على كفٍّ من حصا ويقول: لي بكلِّ حصاةٍ درهم.
14. كلُّ صور بيع الحصاة متضمِّنةٌ للغَرَر؛ لِما في الثّمن أو الْمَبيع من الجهالة، ولفظُ الغرر يَشمَلها؛ وإنّما أُفرِدت لكونها كانت ممّا يبتاعها أهل الجاهليّة، فنهى ﷺ عنها [2].
15. الغرر ما خَفِي عليك أمرُه، وهو ما كان له ظاهر يَغُرُّ المشتريَ، وباطنٌ مجهول، فهو بيعٌ مجهول العاقبة، وهو سببٌ للعداوة والبغضاء؛ لِما فيه من الظُّلم والخِداع؛ فبيع الغرر كلُّ بيع كان المعقودُ عليه فيه مجهولًا أو معجوزًا عنه، ومن ذلك بيعُ ما لم تَرَه، وبيع تراب الْمَعدِن، وتراب الصاغة؛ لأن المقصود بالعقد ما فيه من النقد، وهو مجهول [3].
16. من صور بيع الغرر: بيع العبد الآبِق (الهارب)، والشيء المعدوم، والشيء المجهول، وما لا يُقْدَر على تسليمه، وما لم يتمَّ مِلْكُ البائع عليه، وبيع السَّمك في الماء الكثير، واللَّبن في الضَّرْعِ، وبيع الحَمْلِ في البطن، وبيع ثوب غير محدَّد من أثواب، وشاةٍ غير محدَّدة من شياهٍ، ونظائرِ ذلك، وكلُّ هذا بيعُه باطل؛ لأنه غَرَر من غير حاجة.
17. من صور بيع الغرر: بيع لؤلؤة في البحر، وبيع جَمَل شارد، وثوبٍ في جراب لم يَرَهُ ولم يَنشُره، وطعام في بيت لم يَفتَحه، وبيع وَلَدِ بهيمةٍ لم تَلِد، وبيع ثمر شجرةٍ لم تُثمر، وفي نحوها من الأمور التي لا تُعلَم، ولا يُدرى هل تكون أو لا؟ فإن البيع فيها مفسوخ.
18. إذا دعت حاجة إلى ارتكاب الغَرَر، وكان لا يمكِن الاحتراز عنه إلا بمشقَّة، وكان الغرر حقيرًا، جاز البيع، وإلا فلا [4].
19. يُحتَمَل بعضُ الغرر بَيعًا، إذا دعت إليه حاجة؛ كالجهل بأساس الدار، وكما إذا باع الشاةَ الحامل، والتي في ضَرعها لبنٌ، فإنه يصحُّ البيع؛ لأن الأساس تابع للظاهر من الدار، ولأن الحاجة تدعو إليه؛ فإنه لا يمكِن رؤيته، وكذا القولُ في حَمْلِ الشاة ولَبنها.
20. يُستثنى من بيع الغرر أمران، لا يَحرُمان؛ أحدهما: ما يدخل في البيع تبعًا، بحيث لو أفرده لم يصِحَّ بيعُه، والثاني: ما يُتسامح بمثلِه: إما لحقارته أو للمشقَّة في تمييزه وتعيينه؛ كبيع أساس المباني والقُطن المحشوِّ في الأرائك مثلاً.
21. أَجمَع المسلمون على جواز أشياءَ فيها غَرَرٌ حَقير، منها: أنهم أجمعوا على صحَّة بيع الْجُبَّة المحشوَّة، وإن لم يُرَ حَشْوُها، ولو بِيعَ حشوُها بانفراده لم يَجُزْ [5].
22. أجمعوا على جواز إجارة الدار، والدابَّة، والثوب، ونحوِ ذلك، شهرًا، مع أن الشهر، قد يكون ثلاثين يومًا، وقد يكون تسعةً وعشرين [6].
23. أجمعوا على جواز دخول الحمَّام بالأُجرة، مع اختلاف الناس في استعمالهم الماءَ، وفي قَدْرِ مُكْثِهم [7].
24. أجمعوا على جواز الشُّرب من السِّقاء بالعِوَض، مع جَهَالة قدر المشروب، واختلاف عادة الشاربين [8].
25. أجمعوا على بُطلان بيع الأَجِنَّة في البُطون، والطير في الهواء؛ وقال العلماء: مَدَارُ البُطلانِ؛ بسبب الغَرَر الظاهر [9].
26. ما وقع في بعض المسائل من اختلاف العلماء في صحَّة البيع فيها، وفساده؛ كبيع العَين الغائبة، مبنيٌّ على اعتبار الغرر، فبعضُهم يَرَى أن الغرر حقيرٌ، فيجعله كالمعدوم، فيصحُّ البيع، وبعضُهم يراه ليس بحقير، فيُبطِل البيع [10].
المراجع
1. "معالم السنن" للخطابيِّ (3/ 88).
2. "سبل السلام" للصنعانيِّ (2/ 18).
3. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (7/ 2147).
4. "شرح النوويِّ على مسلم" (10/ 156).
5. "شرح النوويِّ على مسلم" (10/ 156).
6. "شرح النوويِّ على مسلم" (10/ 156).
7. "شرح النوويِّ على مسلم" (10/ 156).
8. "شرح النوويِّ على مسلم" (10/ 156).
9. "شرح النوويِّ على مسلم" (10/ 156).
10. "شرح النوويِّ على مسلم" (10/ 157).
14. ذهب جماعة الفقهاء إلى أن النكاح مندوبٌ إليه مرغَّب فيه، واحتجُّوا بقوله: «ومن لم يستطع فعليه بالصوم»، والصوم البدل عن النكاح ليس بواجب، فالنكاح الْمُبدَل منه مثلُه، وأيضًا فإن جماعة من الصحابة تركوه وهم قادرون، وعكفوا على العبادة، ولَمَّا لم يُنقَل عنه ﷺ ولا عن الأئمَّة بعده النَّكير على من لم يتزوَّج، عُلِم أنه غير واجب [1].
