عن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ»
عن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ»
روي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ رضي الله عنه ، عن النَّبِيِّ ﷺ: «الْعِبَادَةُ»؛ أي: ثَوَابُ العبادة مع الاستقامة والاستدامة عليها. «فِي الْهَرْجِ»؛ أي: زَمَنَ احتدام الفِتنة، وكثرة القتل، واختلاط أمر الناس.
«كَهَجْرَةٍ إِلَيَّ»؛ أي: مثلُ ثَواب الهجرة إلى النبيِّ ﷺقَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ.
الفتن بلاءٌ عظيم يَبتلي الله به هذه الأمَّة، وقد أخبرَنا النبيُّ ﷺ بحدوثها قبلَ وقوعها، وهذا من دلائل نبوَّته، ومعجزة ظاهرة له، وَقَعت كما أخبر بها؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَأَيَّامًا، يَنْزِلُ فِيهَا الجَهْلُ، وَيُرْفَعُ فِيهَا العِلْمُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الهَرْجُ»[1] أي: الفتن، وفي الحديث دلالةٌ على أن زيادة الفتن وشُيوعها وظهورها من علامات قُرب الساعة، نسأل الله السلامة والثبات، وقد فسَّرها النبيُّ ﷺ بالقتل أيضًا كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ العَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الهَرْجُ»، قَالُوا: وَمَا الهَرْجُ؟ قَالَ: «القَتْلُ القَتْلُ»[2].
ووجَّهَنا ربُّ العزَّة - عزَّ وجلَّ - إلى الصبر والصلاة عند مواجهة الْمُلِمَّات والشدائد والفتن؛
فقال تعالى:
واستعينوا بالصبر والصلاة
[البقرة: 45]
وأرشَدَنا النبيُّ ﷺ لِمَا ينبغي على المسلم عَمَلُه حين حدوثها؛ حتى يَسلَم من شرِّها بإذن الله، فأمَرَنا بالاستعانة بالعبادة في مواجهة هذه الفتن، وأن ثوابها وقتَ الفِتَن يَعدِل ثواب الهجرة.
فقال ﷺ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ»؛ أي: أداء العبادات، والطاعات، والمحافظة عليها، وقتَ الفتن، واختلاط الأمور، وكثرة القتل بين الناس، فعبادةُ الله في زمن كَثُرت فيه الفتن، واستَعَرَتْ فيه الشَّهَوات، وعمَّ فيه الفساد، تُعَدُّ هجرةً خالصة إلى الله تعالى ورسوله.
والعبادةُ: اسم جامع لكل ما يحبُّه الله ويرضاه، من صلاة وصدقة وصيام وحجٍّ، وبرٍّ وصلة وإحسان، وأمر بالمعروف ونهيٍ عن المنكر، وغيرها من أنواع العبادات، فهي الغاية التي خَلَقَنا الله من أجلها؛
قال تعالى:
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
[الذاريات: 56]
،
وقال تعالى:
﴿ وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِيٓ إِلَيۡهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدُونِ ﴾
[الأنبياء: 25].
قوله ﷺ: «كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ»؛ أي: في كثرة الثواب؛ يعني: كثواب الهجرة من مكَّةَ إلى المدينة قبل فتح مكة، أو يُقال: المهاجر في الأول كان قليلًا؛ لعدم تمكُّن أكثر الناس من ذلك، فهكذا العابد في الهرْج قليل.
"وجهُ تمثيله بالهجرة أن الزمن الأوَّل كان الناس يَفِرُّون فيه من دار الكفر وأهله، إلى دار الإيمان وأهله، فإذا وقعت الفتن، تعيَّن على المرء أن يَفِرَّ بدينه من الفتنة إلى العبادة، ويَهجُر أولئك القوم، وتلك الحالة، وهو أحدُ أقسام الهجرة"[3].
هذا؛ وقد ارتفعت منزلة العبادة في الفتنة، وعَلَت مكانتها، حتى تساوت بالهجرة؛ لأسباب متعدِّدة، ذكرها العلماء في ثنايا شروحهم، وهي كالتالي:
السبب الأول: إذا عَمَّت الفتن اشتغلت القلوب، وإذا تعبَّد حينئذٍ متعبِّدٌ، دلَّ على قُوَّة اشتغال قلبه بالله - عزَّ وَجلَّ - فيَكْثُر أجره[4].
