عن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ»
عن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ»
يبين النبيُّ ﷺ عظيمَ فضلِ العبادةِ في زمان الفتن؛ حيث ينشغل النَّاسُ بالشهوات والمَلَذَّات وتكثر المعاصي وتُسفك الدِّماء، فيخبر ﷺ أن العبادة في تلك الأوقات تُضاهي في ثوابِها ثوابَ المهاجرِ الذي يترك أهلَه ووطنَه ومالَه في سبيل اللهِ تعالى وطاعةً للنبيِّ ﷺ.
والعبادةُ: "اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة، وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف لعذابه وأمثال ذلك هي من العبادة لله"[1]
والهَرْجُ: كثرة الفتن وانتشار القتل،
ومنه قوله ﷺ:
«يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ العَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الهَرْجُ»، قَالُوا: وَمَا الهَرْجُ؟ قَالَ: «القَتْلُ القَتْلُ»
[2]
وإنما كانت العبادةُ في ذلك الزمان خاصَّةً عظيمةَ الأثر؛ لأنَّ الغالب حينئذ على النَّاس الوقوع في الفتن وعدم المبالاة بالحلال والحرام، فكان المنعزلُ عن عامَّة النَّاس مثلَ المهاجر الذي ترك قومَه على شِركِهم وكفرهم وخرج فارًّا بدينه[3]
اشغل نفسَك بالطاعة وإلا شغلتْكَ بالمعصية.
لا تغترَّ بكثرة الهالكين، ولا تيأس من قلة السَّالكين، فإنَّ أتباع كلِّ باطلٍ كثيرون.
في الحديث دليلٌ على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عزَّ وجلَّ كما كان طائفةٌ من السلف يستحبُّون إحياء ما بين العشاءين بالصلاة، ويقولون: هي ساعة غفلة؛ ولذلك فضِّل القيام في وسَط الليل المشمول بالغفلة لأكثر الناس فيه عن الذكر [4]
العبادة في زمان الفتن ووقت الغفلة تساوي في الأجر الهجرةَ من دار الكفر إلى دار الإسلام، ولا أجرَ يرتقي على الهجرة، بل
إنَّ الله تعالى قال:
{الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}
[التوبة: 20].
أخبر النبيُّ ﷺ بوقوع الفتن في آخر الزمان لكي يستعدَّ لها المسلمُ ويتأهب بالمبادرة إلى الطاعات والتمسك بحبل اللهِ تعالى.
العبادة في وقت الغفلة أمانٌ للنَّاس، فلولا العُبَّاد في زمان الفتن لدمَّرَ اللهُ تعالى الأرضَ ومن عليها. فاحرص أن تكون صمام أمان للمسلمين.
قال الشاعر:
إذَا لَمْ أجِدْ خِلاًّ تَقِيًّا فَوَحْدَتي = ألذُّ وأشهى من غويٍّ أعاشِرُهْ
وأَجلِسُ وَحْدي للعبادة آمِنًا = أَقَرُّ لعَيْشِي من جَلِيسٍ أُحاذِرُهْ