فقه:
1- أخبر أُبَيٌّ ﷺ أن النبيَّ ﷺ سأله مرةً، فقال: أتعلم أي آية من كتاب الله تعالى أعظم، وأعلى في الثواب والفضل وعظيم المنزلة؟
2- فأجاب أُبَيٌّ بإسناد العلم إلى الله تعالى وإلى نبيه ﷺ، وإن كان عنده بالجواب؛ تعظيمًا للكلام في الدين، ورعايةً للأدب، وتواضعًا.
وإنما أسند العلمَ إلى النبيِّ ﷺ بعد اللهِ تعالى لأنَّ ذلك من أمور الشرع التي بيَّنها اللهُ تعالى لنبيه ﷺ، أما أمور الغيبيات فلا يجوز فيها إسناد العلم إلى غير الله تعالى
﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾
3- ثم كرَّر النبيُّ ﷺ السؤالَ على أُبَيِّ بن كعب يستحثه على الجواب، دون اكتفاءٍ منه بتفويض العلم إلى الله ورسوله.
4- فلمَّا رأى أُبَيٌّ ذلك أجاب بأن تلك الآية هي آية الكرسي.
وإنما لم يُجب من المرة الأولى لأنَّه اعتاد أنَّ النبيَّ ﷺ يسأل لاستثارة الأفهام وجلب الأسماع، ولأنَّه ﷺ ربَّما يُجيب بغير المعتاد؛ كأن يكون نزل الوحي عليه يُخبره بأفضلية آية أخرى مثلًا، أو يزيده فائدة أخرى، فلمَّا كرَّر النبيُّ ﷺ السؤال، علم أُبَيٌّ أنَّه ﷺ يريد استظهار ما عنده من العلم والفهم، ولهذا أجاب بأنها آية الكرسيِّ [1].
وإنما كانت آية الكرسيِّ أعظم آيات القرآن لما فيها من بيان توحيد الله تعالى، وإثبات صفات الكمال له سبحانه، وذكر أسمائه الحسنى، ونفي كل ما يُوهم النقص في حقِّه سبحانه مثل النَّوم ومقدماته.
5- فضرب النبيُّ ﷺ في صدر أُبَيٍّ إشارةً إلى انشراحه وامتلائه علمًا وحكمة، وهذا تلطُّف منه ﷺ؛ ليتمكَّن العلمُ في صدره، وتنشيطٌ له، وترغيبٌ في أن يزداد علمًا وبصيرة، وفَرَحٌ بما ظهر عليه من آثاره المباركة [2].
6- ثم دعا له النبيُّ ﷺ : هنيئاً لك بأن يكون العلمُ يسبب له الهناء والسعادة، وأن يكون راسخًا في العلم متقنًا له، وهو دعاءٌ متضمن معنى الإشادة والإخبار بعلم أُبَيٍّ [3].
ولآية الكرسي فضائل كثيرة، فجاء أنها أعظم آية، وأنها حفظ من الشيطان، وتقرأ بعد الصلاة المفروضة، وقبل النوم، وغير ذلك[4]
اتباع:
1- خاطب الآخرين بالألقاب التي يحبونها -مما لا تكره شرعًا- فقد كان ﷺ لأصحابه ينادي أصابه بكُنى يحبونها، رغم علوِّ منزلته وصغر سِنِّهم، وأنهم في منزلة التلاميذ منه ﷺ. فحَرِيٌّ بكل مسلم أن يقتدي به ﷺ في ذلك، خاصةً العلماء وأهل الدعوة والتربية؛ فعليهم ملاطفة طلابهم بالكلام الجميل والأسلوب المهذب، والمناداة لهم بأحب الأسماء ونحو ذلك، فلذلك أعظم الأثر في نفوسهم.
2- عوِّد لسانك على قول (الله أعلم) ، فهي أسلم لك، وأعزّ لك، وهي دأب أهل العلم، فأبيِّ بن كعب من أهل العلم بالقرآن حتى قال ﷺ: «خذوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وأبيِّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة»[5]، وهو كان عنده علم أو ظنٌّ غالب بجواب السؤال عن أعظم آية، ومع ذلك فقد بادر إلى إيكال العلم إلى الله تعالى.
3- من أساليب التعليم المؤثرة التي تلقى عند الطالب والمُعلِّم صداها: أسلوب السؤال والجواب؛ فإن المسؤول إذا فوجئ بسؤالٍ لم يعرف له جوابًا كان حريصًا على معرفة الجواب، وأفضل لثبوت الجواب في ذهنه وعدم نسيانه، بخلاف إملاء العلم وإلقائه على المتلقي فقد يكون عُرضة للنسيان.
4- من جميل الأدب أدب السؤال، وله أحوال: فقد يسكت عن جواب سؤالٍ يعلم جوابَه، إجلالًا للسائل، ورغبةً في الإنصات لما عنده من الجواب، الذي ربما يكون فيه زيادة عمَّا عنده، وقد يجتهد في الإجابة عند وجود المعلم الذي يصحح له الخطأ إن أخطأ.
5- اعتن بآية الكرسي، فهي إن كانت أعظم آية فقد عظم شأن حفظها، وتعلمها، وتدبر آياتها، وتعليمها؛ سواء في البيوت، أو المدارس، أو في بحوث أهل العلم.
6- في ضرب النبي ﷺ لصدر أبي بن كعب بعد جوابه مؤانسة حسية له ، وتثبيت للعلم، فقد بقيت في ذهنه، وفي أذهان الرواة من بعده.
7- إذا رأيت طلابك وأولادك وأصحابك أصابوا الحقَّ، فادعُ له، وأثنِ عليهم، واعترف بصوابهم، ولا تتكبر عليهم، وأعط كل ذي حق حقه، ؛ كما فعل النبي ﷺ مع أُبَيِّ بن كعب.
8- دلَّ الحديث على أنَّه يجوز للإنسان أن يمدح غيره في وجهه إن كانت هناك مصلحة من ذلك، كأن يكون في مدحه تحفيزٌ له على المداومة على الخير والجدِّ والاجتهاد.
المراجع
- "البحر المحيط الثجاج" للإتيوبيِّ (16/ 395).
- "المفهم" لأبي العباس القرطبيِّ (2/ 436).
- "الكاشف عن حقائق السنن" للطيبيِّ (5/ 1644).
- انظر: "تفسير ابن كثير" آية (255).
- البخاري (4999) ومسلم (2464).