4. الرِّبَا - كما عرِّف في الفقه -: هو فضل مال بلا عِوَض في مُعاوضَة مال بمال.
6. أكل الربا: هو تعاطيه بالأخذ أو الإعطاء.
7. أجمعت الأمَّة على تحريم الرّبا في الجُملة، مع اختلافهم في التّفاصيل [1].
8. الْمُراد بآكِل الربا هو من يأخذه كمن يقترض بالربا، أما مُؤكِل الربا فهو المعطي؛ كمن يُقرض بالربا.
9. في الحديث خصَّ الأكل لأنّه الأغلب في الانتفاع، وغير الأكل مثل الأكل في الإثم [2].
10. إثمُ الكاتب والشّاهدينِ لإعانتهم على المحظور، وذلك إذا قَصَدا وعَرَفا بالرّبا [3].
11. في الحديث تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابِيَيْنِ والشهادة عليهما، وفيه تحريم الإعانة على الباطل [4]
12. سرُّ تحريم الربا هو الجشع المانع من حُسن المعاشرة، والذريعة إلى ترك القرض، وما في التوسعة من مكارم الأخلاق؛
ولذلك قال تعالى:
﴿فَأْذَنُوا بِحَرْبٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ۖ ﴾
[البقرة: 279]
غضبًا على أهله [5].
13. خصَّ النبيُّ ﷺ الأكل من بين سائر الانتفاعات؛ لأنه أعظم المقاصد [6].
14. يشترك آكل الرِّبَا وموكله في الإثم، مع أن أحدهما رابح والآخر خاسر؛ لأنهما شريكان في الفِعل [7].
15. إذا أراد أن يتوب متعاطي الربا منه، فعليه بصدق التوبة وإخلاصها، والنَّدَم على هذا الذنب العظيم، والعزم على ألَّا يَعُود، ويؤخذ الربا من الْمُرابي ويُتصدَّق به أو يوضَع في بيت المال.
16. من كان يكتسب الحرام، وتعاملتَ معه معاملةً مباحة، فلا حرج عليك فيها [8]، فيجوز للإنسان أن يتعامل مع شخص يتعامل بالربا؛ لكن معاملته إيَّاه شرعية؛ مثل: شراء سلعة بثمن من الْمُرَابي، ويجوز أن يستقرض منه ولا حَرَج؛ فإن النبيَّ ﷺ كان يُعامل اليهود، مع أنهم أكَّالون للسُّحت، فقد قَبِل هَديَّتهم، وقد قَبِل دعوتهم، وقد باع واشترى منهم ﷺ [9].
المراجع
1. "سبل السلام" للصنعانيِّ (2/ 49).
2. "سبل السلام" للصنعانيِّ (2/ 49).
3. "سبل السلام" للصنعانيِّ (2/ 49).
4. "شرح النووي على مسلم" (11/ 26).
5. "شرح سنن أبي داود" لابن رسلان (12/ 370).
6. "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" بدر الدين العيني (11/ 203).
7. "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" بدر الدين العيني (11/ 204).
8. "فتاوى نور على الدرب" (16/ 2) بترقيم الشاملة.
9. "فتاوى نور على الدرب" (16/ 2) بترقيم الشاملة.
14. لا يُظَنُّ من هذا الحديث أنّ هذه الأربعَ تنحصر فيها الكفاءة؛ فإنَّ ذلك لم يقل به أحد، وإن كانوا اختلفوا في الكفاءة ما هي [1].
15. مما ذكره العلماء من الصفات التي يَحسُن مراعاتها في الزوجة: أن تكون المرأة عاقلةً قادرةً على التدبير والتسيير، وأن تكون قد بَلَغت؛ إلا لحاجة.
16. استحسن العلماء الابتعاد عن زواج القرابة في النَّسَب؛ لتوسيع دائرة التعارف والتقارب بين القبائل والأسر، ولضمان نجابة الأبناء وقوَّتهم وسلامتهم من النواقص والأمراض المتوارثة. وقد قال بعض الشّافعيّة: "يُستحبُّ أن لا تكون المرأة ذاتَ قَرابة قريبة، فإن كان مستنِدًا إلى الخبر، فلا أصل له، أو إلى التّجربة، وهو أنّ الغالب أنّ الولد بين القريبين يكون أحمقَ، فهو متَّجِه" [2].
17. يُكرَه نكاحُ بنت الزِّنا، وبنت الفاسق، واللقيطة التي لا يُعرف أبوها؛ لضمان سلامة الأبناء من مَعرَّة الأمِّ؛ لأن العِرْق دسَّاسٌ كما اشتَهرَ.
المراجع
1. "فتح الباري" لابن حجر (9/ 135، 136).
2. "فتح الباري" لابن حجر (9/ 135).
6. هناك إجماعٌ على أنه يَحرُم من الرضاعة مثلُ الذي يَحرُم من الولادة والنَّسَب، وتُبيح ما تُبيحه، فإذا حَرُمت الأمُّ، فكذا زوجُها؛ لأنه والدُه؛ لأن اللبن منهما جميعًا، وانتشرت الحُرمة إلى أولاده، فأخو صاحب اللبن عمٌّ، وأخوها خالُه من الرَّضاع، فيَحرُم من الرضاع: العمَّاتُ، والخالاتُ، والأعمام، والأخوات، وبناتهن كالنسب [1].
7. الرضاع يُنزَّل منزلة النسب والولادة في تحريم النكاح، وجواز النَّظَر، والخلوة، والسفر، دون بقية الأحكام من الميراث، ووجوب النفقة، وردِّ الشهادة، وسقوط القصاص، ولو كان أبًا أو أمًّا؛ فإنهما كالأجنبيِّ في سائر هذه الأحكام [2].
8. اتَّفق الفُقهاءُ على أنَّ الحُرمة بالرَّضاعة تَثْبُتُ بِخَمس رضَعاتٍ فصاعدًا، واختلفوا فيما دونَها، وحديث عائشة نصٌّ في المسألة؛ فَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: «كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ، وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ» [3].
9. إذا أرضعتِ امرأةُ الرجل بنتًا، حَرُمت هذه البنت على ابنه، وعلى أبيه، وعلى جَدِّه، وعلى بني بَنِيه وبني بَناتِه، وعلى كلِّ وَلَدٍ ذكر، وولَد وَلَده، وعلى كلِّ جَدٍّ له من قِبَلِ أبيه وأمِّه، وإذا كان المرضَعُ غلامًا، حرَّم الله عليه وَلَدَ المرأة التي أرضعتْه، وأولادَ الرجل الذي أُرضِع هذا الصبىُّ بلَبَنِه، وهو زوج المرضِعة، ولا تَحِلُّ له عمَّتُه من الرضاعة، ولا خالتُه، ولا بنتُ أخيه، ولا بنتُ أخته من الرضاعة [4].
10. لا بأس أن يتزوَّج الرجل المرأةَ التي أرضعت ابنَه، وكذلك يتزوَّج بنتَ المرأة التي هي رضيعةُ ابنه، ولأخي هذا الصبيِّ المرضَع أن يتزوَّج المرأة التي أرضعت أخاه، ويتزوَّج ابنتها التي هي رضيعُ أخيه، وما أراد من ولدها ووَلَدِ ولدها؛ وإنما يَحرُم نكاحهن على المرضَع [5].
11. في هذا الحديث دليلٌ واضح على أنّ لبن الفحل يحرِّم الذَّكَر العمَّ، ولولا لبنُ الفحل ما ذُكِر العمُّ؛ لأنّ بمراعاة لبن الرّجل صار أبًا، فصار أخوه عمًّا [6].
12. التَّحريم لا يتعدَّى الرضيع إلى أحدٍ من قرابته؛ فليس أختُه من الرَّضاعة أختًا لأخيه، ولا بنتًا لأبيه؛ إذْ لا رضاع بينهم.
13. قيل في حكمة التحريم بالرضاع: إنَّ الشَّرع اعتَبَر في التحريم ما ينفصِل من أجزاء المرأة وهو اللَّبن، ويتَّصِل بالرضيع فيَغتذي به فتصير أجزاؤها أجزاءه، فينتشر التَّحريم بينهما، واعتَبَر في حقِّ صاحب اللبن: أنَّ وجود اللَّبن بسبب مائه وغذائه. فأمَّا قرابات الرَّضيع فليسَ بينَهم ولا بين المرضعة، ولا زوجها، نسبٌ، ولا سببٌ.
14. أجمع العلماء على أنّ الرَّضَاع يحرِّم ما يحرِّمه النَّسَب، ولنذكر المحرَّمات من النَّسَب كلَّهنّ حتّى يُعلَم بذلك ما يَحرُم من الرّضاع، فنقول: الولادة والنَّسَب قد يؤثِّران التّحريم في النِّكاح، وهو على قسمين؛ القسم الأول: تحريم مؤبَّد على الانفراد، وهو نوعان؛ أحدهما: ما يحرم بمجرَّد النّسب، والثاني: ما يَحْرُمُ من النَّسَبِ مع سبب آخَرَ، والقسم الثاني: التحريم الْمُؤَبَّد على الاجتماع دون الانفراد [7].
15. ما يَحرُم بمجرَّد النَّسَب: يَحرُم على الرّجل أصولُه وإن عَلَوْنَ، وفروعُه وإن سَفَلْنَ، وفروعُ أصله الأدنى وإن سفلن، وفروع أصوله البعيدة دون فروعهنّ، فيَدخُل في أصوله أمَّهاته وإن عَلَوْنَ من جهة أبيه وأمِّه، وفي فروعه بناتُه وبنات أولاده وإن سَفَلْنَ، وفي فروع أصله الأدنى أخواتُه من الأبوين، أو من أحدهما، وبناتهنّ وبنات الإخوة وأولادهم وإن سفلن، ودخل في فروع أصوله البعيدة العمَّات والخالات وعمَّات الأبوين وخالاتهما وإن علون، فلم يبقَ من الأقارب حلالًا للرّجل سوى فروع أصوله البعيدة، وهنّ بنات العمّ وبنات العمّات، وبنات الخال، وبناتُ الخالات [8].
