12- في الحديث وجوبُ قراءة الفاتحة، وأنّها متعيِّنة لا يُجزي غيرها إلّا لعاجز عنها، وهذا مذهب مالك والشّافعيِّ وجمهور العلماء من الصّحابة والتّابعين فمن بعدهم... والصّحيحُ الّذي عليه جمهورُ العلماء من السَّلَف والخلف وجوبُ الفاتحة في كلّ ركعة؛ لقوله r للأعرابيّ المسيء صلاتَه: «ثم افعل ذلك في صلاتك كلّها» [1]
13- احتجَّ القائلون بأنّ البسملة ليست من الفاتحة بهذا الحديث، وهو من أوضح ما احتجُّوا به. قالوا: لأنّها سبع آيات بالإجماع، فثلاثٌ في أوّلها ثناء، أوَّلها: (الحمد للّه)، وثلاثٌ دعاء، أولها: (اهدنا الصراط المستقيم)، والسّابعة متوسّطة، وهي: (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين)، قالوا: ولأنّه سبحانه وتعالى قال: «قسمت الصّلاة بيني وبين عبدي نصفين»، فإذا قال العبد: (الحمد للّه ربّ العالمين) فلم يذكر البسملة، ولو كانت منها لذَكَرها [2]
14- قوله تعالى: «فإذا قال العبد: اهدنا الصّراط المستقيم» إلى آخر السّورة، «فهذا لعبدي»: فيه دليل على أنّ (اهدنا) وما بعده إلى آخر السّورة ثلاثُ آيات لا آيتان، وفي المسألة خلاف مبنيٌّ على أنّ البسملة من الفاتحة أم لا، فمذهب الشافعية ومذهب الأكثرين أنّها من الفاتحة، وأنّها آية، واهدنا وما بعده آيتان، ومذهب مالك وغيره ممّن يقول: إنّها ليست من الفاتحة، يقول: اهدنا وما بعده ثلاث آيات [3]
المراجع
- "شرح النوويِّ على مسلم" (4/102، 103).
- "شرح النوويِّ على مسلم" (4/ 103).
- "شرح النوويِّ على مسلم" (4/ 104).
10-الإجماعُ قائم على وجوب صلاة الجُمعة على الإطلاق[1]
11- في الحديث استحباب اتِّخاذ الْمِنبَر، وهو سُنَّة مجمَع عليها[2]
12- من فضائل يوم الجمعة: الاغتسال؛
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي اللَّه عنه:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ»
[3]
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي اللَّه عنهمَا:
أَنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ قَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الجُمُعَةَ، فَلْيَغْتَسِلْ»
[4]
- 13- من فضائل يوم الجمعة: التطيُّب والتطهُّر؛
فعَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى»
[5]
- 14- من فضائل يوم الجمعة: لُبس أحسن الثياب؛ اتباعًا لهَدْيِ النبيِّ ﷺ حيث كان يُعِدُّ أحسن ثيابه للوفد والجمعة؛
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ:
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ المَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ، فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ
[6]،
وعن عبد الله بن سلام أنه سمع النبيَّ ﷺ يقول على المنبر يوم الجمعة:
«ما على أحدكم إن وجد أن يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِه»
[7].
- 15- من فضائل يوم الجمعة: التبكير إلى المسجد؛
عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:
«مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ»
[8]
- 16- من فضائل يوم الجمعة: قراءة سورة الكهف في يومها؛
فعن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه أن النبيَّ ﷺ قال:
«من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بين الجُمُعتين»
[9]
- 17- من فضائل يوم الجمعة: الإكثار من الدعاء، وتحرِّي ساعة الإجابة؛
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ ﷺ :
«إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً، لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ، قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللهَ خَيْرًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» وَقَالَ بِيَدِهِ: يُقَلِّلُهَا يُزَهِّدُهَا
[10]
- 18- من فضائل يوم الجمعة: الإكثار من الصلاة على النبيِّ ﷺ؛
فعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيَّ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ عَلَيْكَ صَلَاتُنَا وَقَدْ أَرَمْتَ؟ يَقُولُونَ: قَدْ بَلِيتَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ»
[11]
- 19- صلاة الجمعة هي الصلاة الجامعة، التي لا تصحُّ إلا جماعة، ويتحتَّم أن يتجمَّع فيها المسلمون، ويلتقوا، ويستمعوا إلى خطبة تذكِّرهم بالله، وتعلِّمهم بعض شرائع دينه.