15. ذهب أهل الظاهر إلى أنه فرضٌ على الرجل والمرأة مرَّةً في الدهر إن كان الرجل واجدًا لتكاليف الزواج، واحتجُّوا بظاهر هذا الحديث، وحَمَلوا أمره ﷺ بالنكاح على الإيجاب، قالوا: ولكنَّه أمرٌ لخاصٍّ من الناس، وهم الخائفون على أنفسهم العَنَت بتركهم النكاحَ، فأما مَن لم يَخَفِ العَنَت، فهو غيرُ مُرَاد بالحديث؛ قالوا: وقد بيَّن صَّحة قولنا إخبارُه ﷺ عن السبب الذى من أجله أَمَر الذى يستطيع الباءة بالنكاح، وذلك قوله: «فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج»، فمن قَدَر على غضِّ بصره عن المحارم، وتحصين فرجه، فغير فرض عليه النكاح، ومن كان غيرَ قادر على ذلك، وخَشِيَ مُواقَعة الحرام، فالنكاح فرضٌ عليه؛ لأمر النبيِّ ﷺ إيَّاه به [2].
16. اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنًى واحد، أصحُّهما أنّ المراد معناها اللّغويُّ، وهو الجماع، فتقديره: من استطاع منكم الجماع لقُدرته على مُؤَنِه، وهي مؤن النّكاح، فليتزوَّج، ومن لم يستطع الجماع؛ لعجزه عن مُؤَنه، فعليه بالصّوم؛ ليدفع شهوته، ويقطع شرَّ مَنيِّه كما يقطعه الوِجاء، وعلى هذا القول وقع الخطاب مع الشُّبَّان الّذين هم مَظِنَّة شهوة النّساء، ولا ينفكُّون عنها غالبًا [3].
17. القول الثّاني في المراد بالباءة: أنّ المراد هنا بالباءة مُؤَن النّكاح، سُمِّيت باسم ما يُلازمها، وتقديره: من استطاع منكم مؤن النّكاح فليتزوَّج، ومن لم يستطعها فليَصُم؛ ليدفع شهوته والحجَّة قوله ﷺ: «ومن لم يستطع فعليه بالصّوم»، والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصّوم لدفع الشّهوة، فوجب تأويل الباءة على المؤن، وأجيب بأنّ تقديره: من لم يستطع الجماع لعجزه عن مُؤَنه وهو محتاج إلى الجماع، فعليه بالصّوم [4].
18. المراد بالوِجاء في الحديث أنّ الصّوم يقطع الشّهوة، ويقطع شرَّ المنيِّ كما يفعله الوجاء الذي هو دَقُّ الخُصْيَتين [5].
19. في هذا الحديث الأمر بالنّكاح لمن استطاعه وتاقت إليه نفسه، وهذا مُجمَع عليه؛ لكنَّه أمر نَدْبٍ لا إيجاب، فلا يَلزَم التّزوُّج ولا التّسرِّي، سواءٌ خاف العَنَت أم لا، هذا مذهب العلماء كافَّةً، ولا يُعلَم أحدٌ أَوجَبه إلّا داودُ ومن وافَقَه من أهل الظّاهر، وروايةٌ عن أحمد، فإنّهم قالوا: يلزمه إذا خاف العنت أن يتزوَّج أو يتسرَّى، قالوا: وإنّما يلزمه في العمر مرّةً واحدةً، ولم يشرِط بعضهم خوفَ العَنَت [6].
20. النّاس في النكاح أربعة أقسام: قسم تَتُوق إليه نفسه ويجد الْمُؤَن، فيُستحبُّ له النّكاح، وقسم لا تَتُوق ولا يجد الْمُؤَن، فيُكره له، وقسم تَتُوق ولا يجد المؤن، فيُكره له، وهذا مأمور بالصَّوم لدفع التَّوَقان، وقسم يجد المؤن ولا تتوق، فمذهب الشّافعيِّ أنّ ترك النّكاح لهذا والتّخلِّيَ للعبادة أفضل، ولا يُقال: النّكاح مكروه؛ بل تركه أفضل، ومذهب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشّافعيِّ وبعض أصحاب مالك أنّ النّكاح له أفضل [7].
21. قال تعالى:
﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ ۗ﴾
[النور: 33]؛
"أي: ليَطلُب العِفَّة عن الحرام والزنا الذين لا يجدون ما لا يَنكِحون به للصَّدَاق والنَّفَقة، حتى يُغْنِيَهم اللَّهُ من فضله؛ أي: يوسِّع عليهم من رزقه" [8].
المراجع
1. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطال (7/ 162، 163).
2. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطال (7/ 162، 163).
3. "شرح النوويِّ على مسلم" (9/ 172).
4. "شرح النوويِّ على مسلم" (9/ 172).
5. "شرح النوويِّ على مسلم" (9/ 173).
6. "شرح النوويِّ على مسلم" (9/ 173).
7. "شرح النوويِّ على مسلم" (9/ 174).
8. "معالم التنزيل" للبغويِّ (6/41).
18- حرَّم رسول الله ﷺ أُجرة الكاهن أو حُلْوانه؛ فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ، وَمَهْرِ البَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الكَاهِنِ»[1].
19- أجمع المسلمون على تحريم حُلْوان الكاهن؛ لأنه عِوَضٌ عن محرَّم، ولأنه أكل المال بالباطل[2].
المراجع
- رواه البخاريُّ (5452).
- "شرح النوويِّ على مسلم" (10/231).