16. ما يَحرُم من النَّسَب مع سبب آخَرَ، وهو الْمُصاهَرة، فيَحرُم على الرّجل حلائلُ آبائه، وحلائل أبنائه، وأمَّهات نسائه، وبنات نسائه المدخولُ بهنّ، فيَحرُم على الرّجل أمُّ امرأته وأمَّهاتها من جهة الأمِّ والأب وإن عَلَوْنَ، ويَحرُم عليه بنات امرأته، وهنّ الرّبائب وبناتهنّ وإن سَفَلْنَ، وكذلك بناتُ بني زوجته، وهنّ بنات الرّبائب، ويَحرُم عليه أن يتزوَّج بامرأة أبيه، وإن علا، وبامرأة ابنه وإن سَفَل، ودخولُ هؤلاء في التّحريم بالنَّسَب ظاهر؛ لأنّ تحريمهنّ من جهة نسب الرّجل مع سبب المصاهرة. وأمّا أمّهاتُ نسائه وبناتُهنّ، فتحريمهنّ مع المصاهرة بسبب نسب المرأة، فلم يَخرُج التّحريم بذلك عن أن يكون بالنّسب مع انضمامه إلى سبب المصاهرة، فإنّ التّحريم بالسّبب المجرَّد، والنَّسَبِ المضاف إلى المصاهَرة، يشترك فيه الرّجال والنّساء، فيَحرُم على المرأة أن تتزوَّج أصولَها وإن عَلَوا، وفروعَها وإن سَفَلوا، وفروعَ أصولها الأدنى وإن سَفَلوا من إخوتها، وأولاد الإخوة وإن سفلوا، وفروع أصولها البعيدة وهم الأعمام والأخوال وإن علوا دون أبنائهم، فهذا كلُّه بالنَّسَب المجرَّد، أمّا بالنَّسَب المضاف إلى الْمُصاهرة، فيَحرُم على المرأة نكاح أبي زوجها وإن علا، ونكاح ابنه وإن سَفَل بمجرَّد العقد، ويَحرُم عليها زوج ابنتها وإن سَفَلت بالعقد، وزوجُ أمِّها وإن علت؛ لكن بشرط الدّخول بها [9].
17. التّحريم المؤبَّد على الاجتماع دون الانفراد، وتحريمُه يختصُّ بالرّجال؛ لاستحالة إباحة جمع المرأة بين زوجين، فكلُّ امرأتين بينهما رَحِم محرَّم يَحرُم الجمع بينهما، بحيث لو كانت إحداهما ذَكَرًا لم يَجُز له التّزوُّج بالأخرى، فإنّه يَحرُم الجمع بينهما بعقد النِّكاح. قال الشّعبيُّ: كان أصحاب محمّد يقولون: لا يَجمَع الرّجلُ بين امرأتين لو كانت إحداهما رجلًا لم يَصلُح له أن يتزوَّجها. وهذا إذا كان التّحريم لأجل النَّسَب، وبذلك فسَّره سفيانُ الثَّوْريُّ وأكثر العلماء، فلو كان لغير النَّسَب مثلَ أن يجمع بين زوجة رجل وابنته من غيرها، فإنّه يُباح عند الأكثرين، وكرهه بعض السَّلَف [10].
18. إذا عُلِم ما يَحرُم من النَّسَب، فكلُّ ما يَحرُم منه، فإنّه يَحرُم من الرَّضاع نَظيرُه، فيَحرُم على الرّجل أن يتزوَّج أمّهاتِه من الرَّضاعة وإن عَلَون، وبناتِه من الرّضاعة وإن سَفَلن، وأخواتِه من الرّضاعة، وبناتِ أخواته من الرّضاعة وعمَّاته وخالاته من الرّضاعة، وإن عَلَون دون بناتهنّ [11].
19. إن المرأة إذا أَرضَعت طفلًا الرَّضاعَ الْمُعتبَر في المدَّة المعتبَرة، صارت أمًّا له بنصِّ كتاب اللّه، فتَحرُم عليه هي وأمَّهاتها، وإن عَلَون من نسب أو رَضاع، وتصير بناتها كلُّهنّ أخواتٍ له من الرّضاعة، فيَحرُمن عليه بنصِّ القرآن، وبقيَّة التّحريم من الرّضاعة استُفيد من السّنَّة [12].
20. استُفيد من السُّنَّة أنّ تحريم الجمع لا يختصُّ بالأختين؛ بل المرأةِ وعمَّتها، والمرأة وخالتِها كذلك، وإذا كان أولاد المرضِعة من نسب أو رضاع إخوةً للمرتضِع، فيَحرُم عليه بنات إخوته أيضًا، وقد امتنع النّبيُّ من تزويج ابنة عمِّه حمزةَ، وابنةِ أبي سلمةَ، وعلَّل بأنّ أبوَيهما كانا أخوين له من الرّضاعة [13].
21. يَحرُم على المرتضِع أيضًا أخواتُ المرضِعة؛ لأنّهنّ خالاتُه، وينتشر التّحريم أيضًا إلى الفحل صاحب اللّبن الّذي ارتضع منه الطّفل، فيصير صاحبُ اللّبن أبًا للطّفل، وتصير أولاده كلُّهم من المرضِعة أو من غيرها من نسب أو رضاع إخوةً للمرتضِع، ويصير إخوته أعمامًا للطّفل المرتضِع، وهذا قول جمهور العلماء من السَّلَف، وأجمع عليه الأئمّة الأربعة ومن بعدَهم [14].
22. سُئل ابن عبَّاس عن رجل له جاريتان، أرضعت إحداهما جاريةً والأخرى غلامًا، أيَحِلُّ للغلام أن يتزوَّج الجارية؟ فقال: لا، اللِّقاح واحد [15].
23. مشروعية الاستئذان، ولو في حقِّ الْمَحرَم؛ لجواز أن تكون المرأة على حال لا يحلُّ للْمَحرَم أن يراها عليه.
24. لا يجوز للمرأة أن تَأذَن للرجل الذي ليس بمَحرَم لها في الدخول عليها، ويجب عليها الاحتجاب منه.
المراجع
1. "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لبدر الدين العينيِّ (20/ 92).
2. "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لبدر الدين العينيِّ (20/ 92).
3. رواه مسلم (1452).
4. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (7/ 193).
5. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (7/ 194).
6. "الاستذكار" لابن عبد البرِّ (6/ 241).
7. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 438، 439).
8. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 438، 439).
9. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 439، 440).
10. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 440).
11. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 440).
12. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 440).
13. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 440، 441).
14. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 441).
15. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 440، 441).
19. من المشتبِهات: ما يَعلَم الإنسانُ أنه حرامٌ، ثم يشُكُّ فيه، هل زال تحريمُه أو لا؟ كالذي يَحرُم على المرء أكلُه قبل الذَّكاة (الذبح الشرعيِّ) إذا شكَّ في ذَكاته، لم يزُلْ التحريمُ إلا بيقين الذَّكاة.
20. من المشتبِهات: أن يكون الشيءُ حلالًا، فيَشُكَّ في تحريمه؛ كرجل له زوجةٌ، فشَكَّ في طلاقها. وما كان من هذا القسم فهو على الإباحة حتى يَعلَم تحريمه.
21. من المشتبِهات: أن يَشُكَّ في شيء، فلا يَدْري أحلالٌ أم حرام؟ ويَحتمِل الأمرين جميعًا، ولا دلالةَ على أحدهما، فالأحسنُ التنزُّهُ؛ كما فعل النبيُّ ﷺ في التَّمْرةِ الساقطة حين وجدَها في بيته، فقال: «لولا أني أخاف أن تكون من الصَّدَقَة لأكلتُها»[1].
22. إذا تَردَّد الشّيء بين الحِلِّ والحُرمة ولم يكن فيه نصٌّ ولا إجماع، اجتهد فيه المجتهد، فألحقه بأحدهما بالدّليل الشرعيِّ، فإذا ألحقه به صار حلالاً، وقد يكون دليله غيرَ خالٍ عن الاحتمال البيِّن، فيكون الوَرَعُ تركَه، ويكون داخلًا في قوله ﷺ: «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ»[2].
23. ما لم يَظهَر للمجتهد في المشتبِه شيءٌ، فهل يؤخَذ بحِلِّه أم بحُرمته أم يُتوقَّف فيه؟ فيه أربعة مذاهبَ، الأصحُّ أنّه لا يُحكَم بحِلٍّ ولا حُرْمةٍ ولا إباحة ولا غيرها؛ لأنّ التّكليف عند أهل الحقِّ لا يَثبُت إلّا بالشّرع، والثّاني: أنّ حكمها التّحريم، والثّالث: الإباحة، والرّابع: التّوقُّف[3].
24. في الحديث دليل على سدِّ الذرائع والوسائل إلى المحرَّمات، ودليلٌ على صحة القياس وتمثيل الأحكام وتشبيهها[4].
المراجع
- ( ) رواه البخاريُّ (2431)، ومسلم (1071). وانظر: "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (46).
- "شرح النَّوويِّ على مسلم" (11/ 27، 28).
- "شرح النَّوويِّ على مسلم" (11/ 27، 28).
- "فتح الباري" لابن رجب (1/ 228).
18. نقل ابن المنذر وابن قدامة والنوويُّ وغيرهم الإجماع على تحريم الطلاق حال الحيض [1].
19. الطلاق في الحيض مختلف في وقوعه؛ بسبب الخلاف في قوله ﷺ: «فَلْيُرَاجِعْهَا»: هل الْمُراد بالمراجعة هنا المراجعة اللغوية، أو المراجعة الشرعية؟ على قولين للعلماء، فذهب جمهور أهل العلم، ومنهم الأئمة الأربعة وغيرهم إلى أن المراد بالمراجعة هنا المراجعة الشرعية، وهي لا تكون إلا بعد ثبوت الطلاق؛ لأن المراجعة الشرعية إعادة مطلَّقة على ما كانت عليه قبل الطلاق، فقالوا بوقوع الطلاق في الحيض، ومن العلماء – كابن تيمية وابن القيم وأحمد شاكر وغيرهم - من قال: هي المراجعة اللُّغوية، التي معناها إرجاع المرأة إلى ما كانت عليه، أو ردُّها إلى بيتها، أو ما أشبه ذلك، فقالوا: لا يقع الطلاق في الحيض.
20. الأمر برجعتها يقتضي الوجوب، وحمله بعضهم على الاستحباب.
21. قوله: (قبل أن يمسَّها) دليل على أنه لا يجوز الطلاق في طُهْر جامعَ فيه.
22. الطّلاق قد يكون حرامًا، أو مكروهًا، أو واجبًا، أو مندوبًا، أو جائزًا، أمّا الأوّل، ففيما إذا كان بِدْعيًّا بأن يطلق في الحيض أو في طهر جامع فيه.
23. الطلاق المكروه: فيما إذا وقع بغير سبب مع استقامة الحال.
24. الطلاق الواجب: في صور؛ منها: الشِّقاق إذا رأى ذلك الحَكَمان.
25. الطلاق المستحبُّ: فيما إذا كانت غيرَ عفيفة.
26. الطلاق الجائز: إذا كان لا يُريدها، ولا تطيب نفسه أن يتحمَّل مُؤْنتها من غير حصول غرض الاستمتاع [2].
27. اتَّفقوا على أنّه لو طلَّق قبل الدُّخول وهي حائض، لم يؤمَر بالمراجعة، وعلى أنه إذا انقضت العِدَّة أنّه لا رجعة [3].
28. اختلفوا فيما إذا طلَّقها في طُهْر قد مسَّها فيه، أيؤمَر بالمراجعة أم لا؟ [4].
29. ليس في الحمل طلاقٌ بِدْعِيٌّ؛ فللرجل أن يطلِّق زوجته الحامل متى شاء دون أن ينتظر وضعَها.