- 20- على المسلمين بمجرَّد سماعهم للأذان أن يتركوا البيع وسائر شؤون المعاش ويسعوا إلى ذكر الله ويذهبوا للصلاة؛
﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ﴾
[الجمعة: 9]
- 21- التركُ للعبادة على ثلاثة أقسام: الأول لعُذر، والثاني لجَحْد، والثالث للإعْراض عنها جهلًا؛ فأما الأول فيُكتَب له أجرُه، وأما الثاني فهو كافرٌ، وأما الثالث فهو المتهاوِنُ، وهي من جملة الكبائر، وسواءٌ صلاها ظُهرًا، أو تركها أصلًا[12]
- 22- تسقط الجُمعة بأعذارٍ كثيرةٍ، منها الخوف على النفس والمال[13]
المراجع
- "سبل السلام" للصنعانيِّ (1/ 397).
- "شرح النوويِّ على مسلم" (6/ 152).
- رواه البخاريُّ (879)، ومسلم (846).
- رواه البخاريُّ (877).
- رواه البخاريُّ (883).
- رواه البخاريُّ (886).
- رواه أبو داود، وصحَّحه الألبانيُّ في صحيح ألب داود (989).
- رواه البخاريُّ (881)، ومسلم (850).
- رواه البيهقيُّ (5792)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (736).
- رواه البخاريُّ (5294)، ومسلم (852).
- رواه أحمد (16262)، وأبو داود (1047)، وابن ماجه (1085)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (696).
- "عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي" لابن العربي (2/ 285).
- "فتح الباري" لابن رجب (8/67).
13- قوله: «قد أبدلَكم بهما خيرًا منهما؛ يوم الأضحى ويوم الفطر» دليلٌ على إباحة اللعب في يومَيِ العيد، والمراد به اللعبُ المباحُ في الشريعة، مما يُمدَح به، أو ما لا يكون فيه إثمٌ[1]
14- في يوم النَّحر من الأعمال ما لا يُعمَل في غيره؛ كالوقوف بمزدلفة، ورميِ جمرة العقبة وحدَها، والنَّحر، والحَلْق، وطواف الإفاضة، فإنّ فعل هذه فيه أفضل بالسّنَّة واتّفاق العلماء[2]
15- اختلف العلماء في حكم صلاة العيد على ثلاثة أقوال: الأول: أنها واجبة على الأعيان، وهو قول الأحناف[3]، والثاني: أنها سنَّة مؤكَّدة، وهو قول مالك وأكثر أصحاب الشافعيِّ[4] الثالث: أنها فرض كفاية، وإذا تَمَالَأَ أهل بلد على تركها يُقاتَلون، وهو مذهب الحنابلة، وقال به بعض أصحاب الشافعيِّ [5]
16- لقد أمر الله تعالى بصلاة العيد؛
فقال تعالى:
( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ ﱠ )
[الكوثر : 2]،
وهي من أعلام الدين الظاهرة، وأعلام الدين الظاهرة فرض كالأذان وغيره[6]
17- صلاة العيد من أعظم شعائر الإسلام، والنّاس يجتمعون لها أعظمَ من الجمعة، وقد شُرع فيها التّكبير.
18- قول من قال: صلاة العيد فرضٌ على الكفاية، لا ينضبط؛ فإنّه لو حضرها في الْمِصر العظيم أربعون رجلًا، لم يحصل المقصود؛ وإنّما يحصل بحضور المسلمين كلّهم كما في الجمعة[7]
19- كان النّبيُّ ﷺ يخرج إلى المصلَّى ويَدَع مسجده، وكذلك الخلفاء بعده، ولا يترك النّبيُّ ﷺ الأفضل مع قُربه، ويتكلَّف فعل النّاقص مع بُعده، ولا يَشرَع لأمّته ترك الفضائل، ولأنّنا قد أُمرنا باتّباع النّبيّ ﷺ والاقتداء به، ولا يجوز أن يكون المأمور به هو النّاقصَ، والمنهيُّ عنه هو الكاملَ، ولم يُنقَل عن النّبيِّ ﷺ أنّه صلّى العيد بمسجده إلّا من عُذر، ولأنّ هذا إجماع المسلمين[8]
20- وقت صلاة العيد: من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى الزوال؛ فقد أجمع الفقهاء على أنّ العيد لا تصلَّى قبل طلوع الشّمس، ولا عند طلوعها؛ وإنّما تجوز عند جواز النّافلة[9]
21- كان النَّبِيُّ ﷺ يؤخِّر صلاة عيد الفطر، ويعجِّل الأضحى؛ حيث إن لكل عيد وظيفة، فوظيفة الفطر إخراج الزكاة، ووقتها قبل الصلاة، ووظيفة الأضحى التضحية، ووقتُها بعد الصلاة([10]).
