عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ عِنْدَهَا، وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أُرَاهُ فُلاَنًا»، لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ كَانَ فُلانٌ حَيًّا - لِعَمِّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ - دَخَلَ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ؛ الرَّضَاعَةُ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الوِلادَةُ» 

فقهٌ

1. بينما رسولُ اللهِ ﷺ في حجرة عائشةَ رضي الله عنها، إذ سَمِعتْ عائشةُ صوتَ رجلٍ يستأذن للدخول على حفصةَ رضي الله عنها، فأخبرتْ عائشةُ رضي الله عنها النبيَّ ﷺ بذلك، فقال لها ﷺ: أظنُّه فلانًا، وذكر اسمَ عمِّ حفصةَ من الرَّضاعة. وفي قوله ﷺ ذلك تجويزٌ لدخولِه عليها، وإلا لَأنكَرَ عليه ذلك وقام إليه ومنعه.

2. فلمَّا سَمِعت أمُّ المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها ذلك، قالت: لو كان عمِّي فلانًا -وذكرتْ اسمَه- حيًّا، أكان له أن يَدخُل عليَّ ويَخلو بي فيكون له حكمُ العمِّ من النَّسب؟ فأخبرها ﷺ بأنَّ الرَّضاعة تُحَرِّم ما يُحَرِّمُ النَّسب.

وفي حديثٍ آخَرَ

عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت:

اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي القُعَيْسِ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الحِجَابُ، فَقُلْتُ: لا آذَنُ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ فِيهِ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «وَمَا مَنَعَكِ أَنْ تَأْذَنِي؟ عَمُّكِ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي؛ وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي القُعَيْسِ، فَقَالَ: «ائْذَنِي لَهُ؛ فَإِنَّهُ عَمُّكِ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ»

[1].

وقد أجمع الفقهاءُ على أنَّ الرَّضاع يُحرِّم ما يحرِّم النَّسبُ [2]، وعُرضت ابنةُ حمزةَ ﷺ على النبيِّ ﷺ فقال:

«لا تَحِلُّ لِي؛ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هِيَ بِنْتُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ»

[3].

إلَّا أنَّه يُشترَط في ذلك أن يكون رَضاعًا في فترة الرَّضاع، فلا تتحقَّق الحرمةُ بالرضاع الحاصلِ بعد الفطامِ؛

فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ:

دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي رَجُلٌ، قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، مَنْ هَذَا؟»، قُلْتُ: أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ؛ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ المَجَاعَةِ»

[4].

ولا يَحصُل التحريم بمجرَّد المصَّة والمَصَّتين، بل إذا رضَع الصبيُّ خمسَ رضعات، يَلتقِم الثديَ في كلِّ مرَّةٍ فيَشرَب منه ثم يَدَعه باختياره، فهذه مرَّةٌ وإن قصُر وقتُها [5]؛

لقول أمِّ المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها:

«كان فيما نزَلَ مِنَ القُرآنِ: عَشْرُ رَضَعاتٍ مَعلوماتٍ يُحَرِّمْنَ، ثمَّ نُسِخْنَ بخَمسٍ مَعلوماتٍ، فتُوفِّيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهُنَّ فيما يُقرأُ مِنَ القُرآنِ»

[6].


اتباعٌ

  1. (1) لا يجوز للمرأة أن تأذَن لأحدٍ بدخول البيت من غير إذنِ زوجِها، ولهذا أخبَرت عائشةُ رضي الله عنها النبيَّ ﷺ باستئذان رجلٍ على حَفصة رضي الله عنها.

  2. (1) إذا كان الصحابةُ رضوان الله عليهم لا يجوز لهم الدخول على النساءِ والخَلْوة بهنَّ، وهُم أطهرُ النَّاس وأفضلهم بعد الأنبياء، فكيف بغيرِهم من سائرِ النَّاس؟

  3. (1) لا يجوزُ للمرءِ أن يَتشدَّد في دِين اللهِ عزَّ وجلَّ إلا لحاجةٍ؛ فمتى كان الرجلُ مَحْرَمًا للمرأة لم يَمنَعْه من الدخول عليها ومصافحتِها والسَّفرِ بها ونحوِ ذلك، إلا أن يُرتابَ في دِينِه وخُلُقه؛ فالنبيُّ ﷺ لم يَمنَعِ الرجلَ من الدخول على حفصةَ ولا غَضِب من ذلك.

  4. (1) لا يجوزُ للرجُل أن يَدخُل على امرأةٍ من مَحارِمِه من غير استئذانٍ، ولو كانت أختَه أو أُمَّه.

  5. (2) أقوالُ النبيِّ ﷺ الأصلُ فيها العموم والتشريع، إلا ما دلَّ الدليلُ على أنَّه خاصٌّ به أو بالمخاطَب؛ فلمَّا سَمِعت عائشةُ رضي الله عنها إذنَه ﷺ لعمِّ حفصةَ رضي الله عنها ظنَّت أنَّ ذلك خاصٌّ بها، فسألتْه عن عمِّها من الرَّضاع، فأخبرها ﷺ أنه لو كان حيًّا لَمَا منَعه من الدخول عليها.

  6. (2) على الرجل أن يَتعاهدَ أهلَه ويُعَلِّمَهُم أمورَ دينهم، ويُبيِّن لهم ما يحتاجون إليه من الأحكام. 

  7. (2) لا يجوز التساهُل في مسائل الرَّضاع والإذنِ في الدخول والخَلْوة والسفر ونحو ذلك، بل يجِبُ على المسلمِ أن يَتبيَّن ويتأكَّد من ذلك؛ فليس كلُّ رضاعٍ مُحَرِّم؛ إذ يُشترَط فيه أن يكون في فترة الرَّضاع، وأن تكونَ الرضعاتُ خمسًا يَحصُل بها بعضُ الشِّبع، ولهذا قال ﷺ لعائشةَ رضي الله عنها: «انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ» [7].

المراجع

1. رواه البخاريُّ (4796)، ومسلم (1445).

2. قال ابن المنذر في "الإجماع" (ص: 82): وأجمعوا على أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.

3. رواه البخاري (2645)، ومسلم (1447).

4. رواه البخاري (2647)، ومسلم (1455).

5. انظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (34/57)، "سبل السلام" للصنعاني (2/311).

6. رواه مسلم (1452).

7. رواه البخاري (2647)، ومسلم (1455).



مشاريع الأحاديث الكلية