30. إذا وقع الطلاق بطلقةٍ واحدة - كما هو المشروع - فإنَّ الزوجة تعتدُّ حسَب حالها، وللزوج مُراجعتها ما دامت في عِدَّتها، والرَّجعة تحصل بالقول وبالفعل، فيبقى مع الزوج وقتٌ آخَر للتروِّي والنظَر، والرجوع عن قرار الطلاق؛ فلعلَّه يُراجع نفسه، ويتذكَّر عِشرته مع زوجِه التي طلَّقها، أو أنْ يفكِّر في مُعاناة أولاده وصِغاره بعد هذا الطلاق، فيرجع عنه.
31. تعتدُّ المطلقة في بيت زوجها، ولا يجوزُ إخراجُها منه؛
قال تعالى:
{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ}
[الطلاق: 1]؛
أي: في مدَّة العدة لها حقُّ السكنى على الزوج ما دامت معتدَّةً منه، فليس للرجل أنْ يُخرجها، ولا يجوزُ لها أيضًا الخروجُ [5].
32. اختلفوا في أمره ﷺ بالمراجعة، هل الأمر للوجوب، فتجب الرّجعة أم لا؟ قيل: إذا امتنع الرّجل منها، أدَّبه الحاكم، فإن أصرَّ على الامتناع، ارتجع الحاكم عنه، وذهب الجمهور إلى أنّها مستحبَّة فقط [6].
33. من الطلاق البِدْعيِّ أن يطلِّقها ثلاثًا بكلمة واحدة، أو ثلاثًا في طُهْر واحد، فإذا فعل ذلك، وقع الطّلاق، وكان عاصيًا [7].
34. قوله ﷺ: «فَلْيُرَاجِعْهَا» دليل "على أن الرَّجْعَةَ لا تفتقر إلى رضا المرأة، ولا وَلِيِّها، ولا تجديد عَقْدٍ" [8]، وأنَّ الزَّوج يستقلُّ بالرّجعة دون الوليِّ.
35. يُستثنى من تحريم طلاق الحائض صور؛ منها: ما لو كانت حاملًا ورأت الدَّمَ، مع القول بأن الحامل تحيض – وفي المسألة خلاف - فلا يكون طلاقها بِدعيًّا، ولا سيَّما إن وقع بقُرب الولادة، ومنها إذا طلَّق الحاكم على الْمُولِي، واتَّفَق وقوع ذلك في الحيض، وكذا في صورة الحَكَمَين إذا تعيَّن ذلك طريقًا لرفع الشِّقاق، وكذلك الخُلع [9].
36.أجمعوا أنه من طلَّق امرأته طاهرًا في طُهر لم يمسَّها فيه أنه مُطلِّق للسُّنَّة، والعِدَّة التي أمر الله تعالى بها، وأن له الرجعةَ إذا كانت مدخولاً بها قبل أن تنقضيَ العِدَّة، فإذا انقضت، فهو خاطب من الخطَّاب [10].
المراجع
1. "الإجماع" لابن المنذر (ص 79)، "شرح النوويِّ على مسلم" (9/ 315)، "المغني" لابن قدامة (10/ 234).
2. "فتح الباري" لابن حجر (9/ 346).
3. "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (6/ 264).
4. "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (6/ 264).
5. "تفسير ابن كثير" (8/ 143).
6. "سبل السلام" للصنعانيِّ (2/ 249).
7. "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لبدر الدين العيني (19/ 244).
8. "شرح النووي على مسلم" (10/ 62).
9. "فتح الباري" لابن حجر (9/ 346، 347).
10. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطال (7/ 377، 378).
3. في الحديث نهيُ المرأة أن تُحِدَّ على ميِّت - أيًّا كانت صلةُ قرابتها به - فوق ثلاث ليالٍ؛ لأن الثلاث كافيةٌ للقيام بحقِّ القريب، والتفريج عن النفس الحزينة، واستثنى من هذا زوجَها؛ قيامًا بحقِّه الكبير عليها.
4. الإحداد: هو أن تترك المرأة الزينةَ والطِّيب، وفي هذا حرص من الشارع الحكيم على أن يمنع زيادة مدَّة الإحداد، فلا يَحِلُّ لامرأة تؤمن بالله وبقضائه وقَدَره، وتؤمن باليوم الآخر، أن تَزيد في الإحداد عمَّا هو مقدَّر، على ميِّت غيرِ زوج ثلاثةَ أيام بلياليها، وعلى الزوج أربعةَ أشهر وعشْرًا.
5. في الحديث جواز الإحداد على غير الزوج من أب أو أمٍّ، أو أخ أو أخت، أو قريب أو حبيب، ثلاث ليالٍ فما دونَها، وتحريمه فيما زاد عليها، وكأن هذا القَدْرَ أُبيح لأجل حظ النفس، وغلبة الطباع البشرية، وتُمنع الزيادة، وإن بقيت آثار الحزن عندها.
6. حدِّدت عدَّة المتوفَّى عنها زوجها بالشهور والأيام، لا بالأقراء كالطلاق؛ من أجل الاحتياط للميِّت.
7. لَمَّا كانت الصغيرةُ من الزوجات نادرةً، أُلحقت بالغالب في حكم وجوب العِدَّة والإحداد [1]. وقال أبو حنيفة: لا إحداد على الصغيرة، ولا على الأمَة، وجوابُه أن الصغيرة إنما دَخَلت في الحكم؛ لكونها نادرةً، فسلكت في الحكم على سبيل الغلبة [2].
8. في الحديث دليلٌ علي وجوب الإحداد على المعْتَدَّة من وفاة زوجها، وهو مُجمَع عليه في الجُملة، وإن اختلفوا في تفصيله، فذهب الشافعيُّ والجمهور إلى التسوية بين المدخول بها وغيرها، سواءٌ كانت صغيرةً أو كبيرة، بكرًا أو ثيِّبًا، حرَّةً أو أمَةً، مُسلِمة أو كافرة [3].
9. قال أبو حنيفة والكوفيُّون وبعض المالكية: لا يَجِب الإحداد على الكتابية؛ بل يختصُّ بالمسلمة؛
لقوله ﷺ:
«لا يَحِلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحِدَّ على ميِّت فوق ثلاث»
[4]،
وتأويلُ الجمهور بأن الاختصاص إنما هو لأن المؤمن هو الذي يستمِرُّ خطاب الشارع عليه، ويَنتفِع به، وينقاد له [5].
10. التقيُّد بقوله: «أربعة أشهر وعشرًا» خرج علي غالب المعْتَدَّات اللاتي يَعْتَدِدْنَ بالأشهر، أما إذا كانت حاملاً، فعِدَّتُها بالحَمْلِ، ويَلزَمها الإحداد حتى تضع، سواءٌ قَصُرت المدَّة أو طالت [6].
11. في الحديث دليلٌ على تحريم الاكتحال على الحادَّة، سواءٌ احتاجت إليه أم لا.
12. جاء في الحديث الآخَر في الموطَّأ وغيره في حديث أم سلمة: «اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار» [7]، ووجهُ الجمع بين الأحاديث: أن حديث الإذن فيه لبيان أنه بالليل للحاجة غيرُ حرام، وحديث النهيِ محمولٌ على عدم الحاجة، فإنها إذا لم تَحْتَجْ إليه لا يَحِلُّ لها، وإن احتاجت لم يَجُزْ بالنَّهار ويجوز باللَّيل، مع أن الأَوْلى تَرْكُه، فإن فعلتْه، مَسَحَتْه بالنَّهار. وعليه؛ اختلف العلماء في اكتحال الْمُحِدَّة، فقال بعض العُلَماء: يجوز إذا خافت على عينها بكُحل لا طِيب فيه، وجوَّزه بعضهم عند الحاجة وإن كان فيه طِيبٌ، ومذهبُ الشافعية جوازُه ليلاً عند الحاجة بما لا طِيبَ فيه [8].
13. في الحديث دلالة على جواز استعمال ما فيه منفعة للمرأة الْمُحِدَّة، من جنس ما مُنِعت منه، إذا لم يكن للتزيُّن، أو التطيُّب، كالتدهُّن بالزيت في شعر الرأس، أو غيره.
14. في قوله: «ولا تمسُّ طِيبًا إلا إذا طهرت نُبذةً من قُسط أو أظفار» ترخيص لها في هذا عند الاغتسال من الحَيض لقَطْعِ الروائح الكريهة، والتنظُّف، لا على معنى التطيُّب والتزيُّن، وظاهرُه: أنها تتبخَّر بذلك [9].
15. في الحديث النهي عن لُبْس جميع الثياب المصبوغة للزينة إلا ثوبَ العَصْب.
16. أجمع العلماء على أنه لا يجوز للحادَّة لُبْسُ الثياب المعصْفَرة والمصبَغة، إلا ما صُبغ بسَوَاد، فرخَّص بعض العلماء – كمالك والشافعيِّ - بالمصبوغ بالسواد، وكَرِهه بعضهم كالزُّهْريِّ، والأصحُّ عند الشافعية تحريمُه مطلَقًا، وهذا الحديثُ حُجَّةٌ لمن أجازه [10]. وكَرِه عروة والشافعيُّ العَصْبَ وهي بُرود اليمن، يُعصَب غزلها ثم يُصبَغ معصوبًا، ثم يُنسَج فيتوشَّى. وأجاز ذلك الزهريُّ لها، وأجاز مالك غليظه [11].
17. قوله: «ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب» إشارةٌ إلى خَشِن الثياب، وما لا كثير زينة فيه من المصبوغ [12].
18. قال ابن المنذر: ورخَّص كلُّ مَن يُحفَظ عنه العلم في البياض [13].
19. ذهب الشافعيُّ إلى أن كلَّ صِبغ زينةٌ فلا تَلبَسه الحادَّة، غليظًا كان أو رقيقًا [14].
المراجع
1. "شرح النوويِّ على مسلم" (10/ 113)
2. "الكاشف عن حقائق السنن" للطيبيِّ (7/ 2371).
3. "الكاشف عن حقائق السنن" للطيبيِّ (7/ 2371).
4. رواه البخاريُّ (1280)، ومسلم (1486).
5. "الكاشف عن حقائق السنن" للطيبيِّ (7/ 2371).
6. "الكاشف عن حقائق السنن" للطيبيِّ (7/ 2371).
7. "الموطَّأ" (1757).
شرح النوويِّ على مسلم" (10/ 118).
8. "شرح النوويِّ على مسلم" (10/ 114).
9. "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبيِّ (4/ 289) بتصرُّف.
10. "شرح النوويِّ على مسلم" (10/ 118).
11. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (5/ 74).
12. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (5/ 74).
13. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (5/ 74).
14. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (5/ 74).
5. في الحديث يَأمُر النبيُّ القائمين على توزيع الميراث أن يبدؤوا بأصحاب الفروض التي ذكرها ربُّ العزَّة عزَّ وجلَّ في كتابه، وما بَقِيَ يكون من حقِّ أقربِ الرجال إلى الميِّت، وهو العَصَبة.
6. الْعَصَبَة: كلُّ ذَكَر بينه وبين الميِّت نَسَبٌ، يحوزُ المال إذا انفرد، ويَرِث ما فَضَل إن لم ينفرِد؛ كالأخ والعمِّ؛ فإن كلَّ واحدٍ منهما يحوز المال إذا انفرد، وإن كان مع ذَوي سِهامٍ، أخذ ما فَضَل [1]. فمتى انفَرد العَصَبَةُ أَخَذَ جميعَ المال، ومتى كان العصبة مع أصحاب فروض استغرقت التركة، فلا شيء له، وإن لم يستغرقوا كان له الباقي بعد فروضهم.