22- يُستحبُّ للنّاس إظهار التّكبير في ليلتَيِ العيدين في مساجدهم ومنازلهم وطُرقهم، مسافرين كانوا أو مقيمين، وهو في الفطر آكَدُ؛
لقول اللّه تعالى:
(وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ)ﱠ
[البقرة: 185] [11]
23- يكبِّر الناس في الطريق إلى صلاة العيد، ويرفعون أصواتهم به، والنساء تكبِّرن؛ ولكن بخفض الصوت؛
عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ:
«كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ العِيدِ حَتَّى نُخْرِجَ البِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا، حَتَّى نُخْرِجَ الحُيَّضَ، فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ، وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ اليَوْمِ وَطُهْرَتَهُ»
[12]
24- يجب على النساء التستُّر، وعدم السفور والطِّيب والزينة التي فيها فتنةٌ للرجال.
25- يُستحبُّ الاغتسال، والتطيُّب، والتطهُّر، ولُبس أحسن الثياب، والتجمُّل في الهيئة بإحفاء الشوارب، وتقليم الأظفار... إلخ.
26- يُستحبُّ مخالفة الطريق إلى الصلاة ذَهابًا وإيابًا؛
فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي اللَّه عنهمَا، قَالَ:
«كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ»
[13]
وذلك لحِكَم منها: إظهار شعائر الإسلام، وليشهد له الطريقان، ولإظهار ذكر الله تعالى، ولإغاظة المنافقين أو اليهود، والسلام على أهل الطريقين، أو تعليمهم، أو الصدقة، أو ليصل رَحِمه... إلخ.
27- إظهار السّرور في الأعياد من شعار الدِّين، فيُشرَع الفرح في أيّام الأعياد، والتّوسعة على العيال بأنواع ما يحصل لهم بَسْطُ النّفس، وترويح البدن من كَلَف العبادة [14]
28- العيدان وما فيهما من صلاة وتكبير وإظهار للفرح والسرور والتوسعة على العيال تكليف فرديٌّ في ذاته؛ ولكنه فرديٌّ في صورة جماعية، ففيها تظهر قوَّة المجتمع الإسلاميِّ، ونظامه، ووَحدته، وجماله، ونظافته، واجتماعه. لذا؛ وردت أحاديثُ كثيرةٌ في فضلها، والحثِّ عليها، والتهيُّؤ لها بالاغتسال، والثياب النظيفة، والطِّيب.
المراجع
- انظر: "شرح سنن أبي داود" لابن رسلان (5/ 666).
- "مجموع الفتاوى" (25/ 288).
- انظر: المبسوط (2/37)، بدائع الصنائع (1/274)، تحفة الفقهاء (1/275).
- انظر: الشرح الصغير (1/523)، والقوانين الفقهية (85)، والأم (1/ 240)، والمهذَّب (1/163).
- انظر: المغني (3/253)، كشاف القناع (2/55).
- انظر: المغني (3/254).
- "مجموع الفتاوى" (23/ 161، 162).
- "مجموع الفتاوى" (3/260).
- "فتح الباري" لابن حجر (2/ 457).
- انظر: المغني (3/267).
- المغني (3/255).
- رواه البخاريُّ (971)، ومسلم (890).
- صحيح البخاري (2/ 23)، (986).
- "فتح الباري" لابن حجر (2/ 443).