السبب الثاني: أن المتمسِّك بالعبادة في ذلك الوقت، والمنقطع إليها المعتزل عن الناس، أجرُه كأجر المهاجِر إلى النبيِّ ﷺ؛ لأنَّه يناسبه من حيث إن المهاجر قد فرَّ بدينه عمَّن يَصُدُّه عنه إلى الاعتصام بالنبيِّ ﷺ، وكذلك هذا المنقطِع للعبادة فرَّ من الناس بدينه إلى الاعتصام بعبادة ربِّه، فهو على التحقيق قد هاجر إلى ربِّه، وفرَّ من جميع خلقِه[5].
السبب الثالث: أن الناس يَغْفُلون عنها ويَشْتَغلون عنها، ولا يتفرَّغ لها إلا أفراد[6].
السبب الرابع: أن الناس في زمن الفتن يتَّبِعون أهواءهم، ولا يرجعون إلى دين، فيكون حالهم شبيهًا بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم مَن يتمسَّك بدينِه ويَعبُد ربَّه، ويتَّبِع مَرَاضيَه، ويجتنب مساخطه، كان بمنزلة مَن هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله ﷺ مؤمنًا به، متَّبِعًا لأوامره، مجتنبًا لنواهيه[7].
السبب الخامس: أن العبادة في وقت غفلة الناس شاقَّة وشديدة على النفوس؛ لأن النفوس تقتدي بما تشاهده، والناس كأسراب القَطَا يتْبَع بعضهم بعضًا، فإذا كَثُرت الغفلة تأسَّى بهم عموم الناس، فتشقُّ العبادات على نفوس الصالحين، فإذا قاموا بها على أكمل وجه، كانت منزلتهم بمنزلة من هاجر من مكَّةَ إلى المدينة
قال ابن العربيِّ رحمه الله : "وجهُ تمثيله بالهجرة أن الزمن الأوَّل كان الناس يَفِرُّون فيه من دار الكفر وأهله، إلى دار الإيمان وأهله، فإذا وقعت الفتن، تعيَّن على المرء أن يَفِرَّ بدينه من الفتنة إلى العبادة، ويَهجُر أولئك القوم، وتلك الحالة، وهو أحدُ أقسام الهجرة"[1].
قال ابن رجب رحمه الله: "«العبادة في الفتنة كالهجرة إليَّ»، وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتّبِعون أهواءهم، ولا يرجعون إلى دين، فيكون حالهم شبيهًا بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم من يتمسَّك بدينه، ويَعبُد ربَّه، ويتَّبِع مَرَاضيَه، ويجتنب مساخطه، كان بمنزلة مَن هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله ﷺ مؤمنًا به، متَّبِعًا لأوامره، مجتنبًا لنواهيه. ومنها أن المفرد بالطاعة من أهل المعاصي والغفلة قد يَدفَع البلاء عن الناس كلِّهم، فكأنه يحميهم ويدافع عنهم. قال بعض السلف: ذاكرُ الله في الغافلين كَمَثل الذي يحمي الفئة المنهزِمة، ولولا مَن يذكر الله في غفلة الناس لهَلَك الناس. وقد قيل في تأويل
وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض
وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض
[البقرة: 251]
: إنه يَدخُل فيها دفعُه عن العصاة بأهل الطاعة، وجاء في الأثر: إن الله يدفع بالرجل الصالح عن أهله وولده وذُرِّيَّته ومَن حولَه"[2].
قال القاضي عياض رحمه الله: "وقوله: «العبادة في الفتنة كالهجرة إليَّ»؛ أي في احتدام الفتنة، واختلاط أمر الناس، فيُحمل أنه في آخر الزمان الذي أنذر به في الحديث بقوله: "ويَكثُر الهرْج"، ويُحتمَل أنه عمومًا في كلِّ وقت، وفضِّل الانعزال حينئذ لعبادة الله"[3].
قال النوويُّ رحمه الله: "قَوْلُهُ ﷺ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ»: الْمُرَادُ بِالْهَرْجِ هُنَا: الْفِتْنَةُ وَاخْتِلَاطُ أُمُورِ النَّاسِ، وَسَبَبُ كَثْرَةِ فَضْلِ الْعِبَادَةِ فِيهِ أَنَّ الناس يَغفُلون عنها، ويشتغلون عنها ولا يتفرَّغ لها إلا أفراد"[4].