7. أسباب الإرث ثلاثة، هي: القَرابة، والنِّكاح، والولاء.
8. الولاءُ: هو صِلةٌ تربطُ الشخصَ بغيرِهِ فتجعله في بعض الأحكام كأقاربه وهو ليس من أقاربه، والمقصود به في المواريث أن من أعتق عبدًا، فإنه يَثْبُتُ له الولاءُ، فيرث الْمُعتِقُ الْمُعتَقَ، إذا لم يكنْ للعبدِ المعتَقِ أقاربُ من جهة النسب.
9. الفرائض: جمع فريضة، وأصلُ الفرض: القَطْع، ويَعني بها: الفرائضَ الواقعة في كتاب الله تعالى، وهي ستَّة: النِّصف، والرُّبع، والثُّمن، والثُّلثان، والثُّلث، والسُّدس.
10. الوارثون بالفرض أو التعصيب من الذكور عشَرةٌ، هم: الابنُ، وابنُ الابن وإن سَفَل بمَحْضِ الذُّكورة، والأبُ، والجَدُّ أبو الأب وإن علا بمحض الذكورة، والأخ مُطلَقًا (الشقيق أو لأب أو لأم)، وابن الأخ الشقيق أو لأب وإن سَفَل بمحض الذكورة، والعمُّ الشقيق أو لأب وإن علا (كعمِّ الأب، أو عمِّ الجَدِّ)، وابنُ العمِّ الشقيق أو لأب وإن سَفَل بمحض الذكورة، والزوج، والْمُعتِق ذو الوَلاء.
11. الوارثات بالفرض أو التعصيب من النساء سبعٌ، وهنَّ : البنتُ، وبنتُ الابن وإن سَفَل الابنُ بمحض الذكورة (مثل : بنت ابن الابن، وبنت ابن ابن الابن مهما نزل الابن)، والأمُّ، والجَدَّة لأمٍّ وإن علت (أي: أمُّ الأمِّ، وأمُّ أمِّ الأمِّ، وأمُّ أمِّ أمِّ الأمِّ مهما علت الأمُّ) أو الجَدَّة لأب (أي: أم الأب، وأم أب الأب، وأم أب أب الأب مهما علا الأب)، وإن عَلَت ما لم تُدْلِ إلى الميتِ بجدٍّ فاسدٍ (كأم أبي الأم؛ فالجَدُّ الفاسد هو أبو الأمِّ؛ فهو من ذَوي الأرحام ليس له فرضٌ)، والأخُت مطلَقًا (الشقيقة أو لأب أو لأمٍّ)، والزوجة، والمعْتِقَة.
12. النصف فرضُ خمسةٍ: ابنةُ الصُّلب، وابنةُ الابنِ، والأختُ الشَّقيقةُ، والأختُ للأبِ، والزَّوْجُ، وكلُّ ذلك إذا انفردوا عمَّن يَحجُبُهم عنه.
13. الرُّبع: فرضُ الزَّوج مع الحاجب، وفرضُ الزوجة، أو الزوجات مع عَدَم الحاجب.
14. الثُّمن: فرضُ الزوجة، أو الزوجات مع الحاجب.
15. الثُّلثان فرضُ أربعة: الاثنتان فصاعدًا من بنات الصُّلب، أو بناتُ الابن، أو الأخواتُ الأشقَّاءِ، أو الأخواتُ لأب. وكلُّ هؤلاء إذا انفردْنَ عمَّن يَحجُبهنَّ عنه.
16. الثُّلث فرض صِنفين: الأول: الأُمُّ مع عدم الولدِ، ووَلَدِ الابن، وعَدَمِ الاثنين فصاعدًا من الإخوة والأخوات، والثاني: فرضُ الاثنين فصاعدًا من وَلَدِ الأُمِّ، وهذا هو ثُلث كلِّ المال، فأمَّا ثُلث ما يبقى، فذلك للأُمِّ في مسألة: زوجٌ أو زوجةٌ وأبَوَانِ، فللأمِّ فيها ثلثُ ما يَبقى، وفي مسائل الجَدِّ مع الإخوة إذا كان معهم ذو سَهْمٍ، وكان ثُلث ما يبقى أحظى له.
17. السُّدس فرضُ سبعة: فرض كلِّ واحد من الأبوينِ والجَدِّ مع الولد وولدِ الابن، وفرضُ الجَدَّة والجَدَّات إذا اجتمعْنَ، وفرضُ بنات الابن مع بِنْتِ الصُّلب، وفرضُ الأخوات للأب مع الأخت الشقيقة، وفرضُ الواحد من وَلَدِ الأمِّ، ذكرًا كان أو أنثى.
18. الفروض الستة كلُّها مأخوذةٌ من كتاب الله تعالى، إلا فرضَ الجَدَّات؛ فإنَّه مأخوذ من السُّنَّة [2].
19. قوله: «رَجُل ذَكَر»: وَصَفَ الرجلَ بأنه ذَكَر؛ تنبيهًا على سبب استحقاقه، وهو الذُّكورة التي هي سببُ العُصوبة، وسبب الترجيح في الإرث؛ ولهذا جَعَل للذَّكَر مثلَ حظِّ الأُنْثَيين [3].
20. حِكْمَة جَعْلِ للذَّكَر مثلَ حظِّ الأُنْثَيين: أن الرجال تَلْحَقُهم مُؤَنٌ كثيرةٌ، بالقيام بالعِيال، والضِّيفَان، والقاصدين، ومواساة السائلين، وتحمُّل الغرامات، وغيرِ ذلك [4].
21. هذا الحديثُ في توريث العَصَبات، وقد أجمع المسلمون على أن ما بَقِيَ بعد الفروض فهو للعَصَبات، يقدَّم الأقربُ فالأقربُ، فلا يَرِثُ عاصب بَعِيدٌ مع وجود قريب [5].
22. إذا تَرَكَ الميِّت بنتًا وأخًا وعمًّا، فللبنت النصفُ فرضًا، والباقي للأخ، ولا شيء للعمِّ [6].
23. كرَّر البيان في نَعْتِ الرجل بالذُّكورة؛ ليُعلَم أنَّ العَصَبة إذا كان عَمًّا أو ابنَ عمٍّ أو مَن كان في مَعناهُما، فكان معه أختٌ له، أنَّ الأخت لا تَرثُ شيئًا، ولا يكون باقي المال بينهما للذَّكر مِثلُ حَظِّ الأُنْثيَيْنِ، كما يكون ذَلِك فِيمَن يرِث بالولادة كالأبناء [7].
24. العَصَبة ثلاثة أقسام: عَصَبة بنفسه، وعصبة بغيره، وعصبة مع غيره. وإذا أُطلِق العَصَبة، فالمراد به العَصَبة بنفسه.
25. العصبة بنفسه هو كلُّ ذكر يُدلي بنفسه بالقرابة ليس بينه وبين الميِّت أنثى؛ كالابن وابنه، والأخ وابنه، والعمِّ وابنه، وعمِّ الأب والَجدِّ وابنهما، ونحوهم، وقد يكون الأبُ والجَدُّ عَصَبةً، وقد يكون لهما فرض، فمتى كان للميّت ابن أو ابن ابن، لم يرث الأبُ إلّا السُّدس فرضًا، ومتى لم يكن ولد ولا ولد ابن، وَرِث بالتَّعصيب فقط، ومتى كانت بنت أو بنت ابن أو بنتان أو بنتا ابن، أخذ البنات فرضهنَّ، وللأب من الباقي السُّدس فرضًا، والباقي بالتّعصيب [8].
26. العَصَبة بغيره، وهو البناتُ بالبَنِين، وبناتُ الابنِ ببَني الابن، والأخواتُ بالإخوة [9].
27. العَصَبة مع غيره، وهو الأخواتُ للأبوينِ أو للأب مع البنات وبناتِ الابن، فإذا تَرَك الميِّت بنتًا وأختًا لأبوين أو لأب، فللبنت النّصفُ فرضًا، والباقي للأخت بالتّعصيب، وإن خلَّف بنتًا وبنتَ ابن وأختًا لأبوين أو أختًا لأب، فللبنت النّصفُ، ولبنت الابن السُّدس، والباقي للأخت، وإن خلَّف بنتين وبنتَيِ ابن وأختًا لأبوين أو لأب، فللبنتين الثُّلثان، والباقي للأخت، ولا شيء لبنتَيِ الابن؛ لأنّه لم يبقَ شيء من فرض جنس البنات، وهو الثّلثان [10].
28. أقربُ العَصَبات البَنُون، ثم بنوهم، ثمّ الأبُ، ثمّ الجَدُّ، إن لم يكن أخ، والأخ إن لم يكن جَدٌّ، فإن كان جَدٌّ وأخ، ففيها خلاف مشهور، ثمّ بنو الإخوة، ثمّ بنوهم وإن سَفَلوا، ثمّ أعمام الأب ثمّ بنوهم وإن سفلوا، ثمّ أعمام الجَدِّ ثمّ بنوهم، ثمّ أعمام جَدِّ الأب ثمّ بنوهم، وهكذا [11].
29. من أدلى بأبوين من العَصَبة يُقدَّم على من يُدلي بأب، فيُقدَّم أخ من أبوين على أخ من أب، ويُقدَّم عمٌّ لأبوين على عمٍّ بأب، وكذا الباقي، ويُقدَّم الأخ من الأب على ابن الأخ من الأبوين؛ لأنّ جهة الأخوَّة أقوى وأقرب، ويُقدَّم ابن أخ لأب على عمٍّ لأبوين، ويُقدَّم عمٌّ لأب على ابن عمٍّ لأبوين، وكذا الباقي [12].
30. قسمة الترَّكِة لا تتمُّ إلا بعد إخراج الديون التي للناس على الميِّت، وإنفاذِ وصيَّته فيما لا يتجاوز ثُلث التركة.
المراجع
1. "المعلم بفوائد مسلم" للمازِريِّ (2/ 335).
2. "المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم" للقرطبيِّ (4/ 564).
3. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 53)
4. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 53)
5. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 53)
6. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 53).
7. "أعلام الحديث شرح صحيح البخاريِّ" للخطَّابيِّ (4/ 2289)
8. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 54).
9. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 54).
10. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 54).
11. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 54).
12. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 54).
12. فِيهِ دلَالَة على حجِّية الْإِجْمَاع؛ لِأَن مفهومه أَن الْحقَّ لَا يعدو الْأمَّة، وَحَدِيث: «لَا تَجْتَمِع أمتِي على الضَّلَالَة» ضَعِيف[1]
13. استَدلَّ به البعض على امتناع خلوِّ الْعَصْر عن الْمُجتهِد[2]
المراجع
- "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" للعينيِّ (2/ 52).
- "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" للعينيِّ (2/ 52).