9- من أوضح الأدلّة على وجوب الجماعة
قولُه تعالى:
( وَإِذَا كُنتَ فِيهِمۡ فَأَقَمۡتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلۡتَقُمۡ طَآئِفَةٞ مِّنۡهُم مَّعَكَ)
[النساء: 102]
فآية صلاة الخوف هذه من أوضح الأدلّة على وجوب الجماعة؛ لأنّ الأمر بها في هذا الوقت الحَرِج دليل واضح على أنّها أمر لازم؛ إذ لو كانت غيرَ لازمة، لَما أَمَر بها في وقت الخوف؛ لأنّه عذر ظاهر[1]
10- الجماعة واجبة على الرجال، لا على النساء؛ ودليل عدم وجوبها على النساء حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌلَهُنَّ»[2]
11- أقلُّ الجماعة إمامٌ ومأموم، فلولا الإمامُ ما سُمِّي المأمومُ مأمومًا، وكذا عكسُه[3]
12-ةالحديث دليل على أن الجماعة غير شرط للصلاة، وإلا لم تكن صلاة الفذِّ ذاتَ درجة حتى تَفضُل عليها صلاة الجماعة بدرجات، والتمسُّك به على عدم وجوبها ضعيفٌ؛ إذ لا يلزم من عدم اشتراطها عدم وجوبها، ولا من جعلها سببًا لإحراز الفضل الوجوب؛ فإن غير الواجب أيضًا يوجب الفضل[4]
13- هذا الحديث ردٌّ على داودَ في قوله: إن من صلَّى فذًّا، وترك الجماعة، لا تُجزئه صلاته. ووجهُ الردِّ عليه: أنه ﷺ قال: «صلاة الجماعة أفضلُ من صلاة الفذِّ»، فشرَّك بينهما في الفضيلة، وذلك لا يكون إلا بعد الحُكم بصحة كلِّ صلاة منهما[5]
14- اختلف العلماء في هذا الفضل المضاف للجماعة: هل هو لأجل الجماعة فقط حيث كانت، أو إنما يكون ذلك الفضل للجماعة التي تكون في المسجد؛ لما يلازم ذلك من أفعال تختصُّ بالمساجد؛ كإكثار الخُطا إلى المساجد، وكتب الحسنات، ومحو السيئات بكل خُطوة، وانتظار الصلاة، ودعاء الملائكة، ومراعاة آداب دخول المسجد، إلى غير ذلك؟ والظاهر الأول؛ لأن الجماعة هو الوصف الذي عُلِّق عليه الحكم.
15- تأخير الصلاة في جماعة خيرٌ من التبكير بها فردًا، إلا أن يخاف فوات الوقت.
16- التفاوت في الدرجات إنما هو للذي لا عُذرَ له في ترك الجماعة؛ أما المعذور فيكتُب الله له مثلَ عمله الذي كان يعمله قبلَ طُروء العُذر.
المراجع
- "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" للشنقيطيِّ (1/ 263).
- أخرجه أحمد (5468)، وأبو داود (567)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الجامع (7458).
- "فتح الباري" لابن حجر (2/ 133).
- "فيض القدير" للمناويِّ (4/ 217).
- "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" لأبي العباس القرطبيِّ (6/ 60).
14- يُستحبُّ لُبس الثياب الحسنة عند الذهاب إلى المسجد،
قال تعالى:
( يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ)
[الأعراف: 31].
15- نهى النبيُّ ﷺ عن حضور المساجد لمن أكل الثُّوم أو البصل ونحوهما، وهي ليست محرَّمة؛ ولكن نُهي عنها لرائحتها التي تؤذي المصلِّين والملائكة؛
عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبيَّ ﷺ قال:
«مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ، وَالثُّومَ، وَالْكُرَّاثَ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ»
[1]
16- يُستحبُّ عند دخول المسجد ذكر الأدعية الواردة في ذلك، ويدخل برجله اليُمنى؛
قال رسول الله ﷺ:
«إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ»
[2]
17-إذا دخل المسجد صلَّى ركعتين؛ تحيَّةً للمسجد؛
قال رسول الله ﷺ قال:
«إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ»
[3]
المراجع
- رواه البخاريُّ (855)، ومسلم (564).
- رواه مسلم (713).
- رواه البخاريُّ (444)، ومسلم (714).
قوله: «وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُمْ... إلَخْ» فيه دليل على أنه ينبغي أن يُخْرِج الزكاة من أوساط المال، لا من شِراره، ولا من خياره [1].
هذا الحديث خرج مخرجَ الغالب؛ فإن المرض في الحيوانات نادرٌ، ومُراد النبيِّ تحذيرُ مَن ينتخبون أراذل أموالهم للصدقة، فأما مَن كان كلُّ ما عنده مريضٌ، فإنه يُجزئه أن يُخرجَ عنها المريض كذلك [2].
المراجع
1. "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (4/ 160).
2. انظر: "شرح سنن أبي داود" لابن رسلان (7/ 517).