قال الملا علي القاري رحمه الله: "«العبادة»؛ أي: ثوابُها مع الاستقامة والاستدامة عليها، «في الهرج»؛ أي: زمنَ الفتنة، ووقتَ المحاربة بين المسلمين. «كهجرة إليَّ» أي: قبل فتح مكّة، ومن كانت هجرته إلى اللّه ورسوله فهجرته إلى اللّه ورسوله"[5].
قال ابن رجب رحمه الله: "وفيه دليلٌ على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عزَّ وجلَّ كما كان طائفةٌ من السلف يستحبُّون إحياء ما بين العشاءين بالصلاة، ويقولون: هي ساعة غفلة؛ ولذلك فضِّل القيام في وسَط الليل المشمول بالغفلة لأكثر الناس فيه عن الذكر؛ ولهذا المعنى كان النبيُّ ﷺ يريد أن يؤخِّر العشاء إلى نصف الليل، وإنما علَّل ترك ذلك لخشية المشقَّة على الناس، ولَمَّا خَرَج على أصحابه وهم ينتظرونه لصلاة العشاء قال لهم: «ما ينتظرها أحدٌ من أهل الأرض غيركم»، وفي هذا إشارة إلى فضيلة التفرُّد بذكر الله في وقت من الأوقات لا يوجَد فيه ذاكرٌ له؛ ولهذا وَرَد في فضل الذكر في الأسواق ما ورد من الحديث المرفوع والآثار الموقوفة، وسبب ذلك أنه ذِكْرٌ في موطن الغفلة بين أهل الغفلة... وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائدُ؛ منها: أنه يكون أخفى، وإخفاءُ النوافل وإسرارها أفضلُ، لا سيَّما الصيامُ؛ فإنه سرٌّ بين العبد وربِّه؛ ولهذا قيل: إنه ليس فيه رياءٌ، وقد صام بعض السلف أربعين سنةً لا يَعلَم به أحدٌ، كان يخرُج من بيته إلى سوقه ومعه رغيفان، فيتصدَّق بهما ويصوم، فيظنُّ أهله أنه أَكَلهما، ويظنُّ أهل السوق أنه أَكَل في بيته، وكانوا يستحبُّون لمن صام أن يُظهر ما يُخفي به صيامه؛ فعن ابن مسعود أنه قال: إذا أصبحتم صيامًا، فأصبحوا مدَّهنين، وقال قتادة: يُستحبُّ للصائم أن يدَّهِن حتى تذهب عنه غَبرة الصيام، وقال أبو التياح: أدركت أبي ومشيخة الحيِّ إذا صام أحدُهم ادَّهَن ولَبِس صالح ثيابه"[6].
قال ابن تيمية رحمه الله: "والعبادةُ هي الغاية الّتي خَلق اللّه لها العباد من جهة أمر اللّه ومحبَّته ورضاه؛ كما
قال تعالى:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾
[الذاريات: 56]
وبها أَرسَل الرُّسل، وأنزل الكتب، وهي اسم يَجمَع كمال الحبِّ للّه ونهايتَه، وكمالَ الذُّلِّ للّه ونهايتَه؛ فالحبُّ الخَليُّ عن ذُلٍّ، والذُّلُّ الخليُّ عن حبٍّ، لا يكون عبادةً؛ وإنّما العبادة ما يَجمَع كمال الأمرين؛ ولهذا كانت العبادة لا تَصلُح إلّا للّه، وهي وإن كانت منفعتُها للعبد، واللّه غنيٌّ عن العالمين، فهي له من جهة محبَّته لها ورضاه بها"[7].
قال ابن رجب رحمه الله: "الخلق إنما خُلقوا ليؤمروا بالعبادة؛ كما قالَ:
قال تعالي
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
[الذاريات: ٥٦]
وإنما أُرسلت الرسل، وأُنزلت الكتب لذلك، فالعبادة حقُّ الله على عباده، ولا قدرة للعباد عليها بدون إعانة الله لهم، فلذلك كانت هذه الكلمة بين الله وبين عبده؛ لأن العبادة حقُّ الله على عبده، والإعانة من الله فضل من الله على عبده"[8].