12. الصدقةُ تُطلَق على جميع أنواع فعل المعروف والإحسان؛ قال النبيُّ ﷺ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» [1].
13. الصَّدَقَةُ بغير المال نوعان؛ أحدهما: ما فيه تَعْدِيةُ الإحسان إلى الخَلْق، فيكون صدقةً عليهم، وربّما كان أفضلَ من الصَّدقة بالمال، وهذا كالأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، فإنّه دعاءٌ إلى طاعة اللّه، وكفٌّ عن معاصيه، وذلك خيرٌ من النّفع بالمال، وكذلك تعليمُ العلم النّافع، وإقراءُ القرآن، وإزالةُ الأذى عن الطَّريق، والسَّعي في جلب النَّفع للنَّاس، ودفعُ الأذى عنهم، وكذلك الدَّعاءُ للمسلمين والاستغفار لهم. النَّوْعُ الثّاني من الصّدقة التي ليست ماليَّةً: ما نَفْعُه قاصرٌ على فاعله؛ كأنواع الذِّكر: من التّكبير، والتّسبيح، والتّحميد، والتّهليل، والاستغفار، وكذلك المشيُ إلى المساجد صَدَقةٌ [2].
14. "الثَّوابُ في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر أكثرُ منه في التّسبيح والتّحميد والتّهليل؛ لأنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فرضُ كِفَايةٍ، وقد يتعيَّن، ولا يُتصوَّر وقوعُه نفلًا، والتّسبيحُ والتّحميد والتّهليل نوافلُ، ومعلومٌ أنّ أجرَ الفرض أكثرُ من أجر النَّفل؛ لقوله عزَّ وجلَّ: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ» [3]" [4].
15. قوله: «وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ»: فيه دليلٌ على أنَّ المباحاتِ تَصِير طاعاتٍ بالنِّيَّات الصَّادقات؛ فالجماعُ يكون عبادةً إذا نوى به قضاء حقِّ الزَّوجة ومُعاشَرتها بالمعروف الذي أَمَر اللّه تعالى به، أو طَلَبَ ولدٍ صالح، أو إعفافَ نفسِه، أو إعفاف الزَّوجة، ومَنْعَهما جميعًا من النّظر إلى حرام، أو الفِكْرِ فيه، أو الهمِّ به، أو غيرِ ذلك من المقاصد الصَّالحة [5].
16. قَوْلُهُ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَام،ٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ»: فيه جَوَازُ الْقِيَاس، وهو مَذْهَبُ العلماء كَافَّةً، وَلَمْ يُخَالِفْ فيه إِلَّا أَهْلُ الظَّاهر [6].
17. المنقولُ عن التابعين ونَحْوِهم من ذَمِّ القياس، ليس الْمُرادُ به القياسَ الذي يَعتمِده الفُقهاءُ المجتهدون [7].
18. القياسُ المذكور في هذا الحديث هو من قياس العَكس، واختلف الأصولِيُّون في العمل به، وهذا الحديثُ دليلٌ لِمَن عَمِلَ به، وهو الأَصَحُّ [8].
19. في الحديث تنبيهٌ على ما يسمِّيه الفقهاءُ "قياس العكس"، وهو إثباتُ نَقْصِ حُكم الأصل في ضِدِّ الأصل؛ لمفارقة العِلَّة؛ فهنا العِلَّة في كَون الإنسان يؤجَر إذا أتى أهله، هو أنه وَضَع شهوتَه في حلال، نَقِيضُ هذه العلَّة: إذا وَضَعَ شهوته في حرام، فإنه يُعاقَب على ذلك، وهذا هو ما يسمَّى عند العلماء بقياس العكس [9].
20. القياس أنواعٌ، منه: قياسُ عِلَّة، وقياس دلالة، وقياس شَبَه، وقِياس عَكْسٍ [10].
المراجع
1. رواه البخاريُّ (6021)، ومسلم (1005).
2. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 59).
3. رواه البخاريُّ (6502).
4. "شرح النوويِّ على مسلم" (7/ 92).
5. "شرح النوويِّ على مسلم" (7/ 92).
6. "شرح النوويِّ على مسلم" (7/ 92).
7. "شرح النوويِّ على مسلم" (7/ 92).
8. "شرح النوويِّ على مسلم" (7/ 92).
9. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (2/ 165).
10. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (2/ 165).
14. الخمرُ ما خامَر العقلَ وغطَّاه، فكلُّ ما كان كذلك داخلٌ تحت قوله ﷺ: «كلُّ مسكر حرام»، وكلُّ شيء أسكر كثيرُه فقليلُه حرام.
15. «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» هذا الجواب من جوامع كلم النبيِّ ﷺ، يَدخُل فيه المسؤول عنه وغير المسؤول عنه، ما كان معروفًا، وما ليس بمعروف، وهو دليل على أنّ علَّة التّحريم الإسكار، فاقتضى ذلك أنّ كلَّ شراب وُجِد فيه الإسكار حَرُم تناوُلُ قليلِه وكثيره، سواءٌ كان من الشَّعير، أو من العسل، أو من العنب، أو من التَّمْر، أو من أيِّ شيء، وسواءٌ كان جامدًا أو سائلًا أو مسحوقًا أو غير مسحوق، كلُّ ذلك حرام؛ لأن الأمر علِّق بالإسكار.
16. في الحديث دليل على أنَّ ما أسكر من الأشربة حرام، وما لم يُسكِر فإنَّه حلال.
17. إنما حرِّم القليل الذي لا يُسكِر؛ لأنه ذريعةٌ إلى الْمُسكِر، وهذا من باب سدِّ الذرائع، ومَنْعِ الأشياء التي تُوصِل إلى الغايات، فالقليلُ وإن كان لا يُسكِر، فإنه حرام، وسواء كان ذلك من العنب أو غيرها [1].
18. في الحديث تحريمُ قليل المسكر وكثيره، وأن ما أسكر كثيره فقليلُه حرام، ويشهد له الحديث قال ﷺ: «ما أسكر كثيرُه فقليلُه حرام» [2]، وهذا لفظ عامٌّ يَشمَل كلَّ مسكِر.
19. في الحديث تحريم البِتْع والْمِزر إذا كانا يُسكران.
20. الحديث ردٌّ على من زعم أن اسم الخمر مختصٌّ بالْمُسكِر من عصير العِنَب؛ فتحريمُ الخَمر لا يختصُّ بعصير العِنَب، وكلُّ مسكِر خَمْرٌ، وكلُّ خمر حرام؛
فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
«كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ»
[3].
21. في الحديث أن مَناط التحريم هو الإسكار، وهو علَّة مطَّرِدة، يَثبُت بها التحريم في كلِّ مسكِر، فاقتضى ذلك تحريمَ ما يُسكِر، ولو لم يكن شرابًا؛ كالحشيش والمخدِّرات ونحوها.
22. حرَّم الله بيع الخمر وشُربها؛
قال تعالى:
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلْأَنصَابُ وَٱلْأَزْلَٰمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَٰنِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
[المائدة: 90]
23. لعن النبيُّ ﷺ في الخَمْرِ عشَرةً؛
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ:
«لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الخَمْرِ عَشَرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالْمُشْتَرِيَ لَهَا، وَالْمُشْتَرَاةَ لَهُ»
[4].
المراجع
1. "فتح القوي المتين" للعباد (ص 147).
2. أخرجه أحمد (5648)، وأبو داود (3681)، والترمذيُّ (1865)، وابن ماجه (3393)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الجامع".(5530).
3. رواه مسلم (2003).
4. رواه الترمذيُّ (1295)، وابن ماجه (3381)، وقال الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2357): حسن صحيح.
14. الأكل يتناول الأحكام الفقهية الخمسة كالتالي: واجب: وهو ما تُحفَظ به الحياة ويؤدِّي تركه إلى ضرر. مستحبٌّ: وهو ما يُستعان به على طاعة الله وعبادته. جائز: وهو ما زاد على القدر الواجب ولا يُخشى منه ضرر. مكروه: وهو ما يُخشى ضرره. محرَّم: وهو ما يُتيقَّن ضررُه.
15. امتلاء البطن من الطعام مُضِرٌّ للقلب والبَدَن، هذا إذا كان دائمًا أو أكثريًّا، وأما إذا كان في الأحيان، فلا بأس به، فقد شَرِب أبو هريرة رضي الله عنه بحضرة النبيِّ ﷺ من اللبن حتى قال: «والذي بَعَثك بالحقِّ لا أجد له مَسلكًا» [1]، وأَكَل الصحابة بحضرته مِرارًا حتى شَبِعوا [2].
المراجع
1. رواه البخاريُّ (6452).
2. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (4/ 17).
22. إن الدعوة إلى الله تعالى تكليف لكلِّ المسلمين، كلٌّ حسب طاقته ومَقدِرته؛ فقد أمرهم الله أن يَدْعوا إليه، ويكفي الداعيةَ شرفًا وجزاءً وكرمًا من الله أن يكون من المفلِحين
قال تعالى:
{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
[آل عمران: 104]
"والمقصودُ من هذه الآية أن تكون فِرْقةٌ من الأمَّة مُتَصدِّيَةً لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبًا على كُلِّ فرد من الأُمَّة بحَسَبِه"[1].
23. الأمر بالتحدُّث عن بني إسرائيل في الحديث للإباحة؛ إذ لا وجوب ولا نَدْبَ فيه بالإجماع[2].
24. الكَذِب على العالِم ليس كالكذب على عامَّة الناس؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء يبلِّغون شريعة الله إرثًا لرسول الله ﷺ، فإذا كذبتَ عليهم؛ فقلت: قال العالم فلان كذا وكذا، وأنت تكذب، فهذا إثمُه عظيم؛ حيث إن بعضَ الناس إذا أراد أن يَكُفُّ الناسَ عن شيء، قال: قال العالم فلان: هذا حرامٌ. وهو يَكذِب؛ لأنه يعلم أن الناس، إذا نُسِب العلم إلى العالم فلان، قَبِلوه، فيَكذِب، وهذا أشدُّ من الكذب على عامَّة الناس[3].
25. «وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ»: قيل: المرادُ رفعُ الحرج عن حاكي ذلك؛ لِما في أخبارهم من الألفاظ الشَّنيعة؛ نحوُ قولِهم:
{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}
[المائدة: 24]
وقولهم:
{اجْعَلْ لَنَا إِلَٰهًا}
[الأعراف: ١٣٨]
وقيل: المعنى: حدِّثوا عنهم بمثل ما وَرَد في القرآن والحديث الصَّحيح، وقيل: المراد جواز التّحدُّثِ عنهم بأيِّ صورة وَقَعت من انقطاع أو بلاغ؛ لتعذُّر الاتِّصال في التّحدُّث عنهم، بخلاف الأحكام الإسلامية؛ فإنَّ الأصل في التّحدُّث بها الاتِّصال، ولا يتعذَّر ذلك؛ لقُرب العهد، وقيل: الْمُراد جوازُ التحدُّث عنهم بما كان من أمرٍ حَسَنٍ، أمَّا ما عُلِم كَذِبُه، فلا. وقيل: من المعلوم أنّ النّبيَّ ﷺ لا يُجيز التّحدُّث بالكذب؛ فالمعنى: حدِّثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون كَذِبَه، وأمَّا ما تجوِّزونه، فلا حرج عليكم في التّحدُّث به عنهم، وهو نَظِير قوله: «إذا حدَّثكم أهلُ الكتاب فلا تصدِّقوهم ولا تكذِّبوهم»، ولم يُرِدِ الإذْنَ ولا المنع من التّحدُّث بما يَقطَع بصدقه[4].
المراجع
- "تفسير ابن كثير" (2/ 91).
- "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لبدر الدين العينيّ (16/ 46).
- انظر: "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (5/ 431).
- انظر: "فتح الباري" لابن حجر (6/ 498، 499).
15. في الحديث إباحةُ ضرب الرّجل امرأتَه للتّأديب، فإنْ ضَرَبها الضَّرْبَ المأذونَ فيه فماتت منه، وجبت دِيَتُها على عاقلة الضَّارب، ووجبت الكفَّارة في ماله [1].
16. في الحديث وجوب نَفَقة الزّوجة وكِسوتها، وذلك ثابتٌ بالإجماع [2].
17. للمرأة حقوق على زوجها، كما أن له حقوقًا عليها؛
قال تعالى:
﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
[البقرة: 228]،
والآية تدلُّ على أن للرجل حقًّا زائدًا نَظِيرَ قَوَامته ومسؤوليته في الإنفاق وغيره.
18. أمر الله تعالى في كتابه بالإحسان إلى الزوجة، وإكرامها، ومعاشرتها بالمعروف، حتى عند انتفاء المحبَّة القلبية؛
قال تعالى:
﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكْرَهُوا شَيْـًٔا وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾
[النساء: 19].
19. إذا تمرَّدت المرأة على زوجها، وعَصَت أمرَه، سَلَك معها طرق الوعظ، أو الهجر في المضجع، أو الضرب، ويُشترَط في الضرب أن يكون غيرَ مبرِّح؛ أي: غير مؤثِّر، بالسِّواك ونحوه؛ فليس الغرَضُ إيذاءَ المرأة ولا إهانتها؛ وإنما إشعارها بأنها مخطئة في حقِّ زوجها، وأن لزوجها الحقَّ في إصلاحها وتقويمها.
20. أكل الربا: هو فضل مال بلا عوض في مُعَاوضَة مال بمال، وهو تعاطيه بالأخذ أو الإعطاء، والأصلُ في معناه الزيادة، يقال: رَبا الشيء إذا زاد، ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى:
﴿يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَوٰا وَيُرْبِى ٱلصَّدَقَٰتِ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾
[البقرة: 276].
21. القتلُ مِن أعظم الكبائر، خاصَّةً إذا كان ظُلمًا وعُدوانًا؛
قال تعالى:
﴿مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفْسًۢا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍۢ فِى ٱلْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحْيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلْبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِى ٱلْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾
[المائدة: ٣٢].
22. قال النَّبِيُّ ﷺ:
«اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «... وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وأكل الربا...»
الحديث [3].
وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ هو إزهاقُ النَّفس المعصومة بالإسلام أو الذمَّة أو العهد أو الأمان، «إلا بالحقِّ»؛ كالقتل قصاصًا أو حدًّا أو رِدَّةً.
المراجع
1. "شرح النوويِّ على مسلم" (8/ 184).
2. "شرح النوويِّ على مسلم" (8/ 184).
3. رواه البخاريُّ (6857)، ومسلم (89).
8. في الحديث أنَّ العَملَ المفضولَ في الوَقتِ الفاضلِ يَعظُم أَجْرُه، ويَلتحِقُ بالعمَلِ الفاضلِ في غَيرِه مِن الأوقاتِ.
9. يشتمل عَشْرُ ذي الحِجَّة على يوم عَرَفَةَ الَّذِي قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عن صِيَامِه:
«أَحْتَسِبْ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْآتِيَةَ»
[1].
10. يشتمل عَشْرُ ذي الحِجَّة على يوم النَّحْرِ الذي هو يَوْمُ الْحَجِّ الأكبر، وقد ورد عن النبيِّ ﷺ أَنَّه قال:
«أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ»
[2].
11. فضَّل كثير من العلماء عشْرَ ذي الحِجَّة على عشْر رمضانَ الأخير؛ لأنّ هذا يُشرَع فيه ما يُشرَع في ذلك، من صيام وصلاة وصدقة وغيره، ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحجِّ فيه [3].
12. من العلماء من فضَّل عشْرَ رمضانَ الأخير على عشْر ذي الحِجَّة؛ لاشتماله على ليلة القدر، الّتي هي خير من ألف شهر [4].
13. من العلماء من توسَّط فقالوا: أيام عشْر ذي الحجّة أفضل، وليالي عشر رمضان الأخير أفضل؛ وبهذا يجتمع شمل الأدلَّة [5].
14. مِن أعظم الأعمال الصالحة والطاعاتِ في عشر ذي الحجة: ذِكرُ اللهِ تعالى، وأعظمُ الذِّكرِ قِراءةُ القُرآنِ، والتَّهليلُ، والتَّكبيرُ، والتَّحميدُ؛ ع
عن ابْنِ عُمَرَ عن النبيِّ ﷺ قال:
«ما مِن أيَّامٍ أعظمُ عِندَ اللهِ، ولا أحَبُّ إليه، مِن العَملِ فيهنَّ مِن هذه الأيَّامِ العَشْرِ؛ فأَكْثِروا فيهِنَّ مِن التَّهليلِ، والتَّكبيرِ، والتَّحْمِيد»
[6].
15. من الأعمال الصالحة في عشر ذي الحجة: الصيام؛ فقد اسْتُدِلَّ بهذا الحديث على فَضْلِ صِيَامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ؛ لانْدِرَاجِ الصَّوم في العمل، وَاسْتُشْكِلَ بتحريم الصوم يَوْمَ العيد، وأُجيب بأنه محمولٌ على الغالب [7].
16. ممن كان يصوم العشْرَ عبدُ الله بن عمرَ - رضي الله عنهما – وذَكَرَ الحسن وابن سيرين وقتادة فضل صيامه، وهو قول أكثر العلماء أو كثير منهم [8].
17. كان ابن سيرين يكره أن يُقال: صام العَشْرَ؛ لأنه يوهِم دخول يوم النحر فيه؛ وإنما يُقال: صام التسع؛ ولكن الصيام إذا أُضيف إلى العشر، فالمراد صيام ما يجوز صومه منه [9].
18. يُستحبُّ الإكثار من الذكر في عشر ذي الحجة؛ فقد دلَّ عليه قولُ الله عزَّ وجلَّ:
{وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}
[الحج: 28]؛
فإن الأيامَ المعلوماتِ هي أيام العشر عند جمهور العلماء[10].
19. روى البخاريُّ في صحيحه:
"وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا"
[11].
20. إن كلَّ فرض أدَّاه المسلم في العَشرِ هو أفْضلُ مِن فرْضٍ أدَّاه في غيرِها من أيام السنة، وكذلك النَّفْلُ في العَشرِ أفضلُ مِن النَّفْلِ في غيرِها، وذلك يَشمَلُ أيضًا ترْكَ المنهيَّاتِ والمنكَراتِ؛ فمَنْ ترَكَ المعصيةَ في هذه العشر كان أجْرُه أفضلَ من تَركِه للمَعصيةِ في غيرِها.
21. «إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ»: هذه حالة فريدة استثناها ، وهو أن يكون رجُلٌ خرَجَ مُخاطِرًا بنفْسِه ومالِه في سَبيلِ اللهِ، ففَقَدَ مالَه، وفاضَتْ رُوحُه في سَبيلِ اللهِ؛ فالجِهادُ بهذه الصُّورةِ الفريدة هو الذي يَفضُلُ على العَملِ الصالحِ في هذه الأيَّامِ العشْرِ.
22. "في الحديث تعظيمُ قَدْرِ الجهاد، وتفاوتُ درجاته، وأن الغاية القُصوى فيه بَذْلُ النفس لله [12].
23. في الحديث "تفضيلُ بعض الأزمنة على بعضٍ؛ كالأمكنة، وفضلُ أيام عَشْرِ ذي الحِجَّة على غيرها من أيَّام السنة، وتَظهَر فائدة ذلك فيمن نَذَرَ الصيام، أو علَّق عملًا من الأعمال بأفضل الأيام، فلو أَفرَد يومًا منها، تعيَّن يومُ عرفةَ؛ لأنه على الصحيح أفضلُ أيام العشر المذكور، فإن أراد أفضل أيام الأسبوع، تعيَّن يوم الجمعة؛ جمعًا بين حديث الباب، وبين حديث أبي هريرة مرفوعًا:
«خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فيه الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ»
[13]"[14].
24. أفضلُ أيّام الأسبوع يومُ الجمعة باتِّفاق العلماء، وأفضل أيّام العام هو يوم النّحر، وقد قال بعضهم: يومُ عرفةَ، والأوّل هو الصّحيح؛
فعن النّبيِّ ﷺ أنّه قال:
«أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ»
[15]
– يوم القَرِّ: الحادي عشر من ذي الحجة - وهو يومُ الْحَجِّ الأكبر؛ كما ثبت عن النَّبِيِّ ﷺ أنه قال:
«يَوْمُ النَّحْرِ هُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ».
[16].[17]
25. في يوم النحر من الأعمال ما لا يُعمَل في غيره؛ كالوقوف بمُزْدَلِفة، ورمي جمرة العقبة وحدها، والنَّحر، والحلق، وطواف الإفاضة، فإنّ فعل هذه فيه أفضل بالسُّنَّة واتِّفاق العلماء [18].
المراجع
- رواه مسلم (1162).
- أ خرجه أحمد (19075)، وأبو داود (1765)، وابن خزيمة (2866)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح أبي داود" (1549).
- "تفسير ابن كثير" (5/ 415، 416).
- "تفسير ابن كثير" (5/ 415، 416).
- "تفسير ابن كثير" (5/ 415، 416).
- رواه أحمد (5446)، وصحَّحه شعيب الأرنؤوط.
- "فتح الباري" لابن حجر (2/ 460).
- "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 262).
- "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 262).
- "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 263).
- "صحيح البخاريِّ" (2/ 20).
- "فتح الباري" لابن حجر (2/ 460).
- رواه مسلم (854).
- "فتح الباري" لابن حجر (2/ 460).
- أخرجه أحمد (19075)، وأبو داود (1765)، وابن خزيمة (2866)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح أبي داود" (1549).
- أخرجه البخاريُّ (3177)، ومسلم (1347).
- "مجموع الفتاوى" (25/ 288).
- "مجموع الفتاوى" (25/ 288).
4. يَدخُل في عموم قولها: "وفي شأنه كلِّه": حالةُ اللِّباس، والأكل، والشُّرب، والأخذ، والعطاء، والاكتحال، والسِّواك، وتقليم الأظفار، وقصُّ الشارب، ونَتْفُ الإبِط، وحَلْقُ الرأس، والمصافَحة، واستلامُ الحَجَر، وما أَشبَه ذلك [1].