قال ابن تيمية رحمه الله: "العبادة: هي اسم جامع لكلِّ ما يحبُّه اللّه ويرضاه، من الأقوال والأعمال الباطنة والظّاهرة؛ فالصّلاةُ والزّكاة والصّيام والحجُّ، وصِدق الحديث وأداء الأمانة، وبرُّ الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود، والأمرُ بالمعروف والنّهيُ عن المنكَر، والجهادُ للكفّار والمنافقين، والإحسانُ إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السّبيل والمملوك من الآدميِّين والبهائم، والدّعاءُ والذِّكْرُ والقراءة، وأمثال ذلك من العبادة، وكذلك حبُّ اللّه ورسوله، وخشية اللّه والإنابة إليه، وإخلاص الدّين له، والصَّبْرُ لحُكمه، والشُّكر لنِعَمه، والرّضا بقضائه، والتّوكُّلُ عليه، والرّجاء لرحمته، والخوفُ لعذابه، وأمثالُ ذلك، هي من العبادة للّه؛ وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة له والْمَرْضِيَّة له، الّتي خَلق الخلق لها؛ كما
قال تعالى:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾
[الذاريات: 56]
وبها أَرسَل جميع الرُّسل[9].
قال ابن حجر رحمه الله: "والهجرةُ بمعنى الترك والهجرةِ إلى الشـيء: الانتقالُ إليه عن غيره، وفي الشـرع: تركُ ما نهى الله عنه، وقد وقعت في الإسلام على وجهين؛ الأول: الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن؛ كما في هجرتَيِ الحبشة وابتداء الهجرة من مكَّةَ إلى المدينة، والثاني: الهجرةُ من دار الكفر إلى دار الإيمان، وذلك بعد أن استقرَّ النبيُّ ﷺ بالمدينة وهاجر إليه مَن أَمكَنه ذلك من المسلمين، وكانت الهجرة إذ ذاك تختصُّ بالانتقال إلى المدينة، إلى أن فُتحت مكةُ، فانقطع الاختصاص، وبقيَ عموم الانتقال من دار الكفر لمن قَدَر عليه باقيًا"[10].
قال ابن رجب رحمه الله: "وأصل الهجرة: هِجْران بلد الشِّرك، والانتقال منه إلى دار الإسلام، كما كان المهاجرون قبل فتح مكَّةَ يهاجرون منها إلى مدينة النّبيِّ ﷺ، وقد هاجر من هاجَر منهم قبل ذلك إلى أرض الحبشة إلى النّجاشيِّ، فأخبر ﷺ أنّ هذه الهجرة تختلف باختلاف النّيَّات والمقاصد بها، فمن هاجر إلى دار الإسلام حبًّا للّه ورسوله، ورغبةً في تعلُّم دين الإسلام، وإظهار دينه حيث كان يَعجِز عنه في دار الشِّرك، فهذا هو المهاجر إلى اللّه ورسوله حقًّا، وكفاه شرفًا وفخرًا أنّه حصل له ما نواه من هجرته إلى اللّه ورسوله. ولهذا المعنى اقتصر في جواب هذا الشّرط على إعادته بلفظه؛ لأنّ حصول ما نواه بهجرته نهاية المطلوب في الدّنيا والآخرة. ومن كانت هجرته من دار الشّرك إلى دار الإسلام لطلب دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها في دار الإسلام، فهجرته إلى ما هاجر إليه من ذلك، فالأوّل تاجر، والثّاني خاطب، وليس واحد منهما بمهاجر. وفي قوله: «إلى ما هاجر إليه» تحقير لما طلبه من أمر الدّنيا، واستهانة به، حيث لم يذكر بلفظه. وأيضًا فالهجرة إلى اللّه ورسوله واحدة فلا تعدُّد فيها؛ فلذلك أعاد الجواب فيها بلفظ الشّرط. والهجرة لأمور الدّنيا لا تنحصر، فقد يهاجر الإنسان لطلب دنيا مباحة تارةً، ومحرَّمة تارةً، وأفراد ما يقصد بالهجرة من أمور الدّنيا لا تنحصر؛ فلذلك قال: «فهجرته إلى ما هاجر إليه»؛ يعني: كائنًا ما كان"[11].
الْهَرْج: الفتنة في آخر الزمان، وقيل: القتال والاختلاط فيه، وأصلُ الهَرْج الكثرة في الشيء[1]
الْهِجْرَة: الاسم من الْهَجْر، ضدُّ الوصل، ثم غَلَب على الخروج من أرض إلى أرض، وترك الأولى للثانية[2].