5. هذه قاعدة مستمِرَّة في الشرع، وهي أن ما كان من باب التكريم والتشريف؛ كلُبْسِ الثوب والسراويلِ والخُفِّ، ودخول المسجد، والسِّواك، والاكتحال، وتقليم الأظفار، وقصِّ الشارب، وترجيل الشعر - وهو مَشْطُه - ونتف الإبط، وحلقِ الرأس، والسلامِ من الصلاة، وغَسل أعضاء الطهارة، والخروجِ من الخلاء، والأكلِ، والشُّرب، والمصافحة، واستلامِ الحجر الأسود، وغيرِ ذلك مما هو في معناه - يُستحبُّ التيامُن فيه [2].
6. ما كان بضدِّ التكريم والتشريف؛ كدخول الخلاء، والخروج من المسجد، والامتخاط، والاستنجاء، وخلع الثوب والسراويل والخفِّ، وما أشبَهَ ذلك، فيُستحَبُّ التياسُر فيه، وذلك كلُّه بكرامة اليمين وشَرَفِها [3].
7. استعمال الشمال في الطعام والشراب خُلق الشيطان؛ ففي الحديث: «إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله» [4].
المراجع
- "العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام" لابن العطَّار (1/ 104).
- "شرح النوويِّ على مسلم" (3/160).
- "شرح النوويِّ على مسلم" (3/160).
- رواه مسلم (2020).
17. اختلف العلماء فيما بين الأب والأمِّ، فقيل: يجب أن يكون بِرُّهما سواءً، وقيل: إن حقَّ الأمِّ آكَدُ، وأن لها ثُلثَيِ البِرَّ [1].
18. هناك تفصيل في حُكم استئذان الوالدين في الجهاد والهجرة؛ فقولُه ﷺ للذي قال له: أُبايعُك على الهجرة والجهاد، وقوله له: أبتغى الأجر: «ارجعْ إلى والدَيْكَ، فأَحْسِنْ صُحْبتَهما»، وفى الحديث الآخر: «وفيهما فجاهد»: يحتمل أن هذا كان بعد الفتح وسُقوط فرض الهجرة والجهاد، وظُهور الدين، أو كان ذلك من الأعراب وغيره، كانت تجب عليه الهجرة، فرجَّح برَّ والدَيْهِ وعظيم حقِّهما، وكثرة الأجر على بِرِّهما، وأن ذلك أفضل من الجهاد، وحسبُك بهذا، ولم يرَ أهل العلم الجهاد إلا بإذنهما [2].
19. اختُلف في استئذان الوالدينِ إذا كانا مشركينِ، فقال الثوريُّ: هما كالمسلمينِ. وقال الشافعيُّ: له الغزو بغير إذنهما [3].
20. لا إذن للوالدين في الجهاد إذا صار فرضَ عَين ولَزِم النَّفير [4].
21. لا خلاف في وجوب برِّ الوالدين، وأن عقوقهما من الكبائر [5].
22. نقل الحارث المحاسبيُّ الإجماع على تفضيل الأمِّ في البرِّ، وفيه نظر، فهناك خلاف في ذلك، فقال الجمهور بتفضيلها، وقال بعضهم: يكون بِرُّهما سواءً [6].
23. أجمع العلماء على أنّ الأمَّ والأب آكَدُ حُرمةً في البِرِّ ممّن سواهما [7].
24. قيل في قوله ﷺ: «ثمّ أدناك أدناك»: يُستحبُّ أن تقدَّم في البرِّ الأمُّ، ثمَّ الأبُ، ثمّ الأولاد، ثمّ الأجداد والجَدَّات، ثمّ الإخوة والأخوات، ثمّ سائر المحارم من ذوي الأرحام؛ كالأعمام والعمَّات والأخوال والخالات، ويُقدَّم الأقربُ فالأقرب، ويقدَّم من أدلى بأبوينِ على من أدلى بأحدهما، ثمّ بذي الرَّحِم غير الْمَحرَم؛ كابن العمِّ وبنته، وأولاد الأخوال والخالات، وغيرهم، ثمّ بالمصاهرة، ثمّ بالمولى من أعلى وأسفل، ثمّ الجار، ويقدَّم القريبُ البعيدُ الدّار على الجار، وكذا لو كان القريب في بلد آخَرَ قدِّم على الجار الأجنبيِّ، وألحقوا الزّوج والزَّوجة بالمحارم [8].
25. ذهب أهل العلم إلى لُزومُ برِّ الأجداد، وتقديمِهم، وقُرْبِهم من برِّ الآباء؛ ولكن لا يَبلُغ الأجداد مبلغ الآباء؛ فقد سُلب اسم الأبوَّة عنهم في الحقيقة،
ولقوله تعالى:
﴿أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلَاهُمَا﴾
[الإسراء: 23]،
ولو كان حُكْمُ الأجداد حُكْمَ الآباء، لقاله بلفظ الجمع [9].
26. رأى مالك وأصحابه أنه لا يُقتصُّ من الجَدِّ في ابنِ ابنِه إلا أن يفعل به ما لا يُشَكُّ في قصده قتلَه كالأب سواءً، وكذلك قالوا في الجهاد بغير إذنهما، لا يجوز كالآباء، وكذلك اختلفوا في تغليظ الدِّيَة عليه في عمدِ قتلِه، وفى قطعهم في السَّرِقة من مال فقرائهم" [10].
المراجع
1. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (8/ 5 - 7)
2. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (8/ 7).
3. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (8/ 7).
4. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (8/ 7).
5. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (8/ 7).
6. "شرح النوويِّ على مسلم" (16/ 102، 103).
7. "شرح النوويِّ على مسلم" (16/ 102، 103).
8. "شرح النوويِّ على مسلم" (16/ 102، 103).
9. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (8/ 5 - 7).
10. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (8/ 5 - 7).
9. الاستخارة عبارةٌ عن صلاة ودعاء؛ فالصلاة هي ركعتانِ من غير الصلوات المفروضة، ويصحُّ أن تكون سنَّةً راتبة، أو تحيَّةَ مسجد، أو صلاة ضُحًى على الراجح من قولَيِ العلماء، أما استخارةُ الحائض والنُّفَساء، فتكون بالدعاء دون الصلاة.
10. قوله: «فليركع ركعتين»: فيه أنَّ السُّنَّة في الاستخارة كونُها ركعتين، فلا تُجزئ الرّكعةُ الواحدة، وهل يجزئ في ذلك أن يصلِّيَ أربعًا أو أكثرَ بتسليمة، يُحتمَل أن يُقال: يُجزئ ذلك؛ لقوله في حديث أبي أيُّوب «ثمَّ صلِّ ما كَتَب اللَّه لك» فهو دالٌّ على أنّها لا تضرُّ الزّيادة على الرَّكعتين، ومفهومُ العدد في قوله: «فليركع ركعتين» ليس بحُجَّة على قول الجمهور[1].
11. قوله: «في الأمور كلّها» دليلٌ على العموم؛ يَعْنِي: فِي دَقِيق الْأُمُور وجَلِيلها؛ لِأَنَّهُ يجب على الْمُؤمن ردُّ الأمور كلِّها إلى الله عزَّ وجل، والتبرُّؤ من الْحَول وَالْقُوَّة إليه، وأن لا يَحتقِر أمرًا لصِغَره، وعدمِ الاهتمام به، فيَترُك الاستخارة فيه؛ فرُبَّ أمرٍ يستخفُّ بأمره، فيكون في الإقدام عليه ضررٌ عظيم، أو في تركه. لذا؛ رُوِيَ عن النبيِّ ﷺ أنه قال: «ليسأل أحدُكم ربَّه حتّى في شِسْعِ نَعْله»[2].
12. لا تُصلَّى الاستخارة وقتَ نهيٍ؛ إلَّا في أمر يَخشى فَواتَه قبل خروج وقت النهيِ، فلا بأس أن يستخيرَ ولو في وقت النهيِ، أما ما كان فيه الأمر واسعًا، فلا يجوز أن يَستخير وقتَ النهيِ، فلا يستخير بعد صلاة العصر، وكذلك بعد الفجر حتى ترتفع الشمس مِقدارَ رُمح، وكذلك عند زوالها حتى تَزُول، لا يستخير إلا في أمر قد يفوت عليه[3].
13. اختلف العلماء في قوله: «من غير الفريضة»، فقيل: لا يحصل التّسنُّنُ بوقوع الدُّعاء بعد صلاة الفريضة، والسُّننِ الرّاتبة، وتحيَّةِ المسجد، وغير ذلك من النَّوافل. وقيل: إنّه يحصل التَّسنُّن بذلك. وقيل: إن كان همُّه بالأمر قبل الشّروع في الرَّاتبة ونحوها ثمَّ صلَّى من غير نيَّة الاستخارة، وبدا له بعد الصَّلاة الإتيان بدعاء الاستخارة، فالظّاهر حصول ذلك[4].
14. قوله: «ثمّ ليَقُلْ» فيه أنّه لا يضرُّ تأخُّر دعاء الاستخارة عن الصَّلاة ما لم يَطُلِ الفصل، وأنّه لا يضرُّ الفصل بكلام آخَرَ يسير، خصوصًا إن كان من آداب الدُّعاء؛ لأنّه أتى ب[ثمّ] المقتضية للتّراخي.
15. الظاهر استحبابُ تَكرار الصّلاة والدُّعاء، وقد يُستدلُّ للتَّكرار بأنّ النّبيَّ ﷺ كان إذا دعا، دعا ثلاثًا، وهذا وإن كان المرادُ به تَكرارَ الدّعاء في الوقت الواحد، فالدُّعاءُ الَّذي تُسنُّ الصّلاة له، تُكرَّر الصّلاة له؛ كالاستسقاء[5].
16. بعد الصلاة ودعاء الاستخارة إن انشرح صدره بأحد الأمرين، بالإقدام أو الإحجام، فهذا المطلوبُ، يَأخُذ بما يَنشرِح به صدره، فإن لم ينشرح صدره لشيء، وبَقِي متردِّدًا، أعاد الاستخارة مرَّةً ثانية وثالثة، ثم بعد ذلك المشورة، إذا لم يتبيَّن له شيء بعد الاستخارة، فإنه يُشاور أهل الرأي والصلاح، ثم ما أُشير عليه به فهو الخيرُ إن شاء الله؛ لأن الله تعالى قد لا يجعل في قلبه بالاستخارة مَيْلاً إلى شيء معيَّن؛ حتى يستشير، فيجعل اللهُ تعالى مَيْلَ قلبِه بعد المشورة.
17. اختلف العلماء: هل المقدَّم المشورة أو الاستخارة؟ والصحيحُ أن المقدَّم الاستخارة، فقدِّم أوَّلاً الاستخارة؛ لقول النبيِّ ﷺ: «إذا همَّ أحدكم بالأمر، فليُصلِّ ركعتين...» إلى آخره، ثمَّ إذا كرَّرتَها ثلاثَ مرَّات، ولم يتبيَّن لك الأمر، فاستشِرْ، ثمَّ ما أُشير عليك به، فخُذْ به، وإنما قلنا: إنه يَستخير ثلاثَ مرَّات؛ لأن من عادة النبيِّ ﷺ أنه إذا دعا، دعا ثلاثًا، والاستخارة دعاءٌ، وقد لا يتبيَّن للإنسان خيرُ الأمرين من أوَّل مرَّةٍ؛ بل قد يتبيَّن في أوَّل مرَّة، أو في الثانية، أو في الثالثة، وإذا لم يتبيَّن، فليَستشِرْ[6].
المراجع
- "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (3/ 88).
- رواه الترمذيُّ (3604) بلفظ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا حَتَّى يَسْأَلَ شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ». وضعَّفه الألبانيُّ في "الجامع الصغير وزيادته" (10413).
- "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (4/ 161).
- "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (3/ 88).
- "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (3/ 89، 90).
- "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (4/ 162، 163).
20. قوله: «عبدًا حبشيًّا». قيل: ذُكر على سبيل الْمَثَل؛ إذ لا تَصِحُّ خلافته لقوله ﷺ: «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ»[1]. وقيل: تَصِحُّ إمارته مُطْلَقًا، وكذا خلافتُه تَسَلُّطًا كما حدث في القرون المتأخِّرة[2].
21. قوله: «عبدًا حبشيًّا»: يَحتمِل أن النبيَّ ﷺ أخبر بفساد الأمر، ووضعه في غير أهله، حتى تُوضع الولاية في العبيد، فإذا كانت فاسمعوا وأطيعوا؛ تغليبًا لأهون الضررين، وهو الصبرُ على ولاية مَن لا تجوز ولايته؛ لئلَّا يُفضيَ إلى فتنة عظيمة[3].
22. قوله: «وإن تأمَّر عليكم عبدٌ حبشيٌّ»، سواءٌ كانت إمرتُه عامَّةً؛ كالرئيس الأعلى في الدولة، أو خاصَّةً كأمير بلدة، أو أمير قبيلة وما أشبه ذلك[4].
23. قوله: (والسمع والطاعة): هذا الإطلاق مقيَّد بما قيَّده به النبيُّ ﷺ حيث قال: «إنما الطاعة في المعروف»[5]، يعني فيما يُقرُّه الشرع، وأما ما يُنكره الشرع، فلا طاعة لأحد فيه، حتى لو كان الأبَ أو الأمَّ أو الأمير العامَّ أو الخاصَّ؛ فإنه لا طاعة له[6].
24. كلُّ ما أمر به وليُّ الأمر، إذا كان معصيةً لله، فإنه لا سمع له ولا طاعة، يجب أن يُعصى عَلَنًا ولا يُهتمَّ به، إن من عصى الله وأمر العباد بمعصية الله، فإنه لا حقَّ له في السمع والطاعة؛ لكن يجب أن يُطاع في غير هذا؛ فليس معنى ذلك أنه إذا أَمَر بمعصية، تسقط طاعته مطلَقًا؛ إنما تسقط طاعته في هذا الأمر المعيَّن الذي هو معصية لله، أما ما سوى ذلك، فإنه تجب طاعته[7].
25.
قال تعالى:
{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِ}
[النساء: 59]
فطاعةُ وليِّ الأمر في غير معصية طاعةٌ لله ولرسوله"[8].
26. قوله: «عليكم بسُنَّتي»؛ أي: الزَموا سُنَّتِي، والسُّنَّة: الطريقة، وهي: كلُّ ما نُقل عن النبيِّ ﷺ من قولٍ، أو فعلٍ، أو إقرار[9].
27. أمر ﷺ بالرجوع إلى سُنَّة الخلفاء الراشدين لعلمه أنهم لا يُخطئون سُنَّته، فيما يَستخرجونه من سُنَّته بالاجتهاد، ومن هذا الباب قتالُ أبي بكر مانعي الزكاة، وقتال عليٍّ المارقة.
28. أمر ﷺ بالرجوع إلى سُنَّة الخلفاء الراشدين؛ لعلمه أن شيئًا من سُنَّته لا يَشتهِر في زمانه، وإن علِمه الأفراد من صحابته، ثم يَشتهِر في زمان الخلفاء، فيُضاف إليهم، فربما يتذرَّع أحدٌ إلى ردِّ تلك السُّنة بإضافتها إليهم، فأطلق القول باتِّباع سُنتهم؛ سدًّا لهذا الباب [10].
29. قوله: «وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين» المراد بهم: أبو بكر، وعمرُ، وعثمانُ، وعليٌّ رضوان الله عليهم أجمعين؛ فإنهم الذين انعقد عليهم الإجماعُ بالخلافة الراشدة، وربما يكون المراد بهم العلماءَ وأئمة الإسلام المجتهدين في أصول الأحكام؛ فإنهم خلفاؤه في إحياء الحقِّ، وإعلاء الدين، وإرشاد الناس إلى الطريق المستقيم[11].
30. في الحديث دليل على أن واحدًا من الخلفاء الراشدين إذا قال قولًا وخالفه غيره من الصحابة، كان المصير إلى قوله أَوْلى، وإليه ذهب الشافعيُّ - رضي الله عنه - في القديم، قال: والحديث يدلُّ على تفضيل الخلفاء الراشدين على غيرهم من الصحابة، وترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة[12].
31. قوله: «وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين» فسنَّة هؤلاء الخلفاء تأتي بعد سنَّة الرسول ﷺ، فلو تعارضت سنَّة خليفة من الخلفاء مع سنَّة محمد ﷺ، فإن الحكم لسنَّة محمد ﷺ لا لغيرها؛ لأن سنَّة الخلفاء تابعة لسنَّة النبيِّ ﷺ[13].
32. «وإياكم ومحدثاتِ الأمور»؛ أي: المحدثاتِ في دين الله؛ وذلك لأن الأصل فيما يَدين به الإنسان ربَّه، ويتقرَّب به إليه، الأصل فيه المنع والتحريم، حتى يقوم دليل على أنه مشروع؛ ولهذا أنكر اللهُ - عزَّ وجلَّ - على من يحلِّلون ويحرِّمون بأهوائهم
فقال تعالى:
{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}
[النحل: 116]
وأنكر على من شرع في دينه ما لم يأذن بها
فقال:
{ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}
[الشورى: 21]
وقال:
{قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ}[14].
[يونس: 59]
33. أمور الدنيا لا يُنكَر على مُحْدَثاتِها إلا إذا كان قد نُصَّ على تحريمه، أو كان داخلًا في قاعدة عامَّة تدلُّ على التحريم؛ لأن الأصل الحلُّ، إلا ما نصَّ الشرع على تحريمه؛ كتحريم الحرير والذهب على الرجال، وتحريم ما فيه الصورة، وما أشبه ذلك[15].
34. قوله: «فإن كل بدعة ضلالة» يشمل ما كان مبتدَعًا في أصله، وما كان مبتدَعًا في وصفه. فمثلًا: لو أن أحدًا أراد أن يَذكُر الله بأذكار معيَّنة بصفتها أو عددها، بدون سنَّة ثابتة عن رسول الله ﷺ، فإنا ننكر عليه، ولا ننكر أصل الذكر؛ ولكن نُنكر ترتيبه على صفة معيَّنة بدون دليل[16].
35. كلُّ بدعة ضلالة، وفي الحديث ردٌّ على مَن يقسِّم البدعة في الدين إلى حسنة وسيئة[17].
المراجع
- رواه أحمد (12900)، وغيره، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2188).
- "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (1/ 252).
- انظر: "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" للبيضاويِّ (1/ 137)، "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص: 97).
- "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (2/ 276).
- رواه البخاريُّ (7145)، ومسلم (1840).
- "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (2/ 276 - 278).
- "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (2/ 278).
- "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (2/ 279).
- انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (2/ 409).
- انظر: "الميسر في شرح مصابيح السنة" للتوربشتيِّ (1/ 89)، "المفاتيح في شرح المصابيح" للمظهريِّ (1/ 272).
- "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" للبيضاويِّ (1/ 137).
- "شرح المشكاة الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (2/ 634، 635).
- "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (2/ 283).
- "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (2/ 283).
- "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (2/ 285).
- "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (2/ 286).
- انظر: "الفوائد المستنبطة من الأربعين النووية وتتمتها الرجبية"، عبد الرحمن بن ناصر البراق (ص: 76).
18. من كانت له مَظْلِمَةٌ عند الرجل، فحلَّلها له، هل يُبَيِّنُ مَظْلِمتَه؟ هناك خلافٌ في صِحَّةِ الإبراء من المجهول، بين صحَّة الإبراء من المجهول ومن الْمُجمَل، وبين اشتراط تعيين المظلمة وقدرها[1]
19. إن تعلَّق بالمعصية حقٌّ ماليٌّ؛ كمنع الزكاة، والغَصْبِ، والجنايات في أموال الناس، وَجَب مع ذلك تبرئة الذمَّة عنه، بأن يؤدِّيَ الزكاة، ويردَّ أموال الناس إن بَقِيَت، ويَغرَم بَدَلها إن لم تبقَ، أو يستحلَّ المستحقَّ، فيبرِّئه، ويجب أن يعلم المستحِقُّ إن لم يَعلَم به، وأن يوصِّله إليه إن كان غائبًا، إن كان غصبُه منه هناك، فإن مات، سلَّمه إلى وارثه، فإن لم يكن له وارث وانقطع خبرُه، دَفَعه إلى قاضٍ تُرضى سيرتُه وديانته، فإن تعذَّر، تصدَّق به على الفقراء بنِيَّة الغرامة له إن وَجَده[2]
المراجع
- "فتح الباري" لابن حجر (5/ 101).
- "روضة الطالبين وعمدة المفتين" للنوويِّ (11/ 246).
13. المقصودُ أنَّ هذه الأعمالَ الثلاثةَ تُسْقِطُ الذنوبَ التي تقدَّمَتْهَا كلَّها، كبيرَهَا وصغيرها؛ فإنَّ ألفاظَهَا عامَّةٌ خرجَتْ على سؤالٍ خاصٍّ؛ فإنَّ عَمْرًا ـ رضى الله عنه ـ إنما سأل أن تُغْفَرَ له ذنوبُهُ السابقةُ بالإسلام، فأُجِيبَ على ذلك؛ فالذنوبُ داخلةٌ في تلك الألفاظِ العامَّةِ قطعًا، وهي بحكم عمومها صالحةٌ لتناوُلِ الحقوقِ الشرعيَّة، والحقوقِ الآدميَّة، وقد ثبَتَ ذلك في حَقِّ الكافر الحربيِّ إذا أسلَمَ؛ فإنَّه لا يُطَالَبُ بشيء مِنْ تلك الحقوق، ولو قَتَلَ وأَخَذَ الأموالَ، لم يُقْتَصَّ منه بالإجماع، ولو خرجَتِ الأموالُ مِنْ تحت يده، لم يطالَبْ بشيء منها[1]
المراجع
- المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" لأبي العباس القرطبيِّ (2/ 94).